المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب)في بيان أحكام القضاء - حاشية الصاوي على الشرح الصغير ط الحلبي - جـ ٢

[أحمد الصاوي]

فهرس الكتاب

- ‌(باب)في البيوع وأحكامها [

- ‌(باب)في بيان السلم

- ‌(باب)في بيان القرض وأحكامه

- ‌(باب) في الرهن وأحكامه

- ‌(باب)في الفلس وأحكامه

- ‌(باب)في بيان أسباب الحجر

- ‌باب في أحكام الصلح؛ أي: مسائله

- ‌‌‌(باب) في الحوالةوأحكامها

- ‌(باب) في الحوالة

- ‌(باب)في الضمان

- ‌(باب)في بيان الشركة

- ‌(باب)في الوكالة

- ‌باب لما كان بين الوكالة والشركة مناسبة من جهة أن فيها وكالة أتبعها بها

- ‌(باب)في الإقرار

- ‌(باب)في الوديعة

- ‌(باب)في الإعارة

- ‌(باب)في بيان الغصب وأحكامه

- ‌(باب)في الشفعة

- ‌(باب)في القسمة

- ‌(باب)في القراض

- ‌(باب)في المساقاة

- ‌(باب)في الإجارة

- ‌(باب إحياء الموات)

- ‌(باب)في الوقف وأحكامه

- ‌(باب)في الهبة

- ‌‌‌(باب) في اللقطةوأحكامها

- ‌(باب) في اللقطة

- ‌(باب)في بيان أحكام القضاء

- ‌(باب)في الشهادة

- ‌(باب)في أحكام الجناية

- ‌باب ذكر فيه تعريف البغي

- ‌(باب)في تعريف الردة وأحكامها

- ‌(باب)ذكر فيه حد الزنا

- ‌(باب) في القذف [

- ‌باب ذكر فيه أحكام السرقة إلخ

- ‌(باب)ذكر فيه الحرابة

- ‌(باب)ذكر فيه حد الشارب

- ‌باب في العتق وأحكامه

- ‌(باب)في التدبير

- ‌باب: هو في اللغة النظر في عاقبة الأمر والتفكر فيه، وقال القرافي في التنبيهات التدبير مأخوذ من إدبار الحياة، ودبر كل شيء ما وراءه بسكون الباء وضمها، والجارحة بالضم لا غير اهـ وفي (بن) جواز الضم والسكون فيها كغيرها. واصطلاحاً ما ذكره المصنف بقوله "وهو تعليق مكلف" إلخ

- ‌(باب)في أحكام الكتابة

- ‌(باب)في أحكام أم الولد

- ‌(باب)ذكر فيه الولاء

- ‌باب ذكر فيه حكم الوصية

- ‌(باب)في الفرائض

- ‌(باب: في جمل من مسائل شتى، وخاتمة حسنة)

الفصل: ‌(باب)في بيان أحكام القضاء

دفع) ذلك العبد (إليه) أي لمن جاء بالكتاب المذكور بلا توقف على بينة ولا غيرها (إن طابق) الوصف المذكور في الكتاب وصفه الخارجي، والله أعلم.

(باب)

في بيان أحكام القضاء

وشروطه

القضاء في اللغة يطلق على معان مرجعها إلى انقضاء الشيء وتمامه فيطلق على الأمر، نحو:{وقضى ربك} [الإسراء: 23] أي: أمر {ألا تعبدوا إلا إياه} [الإسراء: 23] وعلى الأداء نحو قضيت الدين، ومنه:{فإذا قضيتم الصلاة} [النساء: 103] وعلى الفراغ، نحو:{وقضي [1] الأمر} [البقرة: 210] أي فرغ وعلى الفعل نحو: {فاقض ما أنت قاض} [طه: 72] وعلى الإرادة نحو: {فإذا قضى أمراً} [غافر: 68] وعلى الموت نحو: {قضى نحبه} [الأحزاب: 23]، ومنه:{ليقض علينا ربك} [الزخرف: 77] وعلى الحكم والإلزام، نحو: قضيت عليك كذا.

وفي الشرع: هو حكم حاكم أو محكم بأمر ثبت عنده كدين، وحبس، وقتل، وجرح، وضرب، وسب، وترك صلاة ونحوها، وقذف، وشرب، وزنا، وسرقة، وغصب، وعدالة وضدها، وذكورة، وأنوثة، وموت، وحياة، وجنون، وعقل، وسفه، ورشد، وصغر، وكبر، ونكاح، وطلاق، ونحو ذلك؛ ليرتب على ما ثبت عنده مقتضاه أو حكمه بذلك المقتضى مثاله: لو ثبت عنده دين أو طلاق، فالحكم تارة بالدين أو الطلاق، ليرتب على ذلك الغرم أو فراقها وعدتها أو يحكم بالغرم أو الفراق لما ثبت عنده على حسب ما يقتضيه الحال من الرفع له.

والحكم: الإعلام على وجه الإلزام. والقاضي: الحاكم بالأمور الشرعية أي: من له الحكم حكم أو لم يحكم ولا يستحقه شرعاً إلا من توافرت فيه شروط أربعة، أشار لها بقوله:(شرط القضاء) أي شرط صحته (عدالة) أي كونه عدلاً أي عدل شهادة، ولو عتيقاً عند الجمهور، والعدالة تستلزم الإسلام والبلوغ والعقل والحرية وعدم الفسق (وذكورة)

ــ

الدفع له حوزاً لا ملكاً، وقد يقال فائدته دفع النزاع ممن يطرأ.

قوله: [دفع ذلك العبد إليه]: ما ذكره المصنف هنا لا يخالف ما يأتي في القضاء من أن كتاب القاضي وحده لا يفيد؛ لاحتمال تخصيص ما يأتي بهذا وذلك لخفة الأمر هنا لأن له أخذه حوزاً من غير كتاب بمجرد الوصف.

باب في بيان أحكام القضاء

أي مسائله وقوله: [وشروطه]: أي الأربعة الآتية، وهو من العقود الجائزة من الطرفين كالجعالة والقراض قبل الشروع في كل منهما، والمغارسة والتحكيم والوكالة وأصله قضاي لأنه من قضيت إلا أن الياء لما جاءت بعد الألف قلبت همزة والجمع الأقضية والقضايا.

قوله: [يطلق على معان]: ذكر الشارح منها سبعة فهو من المشترك اللفظي كعين.

قوله: [أي أمر] إلخ: أي أمراً جازماً. وقد اختلف أهل التفسير في معنى قوله تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} [الإسراء: 23] فالأكثر على أنه بمعنى أمر لا حكم إذ لو كان بمعنى حكم لم يقع غير ما حكم به، ابن عطية، ويصح أن يكون بمعنى حكم على أن الضمير في ألا تعبدوا إلا إياه، للمؤمنين.

قوله: [نحو {فاقض ما أنت قاض} [طه: 72]]: أي افعل الذي تريده وهو من كلام السحرة لفرعون حين آمنوا بالله.

قوله: [نحو {قضى نحبه} [الأحزاب: 23]]: النحب في الأصل النذر أي قضى نذره، وذلك كناية عن الموت، لأن النذر لازم الحصول كالموت.

قوله: [ومنه]: أي من معنى الموت، فمعنى:{ليقض علينا ربك} [الزخرف: 77] أنهم يطلبون الموت لأنفسهم من الله، قال تعالى: في الآية الأخرى: {ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت} [إبراهيم: 17]، وفي آية:{لا يموت فيها ولا يحيا} [الأعلى: 13]، وبقي من المعاني اللغوية إتيانه بمعنى العلم نحو قضيت لك بكذا أعلمتك به، ومن هنا يسمى المفتي والمدرس قاضياً لأنه معلم بالحكم والكتابة ومنه {وكان أمراً مقضياً} [مريم: 21]، والفصل ومنه:{وقضي بينهم بالحق} [الزمر: 69]، والخلق ومنه:{فقضاهن سبع سماوات} [فصلت: 12]، كذا في (بن).

قوله: [حاكم أو محكم] الحاكم ما كان مقاماً من طرف السلطان، والمحكم ما كان مقاماً من طرف الأخصام، وحكم المحكم لا يكون في جميع المسائل بخلاف حكم الحاكم، وسيأتي ذلك.

قوله: [كدين] إلخ: جميع ما ذكره يأتي فيه قضاء الحاكم ولا يأتي قضاء المحكم إلا في البعض، لقوله فيما يأتي "وجاز تحكيم عدل" إلخ.

قوله: [ليرتب]: متعلق بمحذوف علة غائية لقوله "حكم حاكم" إلخ، تقديره هو إنما جعل له الحكم فيما ذكر ليرتب.

قوله: [أو حكمه بذلك المقتضى]: هذا التنويع غير ظاهر بل التعريف تام المعنى بدون هذا التنويع وتمثيله الآتي لا يظهر منه صحة هذا التنويع فتأمل.

قوله: [والحكم الإعلام] إلخ: راجع لقوله أول التعريف "حكم حاكم".

قوله: [والقاضي] إلخ: أي المشتق من القضاء بالمعنى الاصطلاحي قوله: [أي من له الحكم]: أي استحقاق الحكم.

قوله: [عدالة]: أي فغير العدل لا يصح قضاؤه ولا ينفذ حكمه.

قوله: [عدل شهادة]: أي لا رواية وسيأتي شروط عدل الشهادة.

قوله: [عند الجمهور]: أي خلافاً لسحنون حيث قال: يمتنع تولية العتيق قاضياً لاحتمال أن يستحق فترد أحكامه.

قوله: [تستلزم] إلخ: أي من استلزام الكل لأجزائه لأن

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (قضي).

ص: 329

فلا يصح من أنثى ولا خنثى (وفطنة) فلا يصح من بليد مغفل ينخدع بتحسين الكلام ولا يتنبه لما يوجب الإقرار أو الإنكار وتناقض الكلام فالفطنة: جودة الذهن وقوة إدراكه لمعاني الكلام.

(وفقه) أي علم بالأحكام الشرعية التي ولي للقضاء بها (ولو مقلداً): لمجتهد عند وجود مجتهد مطلق (وزيد للإمام الأعظم) شرط خامس وهو (قرشي) أي كونه قرشياً: أي من قريش، لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الخلافة في قريش. وقريش هو فهر، وقيل: هو النضر. وفهر هو ابن مالك بن النضر. ولا يشترط أن يكون عباسياً ولا علوياً، ولم يقم دليل على أن الأولى أن يكون عباسياً. فدعوى أن الأولى كونه عباسياً خالية عن دليل. وقد اجتمعت الصحابة على خلافة الصديق وهو تيمي، ثم عمر بن الخطاب وهو عدوي، ثم عثمان وهو أموي، ثم علي وهو هاشمي، والكل من قريش. ثم استقرت الخلافة في بني أمية أولهم معاوية رضي الله عنه، ثم في بني العباس، ثم اختلطت حتى جعلت في العتقاء، والله أعلم.

(فحكم) المقلد من خليفة أو قاض وجوباً (بقول مقلده) بفتح اللام يعني بالراجح من مذهبه سواء كان قوله أو قول أصحابه، لا بالضعيف ولا بقول غيره من المذاهب، وإلا نقض حكمه، إلا أن يكون للضعيف مدرك [1] ترجح عنده وكان من أهل الترجيح. وكذا المفتي. ويجوز للإنسان أن يعمل بالضعيف لأمر اقتضى ذلك عنده، وقيل: بل يقلد قول الغير إذا كان راجحاً في مذهب ذلك الغير. فإن قيل: ما فائدة ذكر الأقوال الضعيفة في كلامهم إذا كان لا يجوز العمل بها ولا الفتوى؟ قلنا: أمور ثلاثة: الأول: اتساع النظر والعلم بأن الراجح المذكور ليس بمتفق عليه.

ــ

العدالة وصف مركب من هذه الأمور الخمسة.

قوله: [فلا يصح من أنثى ولا خنثى]: أي ولا ينفذ حكمهما.

قوله: [ينخدع بتحسين الكلام]: أي كلام الأخصام.

قوله: [جودة الذهن]: أي العقل أي فمجرد العقل التكليفي لا يكفي لمجامعته للغفلة، بل لا بد من أصل الفطنة ويستحب كونه غير زائد فيها كما يأتي.

قوله: [التي ولي للقضاء بها]: أي فلا يشترط علمه بجميع أحكام الفقه إلا إن كان مولى في جميع الأحكام، ويسمى عند الفقهاء بقاضي الجماعة، فإن كان مولى في شيء خاص كالأنكحة اشترط علمه بها فقط، وهكذا قوله:[ولو مقلداً لمجتهد]: أي على المعتمد خلافاً لما مشى عليه خليل، حيث قال مجتهد إن وجد وإلا فأمثل مقلد، والمراد بالمجتهد المطلق كالشافعي ومالك. واعلم أن المجتهد ثلاثة أقسام: مجتهد مطلق، ومجتهد مذهب، ومجتهد فتوى؛ فالمطلق كالصحابة وأهل المذاهب الأربعة، ومجتهد المذهب هو الذي يقدر على إقامة الأدلة في مذهب إمامه كابن القاسم وأشهب، ومجتهد الفتوى هو الذي يقدر على الترجيح ككبار المؤلفين من أهل المذهب، والأصح أن الترتيب بين هذه المراتب في القضاء مندوب.

قوله: [وزيد للإمام الأعظم]: اعلم أن تلك الشروط إنما تعتبر في ولاية الإمام الأعظم ابتداء لا في دوام ولايته إذ لا ينعزل بعد مبايعة أهل الحل والعقد له بطرو فسق غير كفر كما يأتي.

قوله: [جعل الخلافة في قريش]: أي لأمره بذلك في جملة أحاديث كثيرة صحيحة متواترة.

قوله: [وقريش هو فهر]: أي لقول العراقي في السيرة:

أما قريش فالأصح فهر

جماعها والأكثرون النضر

قوله: [ولا يشترط أن يكون عباسياً] إلخ: أي ولا يندب بدليل ما بعد.

قوله: [فدعوى أن الأولى كونه عباسياً]: أي كما قال بهرام والتتائي، وتبعهما على ذلك الأجهوري.

قوله: [وهو تيمي]: أي من بني تيم الله، بيت مشهور في قريش أيضاً.

قوله: [وهو عدوي]: أي من بني عدي، بيت مشهور في قريش أيضاً.

قوله: [وهو أموي]: بضم الهمزة وفتح الميم أي من بني أمية، بيت مشهور في قريش أيضاً.

قوله: [وهو هاشمي]: نسبة لبني هاشم سادات قريش.

قوله: [أولهم معاوية]: أي بعد نزول الحسن بن علي عنها له، ثم تغلب عليها ولده اليزيد، ثم من بعده ولد اليزيد وهو الوليد وهكذا، ثم انتزعها منهم بنو العباس فمكثت فيهم دهراً طويلاً، ثم اختلطت حتى جعلت في العتقاء كما قال الشارح

قوله: [يعني بالراجح]: دفع بهذا التقييد ما يوهم أن المراد خصوص قول مالك مثلاً وإن كان ضعيفاً.

قوله: [ولا بقول غيره من المذاهب]: أي لا يجوز له أن يحكم بقول غير مذهبه، وإن حكم به لم ينفذ حكمه.

قوله: [مدركاً]: هكذا بالنصب في نسخة المؤلف والمناسب الرفع لأنه اسم "يكون" مؤخر عن خبرها.

قوله: [وكذا المفتي]: أي لا يجوز له بالإفتاء إلا بالراجح من مذهبه لا بمذهب غيره ولا بالضعيف من مذهبه إلا إذا كان قوي المدرك وكان من أهل الترجيح.

قوله: [لأمر اقتضى ذلك عنده]: أي لضرورة في خاصة نفسه ولا يفتى به لغيره؛ لأنه لا يتحقق الضرورة بالنسبة لغيره كما يتحققها من نفسه سداً للذريعة كما يفيده (بن).

قوله: [وقيل: بل يقلد قول الغير] إلخ: أي وهو المعتمد لجواز التقليد وإن لم تكن ضرورة.

قوله: [أمور]: خبر مبتدأ محذوف تقديره هي أمور الكلام على حذف

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (مدركاً).

ص: 330

والثاني: معرفة مدارك الأقوال، فلمن له الترجيح ترجيح ما ضعف لقوة المدرك عنده.

والثالث: العمل به في نفسه إذا اقتضت الضرورة ذلك ثم إن الخليفة إذا ولي مستوفياً للشروط لا يجوز عزله إذا تغير وصفه كأن طرأ عليه الفسق وظلم الناس، بخلاف غيره من قاض ووال وكذا الوصي بعد موت الموصي وجاز للموكل عزل وكيله مطلقاً.

ولا يجوز تعدد الخليفة إلا إذا اتسعت وبعدت الأقطار ويجب أن يكون الحاكم سميعاً بصيراً متكلماً.

(ووجب عزل أعمى أو أصم أو أبكم) ولو طرأ عليه بعد توليته (ونفذ حكمه) إن وقع صواباً لأن اتصافه بالثلاثة واجب غير شرط وفقد اثنين منها مضر لا ينفذ به حكمه إذ لا تنعقد ولايته بفقد اثنين وأما فاقد الثلاثة فلا تصح معاملته وفي معاملة فاقد الاثنين خلاف الأظهر عدم صحتها لعدم انضباطه.

(وتعين القضاء على منفرد) في عصره (بشروطه أو) على (خائف فتنة) على نفسه أو ماله أو ولده أو على الناس إن لم يتول القضاء (أو) على خائف (ضياع حق) له أو لغيره (إن لم يتول) ومعنى "تعين" بالنسبة للأخيرين: وجب. وإذا وجب، هل يجوز بذل مال عليه؟ قيل: نعم، لأنه لتحصيل أمر واجب. وقيل: لا، واستظهر. وأما بذل مال في طلب ما لم يجب فحرام قطعاً، وولايته باطلة، وقضاؤه مردود. وقضاة مصر يبذلون الأموال في نظير أكل أموال الناس بالباطل بلا شبهة، ولا سيما إذا كانوا يتامى أو ضعفاء فلا يبقي لهم القضاة من أموالهم إلا ما قل نسأل الله العافية، فأحكامهم لا تنفذ بالضرورة على أن قاضي القاهرة في الغالب لا يسمع دعوى ولا يعرف حقيقتها، وإنما يضبط الشاهد من شهود المحكمة القضية ويكتبها، ثم يمضي بها إلى القاضي فيكتب اسمه ويضع ختمه من غير زيادة.

(وحرم) على القاضي أو غيره من خليفة أو عامله (أخذ مال من أحد الخصمين) لأنه من أكل أموال الناس بالباطل بخلاف أخذ مال من وقف على القضاء أو من بيت المال فلا يحرم.

(و) حرم عليه (قبول هدية) من أحد من الناس إلا أن يكون ممن يهاديه قبل توليته القضاء لقرابة أو صحبة أو صلة.

(وندب غني ورع) أي كونه غنياً، لا فقيراً ورعاً، لأنه مظنة التنزه عن الطمع لما في أيدي الناس (نزه) أي كثير النزاهة والبعد عن شوائب الطمع وما لا يليق من سفاسف الأمور بأن يكون كامل المروءة (حليم) لأن الحلم مظنة الخير والكمال، وسوء الخلق مظنة الشر والظلم وأذية الناس بغير حق.

(نسيب) أي معروف النسب؛ لأن مجهوله لا يهاب ويتسارع الناس في الطعن فيه.

ــ

مضاف تقديره عدة أمور.

قوله: [والثاني معرفة مدارك الأقوال]: هذا أيضاً لازم لاتساع النظر والمراد بمدارك الأقوال أدلتها.

قوله: [كأن طرأ عليه الفسق]: أي بغير الكفر قال صاحب الجوهرة:

إلا بكفر فانبذن عهده

فالله يكفينا أذاه وحده

بغير هذا لا يباح صرفه

وليس يعزل إن أزيل وصفه

وإنما لم يعزل بالفسق ارتكاباً لأخف الضررين لما في عزله من عظم الفتن.

قوله: [بخلاف غيره من قاض ووال]: أي فيعزله الإمام لزوال وصفه؛ لأنه لا يخشى من عزله فتن كما يخشى من عزل السلطان.

قوله: [مطلقاً]: أي زال وصفه أم لا بسبب وبغيره.

قوله: [إلا إذا اتسعت وبعدت الأقطار]: أي كما في زماننا.

قوله: [ويجب أن يكون الحاكم سميعاً] إلخ: دخول على كلام المصنف أي فتجب له هذه الصفات ابتداء ودواماً.

قوله: [فلا تصح معاملته]: أي لعدم تكليفه إن ولد بهذا الأمر وعجزه عن غالب الأحكام إن طرأت عليه بعد التكليف.

قوله: [أو على خائف فتنة]: أي وإن لم ينفرد بالشروط بدليل عطفه على ما قبله، وفتنة إما بالنصب معمول لخائف أو بالجر بالإضافة.

قوله: [ومعنى تعين بالنسبة للأخيرين وجب]: إن قلت كلامه يوهم أن الأول غير واجب مع أنه أولوي في الوجوب. والجواب أن الأخيرين يقتضيان الوجوب الغير الشرطي، وأما الأول ففيه الوجوب الشرطي المتوقف الصحة عليه بدليل أنه يجبر عليه ولو بالضرب.

قوله: [واستظهر]: أي استظهر (ح) أنه لا يجوز له

قوله: [فأحكامهم لا تنفذ بالضرورة]: أي وإنما سكوت المفتين عنها لعجزهم عن التكلم بالحق كما قال بعض العارفين: هذا الزمان زمان السكوت ولزوم البيوت والرضا بأدنى القوت ومن يقول الحق فيه يموت.

قوله: [على أن قاضي القاهرة] إلخ: استدراك على بطلان حكمه وإن لم يأخذ رشوة لخلو الحكم عن جميع الشروط كما هو معلوم لأهل البصائر.

قوله: [فلا يحرم]: أي بل يندب إذا كان في ضيق عيش وأراد التوسعة على عياله من ذلك.

قوله: [وحرم عليه قبول هدية]: مثله كل صاحب جاه وقد تقدم ذلك في باب القرض.

قوله: [ورع]: هو من يترك الشبهات خوف الوقوع في المحرمات، وأما الأورع فهو من يترك بعض المباحات خوف الوقوع في الشبهات.

قوله: [أي كثير النزاهة]: أشار بذلك إلى أن نزه صيغة مبالغة.

قوله: [أي معروف النسب]: أي وإن لم يكن قرشياً قال ابن رشد: من الصفات المستحسنة أن يكون معروف النسب ليس بابن لعان اهـ. ولذلك جوز سحنون تولية ولد الزنا، ولكن لا يحكم

ص: 331

(بلا دين) عليه (و) بلا (حد) لأن المدين منحط الرتبة عند الناس، وأحط منه المحدود في زنا أو سرقة أو غيرهما (و) بلا (زائد في الدهاء) بفتح الدال المهملة والمد هو جودة الذهن، فجودته هي المطلوبة؛ لأن الفطانة شرط صحة كما تقدم، وزيادتها ربما أدته للحكم بين الناس بالفراسة بكسر الفاء وترك القوانين الشرعية (و) ندب (منع الراكبين معه والمصاحبين) له بلا ركوب معه إذ لا خير في كثرة اجتماع الناس، وللحميدي رحمه الله تعالى:

لقاء الناس ليس يفيد شيئاً

سوى الهذيان من قيل وقال

فأقلل من لقاء الناس إلا

لأخذ العلم أو إصلاح حال

إلا الأعوان من خادم وكاتب وشهود ورسول وسجان ونحو ذلك (و) ندب (تخفيف الأعوان) والاقتصار على قدر الحاجة (و) ندب (اتخاذ من يخبره)[1] أهل الصدق والصلاح (بما يقال فيه) من خير أو شر، ليحمد الله على ما يقال فيه من خير ويتباعد عما يقال فيه من شر إن وقع، أو يبين أنه لم يقع أو يبين الوجه، فقد يعترض عليه بفعل شيء. وهو في الواقع قد يكون واجباً عليه لضرورة اقتضته (أو) بما يقال (في شهوده) من خير أو شر ليبقي عنده أولي الخير ويعزل الأشرار (و) ندب (تأديب من أساء عليه) أي على القاضي (بمجلسه) للحكم كأن يقول له: حكمك باطل، أو: أنت تحكم بغير الحق، أو تأخذ الرشوة، أو لو كان في جا [2] أو أعطيتك مالاً لحكمت لي، أو لقبلت شهادتي، ونحو ذلك.

(إلا في نحو) قوله له: (اتق الله)، أو: خف الله، أو: اذكر وقوفك بين يدي الله، فلا يؤدبه، بل يرفق به، ويقول له: رزقنا الله تقواه، ونحو ذلك.

ومن الإرفاق أن يقول له: أنت قد لزمك الإقرار بالحق بقولك: قد وفيته، أو أرسل لي رسولاً أو كتاباً يدفعه لفلان، أو بقولك: إن شهد على فلان فدعواه صحيحة وقد شهد عليك فلا يقبل منك تجريحه بعد ذلك، أو: بنكولك عن اليمين، أو: بردك اليمين على المدعي وتحليفه ونحو ذلك. وقولنا: "بمجلسه" احترازاً عما إذا أساء عليه بغير مجلس الحكم فلا يؤدبه، بل يرفعه لغيره إن شاء والعفو أولى. (و) ندب للقاضي (إحضار العلماء) في مجلس الحكم لظهور الصواب (أو مشاورتهم) لذلك وهذا في مشكلات المسائل وأما الضروريات فلا يحتاج فيها لذلك.

(وله): أي للقاضي إذا ولي على القضاء ببلاد (أن يستخلف إن اتسع عمله) لا إن لم يتسع، فلا يجوز له استخلاف ولا ينفذ حكم من استخلفه إلا أن ينفذه هو (بجهة) أي في جهة (بعدت) عنه

ــ

في الزنا لعدم شهادته فيه.

قوله: [بلا دين]: لا يغني عن هذا قوله "غني"، لأنه قد يكون غنياً وعليه الدين.

قوله: [وبلا حد]: علم منه أن تولية المحدود جائزة وأن حكمه نافذ وظاهره قضى فيما حد فيه أو في غيره، وهو خلاف ما لسحنون. بخلاف الشاهد فإنه لا تقبل شهادته فيما حد فيه ولو تاب وتقبل في غيره إذا تاب، والفرق بين القاضي والشاهد استناد القاضي لبينة فبعدت التهمة فيه دون الشاهد.

قوله: [بفتح الدال المهملة والمد]: وهمزته منقلبة عن الياء لا عن الواو.

قوله: [ربما أدته] إلخ: أي فلذلك كرهت زيادتها فيه وهذا بخلاف الأمير فزيادتها فيه لا كراهة فيها لوسع عمله.

قوله: [وندب منع الراكبين معه]: إلخ: أي يندب للقاضي أن يمنع الركاب معه والمصاحبين له من غير حاجة وإن كان شأنه ذلك قبل القضاء.

قوله: [وللحميدي رحمه الله] إلخ: هذان البيتان من بحر الوافر وأجزاؤه مفاعلتن مفاعلتن فعولن.

قوله: [الهذيان]: هو الكلام الساقط الذي لا يعود على صاحبه منه خير دنيوي ولا أخروي.

قوله: [ونحو ذلك]: أي كالترجمان.

قوله: [أو يبين]: معطوف على يتباعد. وقوله: [إن وقع]: معترض بين المعطوف والمعطوف عليه.

قوله: [وندب تأديب من أساء عليه]: ما ذكره المصنف من ندب تأديب من أساء عليه هو ظاهر كلام ابن رشد وظاهر كلام ابن عبد السلام وجوب التأديب لحرمة الشرع، وهذا كله إذا أساء على القاضي، وأما إذا أساء على غيره كشاهد أو خصم فالأدب واجب قطعاً كما في (بن).

قوله: [بل يرفق به]: أي لئلا يدخل في وعيد قوله تعالى: {وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم} [البقرة: 206] الآية وقد كان بعض العارفين إذا قيل له اتق الله مرغ خديه على التراب

قوله: [أن يقول له]: أي يقول القاضي لأحد الخصمين.

قوله: [أو أرسل لي رسولاً]: معطوف على "قد وفيته" مسلط عليه القول.

قوله: [أو بقولك إن شهد] إلخ: معطوف على "بقولك" الأول.

قوله: [والعفو أولى]: قال تعالى: {فمن عفا وأصلح فأجره على الله} [الشورى: 40].

قوله: [وندب للقاضي إحضار العلماء]: أي فإن أحضرهم أو شاورهم ووافقوه على ما يريد الحكم به، فالأمر واضح، وإن خالفوه وأظهروا له فساد ما أراد الحكم به وافقهم، وندب إحضار العلماء والمشاورة في المشكلات، ولو كان القاضي مجتهداً فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يفعلون ذلك لاحتمال أن يكون الظاهر له في هذه النازلة غير الظاهر لهم، فإذا أحضرهم فيحتمل أن يظهر له ما ظهر لهم ويرجع عن

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

زاد بعدها في ط المعارف: (من).

[2]

في ط المعارف: (جاه).

ص: 332

بأميال كثيرة يشق حضور الخصمين والشهود منه إلى محل القضاء، لا إن قربت فلا يجوز. (من) مفعول يستخلف أي يستخلف رجلاً عدلاً (علم ما استخلف فيه)، وإن لم يعلم جميع أبواب الفقه فإذا ولاه على الأنكحة فقط اشترط أن يكون عالماً بمسائل النكاح وما يتعلق بها. وإن استخلفه في القسمة والمواريث وجب علمه بذلك، وهكذا ولا يصح أن يستخلف جاهلاً بما ولي فيه (أو أذن له) في الاستخلاف، بأن أذن له السلطان فيه فله الاستخلاف ولو لم يتسع عمله أو في جهة قربت.

(و) إذا أذن له في الاستخلاف واستخلف (لا ينعزل) الخليفة (بموته) أي بموت من استخلفه، وكذا إن جرى العرف بالاستخلاف؛ لأن الإذن له في ذلك أو جريان العرف به كأنه تولية من السلطان فلا ينعزل بموت القاضي المستخلف له وأما إن استخلف لاتساع عمله بجهة بعدت فينعزل بموت من ولاه وهو معنى قول الشيخ:"وانعزل بموته"؛ لأن كلامه رحمه الله في ذلك فلا اعتراض عليه، فتأمل. (ولا) ينعزل (غيره) أي غير خليفة القاضي المأذون له في الاستخلاف من قاض ووال وعامل (بموت من ولاه) من الأمراء، ولو كان الذي ولاه هو الخليفة كما قال الشيخ، والحاصل: أن الخليفة أو غيره إذا استخلف قاضياً أو غيره لم ينعزل المولى بموت من ولاه، إلا خليفة القاضي إذا ولاه القاضي بجهة بعدت لاتساع عمله فإنه ينعزل بموت القاضي الذي ولاه، هذا حاصل كلامهم فتأمله. وأما إذا عزله من ولاه فإنه ينعزل قطعاً، إلا الخليفة؛ فلا يعزل إن أزيل وصفه إذا ولي مستجمعاً لشروطها. .

(ولا تقبل شهادته) أي القاضي إذا شهد عند قاض آخر (أنه قضى بكذا) وسواء شهد بذلك قبل عزله أو بعده، لأنها شهادة على فعل نفسه وهي باطلة وأما الإخبار فيقبل منه قبل العزل لا بعد، والحاصل أن إخباره بذلك إن كان على وجه الشهادة لم تقبل مطلقاً وإن كان على وجه الإعلام فيقبل قبل العزل لا بعده.

(وجاز) للخصمين (تحكيم) رجل (عدل) عدل شهادة بأن يكون مسلماً، حراً، بالغاً، عاقلاً، غير فاسق.

ــ

اجتهاده كما كان يقع لكبار الصحابة.

قوله: [بأميال كثيرة]: أي زائدة على مسافة القصر.

قوله: [أو أذن له في الاستخلاف]: معطوف على قوله "اتسع". وحاصل المسألة أن الصور اثنتا عشرة صورة لأن السلطان إما أن ينص للقاضي على الاستخلاف أو على عدمه أو يسكت، وفي كل إما أن يستخلف لعذر أو لراحة نفسه، وفي كل إما أن يستخلف في جهة قريبة أو بعيدة، فإن نص على استخلاف جاز مطلقاً لعذر أو لغيره في القريبة والبعيدة، وإن نص على عدمه منع مطلقاً، وإن سكت فإن كان العرف الاستخلاف فكالنص عليه، وإن لم يكن عرف أو كان العرف عدمه فإن كانت الجهة قريبة فالمنع إن كان الاستخلاف لغير عذر، وإن كان لعذر فقولان، وإن كانت الجهة بعيدة فالجواز كان لعذر أو لغيره، ولا يشترط في استخلاف كون المستخلف بالكسر وقت الاستخلاف في محل ولايته، ومثل الاستخلاف العزل فيجوز أن يعزل واحداً من أهل ولايته وهو في غير محل ولايته. بخلاف حكمه فإنه لا يصح في غير محل ولايته.

قوله: [لا ينعزل الخليفة بموته]: مثله من قدمه القاضي للنظر في أيتام فإنه لا ينعزل بموت القاضي الذي قدمه ولا يعزله.

قوله: [فينعزل بموت من ولاه]: أي والموضوع أن استخلافه بسبب اتساع العمل بغير إذن ولا عرف جار بالإذن وإلا فيكون داخلاً فيما قبله.

قوله: [إلا خليفة القاضي]: أي والموضوع أنه ولاه بغير إذن من الإمام، والفرق كما في الأصل أن القاضي ليس نائباً عن نفس الخليفة. بخلاف نائب القاضي فإنه نائب عن نفس القاضي، فلذا انعزل بموته وبحث (بن) في هذا الفرق بقوله: إذ لو لم يكن القاضي نائباً عن الخليفة لم يكن للخليفة عزله، كيف. وأصل القضاء للخلفاء، ولو سلم أن القاضي ليس نائباً عن الخليفة، فلم لا يقال مثله في نائب القاضي. فإن قلت: إن ذلك للتخفيف عن القاضي. قلت: السلطان أيضاً إنما جاز له أن يستقضي لأجل التخفيف عن نفسه اهـ.

قوله: [فتأمله]: أمر بالتأمل لما فيه من البحث المتقدم.

قوله: [إلا الخليفة]: أي السلطان.

وقوله: [فلا يعزل إن أزيل وصفه]: أي ارتكاباً لأخف الضررين، ومحله ما لم يكفر وإلا وجب عزله كما تقدم.

قوله: [ولا تقبل شهادته]: إلخ: صورتها أن القاضي حكم في قضية ومضى زمنها ثم تنازع الخصمان وأنكر أحدهما الحكم، فإن القاضي لا تقبل شهادته على حكمه ولا بد من شهادة عدلين لمن ادعى الحكم، ويقوم مقام شهادة العدلين وجود القضية في السجل الكائن بيد العدول، ولذلك جعلت سجلات القضاء لرفع النزاع في المستقبل.

قوله: [أنه قضى بكذا]: أي وأولى في عدم القبول ما إذا قال بعد عزله: شهد عندي شاهدان بكذا. وقد كنت قبلت شهادتهما غير أني لم يصدر مني حكم.

قوله: [إن كان على وجه الشهادة]: أي بأن تقدم الإخبار دعوى من الأخصام.

وقوله: [وإن كان على وجه الإعلام]: أي بأن لم يتقدم إخباره دعوى، بل إنما قصد مجرد الإعلام. .

قوله: [تحكيم رجل عدل]: لما كان التعريف المتقدم أول

ص: 333

(غير خصم) أي غير أحد الخصمين المتداعيين بحيث يحكم لنفسه أو عليها ولا يجوز تحكيم الخصم، فإن وقع مضى إن حكم صواباً، وقيل: يجوز ابتداء. ابن عرفة: والقول بعد مضيه مطلقاً لا أعرفه. انتهى. (و) غير (جاهل) بأن يكون [1] عالماً بما حكم به إذ شرط الحاكم أو المحكم العلم بما يحكم به وإلا لم يصح ولم ينفذ حكمه (في مال) من دين وبيع وشراء فله الحكم بثبوت ما ذكر أو عدم ثبوته ولزومه وعدم لزومه وجوازه وعدمه (وجرح) ولو عظم، كجائفة وآمة ومنقلة وموضحة أو قطع لنحو يد.

(لا [2]) في (حد) من الحدود كقصاص أو جلد أو رجم (و) لا في (قتل) في ردة أو حرابة أو قصاص (و) لا في (لعان و) لا في (ولاء) لشخص على آخر (و) لا في (نسب) كذلك (و) لا في (طلاق و) لا في (فسخ) لنكاح ونحوه (و) لا في (عتق و) لا في (رشد وسفه و) لا في (أمر غائب) مما يتعلق بماله وزوجته وحياته وموته.

(و) لا في (حبس و) لا في (عقد) مما يتعلق بصحته وفساده؛ لأن هذه الأمور إنما يحكم فيها القضاة، فلا يجوز التحكيم فيها لتعلق الحق فيها بغير الخصمين إما لله تعالى كالحدود والقتل والعتق والطلاق، وإما لآدمي كاللعان والولاء والنسب. ففي اللعان حق الولد بقطع نسبه وفي الولاء والنسب ترتيب أحكامها من نكاح وعدمه وإرث وعدمه وغير ذلك على الذرية التي ستوجد (فإن حكم) المحكم في هذه الأمور التي لا يجوز له الحكم فيها بأن جعل فيها حكماً فحكم (صواباً مضى) حكمه ولا ينقض لأن حكم المحكم يرفع الخلاف.

(وأدب) لافتياته على الحاكم ومحل تأديبه إن نفذ حكمه بأن اقتص أو حد أو طلق، لا بمجرد قوله: حكمت، ونحوه. مفهوم [3] قولنا:"عدل" أنه لا يجوز تحكيم غيره. لكن إن كان كافراً فلا يمضي قطعاً، وكذا إن كان صبياً لا تمييز له أو كان مجنوناً فإن كان مميزاً أو كان امرأة أو فاسقاً أو عبداً فهل يمضي أو لا؟ أو يمضي في غير الصبي والفاسق، وأما هما فلا يمضي؟ أقوال: الأول: لأصبغ، والثاني: لمطرف، والثالث: لأشهب، والرابع: لابن الماجشون. وهذا معنى قوله: وفي صبي وعبد وامرأة وفاسق: ثالثها: إلا الصبي، ورابعها: وفاسق ومفهوم "غير خصم" أن الخصم لا يجوز، لكنه إن وقع مضى إن كان صواباً وقيل: بل يجوز ابتداء وقال ابن عرفة: والقول بعدم مضيه مطلقاً لا أعرفه، وقد تقدم ومفهوم غير جاهل: أن الجاهل لا يجوز تحكيمه، فإن حكم لا يمضي حكمه وقد تقدم أيضاً، وأعدناه لمعرفة حاصل المسألة وسهولة ضبطها.

ــ

الباب شاملاً لحكم المحكم حيث قال فيه: "حكم حاكم أو محكم" إلخ، تعرض المصنف له هنا. قال بعضهم: ولا يحتاج التحكيم لإشهاد على كونه حكماً.

قوله: [غير خصم] إلخ: هذا الوصف وما بعده زيادة على وصف عدل الشهادة.

قوله: [فإن وقع مضى] إلخ: سيأتي إعادة تلك الأقوال في آخر العبارة وإيضاحها.

قوله: [وإلا لم يصح ولم ينفذ]: أي إن حكم بالجهل، وأما لو شاور العلماء وحكم فيصح وينفذ ولا يقال له حينئذ حكم جاهل.

قوله: [في مال]: أي غير متعلق بغائب بدليل ما يأتي.

قوله: [بثبوت ما ذكر]: إلخ: الثبوت وعدمه واللزوم وعدمه والجواز وعدمه يصلح كل لكل من الدين والبيع والشراء فتأمل.

قوله: [وجرح]: أي عمداً أو خطأ.

قوله: [أو قطع]: انظر ما حكمة العطف بأو مع أنها من جملة الجراحات العظيمة.

قوله: [كقصاص]: أي في النفس لا في الأطراف لأنه تقدم أنه يحكم فيها، وقوله بعد ذلك "أو قصاص" مكرر فالأولى حذف إحداهما، ودخل في الحدود قطع السرقة فلا يحكم فيه. والحاصل أنه يحكم في الأموال والجراحات عمدها وخطئها لا في الحدود، ومنها قطع اليد في السرقة ولا في النفوس.

قوله: [كالحدود]: أي لأن المقصود من الحدود الزجر وهو حق الله.

قوله: [والقتل]: أي لأنه إما لردة أو حرابة وكله حق لله لتعدي حرماته.

قوله: [والعتق]: أي لأنه لا يجوز رد العبد إلى الرق ولو رضي بذلك، وكذا الطلاق البائن لا يجوز رد المرأة إلى العصمة ولو رضيت بذلك.

قوله: [فحكم صواباً]: أي وأما إن لم يصب فعليه الضمان، فإن ترتب على حكمه إتلاف عضو فالدية على عاقلته وإن ترتب عليها إتلاف ما كان الضمان في ماله كذا في حاشية الأصل.

قوله: [وأدب لافتياته على الحاكم]: أي إن كان هناك حاكم شرعي وأما في زماننا هذا فوجوده كالكبريت الأحمر.

قوله: [فهل يمضي]: هذا هو القول الأول.

وقوله: [أو لا]: هذا هو القول الثاني. فالمعنى فهل يمضي مطلقاً في الأربعة أو لا يمضي في واحد منها.

وقوله: [أو يمضي في غير الصبي]: هذا هو الثالث ووجه هذا القول أن البالغ عنده كمال العقل والصبي بخلاف ذلك.

وقوله: [أو يمضي في غير الصبي والفاسق]: هذا هو القول الرابع ووجه عدم مضيه في الفاسق عدم ديانته فألحق بالصبي.

قوله: [وقد تقدم]: أي هذا المفهوم.

قوله: [وقد تقدم أيضاً]: أي وتقدم أننا قيدنا عدم حكمه بما إذا لم يشاور العلماء ويحكم وإلا كان حكم عالم.

قوله: [وأعدناه]: أي ما ذكر من مفهوم غير الخصم وغير الجاهل.

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

زاد بعدها في ط المعارف: (غالباً).

[2]

في ط المعارف: (إلا).

[3]

في ط المعارف: (ومفهوم).

ص: 334

وأن ما خالف ذلك مما في بعض الشراح لا يعول عليه.

(و) جاز لحاكم أو محكم (خفيف تعزير بمسجد) هو محيط [1] الجواز، أي: ولو ضرباً خفيفاً شأنه عدم النجاسة (لا) يجوز (حد) بالمسجد، ولا تعزير ثقيل خشية خروج نجاسة منه.

(و) جاز للقاضي (اتخاذ حاجب وبواب) يحجب الداخل بلا حاجة، وتأخير من جاء بعد غيره حتى يفرغ السابق من حاجته.

(و) جاز له (عزل) لمن ولاه بمحل (لمصلحة) اقتضت عزله، ككون غيره أفقه أو أقوى منه (و) إذا عزله (برأه) بأن يقول للناس: ما عزلته لظلم ولا جنحة، ولكني رأيت من هو أقوى منه على القضاء، كما وقع لشرحبيل لما عزله عمر رضي الله عنه فقال: أعن سخط يا أمير المؤمنين؟ فقال: لا، ولكن وجدت من هو أقوى منك، فقال: إن عزلك لي عيب فأخبر الناس بعذري، ففعل (إلا) أن يكون عزله (عن ظلم) أي لأجله فلا يبريه بل له إظهاره إن خف، فإن كثر تعين إظهاره خشية توليته مرة أخرى من غير من عزله.

(و) جاز للقاضي (تولية) لأحد على ما تقدم وكذا العزل (ولو) كان (بغير ولايته) بخلاف الحكم فلا يحكم إلا إذا كان بولايته لا بغيرها، ولو كان الخصم من أهل ولايته كما يأتي آخر الباب. (ورتب) القاضي وجوباً (كاتباً) يكتب وقائع الخصوم (ومزكياً) يخبره بحال الشهود الذين يشهدون على الخصم من عدالة وغيرها سراً، فالمراد بالمزكي: مزكي السر (وشهوداً) يشهدون على الإقرار من الخصم إذا أقر عنده، وقيل يندب ترتيب من ذكر وقوله:(عدولاً شرطاً) راجع للكاتب ومن بعده أي يشترط فيهم العدالة وليس المراد أن الترتيب شرط، بل قيل بوجوبه، وقيل: بندبه.

و"شرطاً" حال أي: حال كون العدالة فيهم شرطاً (والترجمان) وهو الذي يخبر الحاكم بمعنى لغة الخصم، ويخبر الخصم بمعنى كلام القاضي عند اختلاف اللغة (كالشاهد) في اشتراط العدالة (وكفى إن رتب الواحد)"الواحد" فاعل "كفى" و"رتب" بالبناء للمفعول، يعني: يكفي الواحد إن رتبه القاضي وأما غير المرتب بأن أتى به أحد الخصمين أو طلبه القاضي للتبليغ فلا بد فيه من التعدد؛ لأنه صار كالشاهد وقيل: لا بد من تعدده ولو رتب، وكذا المحلف الذي يحلف الخصم عند توجه اليمين عليه يكفي فيه الواحد قال المصنف: والمترجم مخبر كالمحلف أي: فيكفي الواحد فيهما.

(وبدأ) القاضي (أول ولايته بالكشف عن الشهود) المرتبين للقضاة السابقين ليبقي من كان منهم عدلاً عارفاً ويطرد من كان بخلاف ذلك (فالمسجونين)؛ لأن السجن عذاب، فينظر في حالهم، فمن استحق الإفراج عنه ككونه معسراً خلى سبيله وأفلته، ومن وجب عليه يمين حلفه، ومن استحق الإبقاء أبقاه (فأولياء الأيتام) من وصي أو مقدم، هل هو مستقيم في تربيتهم والتصرف في شأنهم؟ لأن اليتيم قاصر عن الرفع للحاكم (و) الكشف عن (مالهم) ألهم عليه وصي أم لا؟

ــ

قوله: [وأن ما خالف ذلك مما في بعض الشراح]: مراده ببعض الشراح التتائي و (عب): فإنهما جعلا الخلاف في الصحة وعدمها لا في الجواز وعدمه الذي اختاره شارحنا وهو المنقول عن ابن رشد كما أفاده (بن).

قوله: [خفيف تعزير]: أي بيده أو أعوانه.

قوله: [ولا تعزير ثقيل]: هذا مفهوم خفيف وهل هو حرام أو مكروه انظر في ذلك.

قوله: [اتخاذ حاجب وبواب]: أي عدلين والمراد بالحاجب بواب المحل الذي يجلس فيه، والمراد بالبواب الملازم لباب البيت.

قوله: [لمصلحة]: أي وإن لم تكن جرحة فإن عزل لا لمصلحة، فالنقل أنه لا ينعزل لكن بحث فيه ابن عرفة بقوله عقبه، قلت في عدم نفوذ عزله نظر لأنه يؤدي إلى لغو تولية غيره فيؤدي ذلك إلى تعطيل أحكام المسلمين.

قوله: [لشرحبيل] هو بضم الشين وفتح الراء وسكون الحاء وكسر الموحدة بعدها تحتية وهو ابن حسنة.

قوله: [يكتب وقائع الخصوم]: أي التي يريد أن يحكم فيها.

قوله: [وقيل يندب ترتيب من ذكر]: مقابل لقوله "وجوباً" والقول بالوجوب للشيخ أحمد الزرقاني والندب إلخ.

قوله: [بل قيل بوجوبه] إلخ أي كما علمت.

قوله: [والترجمان]: مثلث التاء.

قوله: [عند اختلاف اللغة]: أي وأما عند اتحادها فلا حاجة له.

قوله: [في اشتراط العدالة]: أي والذكورة.

قوله: [الواحد]: فاعل كفى أي وجواب الشرط محذوف دل عليه المذكور.

قوله: [فلا بد فيه من التعدد]: أي اتفاقاً.

قوله: [وقيل لا بد من تعدده]: القائل به ابن شاس لكن حمل (ح) كلام ابن شاس على إذا أتى به أحد الخصمين.

قوله: [وكذا المحلف]: أي ولا بد فيه من العدالة.

قوله: [قال المصنف]: أي خليل وكثيراً ما يخالف اصطلاحه.

قوله: [بالكشف عن الشهود]: أي الموثقين الذين يكتبون الوثائق ويسمعون الدعاوى، وتوضع شهادتهم في الوثائق، وإنما أمر بالبدء به لأن المدار كله عليهم، وكيفية الكشف أن يدعو صلحاء أهل البلد ويسألهم عن عدالتهم، فمن شهدوا له بالعدالة أبقاه ومن نفوها عنه عزله.

قوله: [فالمسجونين]: أي سواء كانوا مسجونين في الدماء أو غيرها، ولكن يقدم المسجونين في دعاوى الدماء؛ لأنها أول ما يقضى فيها يوم القيامة.

قوله: [فأولياء الأيتام]: أي فيستخبر من عدول أهل هذا المكان عن

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (محط).

ص: 335

(ونادى) أي أمر منادياً ينادي (بمنع معاملة يتيم وسفيه) من بيع وشراء منه أو له ومداينته، ومن عامل يتيماً أو سفيهاً لا ولي له فهو مردود (و) نادى (برفع أمرهما) أي اليتيم والسفيه (له) بأن ينادي أن من عامل يتيماً أو سفيهاً لا ولي له فليرفعه إلينا لنولي عليه من يصون ماله.

(ثم) ينظر (في الخصوم فيبدأ بالأهم) فالأهم (كالمسافر): يقدمه على غيره لضرورة سفره، ولو تأخر في المجيء عن غيره. (و) يقدم [1](ما يخشى فواته) لو قدم غيره عليه لضرورة الفوات، فإذا اجتمع مسافر وما يخشى فواته قدم الأهم منهما ومثال ما يخشى فواته: الطعام الذي يتغير بالتأخير والنكاح الفاسد يفسخ قبل الدخول (فالأسبق) أي فإذا فرغ من أمر المسافر أو ما يخشى فواته أو لم يوجدا قدم الأسبق في المجيء إليه على المتأخر مجيئاً (وإلا) يكن أحدهما أو أحدهم سابقاً بأن جاءا معاً أو جهل الأسبق (أقرع) بينهما أو بينهم، فمن خرج اسمه بالتقديم قدم.

(وينبغي) للقاضي (أن يفرد يوماً أو وقتاً) كبعد العصر (للنساء).

ولو مع رجال لأنه أستر لهن (كالمفتي والمدرس) تشبيه في كل ما تقدم، فيقدم المسافر وما يخشى فواته فالأسبق ثم أقرع وينبغي أن يفرد النساء بوقت أو يوم، وكذا أرباب الحرف كالخباز والطحان.

(ولا يحكم) الحاكم وكذا لا يفتي المفتي ولا يدرس المدرس (مع ما يدهش) العقل كمرض وضجر وخوف وضيق نفس (ومضى) حكمه إن حكم مع ما يدهش، ولا ينقض، إلا أن يعظم المدهش فلا يجوز معه حكم قطعاً، وليتعقب.

(وليسوِّ) القاضي (بين الخصمين) فلا يقدم أحدهما على الآخر (وإن) كان أحدهما (مسلماً و) الآخر (كافراً) لأن التسوية من العدل.

(وعزر) وجوباً (شاهد الزور) وهو من شهد بما لم يكن يعلمه ولو صادف الواقع (في الملأ) بالهمزة مع القصر أي جماعة الناس (بنداء) أي يعزره بضرب مؤلم مع ندائه وطوافه في الأسواق والأزقة لإشهار أمره وارتداع غيره (لا) يعزره (بحلق لحيته و) لا (تسخيم وجهه) بطين أو سواد. ثم لا تقبل له شهادة ولو تاب وحسنت توبته اتفاقاً، إن كان حين شهادته ظاهر العدالة وعلى أحد القولين: إن لم يكن ظاهرها. وقيل بالعكس، وهو مراده بالتردد.

والقاضي إذا عزل لجنحة فلا تجوز توليته بعد ولو صار أعدل أهل زمانه والسخام بضم السين المهملة هو الدخان اللاصق بأواني الطبخ.

ــ

تصرفهم في شأن الأيتام.

قوله: [ونادى]: فائدة المناداة انكفاف الناس عنهما لكن في السفيه تمضي معاملاته الحاصلة قبل النداء، وأما الحاصلة بعده فمردودة، وأما اليتيم فمردودة قبل النداء وبعده. واعلم أن رتبة المناداة في رتبة النظر في أمرهما فهي مؤخرة عن النظر في المحبوس، وحكم المناداة المذكورة الندب على ما يفهم من كلام بهرام والتتائي والوجوب على ما يفهم من كلام التبصرة.

قوله: [ثم ينظر في الخصوم]: هذه مرتبة رابعة.

قوله: [قدم الأهم منهما]: أي ولو كان الآخر سابقاً في الحضور.

قوله: [يفسخ قبل الدخول]: صفة للنكاح الفاسد أي النكاح الذي شأنه يفسخ قبل الدخول ويمضي بعده فإنه أهم من غيره للتعجيل بالفسخ امتثالاً لحكم الله وخوف الغفلة عنه فيمضي بالدخول، وذلك كالنكاح الفاسد لصداقه وكمن خطب على خطبة أخيه ثم عقد.

قوله: [أقرع بينهما]: أي بأن يأتي القاضي بأوراق بعددهم يكتب في واحدة يقدم وفي الأخرى لا يقدم ويأمر كل واحد بأخذ ورقة فمن خرج سهمه بالتقديم قدم.

قوله: [كبعد العصر للنساء]: أي اللاتي يخرجن لا المخدرات اللاتي يمنع من سماع كلامهن فإنهن يوكلن أو يبعث القاضي لهن في منزلهن واحداً من طرفه يسمع دعواهن كما قرر الأشياخ.

قوله: [ولو مع رجال]: أي هذا إذا كانت دعاويهن مع نساء، بل ولو كانت مع رجال.

قوله: [كالمفتي والمدرس]: أي وكذا المقرئ الذي يقرئ القرآن للناس.

قوله: [كالخباز والطحان]: أي فيقدم المسافر، ثم الأسبق، ثم القرعة، هذا مقتضى كلامه، والذي في ابن غازي عن ابن رشد أنه يقدم الأول فالأول، وإن لم يكن عرف وإلا عمل به، والذي في المواق عن البرزلي أن أرباب الصنائع إن كان بينهم عرف عمل به، وإلا قدم الآكد فالآكد كالأشد جوعاً أو الأقرب لفساد شيئه وفي الحقيقة عبارات الجميع متقاربة.

قوله: [ولا يحكم الحاكم] إلخ: أي يكره أو يحرم قولان.

قوله: [فلا يجوز]: أي يحرم اتفاقاً.

قوله: [وليتعقب]: أي فإن كان صواباً أمضي وإلا رد.

قوله: [وليسو القاضي]: أي وجوباً. قوله: [وإن كان أحدهما مسلماً] إلخ: أي هذا إذا كانا مسلمين أو كافرين، بل وإن كان أحدهما مسلماً إلخ، ورد بالمبالغة على ابن الحاجب القائل بجواز رفع المسلم على الذمي ونسبه في التوضيح لمالك كذا في (بن).

قوله: [بما لم يكن يعلمه]: صادق بأن يكون علم خلافه أو لا علم عنده بشيء.

قوله: [بضرب مؤلم]: أي على حسب اجتهاده.

قوله: [مع ندائه]: أي بأن هذا شاهد زور وانظر هل الوجوب منصب على التعزير والنداء عليه أو منصب على خصوص التعزير وكونه في الملأ والنداء عليه مندوب فقط كذا في الحاشية.

قوله: [بحلق لحيته ولا تسخيم وجهه]: أي يحرم ذلك ومثله في الحرمة ما يفعل في الأفراح من تسخيم الوجه بسواد أو دقيق لأنه تغيير لخلق الله.

قوله: [وهو مراده بالتردد] أي فمراد

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

ليست في ط المعارف.

ص: 336

وقيل: له حلق لحيته وتسخيم وجهه، قال ابن مرزوق: وهو ظاهر المدونة.

(و) عزر (من أساء على خصمه) في مجلس القضاء بقبيح، نحو: فاجر وظالم وفاسق وكذاب، وأولى ما كان أعظم من ذلك كالسب القبيح، ولا يحتاج في ذلك لبينة، بل يستند في ذلك لعلمه؛ لأن مجلس القضاء يصان عن ذلك. والحق في ذلك لله فلا يجوز للقاضي تركه، وأما في غير مجلس القضاء فلا بد من الثبوت ببينة أو إقرار. (أو) أساء على (مفت) نحو أنت تفتي بالباطل أو: بهواك ونحو ذلك. (أو) أساء على (شاهد) نحو: مزور وتشهد بالزور. (لا بشهدت): أي لا يعزر بقوله لمن شهد عليه شهدت (بباطل) بخلاف زور؛ لأنه لا يلزم من الباطل الزور إذ الباطل أعم من الزور؛ لأن الباطل بالنسبة للواقع والزور بالنسبة لعلم الشاهد، فقد يشهد بشيء يعلمه ويكون المدعى عليه قد قضاه أو أحيل عليه به أو أبرئ منه أو عفي عنه، ولا ضرر على الشاهد بذلك، بخلاف الزور فإنه تعمد الإخبار بما لم يعلم (ولا بكذبت لخصمه) أي ولا يعزر بقوله لخصمه: كذبت أو: ظلمتني، بخلاف كذاب وظالم كما تقدم.

(وأمر) القاضي أولاً عند إقامة الدعوى (مدعياً) وهو من (تجرد عن أصل أو معهود بالكلام) متعلق "بأمر" أي: يأمر المدعي ابتداء بالكلام بإقامة دعواه، والمدعي: هو الذي تجرد قوله عن أصل أو معهود عرفاً يصدقه حين دعواه، فلذا طلبت منه البينة لتصديقه كطالب دين على آخر أو جناية، أو ادعى على غيره بفعل من الأفعال، كطلاق أو عتق أو قذف فإن الأصل والمعهود عدم ما ذكر. وإنما يأمر المدعي إذا علمه ولو بقوله لهما: من المدعي منكما؟ فقال أحدهما: أنا، وسلم له الآخر. وسيأتي أن المدعى عليه هو من ترجح قوله بأصل أو معهود (وإلا) يعلم المدعي منهما بأن قال كل: أنا المدعي (فالجالب) لصاحبه عند القاضي هو الذي يؤمر بالكلام ابتداء؛ لأن الشأن أن الجالب هو الطالب (وإلا) يكن جالب بأن جاءا معاً (أقرع) بينهما، فمن خرج سهمه بالتقدم قدم.

ــ

خليل بالتردد الطريقتان، الطريقة الأولى تقول: إن كان ظاهر الصلاح حين شهد بالزور لا تقبل له شهادة بعد ذلك اتفاقاً، لاحتمال بقائه على الحالة التي كان عليها، وإن كان غير مظهر للصلاح حين الشهادة ففي قبول شهادته بعد ذلك إذا ظهرت توبته قولان. وهذه طريقة ابن عبد السلام، والطريقة الثانية عكسها لابن رشد قال في الحاشية نقلاً عن التتائي: وطريقة ابن عبد السلام أنسب بالفقه وطريقة ابن رشد أقرب لظاهر الروايات، فإن شهد قبل التوبة لم تقبل اتفاقاً، لأنه فاسق. وإن شهد بعدها وقبل التعزير فمقتضى العلة جرى التردد فيه، وكذا هو ظاهر كلام المواق وأفاد ذكر التردد فيمن فسقه بالزور أنه لو كان فسقه بغيره ثم شهد بعد ما تاب فإنه يقبل اهـ وهو مقتضى قوله تعالى في سورة النور:{إلا الذين تابوا} [النور: 5] الآية.

قوله: [وقيل له حلق لحيته] أي لقول عمر بن عبد العزيز: تحدث للناس أقضية على حسب ما أحدثوه من الفجور والبدع.

قوله: [بقبيح]: متعلق بأساء والتعزير يكون على حكم مقتضى الشرع، فإن كان فيه قذف لعفيف أقام عليه الحد.

قوله: [وفاسق]: الأولى تأخيره وجعله مثالاً للسب القبيح.

قوله: [ولا يحتاج في ذلك لبينة]: اسم الإشارة عائد على ما ذكر من الإساءة.

قوله: [بل يستند في ذلك لعلمه]: اعلم أن هذه المسائل الأربع وهي تأديب القاضي لمن أساء عليه، أو على خصمه، أو على الشاهد، أو على المفتي بمجلسه مستنداً لعلمه، تزاد على قولهم: لا يجوز للقاضي أن يستند لعلمه إلا في التعديل والتجريح.

قوله: [وأما في غير مجلس القضاء]: أي ولا يستند فيهما القاضي لعلمه.

قوله: [بخلاف زور]: في المواق ابن كنانة لو قال: شهدت علي بزور فإن عنى أنه شهد عليه بباطل لم يعاقب، وإن قصد أذاه وإشهاره بأنه مزور نكل بقدر حال الشاهد والمشهود عليه اهـ ويقبل قوله فيما أراده إلا لقرينة تكذبه اهـ (عب).

قوله: [بالنسبة لعلم الشاهد]: أي فبين الزور والباطل عموم وخصوص وجهي، فإذا شهد بما هو خلاف الواقع كان باطلاً وزوراً، وإذا شهد بخلاف الواقع وكان يعتقد أنه الواقع كان باطلاً لا زوراً، وإذا شهد بما هو مطابق للواقع وهو لا يعلم به كان ذلك زوراً لا باطلاً.

قوله: [بما لم يعلم]: أي بثبوته بل إما علم عدمه أو لم يعلم شيئاً؛ لأن الشهادة مع الشك زور.

قوله: [بخلاف كذاب وظالم]: الفرق بينه وبين ما قبله أن قوله: كذبت تعلق بخصوص دعوته وليس فيه انتهاك لمجلس الشرع. بخلاف كذاب وظالم فإنه لا تعلق له بالخصومة، بل فيه مشاتمة للخصم عامة وهذا انتهاك لحرمة الشرع.

قوله: [وأمر القاضي]: أي وجوباً.

قوله: [بالكلام]: متعلق بـ "أمر" والباء للتعدية.

وقوله: [بإقامة]: متعلق بـ "أمر" أيضاً والباء للتصوير فاختلف معنى الباءين.

قوله: [تجرد قوله عن أصل أو معهود]: أي وليس مجرداً عن كل شيء فإن المدعي متمسك بالبينة فلا يقال: إن دعواه مجردة عن جميع المستندات، بل عن شيء خاص وهو الأصل أو المعهود.

قوله: [فإن الأصل والمعهود عدم ما ذكر]: أي لأن الأصل في الأشياء العدم.

قوله: [ولو بقوله لهما]: أي هذا إذا كان علمه بأمر سابق بل ولو بقوله لهما إلخ.

قوله: [من ترجح قوله بأصل] إلخ: أي لكونه ضد المدعي.

قوله: [أقرع بينهما]: أي فيمن

ص: 337

وإذا أمر بالكلام (فيدعي بمعلوم محقق من مال أو غيره) نحو: لي عليه دينار من قرض أو بيع، واحترز:"بمعلوم " من نحو لي عليه شيء و"بمحقق " من نحو قوله: في ظني أو أظن أن لي عليه كذا.

(وبين في) دعوى (المال: السبب): كالقرض والبيع والنكاح والغصب والسرقة. (وإلا) يبين السبب (سأله الحاكم عنه): أي عن السبب وجوباً. (وإلا) بأن ادعى بمجهول أو بمعلوم غير محقق، أو لم يبين السبب (لم تسمع دعواه كأظن) أن لي عليه ديناراً، لعدم تحقق المدعي به ولو قال: أظن ظناً قوياً وما يأتي من أن البات يعتمد في يمينه على الظن القوي فذاك في اليمين وما هنا في الدعوى. وإذا لم تسمع دعواه لم يطلب من المدعى عليه جواب. (إلا أن ينسى السبب): أي يدعي نسيانه فيعذر بذلك، وتسمع دعواه؛ فيطلب الجواب من المدعى عليه، بخلاف قوله: لا أبينه، أو لا أعرفه.

(ويتهم المدعى عليه) هذا الاستثناء ناظر لمفهوم قوله: "وبين السبب" الداخل تحت: "وإلا" إلخ: أي فإن لم يبين لم تسمع دعواه -إلا أن يدعي نسيانه أو يتهم المدعى عليه كأظن أنك سرقت لي كذا أو: غصبته مني، أو: فرطت فيه حتى تلف فتسمع دعواه وتتوجه اليمين على المتهم على القول المشهور إذا أنكر المتهم؛ فإن قوله: "أظن" إلخ فيه ذكر السبب، لكن لا على وجه البيان بل الظن. فالسرقة مثلاً سبب للمدعى به لكنه مظنون لا محقق. وجعلنا بيان السبب من بيان صحة الدعوى، هو الراجح. وقيل: ليس هو من تمام صحتها وقوله: "وبين في المال السبب" مفهومه: أن غير المال لا يبين فيه سبب كالطلاق والنكاح وهو ظاهر.

(ثم) بعد أن يذكر المدعي دعواه على ما تقدم يأمر القاضي (مدعى عليه) وهو من (ترجح قوله بمعهود) شرعي كالأمانة، فإنه عهد شرعاً أن ربها مصدق في قوله، كالوديع وعامل القراض والمساقاة (أو أصل) كالمدين فإن الأصل عدم الدين، وكذا الحرية؛ فإنها الأصل. فإذا ادعى شخص على غيره بأنه رقيق فعليه البيان. والأصل في معلوم الرق عدم الحرية فإن ادعى العتق فعليه البيان (بالجواب)

ــ

يبتدئ بالكلام.

قوله: [فيدعي بمعلوم محقق]: اعلم أن المراد بعلم المدعي به تصوره وتميزه. في ذهن المدعي والمدعى عليه والقاضي. وأما تحققه فهو راجع لجزم المدعي لأنه مالك له.

قوله: [بمجهول]: محترز "معلوم".

وقوله: [أو بمعلوم غير محقق]: محترز قوله "محقق".

وقوله: [أو لم يبين السبب]: محترز قوله "وبين في المال السبب".

قوله: [كأظن أن لي عليه ديناراً]: مثال للمعلوم الغير المحقق وتقدم مثال المجهول في قوله "لي عليه شيء".

قوله: [فذاك في اليمين وما هنا في الدعوى]: وقد يقال يلزم من الظن في اليمين الظن في الدعوى. فالإشكال باق والمأخوذ من كلام (بن) والحاشية جواب آخر أوضح من هذا وهو أن ما هنا طريقة. وما يأتي في الشهادات من سماع دعوى الاتهام المفيد عدم اشتراط كون المدعى به محققاً طريقة أخرى، ويترتب على كل الخلاف في توجه يمين التهمة على المدعى عليه توجهها والمعتمد ما يأتي، فإذا علمت ذلك فذكر المصنف هذا الشرط وتقييده بدعوى الاتهام فيه نوع تناقض ويؤيد ما قلنا قوله في الحاشية باحثاً مع الخرشي فيه أن دعوى الاتهام ترجع للظن أو الشك، فالمناسب أن يقول مشى هنا على قول وهناك على قول.

قوله: [لم يطلب من المدعى عليه جواب]: أي وسواء بين السبب أم لا على المشهور. ومقابلة ما قاله المازري من أنه إذا ادعى بمجهول لم يقبل إن لم يبين السبب، فإن بين السبب أمر المدعى عليه بالجواب إما بتعيينه أو الإنكار، قال (شب) فقد ذكر ابن فرحون في تبصرته ما حاصله أن للمدعي بشيء ثلاثة أحوال: الأول أن يعلم قدر الذي يدعي به ويقول شيئاً ويأبى من ذكر قدره وفي هذه لا تقبل دعواه اتفاقاً. الثانية أن يدعي جهل المدعى به وتدل على ذلك قرينة كشهادة بينة بأن له حقاً لا يعلمون قدره وفي هذه تقبل دعواه اتفاقاً. الثالثة أن يدعي جهل قدره من غير شهادة قرينة بذلك فهي محل الخلاف الذي اختار فيه المازري سماع الدعوى به اهـ.

قوله: [هذا الاستثناء]: أي الكائن في المسألتين أعني قوله إلا أن ينسى السبب أو يتهم المدعى عليه هكذا ظاهر حله، والظاهر أن يقال: هذا الاستثناء راجع لمفهوم محقق وبيان السبب على سبيل اللف والنشر المشوش، فإن الاتهام عائد على مفهوم محقق ونسيان السبب راجع لمفهوم بيان. فتأمل. فقد علمت بما تقدم من أنهما طريقتان أن الأولى حذف هذا الاستثناء الثاني.

قوله: [كالطلاق والنكاح]: أي فإذا ادعت المرأة على زوجها الطلاق فلا تسأل عن بيان السبب.

وقوله: [والنكاح]: أي إذا ادعى رجل أو امرأة الزوجية للآخر فلا يلزم بيان السبب.

قوله: [على ما تقدم]: أي في قوله "فيدعي بمعلوم محقق".

وقوله: [أن ربها]: المراد به من هي تحت يده.

قوله: [في قوله]: متعلق بـ "مصدق". وقوله: [كالوديع]: وما بعده أمثلة للأمانة أي فالوديع وعامل القراض والمساقاة ترجح قوله بمعهود شرعي حيث قال: رددت الوديعة أو مال القراض أو ثمر الحائط.

قوله: [فإنها الأصل]: أي الأصل في الناس شرعاً الحرية

ص: 338

متعلق بأمر المقدر إما بإقرار أو إنكار. (فإن أقر فله): أي المدعي (الإشهاد عليه) وللحاكم إن غفل المدعي تنبيهه عليه بأن يقول للعدول: اشهدوا بأنه أقر. (وإن أنكر قال) القاضي للمدعي: (ألك بينة) تشهد لك عليه؟ (فإن نفاها) بأن قال: ليس عندي بينة (فله): أي للمدعي (استحلافه): أي طلب حلف المدعى عليه المنكر. هذا إذا ثبتت بينهما خلطة من معاملة أو غيرها بل (وإن لم تثبت) بينهما (خلطة) بدين أو تكرر بيع، وقيل: ليس له استحلافه إلا إذا ثبتت بينهما خلطة بذلك ولو بامرأة، وهو الذي مشى عليه الشيخ، وهو ضعيف.

(فإن حلف) المدعى عليه بعد أن طلب المدعي منه اليمين برئ، وليس للمدعي بعد ذلك مطالبة عليه. وإذا برئ (فلا بينة) تقبل للمدعي بعد ذلك (إلا لعذر كنسيان) لها عند تحليفه المدعى عليه، وحلف إن أراد القيام بها أنه نسيها (وعدم علم) بها قبل تحليفه، فله إقامتها وحلف. وكذا إذا ظن أنها لا تشهد له أو أنها ماتت (كأن حلف) المدعى عليه (لرد) شهادة (شاهد) أقامه المدعي، وكانت الدعوى لا تثبت إلا بشاهدين، فطلب منه الثاني، فقال: ليس عندي إلا هذا، وحلف المدعى عليه يميناً لرد شهادة هذا الشاهد فوجد ثانياً، كأن نسيه أو لم يعلم به، فله أن يقيمه ويضمنه [1] للأول.

(وإن أقامها) عطف على قوله: "فإن نفاها"، يعني إذا قال القاضي للمدعي حين أنكر عليه: ألك بينة؟ فإن نفاها فقد تقدم وإن أقامها (أعذر إلى المطلوب) وهو المدعي، بأن يسأله القاضي عن عذر (بأبقيت لك حجة) أي يقول القاضي للمطلوب بعد سماع بينة الطالب: أبقيت لك حجة وعذر في هذه البينة؟ فإما أن يقول: نعم، وإما أن يعجز وسيأتي الكلام في ذلك.

واستثنى من الإعذار أربعة لا إعذار فيهم بقوله: (إلا شاهد الإقرار)

ــ

وإنما طرأ لهم الرق من جهة السبي بشرط الكفر والأصل عدم السبي.

قوله: [متعلق بأمر]: المناسب أن يقول متعلق بـ يأمر.

قوله: [إن غفل المدعي]: أي إذا غفل المدعي عن الإشهاد على إقرار المدعى عليه ينبهه الحاكم ليرتاح من كثرة النزاع.

قوله: [بأن يقول] إلخ: تصوير لمقالة المدعي إما من نفسه أو بتنبيه الحاكم له.

قوله: [بل وإن لم تثبت بينهما خلطة]: أي كما هو قول ابن نافع وصاحب المبسوط.

قوله: [وقيل ليس له استحلافه]: هو قول مالك وعامة أصحابه ولكن جرى العمل بقول نافع [2] فلذلك ضعف الشارح هذا، واستثني من اشتراط الخلطة على القول الضعيف ثمان مسائل تتوجه فيها اليمين وإن لم تثبت خلطة اتفاقاً: الأولى: الصانع يدعى عليه بما له فيه صنعة فتتوحه عليه اليمين ولو لم تثبت خلطة لأن نصب نفسه للناس في معنى الخلطة، ومثله التاجر ينصب نفسه للبيع والشراء. الثانية: المتهم بين الناس يدعى عليه بسرقة أو غصب فتتوجه عليه اليمين ولو لم تثبت خلطة، وفي مجهول الحال قولان. الثالثة: الضيف يدعي أو يدعى عليه. الرابعة: الدعوى في شيء معين كثوب بعينه. الخامسة: الوديعة على أهلها بأن يكون المدعي ممن يملك تلك الوديعة والمدعى عليه ممن يودع عنده مثلها والحال يقتضي الإيداع كالسفر والغربة. السادسة: المسافر يدعي على رفقته. السابعة: مريض يدعي في مرض موته على غيره بدين مثلاً. الثامنة: بائع يدعي على شخص حاضر المزايدة أنه اشترى سلعته بكذا والحاضر ينكر الشراء كذا في خليل وشراحه.

قوله: [ولو بامرأة]: بالغ على ذلك لبيان أن الخلطة على القول باشتراطها تثبت ولو بالعدل الواحد ولو كان امرأة فلا يشترط تعدد العدول.

قوله: [بعد أن طلب المدعي منه اليمين]: أي وأما لو حلف من نفسه قبل أن يطلب فلا يعتد بحلفه.

قوله: [بعد ذلك]: أي بعد أن نفى بينة نفسه وطلب من المدعى عليه اليمين وحلف.

قوله: [إنه نسيها]: معمول لقوله "حلف".

قوله: [وحلف]: أي ما لم يشترط أنه إن ظهرت له بينة يقيمها ولا يحلف فإنه يعمل بذلك ولا يحلف.

قوله: [وكذا إذا ظن أنها لا تشهد له]: مثل ذلك إذا كانت بعيدة الغيبة.

قوله: [فله أن يقيمه]: أي بعد حلفه إنه نسيه مثلاً ويلغى اليمين الذي رد به شهادة الشاهد لكونه لم يصادف محلاً.

قوله: [عطف على قوله فإن نفاها]: أي على وجه المقابلة.

قوله: [أعذر إلى المطلوب]: أي أزال عذره فالهمزة للسلب وليس المراد أثبت عذره وحجته إنما هو كقوله: أعجمت الكتاب، أي أزلت عجمته بالنقط، وشكا إلي زيد فأشكيته، أي أزلت شكايته كما في الحاشية، والإعذار واجب إن ظن القاضي جهل من يريد الحكم عليه بأن له الطعن أو ضعفه، وأما إن ظن علمه بأن له الطعن وأنه قادر على ذلك لم يجب بل له أن يحكم بدونه وحيث وجب الإعذار وحكم بدونه نقض الحكم واستؤنف الإعذار.

قوله: [بأبقيت لك حجة]: تصوير لما يزيل به عذره و "حجة" فاعل "أبقيت" وكلامه يحتمل أن القاضي ليس له سماع البينة قبل حضور المطلوب وهو ما قاله ابن الماجشون، ومذهب ابن القاسم أن له سماع البينة قبل الخصومة، فإذا جاء الخصم ذكر له أسماء الشهود وأنسابهم ومساكنهم فإن ادعى مطعناً كلفه إثباته وإلا حكم عليه وإن طلب إحضار البينة ثانياً لم يجب لذلك.

قوله: [وسيأتي الكلام في ذلك]: أي في قوله "فإن قال: نعم أنظره لها" إلخ.

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (ويضمه).

[2]

كذا في ط الحلبية، ولعل الصواب:(ابن نافع).

ص: 339

من المطلوب الكائن (بالمجلس) أي مجلس القاضي، فلا إعذار فيه لمشاركة القاضي له في سماع الإقرار. (و) إلا (من): أي مطلوباً (يخشى منه) الضرر على من شهد عليه أو طالباً يخشى منه الضرر على من يجرح بينته، فلا إعذار له، بل لا تسمى البينة للأول ولا من جرح بينة الثاني (و) إلا (مزكي السر) وهو من يخبر القاضي سراً بعدالة الشهود أو تجريحهم فلا إعذار فيه، وليس على الحاكم تسميته بل لو سئل عنه لم يلتفت للسائل (و) إلا (المبرز) في العدالة: أي الفائق فيها لا إعذار فيه (بغير عداوة) للمشهود عليه (أو قرابة) للمشهود له، وأما بهما، فيعذر (فإن قال) المدعى عليه (نعم) لي حجة ومطعن في هذه البينة (أنظره) القاضي (لها) أي للحجة أي لبيانها بإقامة البينة بها (بالاجتهاد) منه فليس للإنظار حد معين، وإنما هو موكول لاجتهاد الحاكم.

(ثم) إذا لم يأت بحجة معتبرة شرعاً (حكم) عليه بمقتضى الدعوى من مال أو غيره (كنفيها) أي كما يحكم إذا نفى حجته وقال: لا حجة عندي.

(وعجزه): أي حكم بعجزه بعد إنظاره (وسجله) أي التعجيز أي كتبه في سجله بأن يكتب فيه: إنا طلبنا منه حجة في البينة وأنظرناه فلم يأت بها فحكمنا عليه، فلا تقبل له حجة بعد ذلك. وفائدة التسجيل مخافة أن يدعي أنه باق على حجته وأن القاضي لم ينظره. واستثنى من التعجيز خمس مسائل ليس للقاضي فيها تعجيز فقال:(إلا في) دعوى (دم) كأن يدعي عليه بأنه قتل وليه عمداً وله بينة بذلك، فأنظر القاضي ليأتي بها، فلم يأت بها فلا يعجزه فمتى أتى بها حكم بقتل المدعى عليه (وعتق) ادعاه الرقيق على سيده المنكر، وقال: عندي بينة، فأنظره لها فلم يأت بها، فلا يعجزه بل متى أقامها حكم بعتقه (وطلاق) ادعته المرأة على زوجها وأن لها بينة بذلك ولم تأت بها فلا يعجزها، فمتى أقامتها حكم بطلاقها (وحبس) ادعاه إنسان على الواقف أو واضع اليد المنكر، وقال: لي بينة على وقفه، فأنظره الحاكم فلم يأت بها، فلا يعجزه، فمتى أتى بها حكم بالوقف (ونسب) ادعاه إنسان، وأنه من ذرية فلان وله بذلك بينة، فإن لم يأت بها بعد الإنظار لم يحكم بتعجيزه، وهو باق على حجته، متى أقامها حكم بنسبه. فهذه المستثنيات إنما هي مفروضة في كلام الأئمة في الطالب وأما المطلوب فيعجزه فيها وفي غيرها كما ذكره بعضهم.

(وإن لم يجب) عطف على "إن أقر" أي وإن لم يجب المدعى عليه بإقرار ولا إنكار، بل سكت

ــ

قوله: [من المطلوب]: متعلق بمحذوف حال من الإقرار.

وقوله: [بالمجلس]: متعلق بمحذوف صفة للإقرار قدره بقوله الكائن، وإنما قدره صفة لأن الظرف والمجرور الواقع بعد المقرون بأل الجنسية يجوز جعله صفة أو حالاً.

قوله: [فلا إعذار فيه]: أي فلا يبقي القاضي للمطلوب حجة فيه لأنه علم ما علمه الشاهد فلو أعذر فيه لكان إعذاراً في نفسه.

تنبيه: قال (شب) مما لا إعذار فيه شهود الإعذار لما في ذلك من التسلسل كما ذكره في العاصمية، ومثل ذلك من شهد بوكالة في شيء كما ذكره (ح) أول باب الوكالة، وكذا من شهد بجرحة القاضي كما في مختصر البرزلي نقلاً عن ابن الحاج، وعلله بقوله لأن طلب الإعذار طلب لخطة القضاء وإرادة لها وحرص عليها وذلك جرحة، وكذا الشهود الذين يحضرون تطليق المرأة وأخذها بشرطها في مسائل الشروط في النكاح ومن يوجهه القاضي لسماع دعوى أو لتحليف أو حيازة؛ لأنه أقامهم مقام نفسه.

قوله: [أي الفائق فيها]: أي على أقرانه.

قوله: [وأما بهما فيعذر]: الحاصل أن المبرز لا يسمع القدح فيه إلا بالعداوة أو القرابة وأما بغيرهما فلا يسمع القدح فيه، وأما ما قبل المبرز فيقبل القدح فيه بأي قادح ولو بغير العداوة أو القرابة.

قوله: [بالاجتهاد]: أي ما لم يتبين لدده وإلا حكم عليه من حين تبين اللدد، ومثل ذلك لو قال: لي بينة بعيدة الغيبة هي التي تجرح بينة المدعي فإنه يحكم عليه من الآن إلا أنه في هذه يكون باقياً على حجته، إذا قدمت بينته ويقيمها عند القاضي أو عند غيره كما في الخرشي.

قوله: [فلا تقبل له حجة بعد ذلك]: اعلم أنه اختلف في الذي كتب عجزه إذا أتى ببينة بعد ذلك على ثلاثة أقوال: قيل لا تسمع منه سواء كان طالباً أو مطلوباً وهو قول ابن القاسم في العتبية، وقيل: تقبل مطلقاً إذا كان له وجه كنسيانها أو عدم علمه بها أو غيبتها وهو قول ابن القاسم في المدونة. ثالثها صرح في البيان بأن المشهور أنه إذا عجز المطلوب وقضي عليه أن الحكم يمضي ولا يسمع منه ما أتى به بعد ذلك، وأما إذا عجز الطالب فإن تعجيزه لا يمنع من سماع ما أتى به بعد ذلك.

قال ابن رشد وهذا الخلاف إنما هو إذا عجزه القاضي بإقراره على نفسه بالعجز، وأما إذا عجزه بعد التلوم والإعذار وهو يدعي أن له حجة فلا تقبل له حجة بعد ذلك اتفاقاً، ولو ادعى نسيانها وحلف اهـ (بن). قوله:[وليس للقاضي فيها تعجيز]: أي اتفاقاً ولو حكم بالتعجيز بطل حكمه وضابط ذلك في غير مسألة الدم أن كل حق ليس لمدعيه إسقاطه بعد ثبوته، فإن الحكم بالتعجيز لا يقطع الحجة فيه، وقولنا في غير الدم، وأما هو فلولي الدم إسقاطه إن لم يكن القتل غيلة وإلا فليس للولي إسقاطه لأنه حق الله، فالضابط يشمله.

قوله: [وأما المطلوب]: أي المدعى عليه كما إذا أقيمت بينة على القاتل أو على المعتق أو المطلق أو المحبس

ص: 340

(حبس وضرب) ليجيب (ثم) إن استمر على عدم الجواب (حكم) عليه بالحق (بلا يمين) من المدعي؛ لأن اليمين فرع الجواب وهو لم يجب (وإن أنكر) المدعى عليه (المعاملة) من أصلها فقال: لا معاملة بيني وبينه (فأقيمت عليه البينة) بالحق المطلوب فأقام بينة تشهد له بالقضاء (لم تقبل بينته بالقضاء) لذلك الحق؛ لأن إنكاره المعاملة تكذيب لبينته بالقضاء (بخلاف) قوله: (لا حق لك علي) فأقام عليه بينة به فأقام هو بينة بالقضاء، فتقبل لأنه لم ينكر أصل المعاملة، وإنما أنكر الحق المطلوب منه فقط وليس فيه تكذيب لبينته بالقضاء.

(وكل دعوى لا تثبت إلا بعدلين، فلا يمين) على المدعى عليه (بمجردها) وذلك (كنكاح) وطلاق وعتق وقذف وقتل، بل حتى يقيم المدعي شاهداً واحداً ويعجز عن الثاني فتتوجه اليمين على المدعى عليه لرد شهادة الشاهد عليه وهذا معنى قوله:(وإلا) تتجرد بل أقام المدعي شاهداً فقط (توجهت) اليمين على المدعى عليه لرد شهادة الشاهد فإن حلف ترك وإن نكل حبس فإن طال حبسه دين ومحل توجهها على المدعى عليه (في غير نكاح) كعتق وطلاق وأما في النكاح فلا تتوجه، كما لو ادعى أن فلاناً زوجه بنته فأنكر أبوها، فأقام الزوج شاهداً، فلا يمين على أبيها لربه ولا يثبت النكاح.

(ولا يحكم) الحاكم (لمن لا يشهد له) أبيه [1] وابنه، كأخيه [2] وزوجته وجاز أن يحكم عليه وكذا لا يحكم على من لا يشهد عليه كعدوه وجاز أن يحكم له (إلا بإقرار) من المدعى عليه له في مجلسه (اختياراً) بلا إكراه، فيجوز أن يحكم له حينئذ؛ إذ لا يتهم القاضي إذا أقر الخصم اختياراً، فعلم أن قوله:"ولا يحكم" إلخ فيما إذا كان الحكم يحتاج لبينة؛ لأنه الذي يتهم فيه بالتساهل في الحكم لمن ذكر.

ــ

أو المنكر للنسب فقال: إن لي فيها مطعناً ثم عجز عن الإتيان به فللقاضي تعجيزه.

قوله: [حبس وضرب]: أي باجتهاد القاضي في قدر الحبس والضرب.

قوله: [ثم إن استمر]: مثل استمراره على عدم الجواب في الحكم عليه بلا يمين شكه في أنه له عنده ما يدعيه، فإذا أمر القاضي المدعى عليه بالجواب فقال: عندي شك فيما يدعيه فإنه يحكم عليه به بلا يمين من المدعي كما في التوضيح، وظاهره ولو طلب المدعى عليه يمين المدعي وكذا في مسألة المصنف، وأما لو أنكر المدعى عليه ما ادعى عليه به وقال يحلف المدعي ويأخذ ما ادعى به فإنه يجاب لذلك.

قوله: [فأقيمت عليه البينة]: إلخ: مثل قيامها إقراره بعد ذلك بأنه كان عليه كذا وقضاه إياه ثم أقام على القضاء بينة فلا تقبل بينة القضاء كما في النوادر؛ لأن إنكاره أولاً تكذيب لها كذا في حاشية الأصل.

قوله: [بخلاف قوله لا حق لك علي]: ظاهره لا فرق بين العامي وغيره، ولكن في (ح) أن هذا ظاهر في غير العامي، وأما هو فيعذر وتقبل بينته في الصيغتين انظر (بن).

قوله: [بل حتى يقيم المدعي شاهداً]: أي في دعوى الطلاق وما بعده. ويستثنى من قوله: "فلا يمين بمجردها" مسائل: منها لو اعترف المدعى عليه بالحق وادعي الإعسار وأن الطالب يعلم عسره، وأنكر الطالب العلم بعسره ولا بينة للمطلوب، فإن الطالب يحلف أنه لا يعلم بعسره ويؤمر المطلوب، بإثبات عسره. ومنها لو قال المطلوب للطالب: إنك عالم بفسق شهودك. ومنها أن الطالب لو أراد تحليف المطلوب فقال له: حلفتني فأنكر ذلك الطالب. ومنها لو ادعى القاتل أن الولي عفا عنه وأنكر الولي ذلك. ومنها المتهم يدعى عليه الغصب أو السرقة لأجل ثبوت موجبهما من أدب أو قطع فينكر، مع أن أدب الغاصب وقطع السارق لا يكون إلا بعدلين، وإن كان المال يثبت بالشاهد واليمين. ومنها من ادعى على آخر أنه قذفه وأنكر فتوجه اليمين على المدعى عليه أنه لم يقذفه إن شهدت بينة بمنازعة بينهما وإلا لم تتوجه، ومفهوم قوله "لم تثبت إلا بعدلين" أن الدعوى التي تثبت بشاهد وامرأتين أو أحدهما ويمين تتوجه عليه اليمين بمجردها وترد على المدعي، إن أراد المدعى عليه ردها عليه وكذا اليمين التي يحلفها المدعي مع الشاهد أو المرأتين إذا نكل عنها ترد على المدعى عليه. فإن نكل غرم بنكوله وشهادة الشاهد وليس للمدعى عليه ردها على المدعي لأن اليمين المردودة لا ترد، ويستثني من ذلك المفهوم من ادعى على شخص أنه عبده فأنكر فلا يمين على ذلك المدعى عليه. مع أن الرق مما يثبت بشاهد ويمين، وذلك لأن الأصل في الناس الحرية فدعوى ذلك المدعي رقية المدعى عليه خلاف الأصل مع تشوف الشارع للحرية، فمن أجل ذلك ضعفت دعواه جداً فلم تتوجه عليه اليمين لإبطالها اهـ ملخصا من حاشية الأصل.

قوله: [في غير نكاح]: الفرق بين النكاح وغيره أن الغالب في النكاح الشهرة فشهادة الواحد فيه ريبة ولذا لم يطلب الولي باليمين لرد شهادة الشاهد. بخلاف غيره من عتق وطلاق فإنه ليس الغالب فيه الشهر فلا ريبة في شهادة الواحد فيه فلذا أمر المدعى عليه باليمين لرد شهادته كذا في الحاشية.

قوله: [ولا يحكم الحاكم لمن لا يشهد له]: أي على مختار اللخمي ومقابله يجوز إن لم يكن من أهل التهمة وهو لأصبغ.

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (كأبيه).

[2]

في ط المعارف: (وأخيه).

ص: 341

(وأمر) الحاكم ندباً (ذوي الفضل) كأهل العلم عند مخاصمتهم (و) ذوي (الرحم) أي الأقارب عند مخاصمة بعضهم بعضاً (بالصلح) لأنه أقرب لجمع الخواطر وتأليف النفوس المطلوب شرعاً، بخلاف القضاء فإنه أمر يوجب الشحناء والتفرق. (فإن خشي) الحاكم (تفاقم الأمر) أي شدة العداوة بين المتخاصمين (وجب) أمرهم بالصلح سدّاً للفتنة.

(ونبذ حكم جائر) في أحكامه وهو الذي يميل عن الحق عمداً، ومنه من يحكم بمجرد الشهادة من غير نظر لتعديل ولا تجريح فينقضه من تولى بعده، ولا يرفع الخلاف ولو كان ظاهر الصحة في ظاهر الحال، ما لم تثبت صحة باطنه كما قال ابن رشد (و) نبذ حكم (جاهل لم يشاور) العلماء، ولا يرفع الخلاف ولو كان ظاهره الصحة لأن الحكم بالحدس والتخمين لا يفيد، فإن ثبت صحة باطنه لم ينقض كالجائر، وقيل: ينقض مطلقاً. (وإلا) بأن شاور العلماء (تعقب) فما كان خطأ نبذ (ومضى الصواب) كذا قال الشيخ تبعاً لابن عبد السلام والكلام في الجاهل العدل، والذي قاله ابن يونس واللخمي والمتيطي وابن عرفة وغيرهم أن محل تعقبه إن لم يشاور العلماء، فإن شاورهم مضى قطعاً ولم يتعقب، وظاهر كلامهم أن هذا هو المذهب، وما مشى عليه الشيخ ضعيف ويمكن أن يقال: قوله: "وجاهل" أي غير عدل لم يشاور، فإن شاور تعقب لأن عدم عدالته تؤديه إلى الحكم بغير ما دله العلماء عليه ويبعده أنه حينئذ يكون جائراً فهو داخل فيما قبله، إلا أن يقال الجائر المتقدم يحمل على العالم وهذا جاهل فاسق فتأمل.

(ولا يتعقب حكم العدل العالم) أي لا ينظر فيه من تولى بعده لئلا يكثر الهرج والخصام المؤدي إلى تفاقم الأمر والفساد وحمل عند جهل الحال على العدالة إن ولاه عدل (ورفع) حكم العدل العالم (الخلاف) الواقع بين العلماء وكذا غير العدل العالم إن حكم صواباً كما يعلم مما تقدم فإنه يرفع الخلاف ولا ينقض، وكذا المحكم والمراد: أنه يرتفع الخلاف في خصوص ما حكم به أخذاً من قوله الآتي "ولا يتعدى لمماثل" فإذا حكم بفسخ عقد أو صحته لكونه يرى ذلك لم يجز لقاض غيره يرى خلافه ولا له نقضه ولا يجوز لمفت علم بحكمه أن يفتي بخلافه، وإذا حكم حاكم بصحة عقد لكونه يراه وحكم آخر بفساد مثله لكونه يراه، صار كل منهما كالمجمع عليه في خصوص ما وقع الحكم به. ولا يجوز لأحد نقضه ولا له. قال عمر رضي الله عنه في الحمارية: ذاك على ما قضينا وهذا على ما نقضي ولم ينقض حكمه الأول وهل يرتفع الخلاف فيما بنى عليه الحكم؟ كما لو قال إنسان في مسجد جامع

ــ

قوله: [وأمر الحاكم ندباً ذوي الفضل] إلخ: ظاهره أنه يأمر من ذكر بالصلح ولو ظهر وجه الحكم فيكون مخصصاً لقول خليل، ولا يدعو لصلح إن ظهر وجهه ثم الأمر بالصلح فيما يتأتى فيه ذلك لا في نحو طلاق من كل أمر الصلح فيه يغضب الله تعالى. .

قوله: [وقيل ينقض مطلقاً]: هذا القول لبهرام المازري.

قوله: [وظاهر كلامهم أن هذا هو المذهب]: أي بناء على أن العلم شرط كمال في توليته لا شرط صحة، وأما الطريقة الأولى فعلى أن العلم شرط صحة في أصل التولية.

قوله: [فتأمل]: أي في هذا الجواب الأخير الدافع للتكرار وقد تأملناه فوجدناه وجيهاً.

قوله: [ولا يتعقب حكم العدل]: إلخ لكن إن عثر على خطئه من غير تفحص وجب نقضه على من عثر عليه كان هو أو غيره وسيأتي ذلك.

قوله: [ورفع حكم العدل العالم الخلاف]: ظاهره أن حكم الحاكم يرفع الخلاف ولو لم يكن هناك دعوى وهو كذلك، وبه صرح اللقاني والقرافي، ويدل عليه أن الوصي يرفع للحاكم إذا أراد زكاة مال الصبي كما يأتي في الوصية كذا في الحاشية وسيأتي تحرير ذلك.

قوله: [وكذا غير العدل]: إلخ تفصيل في مفهوم العدل العالم والمفهوم إذا كان فيه تفصيل لا يعترض به عليه.

قوله: [فإذا حكم بفسخ عقد]: أي كما إذا عقد رجل على امرأة مبتوتة ونيته التحليل ورفع للمالكي وحكم بفسخ النكاح فليس للحنفي تصحيحه.

وقوله: [أو صحته]: أي كما إذا سبق حكم الحنفي بصحة عقد من نيته التحليل فليس للمالكي نقضه.

قوله: [ولا يجوز لمفت]: أي في خصوص تلك المسألة كما هو السياق.

قوله: [وإذا حكم حاكم بصحة عقد] إلخ: أي كما في المثال المتقدم الذي ذكرناه.

قوله: [قال عمر رضي الله عنه]: إلخ شاهد على قوله "ولا له" لأنه القاضي في الحمارية أولاً وثانياً وهي المسألة المشتركة التي قال فيها صاحب الرحبية:

وإن تجد زوجاً وأماً ورثا

وإخوة للأم حازوا الثلثا

وإخوة أيضاً لأم وأب

واستغرقوا المال بفرض النصب

فاجعلهم كلهم لأم

واجعل أباهم حجراً في اليم

واقسم على الإخوة ثلث التركة

فهذه المسألة المشتركة

فكان أولاً قضى فيها بحرمان الأشقاء لاستغراق الفروض التركة ومتى استغرقتها سقط العاصب. ثم رفعت مسألة أخرى نظيرتها فأراد القضاء فيها كالأول فقام عليه الأشقاء وقالوا له: هب أن أبانا كان

ص: 342

بناه غير العتيق: إن صحت الجمعة في مسجدي هذا فعبدي فلان حر، فرفع العبد أمره لحنفي [1] يرى صحة تعدد الجامع، فحكم بعتقه، فالعتق محل الحكم فيرتفع فيه الخلاف قطعاً. وأما صحة الصلاة فيه للمالكي فيرتفع فيها الخلاف أيضاً، أفتى الناصر اللقاني برفعه وسلمه له المتأخرون عنه وفيه نظر. إذ حكم الحاكم بالعتق -لكونه يرى صحة الجمعة- لا يستلزم الصحة عند غير الحاكم في ذلك المسجد، إذ حكمه بالعتق لا يتعدى لصحة الجمعة ففتواه رحمه الله غير صواب.

(لا أحل) حكمه (حراماً) في الواقع بحيث لو اطلع الحاكم عليه ما حكم.

وحاصله: أن حكمه صحيح في ظاهر الحال إلا أنه يلزم عليه في الباطن فعل الحرام، فحكمه المذكور لا يحل ذلك الحرام. كما لو ادعى إنسان على رجل بدين دعوى باطلة، وأقام عليها بينة زور، فطلب الحاكم من المدعى عليه تجريحها فلم يقدر على تجريحها، فحكم له به، فالحكم صحيح في الظاهر، ولكن لا يحل للمدعي أخذ ذلك الدين في الواقع وكذا إذا لم يقم بينة فطلب الحاكم من المدعى عليه اليمين فردها على المدعي فحلف وكذا لو ادعى على امرأة بأنها زوجته، وهو يعلم بأنها ليست بزوجة له أقام على ذلك بينة زور، فطلب الحاكم منها تجريحها فعجزت فحكم له بها، فلا يجوز له وطؤها لعلمه بأنها ليست بزوجته وإن كان حكمه صحيحاً في ظاهر الحال. وقال الحنفية: يجوز له وطؤها وكذا إذا طلق رجل زوجته طلاقاً بائناً فرفعته للحاكم وعجزت عن إقامة البينة الشرعية فحكم له بالزوجية وعدم الطلاق، لم يحل له وطؤها في الباطن لعلمه بأنه طلقها وهكذا (إلا ما خالف إجماعاً) هذا استثناء منقطع من قوله:"ورفع الخلاف" أي: لكن حكمه المخالف للإجماع لا يرفع خلافاً ويجب نقضه عليه وعلى غيره كما لو حكم بأن الميراث كله للأخ دون الجد فهذا خلاف الإجماع؛ لأن الأمة على قولين: المال كله للجد أو يقاسم الأخ، وأما حرمان الجد بالكلية فلم يقل به أحد من الأمة (أو) خالف (نصاً) كأن يحكم بالشفعة للجار، فإن الحديث الصحيح وارد باختصاصها بالشريك دون الجار ولم يثبت له معارض صحيح، وكأن يحكم بشهادة كافر على مثله أو على مسلم، لأنه مخالف لقوله تعالى:{وأشهدوا ذوي عدل منكم} [الطلاق: 2].

(أو) خالف (جلي قياس)

ــ

حماراً أو حجراً ملقى في اليم أليست أمنا واحدة فقضى لهم بالتشريك في الثلث مع الإخوة للأم في الفرض لا بالتعصيب فقيل له: قضيت في السابقة بحرمانهم فقال ذاك على ما قضينا، وهذا على ما نقضي.

قوله: [بناه]: صفة ثانية لمسجد، وقوله "غير العتيق" صفة ثالثة.

قوله: [إن صحت الجمعة] إلخ: مقول القول.

قوله: [الحنفي]: أي قاض حنفي وقوله "يرى صحة تعدد الجامع" أي من غير ضرورة، لأن المدار عندهم في صحة الجمعة على وجود الحكام المنصبة لإقامة الشريعة وإن لم يقيموها بالفعل، فمتى وجدت تلك الهيئة وجبت الجمعة ولا يضر تعددها.

قوله: [فيرتفع فيه الخلاف قطعاً]: أي فليس لمالكي ولا شافعي منع العتق ولا فرق بين كون هذا الحكم قبل الصلاة أو بعدها.

قوله: [وأما صحة الصلاة فيه للمالكي]. أي وغيره.

قوله: [فيرتفع فيها الخلاف]: فيه حذف حرف الاستفهام، والأصل فهل يرتفع؟ .

قوله: [أيضاً]: كما ارتفع الخلاف في الحكم بصحة العتق.

قوله: [أفتى الناصر اللقاني برفعه]: أي لبعض ملوك مصر.

وقوله: [وسلمه المتأخرون]: أي كالأجهوري وأتباعه.

قوله: [وفيه نظر] إلخ: من كلام شارحنا.

قوله: [إلا أنه يلزم عليه] إلخ: المناسب إلا إن لزم عليه إلخ ويكون جواب الشرط قوله فحكمه المذكور.

قوله: [فلم يقدر على تجريحها]: أي لو كان الحاكم لا يرى البحث عن العدالة.

قوله: [وقال الحنفية: يجوز له وطؤها]: قال في الأصل كأنهم نظروا إلى أن حكمه صيرها زوجة كالعقد.

قوله: [وهكذا]: أي فقس على تلك الأمثلة من ذلك لو كان لرجل على آخر دين ثم وفاه إياه بدون بينة فطلبه عند القاضي فقال: وفيته لك فطلب منه القاضي البينة على الوفاء فعجز وحلف المدعي أنه لم يوفه فحكم الحاكم له بالدين فلا يحل للمدعي أخذه ثانية في نفس الأمر؛ فالمراد بقوله: "لا أحل حراماً" بالنسبة للمحكوم له. والحاصل كما في (بن) أن ما باطنه مخالف لظاهره بحيث لو اطلع الحاكم على باطنه لم يحكم، فحكم الحاكم في هذا يرفع الخلاف ولا يحل الحرام، وهذا محمل قول المصنف:"لا أحل حراماً". وأما ما باطنه كظاهره كحكم الشافعي بحل المبتوتة بوطء الصغير فحكمه رافع للخلاف ظاهراً وباطناً ولا حرمة على المقلد له في ذلك وهي المسألة الملفقة. وفي الحاشية نقلاً عن بعض الشيوخ: أن المضر في التلفيق الدخول عليه، وأما إذا لم يحصل الدخول عليه وإنما حصل أمر اتفاقي جاز، كما لو عقد مالكي لصبي في حجره على امرأة مبتوتة، ودخل بها وأصابها ثم رفع أمره لحاكم مالكي فطلق على الصبي لمصلحة، ثم رفع الأمر لحاكم شافعي فحكم بحلية وطء الصغير للمبتوتة فيجوز للبات المالكي العقد على زوجته المبتوتة قاله بعض شيوخنا انتهى.

قوله: [ولم يثبت له معارض صحيح]: استبعد المازري وغيره نقض الحكم في شفعة الجار لورود الحديث فيها وأجيب بأن عامة أهل العلم لا سيما

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (الحنفي).

ص: 343

أي قياساً جلياً؛ وهو ما قطع فيه بنفي الفارق: كقياس الأمة على العبد في التقويم على من أعتق نصيبه منه أحد الشريكين وهو موسر، فإن حكم بعدم التقويم في الأمة نقض. (أو) إلا ما (شذ) أي ضعف (مدركه) أي دليله: كالحكم بغير العدول أو بالأقوال الضعيفة المردودة في مذهبه. ومن ذلك: الحكم بتوريث ذوي الأرحام والشفعة للجار واستسعاء العبد إذا أعتق بعض الشركاء فيه نصيبه منه وهو معسر. (فينقض) ما خالف الإجماع -وما عطف عليه- وجوباً منه ومن غيره.

وتقدم أن العدل العالم لا تتعقب أحكامه لكن إن ظهر منها شيء مما تقدم نقض، وأما الجائر والجاهل فتتعقب أحكامهما وينقض منها ما ليس بصواب ويمضي [1] ما كان صواباً. والصواب: ما وافق قولاً مشهوراً أو مرجحاً ولو كان الأرجح خلافه. (و) إذا نقض (بين) الناقض (السبب) الذي نقض الحكم من أجله، لئلا ينسب الناقض للجور والهوى بنقضه الأحكام التي حكم بها القضاة.

ثم بين أن حكم الحاكم لا يتوقف على قوله: حكمت بل كل ما دل على الإلزام -فهو حكم- بقوله. (و) قول الحاكم: (نقلت الملك) لهذه السلعة لزيد أو ملكتها لمدعيها ونحو ذلك، حكم. (وفسخت هذا العقد) من نكاح أو بيع أو أبطلته أو رددته (أو قررته) ونحوها ومن الألفاظ الدالة على نفي أو إثبات بعد حصول ما يجب في شأن الحكم من تقدم دعوى وإقرار أو ثبوت ببينة وإعذار وتزكية - وهو معنى قولهم: لا بد للحكم من تقدم دعوى صحيحة، وصحتها لكونها تقبل وتسمع ويترتب عليها مقتضاها من إقرار أو بينة عدول إلى غير ذلك -:(حكم) وإن لم يقل حكمت ومن ذلك: خذوه فاقتلوه، أو: حدّوه، أو: عزروه. (لا) إن قال في أمر رفع إليه، كتزويج المرأة نفسها بلا ولي وكبيع وقت نداء الجمعة:(لا أجيزه): فلا يكون حكماً ولا يرفع خلافاً؛ لأنه من باب الفتوى كما قاله ابن شاس، فلغيره الحكم بما يراه من مذهبه.

(أو أفتى) بحكم سئل عنه بأن قيل له: يجوز كذا؟ أو: يصح أو لا؟ فأجاب بالصحة أو عدمها فلا يكون إفتاؤه حكماً يرفع الخلاف؛ لأن الإفتاء إخبار بالحكم لا إلزام. والحق أن قول الحاكم: لا أجيزه - إن كان بعد تقدم الدعوى - فهو حكم يرفع الخلاف، وإن كان بمجرد إخبار، كما لو قيل له: إن امرأة زوجت نفسها بلا ولي؟ فقال: لا أجيزه فهو من الفتوى. وعبارة الخرشي تشير إلى ذلك؛

ــ

علماء المدينة، لم يقولوا بها.

قوله: [أي قياساً جلياً]: أشار بذلك إلى أنه من إضافة الصفة للموصوف.

قوله: [ومن ذلك الحكم بتوريث ذوي الأرحام]: أي والحال أن بيت المال منتظم وإلا فلا نقض وإنما نقض الحكم بميراث ذوي الأرحام عند انتظام بيت المال لمخالفته لقوله عليه الصلاة والسلام: «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر» .

قوله: [والشفعة للجار]: أي إذا حكم بها حنفي فللمالكي نقضه وإن حكم بها مالكي فله ولغيره نقضه.

قوله: [وهو معسر]: إنما قيد بذلك لأنه إن كان المعتق موسراً كمل عليه ولا يلزم العبد استسعاء في جميع المذاهب، والمعنى أن الشريك المعتق إذا كان معسراً، وقلنا: لا يكمل عليه فحكم على العبد حاكم بالسعي وياتي للشريك الذي لم يعتق بقيمة نصيبه نقض حكمه، لكن إن كان يرى ذلك كالحنفي نقضه غيره، وإن كان لا يرى ذلك نقضه هو أو غيره، وإنما نقض في الاستسعاء والشفعة للجار، وتوريث ذوي الأرحام مع انتظام بيت المال وإن كان الحاكم فيها حنفياً؛ لأن حكم الحنفي فيها لا يرفع الخلاف لضعف مداركها بين الأئمة، ونظير ذلك حكمه بحلية شرب النبيذ قال ابن القاسم: أحد شارب النبيذ وإن قال: أنا حنفي.

قوله: [منه ومن غيره]: ظاهره يؤمر بنقضه وهو وإن كان يراه مذهباً وبه قال الشيخ أحمد الزرقاني، ولكن الذي مشى عليه الشيخ كريم الدين إن كان يراه مذهباً نقضه غيره لا هو.

قوله: [مما تقدم]: أي من مخالفة الإجماع أو النص أو القياس وإلخ.

قوله: [بين الناقض السبب] أي وسواء كان الحكم الأول له أو لغيره.

قوله: [نقلت الملك]: وهو وما عطف عليه مقول قول محذوف قدره الشارح بقوله: "وقول الحاكم" وهو مبتدأ خبره قوله الآتي "حكم".

قوله: [وهو معنى قولهم لا بد للحكم من تقدم دعوى] إلخ: فيه أن الحكم عندنا لا يشترط فيه تقدم دعوي ألا ترى أن القاضي له أن يسمع البينة على الغائب ويحكم عليه وإذا جاء سمى له البينة وأعذر له فيها؛ فإن أبدى مطعناً نقض الحكم وإلا فلا. وأجيب أن قوله "لا بد في الحكم" إلخ محمول على الحاضر وقريب الغيبة بأن كان على مسافة يومين مع الأمن، وأما بعيد الغيبة فيجوز الحكم عليه في غيبته كما يأتي كذا في حاشية الأصل.

قوله: [خذوه فاقتلوه] إلخ: أي عند ثبوت موجب القتل أو الحد أو التعذير.

قوله: [بأن قيل له يجوز كذا]: أي على سبيل الاستفهام فحذف الهمزة تخفيفاً.

وقوله: [أو لا]: مقابل لكل من يجوز أو يصح.

وقوله: [فأجاب بالصحة أو عدمها]: راجع لقوله "أو يصح" وحذف جواب الأول.

قوله: [وعبارة الخرشي تشير إلى ذلك]: أي حيث قال: وأما إذا رفع إليه قضية هذه المرأة فلم يزد على قوله لا أجيز نكاحاً بغير ولي من غير قصد إلى فسخ هذا النكاح بعينه فإن هذا

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (ويمض).

ص: 344

وقال ابن عرفة: مقتضى جعله فتوى أن لمن ولي بعده أن ينقضه ضرورة أنه لم يحكم به الأول. والظاهر أنه لا يجوز للثاني نقضه. اهـ.

(ولا يتعدى) حكم الحاكم في نازلة (لمماثل) لها (بل إن تجدد) المماثل (فالاجتهاد) منه أو من غيره إن كان من أهل الاجتهاد فإن كان مقلداً فليحكم بما حكم به أولاً من راجح قول مقلده، ولغيره من أرباب المذاهب أن يحكم بضده، كما لو حكم مالكي بفسخ نكاح من زوجت نفسها بلا ولي، ثم تجدد مثلها فرفعت الأخرى لحنفي فإنه يحكم بصحته وكل منهما ارتفع فيها الخلاف ولم يجز لأحد نقضه. وقولنا:"ولا يتعدى لمماثل" إلخ: أي ولو في الذات المحكوم فيها أولاً؛ كما إذا فسخ نكاح من زوجت نفسها لكونه يرى ذلك. ثم زوجت نفسها بعد الفسخ لنفس ذلك الزوج بلا ولي؛ فإنه معرض للاجتهاد منه أو من غيره، فله تصحيح الثاني إن تغير اجتهاده، ولغيره - كالحنفي - الحكم بتصحيحه ويرتفع الخلاف أيضاً.

و(كأن حكم في نازلة بمجرد الفسخ) دون التأبيد، وإن كان يرى حين حكمه بمجرد الفسخ تأبيد التحريم (كفسخ) لنكاح (برضع) طفل (كبير) أي بسببه؛ والكبير: من زاد عمره على عامين وشهرين، فلو تزوج ببنت من أرضعته كبيراً فرفع لمن يرى التحريم برضع الكبير ففسخه، ثم تزوجها ثانياً، كان النكاح الثاني مماثلاً لا يتعدى له الحكم الأول وصار هذا معرضاً للاجتهاد، فلمن حكم بفساده إن تغير اجتهاده أو لغيره الحكم بصحته. (أو) فسخ بسبب (عقد نكاح بعدة): أي في عدة وإن كان يرى هو تأبيد التحريم حين فسخه، فإذا عقد عليها ثانياً بعد الفسخ (فهي): أي المنكوحة ثانياً المفسوخ نكاحها أولاً في المسألتين (كغيرها) ممن لم يتقدم عليها فسخ (في المستقبل): فله أو لغيره أن يزوجها لمن فسخ نكاحه ويحكم بصحته إذا تغير اجتهاده.

(ولا يستند) الحاكم في حكمه (لعلمه): بل لا بد من بينة أو إقرار (إلا في العدالة): كشاهد علم القاضي بعدالته فيستند لعلمه (والجرح) بفتح الجيم: فيستند لعلمه (كالشهرة بذلك) أي بالعدالة والجرح فيستند لها، إلا أن يعلم القاضي منه خلاف ما اشتهر. شهد المزني عند القاضي بكار فقال له: من أنت؟ فقال المزني: صاحب الشافعي. فقال القاضي: الاسم اسم عدل، ومن يشهد أنك المزني؟ فقال الحاضرون: هو المزني، فحكم بشهادته. فقال المزني: سترني القاضي ستره الله تعالى. (أو إقرار الخصم) المشهود عليه (بالعدالة) لمن شهد عليه فيحكم بها، ولو علم القاضي خلاف ذلك، لأن إقرار الخصم بعدالة الشاهد كالإقرار بالحق.

ــ

ليس بحكم انتهى، فمفهوم قوله "من غير قصد إلى فسخ هذا النكاح" إن قصد الفسخ بهذا اللفظ يعد حكماً.

قوله: [وقاله ابن عرفة] إلخ: هذا فيه إجمال لأنه يحتمل أنه موافق للمفصل أو للمطلق، فعلى طريقة المفصل يقال فيه إن تقدمه دعوى فحكم قطعاً ولا يجوز نقضه وإن لم يتقدمه دعوى فجواز نقضه ظاهر لأنه فتوى.

تنبيه: قول القاضي ثبت عندي صحة البيع أو فساده أو ملك فلان بسلعة كذا ونحو ذلك لا يعد حكماً كما في التوضيح خلافاً لبعض القرويين وقد ألف المازري جزءاً في الرد عليه قال ابن عرفة والحق أنه مختلف فيه على قولين كذا في (بن).

قوله: [فالاجتهاد منه]: أي مثل واقعة عمر في الحمارية.

قوله: [من راجح قول مقلده]: أي ما لم يكن من أهل الترجيح وظهر له أرجحية غير ما حكم به أولاً فيحكم ثانياً بغير ما حكم به أولاً.

قوله: [ثم تجدد مثلها]: أي ولو في عين تلك المرأة كما يأتي في الشارح.

قوله: [ثم زوجت نفسها]: أي جددت عقداً آخر.

قوله: [وكأن حكم]: قدر الواو لأجل المثال الذي قدمه في قوله "كما لو حكم مالكي" إلخ فمزجه مع المتن وجعل مثاله معطوفاً عليه وإلا فالمصنف في حد ذاته غير محتاج لتقدير الواو، وهذه الأمثلة للمتجدد المعرض للاجتهاد.

قوله: [وإن كان يرى] إلخ: أي لكن لم يقصد بعد بالحكم عند الفسخ التأييد وإلا فليس لغيره حكم بالتحليل في المستقبل.

قوله: [فلو تزوج ببنت من أرضعته كبيراً]: لا مفهوم بالتزوج ببنتها بل كذلك التزوج بها لأن من يرى التحريم في التزوج ببنتها يقول: إنها أخته وفي التزوج بها يقول: إنها أمه.

قوله: [في المسألتين]: هكذا قال الشارح تبعاً لأصوله قال ابن عرفة: هذا هو صواب في مسألة العدة لا في مسألة رضاع الكبير فإن الحكم بالفسخ في رضاع الكبير يمنع من تجدد الاجتهاد فيها؛ لأن مستنده فيها أن رضع الكبير يحرم ومن المعلوم أن ثبوت التحريم لا يكون إلا مؤبداً. بخلاف فسخ النكاح في العدة فإن مستنده تحريم النكاح فيها، وقد وقع الخلاف في كونه مؤبداً أو لا انتهى.

قوله: [ولا يستند الحاكم في حكمه لعلمه]: أي ولو مجتهداً ولو كان من أهل الكشف، ومن الضلال البين الاعتماد في التهم على ضرب المندل ونحوه.

قوله: [إلا أن يعلم القاضي منه خلاف ما اشتهر] إلخ: حاصل التحرير في هذه المسألة أن القاضي إذا علم عدالة شاهد تبع علمه ولا يحتاج لطلب تزكية ما لم يجرحه أحد وإلا فلا يعتمد على علمه لأن غيره علم ما لم يعلمه وإذا علم جرحة شاهد فلا يقبله ولو عدله غيره ولو كان المعدل له كل الناس لأنه علم

ص: 345

(وقريب الغيبة): كاليومين والثلاثة مع الأمن حكمه (كالحاضر) في سماع الدعوى عليه والبينة، ثم يرسل إليه بالأعذار فيها وأنه إما أن يقدم أو يوكل وكيلاً عنه في الدعوى. فإن لم يقدم ولا وكل عنه وكيلاً حكم عليه في كل شيء وبيع عقاره في الدين ويعجزه إلا في دم وعتق ونسب وطلاق وحبس على ما تقدم (و) الغائب (البعيد جداً) كإفريقية من المدينة (يقضى عليه) في كل شيء بعد سماع البينة وتزكيتها (بيمين القضاء) من المدعي: أن حقه هذا ثابت على المدعى عليه، وأنه ما أبرأه به ولا وكل الغائب من يقضيه عنه ولا أحاله به على أحد في الكل ولا البعض.

ويمين القضاء واجبة لا يتم الحكم إلا بها على المذهب (كالميت يدعى عليه بشيء) فلا بد من يمين القضاء بعد البينة بالدين. (واليتيم) يدعى عليه بشيء تحت يده، فلا بد من يمين القضاء من المدعي بعد إقامة البينة عليه أنه ملكه وأنه ما تصدق به عليه ولا وهبه ولا حبسه عليه. (أو الفقراء) كذلك.

ثم أشار للغيبة المتوسطة بقوله:

(والعشرة) الأيام مع الأمن (واليومان [1] مع الخوف كذلك): أي يقضى عليه فيها مع يمين القضاء (في غير استحقاق العقار) من دين أو غيره. وأما في دعوى استحقاق عقار فلا يقضى به بل تؤخر الدعوى حتى يقدم لقوة المشاحة في العقار، بخلاف بعيد الغيبة جداً فإن في الصبر لقدومه شدة ضرر على المدعي. (وسمى) القاضي (له): أي للغائب البعيد أو المتوسط (الشهود إذا قدم) من غيبته. وكذا من عدّ لهم إن احتاجوا للتعديل. (وإلا) يسم له الشهود ولم يحلف المدعي يمين القضاء (نقص) حكمه. قال بعضهم: ما لم يشتهر القاضي بالعدالة وإلا فلا ينقض. واعلم أن متوسط الغيبة كبعيدها حتى في بيع [2] عقاره لدين أو نفقة إلا في دعوى استحقاق العقار فيفترقان. ولما ذكر الحكم على الغائب ذكر الحكم بالغائب بقوله:

ــ

ما لم يعلمه غيره اللهم إلا أن يطول ما بين علمه بجرحته وبين الشهادة بتعديله وإلا قدم المعدل له على ما يعلمه القاضي، هذا هو الصواب كما في (بن).

قوله: [وقريب الغيبة] إلخ: اعلم أن محل كون القاضي يحكم على الغائب إذا كان غائباً عن محل ولايته إن كان متوطناً بولايته أو له بها مال أو وكيل أو حميل وإلا لم يكن له سماع الدعوى عليه ولا حكم كما في (عب).

قوله: [والثلاثة]: أي وما قاربها.

قوله: [ويعجزه]: أي يحكم عليه بعدم قبول حجته إذا قدم كما في المواق والتوضيح، وأما قول الخرشي إنه باق على حجته إذا قدم فهو سهو منه كما في (بن).

قوله: [إلا في الدم]: هذا الاستثناء مشكل مع ما تقدم من أن هذه المستثنيات في تعجيز الطالب لا المطلوب كما تقدم له في قوله فهذه المستثنيات إنما هي مفروضة في كلام الأئمة في الطالب، وأما المطلوب فيعجزه فيها وفي غيرها كذا ذكره بعضهم.

قوله: [ويمين القضاء واجبة]: أي سواء كانت بينة المدعي تشهد بدين له في ذمة الغائب من بيع أو قرض أو تشهد بأن الغائب أقر أن عنده لفلان كذا لأنه قد يقضيه بعد إقراره أو يبرئه أو يحيل شخصاً عليه، هذا هو الحق كما في (بن) خلافاً لـ (عب) حيث قال بعدم الاحتياج ليمين القصاء في الصورة الثانية.

قوله: [المذهب]: ومقابله أنها استظهار أي مقوية للحكم فلا ينقض الحكم بدونها على هذا.

قوله: [كالميت يدعى عليه بشيء]: أي كما إذا ادعى شخص على من مات أن له عنده كذا من بيع أو قرض ولم يقر ورثته به فلا يحكم القاضي لذلك الشخص المدعي بهذا الدين إلا إذا حلف يمين القضاء بعد إقامة البينة فإن أقر ورثته الكبار قبل رفع المدعي للحاكم فلا يتوجه عليه يمين وأما إن أقروا بعد الرفع ورضوا بعدم حلفه فهل كذلك لا تتوجه اليمين أو لا؟ قولان لبعض الشيوخ أفاده محشي الأصل.

قوله: [واليتيم]: مثله الصغير والسفيه.

قوله: [أنه ملكه]: أي باق على ملكه إلى الآن.

قوله: [أو الفقراء كذلك]: أي فإذا ادعى عليهم أن ما حبسه فلان عليهم لم يجز عنه حتى مات فلا بد من يمين القضاء بعد شهادة البينة، ومثل ذلك الدعوى على بيت المال كما إذا ادعى إنسان أنه معدم ليأخذ حقه من بيت المال أو أنه ابن فلان الذي مات ووضع ماله في بيت المال لظن أنه لا وارث له فلا بد من يمين القضاء مع البينة.

قوله: [والعشرة الأيام مع الأمن]: أي وما قاربها، فما قارب كلاً من الغيبات الثلاث يعطى حكمه، فالأربعة أيام تلحق بالقريبة والثمانية والتسعة تلحق بالمتوسطة، والخمسة والستة تلحق بالأحوط أفاده في الحاشية.

قوله: [لقوة المشاحة في العقار]: أي تشاحح النفوس بسببه وحصول الضغائن والحقد والنزاع عند أخذه فتؤخر الدعوى ليكون حضوره أقطع للنزاع.

قوله: [نقض حكمه]: هذا يفيد أن تسمية الشهود شرط لصحة الحكم على الغائب وهو أحد قولين وقيل: تسمية الشهود مستحبة.

قوله: [قال بعضهم]: أي كما يفيده كلام الجزيري وابن فرحون كما في (بن).

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

كذا في ط الحلبية وط المعارف، وفي «أقرب المسالك»:(أو اليومان).

[2]

قوله: (في بيع) ليس في ط المعارف.

ص: 346