المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب)في الفلس وأحكامه - حاشية الصاوي على الشرح الصغير ط الحلبي - جـ ٢

[أحمد الصاوي]

فهرس الكتاب

- ‌(باب)في البيوع وأحكامها [

- ‌(باب)في بيان السلم

- ‌(باب)في بيان القرض وأحكامه

- ‌(باب) في الرهن وأحكامه

- ‌(باب)في الفلس وأحكامه

- ‌(باب)في بيان أسباب الحجر

- ‌باب في أحكام الصلح؛ أي: مسائله

- ‌‌‌(باب) في الحوالةوأحكامها

- ‌(باب) في الحوالة

- ‌(باب)في الضمان

- ‌(باب)في بيان الشركة

- ‌(باب)في الوكالة

- ‌باب لما كان بين الوكالة والشركة مناسبة من جهة أن فيها وكالة أتبعها بها

- ‌(باب)في الإقرار

- ‌(باب)في الوديعة

- ‌(باب)في الإعارة

- ‌(باب)في بيان الغصب وأحكامه

- ‌(باب)في الشفعة

- ‌(باب)في القسمة

- ‌(باب)في القراض

- ‌(باب)في المساقاة

- ‌(باب)في الإجارة

- ‌(باب إحياء الموات)

- ‌(باب)في الوقف وأحكامه

- ‌(باب)في الهبة

- ‌‌‌(باب) في اللقطةوأحكامها

- ‌(باب) في اللقطة

- ‌(باب)في بيان أحكام القضاء

- ‌(باب)في الشهادة

- ‌(باب)في أحكام الجناية

- ‌باب ذكر فيه تعريف البغي

- ‌(باب)في تعريف الردة وأحكامها

- ‌(باب)ذكر فيه حد الزنا

- ‌(باب) في القذف [

- ‌باب ذكر فيه أحكام السرقة إلخ

- ‌(باب)ذكر فيه الحرابة

- ‌(باب)ذكر فيه حد الشارب

- ‌باب في العتق وأحكامه

- ‌(باب)في التدبير

- ‌باب: هو في اللغة النظر في عاقبة الأمر والتفكر فيه، وقال القرافي في التنبيهات التدبير مأخوذ من إدبار الحياة، ودبر كل شيء ما وراءه بسكون الباء وضمها، والجارحة بالضم لا غير اهـ وفي (بن) جواز الضم والسكون فيها كغيرها. واصطلاحاً ما ذكره المصنف بقوله "وهو تعليق مكلف" إلخ

- ‌(باب)في أحكام الكتابة

- ‌(باب)في أحكام أم الولد

- ‌(باب)ذكر فيه الولاء

- ‌باب ذكر فيه حكم الوصية

- ‌(باب)في الفرائض

- ‌(باب: في جمل من مسائل شتى، وخاتمة حسنة)

الفصل: ‌(باب)في الفلس وأحكامه

(حلف) أن دينه عشرون (وأخذه) في دينه لثبوته حينئذ بشاهد ويمين (إن لم يفتكه الراهن)

من يد مرتهنه (بما حلف عليه) المرتهن من العشرين، فإن افتكه بالعشرين أخذ رهنه (و) إن شهد (للراهن) بأن كانت قيمته عشرة كدعوى الراهن (فكذلك): أي يحلف معه أن الدين عشرة وأخذه (وغرم ما أقر به) للمرتهن وهو العشرة في المثال فإن نكل الراهن حلف المرتهن وأخذه ما لم يفتكه الراهن كما تقدم (وإلا) يشهد لواحد منهما بأن كانت أقل من دعوى المرتهن وأكثر من دعوى الراهن؛ كأن يكون قيمته في المثال خمسة عشر (حلفا): أي يحلف كل منهما على طبق دعواه، ورد دعوى صاحبه ويبدأ المرتهن (وأخذه المرتهن) في دينه (إن لم يغرم الراهن قيمته) للمرتهن وهي الخمسة عشر؛ فإن افتكه بها أخذه. فإن نكلا معاً فكحلفهما.

(واعتبرت) قيمته (يوم الحكم) لا يوم الرهن ولا يوم قبضه هذا (إن بقي): أي إذا كان باقياً لم يتلف (وإلا) بأن تلف (فيوم الارتهان على الأرجح) عند الباجي واستظهره ابن عبد السلام، وهو نص الموطأ. وقيل: يوم قبضه المرتهن. وقيل: يوم التلف، أقوال ثلاثة ذكرها الشيخ بلا ترجيح. ثم إن الكلام في اعتبار القيمة لتكون كالشاهد لا لتضمن، وأما اعتبارها لتضمن، فيوم القبض إن لم ير بعده وإلا فمن آخر رؤية عنده، والله أعلم.

(باب)

في الفلس وأحكامه

والفلس يستعمل عندهم في العدم. والتفليس أعم وأخص.

واعلم أن لمن أحاط الدين بماله ثلاثة أحوال: الأولى قبل التفليس: وهي منعه وعدم جواز التصرف في ماله بغير عوض فيما لا يلزمه مما لم تجر العادة بفعله من هبة وصدقة وعتق وما أشبه ذلك، كخدمة وإقرار بدين لمن يتهم عليه ويجوز بيعه وشراؤه كما نبه عليه ابن رشد.

الحالة الثانية: تفليس عام وهو قيام الغرماء عليه ولهم سجنه ومنعه حتى من البيع والشراء والأخذ والعطاء، نص عليه ابن رشد ويقبل إقراره لمن لا يتهم عليه إذا كان في مجلس واحد أو قريباً بعضه من بعض.

الحالة الثالثة: تفليس خاص وهو خلع ماله لغرمائه.

ــ

ما يقوم مقامه فهو كدين عليه بلا رهن فالقول قوله فيه لأنه غارم.

قوله: [حلف أن دينه عشرون وأخذه] إلخ: قال (بن): فرع: انظر إذا قام شاهد واحد بقدر الدين، هل يضم للرهن ويسقط اليمين على المرتهن أو لا بد من اليمين مع الشاهد؟ نقل بعضهم عن المتيطي: أنه لا يضم له وأنه لا بد من اليمين، لأن الرهن ليس شاهداً حقيقياً وهو ظاهر. اهـ.

قوله: [وإن شهد للراهن]: الظاهر أن فرع (بن) المتقدم يأتي هنا أيضاً.

قوله: [حلف المرتهن وأخذه] إلخ: الصواب وأخذ ما ادعاه وهو العشرون كما أفاده في الأصل.

قوله: [ويبدأ المرتهن]: أي لأن الرهن كالشاهد بقيمته ومن المعلوم أنه لا يبدأ بالحلف إلا من تقوى جانبه وقيمة الرهن قريبة من دعوى المرتهن فقد تقوي جانبه.

قوله: [وأخذه المرتهن في دينه]: فلو أخذه المرتهن واستحق من يده رجع على الراهن بقيمته وهي خمسة عشر لا بقدر الدين الذي كان يدعيه.

قوله: [فإن افتكه بها أخذه]: هذا قول مالك وابن نافع، خلافاً لمن قال: إذا أراد الراهن أن يفتكه فلا يفتكه إلا بما قال المرتهن حلف عليه وهو العشرون، والأول هو المعتمد.

قوله: [فإن نكلا معاً]: إلخ. فإن نكل أحدهما وحلف الآخر قضي للحالف بما ادعاه.

قوله: [فيوم الارتهان]: أي يوم عقد الرهن ولا شك أن يوم القبض قد يتأخر عن يوم الارتهان.

قوله: [وقيل يوم قبضه المرتهن]: أي لأن القيمة كالشاهد يضع خطه ويموت فيرجع لخطه فيقضى بشهادته يوم وضعها.

قوله: [وقيل يوم التلف]: أي لأن عينه كانت شاهدة وقت التلف.

باب في الفلس وأحكامه

لما أنهى الكلام على متعلق الرهن - وكان منه الحجر الخاص على الراهن ومنعه التصرف في الرهن إلا بإذن المرتهن - شرع في الكلام على الحجر العام: وهو إحاطة الدين والفلس. وهو كما قال ابن رشد: عدم المال، والتفليس: خلع الرجل من ماله لغرمائه. والمفلس: المحكوم عليه بحكم الفلس، وهو مشتق من الفلوس التي هي أحد النقود - عياض: أي أنه صار صاحب فلوس بعد أن كان ذا ذهب وفضة ثم استعمل في كل من عدم المال. يقال: أفلس الرجل بفتح الهمزة واللام فهو مفلس.

والمراد بقوله [في الفلس]: أي تعريفه وحقيقته وبأحكامه مسائله المتعلقة به.

قوله: [يستعمل عندهم في العدم]: أي في عدم المال بأن يحيط الدين بماله.

قوله: [والتفليس أعم وأخص]: فالأعم هو قيام الغرماء عليه الذي يترتب عليه خلع المال والأخص خلعه بالفعل.

قوله: [مما لم تجر العادة بفعله]: أي وأما ما جرت به العادة ككسرة لسائل وضحية ونفقة ابنه وأبيه دون سرف في الجميع فلا يمنع منه.

قوله: [ويجوز بيعه وشراؤه]: أي بغير محاباة.

وقوله: [ومنعه حتى من البيع والشراء]: أي ولو بغير محاباة.

وقوله: [والأخذ والعطاء]: كناية عن منعه من جميع التصرفات.

قوله: [ويقبل إقراره لمن لا يتهم عليه]: كالاستثناء

ص: 124

وإلى الأحوال الثلاثة أشار بقوله:

(الفلس إحاطة الدين بمال المدين): فيمنعه الهبة وما في معناها لا البيع والشراء والتصرف اللازم ما لم تقم عليه الغرماء. (والتفليس الأعم: قيام ذي دين حل) أجله أو كان حالاً أصالة (على مدين) له (ليس له): أي للمدين من المال (ما يفي به): أي بالدين بأن كان ما معه أقل من الدين، وكذا إذا كان مساوياً له على ما يفيده النقل: وأما لو كان معه أكثر من الدين فليس لهم [1] منعه مما سيأتي، إلا أن يتبرع بما ينقص ماله عن الدين.

(فله منعه): أي منع من أحاط الدين بماله (من تبرعه) بهبة وصدقة وحبس وإخدام وحمالة، وكذا لا يجوز له ذلك فيما بينه وبين الله تعالى. ومن التبرع قرضه، فيمنع منه، وقوله:"ومن تبرعه" لا مفهوم له، بل لهم منعه من بيعه وشرائه وأخذه وعطائه، لأن التفليس الأعم مانع من ذلك كما نص عليه ابن رشد كما تقدم - خلافاً لظاهر ابن عرفة - بخلاف مجرد الإحاطة بلا قيام فلا تمنع المعاوضات بالبيع والشراء هذا هو النقل. (و) منعه (من إعطاء كل ما بيده) من المال (لبعض) من الغرماء دون بعض (أو) إعطاء (بعضه): أي بعض ما بيده (قبل) حلول (الأجل)، وكذا بعده إن كان الباقي لا يصلح للمعاملة. (و) منعه من (إقراره لمتهم عليه): من ولد ونحوه وزوجة يميل لها وصديق ملاطف. ويرد إقراره بذلك بخلاف غير المتهم عليه فإنه جائز.

(و) من (تزوجه أكثر من) زوجة (واحدة) وأما الواحدة فلا يمنع منها إن كانت من نسائه وأصدقها صداق مثلها، فلو كان متزوجاً فيمنع من إحداث أخرى (و) منعه من (حجة الصرورة): لأن ماله الآن للغرماء فحج التطوع أولى بالمنع. (و) منع من (سفر) لتجارة أو غيرها إن حل دينه أو كان يحل بغيبته. وهذا يجري حتى في غير من أحاط الدين بماله حيث لم يوكل من يوفي عنه دينه. (لا رهن) في دين استحدثه من بيع أو قرض وهو صحيح فلا يمنع منه، وأما المريض فيمنع من الرهن على خلاف فيه ذكره الحطاب، بخلاف المريض غير المدين فيجوز قطعاً إذ لا حجر عليه في معاملاته. (و) لا يمنع من (نفقة عبد [2] وأضحية بالمعروف) فيهما دون السرف، فيمنع منه. وهذا ظاهر فيمن أحاط الدين به دون قيام الغرماء. عليه فإن قاموا فلهم منعه حتى من البيع والشراء كما تقدم عن ابن رشد

ــ

مما قبله الذي هو عموم المنع.

قوله: [وإلى الأحوال الثلاثة] إلخ: لكن تسميته في الحالة الأولى مفلساً باعتبار التهيؤ والصلاحية لا بالفعل.

قوله: [إحاطة الدين بمال المدين]: أي بأن زاد الدين على مال المدين أو ساواه.

قوله: [ذي دين حل] إلخ: مفهومه أن صاحب الدين المؤجل لا يمنع الغريم من التبرع، وهو موافق لما في التتائي نقلاً عن شيخه السنهوري، وكلام ابن عرفة يفيده.

قوله [إلا أن يتبرع بما ينقص ماله عن الدين]: أي كما إذا كان يملك مائة وعليه خمسون فلا يجوز له التبرع بستين.

قوله: [من تبرعه]: متعلق بمنع.

قوله: [وحمالة]: أي ضمان لأنها من ناحية الصدقة.

قوله: [ومن التبرع قرضه]: أي ولو لغير عديم خلافاً لتقييده في الأصل بالعديم.

قوله: [فلا تمنع المعاوضات بالبيع والشراء]: أي بغير محاباة.

قوله: [من إعطاء كل ما بيده من المال لبعض]: فإن وقع وأعطى جميع ما بيده لبعض الغرماء كان لغيره رد الجميع على الظاهر ولا يبقى البعض الجائز الذي يسوغ إعطاؤه له من باب قولهم الصفقة إذا جمعت حلالاً وحراماً فسدت كلها ولا فرق في إعطاء الكل بين كون الإعطاء قبل الأجل أو بعده.

قوله: [قبل حلول الأجل]: أي لأن من عجل ما أجل عد مسلفاً وتقدم أنه يمنع من السلف.

قوله: [بخلاف غير المتهم عليه فإنه جائز]: الراجح أنه لا فرق بين المفلس ومن أحاط الدين بماله من أن إقرار كل لمن لا يتهم عليه إنما يمضي إذا كان دين الغرماء ثابتاً بالإقرار لا بالبينة كما أن إقرار كل لمن يتهم عليه لا يمضي سواء كان دين الغرماء ثابتاً بالإقرار أو البينة.

قوله: [فيمنع من إحداث أخرى]: أي إن كانت التي في عصمته تعفه.

قوله: [وأصدقها صداق مثلها]: فإن أصدقها أكثر فلغرمائه الزائد يرجعون عليها به وكان ذلك الزائد ديناً لها عليه.

قوله: [فحج التطوع أولى بالمنع]: فيه رد على ابن رشد حيث تردد في تزويجه أربعاً وفي حجة التطوع.

قوله: [ومنع من سفر لتجارة]: أي حيث كان موسراً، فشروط منعه ثلاثة: حلول الدين بغيبته، وإيساره به ولم يوكل في قضائه.

قوله: [لا رهن في دين]: أي لا يمنع من دفع رهن بشروط ستة: إن كان المرهون بعض ماله، في معاملة حدثت، اشترط فيها الرهن، لمن لا يتهم عليه والرهن صحيح، وأصاب وجه الرهن بألا يرهن كثيراً في قليل - أفاده الأصل تبعاً لـ (عب) قال (بن): لم أر من ذكر هذه الشروط وظاهر المدونة وابن عرفة والتوضيح وغيرهم أن الجواز مطلق، ولذلك لم يعرج شارحنا على تلك الشروط.

قوله: [غير المدين]: أي غير من أحاط الدين بماله.

قوله: [في معاملاته]: أي ولا في تبرعاته من الثلث.

قوله: [وهذا ظاهر]: إلخ اسم الإشارة عائد على تصرفاته التي لا يمنع منها كان بمعاوضة كبيعه وشرائه ورهنه أو بغير معاوضة كتزوجه واحدة

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (له).

[2]

في ط المعارف: (عيد)، ولعلها الصواب.

ص: 125

أو أنه مبني على مقابل ما لابن رشد من أنهم ليس لهم منعه من البيع والشراء: أي وما جرت به العادة، وهو ظاهر كلام الشيخ وابن عرفة.

(وله): أي للغريم اتحد أو تعدد (رفعه): أي رفع من أحاط الدين بماله (للحاكم فيحكم) بعد إثبات إحاطة الدين بماله مع ما يأتي من الشروط (بخلع ماله لغرمائه، حضر) المدين (أو غاب) ولا يتوقف الحكم على حضوره فيقتسمونه بالمحاصة (و) هذا (هو) التفليس (الأخص) واستشكل تسمية الأول بالأعم وهذا بالأخص، بأن حقيقة الأعم ما يشمل الأخص وزيادة، والأخص ما اندرج تحت الأعم كالإنسان والحيوان، وليس الأمر هنا كذلك؛ لأن جنس الأعم قيام الغرماء على المدين وجنس الأخص حكم الحاكم المذكور وهما متباينان. وأجيب: بأن الأعمية والأخصية باعتبار الأحكام لا باعتبار الصدق، ولا شك أن الثاني يمنع من كل ما منعه الأول لا العكس. ومحل حكم الحاكم بما ذكر:(إن حل الدين) الذي هو عليه بعد ثبوته كلاً أو بعضاً، فلا يفلس من لم يحل عليه شيء. إلا أن محل تفليس الغائب إن بعدت غيبته كشهر أو توسطت كعشرة أيام، ولم يعلم ملاؤه، وإلا لم يفلس. وكشف عن حاله إن قربت لأن حكمه كالحاضر. وأشار للشرط الثاني بقوله:

(وطلبه): أي طلب تفليسه (البعض) من أرباب الديون، فأولى الكل (ولو أبى) تفليسه (غيره): أي غير الطالب له، فإنه يفلس لحق الطالب فإن لم يطلبه واحد منهم فلا يفلس. وأشار للشرط الثالث بقوله:

(وزاد) الدين الحال (على ماله) الذي بيده لا إن كان ماله أكثر اتفاقاً ولا إن ساوى على المذهب، (أو) لم يزد الحال على ما بيده، بأن كان أقل لكن (بقي) من ماله (ما لا يفي بالمؤجل) من الدين الذي عليه فيفلس على المذهب، ولو كان عليه مائتان مائة حالة ومائة مؤجلة ومعه مائة وخمسون فالخمسون الباقية لا تفي بالمؤجل فيفلس. وقيده بعضهم بما إذا كان الباقي لا يرجى بتحريكه وفاء المؤجل ولا يعامله الناس عليه وإلا لم يفلس وبما إذا لم يأت بحميل وإلا لم يفلس على الراجح فلا يحل عليه المؤجل. وأشار للشرط الرابع بقوله:

(وألد) بفتح الهمزة وتشديد المهملة: أي ماطل بعد حلول الأجل ولم يدفع ما عليه فإن دفع لهم جميع ما بيده ولم يتهم بإخفاء شيء

ــ

ونفقة عيد وأضحية.

قوله: [أو أنه مبني]: أشار بجواب ثان عن المصنف.

قوله: [وهو ظاهر كلام الشيخ وابن عرفة]: أي وهما طريقتان: طريقة ابن رشد أن لهم منعه، وطريقة ابن عرفة والشيخ خليل ليس لهم المنع مما جرت به العادة فيجوز الإفتاء بكل.

قوله: [مع ما يأتي من الشروط]: أي الأربعة التي أولها إن حل الدين.

قوله: [حضر أو غاب]: رد هذا التعميم على عطاء القائل بعدم جوازه، لأن فيه هتك حرمة المديان وإذلاله. و "حضر أو غاب" في محل الحال: أي حال كونه حاضراً أو غائباً، مثل: اضرب زيداً ذهب أو جلس، أي اضربه على كل حال والمراد هنا فلس على كل حال.

قوله: [بأن حقيقة الأعم] إلخ: تصوير للإشكال.

قوله: [لأن جنس الأعم] إلخ: حقيقة الأعم وحقيقة الأخص.

قوله: [لا باعتبار الصدق]: أي لا باعتبار المفهوم لتباين المفهومين.

قوله: [من كل ما منعه الأول]: أي وزيادة.

قوله: [لا العكس]: أي فإن الأول يمنع التبرعات ولا يشمل سائر التصرفات ولا يحل به المؤجل، ولا يقال هذا البحث لا يرد لأن جنسهما واحد؛ لأن الأعم هو قيام الغرماء والأخص هو قيام الغرماء مع الحكم بخلع ماله فالجنس في كل واحد، وإنما يتميز الثاني بالفصل الذي هو قولنا: مع الحكم بخلع ماله، لأننا نقول: هم لم يجعلوا قيام الغرماء في الأخص جزءاً من التعريف بل شرطاً للحاكم فلم يكن من الماهية - تأمل.

قوله: [إن حل الدين الذي هو عليه]: أي وسواء كان ذلك الحال كله لطالب تفليسه أو بعضه له وبعضه لغيره هذا هو الصواب خلافاً لما يقتضيه كلام بعضهم من أن المدين لا يفلس إلا إذا كان دين الطالب لتفليسه الحال زائداً على ما بيده.

قوله: [ولم يعلم ملأوه]: شرط في المتوسطة وأما في البعيدة فيفلس وإن علم ملاؤه.

قوله: [وكشف عن حاله] إلخ: أي فالغيبات ثلاث وهذه طريقة ابن رشد. وأما طريقة اللخمي فالغيبة عنده على قسمين بعيدة وقريبة فالقريبة كالثلاثة الأيام حكمه فيها كالحاضر فيكتب إليه ويكشف عن حاله، والبعيدة يفلس فيها إذا لم يعلم ملاؤه أي حين سفره سواء كانت العشرة الأيام أو الشهر. اهـ. من الحاشية.

قوله: [فإنه يفلس لحق الطالب]: قال مالك: إذا أراد واحد من الغرماء تفليس الغريم وحبسه وقال بعضهم ندعه ليسعى حبسه لمن أراد حبسه.

قوله: [فلا يفلس]: أي ليس له أن يفلس نفسه بأن يرفع الأمر للحاكم ويثبت عدم نفسه ويفلسه الحاكم من غير طلب الغرماء ذلك.

قوله: [ولا إن ساوى]: أي وهذا لا ينافي أنه يمنع من التبرعات عند المساواة كما مر ولكن تقدم النقل أن مساواة الدين لماله كزيادة الدين على ماله فمقتضى ما تقدم أن الحاكم يحكم بخلع ماله في حالة المساواة أيضاً.

قوله: [فيفلس على المذهب]: وقيل لا يفلس في هذه الحالة لأن الديون المؤجلة لا يفلس بها والأول للخمي والثاني للمازري.

قوله: [وقيده بعضهم]: المراد بالبعض ابن محرز. وظاهر كلام ابن عرفة أن هذا التقييد هو المذهب، فيحمل القول بتفليسه على ما إذا كان

ص: 126

لم يفلس بالمعنى الخاص.

ولما كان يترتب على هذا الحجر أمور خمسة: منعه من التصرف المالي، وحلول للمؤجل عليه، وبيع ما معه من العروض بحضرته، وحبسه، ورجوع الإنسان في عين شيئه، أشار لها بقوله:

(فمنع من تصرف مالي) كبيع وشراء وكراء واكتراء. والمعتمد ما تقدم عن ابن رشد: أن التصرف المالي يمنع منه حتى في الأعم كتبرعاته، (إلا) أن يتصرف بشيء (في ذمته) لغير أرباب الدين على أن يوفيه من مال يطرأ له لا مما بيده كأن يتسلف شيئاً في ذمته، أو يشتري أو يكتري فلا يمنع. وشبه في عدم المنع قوله:(كخلع) لزوجته فيجوز، لأنه قد يأخذ منها مالاً أو يحط عنه دين مهرها أو غيرها. وأما المرأة المفلسة فليس لها الخلع لزوجها إلا في ذمتها من شيء يطرأ لها غير ما فلست فيه كما يشمله قوله إلا في ذمته (وطلاق) لزوجته لأن لها المحاصصة بمهرها طلق أم لا (وقصاص) وجب له على جان فله ذلك ولا يلزمه العفو على مال (وعفو) عن قصاص لا مال فيه بخلاف الخطأ أو ما فيه مال (وعتق أم ولده) فلا يمنع منه (وتبعها مالها وإن كثر) إذ لا يلزم بانتزاع مال رفيقه [1]، وقول الشيخ:"إن قل" ضعيف.

(وحل به): أي بالتفليس الأخص (وبالموت ما أجل) من الدين (إلا لشرط) بعدم الحلول بهما، فيعمل بالشرط فيهما. ونص على العمل بالشرط في الموت ابن الهندي. وأما الدين الذي له فلا يحل بفلسه ولا موته.

(وإن قام له): أي للمفلس (شاهد بدين) له على شخص فطلب منه أن يحلف معه ليستحق دينه (فنكل) عن اليمين مع شاهده

ــ

لا يرجى بتحريكه الفضلة وفاء المؤجل إلخ.

قوله: [لم يفلس بالمعنى الخاص]: أي الذي هو حكم الحاكم بخلع ماله؛ لأن الحاكم لا يحكم إلا على الآبي. وأما المعنى الأعم: وهو قيام الغرماء فهو حاصل.

قوله: [ولما كان يترتب على هذا الحجر أمور] إلخ: اسم كان ضمير الشأن والجملة خبرها و " أمور " فاعل يترتب.

قوله: [منعه من التصرف المالي]: أي بعوض أو بغيره.

قوله: [وحلول المؤجل عليه]: أي وأما المؤجل له فلا يحل إلا في بعض الصور كما سيأتي.

قوله: [كان يتسلف شيئاً في ذمته] إلخ: أمثلة للتصرف في الذمة.

قوله: [فلا يمنع]: أي فلا يمنع من ذلك. وإن تحصل شيء في تصرف ذمته ودينهم باق عليه فلهم منعه مما بقي بعد وفاء الدين الذي في الذمة حتى يوفيهم دينهم.

قوله: [أو غيرها]: معطوف على مهر مسلط عليه دين كأن يكون لأخيها مثلاً عليه دين فيحطه عنه في نظير الخلع ولو قال أو غيره ويكون المعنى أو تحط عنه دين مهرها أو دين غيره لكان أوضح.

قوله: [وأما المرأة المفلسة] إلخ: هذا مرتب على محذوف تقديره ما تقدم لك من جواز المخالعة مفروض في فلس الرجل المخالع وأما المرأة إلخ.

قوله: [فليس لها الخلع]: أي لأنه تصرف مالي وهي ممنوعة منه.

قوله: [لأن لها المحاصصة بمهرها]: أي لحلول المؤجل وإن لم يطلق وأيضاً يخفف عنه أمر النفقة.

قوله: [ولا يلزمه العفو على مال]: أي لأن الواجب فيه على مذهب ابن القاسم إما القصاص أو العفو مجاناً وليس للمجني عليه أو عاقلته إلزام الجاني بالدية نعم لهم التراضي عليها، وأما على مذهب أشهب القائل: إن المجني عليه يخير بين الدية والقود والعفو مجاناً، فمقتضاه أن للغرماء منعه من القصاص ويلزمونه أخذ الدية، إلا أن يقال: قاعدة المذهب تقتضي جواز قصاصه حتى عند أشهب، لقولهم: ليس للغرماء جبر المفلس على انتزاع مال رقيقه - كذا في الخرشي والحاشية. ومثل القصاص في النفس جراح العمد التي ليس فيها شيء مقدر، وإلا فلهم منعه منه.

قوله: [أو ما فيه مال]: أي كجراحات العمد أي التي فيها شيء مقدر كالجراحات الأربعة الآتية في باب الدماء إن شاء الله تعالى.

قوله: [وعتق أم ولده]: أي التي استولدها قبل التفليس، وأما التي أولدها بعد الحجر عليه فإنه يرد عتقها لأنها تباع دون ولدها.

فائدة: لا يقبل منه أنه أحبل أمته قبل الحجر إلا أن يفشو ذلك قبل بين الجيران أو تشهد به النساء كذا في الحاشية.

قوله: [وحل به]: هذا هو الثاني من الأمور الخمسة.

قوله: [وبالموت]: يستثنى من الموت من قتل مدينه فإن دينه المؤجل لا يحل لحمله على الاستعجال.

قوله: [ما أجل من الدين]: أي الذي عليه بدليل قوله بعد وأما الدين الذي له.

قوله: [وأما الدين الذي له فلا يحل] إلخ: انظر لو شرط أن الدين الذي يحل بموته أو فلسه، هل يعمل بشرطه أم لا؟ قال الخرشي: الظاهر الأول حيث كان الشرط غير واقع في صلب عقد البيع، فإن وقع في صلب عقد البيع فالظاهر فساد البيع لأنه آل أمره إلى البيع بأجل مجهول.

تنبيه: دخل في عموم قوله: "حل به وبالموت ما أجل" دين للكراء لدار أو دابة أو عبد حيث كان الكراء وجيبة وإن لم يستوف صاحبه المنفعة، فيحل بفلس المكتري أو موته وللمكري أخذ عين شيئه في الفلس لا الموت، فإن كان المفلس لم يستوف شيئاً من المنفعة فلا شيء للمكري ورد الأجرة إن كان قبضها، وإن ترك عين شيئه للفلس حاصص بأجرته حالاً، وإن استوفى بعض المنفعة

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (رقيقه).

ص: 127

(حلف كل) من الغرماء مع ذلك الشاهد (كهو): أي كحلف المدعي المفلس، فيحلف كل واحد أن ما شهد به الشاهد حق (وأخذ) كل من حلف (حصته) فقط من ذلك الدين (ولو نكل غيره): أي غير الحالف فلا يأخذ الحالف إلا قدر نصيبه مع حلفه على الجميع على المشهور، فإن حلفوا كلهم تقاسموا الحق على قدر نصيب كل من الدين، وإن نكلوا كلهم فلا شيء لهم منه، ومن حلف أخذ حصته فقط أي منابه الحصاص من ذلك الدين لا جميع حصته كما هو قول ابن عبد الحكم المقابل للمشهور. ومن نكل فلا شيء له، فقوله:"ولو نكل" إلخ مبالغة في قوله وأخذ حصته.

(وقبل إقراره): أي المفلس، ولو بالمعنى الأعم كما تقدم عن ابن رشد (لغير متهم عليه) لا لمتهم عليه كابن وأخ وزوجة (بالمجلس) الذي فلس فيه أو قامت عليه الغرماء فيه (أو قربه) بالعرف لا بعد الطول، فلا يقبل. (وثبت دينه) الذي حكم به أو قامت الغرماء عليه به (بإقرار) منه به (لا) إن ثبت عليه (ببينة)، فلا يقبل إقراره لغير المتهم عليه ولو أقر بالمجلس كما هو الموضوع. والمراد أن إقراره لا يقبل بالنسبة للمال الذي فلس فيه. (وهو) أي ما أقر به ولم يقبل إقراره به لكون ما فلس فيه ثبت ببينة أو ثبت بإقراره وأقر لغير المتهم عليه بعد طول من المجلس (في ذمته) يحاصص المقر له به في مال يطرأ له غير ما فلس فيه فقوله:"وهو في ذمته" راجع لمفهوم قوله: "بالمجلس أو قربه" ولقوله: "لا ببينة".

(و) قبل منه (تعيينه): أي المفلس (القراض) الذي تحت يده لغيره (والوديعة) بأن يقول: هذا المال قراض تحت يدي أو وديعة لفلان: وقيده في التوضيح بإقراره في المجلس أو قربه وقيل: لا يتقيد بذلك. (إن قامت بينة بأصله): أي بأصل ما ذكر من القراض أو الوديعة بأن شهدت [1] بأن عنده قراضاً أو وديعة لفلان. ومفهوم تعيينه أنه إن لم يعن بأن قال: لفلان عندي قراض أو وديعة لفلان، لم يقبل إقراره. كما إذا عين ولم تقم بينة بأصله والكلام في إقراره بذلك، وأما لو ثبتا بالبينة فرب القراض الوديعة يحاصص بهما في الموت والفلس وسواء كان المفلس صحيحاً أو مريضاً. نعم إن أقر مريض غير مفلس بهما قبل إقراره ولو لم تقم بينة بأصلهما حيث أقر لمن لا يتهم عليه (و) قبل (قول صانع) فلس في تعيين ما بيده لأربابه كهذا ثوب فلان أو غزل فلان بيمين من المقر له (مطلقاً) ببينة وغير بينة بالمجلس وغيره؛ لأن الشأن أن ما بيده أمتعة الناس وعدم الإشهاد عليه عند الرفع، ولا يعلم ربه إلا منه فيبتعد أن يقر به لغير ربه

ــ

حاصص بها كما يحاصص في الموت ويأخذ منابه بالحصاص حالاً. ويخير في فسخ ما بقي في الفلس فإن أبقاه المفلس رد منابه من الأجرة إن كان قبضها وحاصص به، وإلا حاصص بالجميع هذا ما يستفاد من كلام شارح المدونة وهو المشهور. اهـ. من الأصل.

قوله: [حلف كل]: أي إذا كان كل من الغرماء غير محجور عليه. وأما لو كان منهم ما هو محجور عليه فقيل: يحلف المحجور عليه أو وصيه، وقيل: لا يمين على واحد منهما، وقيل: يؤخر لرشده؛ ففي ذلك ثلاثة أقوال للأندلسيين كذا في (بن).

قوله: [لا جميع حصته]: المناسب لا جميع دينه.

قوله: [كما هو قول ابن الحكم]: صوابه ابن عبد الحكم.

قوله: [ومن نكل فلا شيء له]: فلو طلب من نكل من الغرماء العود لليمين فإن كان بعد حلف المطلوب فلا يمكن اتفاقاً. وإن كان قبل حلفه ففي تمكينه قولان، المعتمد: عدم التمكين لما يأتي في آخر الشهادات.

قوله: [كابن وأخ وزوجة] أي لم يظهر بينهم وبينه عداوة وإلا فهم مما لا يتهم عليه.

قوله: [الذي حكم به]: أي وهو التفليس الأخص أي حكم بخلع المال لأجله، وقوله أو قامت الغرماء أي وهو التفليس الأعم.

قوله: [لا إن ثبت عليه ببينة] إلخ: أي لأن مذهب المدونة: أن دين الغرماء الذين قاموا عليه متى كان ثابتاً بالبينة فلا يقبل إقراره ولو علم تقدم معاملة لمن أقر له، كما في التوضيح. وقيل: يقبل إقراره سواء كانت الديون ثابتة عليه بإقراره أو ببينة، واختاره بعض الشيوخ واستظهره ابن عبد السلام. ولمالك في الموازية قول ثالث: أن من أقر له المفلس إن كان يعلم تقدم مداينة وخلطة بينه وبين المقر حلف المقر له ودخل في الحصاص مع من له بينة. اهـ. ملخصاً من (بن).

قوله: [وأقر لغير المتهم عليه بعد طول من المجلس]: أي أو لمتهم عليه وإن كان بقربه.

قوله: [إن قامت بينة بأصله] أي عند ابن القاسم. خلافاً لأصبغ حيث قال: يقبل تعيين القراض الوديعة ولو لم تشهد بينة بأصلهما واختاره اللخمي.

قوله: [أي بأصل ما ذكر]: جواب عن سؤال ورد على المتن بأن المتقدم اثنان، فكيف أعاد الضمير مفرداً؟

قوله: [يحاصص بهما]: أي إن لم يوجدا بأعيانهما، وإلا أخذهما في الموت والفلس.

قوله: [ولو لم تقم بينة بأصلهما]: أي لأن الحجر على المريض غير المفلس أضعف من الحجر على المفلس لأن المريض له أن يشتري ما يحتاجه بخلاف المفلس.

قوله: [وقبل قول صانع] إلخ: اعلم أن المفلس إذا كان صانعاً وعين المصنوع أو كان غير صانع وعين القراض أو الوديعة، فالمسألة ذات أقوال أربعة: الأول: لمالك في العتبية عدم قبول تعيينه مطلقاً خشية أن يخص صديقه، الثاني: يقبل تعيينه القراض

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (عهدت).

ص: 128

(وباع) الحاكم أو نائبه (ماله) من عقار أو عروض أو مثليات (بحضرته): لأنه أقطع لحجته (بالاستقصاء): أي مع الاستقصاء في الثمن وعدم وجود من يزيد (و) مع (الخيار) للحاكم (ثلاثاً) من الأيام لطلب الزيادة والاستقصاء في الثمن في كل سلعة، إلا ما يفسده التأخير كما يأتي؛ (ولو كتباً احتاج لها): أي لمراجعتها والمطالعة فيها ولم تجعل كآلة الصانع لأن شأن العلم أن يحفظ بالقلب (أو ثياب جمعته) وعيده (إن كثرت قيمتها) بخلاف ما إذا لم تكثر، وبخلاف ثياب جسده التي لا بد له منها. (وأوجر) عليه (رقيق لا يباع عليه): كمدبر قبل الدين ومعتق لأجل وولد أم ولده من غيره، وأما ما يباع عليه فيباع (إلا أم ولده) فلا تؤجر لأنه ليس له فيها إلا يسير الخدمة كالاستمتاع فأولى المكاتب لأنه ليس فيه خدمة، نعم تباع كتابته. (لا آلة صنعته) التي لا بد منها فلا تباع بخلاف ما لا يحتاج إليها.

ولا يلزم) المفلس (بتكسب) لوفاء ما بقي عليه من الدين ولو كان قادراً عليه، لأن الدين إنما تعلق بذمته فلا يطلب به إلا عند اليسار. (و) لا (تسلف و) لا (استشفاع): أي أخذ بالشفعة لطلب الزيادة فيما يأخذ بها لأنه من ناحية التكسب. (و) لا (عفو) عن قصاص وجب (للدية): أي لأجلها، وله العفو مجاناً. بخلاف ما فيه شيء مقرر فلا يعفو مجاناً، كالخطأ لأن فيه ما لا تقرر. (و) لا (انتزاع مال رقيقه) ليوفي به دينه. وجاز له نزعه، فإن نزعه فلهم أخذه، والمراد بالرقيق: الذي ليس له بيعه، وهذا قول ابن رشد عن محمد، وقال غيره: يلزم بانتزاعه. (و) لا انتزاع (ما وهبه لولده) الصغير أو الكبير قبل إحاطة الدين. وأما ما وهبه بعده فهو كالتبرع لهم رده وأخذه.

(وعجل بيع ما خيف) بتأخيره (فساده): كالفواكه (أو تغيره) عن حالته التي هو بها، أو كساده لو تأخر. (و) كذا يعجل بيع (الحيوان بالنظر): لأنه قد يتغير مع الاحتياج إلى مؤنته.

(واستؤني بعقاره) لطلب زيادة الثمن

ــ

والوديعة إن قامت بينة بأصلهما ويقبل تعيينه المصنوع مطلقاً وهو لابن القاسم، والثالث: يقبل تعيينه القراض والوديعة المصنوع مطلقاً وهو لأصبغ، والرابع: يقبل تعيين المفلس القراض والوديعة والمصنوع، إذا كان على أصل الدفع، أو على الإقرار قبل التفليس ببينة.

قوله: [وباع الحاكم]: أي وجوباً إن خالف جنس دينه أو صنفه وإلا فلا يجب وهذا هو الثالث من الأمور الخمسة.

قوله: [بحضرته]: أي والمستحب أن يكون البيع بحضرة المدين لأنه أقطع لحجته، وقال خليل في التوضيح: لا يبعد وجوبه وماله الذي يباع يشمل الدين الذي له على الغير كما نص عليه ابن رشد، إلا أن يتفق الغرماء على إبقائه حتى يفيض وقيل إنها لا تباع وتبقى على حالها.

قوله: [في كل سلعة]: أي سواء كانت عرضاً أو حيواناً أو عقاراً وهذا بخلاف خيار التروي فإنه يختلف باختلاف السلع كما مر. والظاهر أن للحاكم البيع بخيار التروي، وعليه فيكون خيار الحاكم بعده ثلاثاً ولا يختص خيار الحاكم بسلع المفلس بل كل ما باعه الحاكم على غيره كذلك اهـ. ملخصاً من حاشية الأصل.

قوله: [ولو كتباً]: رد بـ "لو" على من قال: إن الكتب لا تباع أصلاً، واعلم أن الخلاف في الكتب الشرعية كالفقه والتفسير والحديث وآلة ذلك، أما غير هذا فلا خلاف في وجوب بيعها.

قوله: [لأن شأن العلم أن يحفظ بالقلب]: قال شيخ مشايخنا العدوي: إن الحفظ قد ذهب الآن فلذا أجراها بعضهم على آلة الصانع.

قوله: [إن كثرت قيمتها]: يحتمل إن كانت قيمتها كثيرة في نفسها أو كثرتها منها بالنظر لصاحبها وإذا بيعت فيشترى له دونها، كما أن دار سكناه إن كان فيها فضل تباع ويشترى له دار تكفيه.

قوله: [كمدبر] إلخ: اللخمي تباع خدمة المعتق لأجل وإن طال الأجل كعشر سنين ويباع من خدمة المدبر السنة والسنتين، وإنما قيد الشارح بقوله:"قبل الدين" لأن المدبر بعده تباع رقبته لبطلان التدبير لقول الأجهوري:

ويبطل التدبير دين سبقا

إن سيد حياً وإلا مطلقا

قوله: [إلا أم ولده]: أي التي أولدها قبل الحجر عليه، وأما من أولدها بعد الحجر عليه فإنها تباع. قال في المقدمات: ولو ادعى في أمة أنه سقطت منه لم يصدق إلا أن تقوم بينة من النساء أو يكون قد فشا ذلك قبل ادعائه، وأما لو كان لها ولد قائم فقوله مقبول أنه منه.

قوله: [التي لا بد منها]: أي بأن كان محتاجاً لها وهي قليلة القيمة، وتردد فيها عبد الحميد الصائغ فقال: هل هي كثياب الجمعة لا تباع إلا إذا كثرت قيمتها ويشترى له دونها، أو تباع مطلقاً قلت قيمتها أو كثرت.

قوله: [ولا يلزم المفلس بتكسب]: أي ولو عامله الغرماء على التكسب وشرطوا عليه ذلك إذا فلس، فلا يعمل بذلك الشرط وسواء كان صانعاً أو تاجراً. خلافاً لما في (ح) نقلاً عن اللخمي من جبره على التكسب إذا كان صانعاً وشرط عليه التكسب في عقد الدين كذا في (بن).

قوله: [لأنه من ناحية التكسب]: أي ولأن فيه ابتداء ملك واستحداثه وهو لا يلزمه لأنها معاملة أخرى ولو مات المفلس عن شفعة فهي للورثة لا للغرماء كما في الخرشي.

ص: 129

(كالشهرين) كذا عروضه كالثياب والحديد والمعادن.

(وقسم) ما تحصل، إذا لم يف (بنسبة الديون) بما عليه أي نسبة كل دين لمجموع ما عليه: أي الديون. ويأخذ كل غريم بتلك النسبة؛ فإذا كان لغريم عشرون ولآخر ثلاثون ولآخر خمسون فجموع ما عليه مائة. نسبة العشرين لها الخمس فيأخذ ربها خمس ما تحصل، ونسبة الثلاثين خمس وعشر ونسبة الخمسين النصف، فإذا كان مال المفلس عشرين أخذ صاحب العشرين خمسها أربعة وأخذ صاحب الثلاثين ستة وأخذ صاحب الخمسين عشرة. ويجوز بنسبته للديون أي مجموع الديون؛ ففي المثال مجموع الديون مائة ونسبة ماله لها الخمس فكل يأخذ خمس دينه فصاحب العشرين خمس دينه أربعة وهكذا والمعنى واحد.

(ولا يكلفون): أي لا يكلفهم الحاكم (أن لا غريم) على المفلس الميت (غيرهم، بخلاف الورثة): فإنهم يكلفون أنه لا وارث غيرهم لأن الشأن معرفتهم وحصرهم بخلاف الغرماء.

(واستؤني به): أي بالقسم على الغرماء (إن عرف بالدين في الموت فقط): لاحتمال طروّ غريم والذمة قد خربت بالموت بخلاف الفلس فلا يستأنى لعدم خرابها.

(و) إذا اقتسموا ما تحصل مع المفلس (انفك حجره بلا) احتياج في فكه إلى (حكم) من الحاكم، ولهم تحليفه: أنه لم يخف عنهم مال عنده. فإن نكل فلا ينفك حجره.

وإذا انفك حجره (فيحجر عليه أيضاً) كما حجر عليه أولاً (إن حدث) له (مال) بعد الحجر الأول؛ كميراث وهبة وصدقة ووصية ودية وغير ذلك؛ لأن الحجر الأول كان في مال مخصوص وانفك حجر فيتصرف فيما حدث إلى أن يحجر عليه فيه.

(و) لو تداين بعد ذلك وحجر عليه بالحجر الأخص أو الأعم (لا يدخل) فيما حجر عليه ثانياً (أول) مما حجر لهم سابقاً (مع آخر) بكسر المعجمة: أي مع الذين حجر لأجلهم ثانياً (في) مال من (دين حدث عن معاملة بخلاف) مال حدث عن أصل معاملة؛ (نحو إرث وجناية) وهبة واستحقاق وقف أو وظيفة وركاز فيدخل فيه الأول والآخر. (وكذا إن مكنهم) من ماله من غير رفعهم له إلى الحاكم وهو تفليس أعم (فباعوا) متاعه (واقتسموا فداين غيرهم): فلا يدخل الأول مع الآخر إلا إذا تجدد له مال بلا أصل معاملة كإرث فيدخل. (وقوم ما): أي الدين الذي (خالف النقد) مما على المفلس

ــ

تنبيه: في سماع ابن القاسم: من حبس حبساً وشرط أن للمحبس عليه البيع فلغرمائه البيع عليه. قال في المقدمات: ولو كان المفلس امرأة فليس للغرماء أن يأخذوا معجل مهرها قبل الدخول ولا بعده بأيام يسيرة؛ لأنه يلزمها أن تتجهز به للزوج ولا يجوز لها أن تقضي منه دينها إلا الشيء اليسير. قال في المدونة: الدينار ونحوه وأما ما تداينته بعد دخول زوجها فإن مهرها يؤخذ فيه كما في رواية يحيى عن ابن القاسم، وأما مؤخر الصداق فهل للغرماء بيعه في دينهم أم لا؟ الظاهر أن ذلك لهم فإنه لا يلزمها أن تتجهز للزوج. اهـ. (بن).

قوله: [كالشهرين]: أي ثم يباع بعد ذلك بالخيار للحاكم ثلاثة أيام وهذا الاستيناء واجب. فإن باع الحاكم من غير استيناء خير المفلس في إمضاء البيع ورده ولا يضمن الحاكم الزيادة التي في سلع المفلس حيث باع بغير الاستيناء لأن الزيادة غير محققة والذمة لا تلزم إلا بأمر محقق كذا في الحاشية.

قوله: [بخلاف الورثة]: أي فإن الحاكم لا يقسم عليهم حتى يكلفهم ببينة تشهد بحصرهم وموت مورثهم ورتبتهم من الميت وذلك لأن عددهم معلوم بالجيران وأهل البلد فلا كلفة في الإثبات عليهم.

قوله: [بخلاف الغرماء]: أي لأن الدين يقصد إخفاؤه غالباً، فإثبات حصر الغرماء متعسر، ثم إنه يجب أن تكون شهادة البينة الشاهدة للورثة على نفي العلم لا على القطع، فلو قال: لا وارث له غير هذا قطعاً بطلت شهادته كما في حاشية الأصل.

قوله: [واستؤني به]: أي وجوباً. وحاصله أن الميت إذا كان معروفاً بالدين فإن الحاكم لا يعجل قسم ماله بين الغرماء بل يستأني به وجوباً بقدر ما يراه لاحتمال طرو غريم آخر فتجتمع الغرماء.

قوله: [لعدم خرابها]: أي خراب ذمته حقيقة وإن خربت حكماً ولذلك عجل ما كان فيها مؤجلاً من الدين؛ فذمة المفلس - لما كانت باقية - إذا طرأ غريم تعلق حقه بذمته لم يحتج للاستيناء في المفلس، بخلاف الميت؛ فإن ذمته زالت بالموت فلو طرأ غريم لم يجد من يتعلق حقه بذمته، ولأن المفلس لو كان له غريم آخر لأعلم به بخلاف الميت.

قوله: [أنه لم يخف عنهم مال] إلخ: " يخف " مبني للفاعل و " مال " فاعله، والضمير في " أنه " للحال والشان، والمعنى أنه يقول في صيغة يمينه التي يحلفها لم يكن عندي مال خاف عليكم.

قوله: [إن حدث له مال]: مفهومه أنه إذا لم يحدث مال لا يحجر عليه وإن طال الزمان وبه العمل، وقيل: يجدد عليه بعد كل ستة أشهر.

قوله: [فيدخل فيه الأول والآخر]: يصح قراءتهما بالإفراد أي الفريق الأول والفريق الآخر وبالجمع أي أرباب الدين الأول وأرباب الدين الآخر.

قوله: [إلا إذا تجدد له مال بلا أصل معاملة]: مثل ذلك ما لو فضل بيد المفلس عن دين الآخرين فضلة فيتحاصص فيها الأولون كما لو كانت السلع عند المفلس وقت التفليس قيمتها أقل من الدين لكسادها ثم بعد التفليس حصل فيها رواج

ص: 130

بأن كان الدين الذي عليه عرض أو مثلي حالاً أو مؤجلاً، لأنه يحل بفلسه (يوم القسمة) لمال المفلس. (واشترى لربه): أي لرب الدين المخالف للنقد (منه): أي من جنس دينه وصفته (بما): أي بالشيء الذي (يخصه) في الحصاص من مال المفلس؛ كأن يكون مال المفلس مائة وعليه لشخص مائة وعليه لآخر عرض قيمته يوم القسم مائة، فيأخذ رب المائة خمسين، ويشترى بالخمسين الأخرى لرب العرض عرضاً من جنس عرضه وصفته. (وجاز) لرب الدين المخالف للنقد (أخذ الثمن): كالخمسين الباقية (إلا لمانع): كأن يكون المخالف طعام معاوضة فلا يجوز لربه أخذ الثمن لما فيه من بيع الطعام قبل قبضه.

(وحاصت الزوجة بصداقها) ولو مؤجلاً لحلوله بتفليس زوجها ولو قبل البناء (وبما أنفقت على نفسها) قبل عسره لا في عسره لما تقدم في النفقة أنها تسقط بالعسر. (كالموت): أي كما تحاصص بصداقها وبما أنفقت على نفسها في موته. (بخلاف نفقتها على الولد) فلا تحاصص بها؛ لأنها من المواساة. وإذا لم تحاصص بها (ففي الذمة): أي فتكون في ذمة زوجها ترجع به عند اليسر (إلا لقرينة تبرع) منها على الولد فتسقط. وكذا لا تحاصص بنفقتها على أبويه الفقيرين.

(وإن ظهر) على المفلس أو الميت (دين) لغريم بعد قسم ماله (أو استحق مبيع) من سلعه - (وإن) بيعت لأجنبي أو لأحد الغرماء (قبل فلسه رجع) الغريم الطارئ أو من استحقت من يده السلعة (على كل) من الغرماء (بما يخصه) في الحصاص.

ــ

وصارت أكثر من الدين.

قوله: [بأن كان الدين الذي عليه عرض أو مثلي]: هكذا نسخة المؤلف برفع "عرض" على أن كان تامة. و "عرض" بدل من الدين. وقوله: " أو مثلي " معطوف عليه.

قوله: [ويشترى بالخمسين الأخرى]: أي التي خصت من له العرض في الحصاص، فإن وفت نصف دينه فالأمر ظاهر، وإن وفت دينه كله لحصول رخص في العرض فاز به وصار لا شيء له قبل المفلس، وإن وفت دون منابه في الحصاص لحصول غلو في العروض تقرر له ما بقي في ذمة المفلس. وهذا معنى قول خليل:" ومضى إن رخص أو غلا "، فمعنى مضيه: أنه لا يرجع على الغرماء إن حصل غلاء في العروض ولا يرجعون عليه إن حصل رخص - فتأمل.

قوله: [وجاز لرب الدين] إلخ: أي عند التراضي وأما عند المشاحة فقد سبق أنه يشترى له صفة طعام أو مثل عرضه بما نابه في الحصاص.

قوله: [إلا لمانع] هذا مبني على أن التفليس لا يرفع التهمة، وقيل إنه يرفعها فيجوز في التفليس ما لا يجوز في الاقتضاء - ابن عرفة. وهما روايتان كذا في (بن). وحاصله: أنه يجوز القضاء بغير جنس ماله إن جاز بيعه قبل قبضه، والمسلم فيه مناجزة وأن يسلم فيه رأس المال، فلو كان رأس المال عرضاً كعبد أسلمه في عرض؛ كثوبين، فحصل له في الحصاص قيمة ثوب، جاز له أخذ تلك القيمة، لأنه آل أمره إلى أنه دفع له عبداً في عين وثوب، ولا مانع في ذلك. بخلاف ما لو كان المسلم فيه حيواناً مأكول اللحم ونابه في الحصاص لحم من جنسه وعكسه، فيمنع لما فيه من بيع اللحم بالحيوان، وبخلاف ما لو كان رأس المال ذهباً ونابه في الحصاص فضة أو العكس فلا يجوز أخذ ما نابه لأنه يؤدي إلى بيع وصرف متأخر. وكما إذا كان ماله طعاماً من بيع فلا يجوز أخذ غير جنسه لما فيه من بيع الطعام قبل قبضه كما قال الشارح.

قوله: [وحاصت الزوجة بصداقها] إلخ: فلو حاصت بصداقها ثم طلقها الزوج قبل الدخول ردت ما زاد على تقدير المحاصة بنصف الصداق ولا تحاصص فيما ردته على الصواب، مثلاً: لو كان لرجلين على شخص مائتان وحاصت الزوجة معهما بمائة الصداق ومال المفلس مائة وخمسون؛ نسبته من الديون النصف، وأخذ كل واحد نصف دينه وهو خمسون، فإذا قدرت بعد الطلاق محاصة بخمسين نصف الصداق، كان لها في الحصاص ثلاثون، لتبين أن مجموع الديون مائتان وخمسون فقط ومال المفلس ثلاثة أخماسها، وترد عشرين للغريمين الآخرين ليكمل لكل واحد منهما ستون وهي ثلاثة أخماس دينه ولا دخول لها معهما فيما ردته كما هو ظاهر - كذا في (بن) والحاشية.

قوله: [وبما أنفقت على نفسها قبل عسره]: أي سواء كان ما أنفقته من عندها أو تسلفته حكم بها حاكم أم لا.

قوله: [بخلاف نفقتها على الولد] إلخ: حاصله أن الزوجة إذا أنفقت على ولد المفلس في حال يسره، فإنها لا تحاصص بها. ولكنها ترجع على الأب في المستقبل إذا طرأ له مال إن لم تكن متبرعة وهذا ما لم يحكم بها حاكم، وإلا حاصت بها سواء كانت تسلفتها أو من عندها. فالمحاصة بها تحصل بأمرين: اتفاقها على الولد في حال يسرة الأب، وحكم الحاكم بها.

قوله: [وكذا لا تحاصص بنفقتها على أبويه] إلخ: أي إلا بشروط ثلاثة: أن يحكم بها، وأن تتسلف تلك النفقة، وأن يكون إنفاقها عليهما حال يسره وهذا التفصيل لأصبغ. وأما رواية ابن القاسم عن مالك: فإنها لا تحاصص بنفقة الأبوين والأولاد مطلقاً كما في (بن) وعليه اقتصر في المجموع. بل تتبع الذمة إن لم تكن متبرعة وهو مقتضى شارحنا.

ص: 131

ولا يأخذ ملياً عن معدم ولا حاضراً عن غائب؛ لأنهم اقتسموا ما كان يستحقه. إلا أن المستحق من يده إن اشترى قبل الفلس فظاهر؛ وبعده رجع بجميع الثمن الذي خرج من يده. (كوارث أو موصى له) طرأ (على مثله) فيرجع الطارئ على كل من الورثة أو الموصى لهم بما يخصه.

(وإن اشتهر ميت بدين، أو علم به الوارث وأقبض) الغرماء الحاضرين (رجع عليه): أي رجع الطارئ عليه: بما ثبت له، لتفريطه واستعجاله؛ كما لو قبض لنفسه (ثم رجع هو على الغريم) الذي قبض منه.

(وله): أي للطارئ (الرجوع) على الغريم ابتداء فهو مخير.

(وإن طرأ) غريم (على وارث قسم) التركة، (رجع عليه، وأخذ ملي عن معدم) وميت عن حي وحاضر عن غائب (ما لم يجاوز) دين الطارئ (ما قبض) من التركة لنفسه. فإن جاوز - كما لو كان الدين عشرة وهو قبض ثمانية لم يؤخذ منه إلا ما قبضه.

(وترك له) عطف على قوله: "وبيع ماله"، أي: وترك للمفلس (قوته والنفقة الواجبة عليه لكزوجة): أدخلت الكاف: الولد والوالدين الفقيرين ورقيقه الذي لا يباع كأم ولد ومدبر (إلى ظن يسره): أي إلى وقت يظن حصول اليسر له عادة. (و) ترك له (كسوتهم): أي كسوته وكسوة من تلزمه نفقته (كل دستاً معتاداً) له من قميص وعمامة وقلنسوة أو خمار للمرأة. والدست - بفتح الدال وبالسين المهملتين: ما قابل ثياب الزينة.

(بخلاف مستغرق الذمة بالظلم): كالمكاس وقاطع الطريق وبعض الأمراء (فما): أي فيترك له ما (يسد الرمق): أي ما يحفظ الحياة فقط (و) ما (يستر العورة) فقط، لأن الناس لم يعاملوه

ــ

قوله: [ولا يأخذ ملياً عن معدم]: حاصله أن المفلس أو الميت إذا اقتسم الغرماء ماله ثم طرأ عليهم غريم أو شخص استحقت السلعة من يده، والحال أنهم لم يعلموا بذلك الغريم ولم يكن الميت مشهوراً بالدين، فإنه يرجع على كل واحد من الغرماء بالحصة التي تنوبه لو كان حاضراً، ولا يأخذ أحد عن أحد. فلو كان مال المفلس عشرة وعليه لثلاثة كل واحد عشرة أحدهم غائب لم يكن معهما علم به اقتسم الحاضران ماله فأخذ كل واحد منهما خمسة ثم قدم الغائب، فإنه يرجع على كل واحد منهما بواحد وثلثين. وقولنا: لم يكن معهما علم به، احترازاً مما لو كانا عالمين به فإنه يأخذ المليء عن المعدم والحاضر عن الغائب والحي عن الميت كما سيأتي: وقولنا: ولم يكن الميت مشهوراً بالدين، احترازاً مما لو كان مشهوراً بالدين فسيأتي أن الغريم الطارئ يأخذ الملي عن المعدم والحاضر عن الغائب وقوله: الغريم الطارئ، يحترز به عما لو حضر إنسان قسمة تركة ميت ولم يدع شيئاً من غير مانع يمنعه ثم ادعى بعد ذلك بدين، فلا تسمع دعواه حيث حصل القسم في الجميع. فإن بقي بعد القسم ما يفي بدينه لم يسقط إذا حلف أنه ما ترك حقه كما أشار لذلك ابن عاصم في التحفة بقوله:

وحاضر لقسم متروك له

عليه دين لم يكن أهمله

لا يمنع القيام بعد إن بقي

للقسم قدر دينه المحقق

يقبض من ذلك حقاً ملكه

بعد اليمين أنه ما تركه

قوله: [بما يخصه]: أي فقط ولا يأخذ ملياً عن معدم ولا حاضراً عن غائب ولا حياً عن ميت ما لم يكن الميت مشتهراً بالدين أو علم الوارث بالطارئ وأقبض الغرماء - كما أفاده المصنف بقوله: وإن اشتهر ميت إلخ.

قوله: [وميت عن حي]: صوابه قلب العبارة.

قوله: [ما لم يجاوز دين الطارئ] إلخ: هذا الرجوع على الوارث ثابت متى قسم التركة لنفسه وإن لم يكن عالماً بالغريم. فقيد العلم إنما هو إذا فرقها على الغرماء. فقوله: وإن طرأ غريم على وارث قسم التركة، لا فرق بين كون الغريم معلوماً له أو لا، اشتهر الميت بالدين أو لا.

قوله: [لم يؤخذ منه إلا ما قبضه]: أي بخلاف الغصاب واللصوص، فإن المقدور عليه يؤخذ منه جميع الحق، وبخلاف ما إذا قبض الغرماء فإنه يرجع عليه بجميع ما أقبضه.

قوله: [عطف على قوله وبيع ماله]: صوابه وباع ماله بالبناء للفاعل؛ لأنه الذي تقدم في المتن قوله: [قوته]: أي من خشن الطعام.

قوله: [الواجبة عليه]: أي بطريق الأصالة لا بالالتزام لسقوطها بالفلس.

قوله: [إلى ظن يسره]: متعلق بقوله: "قوته" لأنه، وإن كان جامداً فهو في معنى المشتق أي ما يقتات به لظن يسره وليس متعلقاً بترك لأنه يصير المعنى ترك له تركاً مستمراً لظن يسره وهذا غير صحيح لأن الترك في لحظة فلا يستمر.

قوله: [وبالسين المهملتين]: أي وأما بالشين المعجمة فهو اسم للصحراء لا غير، وبالسين المهملة يطلق على الصحراء وعلى ما يلبسه الشخص ويكفيه في حوائجه. والحاصل: أنه لا يترك له ولا لمن تلزمه نفقته إلا ما يواري العورة ويقي الحر والبرد وتجوز به الصلاة.

قوله: [بخلاف مستغرق الذمة]: اعلم أن من أكثر ماله حلال وأقله حرام: المعتمد جواز معاملته ومداينته والأكل من ماله كما قال ابن القاسم خلافاً لأصبغ. وأما من أكثر ماله حرام فمذهب ابن القاسم كراهة معاملته ومداينته

ص: 132

على مثل المفلس.

(وحبس) المفلس (لثبوت عسره، إن جهل حاله): لا إن علم عسره (إلا أن يأتي بحميل): بمال أو بوجه حتى يثبت عسره فلا يحبس. (وغرم) الحميل (إن لم يأت به): أي بالمفلس المجهول الحال (إلا أن يثبت) الحميل (عسره) فإن أثبته فلا يغرم لأنه إنما ضمنه ليثبت عسره (أو ظهر ملاؤه): عطف على "جهل حاله": أي يحبس إن كان ظاهر الملاء بالمد: أي الغنى بين الناس (إن تفالس): أي ادعى الفلس: أي العدم وأنه لا قدرة له على وفاء ما عليه إن لم يسأل الصبر بحميل حتى يثبت عسره (فإن وعد) غريمه (بالقضاء وسأل تأخير نحو اليومين، أجيب) لذلك ولا يحبس (إن أعطى حميلاً بالمال)، وقال ابن القاسم: أو حميلاً بالوجه فإنه يكفي. (وإلا) يأتي بحميل أو أتى بحميل بالوجه على قول سحنون لم يجب و (سجن كمعلوم الملاء) بالمد فإنه يسجن ويضرب حتى يؤدي ما عليه ما لم يأت بحميل غارم كما في المواق عن ابن رشد. (وأجل) المدين المعلوم الملاء، وكذا ظاهر الملاء إن وعد بالوفاء وطلب التأخير (لبيع عرضه إن أعطى حميلاً به): أي بالمال وإلا سجن، وليس للحاكم بيعه، بخلاف المفلس لأن المفلس قد ضرب على يديه ومنع من التصرف في ماله.

(وله): أي لرب الدين (تحليفه على عدم الناض) عنده من ذهب أو فضة إذا اتهمه بذلك ولم يعلم به (وإن علم به): أي بالناض وامتنع من دفعه (جبر على دفعه ولو بالضرب مرة بعد أخرى) ويسجن حتى يدفع ما عليه.

(فإن أثبت) المدين المجهول الحال أو ظاهر الملاء (عسره بشهادة بينة) تشهد (أنه لا يعرف له مال ظاهر ولا باطن) فشهادتها على نفي العلم ولا يصح أن تشهد على البت (وحلف كذلك) بأن يحلف

ــ

والأكل من ماله، خلافاً لأصبغ القائل بحرمة ذلك أيضاً. وأما من كان كل ماله حرام - وهو المستغرق الذمة - فتمنع معاملته ومداينته ويمنع من التصرف المالي وغيره، خلافاً لمن قال إنه مثل من أحاط الدين بماله فيمنع من التبرعات فقط. وماله - إذا لم يمكن رده لأربابه - يجب صرفه في منافع المسلمين العامة. واختلف إذا نزع منه ليصرف في مصالح المسلمين، هل يترك له منه شيء أو لا؟ والمعتمد أنه يترك له ما يسد رمقه ويستر عورته اهـ. من تقرير شيخ مشايخنا العدوي.

تنبيه: لو ورث المفلس أباه أو من يعتق عليه، بيع في الدين، ولا يعتق عليه بنفس الملك إن استغرقه الدين، وإلا بيع منه بقدره وعتق الباقي إن وجد من يشتري البعض، وإلا بيع جميعه ويملك باقي الثمن، لا إن وهب له فلا يباع عليه بل يعتق عليه بمجرد الهبة إن علم واهبه أنه يعتق عليه؛ لأنه إنما وهبه لأجل العتق. فلو لم يعلم أنه يعتق عليه - ولو علم بالقرابة كالأبوة - فإنه يباع في الدين ولا يعتق. اهـ. من الأصل.

قوله: [على مثل المفلس]: " على " زائدة فالمناسب حذفها والمعنى: لأن الناس لم يعاملوا مستغرق الذمم مثل معاملة المفلس. ويحتمل أنها ليست زائدة بل مجرورها محذوف تقديره على شيء. وقوله: " مثل المفلس " أي مثل الشيء الذي عاملوا عليه المفلس.

قوله: [وحبس المفلس]: مراده به المديان بدليل قوله: " إن جهل حاله " كان مفلساً بالمعنى الأخص أم لا كما هو الظاهر، لأن من جملة هذا التقسيم - كما يأتي - ظاهر الملاء ومعلومه وهما لا يفلسان بالمعنى الأخص وهذا هو الرابع من الأمور الخمسة وسيأتي في الشارح التنبيه على الخامس.

قوله: [إن جهل حاله]: أي هل هو ملي أو معدم لأن الناس محمولون على الملاء وهذا مما قدم فيه الغالب على الأصل وهو الفقر لأن الإنسان يولد فقيراً لا ملك له.

قوله: [لا إن علم عسره]: أي فلا يحبس لقوله تعالى. {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} [البقرة: 280].

قوله: [إلا أن يأتي بحميل]: قيد في المجهول حاله.

قوله: [بمال أو بوجه]: قال في التوضيح: لم يبين في المدونة هل الحميل بالوجه أو بالمال؟ والصواب أن يكون بالوجه، وأولى بالمال ولا يتعين أن يكون بالمال، قاله أبو عمران وجمهور الفقهاء من القرويين والأندلسيين.

قوله: [أو ظهر ملاؤه]: المراد بظاهر الملاء: من يظن به ذلك بسبب لبسه الفاخر من الثياب وركوبه لجيد الدواب وكثرة الخدم من غير أن يعلم حقيقة حاله.

قوله: [إن كان ظاهر الملاء بالمد]: أي وأما بالقصر مهموزاً: فهو الجماعة، وبلا همز: فالأرض المتسعة - كذا في الحاشية.

قوله: [إن لم يسأل الصبر بحميل]: أي بالمال أو بالوجه على الخلاف الآتي بين ابن القاسم وسحنون.

قوله: [وقال ابن القاسم] إلخ: قيل الحلف لفظي، فكلام ابن القاسم في غير الملد وكلام سحنون في الملد.

قوله: [ما لم يأت بحميل غارم]: أي ولا يكفيه الحميل بالوجه فقول الأصل ولا يقبل منه حميل أي بالوجه.

قوله: [وليس للحاكم بيعه]: أي بيع ماله.

قوله: [ومنع من التصرف]: أي ألزمه الحاكم ترك التصرف، فهو تفسير لمعنى الضرب.

قوله: [تحليفه على عدم الناض]: قال في التنبيهات: واختلف هل يحلف على عدم إخفاء الناض إذا لم يكن معروفاً به فقيل: يحلف، وقيل: لا. وقيل: إن كان من التجار حلف وإلا فلا. والخلاف في هذا مبني على الخلاف في توجه التهمة. اهـ.

قوله: [ولو بالضرب مرة بعد أخرى]: قال ابن رشد ولو أدى إلى إتلاف نفسه لكن

ص: 133

أنه لا يعلم له مال إلخ؛ إذ يحتمل أن له مالاً في الواقع ولا يعلم به. والمذهب عن ابن رشد: أنه يحلف على البت بأن يقول: ليس عندي مال إلخ (أنظر لميسرة) فلا يسجن ولا يطالب قبلها وتقدم أنه لا يلزم بتكسب ولا استشفاع ولا بنزع مال رقيق لم يبع عليه. (ورجحت بينة الملاء): أي الشهادة به على بينة العدم إن بينت السبب، بأن قالت: له مال قد أخفاه وكذا إن لم تبين على أحد القولين.

(وأخرج المجهول) الحال من الحبس (إن طال حبسه بالاجتهاد) من الحاكم بحيث يغلب على الظن أنه لو كان عنده مال ما صبر على الحبس هذه المدة، وهو يختلف باختلاف الأشخاص والدين قلة وكثرة. وأما ظاهر الملاء فلا يخرج إلا ببينة بعدمه على ما تقدم. ومعلوم الملاء يخلد في السجن حتى يغرم ما عليه أو يأتي بحميل غارم كما تقدم.

(وحبست النساء عند) امرأة (أمينة أو) امرأة (ذات أمين) من الرجال من زوج أو أب أو ابن، ولا بد أن تكون هي أمينة أيضاً (أو حبس [1] الجد): أي جاز حبسه لولد ابنه (و) حبس (الولد لأبيه): في دين أو غيره (لا العكس): أي لا يحبس والد لولده. (كاليمين) فللوالد أن يحلف ولده في حق لا العكس (إلا) اليمين (المنقلبة) من الولد على والده؛ كأن يدعي على ابنه بحق فأنكر ولم يحلف الابن لرد دعوى والده فردت على الأب فيحلف الأب ليأخذ حقه (أو) اليمين (المتعلق بها حق غيره): أي غير الولد؛ كدعوى الأب ضياع صداق ابنته بلا تفريط منه، وخالفه زوجها وطلبه بجهازها؛ فيحلف الأب أنه ضاع منه بلا تفريط لحق الزوج. وكذا يحلف الأب إذا ادعى قبل سنة من دخولها أنه أعارها شيئاً من جهازها كما تقدم.

(ولا يخرج) المسجون في حق شرعي أي لا يجاب ولا يقضى بخروجه (لعيادة قريب) له (كأبيه) وابنه وزوجته ولو قرب (ولا جمعة وعيد، و) لا يخرج لأجل (عدو) معه في الحبس لأن القصد من الحبس التشديد (إلا لخوف تلفه) بقتل أو أسر (فمكان آخر) يخرج له فيحبس فيه.

ثم شرع في بيان الحكم الخامس من أحكام الحجر فقال:

ــ

لا يقصد الحاكم إتلافه فإن قصده اقتص منه.

قوله: [أنه لا يعلم له مال]: الأوضح بناء " يعلم " للفاعل ونصب " مالاً ".

قوله: [والمذهب عند ابن رشد أنه يحلف على البت]: أي وعليه اقتصر ابن عرفة ورجح ابن سلمون أنه يحلف على نفي العلم ومشى عليه خليل باحتمال أنه يكون له مال لا يعلمه بكإرث أو وصية فتحصل أن في اليمين قولين وأما الشهادة فهي على نفي العلم على كل.

قوله: [ورجحت بينة الملاء] إلخ: يعني أن المدين إذا شهد عليه قوم بالملاء وشهد له قوم بالعدم فإن بينة الملاء تقدم إن بينت سبب الملاء بأن عينت ما هو مليء بسببه سواء بينت بينة العدم السبب أم لا.

قوله: [وكذا إن لم تبين على أحد القولين]: قال بعضهم: الذي به العمل تقديم بينة الملاء وإن لم تبين سببه، والقاعدة تقديم ما به العمل. فإن قيل شهادة بينة الملاء مستصحبة - لأن الغالب الملاء وبينة العدم ناقلة وهي مقدمة على المستصحبة. وأجيب بأن الناقلة هنا شهدت بالنفي، وبينة الملاء مثبتة والمثبت مقدم على النافي فالقاعدة الأولى التي هي تقديم الناقلة على المستصحبة مقيدة بما إذا لم تشهد الناقلة بالنفي والمستصحبة بالإثبات كما قرره شيخ مشايخنا العدوي.

قوله: [وأخرج المجهول الحال] إلخ: أي بعد حلفه أنه لا مال له ظاهر ولا باطن وإن وجد مالاً ليقضين الغرماء حقهم كما قيد به شراح خليل.

قوله: [أو يأتي بحميل غارم]: أي أو تشهد له بينة بذهاب ماله.

قوله: [عند امرأة أمينة]: أي بحيث لا يخشى على النساء منها. وأما الأمرد البالغ والخنثى المشكل فيحبس كل وحده أو عند محرم. وغير البالغ لا يحبس.

قوله: [امرأة ذات أمين]: إنما قدر الشارح امرأة ليفيد اشتراط الأمانة فيها أيضاً مع عدم الانفراد فقوله أو ذات أمين عطف على ذلك المحذوف.

قوله: [لا العكس]: أي فالوالد - أباً أو أماً - لا يحبس لولده ولو ألد بدفع الحق والمراد الأب والأم نسباً لا رضاعاً وأما رضاعاً فيحبس لدين ولده من الرضاع. قال مالك وإن لم يحبس الوالدان فلا أظلم الولد لهما، فيجب على الإمام أن يفعل بهما ما يفعل بالملد من الضرب وغيره كالتقريع، لأن ذلك ليس لحق الولد بل لحق الله تعالى ردعاً وزجراً وصيانة لأموال الناس. ولا يقال: إن الضرب أشد من الحبس فمقتضى كونهما لا يحبسان أنهما لا يضربان، لأننا نقول: الحبس لدوامه أشد من الضرب - قاله في الحاشية.

قوله: [في حق لا العكس]: أي ليس للولد أن يحلف الوالد لأنه عقوق ولا يقضى للولد بتحليف والده إذا شح الوالد وكذلك ليس له حده إن قذفه لأن الحد أشد من اليمين هذا هو قول مالك في المدونة. وروي عن ابن القاسم أنه يقضى للولد بتحليف والده في حق يدعيه عليه ويحده ويكون بذلك عاقاً ولا يعذر فيه بجهل، وهو بعيد؛ فإن العقوق من الكبائر ولا ينبغي أن يمكن أحد من ذلك. وعلى هذا القول الضعيف مشى خليل في باب الحدود حيث قال: وله حد أبيه وفسق.

قوله: [كأن يدعي على ابنه بحق]: أي وأما لو ادعى الولد على أبيه بحق وأقام شاهداً

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (وحبس)، ولعلها الصواب كما في أقرب المسالك.

ص: 134

(وللغريم) رب الدين (أخذ عين ماله) الذي باعه للمفلس قبل فلسه عرضاً أو مثلياً أو حيواناً (المحوز) من حاز، ولا يقال: أحاز فهو محاز (عنه): أي عن الغريم (في الفلس) حيث ثبت ببينة أو إقرار من المفلس قبل فلسه (لا) في (الموت): فليس له أخذ عين ماله إن وجده لخراب ذمة الميت بل يكون في ثمنه أسوة الغرماء (ولو) كان عين ماله (مسكوكاً) فله أخذه في الفلس عند ابن القاسم حيث عرف بطبع عليه ونحوه ومحل أخذ عين ماله (إن لم يفده الغرماء) بدفع ثمنه للغريم (ولو بمالهم) فأولى بمال المفلس، فإن فدوه فليس له أخذه (ولم ينتقل) عن أصله بناقل؛ كأن ينتقل الحب (بكطحن حنطة) مثلاً، وأدخلت الكاف: البذر والقلي والعجن والخبز ونحوها؛ فليس له أخذه بعد النقل (وتسمين زبد): أي جعله سمناً (وتفصيل شقة) ثوباً (وذبح) لحيوان (وتتمر رطب): أي جعله تمراً (وخلط) لشيء (بغير مثل) كخلط عسل بسمن أو زيت أو قمح جيد بعفن، وأما خلطه بمثله فغير مفوت (وعمل الخشبة باباً) مثلاً. (بخلاف تعييبها بسماوي): أي بلا فعل فاعل فله أخذها والحصاص. وخيرته بين أخذها والحصاص تنفي ضرره (أو) حصل التعييب (من المشتري) المفلس، (فله أخذها): أي سلعته ولو قال أخذه كان أوضح (ولا أرش له) إن أخذها في نظير العيب عادت السلعة لهيئتها أم لا. (كالأجنبي): أي كما لو عيبها أجنبي: أي غير المشتري (وعادت لهيئتها الأولى) فله أخذها ولا أرش له ولو كان المشتري أخذ أرشاً قبل عودها.

(وإلا) تعد لهيئتها (فبنسبة نقصها): أي فله أخذها بنسبة نقصها بذلك العيب عن الثمن الذي باعها به كما لو باعها بعشرة ويوم أخذها معيبة تساوي ثمانية فإما أن يأخذها ويحاصص الغرماء باثنين أو يتركها ويحاصص بجميع الثمن.

(وله): أي للغريم

ــ

ولم يحلف الولد معه فردت اليمين على الأب؛ فهل يحلف الأب لرد شهادة الشاهد؟ وهو ما قاله (عب) قال (بن) وهو غير صواب، فقد صرح ابن رشد بأن مذهب المدونة أن الأب لا يحلف في شيء مما يدعيه الولد عليه ونصه: وقال مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وسحنون إنه لا يقضى بتحليفه أباه ولا يمكن من ذلك إن دعا إليه وهو أظهر الأقوال لقول الله عز وجل {ولا تنهرهما وقل لهما} [الإسراء: 23] الآية، ولما جاء أنه:«ما بر والديه من شد النظر إليهما أو إلى أحدهما» ، وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال:«لا يمين للولد على والده» ويشهد لصحته قوله صلى الله عليه وسلم: «أنت ومالك لأبيك» . وأما إن ادعى الوالد عليه دعوى فنكل عن اليمين وردها عليه أو: كان له شاهد على حقه عليه فلا اختلاف في أنه لا يقضى له عليه في الوجهين إلا بعد يمينه. اهـ. باختصار.

قوله: [وللغريم] إلخ: أي وله إبقاؤه للمفلس، ويحاصص مع الغرماء بثمنه وإذا أراد أخذه فلا يحتاج لحكم إذا لم ينازعه الغرماء.

قوله: [من حاز]: أي فهو ثلاثي كقال، فاسم المفعول منه محوز كمقول وأصله محووز استثقلت الضمة على الواو فنقلت إلى الساكن قبلها.

قوله: [ولا يقال أحاز]: أي فيكون رباعياً كأجاز فهو مجاز فاسم المفعول منه مجاز. وأصله محوز بضم الميم وسكون الحاء وفتح الواو نقلت فتحة الواو إلى الساكن قبلها فقلبت الواو ألفاً لتحركها بحسب الأصل وانفتاح ما قبلها الآن كما لا يخفى.

قوله: [قبل فلسه]: أي وأما إقراره بعد الفلس فاختلف فيه على أربعة أقوال: القبول مع يمين صاحب السلعة، وبدون يمين وعدمه مطلقاً، ويحلف الغرماء أنهم لا يعلمون أنها سلعته، والرابع إن كان على الأصل بينة قبل قوله في تعيينها وإلا لم يقبل، وهي رواية أبي زيد عن ابن القاسم.

قوله: [لخراب ذمة الميت]: أي بخلاف المفلس فإن الذمة موجودة في الجملة ودين الغرماء متعلق بها.

قوله: [ونحوه]: أي كبينة لازمت القابض لها حتى حصل الفلس ورد ب "لو" على أشهب حيث قال: لا يرجع في دراهمه المسكوكة بل يحاصص بها لأن الموجود في الأحاديث من وجد سلعته أو متاعه والنقد لا يطلق عليه ذلك وحجة ابن القاسم قياس الثمن على المثمن.

قوله: [بكطحن حنطة]: تمثيل للمنفي، وإنما كان الطحن ناقلاً هنا - مع أنه تقدم في الربويات أنه غير ناقل على المشهور - لأن النقل هنا عن العين وهو يكون بأدنى شيء، والنقل فيما تقدم عن الجنس ولا يكون إلا بأقوى شيء، فلا تلازم بين البابين.

قوله: [وذبح لحيوان]: أي ولا يجوز التراضي على أخذه بعد الذبح لما فيه من القضاء عن الحيوان بلحم من جنسه وكذا أخذ السمن غير الزبد وكذا التراضي على التمر بدل الرطب والدقيق بدل القمح، فيمنع جميع ما ذكر لما فيه من القضاء على ثمن الطعام طعاماً من جنسه، وهو لا يجوز بخلاف التراضي على أخذ الثوب بدل الشقة والباب بدل الخشبة فجائز.

قوله: [ولو قال أخذه كان أوضح]: ومثل ذلك يقال في قوله: بخلاف تعيينها ولهيئتها ونقصها، ولكنه أنث في هذه المواضع نظراً لذات الشيء.

قوله: [ولو كان المشتري أخذ أرشاً]: استشكل بأنه لا يدفع أرش جرح إلا بعد البرء على شين وحينئذ، فلا يتصور الأرش وإذا

ص: 135

(رد بعض ثمن قبض) من المفلس قبل التفليس وأخذ عين سلعته وله تركها والمحاصة بما بقي له (و) له إن باع متعدداً من السلع أو مثلياً كإردب قمح وفات بعضه عند المفلس والبعض باق (أخذ البعض) الباقي (وحاص بالفائت): أي بما ينوبه من الثمن مفضوضاً عن القيم. وإن شاء ترك ما وجد وحاص بجميع الثمن أو بالباقي منه إن كان قبض بعضاً، لكن لا بد من رد مناب الفائت؛ كما لو باع عبدين بعشرين وقبض منها عشرة وخرج من يد المشتري أحدهما ببيع أو غيره ثم فلس وأراد الغريم أخذ العبد الباقي فليس له أخذه حتى يرد من العشرة المقبوضة خمسة حيث تساوت قيمتهما لأن العشرة المقبوضة مفضوضة عليهما. (و) له (أخذها مع ولد حدث) لها عند المفلس، وسواء كانت الأم عاقلة أم لا اشتراها المفلس حاملة أم لا. وله المحاصة بجميع ثمن الأم إن لم يكن قبض بعضه ووجه أخذ الولد فيما اشتراها المفلس غير حامل أن الأخذ نقض للبيع. (أو) أخذها مع أخذ (صوف تم حين البيع أو) مع أخذ (ثمرة أبرت) فأولى لو طابت حين البيع جز الصوف أو الثمرة أم لا على قول ابن القاسم. (وإلا) يتم الصوف ولا أبرت الثمرة (فللمفلس): أي فهما للمفلس. (كالغلة) فإنها للمفلس من سمن ولبن وأجرة عمل، وهذا إن جز الصوف أو الثمرة فإن كانا باقيين على أصلهما أخذهما البائع ورجع المفلس عليه بالنفقة على الأصول.

(والصانع) كخياط ونجار إذا عمل ما بيده ففلس رب الثوب مثلاً أو مات (أحق ولو بموت ما بيده) حتى يستوفي منه أجرته لأنه تحت يده كالرهن. وإن فلس قبل عمله فهو بالخيار، إما أن يرده الصانع ويفسخ الإجارة، وإما أن يعمل ويحاصص. (وإلا) يكن تحت يده -بأن رده لربه قبل فلسه - أو كان لا يحاز كالبناء أو كان يصنع الشيء عند ربه ويتركه عنده- (فلا) يكون أحق به، بل تتعين المحاصة. وهذا إذا لم يضف لصنعته شيئاً، فإن أضاف كصباغ يصبغ الثوب بصبغه ورقاع يرقع الفراء أو غيرها برقاع من عنده، فإنه يشارك بقيمة ما زاده من عنده، وأما قيمة عمله، فيكون بها أسوة الغرماء في الفلس. وأما في الموت فيحاصص بهما معاً لخراب الذمة وقوله:"والصانع أحق" إلخ ظاهره ولو حياكاً فيما نسجه وهو المعتمد، خلافاً لاستثناء الشيخ له. وشبه بقوله:(وإلا فلا) قوله: (كأجير رعي) لغنم أو غيرها (ونحوه) كحارس زرع أو أمتعة يفلس ربها، فلا يكون الأجير أحق بها بل يحاصص الغرماء بماله من الكراء (والمكتري) لدابة أو غيرها يفلس أو يموت ربها أحق (بالمعينة) من الغرماء حتى يستوفي من منافعها ما نقده من الكراء قبضت قبل الفلس أو الموت أو لا، لقيام تعيينها مقام قبضها (كغيرها): أي غير المعينة يكون المكتري أحق بها في الموت والفلس

ــ

عاد لهيئته. وقد يجاب بأنه يتصور في الجراحات الأربعة؛ فإن فيها ما قرره الشارع سواء برئت على شين أم لا. والفرق بين جناية المشتري والأجنبي حيث جعلتم الخيار للبائع في جناية المشتري عاد المبيع لهيئته أم لا. وأما في الأجنبي فالخيار له على الوجه المذكور إذا عاد المبيع لهيئته فقط أن جناية المشتري حاصلة على ما في ملكه فليس فيها تعد فأشبهت السماوي بخلاف جناية الأجنبي.

قوله: [رد بعض ثمن]: أي سواء اتحد المبيع أو تعدد. وحاصله: أنه لو باع سلعة أو سلعتين بعشرة مثلاً فقبض منها خمسة ثم فلس المشتري فوجد البائع مبيعه قائماً فهو مخير؛ إما أن يحاصص بالخمسة الباقية، وإما أن يرد الخمسة التي قبضها ويأخذ سلعته.

قوله: [مفضوضاً عن القيم]: أي قيم السلع.

قوله: [فيما اشتراها] إلخ: "ما" واقعة على أم أي في الأم التي اشتراها المفلس واشتراها صلة ما.

قوله: [نقض للبيع]: أي فكأنها ولدته في ملك البائع

قوله: [على قول ابن القاسم] أي في المدونة. ولأشهب في المدونة أيضاً: أن الصوف إذا جزه المشتري غلة ليس للبائع حينئذ فيخير البائع بين أخذ الغنم مجزوزة بجميع الثمن أو بتركها ويحاصص الغرماء بجميعه.

قوله: [أي فهما للمفلس]: قال (بن) ولا اختلاف في هذا.

قوله: [أحق ولو بموت ما بيده]: المبالغة هنا لدفع توهم أن هذه المسألة مقيدة بالفلس كالتي قبلها لا للرد على خلاف المذهب إذ ليس في هذه المسألة خلاف.

قوله: [فهو بالخيار]: الضمير عائد على الصانع. فقوله: "إما أن يرده الصانع" الأولى حذف لفظ الصانع لإيهامه خلاف المراد.

قوله: [وإما أن يعمل ويحاصص]: محل ذلك إن اختار العمل والحصاص من نفسه فإن أمره الغرماء بالعمل فالأجرة كلها لازمة لهم.

قوله: [كالبناء]: أي والنجار فإن صنعتهما في بيت رب الشيء.

قوله: [بل تتعين المحاصة]: أي في الموت والفلس.

قوله: [وهذا إذا لم يضف لصنعته شيئاً] إلخ: شرط في قوله: "فلا يكون أحق به".

قوله: [بصبغه]: هو بالكسر بمعنى الشيء الذي يصبغ به لا بالفتح الذي هو الفعل لأنه ليس مراداً هنا.

قوله: [بقيمة ما زاده]: أي بأن يقوم بانفراده قبل دخول الصنعة فيه.

قوله: [خلافاً لاستثناء الشيخ له]: أي بقوله إلا النسج فكالمزيد لأنه قول ضعيف، والمعتمد أنه ليس مثله بل كعمل اليد.

ص: 136