الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(باب)
في الوديعة
وأحكامها
(الوديعة) مأخوذة من الودع بفتح الواو بمعنى الترك، وفعيلة: بمعنى مفعولة، وحقيقتها عرفاً:(مال) فمن استحفظ ولده أو زوجته غيره فلا يسمى وديعة عرفاً (موكل) اسم مفعول أي وكل ربه غيره (على حفظه) أي مجرد حفظه، فخرج القراض والإبضاع والمواضعة والوكالة.
ولما كانت الوديعة أمانة، وكل أمانة لا يضمنها الأمين إلا إذا فرط من يصح توكيله فيها، أشار لذلك بقوله [1]:(تضمن بتفريط رشيد، لا) بتفريط (صبي و) لا (سفيه) كذا عبد لم يأذن له سيده، لعدم صحة وكالتهم كما تقدم، فمن استودع واحداً منهم فهو المفرط في ماله إلا أن في العبد تفصيلاً سيذكر قريباً (وإن أذن أهله) أي: ولي الصبي والسفيه فلا ضمان إلا فيما صون به ماله وهو مليء كما تقدم وأشار للتفصيل في العبد بقوله: (ويضمنها) العبد (غير المأذون) إذا قبلها بغير إذن سيده وفرط (في ذمته إن عتق) لا إن لم يعتق (إلا أن يسقطها) أي يسقط ضمانها (عنه سيده قبله) أي قبل العتق فلا ضمان عليه.
وأما المأذون له في التجارة فيضمنها في ذمته عاجلاً في ماله لا مال السيد، ولا يتوقف الضمان على عتقه. وكذا الصبي إذا نصبه وليه للتجارة فقولهم: لا ضمان على صبي فرط وإن أذن له وليه: أي ما لم ينصبه للتجارة والمعاملات بين الناس.
ثم بين وجوه التفريط بقوله: (فتضمن) الوديعة (بسقوط شيء عليها منه): أي من يد المودع ولو خطأ؛ لأن الخطأ كالعمد في الأموال وزدنا عليه لفظ منه لبيان مراده إذ هو محل التفريط (لا) يضمن (إن انكسرت) الوديعة منه (في نقل مثلها المحتاج إليه) من مكان إلى آخر فإذا لم تحتج إلى النقل فنقلها، أو احتاجت ونقلها نقل غير مثلها
ــ
مسألة أخرى: لو استلحق رجل ولداً ولحق به شرعاً ثم أنكره ثم مات الولد بعد الإنكار فلا يرثه أبوه المنكر ووقف ماله، فإن مات الأب فلورثته؛ لأن إنكاره لا يقطع حقهم وقضي به دينه إن مات وعليه دين، وإن قام غرماؤه عليه وهو حي أخذوه في دينهم، وأما لو مات الأب أولاً فإن الولد يرثه ولا يضر إنكار أبيه، ويلغز بهذه المسألة: ابن ورث أباه ولا عكس وليس بالأب مانع، ويقال أيضاً: مال يرثه الوارث ولا يملكه مورثه، ويقال أيضاً: مال يوقف لوارث الوارث دون الوارث ويقال أيضا: مال يقضى منه دين الشخص ولا يأخذه هو.
باب في الوديعة
حكمها كما قال (شب) عن ابن عرفة: من حيث ذاتها للفاعل والقابل مباحة، وقد يعرض وجوبها: كخائف فقدها الموجب هلاكه أو فقره إن لم يودعها مع وجود قابل لها يقدر على حفظها. وحرمتها: كمودع شيء غصبه ولا يقدر القابل على جحدها ليردها إلى ربها أو للفقراء إن كان المودع مستغرق الذمة، ولذا ذكر عياض في مداركه عن بعض الشيوخ: أن من قبل وديعة من مستغرق ذمة ثم ردها إليه ضمنها للفقراء، ثم قال: وندبها حيث يخشى ما يوجبها دون تحققه، وكراهتها حيث يخشى ما يحرمها دون تحققه اهـ.
قوله: [بمعنى للترك]: أي ومنه قوله تعالى: {ما ودعك ربك وما قلى} [الضحى: 3] أي ما ترك عادة إحسانه في الوحي إليك؛ لأن المشركين ادعوا ذلك لما تأخر عنه الوحي.
قوله: [وفعيلة بمعنى مفعولة]: المناسب التفريع بالفاء.
قوله: [وحقيقتها عرفاً]: أي وأما لغة: فهي الأمانة، وتطلق على الاستنابة في الحفظ. وذلك يعم حق الله وحق الآدمي.
قوله: [أي وكل ربه غيره على حفظه]: أي فالإيداع نوع خاص من التوكيل؛ لأنه وكيل على خصوص حفظ المال. وإذا علمت أن الإيداع توكيل خاص تعلم أن كل من جاز له أن يوكل وهو البالغ العاقل الرشيد جاز له أن يودع، ومن جاز له أن يتوكل جاز له أن يقبل الوديعة.
قوله: [فخرج القراض]: أي؛ لأنه موكل على حفظه والتجر فيه والإبضاع؛ لأنه موكل على حفظه والتصرف فيه بما أمره المالك، وخروج الأمة التي تتواضع؛ لأنه ليس المقصود منها حفظ ذات الأمة من حيث هي، بل المحافظة عليها لأجل رؤية الدم.
وقوله: [والوكالة]: أي مطلقاً على نكاح أو طلاق أو اقتضاء دين أو مخاصمة؛ لأنه ليس توكيلاً على مجرد حفظ مال.
قوله: [من يصح توكيله]: أي وهو البالغ العاقل الرشيد.
قوله: [سيذكر قريباً]: أي في قوله ويضمنها العبد غير المأذون إلخ قوله: [إلا فيما صون به ماله]: أي يضمن قدر المال الذي صون كما لو كان يصرف من ماله كل يوم عشرة فانتفع بتلك الوديعة في يوم من الأيام، فإنه لا يؤخذ من ماله إلا مقدار عشرة ولو كانت الوديعة مائة.
قوله: [غير المأذون]: أي وغير المكاتب.
قوله: [إلا أن يسقطها]: أي؛ لأن للسيد إسقاط الحقوق المالية التي تعلقت بالعبد غير المأذون قبل عتقه ويصير لا تبعة عليه بعد ذلك.
قوله: [وأما المأذون له في التجارة]: أي ومثله المكاتب.
قوله: [أي ما لم ينصبه للتجارة]: أي كالصبيان الجالسين في الدكاكين بمصر: فضمانهم كضمان الحر الرشيد؛ لأن يدهم بمنزلة يد أوليائهم.
قوله: [ولو خطأ]: أي هذه إذا كان السقوط عمداً، بل ولو كان خطأ كمن أذن له في تقليب شيء فسقط من يده فكسر غيره فلا يضمن الساقط؛ لأنه
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (قوله).
ضمن إن انكسرت. ونقل مثلها: ما يرى الناس أنه ليس فيه بمفرط فزيادتنا عليه: "المحتاج إليه" لا بد منها.
(و) تضمن (بخلطها): أي الوديعة بغيرها إذا تعذر تمييزها عما خلطت فيه (إلا كقمح) وفول من سائر الحبوب (بمثله) نوعاً وصفة، فإن خلط سمراء بمحمولة ضمن، وكذا جيد برديء أو نقي بغلث ودخل تحت الكاف دنانير بمثلها، أو دراهم بمثلها؛ لأنها لا تراد لعينها.
(أو دراهم بدنانير) لتيسر التمييز فلا يضمن إذا خلطها (للإحراز أو الرفق) راجع للصورتين فإن لم يكن الخلط للصون ولا للارتفاق ضمن؛ لاحتمال عدم تلفها أو ضياعها لو كانت على حدة، ويعلم ذلك بقرائن الأحوال التي تقتضي التفريط وعدمه. وكون القيد راجعاً للمسألتين ظاهر. فالاعتراض على الشيخ بأن القيد إنما ذكروه في الأولى دون الثانية مما لا يلتفت إليه.
(ثم إن تلف بعضه) بعد الخلط (فبينكما) على حسب الأنصباء من النصف أو الثلث أو غيرهما، فإذا ضاع اثنان من أربعة لأحدهما واحد وللثاني ثلاثة فالاثنان الباقيان لصاحب الثلاثة منهما واحد ونصف ولصاحب الواحد نصف وهكذا (إلا أن يتميز) التالف من السالم كما في خلط الدنانير والدراهم فما تلف فعلى ربه خاصة.
(و) يضمن (بانتفاعه بها) بلا إذن من ربها، فتلفت أو تعيبت بسبب ذلك؛ كركوب الدابة واستخدام العبد ولبس الثوب. واختلف فيما إذا هلك في استعماله بأمر من الله تعالى فقال سحنون: يضمن؛ لأنه كالغاصب وقال ابن القاسم: لا يضمن بناء على أن الغالب فيما تعطب بمثله السلامة؛ كما لو أرسل العبد أو ركب الدابة لنحو السوق فمات من الله.
(أو سفره) بها: أي إذا سافر فأخذ الوديعة معه فضاعت أو تلفت فإنه يضمن (إن وجد أميناً) يتركها عنده؛ لأنه حينئذ صار مفرطاً بأخذها معه.
ــ
مأذون له فيه، ويضمن الأسفل بجنايته عليه خطأ والعمد والخطأ في أموال الناس سواء كما أفاده الشارح، وفي (ح) لا يجوز للمودع إتلاف الوديعة ولو أذن له ربها في إتلافها، فإن أتلفها ضمنها لوجوب حفظ المال كمن قال لرجل اقتلني أو ولدي.
قوله: [ضمن إن انكسرت]: أي في الصور الثلاث.
والحاصل: أن الصور أربع؛ لا ضمان في صورة المصنف: وهي ما إذا احتيج للنقل ونقلها نقل مثلها فانكسرت، والضمان فيما عداها: وهو ما إذا لم تحتج لنقل ونقلها فانكسرت؛ كأن نقل مثلها أم لا أو احتاجت للنقل ونقلها غير نقل أمثالها فانكسرت.
قوله: [ونقل مثلها ما يرى الناس] إلخ: أي وهو يختلف باختلاف الأشياء؛ فبعض الأشياء شأنه أن يحمل على جمل، وبعضها على حمار، وبعضها على الرجال، وبعضها يناسبه المشي بسرعة، وبعضها على مهل.
قوله: [إذا تعذر تمييزها]: أي كما لو كانت الوديعة سمناً وخلطها بدهن أو زيت فتضمن وإن لم يحصل فيها تلف.
قوله: [فإن خلط سمراء بمحمولة]. إلخ: مثال لما اختلفت صفته. وإنما ضمن لتعذر التمييز بعد ذلك، وكذلك خلط مختلفي النوع كقمح بأرز.
قوله: [ودخل تحت الكاف]: أي التي في قول المصنف: "لا كقمح" أي: فلا ضمان في ذلك أيضاً؛ لأنها لا تراد لعينها كما أفاده الشارح.
قوله: [وكون القيد راجع للمسألتين]: أي مسألة خلط الحبوب بمثلها والدراهم بالدنانير والمناسب نصب راجع؛ لأنه خبر الكون.
قوله: [فالاعتراض على الشيخ]: أصل الاعتراض لابن غازي قائلاً: هذا القيد للأولى خاصة؛ لأنه الذي في المدونة، وأما الثانية فلا ضمان فيها ولو فعل ذلك لغير الإحراز. ورد عليه بأن أبا عمران وأبا الحسن قيدا الثانية أيضاً بذلك كذا في (عب). ورد عليه (بن): بأن تقييدهما إنما وقع لمسألة خلط الدراهم بمثلها والدنانير بمثلها وهو مما أدخلته الكاف الأولى، وأما خلط الدنانير بالدراهم فلم يقع من أحد تقييدها بذلك. اهـ فعلم من هذا أن كلام ابن غازي لا غبار عليه من رجوع القيد للصورة الأولى، وأما الثانية فلا ضمان فيها مطلقاً فعله للإحراز أو لا.
قوله: [على حسب الأنصباء]: هذا هو المعتمد ومقابله أن ما تلف يكون على حسب الدعاوى.
قوله: [فعلى ربه خاصة]: قال في الحاشية: يؤخذ من هذا أن المركب إذا وسقت بطعام لجماعة غير شركاء وأخذ الظالم منهم شيئاً فإن كان الطعام مخلوطاً بعضه على بعض فمصيبة ما أخذ من الجميع تقسم على حسب أموالهم، وأما إذا كان غير مختلط فما أخذ مصيبته من ربه، وأما ما جعله الظالم على المركب بتمامها فيوزع على جميع ما فيها كان هناك اختلاط أو لا كالمجعول على القافلة.
قوله: [ويضمن بانتفاعه بها]: أي على وجه العارية، وأما على وجه السلف فسيأتي.
قوله: [وقال ابن القاسم لا يضمن]: قال (عب): إذا انتفع بالوديعة انتفاعاً لا تعطب به عادة فتلفت بسماوي أو غيره فلا ضمان، فإن تساوى الأمران - العطب وعدمه - فالأظهر كما يفيده أول كلام ابن ناجي الضمان ولو بسماوي، وكذا إن جهل الحال للاحتياط.
قال في حاشية الأصل: والحاصل أن الصور ثمان فإذا ركبها لمحل تعطب في مثله غالباً أو استوى الأمران وتلفت ضمن كان التلف بسماوي أو بتعديه، وإن ركبها فيما يندر فيه العطب فلا ضمان عطبت بسماوي أو بغيره من غير تعديه كما قال ابن القاسم خلافاً لسحنون
فإن لم يوجد أميناً يتركها عنده - بأن لم يجد أميناً أصلاً، أو وجده ولم يرض بأخذها عنده- فلا ضمان عليه إذا سافر بها فتلفت؛ لأنه أمر تعين عليه (إلا أن ترد) بعد الانتفاع بها أو بعد سفر بها (سالمة) لموضع إيداعها ثم تلفت أو ضاعت بعد ذلك بلا تفريط فلا يضمن (والقول له) أي لمن انتفع بها أو سافر بها عند وجود أمين (في ردها سالمة) لمحل إيداعها إذا خالفه ربها في ذلك وهذا (إن أقر بالفعل) أي بأنه انتفع بها أو سافر (لا إن) أنكر ذلك، و (شهد عليه) به، فادعى رجوعها سالمة لمحل إيداعها فلا يقبل قوله ويضمن.
(وحرم) على المودع بالفتح (سلف مقوم) أودع عنده كثياب وحيوان بغير إذن ربه؛ لأن المقومات تراد لأعيانها وسواء كان المتسلف ملياً أو معدماً. (و) حرم تسلف (معدم): أي معسر ولو لمثلي؛ لأنه مظنة عدم الوفاء. والشأن عدم رضا ربها بذلك. (وكره) للملي (النقد والمثلي) من عطف العام على الخاص: أي تسلفهما؛ لأن الملي مظنة الوفاء مع كون مثل المثل كعينة، إذ المثليات لا تراد لأعيانها. ومحل الكراهة إذا لم يكن سيئ القضاء ولا ظالماً وإلا حرم.
(كالتجارة) بالوديعة؛ فإنها تحرم إن كان مقوماً أو مثلياً والتاجر معدماً، وإلا كره فالتشبيه تام على الصواب.
(والربح) الحاصل من التجارة (له): أي المودع بالفتح. ورد على ربها مثل المثلي وقيمة المقوم.
(وبرئ) متسلف الوديعة وكذا تاجر فيها بلا إذن (إن رد المثلي لمحله) الذي أخذه منه سواء كان المثلي نقداً أو غيره، وسواء كان السلف له مكروهاً كالملي أو محرماً كالمعدم، فإن تلف بعد رده فلا ضمان عليه. بخلاف المقوم فلا يبرأ بذلك؛ لأنه بتصرفه فيه وفواته لزمته قيمته لربه. (وصدق) المتسلف (في رده) لمحله إذا لم تقم له بينة (إن حلف) فالقول له بيمينه أنه رده. (إلا) أن يكون تسلفها تسلفاً جائزاً بأن تسلفها (بإذن) من ربها (أو يقول) له ربها:(إن احتجت فخذ) فأخذ به [1]، (فيردها [2]): أي فلا يبرأ إلا بردها (لربها): ولا يبرئه ردها لمحلها؛ لأنها بالإذن انتقلت من الأمانة إلى الدين في الذمة. (كالمقوم) فإنه إذا تسلفه فلا يبرأ إلا برده لربه كما تقدم.
(و) إذا أخذ البعض منها بإذن أو بلا إذن (ضمن المأخوذ فقط) على التفصيل المتقدم، وما لم يأخذه لم يضمنه رد إليه ما أخذه أم لا.
ــ
إذا علمت ذلك فكلام الشارح في غاية الإجمال.
قوله: [فإن لم يوجد أميناً]: هكذا نسخة المؤلف، وحق العبارة بناء الفعل للمجهول ورفع أميناً على أنه نائب فاعل، ومثله يقال في قوله:"بأن لم يوجد أميناً". أو يحذف الواو ويبنى الفعل للفاعل ويبقى أميناً على نصبه؛ لأن وجد كوعد يقال في مضارعه يجد كيعد فتأمل.
قوله: [عند وجود أمين]: أي لا يمتنع من قبولها.
قوله: [في ردها سالمة]: أي وحيث كان القول له إذا ردت سالمة بعد انتفاعه بها فلربها أجرتها إن كان مثله يأخذ ذلك وإلا فلا، هذا هو الحق خلافاً لما ذكره (ح) في أول الغصب من إطلاق لزوم الأجرة كذا في الحاشية.
قوله: [فادعى رجوعها سالمة]: مفهومه لو شهدت له بينة على الرجوع سالمة أنه يقبل ولا ضمان عليه.
قوله: [: سلف مقوم]: حاصل ذلك أن الوديعة إما من المقومات أو المثليات. وفي كل إما أن يكون المودع بالفتح ملياً أو معدماً. فالصور أربع؛ فإن كانت من المقومات حرم تسلفها بغير إذن ربها مطلقاً كان المودع المتسلف لها ملياً أو معدماً، وإن كانت من المثليات حرم أيضاً إن كان معدماً وكره إن كان ملياً محل الكراهة حيث لم يبح له ربها ذلك أو يمنعه بأن جهل الحال وإلا أبيح في الأول. ومنع في الثاني ومنعه لها إما بالمقال أو القرائن.
قوله: [أما إذا لم يكن سيئ القضاء]: المناسب حذف "ما وإذا"، والمعنى: أنه إذا كان يعلم من نفسه سوء القضاء فإنه يحرم عليه ولا يفتى له بكراهة ذلك بل بالحرمة والظالم المستغرق الذمم كذلك؛ لأنه لو رد لرد لنا حراماً فمراده بالظالم المستغرق الذمم والمناسب للشارح نصب ظالم؛ لأنه معطوف على خبر يكن.
قوله: [والتاجر معدماً] قيد في المثلي.
قوله: [وإلا كره]: أي وإلا بأن كان المال مثلياً والتاجر مليئاً غير سيئ القضاء ولا مستغرق الذمم.
قوله: [فالتشبيه تام على الصواب]: ومقابله أن التشبيه في الكراهة فقط في جميع المسائل.
قوله: [والربح الحاصل]: أي بعد البيع كانت التجارة حراماً أو مكروهة.
قوله: [وقيمة المقوم]: أي حيث فات فإن كان قائماً فربه مخير بين أخذه ورد البيع وإمضائه وأخذ ما بيع به. وأما في الفوات فليس له إلا القيمة ولو أبدله بعرض آخر مماثلاً له كما هو مفاد كلام الأشياخ خلافاً لما في الخرشي.
قوله: [بخلاف المقوم فلا يبرأ بذلك]: أي سواء تسلفه مليء أو غيره، فإذا تسلف المقوم شخص فلا يبرأ منه إلا بالإشهاد على الرد لربه ولا تكفي الشهادة على الرد لمحل الوديعة.
قوله: [فالقول له بيمينه]: أي ولا بد أن يدعي أنه رد عينه أو صفته، فإن نكل عن اليمين غرم.
قوله: [كما تقدم]: أي من أنه بمجرد تصرفه وفواته لزمته قيمته لربه.
قوله: [على التفصيل المتقدم]: أي فإن كان مكروهاً ورده فلا ضمان عليه لما أخذه ولا لما لم يأخذه وإن كان
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
ليست في ط المعارف.
[2]
في ط المعارف: (فبردها).
(و) تضمن (بقفل) عليها (نهي عنه) بأن قال له ربها لا تقفل عليها الصندوق مثلاً، لكونه خاف عليها من لص؛ لأن شأن اللص أن يقصد ما قفل عليه، فقفل عليها فسرقت بخلاف ما لو تلفت بسماوي أو حرق بلا تفريط فلا يضمن؛ لأنها لم تتلف من الجهة التي خاف منها (و) تضمن (بوضع) لها (في نحاس، في أمره) بوضعها (بفخار فسرقت) فإن لم يأمره [1] بشيء لم يضمن حيث وضعها بمحل يؤمن عادة كما لا يضمن إذا تلفت بغير سرقة.
(لا إن زاد قفلاً) على قفل أمره به فلا يضمن، إلا إذا كان فيه إغراء للص (أو أمر بربطها بكم فأخذها بيده أو جيبه) فلا ضمان إن غصبت أو سقطت؛ لأن اليد أحرز منهما إلا أن يكون شأن السارق أو الغاصب قصد الجيب.
(و) تضمن (بنسيانها بموضع إيداعها) فأولى غيره؛ لأن عنده نوعاً من التفريط (و) تضمن (بدخول حمام) بها، أو دخول سوق بها فضاعت (و) تضمن (بخروجه بها يظنها له فتلفت) راجع لجميع ما قبله، وإنما ضمن فيما إذا خرج بها يظن أنها له؛ لأنه من الخطأ وهو كالعمد في المال.
(لا) يضمن (إن نسيها) مربوطة (في كمه) فضاعت إن أمره بوضعها فيه (أو شرط عليه الضمان) فيما لا ضمان فيه، بأن كان مما لا يغاب عليه، أو قامت على هلاكه بينة، فلا يعمل بالشرط ولا ضمان.
(و) تضمن (بإيداعها لغير زوجة وأمة اعتيداً) للوضع عندهما، فإذا اعتيدا فلا ضمان عليه، وألحق بهما الخادم المعتاد للإيداع والمملوك والابن كذا مع التجربة وطول الزمان وغيرهما: شامل للزوجة والأمة غير معتادين،
ــ
جائزاً بأن تسلفه بالإذن تعلق البعض الذي أخذه بذمته فلا يبرأ إلا بتسليمه لربه وإن كان حراماً فلا يبرأ إلا بتسليمه لربه إن كان مقوماً، وإن كان مثلياً صدق بيمينه أنه رده بعينه أو صفته.
قوله: [وتضمن بقفل]: بفتح القاف بمعنى الفعل كما يقتضيه مزج الشارح
لا بالضم بمعنى الآلة، وإن صح أيضاً من جهة الفقه.
قوله: [بخلاف ما لو تلف بسماوي أو حرق]: أي والموضوع أنه خالف وقفل عليها. ومفهوم قوله نهي عنه أنه لو قفل عليها من غير نهي من صاحبها لا ضمان أو ترك القفل مع عدم النهي وعدم الأمر لا ضمان، وذكر ابن راشد أنه لو جعلها في بيته من غير قفل وله أهل يعلم خيانتهم فإنه يضمن لمخالفته العرف.
قوله: [فأخذها بيده]: أي فلا ضمان عليه ما لم يكن المودع قصد إخفاءها عن عين الغاصب.
وقوله: [أو جيبه]: ظاهره كان الجيب بصدره أو جنبه وهو مقتضى كلام بهرام، واستظهر في الحاشية قصره على الأول، وأنه يضمن بوضعها في جيبه إذا كان بجنبه، ولو جعلها في وسطه وقد أمره بجعلها في عمامته لم يضمن وضمن في العكس، وكذا لو أمره بالوسط فجعلها في جيبه أو كمه كما في (بن).
قوله: [لأن اليد أحرز منهما]: هكذا نسخة المؤلف، وصوابه؛ لأن اليد أو الجيب أحرز منه فتأمل.
قوله: [نسيانها بموضع إيداعها]: أي وأولى في غيره، كما لو حمل مالاً لإنسان يشتري له به بضاعة من بلد آخر حتى أتى لموضع نزل ليبول مثلاً فوضعه بالأرض ثم قام ونسيه فضاع ولا يدري محل وضعه، فإنه يضمن؛ لأن نسيانه جناية وتفريط كما أفتى به ابن رشد خلافاً لفتوى الباجي بعدم الضمان في هذه المسألة.
قوله: [بدخول حمام بها]: أي أو دخوله الميضأة لرفع حدث أصغر أو أكبر، ومحل الضمان حيث كان يمكن وضعها في محله، أو عند أمين ولو كان المودع غريباً في البلد لقدرته على سؤاله فيها عن أمين يجعلها عنده حتى يقضي حاجته.
وأعلم أن قبوله لها وهو ذاهب للسوق كقبوله لها وهو يريد الحمام، فإذا قبلها وضاعت في السوق أو الحمام ضمنها إن كان يمكنه وضعها عند أمين، ومحل الضمان أيضاً ما لم يعلم ربها أن المودع ذاهب للسوق أو الحمام عند الإعطاء، فإن علم بذلك فلا ضمان إذا ضاعت في الحمام أو السوق قياساً على ما إذا أودعه وهو عالم بعورة منزله كذا قرر شيخ مشايخنا العدوي.
قال (عب): والظاهر أنه إذا دخل الحمام بها لعدم من يودعها عنده فإنه يؤمر بوضعها عند رئيس الحمام، فإن لم يودعها عنده وضاعت ضمنها كما هو عرف مصر.
قوله: [مربوطة]: أي وأما لو كانت غير مربوطة ونسيها فضاعت فإنه يضمنها؛ لأنه ليس بحرز حينئذ.
قوله: [بأن كان مما لا يغاب عليه] إلخ: خروج عن الموضوع. والصواب أن يقول: بأن ضاعت بغير تفريط؛ لأن الضمان هنا تابع للتفريط لا لما يغاب عليه إلى آخر ما قال، فإن ما قاله مخصوص بالرهان والعواري تأمل.
قوله: [وغيرهما شامل] إلخ: رجوع لمنطوق المتن. والحاصل أن المستفاد من المتن والشرح أن الضمان لا ينتفي عنه إلا إذا وضعها عند زوجة أو أمة أو خادم أو مملوك أو ابن اعتيد هؤلاء الخمسة لذلك مع التجربة وطول الزمان، فإن لم يعتد هؤلاء الخمسة أو وضعها عند غيرهم من أب أو أم، أو وضعت الزوجة عند زوجها أو عند أجانب فإنه يضمن اعتيد من ذكر للوضع أم لا، إلا لعذر حدث كسفر وعجز عن
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (يأمر).
وللأب والأم وغيرهما مطلقاً ولو أراد سفراً مع إمكان الرد (إلا لعذر حدث) بعد الإيداع للمودع بالفتح، كهدم الدار وطرو جار سوء أو ظالم و (كسفر) أراده (وعجز عن الرد) لربها لغيبته أو سجنه، فيجوز الإيداع لغير الزوجة والأمة المعتادين ولا ضمان إن تلفت واحترز بقوله:"حدث" عما إذا كان حاصلاً قبل الإيداع وعلم ربها به فليس له إيداعها وإلا ضمن فإن لم يعلم ربها بالعذر فليس للمودع قبولها فإن قبلها وضاعت ضمن مطلقاً أودعها أو لا (ولا يصدق) المودع بالفتح (في العذر) إن أودعها وضاعت وادعى أنه إنما أودعها لعذر (إلا ببينة) تشهد له (بالعذر): أي بعلمهم به لا بقوله: اشهدوا أني أودعتها لعذر من غيرها به (وعليه استرجاعها) وجوباً (إن) زال العذر المسوغ لإيداعها أو (نوى الإياب): أي الرجوع من سفره عند إرادته ثم رجع فإن لم يسترجعها ضمن. فإن لم ينو الإياب بأن نوى الإقامة أو لم ينو شيئاً، ثم رجع لم يجب عليه استرجاعها ولا ضمان عليه.
(و) تضمن (بإرسالها) لربها (بلا إذن) منه فضاعت أو تلفت من الرسول، وكذا لو ذهب هو بها لربها بلا إذن فضاعت منه.
(كأن ادعى الإذن ولم يثبته) فيضمن والقول قول ربها إنه لم يأذن (إن حلف ربها: ما أذنت) فإن نكل، حلف المودع أنه إنما أرسلها له لكونه أذن له، فإن نكل ضمن وهذا معنى قوله:(وإلا) يحلف ربها (حلف) المودع بالفتح (وبرئ وإلا) يحلف بل نكل كما نكل ربها (غرم ولا يرجع) المودع بالفتح (على) الرسول (القابض) لها منه (إن تحقق الإذن) له من ربها وادعى عدمه عناداً منه.
(و) تضمن (بجحدها) من المودع عند طلبها بأن قال لربها لم تودعني شيئاً، ثم اعترف وأقام عليه ربها بينة بالإيداع (ثم أقام) المودع بالفتح (بينة على الرد): أي ردها لربها (أو) على (الإتلاف) لها بلا تفريط، وإنما ضمن؛ لأنه أكذبها أولاً بجحده قياساً على ما تقدم في الدين وقيل: لا يضمن؛ لأنه أمين، وقد ذكر الشيخ الخلاف، فهما قولان مشهوران مثل [1] الوديعة في الخلاف الإبضاع والقراض. وقولنا:"أو الإتلاف" زدناه عليه وقد نص عليه في التوضيح وأن الخلاف جار فيهما معاً نعم هناك قول ثالث بالتفصيل وهو: قبول بينة في الضياع دون الرد ولكنه ضعيف، إلا أن الذي في المواق أن المشهور قبول بينته على ضياعها أو ردها بعد إقراره.
ــ
الرد وهذا هو المعول عليه.
قوله: [وغيرهما مطلقاً]: أي اعتيد أم لا.
قوله: [من غيرها به] فيه حذف مضاف تقديره من غير علمها به، والمعنى: من غير علمها بالعذر، فالضمير في "به" يعود على العذر.
قوله: [إن زال العذر] إلخ: حاصل كلام المصنف: أن المودع بالفتح إذا أودع لعورة حدثت أو طرو سفر وجب عليه استرجاعها إذا رجع من سفره أو زالت العورة. ومحل وجوب ذلك عند رجوعه من السفر إن كان قد نوى الإياب منه، فإن لم يكن نوى الإياب عند سفره ندب له إرجاعها فقط إذا رجع، والقول له أنه لم ينوه فلا يضمن إذا لم يرجعها وهلكت، إلا أن يغلب الإياب من ذلك السفر وإلا لم يقبل.
قوله: [فإن لم يسترجعها ضمن]: فلو طلبها المودع بالفتح ممن هي عنده وامتنع من دفعها له فينبغي القضاء بدفعها، له فإن حصل تنازع في نية الإياب وعدمها فالظاهر أنه ينظر إلى سفره، فإن كان الغالب فيه الإياب فالقول قول المودع الأول فيقضى له بأخذها، وإن كان الغالب فيها عدمه أو استوى الأمران كان القول قول المودع الثاني فلا يقضى على الأول بأخذها، وحينئذ فلا يضمنها في تلك الحالة وصارت متعلقة بالثاني.
قوله: [وتضمن بإرسالها]: يستثنى من كلامه من أودعت معه وديعة يوصلها لبلد فعرضت له إقامة طويلة في الطريق كالسنة فله أن يبعثها مع غيره ولا ضمان عليه إذا تلفت؛ لأن بعثها في هذه الحالة واجب ويضمنها إن حبسها، وأما إن كانت الإقامة التي عرضت له قصيرة كالأيام فالواجب إبقاؤها معه، فإن بعثها ضمنها إن تلفت، فإن كانت الإقامة متوسطة كالشهرين خير في إرسالها وإبقائها ولا ضمان عليه في كل حال، هذا ما ارتضاه ابن رشد كما في (ح) كذا في (بن).
قوله: [وكذا لو ذهب هو بها لربها]: مثل ذهابه بها في الضمان وصي رب المال يبعث المال للورثة أو يسافر هو به إليهم من غير إذنهم، فإنه يضمن إذا ضاع كما نص عليه في التوضيح والمدونة، خلافاً لما في كبير الخرشي من عدم الضمان. وكذا القاضي يبعث المال لمستحقه من ورثة أو غيرهم بغير إذنه عند ابن القاسم، خلافاً لقول أصبغ بعدم ضمانه، وإن مشى عليه غير واحد كذا في (عب).
قوله: [إن تحقق الإذن]: هذا الشرط لا يعتبر مفهومه إلا إذا كان الرسول من عند المودع بالكسر تأمل.
قوله: [ثم أقام المودع بالفتح]: أي بينة فقد حذف المفعول.
قوله: [نعم هناك قول ثالث]: قال (بن): وقد جمع في التوضيح بينة الرد وبينة التلف وحكى فيهما الخلاف ونصه، وقد حكى صاحب البيان في باب الصلح وابن زرقون في باب القراض فيمن أنكر أمانة، ثم ادعى ضياعها أو ردها لما قامت عليه البينة ثلاثة أقوال:
الأول لمالك من سماع ابن القاسم يقبل قوله فيهما.
والثاني لمالك أيضاً لا يقبل قوله فيهما.
والثالث لابن القاسم يقبل قوله في الضياع دون الرد. قال المواق عقبه: المشهور أنه إذا أقام بينة على ضياعها أو ردها فإن تلك البينة تنفعه بعد إقراره. اهـ. وعلى المشهور الآخر جرى
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (ومثل).
وقال بعضهم: المعتمد الضمان وعدم قبول بينته لأنه بجحدها صار كالغالب فيضمن إذا تلفت ولو بسماوي ويقبل دعواه الرد كما تقدم.
(وأخذت) الوديعة (من تركته) حيث ثبت أن عنده وديعة (إذا لم توجد) بعينها (ولم يوص بها) قبل موته لاحتمال أنه تسلفها. (إلا لعشرة أعوام) تمضي من يوم الإيداع فلا تؤخذ من تركته إذا لم توجد ولم يوص بها ويحمل على أنه ردها لربها (إن لم تكن) أودعت (ببينة توثق) أي بينة مقصودة للتوثق [1]، فإن أودعت ببينة [2] مقصودة للتوثق أخذت من تركته مطلقاً ولو زاد الزمن على العشرة سنين (وأخذها) ربها (بكتابة) أي بسبب كتابة:(أنها، إن ثبت أنها) أي الكتابة (خطه): أي المالك (أو خط الميت و) تؤخذ (من تركة الرسول) إذا لم توجد بعينها (إذا لم يصل) الرسول بأن مات قبل وصوله (لبلد المرسل إليه) لاحتمال أنه تسلفها، فإن مات بعد وصوله فلا يضمن: أي لا تؤخذ من تركته لاحتمال أنه دفعها لربها بعد الوصول إليه: ومثل الوديعة: الدين والقراض والإبضاع.
وحاصل المسألة: أن الرسول إن كان رسول رب المال فالدافع يبرأ بمجرد الدفع إليه ويصير الكلام بين رب المال وورثة رسوله، فإن مات الرسول قبل الوصول أخذها من تركته وإن مات بعده فلا رجوع له، وإن كان الرسول رسول من عنده المال فلا يبرأ إلا بوصوله لربه ببينة أو إقراره منه، فإن مات قبل الوصول رجع مرسله في تركته، وإن مات بعده فلا رجوع، وهي مصيبة نزلت بمن أرسله إن ادعى رب المال عدم الدفع له ولا بينة.
(وصدق) المودع -بالفتح- (في) دعوى (التلف والضياع كالرد) أي كما يصدق في دعواه أنه ردها لربها؛ لأنه استأمنه عليها والأمين يصدق (إلا لبينة توثق) راجع لما بعد الكاف: أي إن ادعى الرد صدق إلا أن يودعها ربها عنده ببينة قصد بها التوثق بأن يقصد بها أن لا تقبل دعواه الرد إلا ببينة به، فلا يقبل إن ادعى الرد حينئذ إلا ببينة، ويشترط علم المودع بذلك فلا يكفي غير المقصودة ولا مقصودة [3] لشيء آخر غير التوثق، فيفيده دعوى الرد (وحلف المتهم) دون غيره في دعوى التلف أو الضياع أنها تلفت أو ضاعت وما فرط.
ــ
المصنف يعني خليلاً في باب الوكالة.
قوله: [وقال بعضهم المعتمد الضمان]: أي وهو الذي اعتمده في الحاشية أيضاً واقتصر عليه في المجموع.
قوله: [وأخذت الوديعة من تركته] إلخ: مثل الوديعة من تصدق على ابنه الصغير بثياب أو غيرها وأراها للشهود وحازها للولد تحت يده ثم مات ولم توجد في تركته فيقضى له بقيمتها من التركة ومعنى الأخذ أنه يأخذ عوضها من قيمة أو مثل ويحاصص صاحبها بذلك مع الغرماء.
قوله: [ولم يوص بها]: مفهومه أنه لو وصى بها لم يضمنها، فإن كانت باقية أخذها ربها، وإن تلفت فلا ضمان، ومثل إيصائه ما لو قال: هي بموضع كذا ولم توجد، فلا يضمن كما قال أشهب، وتحمل على الضياع؛ لأنه بقوله هي بموضع كذا كأنه إقرار بأنه لم يتسلفها وهو مصدق لكونه أميناً.
قوله: [لاحتمال أنه تسلفها]: أي وهو الأقرب، وأما احتمال ضياعها فهو بعيد إذ لو ضاعت لتحدث بضياعها قبل موته.
قوله: [إن لم تكن أودعت ببينة توثق]: مثلها البينة الشاهدة بها بعد جحده لها.
قوله: [على العشرة سنين]: المناسب إسقاط التاء.
قوله: [وأخذها ربها بكتابة]: يعني أن من مات وعنده وديعة مكتوب عليها هذه وديعة فلان بن فلان، فإن صاحبها يأخذها بشرط أن يثبت بالبينة أن الكتابة بخط صاحب الوديعة أو بخط الميت. ولو وجدت أنقص مما كتب عليها كان النقص في مال الميت، إن علم أنه يتصرف في الوديعة - وإلا لم يضمن. ومثل الكتابة البينة بل هي أولى لا بأمارة لاحتمال أنه رآها سابقاً.
قوله: [ومثل الوديعة الدين] إلخ: أي أن التفصيل المذكور في الوديعة يجري بعينه فيما ذكر.
قوله: [إن كان رسول رب المال]: كان المال قراضاً أو وديعة أو أبضاعاً قوله: [فلا رجوع له]: أي لحمله على إيصالها لربها.
قوله: [أو إقرار منه]: أي من رب المال.
قوله: [وهي مصيبة نزلت بمن أرسله]: أو لكونه يغرم المال مرة ثانية.
قوله: [في دعوى التلف والضياع]: أي وكذا في دعوى عدم العلم بالتلف أو الضياع.
قوله: [إلا لبينة توثق]: قال في حاشية الأصل الظاهر أن مثل البينة المذكورة أخذ ورقة على المودع بالفتح بخطه كما يقع الآن.
قوله: [ويشترط علم المودع بذلك]: أي بتلك البينة.
قوله: [ولا مقصود لشيء آخر]: أي كما لو أشهدها خوفاً من موت المودع - بالفتح - ليأخذها من تركته أو يقول المودع - بالفتح: أخاف أن تدعي أنها سلف، فأشهد بينة أنها وديعة؛ فإنه في تلك المسائل يصدق في دعوى الرد كما إذا تبرع المودع - بالفتح - بالإشهاد على نفسه بالقبض كما قال عبد الملك، وقال ابن زرب وابن يونس: لا يبرأ بالإشهاد؛ لأنه ألزم نفسه حكم الإشهاد.
قوله: [وحلف المتهم]: قيل: هو من يشار إليه بالتساهل في الوديعة وقيل: هو من ليس من أهل الصلاح.
قوله: [في دعوى التلف أو الضياع]: وكذا في دعوى عدم العلم بالتلف أو الضياع، وأما دعوى
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (للتوثيق).
[2]
في ط المعارف: (بينة).
[3]
في ط المعارف: (ولا مقصود).
(ولو شرط) المتهم عند أخذها (نفيها) أي نفي اليمين عنه، فإنه لا يفيده ويحلف، فإن نكل غرم بمجرد نكوله ولا تتوجه اليمين على ربها؛ لأنها دعوى اتهام.
(كمن حقق عليه الدعوى) تشبيه في اليمين: أي أن رب الوديعة إذا حقق الدعوى على المودع بأن علم بأنه فرط أو أنها لم تتلف وادعى المودع الرد أو التلف أو عدم التفريط فلربها تحليفه وإن لم يكن متهماً.
(فإن) حلف برئ ظاهراً وإن (نكل حلف ربها) وأغرمه؛ لأن يمين التحقيق ترد (لا) يصدق في الرد (على الوارث) أي وارث ربها إذا ادعى أنه ردها عليه إلا ببينة (ولا) يصدق (وارث) للمودع بالفتح (في الرد على مالك) أي مالكها الذي هو المودِع بالكسر (أو) في الرد (على وارثه) أي وارث مالكها إلا ببينة.
والحاصل: أن صاحب اليد المؤتمنة إذا ادعى الرد على صاحب اليد الذي ائتمنه صدق ولا ضمان، وأن الوارث إذا ادعى الرد على ربها أو على وارثه أو ادعى صاحب اليد المؤتمنة الرد على وارث ربها فلا يصدق ويضمن.
(ولا) يصدق (رسول في الدفع لمنكر) أي لمن أرسل إليه المال إذا أنكر (إلا ببينة) قال فيها: ومن بعثت معه بمال ليدفعه لرجل صدقة أو صلة أو سلفاً أو ثمن مبيع أو يبتاع لك به سلعة، فقال: قد دفعته إليه، وأكذبه الرجل، لم يبرأ الرسول إلا ببينة. اهـ. (إلا إن شرط الرسول) على من دفع له المال (عدمها) أي عدم البينة عند الدفع فتنفعه (و) ضمن (بقوله) لربها (ضاعت قبل أن تلقاني بعد امتناعه من دفعها) له ولو لعذر كاشتغاله بأمر؛ لأن سكوته عن بيان تلفها دليل على عدمه إلا أن يدعي أنه إنما علم بالتلف بعد أن لقيه فيصدق بيمين (وكذا) يضمن إن قال: تلفت (بعده) أي بعد أن لقيتني (إن منع) دفعها له (بلا عذر) ثابت، فإن امتنع من دفعها لعذر قام به وثبت، لم يضمن.
(لا) يضمن (إن قال: لا أدري متى تلفت): أي قبل أن تلقاني أو بعده، كان هناك عذر من الدفع أم لا. ويحلف المتهم.
(وله): أي للمودع - بالفتح - (أجرة محلها): أي الذي توضع فيه إن كان مثله تؤخذ أجرته (لا) أجرة (حفظها) لأن حفظها من قبيل الجاه؛ لا أجرة له كالقرض والضمان (إلا لشرط) فيعمل به؛ لأنه ليس من الجاه حقيقة وإنما هو يشبهه في الجملة.
(وله): أي للمودع -بالفتح- (الأخذ منها) أي من الوديعة بقدر حقه (إن ظلمه) ربها (بمثلها) من سرقة أو خيانة أو غصب لقوله تعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} [البقرة: 194] ومحل جواز الأخذ بمثل حقه (إن أمن) الآخذ (الرذيلة) بالنسبة إلى الخيانة (و) أمن (العقوبة) على نفسه وإلا لم يجز؛ لأن حفظ الأعراض والجوارح واجب (على الأرجح) من القولين، والثاني: لا يجوز الأخذ لقوله صلى الله عليه وسلم: «أد الأمانة لمن ائتمنك ولا تخن من خانك» (والترك) للأخذ منها (أسلم) أي من الوديعة بقدر حقه للنفس والدين، والله أعلم.
ــ
الرد فقط أو في قوله: لا أدري هل تلفت أو رددتها، فإنه يحلف كان متهماً أم لا حقق عليه الدعوى أم لا.
قوله: [ولو شرط المتهم] إلخ: أي؛ لأن هذا الشرط يقوي التهمة.
قوله: [حلف ربها وأغرمه]: أي فإن لم يحلف ربها صدق المودع.
قوله: [ولا يصدق وارث] إلخ: أي وأما دعوى ورثة المودع - بالفتح - على ورثة المودع أو على المودع أن مورثهم ردها قبل موته فلا ضمان عليهم في هاتين الصورتين، وكذا لو ادعى المودع - بالفتح - على ورثة المودع - بالكسر - أنه ردها لمورثهم قبل موته وقد تضمنت تلك الصور الحاصل الذي ذكره الشارح.
قوله: [ولا يصدق رسول] إلخ: حاصله أن المودع مثلاً إذا أرسل الوديعة مع رسوله إلى ربها بإذنه فأنكر ربها وصولها إليه ولا بينة تشهد عليه بقبضها من الرسول فإن الرسول يضمنها لتفريطه بعدم الإشهاد.
قوله: [لم يبرأ]: هكذا نسخة المؤلف بألف بعد الراء، ومقتضى الجازم حذفها إلا أن يقال إن الألف للإشباع.
قوله: [فتنفعه]: أي فيعمل بشرطه من جهة عدم تضمينه، وأما المرسل فإنه باق على ضمانه المرسل إليه.
قوله: [بلا عذر ثابت]: صادق بأن يكون هنا عذر ولم يثبت.
قوله: [لا يضمن إن قال لا أدري] إلخ: أي لحمله على أنها تلفت قبل اللقاء ولم يعلم به إلا بعده.
قوله: [؛ لأنه ليس من الجاه حقيقة]: أي كما قال ابن عبد السلام، فالأولى أن يقال: إنما منع أخذ الأجرة على الحفظ؛ لأن عادة الناس أنهم لا يأخذون لحفظ الودائع أجرة. والحاصل: أنه لا فرق بين أجرة المحل وأجرة الحفظ في الحكم على المعتمد، بل يقال فيهما إن شرط الأخذ أو كان العرف عمل به وإلا فلا.
قوله: [بمثلها]: متعلق بظلمه والباء سببية بعدها مضاف محذوف: أي بأخذ مثلها في القدر والجنس والصفة إن أمكن ذلك وإلا فالعبرة بالقيمة.
قوله: [وأمن العقوبة على نفسه]: أي من ضرب أو حبس أو قطع أو قتل كما يفعله أهل الجور.
قوله: «أد الأمانة لمن ائتمنك» إلخ: أجاب ابن رشد مؤيداً للقول الأول بأن معنى "ولا تخن" إلخ أي: لا تأخذ أزيد من حقك فتكن خائناً، وأما من أخذ حقه فليس بخائن.
قوله: [والترك للأخذ منها أسلم]: أي؛ لأن في الأخذ ريبة وفي الحديث: «دع ما يريبك إلى ما يريبك» .