الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وحكم) الحاكم (بغائب): أي بشيء غائب عن بلد الحكم ولو كان في غير محل ولايته (يتميز) نعت لـ "غائب" أي: إذا كان الغائب يتميز (بالصفة) من حيوان؛ كعبد وغيره كثوب (ولو عقاراً) من سائر المقومات. ولا يطلب حضوره، فلو كان لا يتميز بالصفة كقطن وحرير، فإن شهدت البينة بقيمته -سواء كان من المقومات أو المثليات- حكم به أيضاً، وإلا فلا. وإنما اعتبرت القيمة في المثلي للجهل بصفته. واحترز بالغائب من الحاضر في البلد، فلا بد من إحضاره مجلس الحكم بتميزه بالصفة أم لا، إلا أن يعسر إحضاره فلا بد من بينة الحيازة. وإذا كان له الحكم بالغائب -ولو عقاراً- (فالدعوى حيث المدعى عليه على الأرجح) فلا عبرة بقوله: حتى تحضر محل المدعى به، فللطالب إقامة الدعوى على خصمه حيث وجده.
وقيل: محل الدعوى حيث المدعى به فيجاب المدعى عليه إذا طلب الدعوى فيه. والخلاف في العقار وغيره من المعينات. وأما الدين فحيث المدعى عليه اتفاقاً. والخلاف فيما إذا كان المدعى عليه متوطناً بغير ولاية القاضي فدخل بلد القاضي فتعلق به خصمه. وأما قاضي بلده فيحكم عليه وهو غائب إذا كان الغيبة بعيدة جداً ولو في استحقاق العقار أو متوسطة في غير استحقاق العقار، والقريب كالحاضر وقد تقدم الكلام على ذلك. وأما متوطن ببلد القاضي ادعى عليه بغائب فهو داخل تحت قولنا:"وحكم بغائب يتميز بالصفة"(ومكن مدع لغائب بلا توكيل) له من الغائب بل حسبة لله (إن خيف ضياع المال) أي مال الغائب، بأن كان من له المال غائباً فخاف حاضر أن يضيع ماله فرفع الحاضر الأمر للقاضي وادعى عن الغائب حسبة لحفظ مال الغائب فيمكن من الدعوى عند ابن القاسم. وقال ابن الماجشون: لا يمكن. (ولا حكم له): أي للقاضي (بغير ولايته): بل هو كآحاد الناس والله أعلم.
(باب)
في الشهادة
وما يتعلق بها من الأحكام
وتطلق لغة على الإعلام وعلى الحضور، نحو: شهد زيد مجلس القوم. وعلى العلم نحو: "شهد الله أنه لا إله إلا هو"
ــ
قوله: [حكم الحاكم بغائب] إلخ: حاصله أن المدعى به إذا كان غائباً عن بلد الحكم وهو مما يتميز بالصفة في غيبته كالعقار والعبيد والدواب والثياب فإنه لا يتوقف الحكم على حضوره، بل تميزه البينة بالصفة ويصير حكمه حكم الدين على المشهور، فإذا ادعى زيد على عمرو وهما برشيد مثلاً أن له عنده كتاباً مثلاً بالجامع الأزهر وشهدت البينة أن الكتاب الفلاني الذي صفته كذا ملك لذلك المدعي، فإن القاضي يحكم له به كما يحكم بالدين المتميز بالصفة، وإن كان تمييزه نوعياً لا شخصياً كما إذا شهدت البينة أن له عنده في ذمته من المحابيب أو الريالات كذا أو أن له عنده إردب قمح سمراء أو محمولة قدرها كذا فإنه يحكم له بذلك.
قوله: [حكم به أيضاً]: أي بما ذكر من القيمة لا بالمقوم كما هو ظاهره، ولو قال حكم بها أيضاً كان أولى.
قوله: [فلا بد من إحضاره مجلس الحكم]: هكذا قال الشارح تبعاً للخرشي قال في الحاشية: ليس بشرط، والمناسب أن لو قال فلا بد من الشهادة على عينه كما أفاده بعض من حقق.
قوله: [فلا بد من بينة الحيازة]: انظر ما معنى هذه العبارة.
قوله: [على الأرجح]: أي وبه العمل وهو قول مطرف وأصبغ وسحنون.
قوله: [من المعينات]: أي ولو مثليات.
قوله: [حسبة]: بكسر الحاء وسكون السين على وزن قربة.
قوله: [فيمكن من الدعوى عند ابن القاسم] إلخ: محل القولين إذا كان من يريد الدعوى لا حق له في ذلك المال ولا ضمان عليه فيه، أما ما له فيه حق كزوجة الغائب وأقاربه الذين تلزمه نفقتهم فيمكنون من الدعوى اتفاقاً، وكذلك إذا كان عليه فيه ضمان كمستعير لما يغاب عليه ومرتهن كذلك وحميل مدين أراد فراراً أو سفراً بعيداً فإنه يمكن من الدعوى اتفاقاً.
قوله: [بل هو كآحاد الناس]: أي فقاضي رشيد لا حكم له بصوم مثلاً في إسكندرية كان في محل ولايته أو نازلاً بها، فلو أرادت امرأة التزوج وليس لها ولي إلا القاضي فلا يزوجها إلا القاضي الذي هو بمحل ولايته؛ مثلاً لو كانت امرأة بإسكندرية لا ولي لها إلا القاضي فلا يزوجها قاضي رشيد وإنما يزوجها قاضي إسكندرية، وإن كان قاضي رشيد نازلاً بإسكندرية بل هو كعامة المسلمين وكل هذا ما لم ترتحل المرأة لمحل ولايته وتريد التزوج بها وإلا فالحق له، وقس على هذا. واعلم أن محل ولاية قاضي القاهرة جميع البلاد التي لم يكن لها قاض مستقل من السلطان فجميع البلاد التي تأخذ قضاتها النيابة منه يقال لها: محل ولايته.
تتمة: يجلب القاضي الخصم بخاتم أو رسول أو ورقة أو أمارة إن كان على مسافة القصر فأقل بمجرد الدعوى عليه، فإن كان على أكثر من مسافة القصر والحال أنه بمحل ولايته وأراد جلبه فلا يلزمه الحضور لدعوى المدعي إلا بشاهد يشهد بالحق فيجلبه ولكن لا يجبره على ذلك وإنما يكتب له إما أن تحضر أو توكل أو ترضي خصمك فإن لم تفعل قضينا عليك.
باب في الشهادة
أي في شروطها وقوله: [وما يتعلق بها من الأحكام]: أي المسائل قوله: [وتطلق لغة على الإعلام وعلى الحضور]: قال في التنبيهات: الشهادة معناها البيان وبه سمي الشاهد أي لأنه يبين الحكم والحق من
وهي عرفاً: إخبار عدل حاكماً بما علم ولو بأمر عام ليحكم بمقتضاه، فقد لا تتوقف على تقدم دعوى؛ كإعلام العدول برؤيتهم الشهر فيحكم بثبوتها. ويترتب على حكمه أمور، كوجوب الصيام والوقوف بعرفة وتمام عدة أو كفارة أو تمام أجل لدين ونحو ذلك: وقولهم: حكم الحاكم يتوقف على دعوى صحيحة، مرادهم في المعاملات والخصومات؛ كالدين والقذف والقتل والعتق والنسب، وقد لا يتوقف؛ كرؤية الهلال وشرب الخمر والزنا، فإن البينة تكفي في ذلك وإن لم تتقدم دعوى من غيرها.
وأشار بشرط الشهادة بقوله: (شرط) صحة (الشهادة) عند الحاكم (العدالة) وهي الاتصاف بما يأتي ذكره (والعدل) هنا (الحر) ولو أنثى في بعض الأمور؛ كالمال والولادة فلا تصح شهادة رقيق ولو ذكراً. (المسلم) فلا تصح شهادة كافر ولو لكافر على كافر. (البالغ): فلا تصح من صبي إلا إذا شهد الصبيان بعضهم على بعض في القتل بشروط تأتي. (العاقل) فلا تصح من معتوه ومجنون لعدم ضبطه.
(بلا فسق) بجارحة؛ فلا تصح من الزاني والشارب والسارق ونحوهم وكذا مجهول الحال. (و) بلا (حجر) عليه لسفه فلا تصح من سفيه محجور عليه. (و) بلا (بدعة) ولو تأول (كقدري) وخارجي.
ــ
الباطل، وهو أحد معان تثنيته شاهدان وإليه أشار بعضهم في معنى قوله تعالى:{شهد الله أنه لا إله إلا هو} [آل عمران: 18] أي بين، وقيل هي فيها بمعنى العلم انتهى قوله:[وهي عرفا إخبار عدل إلخ]: تعرض لتعريفها اصطلاحاً للرد على ابن عبد السلام القائل لا حاجة لتعريف حقيقتها لأنها معلومة، ورده ابن عرفة بقول القرافي أقمت ثمان سنين أطلب الفرق بينها وبين الرواية وأسأل الفضلاء عنه بتحقيق ماهية كل منهما فيقولون: الشهادة يشترط فيها التعدد والذكورة والحرية فأقول لهم اشتراط ذلك فرع تصورها حتى طالعت شرح البراهين للمازري فوجدته حقق المسألة فقال: هما خبران غير أن المخبر عنه إن كان عاماً لا يختص بمعين فالرواية كخبر: " إنما الأعمال بالنيات "، و:" الشفعة فيما ينقسم " بخلاف قول العدول عند الحاكم لهذا على هذا كذا إلزام لمعين لا يتعداه فالشهادة، ابن عرفة: حاصل ما قرره المازري أن الشهادة هي الخبر المتعلق بجزئي والرواية المتعلق بكلي وهو مردود بأن الرواية قد تتعلق بجزئي كخبر: «يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة» وخبر تميم الداري في السفينة التي لعب بهم الموج فيها وذكر قصة الدجال إلى غيرها من أحاديث متعلقة بجزئي وكآية: {تبت يدا أبي لهب} [المسد: 1] ونحوها كثير انتهى.
إذا علمت ذلك فالحق في الفرق ما قاله (بن) وهو أن الخبر إما أن يقصد أن يرتب عليه فصل قضاء وإبرام حكم أم لا، فإن قصد به ذلك فهو الشهادة وإن لم يقصد به ذلك فإما أن يقصد به تعريف دليل حكم شرعي يشرعه أو لا فإن قصد به ذلك فهو الرواية وإلا فهو سائر أنواع الخبر انتهى وتعريف شارحنا يفيد ذلك. وقوله:"إخبار عدل" من إضافة المصدر لفاعله و "حاكماً" مفعوله وقوله: [بما علم]: أي إخبار ناشئ عن علم لا عن ظن أو شك. وهل يشترط في تأدية الشهادة لفظ أشهد بخصوصه أو لا يشترط؟ قولان: أظهرهما عدم الاشتراط بل المدار فيها على ما يدل على حصول علم الشاهد بما شهد به كرأيت كذا أو سمعت كذا أو لهذا عند هذا كذا فلا يشترط لأدائها صيغة معينة قوله: [حاكماً]: أي أو محكماً قوله: [ولو بأمر عام]: رد بالمبالغة على المازري ومن وافقه حيث خصوها بالجزئي. قوله: [كإعلام العدول برؤيتهم الشهر]: مثال للأمر العام. قوله: [يتوقف على دعوى]: أي على تقدم دعوى. قوله: [مرادهم في المعاملات إلخ]: أي من كل أمر لم يتمحض الحق فيه لله، وأما الأمور التي تمحض الحق فيها لله فلا تتوقف الشهادة فيها على تقدم دعوى، كما أفاده بعد، لأن الشهادة فيها حسبة فعليه أن يشهد وإن لم يستشهد.
قوله: [من غيرها]: أي من غير تلك البينة.
قوله: [بما يأتي ذكره]: أي وهي التي شرع فيها بقوله: "والعدل الحر" إلخ، ولو قال: وهي الاتصاف بما ذكره بقوله إلخ لكان أظهر.
قوله: [هنا]: يحترز به عن العدالة عند المحدثين فإنه لا يشترط فيها الحرية.
وقوله: [الحر]: أي ولو عتيقاً لكن إن شهد لمعتقه فله شرط آخر وهو التبريز.
قوله: [في بعض الأمور]: راجع للمبالغ عليه أي فالأنثى تعد من العدول وتقبل شهادتها في بعض الأمور التي مثل لها.
قوله: [والولادة]: أي ونحوها من كل ما لا يظهر للرجال.
قوله: [فلا تصح شهادة رقيق]: أي من فيه شائبة رق ولو قلت.
قوله: [ولو لكافر على كافر]: أي خلافاً لأبي حنيفة والشافعي حيث، قالا: يجوز شهادة الكافر على مثله.
قوله: [بشروط تأتي]: أي في قوله "وجاز شهادة الصبيان بعضهم على بعض في جرح وقتل فقط" إلخ.
قوله: [العاقل]: أي حال التحمل والأداء معاً. بخلاف الحرية والإسلام والبلوغ فتشترط حال الأداء لا حال التحمل.
قوله: [وكذا مجهول الحال]: إنما خرج مجهول الحال بقوله "بلا فسق"، لأن الأصل في الناس الجرحة فيستصحب الأصل إلا لدليل يثبت الضد.
قوله: [فلا تصح من سفيه محجور عليه]: أي لأنه مخدوع. ومفهوم قوله: "محجور عليه" أن شهادة السفيه الغير المحجور عليه صحيحة.
قوله: [كقدري وخارجي]: القدري هو القائل بأن الأسباب تؤثر بقوة أودعها الله فيها وهو عاص وفي كفره قولان
(ذو المروءة) وهي: كمال النفس بصونها عما يوجب ذمها عرفاً ولو مباحاً في ظاهر الحال، كأكل بسوق لغير أهله، ولذا قال:(بترك) أي بسبب ترك شيء (غير لائق من لعب بكحمام) بتخفيف الميم: هو الطير المعروف، وأدخلت الكاف غيره من الحيوان الذي يلعب به طيراً أو غيره: كالعصافير وتيوس الغنم. (وشطرنج) والشطرنج بالشين المعجمة وبالمهملة مكسورة ومفتوحة وقيل الفتح من لحن العوام وسيجة وطاب ونرد ومنقلة بلا قمار، وإلا فهو من الكبائر لأنه من أكل أموال الناس بالباطل، وهو داخل في الفسق. (و) بترك (سماع غناء) متكرر إذا لم يكن بقبيح القول أو بآلة، وإلا حرم، ولو في عرس وكان من الفسق.
(و) بترك (سفاهة) من القول، كالهزل الخارج عن عرف أهل الكمال من المجون والدعابة. (و) بترك (صغيرة خسة): كتطفيف بحبة وسرقة لقمة ونحوها، إذ فاعل ذلك لا مروءة عنده، ومما يخل بها: الرقص والصفق بالأكف بلا موجب يقتضيه، وكذا سائر اللعب. إلا ما استثناه الشارع كالمسابقة، واللعب مع الزوجة والطفل الصغير إذا لم يكثر، والكلام في اللعب بما ذكر، إنما هو إذا أدمن ذلك. قال الأبهري في الفرق بين الإدمان وعدمه: إن الإنسان لا يسلم من يسير اللهو فالعدل المذكور تقبل شهادته. (وإن) كان (أعمى في القول) وقال أبو حنيفة والشافعي: لا تقبل فيه. ومثل القول غيره مما عدا المبصرات، كالمشمومات والملموسات. وإنما بالغ على القول لأنه محل الخلاف
ــ
والمعتمد عدمه، والخارجي هو الذي يكفر بالذنب ولا فرق بين كونه متعمداً للبدعة أو متأولاً لأنه لا يعذر بالتأويل وهو فاسق، وفي كفره قولان أيضاً والمعتمد عدمه.
قوله: [ذو المروءة]: هو بضم الميم وفتحها مع الهمزة وبغيرها مع تشديد الواو. ففيها أربع لغات وإنما اشترطت المروءة في العدالة لأن من تخلق بما لا يليق وإن لم يكن حراماً جره ذلك لعدم المحافظة على دينه واتباع الشهوات. واعلم أنه إذا تعذر وجود العدل الموصوف بتلك الأوصاف كما في زماننا هذا اكتفي بالحر المسلم البالغ العاقل المستور الحال الذي لا يعرف عليه فسق، وقيل: يؤمر بزيادة العدد.
قوله: [لغير أهله]: الضمير عائد على السوق أي فأهل السوق الجالسون فيه لا يخل بمروءتهم الأكل فيه للضرورة.
قوله: [من لعب بكحمام]: أي وإن لم يكن محرماً كاللعب به على وجه المسابقة لأنه يخل بالمروءة وقد روى أبو داود بسنده عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «رأى رجلا يتبع حمامة فقال: شيطان يتبع شيطانة» .
قوله: [وتيوس الغنم]: أي لأنه ورد في الحديث النهي عن التحريش بين البهائم كتسليط الكباش بعضها على بعض ونحو ذلك.
قوله: [وشطرنج]: في (بن) قال ابن غازي قال أبو عبد الله بن هشام اللخمي في لحن العامة يقولون شطرنج بفتح الشين، وحكى ابن جني أن الصواب كسرها على بناء جردحل وذكر قبل ذلك أنه يقال بالشين وبالسين لأنه إما مشتق من المشاطرة أو التسطير انتهى. وفي المجموع نقلا عن (ح) أنه معرب ششرنك ومعناه ستة ألوان: الشاة والفرز والفيل والفرس والرخ والبيدق، فعلى هذا لا يقال مشتق من المشاطرة بالمعجمة ولا من التسطير بالإهمال على ما في (بن) انتهى، والمذهب أن لعبه حرام وقيل مكروه، وفي (ح) قول بجواز لعبه في الخلوة مع نظيره لا مع الأوباش، وعلى كل من القول بالحرمة والكراهة ترد الشهادة بلعبه لكن عند الإدامة لقول ابن رشد لا خلاف بين مالك وأصحابه أن الإدمان على اللعب بها جرحة وإنما اشترط الإدمان في الشطرنج دون ما عداه من النرد والطاب والمنقلة لاختلاف الناس في إباحته. بخلاف غيره فجرحة مطلقاً.
قوله: [بلا قمار]: أي بلا أخذ مال في لعبه.
قوله: [أو بآلة]: أي كعود وقانون.
قوله: [وإلا حرم]: أي بأن تخلف شرط من هذين الشرطين كان حراماً ولو في الأعراس، وهل ترد به الشهادة ولو فعله مرة في السنة؟ وهو ما للتتائي أو لا بد من التكرر في السنة وهو ما يفيده المواق وتقدم هذا المبحث في الوليمة مستوفى.
قوله: [كالهزل الخارج عن عرف أهل الكمال]: أي كما إذا كان يضحك القوم بالأكاذيب لما في الحديث: «ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ويل له» .
قوله: [من المجون والدعابة]: بيان لمعنى الهزل فمن ذلك النطق بألفاظ الخنا في المجالس.
قوله: [كتطفيف بحبة]: ظاهره أنها صغيرة مطلقاً ولو كان المسروق منه فقيراً وقيد بعضهم ذلك بأن لم يكن المسروق منه فقيراً وإلا كان كبيرة.
قوله: [فالعدل المذكور]: دخول على كلام المصنف.
قوله: [في القول]: أي تقبل شهادته في الأقوال مطلقاً سواء تحملها قبل العمى أم لا لضبطه الأقوال بسمعه.
قوله: [وقال أبو حنيفة والشافعي] إلخ: لكن عند الحنفية لا تقبل مطلقاً ولو تحملها قبل العمى وعند الشافعي ما لم يتحملها قبل العمى وإلا قبلت.
قوله: [مما عدا المبصرات]: أي الأمور التي تتوقف على البصر كالأفعال والألوان فلا تجوز شهادته فيها مطلقاً علمها قبل العمى أم لا، وفي الإرشاد تجوز شهادته على الفعل إن علمه قبل العمى أو بحبس كما في الزنا
وغيرها محل اتفاق. وكذا قوله: (أو) كان (أصم في الفعل): كالضرب والأكل والأخذ والإعطاء واحترز بذلك عن المسموعات لا عن المشمومات والملموسات والمطعومات فإنها اتفاق. وأما الأعمى الأصم فلا تجوز شهادته في شيء ولا معاملته كالمجنون، وإنما يولى عليهما من يتولى أمرهما بالمصلحة.
(وشرطه): أي العدل؛ أي شرط قبول شهادته (أن يكون فطناً) لا مغفلاً (جازماً) في شهادته (بما أدى) لا شاكاً أو ظاناً (غير متهم فيها) أي في شهادته (بوجه) من الوجوه الآتية؛ إذا علمت ذلك (فلا شهادة) تقبل (لمغفل) تلتبس عليه الأمور العادية (إلا فيما لا يلبس) بفتح التحتية وكسر الباء الموحدة، وماضيه بفتحها: أي يختلط ومنه قوله تعالى: {وللبسنا عليهم ما يلبسون} [الأنعام: 9]. وأما لبس الثوب فبالعكس. إلا في الأمور الواضحة التي لا لبس فيها، فإنها تقبل شهادته. (ولا) شهادة (لمتأكد القرب) لاتهامه بجر النفع لقريبه (كوالد) لولده (وإن علا):(كالجد وأبيه وولد) لوالده (وإن سفل) كابن الابن أو البنت (وزوجهما): أي الوالد والولد، فلا يشهد الوالد لزوجة ابنه، ولا لزوج بنته، ولا الولد لزوجة أبيه وزوج أمه؛ فأولى أن لا يشهد لزوجته. (بخلاف) شهادة (أخ) لأخيه (أو مولى) لعتيقه (و) صديق (ملاطف) فتجوز (إن برز) الشاهد منهم في العدالة، بأن فاق أقرانه فيها واشتهر بها. (ولم يكن) الشاهد (في عياله): أي عيال المشهود له، وإلا لم يجز ولو برز.
(كأجير) فتجوز شهادته لمن استأجره إن برز ولم يكن في عياله. (وشريك) تجوز شهادته لشريكه (في غيرها): أي في غير مال الشركة إن برز، ولم يكن في عياله، لا في مال الشركة ولو برز. وقيدها المصنف تبعاً للمدونة بشركة المفاوضة، فظاهره أن شركة العنان لا يشترط فيها التبريز. وقال بعضهم: الشركة مطلقاً يشترط فيها التبريز فلذا أطلقنا. (وزائد) في شهادته على ما شهد به بأن شهد أولاً بعشرة ثم قال: بل هو أحد عشر فتقبل إن برز (ومنقص) عنها بعد أن أداها فتقبل إن برز. وأما لو شهد ابتداء بأزيد مما ادعاه المدعي أو بأنقص فتقبل مطلقاً ولو لم يبرز،
ــ
واقتصر على هذا في المجموع.
قوله: [وغيرها]: المناسب غيره لأن الضمير عائد على القول أي محل الخلاف بين مالك وغيره الأقوال، وأما الملموسات والمطعومات والمشمومات فهي محل اتفاق بين مالك وغيره في القبول.
قوله: [أو كان أصم في الفعل]: أي وهو بصير لأن الأصم البصير يضبط الأفعال ببصره دون الأقوال لتوقف ضبطها على السمع وهو معدوم فلا تقبل شهادته في الأقوال ما لم يكن سمعها قبل الصمم وإلا جازت، قال ابن شعبان: وتجوز شهادة الأخرس ويؤديها بإشارة مفهمة أو كتابة.
قوله: [فإنها اتفاق]: أي بين مالك وغيره كما تقدم التنبيه عليه قبل.
قوله: [وإنما يولي عليهما]: هكذا بالتثنية في نسخة المؤلف، والضمير عائد على الأعمى الأصم والمجنون، والمناسب أن يقول بعد ذلك أمرهما أو يفرد الضمير في عليه ويكون عائداً على الأعمى الأصم فقط، والمجنون تقدم حكمه في باب الحجر قال (بن): قال (عب) في الأعمى الأصم: لا يتزوج إلخ يعني والله أعلم لا يلي ذلك بنفسه وإلا فيجوز أن يأتي عليه من ينظر له بالأصلح له، كما يقيم الحاكم على المجنون والسفيه من ينظر لهما انتهى. وقد أفاد هذا شارحنا بالتشبيه.
قوله: [لمغفل]: هو من لا يستعمل القوة المنبهة مع وجودها فيه، وأما البليد فهو خال منها بالمرة فمراده بالمغفل ما يشمله بالأولى.
قوله: [وماضيه بفتحها]: أي فهو من باب ضرب.
قوله: [فبالعكس]: أي فهو من باب علم وتعب.
قوله: [أي إلا في الأمور الواضحة]: هذا إيضاح لقول المتن إلا فيما لا يلبس.
قوله: [وصديق ملاطف]: قال (ح): الملاطف هو المختص بالرجل الذي يلاطف كل واحد منهما صاحبه، ومعنى اللطف الإحسان والبر والتكرمة قال في التنبيهات وقال ابن فرحون: الملاطف هو الذي قيل فيه:
إن أخاك الحق من كان معك
…
ومن يضر نفسه لينفعك
ومن إذا ريب الزمان صدعك
…
شتت فيك نفسه ليجمعك
وهذا الذي قاله بعيد قل أن يوجد أحد بهذه الصفات فالأولى تفسيره بما في التنبيهات انتهى (بن).
قوله: [إن برز]: في (بن) الصواب أن برز بفتح الباء وتشديد الراء فعل لازم مبني للفاعل واسم الفاعل منه مبرز بكسر الراء المشددة أي ظاهر العدالة، وفي القاموس برز ككرم، وبرز تبريزاً: فاق أصحابه فضلاً وشجاعة، وبرز الفرس على الخيل سبقها انتهى. فقد علمت أنه يستعمل مشدداً ومخففاً على وزن فعل المضموم العين وليست هناك لغة بفتح الفاء والعين مع التخفيف.
قوله: [ولم يكن الشاهد في عياله]: بقي شرط وهو أن تكون الشهادة بغير جرح عمد فيه قصاص وإلا فلا تقبل على المشهور؛ لأن الحمية تأخذ في القصاص وإنما يشهد في الأموال أو في الجراح التي فيها مال كما في الخرشي
قوله: [وقال بعضهم: الشركة مطلقاً]: إلخ: مراده به الأجهوري ورده (بن) تبعاً لربما حاصله أن الأقسام ثلاثة: مردودة مطلقاً مبرزاً أو غير مبرز في شهادة الشريك لشريكه فيما فيه الشركة كان معيناً أو غيره
وإن كان المدعي لا يقضى له بالزائد لعدم ادعائه له. (وذاكر) لما شهد به (بعد شك) بأن قال أولاً: لا أدري أو لا علم عندي، ثم قال: تذكرت، فتقبل إن برز (أو) تذكر بعد (نسيان) فتقبل إن برز. وأما الزائد أو المنقص المتقدم فجزم بما شهد ثم تذكر فزاد أو نقص (وبخلافهما): أي الشهادة من ولد (لأحد أبويه) على الآخر فتقبل. (أو) من والد لأحد (ولديه) على الآخر فتقبل لعدم التهمة (إن لم يظهر ميل) من الولد أو الوالد لمن شهد له، فإن ظهر ميل لمن شهد له لم تقبل شهادته (ولا) شهادة (لعدو على عدوه في) أمر (دنيوي) متعلق بعدو أي عداوة دنيوية ولو كانت من مسلم على كافر، احترازاً من الأخروية؛ كشهادة مسلم على كافر ليس بينهما عداوة دنيوية فتجوز. (أو) شهادة عدو لرجل (على ابنه): أي ابن العدو فلا تقبل.
(ولا) شهادة لشاهد (إن حرص بشهادته): أي إن كان فيها حرص (على إزالة نقص): يعني إن اتهم على الحرص لقبول شهادته عند إزالة نقص (فيما رد فيه) أولاً، بأن أدى سابقاً شهادة فردت (لفسق، أو صبا، أو رق) فلما زال المانع - بأن تاب الفاسق أو بلغ الصبي أو عتق الرقيق - أداها، فلا تقبل لاتهامه على الحرص على قبولها عند زوال المانع، لأن الطبع قد جبل على دفع المعرة التي حصلت بالرد أولاً. ولذا لو لم يحكم بردها حتى زال المانع فأداها، قبلت لعدم الحرص، وكذا إن ردت لمانع فأدى عند زواله شهادة بحق آخر فإنه يقبل. (أو) حرص (على التأسي): أي مشاركة غيره في المعرة القائمة به ليهون عليه مصيبتها؛ لأن المصيبة إذا عمت هانت، وإذا خصت هالت (كشهادة ولد الزنا فيه): أي في الزنا أو شهادة (من حد) لسكر أو قذف أو زنا (فيما): أي في مثل ما (حد فيه) بخصوصه، فلا تقبل للتأسي. ومثل الحد: التعزير، فلا يشهد في مثل ما عزر فيه، وأما في غيره فتصح. (أو حرص على القبول؛ كأن شهد وحلف) على صحة شهادته أو على ثبوت الحق. لكن قال ابن عبد السلام: ينبغي أن يعذر العوام في ذلك. (أو) حرص (على الأداء: كأن رفع) شهادته للحاكم قبل الطلب (في محض حق الآدمي) وهو ما له إسقاطه كالدين والقصاص. (أما في حق الله): وهو ما ليس للمكلف إسقاطه (فتجب المبادرة) بالرفع للحاكم (بالإمكان): أي بقدره،
ــ
لأنها تجر نفعاً لنفسه. ومقبولة بشرط التبريز اتفاقاً وهي شهادة شريك المفاوضة في غير ما فيه الشركة، ومقبولة مطلقاً مبرزاً أو غير مبرز على المعتمد في شهادة شريك غير المفاوضة في غير ما فيه الشركة.
قوله: [وإن كان المدعي لا يقضي له بالزائد]: أي وكذا في شهادته بأنقص في دعوى المدعي فلا يقضى للمدعي بالزائد إلا بشهود أخر غير هذا.
قوله: [وأما الزائد]: جواب عن سؤال وارد على المصنف.
قوله: [فتقبل]: أي ولا يشترط فيها التبريز على المعتمد.
قوله: [فإن ظهر ميل] إلخ: أي كشهادة الأب لولده البار على العاق أو الصغير على الكبير أو السفيه على الرشيد وتجوز شهادة الولد على أبيه بطلاق أمه إن كانت منكرة للطلاق. واختلف إن كانت هي القائمة بذلك فمنعها أشهب وأجازها ابن القاسم، وإن شهد بطلاق أبيه لغير أمه لم تجز إن كانت أمه في عصمة أبيه أو مطلقة ويرجو رجوعها لأبيه، ولو شهد لأبيه على جده أو لولده على ولد ولده لم تجز قولاً واحداً، وبالعكس جاز قولاً واحداً كما ذكره محشي الأصل نقلاً عن الأجهوري.
قوله: [لعدو على عدوه]: أي ولو كان مبرزاً في العدالة.
قوله: [إذا عمت هانت]: إنما هانت بالعموم لذكر مصيبة غيره فيتسلى عن مصيبته. بخلاف ما إذا خصت فلم يجد مصيبة غيرها نظيرتها لغيره يتسلى بها فتعظم عليه مصيبته.
قوله: [من حد]: أي بالفعل احترازاً عما إذا عفي عنه وشهد في مثله إن كان قذفاً فيقبل كما في المدونة، لا إن كان قتلاً فلا يشهد في مثله كما في الواضحة عن الأخوين، وانظر لو جلد البكر في الزنا هل له الشهادة باللواط لاختلافهما في الحد أو لا نظراً لدخوله في الزنا؟ والظاهر الثاني كما في الحاشية.
قوله: [كأن شهد وحلف]: قال في التبصرة وأما الحرص على القبول فهو أن يحلف على شهادته إذا أداها وذلك قادح فيها لأن اليمين دليل على التعصب وشدة الحرص على نفوذها اهـ. تنبيه: قال ابن فرحون للقاضي تحليف الشاهد ولو بالطلاق إن اتهمه، أي لقاعدة: تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوه من الفجور، وهو من كلام عمر بن عبد العزيز استحسنه مالك لأن من قواعد مذهبه مراعاة المصالح العامة كذا أفاده في الحاشية.
قوله: [لكن قال ابن عبد السلام]: أي وسلمه له المتأخرون.
قوله: [كأن رفع شهادته للحاكم قبل الطلب] إلخ: حاصله أن رفع الشاهد للحاكم قبل أن يطلبه المشهود له لا يجوز ومبطل لشهادته نعم يجب على الشاهد أن يعلم صاحب الحق بأنه شاهد له وجوباً عينياً إن توقف الحق على شهادته وكفائياً إن لم يتوقف.
قوله: [وهو ما له إسقاطه]: أي وليس المراد بمحض حق الآدمي ما لا حق فيه لله كما هو المتبادر إذ ما من حق لآدمي إلا ولله فيه حق.
قوله: [بالإمكان]: أي فإن أخر الرفع زيادة على القدر الذي يمكن فيه الرفع كان جرحة في شهادته وبهذا القسم والذي قبله اندفع التعارض بين قوله صلى الله عليه وسلم في معرض الذم: «ثم يكون قوم
وذلك (إن استديم التحريم) عند عدم الرفع: (كعتق) لرقيق مع كون السيد يتصرف فيه تصرف المالك من استخدام، وبيع ووطء ونحو ذلك. (وطلاق) لزوجة مع كون المطلق لم ينكف عنها فتجب المبادرة بالرفع. (ووقف) على معين أو غيره - ولا سيما إذا كان مسجداً أو رباطاً أو مدرسة وواضع اليد عليه يتصرف فيه تصرف الملاك، فتجب المبادرة بالرفع لرده إلى أصله.
(ورضاع): بين زوجين. (وإلا) يستدم التحريم (خير) في الرفع وعدمه: (كالزنا) وشرب الخمر، والترك أولى لما فيه من الستر المطلوب في غير المجاهر بالفسق وإلا فالرفع أولى. (بخلاف حرص على تحمل) لشهادة، فلا يقدح:(كالمختفي) عن المشهود عليه ليشهد على إقراره إن أقر - وهو مقيد بأن لا يكون المقر مخدوعاً أو خائفاً وإلا فلا تقبل الشهادة عليه.
(ولا إن استبعدت) الشهادة (كبدوي) يشهد في الحضر (لحضري) على حضري بدين أو بيع أو شراء أو هبة أو نحو ذلك مما يستبعد حضور البدوي فيه دون الحضري، فلا تقبل (بخلاف إن سمعه) يقر بشيء لحضري، أو رآه يفعل بحضري شيئاً من غصب أو ضرب أو إتلاف مال أو رآه يشرب الخمر أو نحو ذلك مما لا يقصد الإشهاد به عليه، فيجوز وتقبل شهادته. كما يجوز فيما يقع بالبادية من ذلك كله على حضري وبدوي. وأما شهادة حضري على بدوي ففيها خلاف، وبالجملة فمدار المنع على الاستبعاد عادة.
(ولا) شهادة لشاهد (إن جرّ بها): أي بشهادته (نفعاً؛ كشهادته بعتق من) أي عبد (يتهم) الشاهد (في ولائه): كأن يشهد أن أباه مثلاً قد أعتق عبده فلاناً وفي الورثة من لا حق له في الولاء،
ــ
يشهدون ولا يستشهدون» وقوله عليه الصلاة والسلام: «تبادر شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته» وبين قوله عليه الصلاة والسلام في معرض المدح: «ألا أخبركم بخير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها» فحمل الأول على الأول والثاني على الثاني اهـ (بن).
قوله: [إن استديم التحريم]: الكلام على حذف مضاف أي إن استديم ارتكاب التحريم وإلا فكل محرم مستدام التحريم.
قوله: [ووقف على معين أو غيره] إلخ: حاصل ما في المسألة أن الوقف إما على معين أو غيره وفي كل الواضع يده عليه المتصرف فيه إما الواقف أو غيره، فإن كان على غير معين والواضع يده عليه غير الواقف وجب على الشهود المبادرة بالرفع للقاضي، وإن كان الواضع يده عليه هو الواقف فلا يرفعون إذ لا ثمرة في رفعهم، لأنه لا يقضي به عليه إذا لم يكن أخرجه من حوزه كما سبق، وإن كان الوقف على معين فلا يرفعون؛ لأنه حق لآدمي إلا إذا طلبوا للشهادة كان الواضع يده عليه الواقف أو غيره، فإذا علمت ذلك فالمناسب للشارح الاقتصار على ما إذا كان الوقف على غير معين وواضع اليد المتصرف غير الواقف.
قوله: [وإلا يستدم التحريم]: أي بأن كان التحريم ينقضي بالفراغ من متعلقه.
قوله: [كالزنا وشرب الخمر]: أي فحق الله فيهما النهي عنهما، فإذا زنى الشخص أو شرب الخمر حصل التحريم وانقضى بالفراغ منهما.
قوله: [لما فيه من الستر المطلوب]: أي على جهة الندب لا على جهة الوجوب وإلا كان الترك واجباً وهذا قول لبعضهم، وفي المواق أن ستر الإنسان على نفسه وعلى غيره واجب وحينئذ فيكون ترك الرفع واجباً.
قوله: [وإلا فالرفع أولى]: أي لأجل أن يرتدع عن فسقه وكره مالك وغيره الستر عليه.
قوله: [بخلاف حرص على تحمل]: مخرج من قوله ولا إن حرص على إزالة نقص إلخ.
قوله: [كالمختفي]: أي فتقبل شهادته بناء على جواز تحمل الشهادة على المقر من غير أن يقول: اشهد علي به بشرط أن يستوعب كلامه، وهذا هو الذي به العمل.
قوله: [مخدوعاً]: أي مغروراً بشيء في نظير الإقرار، وقوله، "أو خائفاً" أي كإقرار من في السجن الخائف من العذاب وفي الحقيقة المخدوع والخائف لا تقبل عليه شهادة مطلقاً ولو قال: اشهدوا علي فهذا التقييد غير ضروري. .
قوله: [ولا إن استبعدت]: معطوف على قوله "ولا إن حرص"، والسين والتاء للعد والنسبة نحو استحسنت كذا أي عددته حسناً، ونسبته للحسن. وفاعل استبعد ضمير يعود على الشهادة بمعنى تحملها.
قوله: [كبدوي يشهد في الحضر] إلخ: إنما منعت لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا يشهد بدوي على حضري» وفي طريق أخرى: " على صاحب قرية " فجعل هذا النهي على ما فيه استبعاد بالوجه الذي ذكره الشارح، والمعنى كما في حاشية الأصل أنه إذا طلب من البدوي تحمل الشهادة في الحضر لحضري بدين أو بيع أو شراء أو نحو ذلك مما يقصد الإشهاد عليه من سائر عقود المعاوضة، وكالوصية والعتق فلا تقبل منه إذا أداها، وذلك لأن ترك إشهاد الحضري وطلب البدوي لتحمل تلك الشهادة فيه ريبة فللخصم التجريح فيهم حينئذ.
قوله: [فمدار المنع على الاستبعاد]: أي فمتى حصل الاستبعاد منع ولو من قروي لقروي.
قوله: [ولا شهادة لشاهد]"لا" نافية للجنس و "شهادة" اسمها و "لشاهد" متعلق بمحذوف خبرها تقديره معتبرة أو مقبولة.
قوله: [في ولائه]
كالبنات والزوجات. ويشترط أن تكون التهمة حاصلة في الحال، بأن يكون العبد - لو مات الآن - ورثه الشاهد، وأما إذا كان قد يرجع إليه الولاء بعد حين؛ كما لو شهد أن أخاه قد أعتق عبده وللأخ ابن، فتقبل شهادته. كما تقبل إذا كان لا وارث معه أو معه وارث يشاركه في الولي لعدم التهمة.
(أو) شهادته (بمال لمدينه): أي لمن له عليه دين؛ لأنه يتهم على أخذ ذلك المال في دينه الذي على المدين، وقولنا:"بمال" شامل للدين والإرث والشيء المعين؛ فهو أحسن من قوله: "بدين". وخرج به شهادته له بقذف أو بموجب قصاص من جرح أو قتل، فتقبل لعدم التهمة. ومن الشهادة الجارة نفعاً: شهادة المنفق عليه للمنفق، بخلاف شهادة المنفق لمنفق عليه.
(ولا) شهادة لشاهد (إن دفع بها): أي بشهادته ضرراً (كشهادة بعض العاقلة بفسق شهود القتل) خطأ، لأنه دفع بها الغرم في الدية عن نفسه، إلا أن يكون عديماً لا يلزمه من الدية شيء فتجوز.
(أو) شهادة (مدين معسر لربه): أي لرب الدين بمال أو غيره؛ فلا تقبل لاتهامه على دفع ضرر مطالبة رب الدين له بدينه. ولذا لو ثبت عسره عند حاكم جازت لعدم المطالبة. كما تجوز من المليء لقدرته على الوفاء.
(ولا) شهادة لشاهد (إن شهد) لشخص (باستحقاق) لشيء.
(وقال) في شهادته باستحقاقه (أنا بعته له) لاتهامه على رجوع المشتري عليه لو لم يشهد له؛ فهو من أمثلة الدفع، وقال بعضهم: علة المنع أنها شهادة على فعل النفس وهو ظاهر من العطف بـ "لا". وإلا لقال: أو شهد إلخ. وعلى الأول، لو قال: وأنا وهبته له، أو تصدقت به عليه، لقبل لعدم رجوع المشتري. بخلافه على الثاني لما فيه من الشهادة على فعل النفس. قال المحشي: أصل المسألة لابن أبي زيد والنقل عنه يدل على أن العلة هي أن الملك لا يثبت بالشهادة بمجرد الشراء، لأن الملك لا يثبت بالشراء حتى تشهد البينة بملك البائع له، فإذا قال: أنا بعته أو وهبته، فقد شهد لنفسه بملك ذلك الشيء وهو لا يصح، وحينئذ فلا فرق بين "بعته" أو "وهبته" انظر ابن مرزوق وغيره. اهـ.
(ولا) شهادة تقبل (إن حدث) للشاهد (فسق بعد الإداء [1]) عند الحاكم (وقبل الحكم بها)
ــ
أي في أخذ ماله بالولاء.
قوله: [كالبنات والزوجات]: إنما لم يكن لهن حق لأن الولاء لا ترثه إلا الذكور.
قوله: [ورثه الشاهد]: أي لعدم وجود وارث من العصب لذلك العتيق.
قوله: [وللأخ ابن]: مثله لو كانت الشهادة على أبيه وكان للمعتوق وارث من عصبته.
قوله: [يشاركه في الولي]: نسخة المؤلف هنا بالياء بعد اللام وحقها الألف بعد اللام لأن الولاء ممدود لا مقصور، أي وقد استوى ثبوت عتقه وعدمه عند الشاهد وأما لو كان في ثبوت العتق مزية كما لو كان إن بقي رقه صار له في العبد الربع مثلاً، وإن ثبت عتقه كان له النصف في الولاء كما لو كانت الورثة أربع بنات وابنين هو أحدهما فلا تقبل شهادته لحصول التهمة
قوله: [أي لمن له عليه دين]: أي والحال أن الدين حال أو قريب من الحلول والمدين معسر وإلا فلا تهمة.
قوله: [أو بموجب قصاص]: أي وأما بموجب دية فهو داخل في شهادته له بالمال
قوله: [بخلاف شهادة المنفق لمنفق عليه]: أي نفقة غير واجبة عليه أصالة. وأما من نفقته واجبة أصالة فقد مر أنها ممتنعة لأجل القرابة، قال بعض المتأخرين: إن كان المشهود له من قرابة الشاهد كالأخ ونحوه ينبغي ألا تجوز شهادته له بمال، لأنه وإن كانت نفقته لا تلزمه فإنه يلحقه بعدم نفقته عليه معرة، وإن كان المشهود له أجنبياً من الشاهد جازت شهادته له، الصقلي: هذا استحسان إذ لا فرق بين الأجنبي والقريب في رواية ابن حبيب اهـ كذا في (بن).
واعلم أن مسألة المصنف تقيد بما إذا لم يكن أنفق ليرجع وإلا كان داخلاً في قوله: "أو بمال لمدينه" وكما تقبل شهادته للمنفق عليه تقبل شهادته عليه بقتل أو زنا وهو محصن، لضعف التهمة لكون النفقة عليه غير واجبة أصالة.
قوله: [إلا أن يكون عديماً]: هذا القيد لابن عبد السلام وجزم به في التوضيح وإطلاق الخرشي ضعيف كما أفاده (بن).
قوله: [أو شهادة مدين معسر]: أي ولم يثبت عسره وإلا قبلت كما يأتي.
قوله: [بمال أو غيره]: أي خلافاً لمن خصه بالمال فإنه ضعيف.
قوله: [كما تجوز من المليء]: أي الذي لا يتضرر بالدفع.
والحاصل أن المراد بالمدين الذي لا تقبل شهادته لرب الدين من كان يتضرر بأخذ الدين منه، فإن كان ثابت العسر أو ملياً لا يتضرر انتفت التهمة.
قوله: [لاتهامه على رجوع المشتري]: هذا التعليل للأجهوري ومن تبعه.
قوله: [وقال بعضهم]: أي نقلاً عن ابن أبي زيد.
قوله: [وهو ظاهر من العطف بلا]: أي فيقضى بأنه مبحث آخر.
قوله: [وعلى الأول]: أي التعليل الأول الذي هو للأجهوري.
قوله: [قال المحشي]: المراد به (بن) وما قاله محل مأخذ التعليل الثاني.
قوله: [فقد شهد لنفسه بملك ذلك الشيء]: أي فهي دعوى منه تحتاج لبينة منه على إثبات ذلك الملك.
قوله: [إن حدث للشاهد فسق]: أي ثبت حدوث فسق، وأما التهمة بحدوثه فلا تضر.
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (الإدلاء).
لدلالته على أنه كان كامناً في نفسه، فإن حدث بعد الحكم مضى ولا ينقض، بخلاف ما لو ثبت بعد الحكم أنه شرب خمراً مثلا قبل الأداء فينقض.
(بخلاف حدوث عداوة) بعد الأداء، فلا يضر إن تحقق حدوثها، وإلا منعت كما لو قال الشاهد للمشهود عليه بعد الأداء مخاصماً: تتهمني وتشبهني بالمجانين؟ فإن ذلك يقتضي أن العداوة سابقة على الأداء كما نص عليه الشيخ سابقاً.
(و) بخلاف (احتمال جر) بعد الأداء فلا يضر، كشهادته بطلاق امرأة ثم تزوجها قبل الحكم، أو شهد لها بحق على شخص ثم تزوجها.
(أو) احتمال (دفع) بعد الأداء وقبل الحكم؛ كشهادته بفسق رجل، ثم شهد الرجل على آخر بأنه قتل نفساً خطأ والشاهد عليه بالفسق من عاقلة القاتل فلا تبطل شهادته بفسقه.
(و) بخلاف (شهادة كل) من الشاهدين للآخر بحق ولو بالمجلس، فلا تضر، إلا أن تظهر تهمة المكافأة.
(و) بخلاف شهادة (القافلة بعضهم لبعض في حرابة) على من حاربهم؛ فلا تضر، ولا يلتفت للعداوة الطارئة بينهم بالحرابة للضرورة، وسواء شهد لصاحبه بمال أو نفس.
(ولا) تقبل شهادة (إن شهد لنفسه بكثير) من المال عرفاً (وشهد لغيره) بقليل أو كثير (بوصية) أي في وصية كأن يقول: أشهد أنه أوصى لي بخمسين ديناراً ولزيد أو للفقراء بمثل ذلك أو أقل أو أكثر، فلا تصح له ولا لغيره لتهمة جر النفع لنفسه.
(وإلا) بأن شهد لنفسه بقليل أي تافه ولغيره بقليل أو كثير (قبل) ما شهد به (لهما) معاً: أي لنفسه ولغيره فإن لم يوجد إلا هذا الشاهد حلف الغير معه واستحق وصيته ولا يمين على الشاهد لأنه يستحق ما أوصى له به تبعاً للحالف، فإن نكل الغير فلا شيء لواحد منهما. وهذا إذا كتب الوصية بكتاب واحد بغير خط الشاهد، فإن كتب بخط الشاهد -أو لم تكتب أصلاً- قبلت شهادته لغيره لا لنفسه. وكذا إن كتب بكتابين أحدهما للشاهد والثاني للآخر، فلا تصح له وتصح للآخر لعدم التبعية حينئذٍ وأما شهادته له ولغيره في غير وصية كدين
ــ
قوله: [لدلالته على أنه كان كامناً]: لهذا التعليل قيده ابن الماجشون بالفسق الذي يستتر به بين الناس كشرب خمر وزنا، لا نحو قتل وقذف، واختاره غير واحد من الشيوخ، ولكن مذهب ابن القاسم الإطلاق، وعلى كلام ابن القاسم لو شهد عدلان بطلاق امرأة ويقولان رأيناه يطؤها بعد الطلاق وكانت شهادتهما باطلة؛ لأن قولهما ذلك قذف لعدم تمام شهود الزنا، وقد حكى (ح) خلافاً في حدهما نظراً لكونه قذفاً وعدمه نظراً إلى أنه لما بطلت شهادتهما بالطلاق لم يكن المرمي به وزنا.
قوله: [وإلا منعت]: الفاعل ضمير يعود على العداوة، والمعنى وإلا يتحقق حدوث العداوة بل احتمل تقدمها على الأداء فإنها تمنع قبول الشهادة.
قوله: [مخاصماً]: أي لا شاكياً للناس ما فعل به كأن يقول لهم انظروا ما فعل معي وما قال في حقي فلا يقدح ذلك في شهادته، وما ذكره الشارح من هذا التقييد تبع فيه خليلاً وهو قول أصبغ، ولابن الماجشون تبطل شهادته بهذا القول من غير تفصيل بين كونه شاكياً أو مخاصماً وصوبه ابن رشد.
قوله: [كشهادة بطلاق امرأة] إلخ: أي والحال أنه لم يثبت أنه خطبها قبل زواج المشهود عليه بطلاقها وإلا ردت شهادته.
قوله: [قبل الحكم]: الصواب حذفه أو يؤخره بعد المثال الثاني، لأنه لا يتأتى زواجه لها قبل الحكم المذكور؛ لأن الفرض أن الزوج المشهود عليه يناكر في الطلاق وهو مسترسل عليها.
قوله: [وقبل الحكم]: أي وأولى بعده.
قوله: [فلا تبطل شهادته بفسقه]: أي لبعد التهمة.
قوله: [وبخلاف شهادة القافلة]: أي والموضوع أن الشهود فيها عدول كما قيد به في المدونة خلافاً للتتائي.
قوله: [على من حاربهم]: أي وأما شهادة القافلة بعضهم لبعض على بعض منهم في المعاملات فنقل المواق رواية الأخوين عن مالك وجميع أصحابه إجازتها للضرورة، وإن لم تكن هناك عدالة وحرية محققة إن كان ذلك في السفر وعليه درج صاحب التحفة حيث قال:
ومن عليه وسم خير قد ظهر
…
زكي إلا في ضرورة السفر
كذا في (بن).
قوله: [فلا تصح له ولا لغيره]: أي لأن الشهادة إذا بطل بعضها بطل كلها، بخلاف ما بطل بعضها للسنة فإنه يمضي منها ما أجازته فقط كشهادة رجل وامرأتين بوصية بعتق وبمال فإنها ترد في العتق لا في المال.
قوله: [حلف الغير معه]: إن كان معيناً كزيد، وأما إن كان غير معين كما إذا كان الغير هم الفقراء فلا يتأتى منهم يمين، فمقتضاه أنه إن لم يوجد شاهد ثان لا شيء لهم ولا له لتوقف نفوذها على اليمين أو شاهد ثان ولم يوجد وانظر في ذلك.
قوله: [تبعاً للحالف]: أي الذي هو المشهود له، وإنما أخذه ليسارته فهو غير منظور إليه. وبها يلغز فيقال دعوى أخذت بشاهد بلا يمين
فلا تقبل له ولا لغيره مطلقاً لتهمة جر النفع لنفسه.
(ولا) شهادة لشاهد (إن تعصب) أي اتهم بالعصبية والحمية لكون المشهود عليه من قبيلة تكره قبيلة الشاهد؛ كما يقع للترك مع أبناء العرب.
(ولا) شهادة (لمماطل) وهو من يؤخر ما عليه من الدين بعد الطلب بلا عذر شرعي لظلمه وفي الحديث «مطل الغني ظلم» .
(و) لا (حالف) أي من شأنه الحلف (بطلاق أو عتق) لأنه من يمين الفساق.
(ولا) شهادة لشاهد (بالتفات) أي بسبب التفاته (في صلاة أو تأخيرها عن وقتها) الاختياري؛ لأنه يدل على عدم اكتراثه بها فلا اكتراث له بغيرها بالأولى (أو) عدم إحكام وضوء أو غسل (أو زكاة لمن لزمته) ومنه: التساهل فيها، وكذا الصوم والحج.
وإذا شهد شاهد بحق لدى حاكم أو محكم فلا بد من الإعذار للمشهود عليه كما تقدم.
(و) إذا أعذر له (قدح) بالبناء للمفعول: أي جاز القدح. وقبل (في) الشاهد (المتوسط) في العدالة وهو ما ليس بمبرز فيها (بكل قادح) من تجريح، أو قرابة، أو عداوة، أو كونه في عيال المشهود له، أو غير ذلك مما مر.
(و) قدح (في المبرز) بالعدالة (بعداوة أو قرابة أو إجراء نفقة عليه) من المشهود له.
(وإن) ثبت القدح (من دونه): أي من دون المبرز في العدالة؛ فلا يشترط في القادح في مبرز أن يكون مبرزاً مثله. وأما لو قدح في المبرز بغير عداوة أو قرابة أو نفقة فلا يسمع منه القدح إذا أراد القادح إثباته. وقال مطرف: يقبل منه القدح بغير الثلاثة المتقدمة أيضاً، وارتضاه اللخمي وغيره، فهو كالمتوسط؛ لأن الجرح مما يكتمه الإنسان فلا يكاد يطلع عليه إلا القليل من الناس. وإليه أشار بقوله:(وكذا) يقدح في المبرز (بغيرها) أي غير الثلاثة المتقدمة (على الأرجح) قال ابن رشد: وهذا إذا صرح بالجرحة [1] فإن قال المجرح: هو غير عدل أو غير مقبول الشهادة، لم يقبل منه، إلا أن يكون المجرح مبرزاً عارفاً بوجوه التعديل والتجريح.
ثم شرع في بيان من يصح منه التزكية، والشيخ رحمه الله قد قدمه عما هنا -وذكره هنا أنسب- فقال:(وإنما يزكي) الشهود (مبرز): في العدالة، لا مطلق عدل، وإلا لاحتاج لمن يعدله أيضاً ويتسلسل
ــ
أو يقال شيء أخذ من مال الغير بمجرد الدعوى أو يقال شهادة للنفس مضت.
قوله: [فلا تقبل له ولا لغيره مطلقاً]: أي سواء شهد لنفسه بكثير أو بقليل، والفرق بين الوصية وغيرها أن الموصي قد يخشى معاجلة الموت ولا يجد حاضراً غير الموصى له بخلاف غيره
قوله: [كما يقع للترك مع أبناء العرب]: هذا المعنى هو الذي قال فيه خليل لا المجلوبين إلا كعشرين. قال: الأصل المراد بالمجلوبين قوم من الجند يرسلهم السلطان أو نائبه لسد ثغر أو حراسة قرية ونحو ذلك، وعلل المنع بحمية البلدية ولعل هذا باعتبار القرون الأولى، وأما المشاهد فيهم الآن فحمية الجاهلية وشدة التعصب على أمة خير البرية قاسية قلوبهم فاشية عيوبهم فأنى تقبل شهادتهم شرعاً ولكنهم يمضونها طبعاً اهـ بحروفه.
قوله: [ولا شهادة لمماطل]: أي لأن المطل قادح من مبطلات الشهادة لكونه يصير به فاسقاً وقيده ابن رشد بما إذا تكرر منه ذلك.
قوله: [لأنه من يمين الفساق]: أي ويؤدب الحالف به قال (بن) الأدب في ذلك واجب لوجهين أحدهما ما ثبت من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت» وما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تحلفوا بالطلاق والعتاق فإنهما من أيمان الفساق» . والثاني أن من اعتاد الحلف به لم يكن سالماً من الحنث فيه فتكون زوجته تحته مطلقة من حيث لا يشعر، وقد قال مطرف وابن الماجشون: إن من لازم ذلك واعتاده فهو جرحة فيه وإن لم يعرف حنثه، وقيل لمالك: إن هشام بن عبد الملك كتب أن يضرب في ذلك عشرة أسواط، فقال: قد أحسن إذ أمر فيه بالضرب، وروي أن عمر كتب أن يضرب في ذلك أربعين سوطاً اهـ.
قوله: [بالتفات]: أي حيث كثر منه ذلك من غير حاجة، وعلم أن ذلك منهي عنه وإلا فلا، ولا فرق بين كون الصلاة فرضاً أو نفلاً.
قوله: [أو تأخيرها عن وقتها]: هذا خاص بالفرض ففي عبارة المصنف استخدام.
قوله: [ومنه التساهل فيها]: أي في الزكاة بأن يؤخر إخراجها عن وقت الوجوب أو يخرج بعض ما يجب عليه دون بعض.
تنبيه: الأقلف الذي لا عذر له في ترك الختان لا تجوز شهادته لإخلال ذلك بالمروءة.
قوله: [والحج]: أي فإذا كان كثير المال قوياً على الحج وطال زمن تركه له من غير عذر في الطريق كان ذلك جرحة في شهادته كما قال سحنون في العتبية، وإنما اشترط طول زمان الترك لاختلاف أهل العلم في وجوبه على الفور أو التراخي.
قوله: [وإذا شهد شاهد] إلخ: دخول على كلام المصنف.
قوله: [أو غير ذلك]: أي كجر المنفعة ودفع المضرة والعصبية.
قوله: [بعداوة]: أي دنيوية بين الشاهد والمشهود عليه.
وقوله: [أو قرابة]: أي بين الشاهد والمشهود له قوله: [إلا أن يكون المجرح مبرزاً]: حاصله أن مطرفاً يقول: إن المبرز يجرحه من هو مثله أو دونه، ولو بالفسق، واختاره اللخمي. وأما سحنون فهو وإن قال: المبرز يجرح بالفسق لكن يقول لا يجرح إلا مبرز في العدالة مثله قال ابن رشد: ومحل الخلاف المذكور إذا نصوا
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (بالجرح).
(معروف) عند الحاكم ولو بواسطة، كأن يعرفه العدول عنده ويخبروه بأنه مبرز (عارف) بأحوال التعديل والتجريح (فطن) أي نبيه (لا يخدع) في عقله كالتفسير لفطن: أي لا يلتبس عليه أحوال الناس المموهة الظاهر بإظهار الصلاح، ولا يغتر بظاهر حالهم مع مخالفتها لسرائرهم، كما يقع لكثير من الناس.
(معتمد) في معرفة أحوالهم (على طول عشرة) لمن يزكيه ولا سيما إذا انضم إليها سفره معه، لأن مجرد الصحبة لا تفيد معرفة أحوال الصاحب (من أهل سوقه؛ أو) أهل (محلته) فالمزكي إذا لم يكن من أهل سوقه ولا محلته توجب الريبة في الشاهد، حيث زكاه البعيد مع وجود أهل سوقه ومحلته (إلا لعذر) كأن لم يكن من أهل السوق ولا محلته من يصلح للتزكية بأن قام مانع من عدم التبريز أو عدم المعرفة أو قرابة أو عداوة ونحو ذلك (ومن متعدد) ولا يكفي فيها الواحد. نعم تزكية السر يكفي فيها الواحد وتصح التزكية بالشروط المتقدمة (وإن لم يعرف) المزكي (الاسم) أي اسم الشاهد الذي زكاه؛ لأن مدارها على معرفة الذات والأحوال (بأشهد أنه عدل رضا) أي أن التزكية إنما تكون بهذا القول المشتمل على هذه الألفاظ الثلاثة. وظاهره أنه إن حذف واحداً منها لم يكف أو أبدله بمرادفه، وقال اللخمي: إن قال: هو عدل رضا كفى، وقال ابن مرزوق: المذهب أنه إن اقتصر على عدل أو على رضا كفى. والأرجح ما قاله اللخمي ذكره بعضهم.
(ووجبت) التزكية (إن بطل حق) بتركها (أو ثبت باطل) كالتجريح للشاهد يجب إن ثبت بتركه باطل أو بطل حق.
(وهو): أي التجريح (يقدم) على التعديل: يعني أن بينة التجريح تقدم على بينة التعديل؛ لأنها حفظت ما لم تحفظه بينة التعديل، مع أن الأصل في الناس الجرح لا العدالة خلافاً لبعضهم، بل وجود العدل في زماننا هذا نادر جداً.
(وجاز شهادة الصبيان بعضهم على بعض) اعلم أن شهادة الصبيان الأصل فيها عدم الجواز في كل شيء لعدم العدالة والضبط فيهم، إلا أن أئمتنا جوزوها في شيء خاص للضرورة بشروط:
الأول: أن تكون على بعضهم، لا على كبير. الثاني: أن يكون (في جرح وقتل فقط) لا في مال ولا في غيره من غيرهما. والواو بمعنى أو. الثالث [1] والرابع والخامس: ذكرها بقوله: (والشاهد) منهم (حر) لا عبد (مسلم) لا كافر (ذكر) لا أنثى
ــ
على الجرحة، وأما لو قالوا: هو غير عدل ولا جائز الشهادة فلا يقبل ذلك إلا من المبرزين في العدالة العارفين
بوجوه التعديل والتجريح اتفاقاً انظر (بن).
قوله: [معروف]: صفة لمبرز.
قوله: [على طول عشرة]: أي ويرجع في طولها للعرف.
قوله: [من أهل سوقه أو أهل محلته]: أي العارفين به وأشعر الإتيان بأوصاف المزكى مذكراً أن النساء لا تقبل تزكيتهن لا لرجال ولا لنساء ولو فيما يجوز شهادتهن فيه كما في (عب).
قوله: [فالمزكي]: المناسب فالتزكية لأجل الإخبار بقوله توجب الريبة.
قوله: [نعم تزكية السر يكفي فيها الواحد]: أي والتعدد فيها مندوب على الراجح كما في (بن) ويفترقان أيضاً من جهة أن مزكي السر لا يشترط فيه التبريز، بل المدار على علم القاضي بعدالته ولا يعذر فيه للمشهود عليه إذا عدل بينة المدعي كما مر. بخلاف مزكي العلانية فيهما.
قوله: [إنما تكون بهذا القول]: أي لقوله تعالى: {وأشهدوا ذوي عدل منكم} [الطلاق: 2] مع قوله تعالى: {ممن ترضون من الشهداء} [البقرة: 282].
قوله: [والأرجح ما قاله اللخمي]: أي من الجمع بين عدل ورضا وإن لم يذكر لفظ أشهد.
قوله: [ووجبت التزكية]: أي الشهادة بها.
قوله: [تقدم على بينة التعديل]: أي ولو كانت بينة التعديل أعدل أو أكثر على الأشهر.
قوله: [لأنها حفظت ما لم تحفظه بينة التعديل]: أي وذلك لأن بينة التعديل تحكي عن ظاهر الحال والمجرحة تخبر عما خفي فهي أزيد علماً
قوله: [وجاز شهادة الصبيان]: أي وأما النساء في كالأعراس والحمامات والمآتم فلا تقبل شهادتهن في جرح ولا قتل؛ لأن اجتماعهن غير مشروع. بخلاف الصبيان فإن اجتماعهم مشروع لتدريبهم على مصالح الدين والدنيا، والغالب عدم حضور الكبار معهم، فلو لم تقبل شهادتهم لبعض على بعض لأدى إلى هدر دمائهم كذا في الأصل.
قوله: [لعدم العدالة]: أي لأن العدل حر بالغ عاقل رشيد بريء من الفسق.
قوله: [بشروط]: ذكرها الشارح أحد عشر وفي الحقيقة المأخوذ منه أربعة عشر.
قوله: [لا على كبير]: أي ولا لكبير فشهادة الصبيان لا تقبل إلا إن كان المشهود له والمشهود عليه منهم.
قوله: [لا في مال ولا في غيره]: ويلغز في ذلك فيقال شخص تقبل شهادته في القتل والجرح لا في المال ونحوه مع أن المال يخفف فيه.
قوله: [والخامس]: الأولى أن يزيد والسادس والسابع؛ لأنه جمع خمسة بعد الاثنين المتقدمين.
قوله: [والشاهد منهم حر] إلخ: تخصيص هذه الأوصاف بالشاهد يدل على أنها لا تشترط في المشهود عليه منهم وإلا لم يكن لتخصيص الشاهد بذلك
فائدة" نعم يؤخذ من عدم شهادتهم على المال أنه يشترط في المشهود عليه أن يكون حراً وإلا كان من جملة الأموال وهم لا يشهدون فيها أفاده محشي الأصل.
قوله: [لا أنثى]: هذا يفيد أن لفظ صبيان يستعمل
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (والثالث).
(متعدد) اثنان فأكثر لا واحد (لم يشتهر) الشاهد (بالكذب): لا إن اشتهر به فلا تقبل منه.
وتضمن هذا أن يكون مميزاً؛ فهو شرط سادس، لأن غير المميز لا يضبط ما يقول، فلا يوصف بصدق ولا كذب.
السابع والثامن: أشار لهما بقوله: (غير عدو) لمن شهد عليه (ولا قريب) للمشهود له ولو بعدت: كابن العم وابن الخال أو الخالة.
التاسع: أن لا يختلفوا في شهادتهم؛ فإن اختلفوا بأن قال بعضهم: قتله فلان، وقال غيره: بل قتله فلان آخر لم تقبل من واحد منهم وإليه أشار بقوله:
(ولا اختلاف) في الشهادة (بينهم) اتفقوا، أو سكت الباقي، أو قال: لا أعلم.
العاشر: أن لا يتفرقوا بعد اجتماعهم إلى نحو منازلهم، فإن تفرقوا لم تقبل شهادتهم؛ لأن تفريقهم مظنة تعليمهم ما لم يكن وقع وإليه أشار بقوله:
(ولا فرقة) بينهم، فإن تفرقوا فلا (إلا أن يشهد عليهم قبلها) أي قبل فرقتهم فإن شهد عليهم العدول قبل فرقتهم صحت.
الحادي عشر: قوله: (ولم يحضر) بينهم (كبير) أي بالغ وقت القتل أو الجرح، فإن حضر وقته أو بعده لم تقبل لإمكان تعليمهم، وهذا ظاهر إن كان الكبير غير عدل، فإن كان عدلاً وخالفهم لم تقبل شهادتهم وإن وافقهم قبلت وقيل: لا؛ فإن قال العدل: لا أدري من رماه، فقال اللخمي: قبلت شهادتهم.
ثم إذا قبلت عند الشروط فلا قسامة إذ لا قصاص عليهم، وإنما عليهم الدية في العمد والخطأ.
وأصل القسامة القصاص. وإذا انتفت في عمدهم انتفت في خطئهم ابن عرفة. قال الباجي: إذا جازت شهادتهم في القتل فقال غير واحد من أصحاب مالك: لا تجوز حتى تشهد العدول برؤية البدن مقتولاً. ابن رشد: رواه ابن القاسم عن مالك، وقال [1] غير واحد من أصحابه.
(ولا يقدح) في شهادتهم (رجوعهم) بعدها عنها قبل الحكم أو بعده (ولا تجريحهم) بشيء (إلا بكثرة كذب) من جميع الشاهدين.
ولما فرغ من ذكر شروط الشهادة وموانعها، شرع في الكلام على مراتبها.
وهي أربعة: إما أربعة عدول وإما عدلان وإما عدل وامرأتان، وإما امرأتان.
وبدأ بالأولى فقال: (وللزنا واللواط): أي للشهادة على حصولهما (أربعة) من العدول. وأما الإقرار بهما
ــ
في الإناث أيضاً وإلا كان الموضوع يخرجه.
قوله: [متعدد]: هذا هو الشرط السادس الذي أشرنا له وجعله لم يشتهر بالكذب شرطاً سادساً المناسب كونه ثامناً.
قوله: [السابع والثامن]: صوابه التاسع والعاشر.
قوله: [غير عدو]: أي كانت العداوة بين الصبيان أو بين آبائهم.
قال الخرشي والظاهر أن مطلق العداوة هنا مضر سواء كانت دنيوية أو دينية اهـ أي لشدة تأثيرها عند الصبيان وضعف شهادتهم.
قوله: [ولو بعدت]: أي فليسوا كالبالغين.
قوله: [التاسع]: صوابه الحادي عشر.
قوله: [العاشر]: صوابه الثاني عشر.
قوله: [ما لم يكن وقع]: ما اسم موصول والجملة بعدها صلتها أو نكرة والجملة بعدها صفة لها وهي معمولة لقوله: وتعليمهم، والمعنى أن تفريقهم مظنة تعلمهم من الكبار الشيء الذي لم يكن وقع أو شيئاً لم يكن وقع.
قوله: [فإن تفرقوا فلا]: أي فلا تقبل شهادتهم وكرره توطئة للاستثناء بعد.
قوله: [صحت]: أي قبل ما حكاه عنهم العدول والمراد عدلان فأكثر.
قوله: [الحادي عشر]: صوابه الثالث عشر.
قوله: [فإن كان عدلاً وحالفهم]: قال في الحاشية حاصل ما في (ح) أنه إذا حضر الكبير وقت القتل أو الجرح وكان عدلاً فلا تصح شهادتهم على المشهور أي للاستغناء به، وهذا إذا كان متعدداً مطلقاً أو واحداً والشهادة في جرح، أي فيحلف معه، وأما إن كانت الشهادة في قتل فلا يضر حضور ذلك الواحد في شهادتهم وإن كان غير عدل فقولان جواز شهادتهم وعدم جوازها وهو المعتمد كان واحداً أو متعدداً. وأما إذا حضر بعد المعركة وقبل الافتراق فتجوز شهادتهم إذا كان عدلاً. وأما إذا كان غير عدل فلا، فتمسك بهذا واترك خلافه اهـ. فإذا علمت ذلك فكلام شارحنا مجمل، وقول (ح): فلا يضر حضور ذلك الواحد في شهادتهم، ظاهره وافقهم أو خالفهم، ولكن يقيد بما قيد به شرحنا.
قوله: [وأصل القسامة القصاص]: أي وأما دخولها في الخطأ فخلاف الأصل وهذا لا ينافي قولهم في الديات يحلفها في الخطأ من يرث.
قوله: [انتفت في خطئهم]: أي من باب أولى لأنها فيه خلاف الأصل.
قوله: [لا تجوز حتى تشهد العدول] إلخ: هذا يضم للشروط المتقدمة فتكون أربعة عشر، ويؤخذ من المجموع شرطان آخران وهما كونه ابن عشر وكونه من الصبيان المجتمعين لا صبي مر عليهم فتكون الشروط ستة عشر.
قوله: [قبل الحكم أو بعده]: أي والموضوع أن رجوعهم قبل البلوغ، وأما لو تأخر الحكم لبلوغهم ثم رجعوا بعد البلوغ لقبل رجوعهم.
قوله: [ولا تجريحهم بشيء]: أي لعدم تكليفهم الذي هو رأس أوصاف العدالة.
قوله: [من جميع الشاهدين]: أي بأن تشهد العدول أن هؤلاء الصبيان الشاهدين مجربون بالكذب.
قوله: [وهي أربعة]: بقيت خامسة وهي ذكر فقط أو أنثى فقط في مسألة إثبات الخلطة الموجبة لتوجه اليمين على المدعى عليه على أحد القولين المتقدمين
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (وقاله)، ولعله الصواب.
فيكفي فيه العدلان. وإنما تصح شهادتهم (إن اتحد) الزنا عندهم أو اللواط (كيفية): أي في الصفة، وأدوا الشهادة كذلك من اضطجاع أو قيام أو هو فوقها أو تحتها في مكان كذا في وقت كذا. ولا بد من ذكر ذلك كله للحاكم على انفرادهم بعد تفرقهم قبل الأداء. بأمكنة.
(ورؤيا): بأن يروا ذلك في وقت واحد جميعاً (وأداء) يؤدوها معاً في وقت واحد لا متفرقين في أوقات، وإلا لم تقبل وحدوا للقذف.
يشهدون (بأنه أولج) أي أدخل (الذكر في الفرج كالمرود) بكسر الميم أي كإيلاج المرود (في المكحلة) ولا بد من هذه الزيادة، لا أنها تندب فقط، زيادة في التشديد عليهم وطلباً للستر ما أمكن.
(و) إذا أرادوا أداء الشهادة (جاز لهم) أي لكل واحد منهم (نظر العورة) لتأديتها على وجهها، والستر أولى إلا أن يشتهر الزاني بالزنا أو يتجاهر به.
(وفرقوا) وجوباً في الزنا واللواط خاصة (عند الأداء، وسأل) الحاكم (كلاً) منهم (بانفراده) على الكيفية والرؤيا، فإن تخلخل واحد منهم أو لم يوافق غيره حدوا للقذف. ونقل المواق عن المدونة وجه الشهادة في الزنا: أن يأتي الأربعة الشهداء في وقت واحد يشهدون على وطء واحد في موضع واحد بصفة واحدة بهذا تتم الشهادة. اهـ. وقال فيها أيضاً: وينبغي إذا شهدت بينة عنده بالزنا أن يكشفهم على شهادتهم وكيف رأوه وكيف صنع، فإن رأى في شهادتهم ما تبطل به الشهادة أبطلت. اهـ. قال أبو الحسن: انظر قوله: "ينبغي" هل معناه يجب؟ أو هو على بابه؟ الأقرب الوجوب. انتهى.
وأشار للمرتبة الثانية بقوله: (ولما ليس بمال ولا آيل له) أي للمال (كعتق) وطلاق ونسب (وولاء رجعة) ادعتها هي أو وليها على زوجها المنكر لها ونكاح (وردة وإحصان وكتابة) وتدبير (وتوكيل بغير مال) أي شيء غير مال كتوكيل على نكاح أو طلاق وكشرب خمر وقذف وقتل: (عدلان).
وأشار للمرتبة الثالثة بقوله: (وإلا) بأن كان المشهود به مالاً أو آيلا لمال (فعدل وامرأتان)
ــ
لكن لما كان القول الآخر هو المرجح لم يلتفت لها المصنف
قوله: [فيكفي فيها العدلان]: مقتضى قبول رجوع المقر بالزنا ولو لم يأت بشبهة أنه لا عبرة بشهادتهما على الإقرار، وسيأتي أن قبول رجوعه قول ابن القاسم إلا أن يقال: إن هذا مبني على قول من يقول: إن المقر بالزنا لا يقبل برجوعه على أنه إذا استمر على إقراره وعلم الحاكم بذلك فلا يجوز للحاكم حده إلا إذا شهد على إقراره عند الحاكم عدلان، فحينئذ لا بد من شهادة العدلين حتى على قول ابن القاسم، لأنه لو حكم عليه بالحد بمجرد إقراره من غير شهادة العدلين على استمرار الإقرار لكان لأولياء الدم طلب الحاكم به فتأمل. وإنما اشترط على فعل الزنا واللواط أربعة لأن الفضيحة فيهما أشنع من سائر المعاصي فشدد الشارع فيهما طلباً للستر.
قوله: [إن اتحد]: أفرد الضمير العائد لأنه عائد على أحدهما لا بعينه، وأفاد هذا الشارح بعطفه بأو.
قوله: [وأدوا الشهادة كذلك]: أي على طبق ما رأوا ولا يكفي الإجمال.
قوله: [ورؤيا]: عطف على "كيفية"، والمعنى أن تحملهم الشهادة يكون برؤيا واحدة أي يرونه دفعة أو متعاقباً مع الاتصال كما في (بن).
قوله: [وحدوا للقذف]: أي حيث تخلف شرط مما ذكر وكان المقذوف عفيفاً.
قوله: [بأنه أولج]: متعلق بمحذوف قدره الشارح بقوله "يشهدون".
قوله: [ولا بد من هذه الزيادة]: أي كما قال بهرام والمواق.
وقوله: [لا أنها تندب فقط]: أي كما قال البساطي.
قوله: [جاز لهم]: المراد بالجواز الإذن لأن ذلك مطلوب لتوقف صحة الشهادة عليه وهذا جواب عن سؤال وهو كيف تصح الشهادة على الوجه المذكور مع أن النظر للعورة معصية؟ وحاصل الجواب لا نسلم أنه معصية حينئذ بل مأذون فيه لتوقف الشهادة عليه، وظاهر كلامه جواز النظر للعورة ولو قدروا على منعهم من فعل الزنا ابتداء ولا يقدح فيهم الإقرار على الزنا كما في (ح) وغيره، لكن الذي في ابن عرفة أنهم إذا قدروا على منعهم من فعل الزنا ابتداء فلا يجوز لهم النظر للعورة لبطلان شهادتهم بعصيانهم بسبب عدم منعهم منه ابتداء ونحوه لابن رشد كما في (بن).
قوله: [إلا أن يشتهر الزاني بالزنا]: أي فرفعهم للقاضي أولى من الستر.
قوله: [أن يكشفهم]: أي يطلب منهم إيضاح الشهادة.
قوله: [وطلاق]: أي كان خلعاً أو لا فإذا ادعت امرأة على رجل أنه طلقها وهو ينكر ذلك فلا يثبت إلا بعدلين، والعوض لا يتوقف على العدلين لأنه مال وليس الكلام فيه.
قوله: [ادعتها هي أو وليها]: أي وأما ادعاء الزوج الرجعة فإن كان في العدة فهو مقبول، وإن ادعى بعدها أنه كان راجعها فيها وأنكرت فلا تقبل دعواه إلا بعدلين يشهدان على حصول الرجعة في العدة فالمناسب إطلاق قول المصنف ورجعة أي ادعتها الزوجة أو ادعاها الزوج ويقيد بما إذا كانت دعواه بعد العدة، فإن التقييد يوهم أن دعوى الزوج مقبولة مطلقاً وليس كذلك كما علمت.
قوله: [ونكاح]: أي كان يدعي أنه تزوج فلانة وهي تنكر فلا يثبت إلا بعدلين وعكسه تدعي عليه أنه تزوجها وهو ينكر فلا يثبت إلا بعدلين، وحيث قام العدلان ثبت النكاح ولا يعد إنكار الزوج طلاقاً كما تقدم في تنازع الزوجين.
قوله: [عدلان]: مبتدأ تقدم خبره في قوله "ولما ليس
عدلتان (أو أحدهما): أي: عدل فقط أو امرأتان فقط [1](مع يمين؛ كبيع) وشراء؛ (وأجل) ادعاه مشتر وخالفه البائع أو اختلفا في طوله أو في قبض الثمن أو قدره (وخيار) ادعاه أحدهما وخالفه الآخر لأنه يؤول لمال (وشفعة) ادعى المشتري إسقاطها من الشفيع أو ادعى الشفيع بعد سنة أنه كان غائباً ونحو ذلك (وإجارة) عقداً أو أجلاً (وجرح خطأ) لأنه يؤول لمال (أو) جرح (مال) عمداً كجائفة (وأداء) نجوم (كتابة) ادعاه العبد على سيده فأنكر (وإيصاء) أو توكيل (بتصرف فيه) أي في المال إلا أن الوكالة والوصية بالتصرف بالمال لا يكون فيهما اليمين مع الشاهد، قال اللخمي: اختلف إذا شهد شاهد على وكالة عن غائب هل يحلف الوكيل مع الشاهد؟ والمشهور أنه لا يحلف، وهذا أحسن إن كانت الوكالة لحق الغائب فقط، فإن كانت مما يتعلق بها حق الوكيل؛ كأن يكون له على الغائب دين أو يكون ذلك المال بيده قراضاً أو تصدق به عليه، حلف، واستحق إن أقر الموكل عليه بالمال للغائب. اهـ. ومثله الموصي المذكور؛ لأن اليمين لا يحلفها إلا من له فيها نفع، ولا يحلف الإنسان لجر نفع لغيره، قال المازري: معروف المذهب أن الشاهد واليمين لا يقضى بهما في الوكالة، لكن منع القضاء بها ليس من ناحية قصور هذه الشهادة؛ بل لأن اليمين مع الشاهد فيها متعذرة، لأن اليمين لا يحلفها إلا من له فيها نفع، والوكيل لا نفع له فيها وما وقع في المذهب أن الوكيل يحلف مع شاهده بالوكالة ويقبض الحق، فتأول الأشياخ هذه الرواية، على أن المراد بها وكالة بأجرة يأخذها الوكيل من المال الذي يقبضه فحلفه مع الشاهد لمنفعة له فيه. اهـ.
(ونكاح) ادعته امرأة (بعد موت) لرجل أنه تزوجها، فيكفي فيه الشاهد والمرأتان أو أحدهما مع يمينها من حيث المال فيقضى لها بالإرث والصداق، لا من حيث ذاته، فلا تحرم على أصوله وفروعه ولا عدة عليها في ظاهر الحال.
(أو سبقيته) أي الموت وهو بالجر معطوف على المجرورات بالكاف قبله، أي: أو إذا شهد بسبقية الموت بين متوارثين فيكفي الشاهد والمرأتان أو أحدهما مع اليمين: أي إذا مات كل من الزوجين مثلاً، وشهد شاهد بأن الزوج سبق موته الزوجة أو العكس، فيكفي الشاهد واليمين، فيرث المتأخر موتاً صاحبه.
(أو موت) لرجل
ــ
بمال" إلخ. وحاصله أن كل ما ليس بمال ولا يئول إليه لا يكفي فيه إلا عدلان من ذلك العتق، وهو عقد لازم لا يحتاج إلى عاقدين، وفيه إخراج ومثله الوقف والطلاق غير الخلع والعفو عن القصاص والوصية بغير المال، ويلحق به الولاء والتدبير ومن ذلك الرجعة، وهي كالعتق إلا أن فيها إدخالاً ومثله الاستلحاق والإسلام والردة، ويناسبه الإحلال والإحصان، ومن ذلك الكتابة وهي عقد يفتقر لعاقدين ومثله النكاح والوكالة في غير المال، وكذا الخلع ويلحق به العدة أي تاريخ الموت والطلاق لا في انقضائها لأن القول قولها، فظهر من هذا المقام تغاير الأمثلة التي مثل بها المصنف وما يأتي من الحلف مع شاهد الموت ويرث في دعوى النكاح فلأن الدعوى في مال.
قوله: [عدلتان]: ثني للإيضاح وإلا فيجوز ترك التثنية في مثل هذا.
قوله: [أو أحدهما] إلخ: ظاهره كان ذلك العدل مبرزاً في العدالة أم لا وهو قول بعضهم وارتضاه (بن) وقيل: لا بد أن يكون مبرزاً.
قوله: [وأجل]: أي لثمن مبيع.
قوله: [عقداً أو أجلاً]: أي فالنزاع إما في أصل الإجارة أو في مدتها أو في قدر الأجرة.
قوله: [أو جرح مال]: لا مفهوم لمال لما سيأتي أن الجرح مطلقاً يثبت بالشاهد واليمين وإنما قيده هنا بالمال لأنه في أمثلة المال وما يئول إليه.
قوله: [وأداء نجوم كتابة]: أي سواء كان التنازع في تأديتها كلها أو بعضها فإذا ادعى العبد على سيده وأنكر السيد القبض حلف العبد مع شاهده حتى في النجم الأخير وإن أدى للعتق.
قوله: [وهذا أحسن إن كانت الوكالة لحق الغائب]: تحصل من كلامه أولاً وآخراً أن دعوى أنه وصي أو وكيل من غير تقييد بمال أو غيره، وكذا دعوى أنه وصي في غير المال كالنظر في أحوال أولاده أو تزويج بناته لا تثبت إلا بعدلين، وأما دعوى أنه وكيل أو وصي على التصرف في المال فإن كان فيه نفع يعود على الوصي أو الوكيل كفى العدل والمرأتان أو أحدهما مع يمين، فإن لم يكن نفع يعود عليه فلا يثبت إلا بعدلين أو عدل وامرأتين.
قوله: [فيقضى لها بالإرث والصداق]: أي عند ابن القاسم وهو المشهور، وقال أشهب: لا يثبت الميراث ولا الصداق إلا بعد ثبوت النكاح وهو لا يثبت إلا بعدلين، وعلى كلام ابن القاسم يلغز بها فيقال لنا شخص يرث من غير ثبوت سبب من أسباب الإرث فتأمل.
قوله: [في ظاهر الحال]: أي وأما في نفس الأمر فيقال لها إن كنت صادقة في دعواك فلا تحلي لغيره إلا بالعدة ولا يحل لك أن تأخذي من أصوله وفروعه.
قوله: [المجرورات بالكاف قبله]: أي الداخلة على "بيع" وما بعده
قوله: [فيرث المتأخر موتاً صاحبه]: معناه ورثة المتأخر موتاً يرثون ما كان يرثه مورثهم من ذلك المتقدم، وإنما قلنا ذلك لأن الموضوع أن كلاً مات والاختلاف
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
قوله: (أو امراتان فقط) ليس في ط المعارف.
(ولا زوجة) له (ولا مدبر) له (ونحوه): كموصى بعتقه وأم ولده، فإنه يثبت بالشاهد والمرأتين أو أحدهما مع اليمين، إذ ليس حينئذ إلا مجرد قسمة التركة. وأشار بهذا الفرع لقول ابن القاسم في المدونة: إذا مات رجل فشهد بموته امرأتان ورجل فإن لم يكن له زوجة ولا أوصى بعتق عبد وليس له مدبر وليس إلا قسمة التركة فشهادتهن جائزة. وقال غيره: لا تجوز (وكتقدم دين عتقاً): ادعاه الغريم، وقال المدين: بل عتقي للعبد سابق على الدين؛ فلا يبطل العتق فيكفي رب الدين الشاهد أو المرأتان مع يمينه ويبطل العتق ويباع العبد في الدين.
(وقصاص في جرح) يكفي فيه الشاهد والمرأتان أو أحدهما على يمين المجروح. ويقتص من الجارح؛ وهذه إحدى المستحسنات الأربع إذ ليست بمال ولا آيلة له وإذا ادعى مدع على آخر أنه سرق له مالاً أو أنه حارب وأخذ منه مالاً وأقام على ذلك شاهداً وامرأتين أو أحدهما (و) حلف (ثبت المال) بذلك (دون الحد) من قطع أو غيره (بسرقة وحرابة) لأن الحد يثبت بالعدلين بخلاف المال.
ثم ذكر المرتبة الرابعة بقوله: (ولما لم يظهر للرجال: امرأتان) عدلتان.
(كعيب فرج) لامرأة حرة ادعاه الزوج وأنكرت ورضيت أن ينظرها النساء، أو أمة، ادعاه مشتريها وأنكره البائع.
(واستهلال) لمولود أو عدمه، وكذا ذكورته وأنوثته، ويترتب على ذلك الإرث وعدمه.
(وحيض) لأمة في مواضعة أو مجرد استبراء عند منازعة المتبايعين.
(وولادة) ادعتها المرأة ولم يحضر شخص فيكفي المرأتان.
(وثبت النسب والإرث) بشهادة المرأتين على الولادة أو الاستهلال فتكون الأمة أم ولد حيث أقر سيدها بوطئها وأنكر الولادة (له) أي للولد؛ فيثبت بشهادتهما نسبة إذا كان موجوداً معها وارثه إن استهل فيرث من مات قبل ذلك، فقوله:"له" راجع لكل من النسب والإرث، وقوله:(وعليه): خاص بالإرث، يعني: إذا استهل ومات عن مال ثبت الإرث عليه بشهادة المرأتين فيرثه الحي بعده (بلا يمين) مرتبط بقوله: "امرأتان" أي: يكفي امرأتان بلا يمين من المدعي فيما لا يظهر للرجال.
(وجازت) الشهادة: أي أداؤها (على خط المقر): أي بأن هذا خط فلان. وفي خطه: أقر فلان بأن في ذمته كذا لفلان، وسواء كانت الوثيقة كلها بخطه؛ أو الذي بخطه ما يفيد الإقرار، أو أنه كتب بعد تمامه: المنسوب إلي فيه صحيح ولا بد في الشهادة على الخط من عدلين،
ــ
إنما هو في السابق.
قوله: [ولا زوجة له ولا مدبر] إلخ: أي وأما لو كان له زوجة أو مدبر أو أم ولد أو أوصى بعتق فلا يثبت موته إلا بعدلين اتفاقاً لما يلزم على موته من ثبوت العدة للزوجة وإباحتها بعدها لغيره من الأزواج، وخروج المدبر من الثلث وأم الولد من رأس المال وتنجيز عتق الموصى به من الثلث، وهذه إنما تكون بشهادة العدلين.
قوله: [قصاص في جرح]: أي والموضوع أنه عمد لأن القصاص لا يكون إلا فيه فقد استفيد من هنا، ومما مر أن الجرح سواء كان خطأ أو عمداً فيه مال كالذي فيه المتالف أو عمداً فيه قصاص يثبت بالعدل والمرأتين أو بأحدهما مع يمين.
قوله: [وهذه إحدى المستحسنات الأربع]: أي التي انفرد بها مالك وتقدم بسط الكلام على ذلك نظماً ونثراً في باب الشفعة فانظره إن شئت.
فرع: لو قام شاهد لشخص أصم أبكم بدين ورثه عن أبيه فهذا لا يمكن أن يحلف مع شاهده وحينئذ فيحلف المدعى عليه الدين ويبقى بيد ذلك المدعى عليه إلى أن يزول المانع فيحلف، فإن لم يزل حتى مات انتقل الحق لوارثه مع الشاهد ولو على وارث المدعى عليه كذا يظهر، فإن مات الشاهد فإن كانت شهادته كتبت أو أداها أو شهد بها عدلان عمل بها وإلا فلا اهـ من حاشية الأصل.
قوله: [ورضيت أن ينظرها النساء]: فإن لم ترض فلا تجبر على ذلك وتصدق بيمينها.
واعلم أن عيب الحرة إن كان قائماً بوجهها ويديها فلا بد من رجلين، وما كان بفرجها فهي مصدقة فيه وإن رضيت برؤية النساء له كفى فيه امرأتان، وما كان بغير فرجها وأطرافها من بقية جسدها فلا يثبت إلا بشهادة امرأتين كما في الحاشية.
قوله: [واستهلال المولود] إلخ: أي لمولود حرة أو أمة. واعلم أن الأصل نزول الولد غير مستهل فمدعي عدم الاستهلال لا يحتاج لإثبات ومدعيه يحتاج لإثبات ويكفي فيه المرأتان إذا علمت ذلك فالأولى للشارح حذف قوله "أو عدمه".
قوله: [ويترتب على ذلك الإرث]: أي عند ثبوت الاستهلال يثبت الإرث، وثبوت الذكورية لها حكم في الميراث غير حكم الأنوثة كما هو معلوم في الفرائض.
قوله: [وحيض لأمة]: أي فلا يصدق السيد في حيضها إلا بشهادة المرأتين
قوله: [وولادة ادعتها المرأة]: أي كانت حرة أو أمة.
قوله: [حيث أقر سيدها]: أي الحر.
قوله: [فيرث من مات قبل ذلك]: أي ويأخذ الميراث وارثه قبل موته.
قوله: [بلا يمين من المدعي]: أي في جميع المسائل التي لا تظهر للرجال.
قوله: [على خط المقر]: أي سواء كان حياً وأنكر، أو ميتاً أو غائباً، وسواء كان في الوثيقة التي فيها خط المقر شهود أو كانت مجردة عن الشهود على المعتمد.
قوله: [أو أنه كتب بعد تمامه]
وإن كان الحق مما يثبت بالشاهد واليمين؛ لأن الشهادة بالخط كالنقل، ولا ينقل عن الواحد الاثنان ولو في المال على الراجح. وقال بعضهم: بل الراجح والمعتمد ثبوتها بالشاهد واليمين وقوله:
(لا [1] يمين): أي من المدعي مع البينة الشاهدة على الخط، بناء على أن الشهادة على الخط كالشهادة على اللفظ. وهذا هو الراجح، قال بعضهم: يؤخذ منه أنه إن كان الشاهد واحداً حلف معه المدعي وثبت الحق وهو المعتمد، وعليه اقتصر المواق. ولا بد أيضاً من حضور الخط عند الشهادة عليه، فلا تصح في غيبته، وهذا هو الذي به العمل.
(و) جازت (على خط شاهد مات أو) على خط (غائب بعد) وجهل المكان كبعده. والمرأة المشهود على خطها بشهادتها بشيء كالرجل؛ لا بد من موتها أو بعد غيبتها. وليست الشهادة على خطها كالنقل عنها يجوز ولو لم تغب؛ لأن الشهادة على الخط ضعيفة لا يصار إليها مع إمكان غيرها. وتجوز الشهادة على خط المقر وعلى خط الشاهد الغائب أو الميت (وإن بغير مال) كطلاق وعتق (فيهما) أي في المقر والشاهد بنوعيه.
وأشار إلى شروط صحة الشهادة على الخط: الأول منها: عام، والثاني والثالث: خاصان بالقسم الثاني بنوعيه بقوله: (إن عرفته) البينة معرفة تامة (كالمعين): أي كمعرفة الشيء المعين من حيوان أو غيره، فلا بد من القطع بأنه خط فلان. وأشار للشرطين المختصين بخط الشاهد بنوعيه بقوله:
(و) عرفت (أنه) أي الشاهد الذي كتب خطه ومات أو غاب (كان يعرف مشهده) أي من أشهده بنسبه أو عينه وإلا لم تجز الشهادة على خطه.
(و) عرفت أنه (تحملها عدلاً): أي كتب خطه بالشهادة وهو عدل. ولا يشترط أن يذكر ذلك في شهادته، بل شرط جواز الإقدام على الشهادة أن يعلم أنه وضع خطه وهو عدل واستمر عدلاً حتى مات أو غاب.
(لا) يشهد شاهد (على خط نفسه) بقضية (حتى يتذكرها) فيشهد حينئذ بما علم، لا على خط نفسه.
(و) إذا لم يتذكر (أدى) الشهادة على أن هذا خطي ولكني لم أذكر القضية
ــ
أي بيده.
قوله: [وإن كان الحق مما يثبت بالشاهد واليمين]: ما ذكره من عدم العمل بالشاهد واليمين على خط المقر في الماليات تبع فيه (عب) والخرشي.
قوله: [وقال بعضهم بل الراجح] إلخ: مراده به (بن)
قوله: [بلا يمين]: أي استظهاراً لأجل الخط من حيث إنه خط فلا ينافي أنه قد يحلف يمين القضاء إنه ما وهب وما أبرأ ونحو ذلك فيما إذا كان المقر بخطه ميتاً أو غائباً، وأما إن كان موجوداً وأنكر كونه خطه فلا يحتاج مع شهادة الشاهدين على خطه ليمين القضاء ولا مع الشاهد واليمين على المعتمد.
قوله: [ولا بد أيضاً من حضور الخط]: أي فإذا نظر شاهدان وثيقة بيد رجل بخط مقر بدين وحفظاه وتحققا فيها ثم ضاعت الوثيقة فشهد الشاهدان بما فيها فإنه لا يعمل بشهادة تلك البينة في غيبة تلك الوثيقة كما قال ابن عرفة والمتيطي، ومقابله ما لأبي الحسن من صحة الشهادة إذ لا فرق عند القاضي بين غيبة الوثيقة وحضورها حيث استوفى الشاهدان جميع ما فيها أفاده (بن).
قوله: [وعلى خط غائب]: المناسب أن يقول وعلى خط شاهد غائب بعد ليفيد أن قول المتن "أو غائب" معطوف على "مات" لأنه تنويع في الشهادة على خط الشاهد كما يفيده آخر العبارة.
قوله: [والمرأة المشهود على خطها] إلخ: أي وحينئذ فيجوز شهادة الرجال على خط النساء ولو فيما يختص بهن، وأما النساء فلا تقبل شهادتهن على خط رجال ولا نساء ولو فيما يختص بهن كما يفيده (عب)
قوله: [فيهما]: تبع فيه خليلاً وضعف هذا التعميم في المجموع تبعاً لما في الحاشية، وقال: المعتمد أن الشهادة على خط الشاهد الغائب أو الميت مخصوصة بالمال قوله: [والشاهد بنوعيه]: أي الغائب والميت
قوله: [الأول منها عام]: أي في الشهادة على خط المقر، وعلى خط الشاهد بنوعيه.
قوله: [إن عرفته البينة معرفة تامة]: أي وإنما يكون ذلك من الفطن العارف، وإن لم يدرك صاحب الخط وإنما عرف الخط بالتواتر كالأشياخ المتقدمين الذين اشتهر خطهم بين العام والخاص.
قوله: [كان يعرف مشهده] إلخ: أورد على هذا الشرط أن الشهادة على من لا يعرف من شهادة الزور، والموضوع أن الكاتب عدل والعدل لا يشهد على من لا يعرف، ولذا قال ابن راشد: الصواب إسقاط هذا الشرط لأنه غير خارج عن ماهية العدل، فاشتراطه يشبه اشتراط الشيء في نفسه وقد جرى العمل بقفصة على خلافه.
قوله: [أي من أشهده]: المناسب أن يقول أي من شهد عليه فإن لم تعرف البينة ذلك لم تشهد على خطه لاحتمال أنه شهد على من لا يعرف
قوله: [أي كتب خطه بالشهادة وهو عدل]: أي لأن كتبه لها بمنزلة أدائها فاندفع ما يقال إنه لا يشترط عندنا العدالة في التحمل بل في الأداء، ثم إنه لا يشترط في ثبوت العدالة أن تكون لنفس الشاهدين على الخط بل بهم أو بغيرهم.
قوله: [حتى يتذكرها]: أي بتمامها وأما إذا تذكر بعضها فهو كمن لم يتذكر شيئاً منها وحينئذ فيؤدي بلا نفع خلافاً للخمي.
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (بلا).
(بلا نفع) للطالب. وفائدة الأداء: احتمال [1] أن الحاكم يرى نفعها، هذا قول مالك في المدونة، وهو الذي رجع إليه. قال ابن رشد. وكان مالك يقول أولاً: إن عرف خطه ولم يذكر الشهادة ولا شيئاً منها - وليس في الكتاب محو ولا ريبة - فليشهد، وبه أخذ عامة أصحابه: مطرف وعبد الملك والمغيرة وابن أبي حازم وابن دينار وابن وهب وسحنون وابن حبيب. قال في التوضيح: صوب جماعة أن يشهد إن لم يكن محو ولا ريبة؛ فإنه لا بد للناس من ذلك، ولكثرة نسيان الشاهد المنتصب؛ ولأنه لو لم يكن يشهد حتى يذكرها لم يكن لوضع خطه فائدة. اهـ.
(ولا) يشهد (على من لا يعرف) الشاهد (نسبه) حين التحمل أو الأداء، أو عرف نسبه وتعدد (إلا على شخصه وسجله [2]) القاضي: أي كتب في سجله -إذا شهدت البينة على ذات شخص بدين ولم تعلم نسبه أو أقر بأن في ذمته ديناً لفلان ولم يعلم نسبه، فأخبر بأن اسمه فلان ابن فلان- فليكتب في الوثيقة:(من زعم أنه فلان ابن فلان) لاحتمال أن يكون غير اسمه واسم أبيه للجحد في المستقبل.
(لا) يشهد (على) امرأة (منتقبة) أي لا يجوز تحمل الشهادة عليها حتى تكشف عن وجهها لتشهد البينة على عينها وشخصها، وإنما امتنع الإشهاد عليها وهي منتقبة (لتتعين للأداء) أي أداء الشهادة عليها. فقوله: لتتعين علة للنفي -أي عدم الجواز لا للمنفي- أي منتقبة (و) جازت الشهادة من عدلين عند حاكم (بسماع فشا) بين الناس أي اشتهر بينهم وتسمى شهادة السماع. قال ابن عرفة: شهادة السماع لقب لما يصرح الشاهد فيه باستناد شهادته لسماع من غير معين فتخرج شهادة البت والنقل (عن ثقات وغيرهم) فتعتمد البينة على ذلك (بملك) متعلق بـ "سماع" أي تشهد بسماعهم بملك الشيء من عقار أو غيره (لحائز) له، لا إن لم يكن في حوزه، فلا يجوز أن تشهد به لغير حائزه (بلم) أي بقولهم للحاكم (لم نزل نسمع ممن ذكر) أي من الثقات وغيرهم (أنه) أي هذا الشيء الذي في حوزه (له) أي لهذا الحائز. ظاهره أنه لا بد في شهادة البينة أن تجمع
ــ
قوله: [بلا نفع للطالب]: أي باعتبار ما عند الشاهد على خط نفسه.
قوله: [لاحتمال أن الحاكم يرى نفعها]: مقتضى هذا أنه لو جزم بعدم نفعها عند القاضي أنه لا يؤديها.
قوله: [صوب جماعة أن يشهد إن لم يكن محو] إلخ: محل ضرر المحو ما لم يكن مبدلاً من خط الأصل وإلا لم يضر كما في (بن).
قوله: [فإنه لا بد للناس من ذلك]: أي ولذلك نقل عن شيخ مشايخنا العدوي أنه كان يقول: متى وجدت خطي شهدت عليه، لأني لا أكتب إلا على يقين من نفسي
قوله: [أو عرف نسبه وتعدد]: أي كما إذا تعدد المنسوب لشخص معين كمن له بنتان فاطمة وزينب وأراد الشاهد أن يشهد على فاطمة، والحال أنه لا يعرف عين هذه من هذه فلا يشهد إلا على عينها ما لم يحصل له العلم بها وإن بامرأة. وإما إن لم يكن للمعين إلا بنت واحدة وكان الشاهد يعلم ذلك فلا تتوقف الشهادة على عينها.
قوله: [إلا على شخصه]: استثناء مفرغ من عموم الأحوال، أي لا يشهد على من لا يعرف نسبه في حال من الأحوال إلا في حال تعيين شخصه وحليته بحيث يكون المعول عليه من وجدت فيه تلك الأوصاف لاحتمال أن يضع المشهود عليه اسم غيره على نفسه.
قوله: [لاحتمال أن يكون] إلخ: أي فائدة التسجيل بيان عدم ثبوت النسب المذكور عند الشهود والقاضي.
قوله: [وشخصها]: عطف تفسير على ما قبله. والحاصل أنه لا يجوز الشهادة على المنتقبة تحملاً أو أداء، بل لا بد من كشف وجهها فيهما لأجل الشهادة على عينها وصفتها وهذا في غير معروفة النسب، وفي معرفته التي تختلط بغيرها، وأما معروفة النسب المنفردة أو المتميزة عند الشاهد عن المشاركة فله الشهادة عليها منتقبة في التحمل والأداء.
قوله: [علة للنفي في الحقيقة] هو علة لمحذوف قدره بقوله: "لتشهد البينة على عينها وشخصها" قوله: [لا للمنفي]: إلخ: أي لفساد المعنى
تنبيه: إن طلب الشهود للشهادة على امرأة فقالوا: أشهدتنا منتقبة ونحن نعرفها على تلك الحالة وإن كشفت وجهها لا نعرفها قلدوا وعمل بجوابهم في تعيينها، إذ الفرض أنهم عدول لا يتهمون. فهذه المسألة تفيد أن محل منع الشهادة على المنتقبة الغير معروفة النسب إذا كانوا لا يعرفونها منتقبة وإلا جازت شهادتهم عليها وقلدوا، وكذلك لو شهدت الشهود على ذات امرأة فأنكرت نفسها وقالت: لا يعرفون ذاتي خلطت بنساء وقيل لهم عينوها، فإن عينوها عمل بشهادتهم.
والدابة والرقيق كالمرأة فإذا شهدوا بدابة أو رقيق بعينه لشخص خلط بغيره من جنسه وعليهم إخراج ما شهدوا به حيث غلطهم المدعى عليه، وهذا هو التحقيق كما في الأصل و (بن) خلافاً لمن قال: إنه خطأ ممن فعل.
قوله: [فتخرج شهادة البت والنقل]: أما خروج شهادة البت فلعدم استناده لشيء أصلاً، وأما شهادة النقل فبقوله من غير معين لأنها سماع من معين.
قوله: [على ذلك]: أي السماع المذكور.
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (لاحتمال).
[2]
في ط المعارف: (وسجل).
بين الأمرين، وهو المعتمد الذي به العمل وعليه أبو الحسن والباجي والمتيطي وابن فتوح وغيرهم.
قال ابن فتوح: شهادة السماع لا تكمل إلا أن ينضم فيها أهل العدل وغيرهم، على هذا مضى عمل الناس، ونقله ابن عرفة وأقره وقال ابن القاسم وجماعة: يكفي أحد اللفظين، وشهر أيضاً واعلم أن بينة السماع إنما جازت للضرورة لأنها على خلاف الأصل؛ إذ الأصل أن الإنسان لا يشهد إلا بما علم مما تدركه حواسه كما قاله أبو إسحاق. وإذا شهدت بسماع الملك لحائز لم ينزع ذلك الشيء من يد حائزه. ولا يشترط سماعهم بالتصرف فيه تصرف الملاك ولا طول الحيازة -خلافاً لما قاله الشيخ- فإنه لا قائل به في المذهب، وإنما سبق فهمه له من كلام الجواهر بلا تأمل؛ لأن كلام الجواهر في بينة البت بالملك، وستأتي له في الحيازة بقوله:"وصحة الملك بالتصرف" إلخ ذكره المحشي.
(وقدمت بينة البت) بالملك على بينة السماع، فإذا شهدت بينة بأنا لم نزل نسمع من الثقات وغيرهم بأن هذه الدار أو هذا العبد لهذا الحائز، وشهدت أخرى بتاً بأنه لغيره ممن يدعيه، قدمت بينة البت ونزع من يد الحائز، وأعطي لمن ادعاه وأقام بينة [1] البت.
(إلا أن تشهد بينة السماع بنقل الملك) لذلك الشيء المدعى به (من كأبي القائم) المدعي أنه له، وأقام بينة البت فتقدم بينة السماع، يعني: أن محل تقديم بينة البت ما لم تشهد بينة السماع بأن ذلك الشيء المتنازع فيه قد انتقل بملك جديد من أبي القائم أو جده بشراء أو هبة أو صدقة. والموضوع أن صاحب بينة السماع حائز للشيء المتنازع فيه، وإلا قدمت بينة البت.
والكلام في حيازة لا يثبت بها الملك، إما لقصرها، وإما لكون المدعي القائم على الحائز كان غائباً أو حاضراً قام به مانع. وأما الحاضر الذي لا مانع له إذا سكت العشر سنين فلا تسمع له دعوى ولا بينة في العقار، وكذا غيره على التفصيل الآتي ذكره إن شاء الله.
وهاهنا بحث قوي: وهو أنه إذا كانت دعوى القائم على الحائز مجردة فالحوز كاف في دفعها من غير احتياج إلى بينة بسماع، وكذا إذا كان مع دعوى القائم بينة سماع؛ لأنه لا ينزع بها من يد حائز، فإن كان معها بينة قطع فبينة السماع للحائز لا تنفعه إلا بسماع أنه اشتراها من كأبي القائم فلم يبق لقولكم بملك لحائز محل.
(وبموت غائب) عطف على "بملك لحائز" أي وجازت بسماع فشا بموت غائب (بعد) كأربعين يوماً، وألحق بها الشهر فيثبت موته ببينة السماع (أو) لم يطل، و (طال زمن سماعه) أي الموت، وأما إذا لم يطل الزمن فلا يثبت بالسماع ولا بد من بينة القطع كالحاضر لسهولة الكشف عن حاله.
(أو بوقف) فيثبت ببينة السماع؛ فإذا شهدت بينة سماع بأن هذا وقف على فلان الحائز له أو على فلان -وليست الذات بيد أحد- ثبت بها الوقف وأما لو كانت بيد حائز يدعي ملكها ففيه خلاف قيل: لا ينزع بها من يد الحائز كالملك، وقيل: ينزع ترجيحاً لجانب الوقف، ورجح.
ثم أشار إلى شروط إفادة بينة السماع بقوله: (إن طال الزمن): أي زمن السماع
ــ
قوله: [بين الأمرين]: أي الثقات وغيرهم.
قوله: [وشهر أيضاً]: اعلم أن الخلاف الثابت في نطق الشهود كما علمت، وأما اعتمادهم ففيه طريقتان: الأولى تحكي الخلاف أيضاً فقيل: لا تقبل شهادة السماع إلا إذا اعتمد الشهود على سماع فاش من الثقات وغيرهم، وقيل: يكفي في قبولها اعتمادهم على سماع فاش من الثقات أو غيرهم، والطريقة الثانية تقول: الخلاف إنما هو في نطق الشهود، أما الاعتماد فلا بد من السماع الفاشي من الثقات وغيرهم قولاً واحداً، وهذه الطريقة هي التي مال إليها (بن) حيث قال: الذي يفيده كلام الأئمة أن الخلاف إنما هو في التعلق لا في الاعتماد اهـ.
قوله: [مما تدركه حواسه]: أي بلا واسطة.
قوله: [خلافاً لما قاله الشيخ]: يعني خليلاً حيث قال: " وجازت بسماع فشا عن ثقات وغيرهم بملك الحائز وتصرف طويل " اهـ.
قوله: [ذكره المحشي]: مراده به (بن) نقلاً عن (ر).
قوله: [أو أهذا العبد]: هكذا نسخة المؤلف بهمزة قبل هذا ومقتضى الظاهر حذف تلك الهمزة
قوله: [ونزع من يد الحائز]: أي والكلام في حيازة لا يثبت بها الملك وإلا لم ينزع من يد الحائز كما سيأتي.
قوله: [إلا أن تشهد بينة السماع] إلخ: تحصل أنه لا تقدم بينة الملك على بينة السماع إلا بشرطين: أن لا تمضي مدة الحيازة التي ثبت بها الملك، وأن لا تشهد بينة السماع بنقل الملك من كأبي القائم.
قوله: [أو حاضراً قام به مانع]: أي كالخوف من الحائز.
قوله: [إذا سكت العشر سنين]: أي بالنسبة للأجانب الغير الشركاء، وأما الأقارب فما زاد عن الأربعين. وسيأتي إيضاح ذلك في آخر الباب إن شاء الله تعالى.
قوله: [مجردة]: أي عن بينة البت أو السماع.
قوله: [في دفعها]: الضمير يعود على الدعوى.
قوله: [فإن كان معها]: أي مع دعواه
قوله: [لا تنفعه]: أي لا تثبت له ملكاً.
قوله: [إلا بسماع]: أي أو بالحيازة الشرعية كما تقدم.
قوله: [بعد]: أي ببلد بعيدة. وجهل المكان كبعده فيما يظهر قوله: [أو لم يطل]: أي لم يبعد البلد.
وقوله: [وطال زمن سماعه]: أي كعشرين سنة كما يأتي بعد في ذكر شروط بينة السماع.
قوله: [قيل لا ينزع بها من يد الحائز]: أي وهو قول اللخمي والتوضيح، واقتصر عليه بهرام والبساطي.
وقوله: [وقيل ينزع]: وهو ما لابن عرفة وبه أفتى
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (ببينة).
كعشرين سنة فأقل منها لا يكفي، ولا بد من شهادة البت. وهذا الشرط اعتبره بعضهم في جميع الأمور المتقدمة وغيرها. وقال ابن هارون: طول الزمان ليس شرطاً في جميعها بل في الأملاك والشراء والأحباس والأنكحة والوقف والصدقة والولاء والنسب والحيازة، وأما موت الغائب فيشترط فيه تنائي البلدان أو طول الزمان، واعتمد، واختار ابن عرفة: أنه في الموت مع الطول لا بد من بينة القطع ولو بالنقل إذ يبعد عادة موته مع عدم من يأتي من تلك [1] البلد يخبر بموته في تلك المدة الطويلة (بلا ريبة) في بينة السماع فإن وجدت ريبة لم يعمل بها، كما إذا لم يسمع بذلك غيرهما من ذوي أسنانهما.
(وشهد) به (عدلان) فلا يكفي الواحد فيها مع اليمين.
(وحلف) المدعي الذي أقامهما مع العدلين لضعفها؛ لأنها على خلاف الأصل.
ثم شبه مسائل بالثلاثة المتقدمة في قبول شهادة السماع فيها فقال:
(كتولية) تقبل فيها بينة السماع: أي تولية قاض أو وال أو وكيل.
(وتعديل) لبينة، نحو: لم نزل نسمع من الثقات وغيرهم أنه عدل رضا.
(وإسلام) لشخص معين نحو، لم نزل نسمع إلخ أنه مسلم أو: أنه أسلم.
(ورشد) كذلك.
(ونكاح) ادعاه الحي منهما على الميت ليرثه أو ادعاه أحد الزوجين الحيين ولم ينكر الآخر، وكانت الزوجة تحته. وأما لو ادعاه أحدهما وأنكره الآخر فلا يثبت بها النكاح. قال في التوضيح: قال أبو عمران: يشترط في شهادة السماع على النكاح أن يكون الزوجان متفقين [2] عليه، وأما إذا أنكر أحدهما فلا. اهـ. لكن قال بعضهم: تكون حتى فيما إذا ادعاه أحدهما وأنكره الآخر.
(وضدها): أي الخمسة المتقدمة
ــ
الأجهوري فعلى هذا القول يكون الوقف مستثنى من قولهم لا ينزع ببينة السماع من يد حائز.
قوله: [كعشرين سنة]: هذا قول ابن القاسم قال ابن رشد: وبه العمل بقرطبة وظاهر المدونة أربعون سنة
قوله: [وأما موت الغائب]: حاصله أن في شهادة السماع بالموت طرقاً ثلاثة: طريقة ابن عرفة: اشتراط تنائي البلدين وقصر الزمان، وطريقة ابن عبد السلام: اشتراط تنائي البلدين وطول الزمان، وطريقة ابن هارون: اشتراط أحد الأمرين إما تنائي البلدين أو طول الزمان. واعتمد شارحنا هذه الطريقة واعتمد محشي الأصل الطريقة الأولى.
قوله: [كما إذا لم يسمع بذلك غيرهما]: أي كما لو شهد اثنان فقط بموت رجل وفيها عدد كثير من ذوي أسنانهما لم يعلموا بذلك.
قوله: [وشهد به عدلان]: أي فيكتفى بهما على المشهور. وقال عبد الملك لا بد من أربعة.
قوله: [فلا يكفي الواحد فيها مع اليمين]: قال ابن القاسم: إن شهد شاهد واحد على السماع لم يقض له بالمال وإن حلف؛ لأن السماع نقل شهادة ولا يكفي شهادة واحد على شهادة غيره، ويشكل على ما مر في الخلع من أن المرأة ترجع في العوض متى أقامت على الضرر شاهداً ولو شاهد سماع وحلفت معه، ولكن في الشامل أن في رد المال بشهادة الواحد بالسماع مع اليمين قولين من غير ترجيح فيكون ما تقدم في الخلع ماشياً على قول، وما هنا على قول.
قوله: [مع العدلين]: الأولى حذفه لأنه يوهم أنهما يحلفان أيضاً
قوله: [ثم شبه مسائل]: أي عشرين على مقتضى حل الشارح.
وقوله: [بالثلاثة المتقدمة]: أعني قوله: "بملك لحائز وموت الغائب البعيد" إلخ والوقف. فالجملة ثلاث وعشرون وبعضهم أنهاها لاثنين وثلاثين، وقد جمعت في أبيات ونصها:
أيا سائلي عما ينفذ حكمه
…
ويثبت سمعاً دون علم بأصله
ففي العزل والتجريح والكفر بعده
…
وفي سفه أو ضد ذلك كله
وفي البيع والإحباس والصدقات
…
والرضاع وخلع والنكاح وحله
وفي قسمة أو نسبة وولاية
…
وموت وحمل والمضر بأهله
ومنها الهبات والوصية فاعلمن
…
وملك قديم قد يضن بمثله
ومنها ولادات ومنها حرابة
…
ومنها الإباق فليضم لشكله
وقد زيد فيها الأسر والفقد والملا
…
ولوث وعتق فاظفرن بنقله
فصارت لدي عد ثلاثين أتبعت
…
بثنتين فاطلب نصها في محله
اهـ (شب).
وقوله: ملك قديم: أي محوز له من زمان سابق.
وقوله: قد يضن بمثله: أي يعز أن يكون لمثل هذا الحائز بل هو له فالباء بمعنى اللام هذا ما ظهر.
قوله: [أي تولية قاض أو وال] إلخ: وينفذ بتلك الشهادة حكم القاضي والوالي وتصرف الوكيل.
قوله: [وتعديل]: أي تقبل شهادة المعدل.
قوله: [وإسلام]: أي وتجري عليه أحكامه.
قوله: [ورشد]: أي حيث قالوا لم نزل نسمع أن ولي السفيه الفلاني أطلق له التصرف ورشده فتقبل تلك الشهادة ويجري عليه أحكامه.
قوله: [وأما لو ادعاه أحدهما]: إلخ: أي والموضوع أن كلاً حي.
قوله: [أن يكون الزوجان متفقان عليه]: الفصيح متفقين.
قوله: [لكن قال بعضهم]: هو ابن رحال في حاشيته قائلاً هو ظاهر النقل قال (بن): وهو في عهدته.
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (هذا).
[2]
في ط المعارف: (متفقان).
وهي العزل والجرح والكفر والسفه والطلاق، وإن خلعاً. ويثبت بها الطلاق لا دفع العوض فهذه عشر مسائل.
(وضرر زوج) لزوجته نحو: لم نزل نسمع من الثقات وغيرهم أنه يضاررها فيطلقها عليه الحاكم.
(وهبة وصدقة) أي أنه وهب لفلان كذا، أو تصدق به عليه.
(ووصية) كلم نزل نسمع إلخ أن فلاناً أقام فلاناً وصياً عنه في ماله أو ولده أو أن فلاناً تحت ولاية فلان يتولى النظر له والإنفاق عليه بإيصاء أبيه أو بتقديم قاضٍ له عليه.
(ونحوها) أي المذكورات كالصدقة والعتق والولادة والحرابة والإباق والعسر واليسر. وهذه المسائل تثبت ببينة السماع لا بقيد الطول، فلذا قرنها بكاف التشبيه بعد الثلاثة المتقدمة.
(والتحمل) للشهادة (إن افتقر إليه) بأن خيف بتركه ضياع الحق من مال أو غيره (فرض كفاية) ويتعين بما يتعين به فرض الكفاية.
وظاهر كلامهم: ولو كان فاسقاً وقت التحمل أو مجروحاً بشيء آخر لجواز زوال المانع وقت الأداء، ولا يقدح فيه الخصم. ومفهوم:"افتقر إليه" أنه إن لم يفتقر إليه لا يكون فرض كفاية بل تجوز. وقد لا تجوز كشهادة على زنا من دون أربعة عدول (وتعين الأداء) على المتحمل عند الحاكم أو جماعة المسلمين إذا لم يقر المدعى عليه (من) مسافة (كبريدين) وأدخلت الكاف البريد الثالث، بدليل قوله:"لا من أربعة".
(و) تعين الأداء (على) شاهد (ثالث) بل ورابع وخامس (إن لم يجتز بهما) أي بالشاهدين عند الحاكم لاتهامهما بأمر مما مر حتى تتم الشهادة.
(وإن انتفع) من تعين عليه الأداء بأن امتنع من الأداء إلا بمقابلة شيء من الدراهم أو غيرها ينتفع به (فجرح) قادح في الشهادة؛ لأن الانتفاع رشوة في نظير ما وجب عليه سقط لشهادته قال تعالى: {ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه} [البقرة: 283] وهذا قد كتمها حتى يأخذ رشوة.
(إلا ركوبه) لدابة لمجلس الحكم (لعسر مشيه، ولا دابة له): فيجوز.
وليس بجرح. وأما الانتفاع على التحمل إذا لم يتعين فيجوز، فإن تعين لم يجز،
ــ
قوله: [وهي العزل]: أي في القاضي والوالي أو الوكيل وحيث ثبت بشهادة السماع العزل فلا يمضي حكم لقاض ولا وال ولا تصرف لوكيل.
قوله: [والجرح]: أي فلا تقبل له شهادة.
قوله: [والكفر]: أي ويجري عليه أحكامه.
وقوله: [والسفه]: أي فتجري عليه أحكامه.
قوله: [لا دفع العوض]: أي وهو الشيء الذي جعل في نظير الطلاق بل لا بد من بينة تسهد بتاً عليه.
قوله: [وصدقة]: الأولى حذفها من هنا لأنه سيأتي يدخلها تحت النحو
قوله: [والولادة]: أي بأن تقول البينة لم نزل نسمع أن هذه الأمة ولدت من فلان، أو أن هذه المرأة قد ولدت لأجل خروجها من العدة مثلاً.
قوله: [والحرابة]: أي بأن يقولوا: لم نزل نسمع من الثقات وغيرهم أن هؤلاء الجماعة هم المحاربون أو الآخذون لمال فلان حرابة فيحكم عليهم بذلك.
قوله: [والإباق]: أي بأن يقولوا لم نزل نسمع أن فلاناً أبق له عبد صفته كذا فيعتمد الحاكم على كلامهم ويحكم له لصاحبه.
قوله: [لا بقيد الطول]: أي ولا القصر.
قوله: [والتحمل للشهادة]: هو لغة الالتزام، فإذا التزم دفع ما على المدين، يقال: إنه تحمل بالدين. وأما في عرف أهل الشرع فهو علم ما يشهد به بسبب اختياري؛ فخرج بقوله: بسبب اختياري علمه لما يشهد به بدون اختيار كما إذا كان ماراً فسمع من يقول لزوجته هي طالق فلا يسمى تحملاً.
قوله: [وظاهر كلامهم ولو كان فاسقاً] إلخ: قال بعضهم: فيه نظر لأن تحمله للشهادة فيه تعريض لضياع الحق؛ لأن الغالب رد شهادة الفاسق. نعم إن لم يوجد سواه ظهر تحملها انظر (بن).
قوله: [كشهادة على زنا] إلخ: إنما منعت الشهادة حينئذ لأنه ليس فيه شهادة. بل قذف ويحد له إن كان المشهود عليه عفيفاً
قوله: [وتعين الأداء] إلخ: قال الخرشي: والأظهر أنه يكتفى في الأداء بالإشارة المفهمة وقد عرف ابن عرفة الأداء بقوله: الأداء عرفاً إعلام الشاهد الحاكم بشهادة بما يحصل له العلم بما شهد به، فقوله: بشهادة متعلق بإعلام والباء للتعدية.
وقوله: بما يحصل إلخ: بيان لما قبله ومعناه إعلام الشاهد الحاكم بشهادته بشيء يحصل العلم للحاكم بما شهد به والضمير في له يتعين عوده على الحاكم اهـ.
قوله: [بأمر مما مر]: أي كتأكد القرابة للمشهود له أو العداوة للمشهود عليه أو جرح بوجه مما تقدم.
قوله: [بأن امتنع من الأداء] إلخ: ظاهره أن انتفاعه من غير امتناع من الأداء ليس بجرحة وليس كذلك بل انتفاع من تعين عليه الأداء جرحة امتنع أو لا كما في (ر).
قوله: [فإنه آثم قلبه]: إسناد الإثم للقلب مجاز عقلي لأن أثر العصيان يظهر فيه فهو من إسناد الشيء إلى مكان ظهور أثره.
قوله: [إلا ركوبه]: أي إذا دفع المشهود له للشاهد أجرة ركوبه أو أركبه دابته فليس بجرح، فإن دفع المشهود له للشاهد أجرة الركوب فأخذها ومشى فانظر هل يكون جرحة أم لا والظاهر الأول لأنه يخل بالمروءة ولعله ما لم تشتد الحاجة، وانظر إذا عسر مشيه وعدمت دابته ولكنه موسر هل يلزمه أن يكري لنفسه دابة يركبها ولا يجوز له أخذ الدابة من المشهود له أو لا يلزمه أن يكري لنفسه دابة ويجوز له أخذ أجرتها من المشهود له أو يركبه دابة واستظهر الأول.
وقيل بالجواز إن كان يكتبها في وثيقة ممن انتصب لذلك، وكذلك إذا لم ينتصب في نظير كتابته، وكذا المفتي.
(لا أربعة) من البرد، فلا يجب عليه السفر للأداء لأن مسافة القصر شأنها المشقة ولذا قصرت فيها الصلاة وجاز فيها الفطر برمضان.
(وله) أي لمن كان على مسافة أربعة برد الانتفاع من المشهود له (حينئذ) أي حين إذ كان على مسافة القصر لعدم وجوب الأداء عليه (ولو بنفقة) يأخذها في نظير سفره ذهاباً وإياباً. فأولى الانتفاع بدابة يركبها.
واعلم أن الدعوى لا تتوقف على حرية ولا بلوغ ولا رشد فإذا ادعى واحد منهم بحق وأقام شاهداً واحداً قبلت منه الدعوى.
(وحلف عبد وسفيه مع شاهده) الذي أقامه واستحق ما ادعى به بالشاهد واليمين، أو بامرأتين ويمين، ولا يؤخر العبد للعتق ولا السفيه للرشد، ولا يحلف وليهما عنهما فإن نكل حلف المدعى عليه وبرئ وإلا غرم.
(لا) يحلف (صبي) مع شاهده الذي أقامه؛ لأن الصبي لا تتوجه عليه يمين.
(و) لا (وليه) عنه ولو كان أباً ينفق عليه وهذا فيما إذا لم يل الأب ولا وصيه المعاملة للصبي، فإن وليها حلف، لأنه إذا لم يحلف غرم، وكذا ولي السفيه إن تولى معاملته حلف وإلا غرم (و) إذا لم يحلف الصبي ولا وليه مع الشاهد (حلف المطلوب): أي المدعى عليه أن هذا الصبي لا يستحق عندي شيء أو ليس هذا المدعى به له (ليترك) المتنازع فيه (بيده) أي يد المطلوب حوزاً لا ملكاً إلى بلوغ الصبي.
(وأسجل) المدعى به أي أسجله الحاكم على طبق ما وقع من الدعوى والشاهد، وحلف المدعى عليه صوناً لمال الصبي وخوفاً من موت الشاهد أو المدعى عليه (ليحلف) الصبي (إذا بلغ): علة للإسجال.
ــ
قوله: [وقيل بالجواز إن كان يكتبها في وثيقة]: قال (بن) لكن بشرط أن لا يأخذ أكثر مما يستحقه وهو أجرة المثل.
قوله: [وكذا المفتي]: تقدم الكلام عليه مبسوطاً في الإجارة.
قوله: [الانتفاع من المشهود له]: أي في نظير السفر لا في نظير أداء الشهادة فلا يجوز حيث تعينت عليه.
قوله: [لعدم وجوب الأداء عليه]: أي السفر للأداء وإنما يجب عليه أن يؤديها عند قاضي بلده، ويكتب بها إنهاء للقاضي الذي على مسافة القصر أو تنقل تلك الشهادة عن هذا الشاهد بأن يؤديها عند رجلين ينقلانها عنه ويؤديانها عند القاضي الذي على مسافة القصر
قوله: [واعلم أن الدعوى] إلخ: دخول على كلام المصنف.
قوله: [فإذا ادعى واحد منهم]: الضمير يعود على من عدم منه أحد الأوصاف الثلاثة
قوله: [وحلف عبد] إلخ: حاصل فقه هذا المبحث أن العبد سواء كان مأذوناً له في التجارة أو لا إذا أقام شاهداً بحق مالي فإنه يحلف مع شاهده ويستحق المال ويأخذه ولا خلاف في ذلك، فإن نكل العبد عن اليمين فإذا كان غير مأذون له حلف سيده واستحق وإلا ردت اليمين على المدعى عليه، وكذلك السفيه إذا ادعى على شخص بحق مالي وأقام بذلك شاهداً فإنه يحلف مع شاهده ويستحق المال لكن يقبضه وليه، فإن نكل السفيه حلف المدعى عليه لرد شهادة الشاهد وبرئ. ومحل حلف السفيه إذا لم يكن وليه تولى المبايعة وإلا فهو الذي يحلف مع الشاهد قاله (ر) وفرض المسألة أن السفيه أو العبد مدع مع الشاهد، وأما إذا ادعى أحد على عبد أو سفيه فأنكر ولم يقم المدعي بينة فلا يمين على ذلك المدعى عليه سواء كان ذكراً أو أنثى، إذ لا فائدة لليمين لأنها إنما تتوجه إذا كان المدعى عليه يؤاخذ بالإقرار في المال وهنا ليس كذلك.
قوله: [ولا يحلف وليهما عنهما]: أي ما لم تكن المعاملة بيد الولي أو ترد اليمين على العبد، ونكل وهو غير مأذون له فإنه يحلف كل من الولي والسيد ويستحق، وسيأتي هذا القيد في الولي.
قوله: [ولو كان أباً ينفق عليه]: رد بـ "لو" على ابن كنانة القائل بأن الأب يحلف إذا كان ينفق على الولد إنفاقاً واجباً، لأن ليمينه فائدة وهو سقوط النفقة عنه لكن ما مشى عليه المصنف رواية ابن القاسم عن مالك.
قوله: [فإن وليها حلف]: أي كما لو باع الأب أو الوصي أو مقدم القاضي سلعة الصبي لإنسان بثمن ثم طولب المشتري بالثمن فأنكره ووجد شاهداً يشهد له، فإن الأب ومن معه يحلف مع ذلك الشاهد لأنه إذا لم يحلف غرم.
قوله: [لا يستحق عندي شيء]: هكذا نسخة المؤلف برفع "شيء" والإعراب يقتضي نصبه على أنه مفعول لـ "يستحق".
قوله: [ليترك]: بالبناء للمجهول علة للحلف، وهذا إن كان معيناً فإن كان المتنازع فيه ديناً بقي بذمته، وإذا كان معيناً وبقي بيده فغلته له والنفقة على المقضي له به وما ذكره المصنف من ترك المتنازع فيه بيد المدعى عليه بعد يمينه إن كان معيناً هو قول الأخوين وابن عبد الحكم وأصبغ، وقيل: إنه يحلف المطلوب ويوقف ذلك المتنازع فيه المعين تحت يد عدل لبلوغ الصبي ونسبه في التوضيح لظاهر الموازية كذا في (بن).
قوله: [أي أسجله الحاكم]: أي يكتب في سجله الحادثة وشهادة العدل وما حصل عليه الانفصال للخصومة.
قوله: [علة للإسجال]: أي كذا وقول الشارح صوناً وخوفاً فإنهما علتان للإسجال أيضاً فإذا حصل التسجيل وتغير حاله عن العدالة فلا يضر لأن فسقه بعد الإسجال بمنزلة طرو فسقه بعد الحكم وهو لا يضر
(فإن نكل) المطلوب عن اليمين حين الدعوى (أخذه الصبي) لنكول المدعى عليه مع قيام الشاهد به عليه.
(وإن) حلف فترك المدعى به بيده لبلوغ الصبي ليحلف و (نكل) الصبي (بعد بلوغه فلا شيء له وحلف وارثه) أي وارث الصبي (إن مات) الصبي (قبله) أي قبل بلوغه واستحق المدعى به.
(وجاز نقلها): أي الشهادة عن الشاهد الأصلي، وتسمى: شهادة النقل. وإنما تصح بشروط ستة.
أشار لأولها بقوله: (إن قال) الشاهد الأصلي للناقل عنه: (اشهد على شهادتي) - أو نحوه مما يرادفه كما نقلها عني أو ما هو بمنزلة ذلك كما أفاده بقوله: (أو سمعه يؤديها عند حاكم) إذ سماعه يؤديها عند حاكم بمنزلة قوله: اشهد على شهادتي. وأما إذا سمعه يخبر غيره بأني قد شهدت على كذا فلا ينقل عنه. نعم إذا سمعه يقول لغيره: اشهد على شهادتي فهل للسامع النقل؟ فيه خلاف، والمشهور الجواز، وهو داخل في كلامنا لأن المعنى: وقال لغيره: اشهد إلخ، فيجوز ولو لغير المخاطب من السامعين. وشمل كلامه نقل النقل؛ لأن المراد ولو تسلسل، قال ابن عرفة: النقل عرفاً إخبار الشاهد عن سماعه شهادة غيره أو سماعه إياه لقاض، فيدخل نقل النقل ويخرج الإخبار بذلك لغير قاض. اهـ.
ولثانيها بقوله: (وغاب الأصل وهو رجل) الواو للحال، فلا يصح النقل مع حضور الأصل إذا كان رجلاً. وأما المرأة فيصح مع حضور لأن شأن النساء عدم الخروج في الدعاوى.
ولثالثها بقوله: (بمكان): أي إن غاب بمكان (لا يلزم) الأصلي (الأداء منه): كمسافة القصر. وظاهره في الحدود وغيرها وهو مذهب سحنون، وقال ابن القاسم في العتبية: لا يكفي الغيبة في الحدود ثلاثة الأيام، بل لا بد من الزيادة عليها وهو ما مشى عليه الشيخ بقوله:"ولا يكفي في الحدود الثلاثة الأيام"
ــ
فلا يعارض ما سبق من أن طرو الفسق بعد الأداء مضر.
قوله: [فإن نكل المطلوب]: مقابل قوله "وحلف المطلوب".
قوله: [فترك المدعى به]: أي كما تقدم، وإنما أعاده تمهيداً لكلام المصنف
قوله: [وحلف وارثه]: محل حلف الوارث واستحقاقه ما لم يكن ذلك الوارث بيت المال أو مجنوناً أو مغمى عليه غير مرجو الإفاقة، وإلا فلا يحلف وترد اليمين على المطلوب، ويستحق ولا حق لبيت المال، ولا للوارث المجنون أو المغمى عليه ومحل ردها على المطلوب في تلك الحالة ما لم يكن حلف أولاً وإلا فلا تعاد، فإن كان الوارث مجنوناً أو مغمى عليه مرجواً كل الإفاقة انتظر ولا يحلف المطلوب ويوضع المتنازع فيه بيد أمين كذا في الحاشية.
تنبيه: إن تعذر يمين بعض أو كل فالأول كمن وقف وقفاً على بنيه وعقبه وقام عليه شاهد واحد فإن اليمين متعذرة من العقب لعدم وجوده، والثاني كمن وقف وقفاً على الفقراء وقام عليه شاهد، فاليمين متعذرة من جميعهم حلف من يخاطب باليمين وهو البعض الموجود من الموقوف عليهم في الأول والمدعى عليه في الثاني، فإن حلف الموجود مع الشاهد ثبت الوقف، وإن حلف بعض الموجودين دون بعض ثبت نصيب من حلف دون غيره، فإن نكل الجميع بطل الوقف إن حلف المدعى عليه، وإن نكل فحبس بشهادة الشاهد ونكوله، فإن مات البعض الحالف متحداً أو متعدداً ولم يبق إلا لناكل، فهل يستحق نصيب الميت الحالف أهل طبقته الناكلون؛ لأن نكولهم عن الحلف أولاً عن نصيبهم لا يمنع استحقاق نصيب الحالف الميت؟ أو يستحقه أهل البطن الثاني لبطلان حق بقية البطن الأول بنكولهم وأهل البطن الثاني إنما تلقوه عن جدهم المحبس فلا يضرهم نكول أبيهم إن كان هو الناكل؟ تردد، الراجح الثاني وكل من استحق لا بد من يمينه لأن أصل الوقف بشاهد واحد، وينبغي أن يحلف غير ولد الميت؛ لأن ولده يأخذ بالوراثة عن أبيه ومحل التردد المذكور ما لم يشترط الواقف أنه لا يأخذ أحد من أهل البطن الثاني شيئاً إلا بعد انقراض البطن الأول، وإلا كان لأهل البطن الأول اتفاقاً، وموضوع التردد أيضاً في موت البعض الحالف ولم يبق إلا الناكل، وأما إذا بقي بعض من حلف مع البعض الناكلين فلا شيء للناكلين، ويستحق نصيب الميت الحالف بقية الحالفين، وهل يحلفون أيضاً أو لا؟ قولان اهـ ملخصاً من الأصل وحاشيته
قوله: [وجاز نقلها] إلخ: اعلم أن شهادة النقل تجوز في الحدود والطلاق والولاء وفي كل شيء كما أفاده (بن).
قوله: [والمشهور الجواز]: قال المواق ابن رشد: إن سمعه يؤديها عند الحاكم أو سمعه يشهد غيره وإن لم يشهده فالمشهور أنها جائزة اهـ (بن).
قوله: [فيدخل نقل النقل]: أي في قوله "أو سماعه إياه". وقوله: [لقاض]: متعلق بـ "إخبار". وحاصل هذا التعريف أن قوله "إخبار الشاهد" من إضافة المصدر لفاعله و "شهادة" مفعول لـ "سماعه". بمعنى أن الشاهد يخبر القاضي أنه سمع تلك الشهادة من غيره لكونه قال له: انقلها عني أو سمعه يؤديها عند حاكم، وقوله "أو سماعه إياه" الضمير في "إياه" يعود على الإخبار بمعنى الشهادة أي سمع الشهادة عن ناقل غير صاحبها الأصلي فلذلك قلنا يدخل فيه نقل النقل
قوله: [مع حضور]: هكذا
وفيه إشكال؛ لأنه إذا كان على مسافة القصر ولم يبعد أكثر من ثلاثة أيام لم يلزم الأصلي الإتيان لمحل الحكم كما مر، فلم لم يجز النقل عنه؟ وعطف على قوله "أو غاب" قوله:(أو مات) الأصل (أو مرض) مرضاً يعسر معه الحضور عند الحاكم.
ولرابعها بقوله: (ولم يطرا [1]) للأصيل (فسق أو عداوة) للمشهود عليه قبل الأداء.
(بخلاف) طرو (جن): أي جنون للأصل بعد تحمل الأداء فلا يضر في النقل عنه كالموت والمرض.
ولخامسها بقوله: (ولم يكذبه) أي الناقل (أصله): فإن كذبه حقيقة.
أو حكماً -كشكه في أصل شهادته- لم يصح النقل عنه (قبل الحكم) بشهادة النقل.
(وإلا) بأن كذبه بعد الحكم بها (مضى) الحكم (ولا غرم) على الناقل ولا على الأصل المكذب له.
ولسادسها بقوله: (ونقل) عطف على "غاب"(عن كل): أي عن كل واحد من شاهدي الأصل (اثنان): وهو صادق بأربعة عن كل واحد اثنان متغايران. وباثنين نقلا عن هذا وعن الآخر، وبثلاثة نقل اثنان منهم عن زيد وأحدهما مع الثالث عن عمرو.
(ليس أحدهما): أي الناقلين (أصلاً) أدى شهادته بلا نقل عنه؛ لأنه إذا كان أحدهما أصلاً لزم ثبوت الحق بشاهد فقط لأن الناقل المنفرد كالعدم.
(و) نقل (في الزنا أربعة عن كل) من الأربعة، صادق بستة عشر وبأربعة فقط، نقلت عن كل من الأربعة وبغير ذلك كما علم مما قبله.
(أو) نقل أربعة في الزنا (اثنان) منهم (عن كل اثنين) من الأصل كأن نقلا عن زيد وعمرو ونقل الآخران عن بكر وخالد، فيكفي، فإن نقل اثنان عن ثلاثة وعن الرابع اثنان آخران لم تصح -خلافاً لابن الماجشون- لأن شهادة الفرع لا تصح إلا إذا صحت شهادة الأصل لو حضر والرابع لو حضر مع الاثنين الناقلين لا تصح شهادته معهما لنقص العدد.
(و) جاز (تلفيق ناقل بأصل): أي معه في الزنا وغيره كأن ينقل اثنان عن اثنين في الزنا مع أصلين.
ــ
نسخة المؤلف والمناسب مع حضورها، والمراد بحضورها كونها على ثلاثة برد فأقل، وليس المراد حضورها في المجلس وإلا كان النقل عنها عبثاً.
قوله: [وفيه إشكال]: وحاصل الجواب أنه إذا كان الشاهد بموجب حد على مسافة القصر فقط، فإنه يرفع شهادته إلى قاضي بلده ويخاطب القاضي بها قاضي المصر الذي يراد نقل الشهادة إليه قال ابن عاشر: وانظر لم لم يكتف بنقل الشهادة هنا واكتفوا بالخطاب إلى قاضي بلد الخصومة؟ وأجيب بأن النفوس تثق بنقل القاضي عن الشهود أعظم من وثوقها بنفس الشهود.
قوله: [ولم يطرا]: هكذا نسخة المؤلف بالألف والفصيح حذفها للجازم.
قوله: [قبل الأداء]: أي وأما طروه للمنقول عنه بعد أداء الناقل فلا يضر ظاهره ولو قبل الحكم وهو كذلك كما في المجموع نقلاً عن (بن) والحاشية.
قوله: [قبل الحكم]: قيد في عدم التكذيب. والحاصل أن الفسق والعداوة لا يضر طروهما بعد الأداء ولو قبل الحكم، وإنما يضر طروهما قبل الأداء وهذه طريقة. وتقدم للمصنف أن حدوث الفسق يضر بعد الأداء وقبل الحكم، بخلاف حدوث العداوة فلا يضر وهما طريقتان، وأما تكذيب الأصل لفرعه أو شكه فمضر إذا كان قبل الأداء أو بعده وقبل الحكم، فإن كان بعد الحكم لم يضر.
قوله: [بأربعة]: أي كون الناقل أربعة.
قوله: [وباثنين]: معطوف على "بأربعة" وكذا قوله "وبثلاثة".
قوله: [أي الناقلين]: بالجر تفسير للضمير لأنه في محل جر بالإضافة.
قوله: [صادق بستة عشر]: أي من ضرب أربعة في أربعة.
قوله: [نقلت عن كل من الأربعة]: راجع للثانية، وأما الأولى فكل أربعة تنقل عن واحد.
قوله: [وبغير ذلك]: أي كثمانية ينقل كل أربعة منهم عن كل واحد من اثنين من الأصول، واثني عشر تنقل كل أربعة منها عن واحد من اثنين من الأصول وتزيد أربعة منها بالنقل عن الرابع.
قوله: [كأن نقلا]: أي الاثنان معاً بأن سمعاها من زيد ثم سمعاها من عمرو.
قوله: [ونقل الآخران]: أي الاثنان الآخران أي سمعاها من بكر ثم سمعاها من خالد فهذه صورة خامسة.
قوله: [لنقص العدد]: أي لأن الناقل ينزل منزلة الأصلي ويلغى الأصلي.
والموضوع أن الناقل عن الثلاثة اثنان فإذا حضر معهما الرابع الأصلي كان في الحقيقة ثالثاً وكذلك لا تصح لو نقل ثلاثة عن ثلاثة وواحد عن الأربعة، لأنها آلت إلى أن الأربعة نقلوا عن كل واحد من الثلاثة ونقل عن الرابع واحد فقط. وأما لو نقل ثلاثة عن ثلاثة واثنان عن واحد لكفى كما في سماع أبي زيد عن ابن القاسم كذا في (بن).
تنبيه: يشترط في صحة شهادة النقل في الزنا أن يقول الشهود لمن ينقل عنهم: اشهدوا عنا أننا رأينا فلاناً يزني وهو كالمرود في المكحلة، ولا يجب الاجتماع وقت النقل ولا تفريق الناقلين وقت شهادتهم عند الحاكم بخلاف الأصول.
قوله: [كأن ينقل اثنان عن اثنين]: أي وكأن يشهد ثلاثة بالرؤية وينقل اثنان عن رابع. ومحل جواز التلفيق إذا كان النقل صحيحاً كما ذكر في المثالين احترازاً
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
كذا في ط الحلبية وط المعارف، وفي «أقرب المسالك»:«يطْرَ» .
(و) جاز (تزكية ناقل أصله) الناقل هو عنه.
(و) جاز (نقل امرأتين): عن رجل أو عن امرأة (مع رجل) ناقل معهما عمن ذكر لا مع رجل أصلي، لأنهما بمنزلة رجل واحد، ولا نقل لواحد إذ هو كالعدم كما مر (فيما يشهدن فيه): وهي الأموال وما آل إليها وما لا يظهر إلا للنساء كالولادة وعيب الفرج، لا في نحو طلاق وقصاص.
ثم شرع في بيان أحكام رجوع الشاهدين عن شهادتهما فقال: (وبطلت) الشهادة (إن رجع) الشاهد أي جنسه الصادق بالمتعدد (قبل الحكم) وبعد الأداء فأولى قبله.
(لا) إن رجع (بعده) أي الحكم فلا تبطل وقد تم الحكم ومضى في المال فيغرمه المشهود عليه للمدعي بمقتضى شهادتهما.
(وغرم) الشاهد (المال والدية) للمشهود عليه بعد أن غرمه للمدعي المشهود له، قال ابن القاسم: إذا رجعا في طلاق أو عتق أو دين أو قصاص أو حد أو غير ذلك فإنهما يضمنان قيمة المعتق، وفي الطلاق إن دخل بالزوجة فلا شيء عليهما، وإن لم يدخل ضمنا نصف الصداق للزوج، ويضمنان الدين والعقل في القصاص في أموالهما. اهـ. وقال أشهب: يقتص من الشاهدين في العمد، أي لأنهم تسببوا في قتل نفس بلا شبهة، وهو ظاهر. وهذا إن رجعوا بعد الاستيفاء في القتل ومثله الرجم.
(ونقض) الحكم (إن [1] ثبت كذبهم) بعد الحكم و (قبل الاستيفاء) في القتل والقطع والحد (لحياة من شهدوا بقتله، أو جَبِّهِ قبل الزنا): أي جب من شهدوا بزناه: أي ثبت أنه مجبوب قبل شهادتهم بالزنا أي قبل الزنا الذي شهدوا به. ولا يلزمهم حد القذف؛ لأن من رمى المجبوب بالزنا لا حد عليه كما في المدونة.
(وإلا) يثبت قبل الاستيفاء بل ثبت كذبهم بعده (غرموا) الدية: أي دية من قتل قصاصاً أو رجماً بشهادتهم.
(ولا يشاركهم) في الغرم (شاهد [2] الإحصان) أي إذا شهد أربعة بزنا شخص وشهد اثنان بإحصانه فرجم، ثم تبين أنه كان مجبوباً قبل الزنا فالدية على شاهدي الزنا فقط ولا يشاركهم فيها شاهدا الإحصان، لأن شهادتهما في نفسها لا توجب حداً، هذا مذهب ابن القاسم وهو [3] الراجح.
وقال أشهب: يشاركهم في الغرم بينة الإحصان إذ لولاها ما رجم.
ــ
مما إذا نقل اثنان عن ثلاثة وشهد الرابع بنفسه فإنه لا يجوز كما تقدم.
قوله: [وجاز تزكية ناقل أصله]: أي بعد أن ينقل عن شهادته وكلهم لم ينظروا إلى التهمة في ترويج نقله؛ لأنه خفف في شهادة النقل ما لم يخفف في الأصلية ولذا لا يجوز تزكية الأصل للناقل عنه.
قوله: [مع رجل ناقل معهما]: فإن لم يكن معهما رجل فلا يجتزئ بنقل المرأتين ولو فيما لا يظهر للرجال على المعتمد كما يفيده ابن عرفة اهـ (بن).
قوله: [لا مع رجل أصلي]: أي خلافاً للتتائي حيث اجترأ به.
قوله: [لا في نحو طلاق وقصاص]: أي من كل ما لا تصح فيه شهادتهن استقلالاً. والحاصل أن ما تقبل فيه شهادة النساء مع يمين أو مع رجل وهو المال وما يئول إليه، وكذا ما يختص بشهادتهن كالولادة والاستهلال وعيب الفرج يجوز نقل النساء فيه إذا تعددن مع رجل ناقل معهن، سواء نقلن عن رجل أو امرأة، فإن نقلن لا مع رجل أصلاً أو مع رجل أصلي لم يقبل النقل ولو كثرن جداً، وما لا تقبل فيه شهادة النساء أصلاً لا يقبل فيه نقلهن ولو صاحبهن رجل ناقل
قوله: [إن رجع الشاهد] إلخ: محل البطلان ما لم يبق من الشهود ما يستقل به الحكم من غير رجوع وإلا فلا يعتد بالراجع، فلو بقي شاهد واحد في الأموال، وما يئول إليها وحلف معه المدعي كفى.
قوله: [فأولى قبله]: أي قبل الأداء وفي الحقيقة قبل الأداء لم توجد صورتها فلا يتوهم قبولها
قوله: [قال ابن القاسم]: هذا دليل على كلام المصنف وهو أعم منه ولا محظور فيه.
قوله: [وفي الطلاق إن دخل بالزوجة]: أي لأنه بعد الدخول استحقت عليه جميع الصداق وإن لم يحصل منه طلاق فلم يفوتاه إلا التمتع بها في المستقبل وهو لا قيمة له وسيأتي.
قوله: [ضمنا نصف الصداق]: أي بناء على أنها لا تملك بالعقد شيئاً وهو مشهور مبني على ضعيف.
قوله: [ويضمنان الدين والعقل]: إلخ: ظاهره تعمدا الزور ابتداء أم لا.
قوله: [وقال أشهب: يقتص] إلخ: أي ويغرمان الدية إذا لم يتعمدا.
قوله: [وهذا]: أي جميع ما تقدم.
قوله: [ونقض الحكم] إلخ: أي لحرمة الدم وحينئذ فلا غرم على الشهود وهو الذي رجع إليه ابن القاسم وعليه عامة أصحاب مالك وقيل: لا ينقض الحكم وهو الذي رجع عنه ابن القاسم ومشى عليه خليل.
قوله: [غرموا الدية] إلخ: أي على قول ابن القاسم وأما أشهب فإنه يقول بالقصاص منهما.
قوله: [على شاهدي الزنا]: بكسر الدال جمع شاهد.
قوله: [ولا يشاركهم في الغرم]: الضمير البارز في يشاركهم يعود على شهود الزنا المفهومين من قوله "أو جبه قبل الزنا".
قوله: [وقال أشهب يشاركهم] إلخ: اختلف على قوله هل الستة يستوون في الغرم أو على شاهدي الإحصان نصفها لأن الشهادة نوعان فيكون على كل نصفها، قولان كما في (بن) ولا يقول أشهب في هذه بالقصاص على متعمد الزور؛ لأن شهادتهم لا تستلزم قتلهم لكونهم
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (وإن).
[2]
في ط المعارف: (شاهدا).
[3]
ليست في ط المعارف.
(وأدبا): أي الشاهدان إذا رجعا بعد الحكم بالحد (في كقذف) أدخل بالكاف: شرب الخمر والشتم واللطم وضرب السوط. وأما شهود الزنا إذا رجعوا قبل الحكم أو بعده فعليهم حد القذف وعليهم أيضاً غرم الدية إن رجم كما تقدم، ما لم يثبت أن المشهود عليه به كان مجبوباً أو غير عفيف فلا حد قذف على الراجح. والمسألة استوفاها الشيخ عمت بركاته (ولا يقبل رجوعهما عن الرجوع) عن الشهادة، فإذا شهدا بحق ثم رجعا قبل الحكم بطل شهادتهما. فإن رجعا عن الرجوع إلى الشهادة لم تقبل منهم، وإذا رجعا بعد الحكم عن الشهادة ثم رجع إليها لم تقبل منهم ويغرمان. ما أتلفاه بشهادتهما؛ كالراجع المتمادي؛ لأن رجوعهما عن الرجوع يعد ندماً ولأنه بمنزلة من أقر ورجع عن إقراره.
(وإن علم الحاكم بكذبهم) في شهادتهم (وحكم) بما شهدوا به من قتل أو رجم أو قطع (فالقصاص) عليه دون الشهود وسواء باشر القتل أو لا.
(كولي الدم): إذا علم بكذبهم وأقامهم وحكم الحاكم بهم فإنه يقتص منه، فإن علم الحاكم والولي اقتص منهما. ومفهوم:"علم بكذبهم" أنه إذا لم يعلم فلا قصاص وإن علم بقادح فيهم، وهو المعتمد. وإنما على الحاكم الدية في ماله.
(وإن رجعا عن طلاق) أي عن شهادتهما بطلاق بعد الحكم (فلا غرم) عليهما (إن دخل) الزوج المشهود عليه بالطلاق بزوجته المشهود بطلاقها لأنهما لم يتلفا عليه بشهادتهما مالاً وإنما فوتاه الاستمتاع ولا قيمة له وقد استحقت جميع الصداق بالدخول.
(وإلا) يدخل الزوج بها (فنصف الصداق) يغرمانه له
ــ
لا يشهدون بإحصانه.
قوله: [وأدبا] إلخ: محل أدبهما حيث تبين كذبهما عمداً فإن تبين أنه اشتبه عليهما فلا أدب وإن أشكل الأمر فقولان بالتأديب وعدمه
قوله: [واللطم]: أي الضرب بالكف.
قوله: [فلا حد قذف على الراجع]: أي لما يأتي من أن حد القذف شرطه أن يكون المقذوف عفيفاً ذا آلة.
قوله: [والمسألة استوفاها الشيخ]: حاصل ما بقي من الذي استوفاه الشيخ أن شهود الزنا الراجعين يحدون حد القذف مطلقاً رجعوا قبل الحكم أو بعده قبل الاستيفاء أو بعده مع غرم الدية في الرجم كرجوع أحد الأربعة قبل الحكم وإن رجع بعده حد الراجع فقط. وأما إن ظهر أن أحد الأربعة عبد أو كافر حد الجميع وإن رجع اثنان من ستة فلا غرم وإلا حد، وإنما يؤدبان بالاجتهاد إلا أن يتبين أن أحد الأربعة عبد أو كافر فيحد الراجعان والعبد ولا حد على الثلاثة الباقين؛ لأنه قد شهد معهم اثنان ولا عبرة برجوعهما في حقهم لأن شهادتهما معمول بها في الجملة وغرم الراجعان فقط دون العبد ربع الدية ثم إن رجع ثالث من الستة ولم يكن فيهم عبد حد هو والسابقان وغرموا ربع الدية، وإن رجع رابع غرموا نصفها أرباعاً بين الأربعة مع حد الرابع أيضاً وخامس فثلاثة أرباعها بينهم أخماساً وسادس فجميعها أسداساً مع حده أيضاً، وإن شهد ستة بزنا محصن ورجع أحدهم بعد فقء عينه وثانيهم بعد موضحته وثالثهم بعد موته، فعلى الأول سدس دية العين لذهابها بشهادته وعلى الثاني سدس دية العين وخمس دية الموضحة وعلى الثالث ربع دية النفس لأنها ذهبت بشهادة أربعة هو أحدهم، ولا شيء عليه من دية العين والموضحة لاندراجهما في النفس، وهذا مبني على مذهب ابن المواز من أن الرجوع بعد الحكم وقبل الاستيفاء يمنع من الاستيفاء، وأما على قول ابن القاسم فينبغي أن يكون على الثلاثة الراجعين ربع دية النفس دون العين والموضحة؛ لأنه قتل بشهادة الستة ودية الأعضاء تندرج فيها اهـ ملخصاً من الأصل.
قوله: [بطلت شهادتهما]: أي ولا يحكم القاضي على الخصم بتلك الشهادة.
قوله: [لم تقبل منهم]: أي لجرحتهم بذلك فلا يعتد بشهادتهم مطلقاً رجعا لها أم لا.
قوله: [عن الشهادة]: متعلق بـ"رجعا" أي بعد أن حكم القاضي بشهادتهما.
قوله: [رجعا]: فلا يعتد برجوعهما والحكم بشهادتهما ماض.
وقوله: [ويغرمان ما أتلفاه]: أي من دية النفس أو المال، ورجوعهما للشهادة ثانياً لا يدفع عنهما غرماً لأنه يعد ندماً كما قال الشارح.
قوله: [ولأنه بمنزلة من أقر]: أي بحق مالي أو ما في معناه من كل ما يؤخذ فيه بالإقرار.
قوله [وإن علم] إلخ: أي ثبت علمه بذلك بإقراره لا ببينة تشهد عليه بعلمه فلا يقتص منه إن كان منكراً للعلم، وذلك لفسقهم بكتمهم الشهادة قبل الاستيفاء هكذا قالوا، ولكن هذا ظاهر إن لم تعذر البينة وقت الاستيفاء بغيبة مثلاً، وإلا كان بمنزلة إقراره.
قوله: [وسواء باشر القتل أو لا]: أي فالمباشر للقتل بأمره كالجلاد ولا شيء عليه ما لم يعلم بكذب الشهود أيضاً وإلا اقتص منه كالحاكم والولي لتمالؤهم على القتل.
قوله: [وإن علم بقادح فيهم]: أي وذلك لأنه لا يلزم من وجود القادح في الشاهد كذبه.
قوله: [وإنما على الحاكم الدية في ماله]: أي ولا يشاركه فيها المدعي إن كان يعلم القادح كالحاكم؛ لأن البحث عن القادح من وظيفة القاضي لا المدعي.
بناء على أنها لا تملك بالعقد شيئاً، وإنما يجب لها النصف بالطلاق.
ثم شبه في غرمهما نصف الصداق بقوله: (كرجوعهما) أي الشاهدين (عن دخول) أي شهادتهما بدخول (ثابتة الطلاق) بإقرار زوجها به أو ببينة عليه به وأنكر الدخول بها فشهدا عليه به، فغرم لها جميع الصداق ثم رجعا بعد الحكم عن شهادتهما بالدخول، فيغرمان له نصفه. فإن رجع أحدهما غرم له الربع. وهذا في نكاح التسمية. وأما في التفويض فيغرمان له جميع صداق المثل؛ لأنه إنما يلزمه بالدخول لا بالطلاق قبله.
(واختص به) أي بغرم نصف الصداق (الراجعان عن) شهادة (الدخول عن الراجعين عن) شهادة (طلاق) أي إذا شهدا على رجل بأنه طلق امرأته، وشهد آخران بأنه دخل بها، فحكم عليه الحاكم بالطلاق وجميع الصداق، ثم رجع الأربعة عن شهادتهم، فقد تم الحكم ولا ينقض، واختص شاهدا الدخول؛ بغرم نصف الصداق للزوج دون بينة الطلاق؛ لأن رجوعها بمنزلة رجوع شهادة طلاق مدخول بها ولا غرم عليها كما تقدم.
(و) إن رجعا (عن عتق) أي عن شهادتهما به بعد الحكم به (غرما) لسيد العبد (قيمته يوم الحكم، وولاؤه له): أي لسيده دون الشاهدين (فإن كان) العتق الذي شهدا به ثم رجعا (لأجل) غرما قيمته يوم الحكم لسيده. وإذا غرماها (فمنفعته) أي العبد (لهما) أي الشاهدين الراجعين (إليه) أي إلى الأجل يستوفيان منها القيمة التي غرماها لسيده.
(إلا أن يستوفياها قبله) أي قبل تمام الأجل فيرجع الباقي من المنفعة للسيد. وإن حل الأجل قبل استيفائها ضاع الباقي عليهما. وهذا قول سحنون، وهو أرجح الأقوال التي ذكرها الشيخ.
الثاني: يغرمان القيمة بعد أن يسقط منها قيمة المنفعة مدة الأجل على الرجاء والخوف.
الثالث: يخير السيد بين أن يسلم المنفعة لهما بعد أخذ القيمة منهما وبين أن يبقيها تحت يده ويدفع لهما قيمتها شيئاً فشيئاً على التقضي حتى يتم الأجل.
(و) إن رجعا (عن مائة) شهدا بها (لزيد وعمرو) معاً على السوية، ثم رجعا بعد الحكم بها لهما و (قالا: بل هي) أي المائة كلها (لزيد) ولا شيء منهما لعمرو (اقتسماها): أي زيد وعمرو؛ لأن الحكم بها لهما لا ينقض.
(وغرما للمدين خمسين فقط) عوضاً عن الخمسين التي أخذها عمرو منه ولا يغرمان له جميع المائة لاتفاقهما على زيد من غير رجوع عنه وليس لزيد سوى الخمسين التي تخصه من المائة.
(وإن رجع أحدهما) أي أحد الشاهدين في جميع مسائل الرجوع دون الآخر (غرم) الراجع (النصف): أي نصف الحق فيغرم نصف الدية في القتل ونصف المال في غيره، فيغرم للمدين في مسألة زيد وعمرو خمساً وعشرين.
واختلف: إذا ثبت الحق بشاهد ويمين ثم رجع الشاهد بعد الحكم هل يغرم جميع الحق؟ وهو قول ابن القاسم
ــ
قوله [بناء على أنها لا تملك بالعقد شيئاً]: أي فهو مشهور مبني على ضعيف
قوله: [وأما في التفويض]: أي كما إذا عقد عليها من غير تسمية صداق ثم طلقها وادعى عدم الدخول وأنه لا شيء عليه فشهدا عليه بالدخول غرم جميع الصداق لها، فإذا رجعا عن الشهادة غرما له كل الصداق لأنها لا تستحقه في نكاح التفويض إلا بالدخول ولم يحصل.
قوله: [واختص شاهدا الدخول بغرم نصف الصداق]: ما ذكر الشارح من أن شاهدي الدخول إذا رجعا يغرمان نصف الصداق للزوج هو ما في التتائي وحلولو وابن مرزوق بناء على أنها تملك بالعقد النصف والنصف الثاني ما أوجبه إلا شاهدا الدخول، وقال الشيخ أحمد الزرقاني وبهرام يغرمان كل الصداق بناء على أنها لا تملك بالعقد شيئاً والدخول الذي شهدا به أوجب كل الصداق فإذا رجعا عن الشهادة غرما ما أتلفاه بتلك الشهادة.
قوله: [رجوع شهادة]: الكلام على حذف مضاف أي أصحاب شهادة هكذا علل الشارح تبعاً للبناني.
تتمة: إذا ماتت المرأة في مسألة رجوع شاهدي الطلاق والدخول، واستمر الزوج على إنكاره للطلاق فإن شاهدي الدخول يرجعان عليه بما غرماه له، لأن موتها في عصمته يكمل عليه الصداق ورجع الزوج على شاهدي الطلاق بما فوتاه من إرثه منها إذ لولا شهادتهما لورثها، وإن مات هو رجعت على شاهدي الطلاق بما فوتاه من الإرث للعلة المذكورة.
قوله: [وولاؤه له]: أي فإذا مات العبد ولا وارث له أخذ سيده ماله، وانظر لو كان له وارث هل يرجع السيد على الشهود بما أخذه الوارث لأنه لولا شهادتهما لأخذ ماله بالرق أولا لأنهما غرما له قيمته وهو الظاهر اهـ (عب).
قوله: [إلا أن يستوفياها]: استثناء من استمرار المنفعة للأجل.
قوله: [الثاني يغرمان القيمة]: هو قول عبد الله بن عبد الحكم كما قال ابن عرفة وابن عبد السلام.
قوله: [الثالث يخير السيد]: هو قول ابن المواز.
قوله: [شهدا بها لزيد وعمرو]: أي على بكر مثلاً
قوله: [وغرما للمدين]: أي الذي هو بكر.
قوله: [عوضاً عن الخمسين التي أخذها عمرو]: أي لإتلافهما تلك الخمسين على المدين الذي هو بكر ليس بشهادتهما.
قوله: [وليس لزيد سوى الخمسين التي تخصه]: أي ولو كان يدعي المائة بتمامها لأن العبرة بالشهادة الأولى التي ثبت بها الحكم
قوله: [غرم الراجع النصف]: أي إن كان رجوعه عن جميع الحق الذي شهد به، وأما إن كان رجوعه
وهو المشهور، أو يغرم نصفه لأن اليمين معه كشاهد؟ (كرجل) شهد (مع نساء) ثم رجع فيغرم نصف الحق.
(وعليهن) إن رجعن (وإن كثرن النصف) لأنهن بمنزلة رجل ولو كن ألفاً أو أكثر (إلا أن يبقى منهن اثنتان) فلا شيء على الراجعات لتمام الشهادة بالاثنتين (فإن بقيت) منهن (واحدة) فقط (فالربع) يلزم جميع الراجعات بالسوية ولو ترتبوا في رجوعهن (وهو) أي الرجل (معهن في) ما يقبل فيه المرأتان (كرضاع) وولادة، (كامرأة) فقط لا كاثنتين بخلاف الأموال؛ فإنه معهن كامرأتين. فإذا شهد رجل ومائة امرأة بمال ورجع الرجل بعد الحكم فعليه نصفه، وكذا إن رجع معه ما عدا امرأتين ولا شيء على الراجعات إذ لا تضم النساء للرجل في الأموال. فإذا رجعت الباقيتان كان على جميعهن النصف وعلى الرجل النصف. وأما في الرضاع ونحوه فكامرأة واحدة فإذا شهد برضاع مع مائة امرأة ثم رجع مع ثمانية وتسعين منهن فلا غرم؛ لأنه بقي من يستقل بالحكم. فإن رجعت امرأة من الباقيتين كان نصف الغرامة عليه وعلى الراجعات، فإن رجعت الباقية كان الغرم بجميع الحق عليه وعليهن وهو كامرأة. وهذا هو الذي يفيده قول الشيخ في باب الرضاع:"وثبت برجل وامرأة وبامرأتين" فعلم من قوله: "وبامرأتين" أنه بمنزلة امرأة في الرضاع وهو المذهب، وأما قوله هنا "كاثنتين" فخلاف المذهب. فإن قلت: كيف يتصور الغرم في الرضاع على شاهدي الرجوع فيه لأنهما إن شهدا بالرضاع قبل الدخول فسخ النكاح بلا مهر، وإن شهدا به بعد الدخول فالمهر تقرر عليه للوطء، وإنما فوتا عليه بشهادتهما العصمة وهي لا قيمة لها؟ فالجواب: أنه يتصور إذا مات الزوج أو الزوجة فيغرم الراجع للحي منهما ما فوته من الإرث ويغرم للمرأة ما فوتاها من الصداق إن كانت الشهادة والرجوع عنها قبل الدخول.
(وإن رجع) الشاهد عن بعض ما شهد به غرم نصفه -أي: نصف البعض- فإن رجع عن نصف ما شهد به غرم ربع الحق، وإن رجع عن ثلثه غرم سدس الحق.
(وإن رجع) بعد الحكم من الشهود (من يستقل الحكم بدونه) كواحد من ثلاثة وكاثنين من أربعة (فلا غرم) على الراجع لاستقلال الحكم بالباقي.
(فإن رجع) بعده (غيره) ممن يستقل الحكم به (فالجميع) أي جميع الراجعين يغرمون ما رجعوا عنه فإن رجع ما عدا واحداً [1] فالنصف على الجميع سوية. فإن رجع الأخير فالحق كله على الجميع.
ثم ذكر مسألة تتعلق بجميع ما تقدم، تعرف بمسألة غريم الغريم بقوله:(وللمقضي عليه) بالحق بشهادة الشاهدين الراجعين بعد الحكم وقبل دفعه الحق للمدعي (مطالبتهما) أي الشاهدين الراجعين (بالدفع) أي دفع الحق (للمقضي له) وهو المدعي بأن يقول المدعى عليه لهما: ادفعا الحق الذي رجعتما [2] عن شهادتكما به للمدعي.
(وللمقضي له) بالحق وهو المدعي (المطالبة) لهما أيضاً وذلك (إذا تعذر) الطلب (من المقضي عليه) لموته أو عسره أو غيبته لا إن لم يتعذر
ــ
عن بعض الحق فسيأتي.
قوله: [وهو المشهور]: أي وإن كان مبنياً على ضعيف من أن اليمين مع الشاهد استظهار أي مقوية للشاهد فقط والحق ثابت بالشاهد.
قوله: [لأن اليمين معه كشاهد]: أي مكملة لنصاب الشهادة.
قوله: [فإن بقيت منهن واحدة]: إلخ: فإن رجعت تلك الواحدة غرم الجميع النصف كما سيأتي.
قوله: [ولو ترتبوا]: المناسب ترتبن
قوله: [كرضاع وولادة]: أي واستهلال ونحو ذلك مما تقدم.
وقوله: [كامرأة] أي في الغرم عند الرجوع عن الشهادة وهذا هو المشهور.
قوله: [ما عدا امرأتين]: أي بأن رجع معه ثمان وتسعون.
قوله: [إذ لا تضم النساء للرجل في الأموال] إلخ: أي لأنه يعد شطراً مستقلاً والشطر الآخر إما امرأتان أو اليمين.
قوله: [كان على جميعهن النصف]: أي على الصواب خلافاً لمن قال: إن النصف يلزم الباقيتين فقط.
قوله: [عليه وعلى الراجعات]: أي ويعد رأساً معهن.
قوله: [وثبت برجل] إلخ: مقول قول الشيخ.
قوله: [وأما قوله هنا كاثنتين]: أي حيث قال وهو معهن في الرضاع كاثنتين.
قوله: [ما فوته من الإرث]: أي كانت الشهادة قبل الدخول أو بعده
قوله: [ويغرم للمرأة ما فوتاها من الصداق]: أي مع الإرث. لا يقال إنه سبق في النكاح أن الفسخ قبل البناء لا شيء فيه إلا في نكاح الدرهمين وفرقة المتلاعنين والمتراضعين فإن فيه نصف المسمى؛ لأننا نقول ذلك فيما إذا ادعى الزوج الرضاع قبل البناء وهي تنكره ولا بينة، أما لو كان هناك بينة شهدت به كما هنا فالفسخ من غير لزوم شيء أصلاً.
قوله: [ما عدا واحد]: هكذا نسخة المؤلف والمناسب النصب.
قوله: [الذي رجعتم]: المناسب رجعتما قوله: [وللمقضي له] إلخ: أي خلافاً لابن المواز القائل: لا يلزم الشاهدين غرم للمقضي له إذا طالبهما لاحتمال أن المقضي عليه لو حضر من غيبته لأقر بالحق فلا يغرمان كذا وجه به كلام الموازية وهو لا يظهر في الموت والفلس مع جعل التعذر شاملاً لهما، ونص الموازية إذا حكم بشهادتهما ثم رجع فهرب المقضي عليه قبل أن يؤدي فطلب المقضي له أن يأخذ الشاهدين بما كان يغرمان لغريمه لو غرم لم يلزمهما غرم حتى يغرم المقضي عليه فيغرمان له حينئذ، ولكن ينفذ
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (واحد).
[2]
في ط المعارف: (رجعتم).
فليس له مطالبته وإنما يطالب غريمه وهو المقضي عليه.
ولما فرغ من الكلام على رجوع الشاهدين شرع يتكلم على حكم تعارض البينتين فقال: (وإن تعارض بينتان وأمكن الجمع) بينهما (جمع) ولا تسقط واحدة منهما؛ كما لو ادّعى عليه بأن له عليه إردباً من قمح وأقام عليه به بينة ثم ادعى عليه بإردب وأقام عليه أخرى، أو ادعى بأنه أسلمه ثوباً في مائة إردب حنطة ببينة، ثم ادعى بأنه أسلمه ثوبين في مائة، أو قامت عليه بينة بأنه أعتق عبده فلان وأخرى بأنه طلق زوجته.
(وإلا) يمكن الجمع بينهما (رجح) أي وجب الترجيح (ببيان السبب) للملك؛ فإذا شهدت بينة بأن هذا ملك لزيد وأطلقت، وشهدت أخرى بأنه ملك عمرو وبينت سبب الملك (كنسج ونتاج) بأن قال: نسجه أو كتبه أو ورثه أو نتج عنده أو اصطاده فإنها تقدم على من أطلقت لزيادتها بيان سبب الملك.
(أو) بسبب ذكر (تأريخ) فتقدم على من لم تؤرخ (أو تقدمه) أي التأريخ، فتقدم على المتأخرة به ولو كانت المتأخرة أعدل، وكذا من بينت السبب
(أو) بسبب (مزيد) أي زيادة (عدالة) في إحداهما فتقدم على الأخرى.
(لا) بمزيد (عدد) ولو كثر، ما لم تفد الكثرة العلم. واعلم أن الترجيح بما مر إنما يكون في الأموال وما آل إليها خاصة، وهو ما يثبت الحق فيه بالشاهد واليمين على المذهب. وأما غيرها -مما لا يثبت إلا بعدلين- كالنكاح والطلاق والعتق والحدود - فلا يقع الترجيح في شيء من ذلك بزيادة العدالة لأنها بمنزلة الشاهد الواحد، وهو لا يفيد في غير الأموال. ولذا كان يحلف مقيمها في الأموال معها على الراجح. قال ابن عرفة: قال بعض القرويين: اختلف إذا كانت إحدى البينتين أعدل هل يحلف صاحب الأعدل؟ ففي المدونة أنه يحلف. اهـ.
ــ
الحكم للمقضي عليه على الراجعين بالغرم هرب أو لم يهرب. فإن أغرم أغرمهما.
قوله: [فليس له مطالبته]: المناسب مطالبتهما.
قوله: [على رجوع الشاهدين]: يقرأ بكسر الدال جمع شاهد والمراد به الجنس الصادق بالواحد والمتعدد قوله: [وإن تعارض بينتان]: عرف التعارض بأنه اشتمال كل من البينتين على ما ينافي الأخرى.
قوله: [وأمكن الجمع]: أي عقلاً.
وقوله: [جمع]: أي بالفعل أي عمل به وصير إليه.
قوله: [كما لو ادعى عليه]: الأظهر بناؤه للفاعل والضمير يعود على المدعي المعلوم من المقام وكذا ما بعده.
قوله: [بأن له عليه أردباً من قمح] إلخ: ظاهره أنه في هذا المثال يحكم عليه بالأردبين من غير تفصيل، وليس كذلك بل تقدم في الإقرار ما حاصله أنه إذا شهد في ذكر بمائة وفي آخر بمائة فالمائتان لأن الأذكار أموال عند ابن القاسم وأصبغ. بخلاف الإقرار المجرد عن الكتابة فمال واحد على التحقيق. كما إذا أقر عند جماعة بأن عليه لفلان مائة، ثم أقر عند أخرى بأن لفلان عليه مائة فمائة فقط وهذا إذا لم يذكر اختلاف السبب واتفقا صفة وقدراً وإلا فالمائتان نحو له علي مائة من بيع ثم له علي مائة من قرض أو قال: مائة محمدية، ثم مائة يزيدية اهـ فإذا علمت ذلك فلا يلزمه الإردبان في مثال الشارح إلا إذا اختلف سببهما أو صفتهما وإلا فلا يلزمه إلا واحد على أن هذا المثال ليس من تعارض البينتين في شيء
قوله: [ثم ادعى بأنه أسلمه ثوبين]: المناسب ثم أنكر الخصم وادعى أنه تعاقد معه على ثوبين في المائة كما يؤخذ من الأصل والخرشي لصحة التعارض، وإلا فلو بقي المثال على ما هو عليه لجرى على التفصيل المقدم المأخوذ من باب الإقرار وليس فيه تعارض البينتين.
قوله: [عبده فلان]: هكذا نسخة المؤلف بصورة المرفوع والمناسب النصب؛ لأنه بدل مما قبله وهو منصوب مفعول للفعل قبله، وظاهر كلام المؤلف أنه متى أمكن الجمع جمع كانت البينتان بمجلس أو مجلسين قال بعض القرويين: لا فرق بين المجلسين والمجلس الواحد لأن كل بينة أثبتت حكماً غير ما أثبتته صاحبتها وأمكن الجمع بلا تناقض، وما مشى عليه الشارح من العمل بالبينتين في الطلاق والعتق طريقة المدنيين. وأما ابن القاسم وباقي المصريين فيقدمون الأعدل، فإن تكافأتا سقطتا، وفرض المسألة اتحاد الوقت الذي تستند إليه كل من البينتين مع نفي ما قالته الأخرى حتى يأتي التعارض.
قوله: [ببيان السبب]: أي بسبب ذكر سبب الملك.
قوله: [فإنها تقدم على من أطلقت]: أي شهدت بالملك المطلق.
قوله: [وكذا من بينت السبب]: أي فتقدم ولو كانت من لم تبينه أعدل.
قوله: [أي زيادة عدالة]: أي في البينة الأصلية لا في المزكية.
قوله: [ما لم تفد الكثرة العلم]: أي بحيث يكون جمعاً يستحيل تواطؤهم على الكذب، وما ذكره المصنف من أن زيادة العدد لا تعد مرجحاً إلا إذا أفادت العلم هو قول ابن القاسم وهو المشهور، وقيل: إنه يرجح بزيادة العدد كزيادة العدالة وفرق للمشهور بأن القصد من القضاء قطع النزاع ومزيد العدالة أقوى في التعدد من زيادة العدد إذ كل واحد من الخصمين يمكنه زيادة عدد الشهود بخلاف العدالة.
قوله: [مما لا يثبت إلا بعدلين]: أي وكذا ما يثبت بامرأة أو امرأتين.
قوله: [فلا يقع الترجيح في شيء من ذلك]: هذا هو مذهب المدونة وعليه مشى خليل في باب النكاح حيث قال: وأعدلية إحدى بينتين متناقضتين ملغاة ولو صدقتهما المرأة.
وقيل: زيادة العدالة بمنزلة شاهدين فيثبت الترجيح بها في كل شيء.
(و) رجح (بشاهدين) من جانب (على شاهد ويمين) من آخر (أو) على شاهد و (امرأتين و) رجح (بيد): أي بوضع اليد، بأن يكون المدعى به من عقار أو عرض في حوز أحدهما مع تساوي البينتين؛ فالحوز من المرجحات عند التساوي، ولذا قال:(إن لم ترجح بينة مقابله) بمرجح من المرجحات وإلا قدمت ونزع من ذي اليد (فيحلف) من قضي له به، وهو ذو اليد عند عدم الترجيح ومقابله عند ترجيح بينته بمرجح فهو مفرع على منطوق "بيد" ومفهوم "إن لم ترجح".
(و) رجح (بالملك على الحوز) فمن شهدت بالملك قدمت على من شهدت بالحوز ولو تقدم تاريخ الحوز على تاريخ الملك؛ لأن الحوز قد يكون عن ملك وغيره.
(و) رجح (بنقل عن أصل على مستصحبة) له فإذا شهدت بينة لزيد أن هذه السلعة له لكونه نسجها أو كتبها أو اصطادها أو بناها، وشهدت أخرى أنها لعمرو اشتراها من زيد أو ورثها منه أو وهبها له، قدمت بينة النقل على بينة الاستصحاب.
(واعتمدت بينة الملك) أي الشاهدة به لحي أو ميت على أمور ثلاثة؛ فلا يصح أن تشهد بملك شيء لإنسان إلا إذا اعتمدت على ثلاثة أمور:
الأول: أن تعتمد (على) أصول (التصرف) من واضع اليد على ذلك الشيء من ركوب أو سكنى أو لبس أو نحو ذلك.
(و) الثاني: أن تعتمد على (حوز طال) لذلك الشيء (كعشرة أشهر) فأكثر لا أقل.
والثالث: أن تعتمد على (عدم منازع) له في تلك المدة.
وأشار لرابع [1] بقوله: (مع نسبته إليه) أي إلى واضع اليد وإن لم تصرح بشيء من هذه الأربعة في شهادتها. ويشترط صحة شهادتها بالملك أيضاً أن تقول في شهادتها: ولم يخرج عن ملكه في علمنا، وقد أشار لذلك بالعطف على:"اعتمدت" بقوله: (وقالت) في شهادتها عند الحاكم (ولم يخرج عن ملكه في علمنا) بناقل شرعي. فإن قطعوا بأنها لم تخرج عن ملكه بطلت شهادتهم، فإن أطلقوا ففي بطلانها خلاف. فعلم أن شروط صحة الشهادة بالملك بتاً خمسة: الاعتماد على كل واحد من الأمور الأربعة المتقدمة - وإن لم يذكروها في الشهادة - والخامس: عدم علمهم بالخروج عن يد ذلك المتصرف مع ذكرهم له في أدائها وقيل [2]: إن كان الشاهد يعرف ما تصح به الشهادة قبل منه إطلاق معرفة الملك، وإلا فلا حتى يفسر الخمسة الأشياء بأن يقول: أشهد أن يده على ما يدعي، وأنه متصرف فيه تصرف الملاك مدة طويلة عشرة أشهر أو سنة أو أكثر، وأنه ينسبه لنفسه، وأنه لم ينازعه فيه منازع، وأنه لم يخرج عن ملكه في علمي. أو يقول: وما علمته باع ولا وهب ولا خرج عن ملكه. وقيل: ذكر الخامس في الشهادة شرط كمال، وقد أشار له الشيخ بقوله:"وتؤولت على الكمال في الأخير".
ــ
قوله: [وقيل زيادة العدالة بمنزلة شاهدين]: أي وهو الموافق لما في سماع يحيى ولكنه ضعيف.
قوله: [على شاهد]: أي ولو كان أعدل من الشاهدين.
قوله: [أو على شاهد وامرأتين]: ما ذكره من ترجيح الشاهدين على الشاهد والمرأتين هو قول أشهب وأحد قولي ابن القاسم وهو المرجوع إليه. والمرجوع عنه أن الشاهدين لا يقدمان على الشاهد والمرأتين، والفرض أنهم مستوون في العدالة. وأما لو كان الشاهد الذي معهما أعدل من الشاهدين فإنه يقدم مع المرأتين على الشاهدين اتفاقاً.
قوله: [في حوز أحدهما]: أي أحد المتنازعين والحال أنه لم يعرف أصله واحترزنا بقولنا لم يعرف أصله عما لو مات شخص وأخذ ماله إنسان وأقام بينة أنه وارثه أو مولاه وأقام غيره بينة أنه وارثه أو مولاه وتعادلتا فإنه يقسم بينهما كما في المدونة ولا يعتبر وضع اليد.
قوله: [مع تساوي البينتين]: أي في الشهادة بالملك المطلق بأن تشهد إحداهما أن هذا المتنازع فيه لزيد ملك والأخرى لعمرو ملك من غير بيان سبب الملك.
قوله: [ورجح بالملك على الحوز]: اعلم أن موضوع هذه المسألة أن البينة الشاهدة بالحوز المجرد عن الملك أقيمت قبل الحيازة المعتبرة شرعاً وهي عشر سنين بقيودها الآتية فلا ينافي قول المصنف الآتي "وإن حاز أجنبي غير شريك" إلخ.
قوله: [ورجح بنقل عن أصل]: أي ولو كانت الناقلة تشهد بالسماع.
وقوله: [على مستصحبة له]: أي ولو كانت تلك المستصحبة بينت الملك وسببه كمثال الشارح
قوله: [قدمت بينة النقل]: من ذلك أيضاً تقديم البينة بالتنصر للأسير كرهاً على البينة بالطوع لأن الأصل في تنصر الأسير الطوع.
تنبيه: إذا تعارضت الأصالة والفرعية قدمت الأصالة كبينة السفه والرشد والعسر واليسار والجرحة والعدالة والصحة والمرض فإن بينة السفه تقدم وكذا بينة العسر والجرحة والصحة؛ لأن هذه الأشياء هي الأصل وأضدادها فروع كذا يؤخذ من (بن) نقله محشي الأصل.
قوله: [الاعتماد على كل واحد من الأمور الأربعة]: أي التي هي التصرف وطول الحوز وعدم المنازع والنسبة إليه.
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (للرابع).
[2]
ليست في ط المعارف.
وعليه: فيحلف المشهود له أنها في ملكي ولم تخرج عن ملكي بناقل شرعي بتاً، ويحلف وارثه على نفي العلم.
(وإن شهدت) البينة على مكلف غير محجور (بإقرار من أحدهما) أي من أحد المتنازعين في الشيء للآخر بأن تقول البينة: نشهد بأنه قد أقر سابقاً بأن هذا الشيء لفلان وهو الآن يدعيه لنفسه (استصحب) إقراره وقضى به لفلان؛ لأن غير المحجور مؤاخذ بإقراره، فلا يصح له دعوى الملك فيه لنفسه إلا بإثبات انتقاله إليه.
(وإن تعذر ترجيح) لإحدى البينتين بوجه من المرجحات (وهو) أي والحال أن المتنازع فيه (بيد غيرهما) أي غير المتنازعين (سقطتا) لتعارضهما (وبقي) المتنازع فيه (بيد حائزه) وتقدم أنه لو كان بيد أحدهما لكان الترجيح باليد.
(أو) يكون (لمن يقر) الحائز له (به منهما) أي من المتنازعين اللذين أقاما البينتين المتعارضتين؛ لأن إقراره لأحدهما كأنه ترجيح لبينته فإن أقر لغيرهما لم يعمل بإقراره، بخلاف ما لو تجردت دعوى كل عن البينة فيعمل بإقراره ولو لغيرهما.
(ومن) له حق على آخر وأنكره، ولم يجد بينة أو سرق منه شيئاً أو غصبه ولم يقدر على خلاصه منه بحاكم و (قدر على) أخذ (حقه) باطناً بسرقة ونحوها (فله أخذه) بشروط ثلاثة أفادها بقوله:
(إن أمن فتنة) أي وقوع فتنة من ضرب أو جرح أو حبس ونحو ذلك.
(و) أمن (رذيلة) تنسب إليه من سرقة أو غصب.
(وكان) الحق (غير عقوبة) فإن كان عقوبة فلا يستوفيها بنفسه بل لا بد من الحاكم، فلا يضرب من ضربه ولا يجرح من جرحه ولا يسب من سبه.
(ويجيب الرقيق) ذكراً أو أنثى إذا ادعي عليه بعقوبة من ضرب أو جرح أو قتل أو بموجب حد أو تعزير من كل ما يتعلق ببدنه (عن العقوبة) لأنه الذي يتوجه عليه الحكم لا سيده.
(و) يجيب (سيده عن) موجب (الأرش) لأن الجواب إنما يعتبر فيما يأخذ المكلف به لو أقر، والعبد لو أقر بمال لم يلزمه. فلو ادعي عليه بجناية خطأ فلا يعتبر إقراره، وإنما الكلام لسيده إلا لقرينة ظاهرة توجب قبول إقراره ففي كتاب الديات في عبد راكب على برذون مشى على أصبع صغير فقطعها فتعلق به الصغير وهي تدمي ويقول: فعل بي هذا، وصدقه العبد: أن الأرش متعلق برقبته. اهـ.
(وإن قال) من عليه حق لوكيل رب الحق الغائب حين طالبه الوكيل (أبرأني موكلك الغائب) أو قضيته حقه (أنظر) المدعى عليه بكفيل بالمال إلى أن يعلم حقيقة الحال (إن قربت) غيبة رب الحق، فإن بعدت قضي عليه بالدفع للوكيل؛ لأنه معترف بالحق مدعياً الإبراء أو القضاء. فإن حضر الغائب
ــ
قوله: [وعليه فيحلف المشهود له]: أي على القول بأن الخامس شرط كمال
قوله: [بوجه من المرجحات]: أي من قوله "ببيان السبب" إلى هنا.
قوله: [أي والحال أن المتنازع فيه بيد غيرهما]: حاصل ما ذكره الشارح وغيره أن في تلك المسألة ثماني صور: لأن من هو بيده تارة يدعيه لنفسه وتارة يقر به لأحدهما، وتارة لغيرهما، وتارة لا يدعيه لأحد. وفي الأربع: تارة يكون لكل من المتنازعين بينة وتسقط البينتان بعدم الترجيح، وتارة تنعدم بينة كل؛ فهذه ثمان صور. ففي صور البينة إذا ادعاه لنفسه وسقطت البينتان بقي بيده حوزاً وإن أقر به لأحدهما فهو للمقر له بيمين، وإن أقر به لغيرهما، أو قال: لا أدري لمن هو، لم يلتفت إليه ويقسم بينهما، وفي صور عدم البينة إن ادعاه لنفسه حلف وبقي بيده وإن أقر به لأحدهما أو لغيرهما أخذه المقر له بلا يمين لقوة الإقرار هنا وضعفه مع البينة، فلذا حلف مع البينة ولم يحلف هنا. وإن سكت أو قال: لا أدري، قسم على الدعوى اهـ ملخصاً من (بن).
قوله: [ومن له حق]: أي مالي وهذه المسألة قد تقدمت في باب الوديعة وإنما كررها لأن هذا الباب يغتفر فيه التكرار لمناسبة القضاء والشهادة.
قوله: [وأنكره]: مثله لو أقر وكان مماطلاً.
قوله: [فلا يستوفيها]: إثبات الياء يفيد أن "لا" نافية أي فالحكم أنه لا يستوفيها.
قوله: [بل لا بد من الحاكم]: أي فإن لم يكن حاكم منصف وجب عليه التفويض لله الحكم العدل، ولا يأخذ ثأره بنفسه لما فيه من زيادة الهرج والفساد في الأرض.
قوله: [ويجيب الرقيق]: محل اعتبار جواب الرقيق في دعوى جناية القصاص ما لم يتهم فإن اتهم في جوابه لم يعمل به كإقراره بقتل مماثله وقد استحياه سيد مماثله ليأخذه فإنه لما استحياه يتهم أنه تواطأ مع سيد العبد على نزعه من تحت يد سيده وحينئذ فلا يعمل بجوابه ولا يمكن سيد العبد المماثل من أخذه ويبطل حق ذلك السيد من القصاص، إن لم يكن مثله يجهل أن الاستحياء كالعفو يسقط القصاص وإلا فله الرجوع للقصاص، بعد حلفه أنه جهل ذلك.
قوله: [أو بموجب حد]: أي كزنا أو شرب، وقوله "أو تعزير" أي كسب من لا يجوز سبه بغير ما يوجب الحد.
قوله: [عن العقوبة]: متعلق بـ "يجيب"، والمعنى أنه يتولى الجواب عن الدعوى التي تسبب عنها العقوبة.
قوله: [ففي كتاب الديات]: خبر مقدم و "أن الأرش" مؤول بالمصدر مبتدأ مؤخر.
قوله: [أن الأرش متعلق برقبته]: أي وحينئذ فيخير سيده بين أن يفديه أو يسلمه في أرشه.
قوله: [إن قربت غيبة رب الحق] إلخ: التفرقة المذكورة بين الغيبة القريبة والبعيدة هو قول ابن عبد الحكم والمنصوص لابن القاسم في سماع عيسى أنه يقضى
وأنكر الإبراء أو القضاء حلف أنه ما أبرأ أو ما قضي، وتم الأخذ. فإن نكل حلف الغريم ورجع على الوكيل.
(ومن استمهل): أي طلب المهلة (لدفع بينة) أقيمت عليه بحق (أو لحساب ونحوه): كما لو طلب المهلة ليفتش على الوثيقة أو دفتر الحساب بينهما أو ليسأل من كان حاضراً بينهما ليكون على بصيرة في جوابه بإقرار أو إنكار، (أو) طلب المدعي المهلة (لإقامة) شاهد (ثان) وأبى أن يحلف مع الأول الذي أقامه (أمهل) الطالب (بالاجتهاد) من الحاكم ولا يتقيد بجمعة (بكفيل بالمال) في جميع ما تقدم. ولا يكفي حميل بالوجه إن أبى المطلوب. وأما لو طلب المدعي إقامة بينة على أصل دعواه وطلب من المدعى عليه حميلاً، فيكفي حميل الوجه اتفاقاً. وفيها أيضاً: أنه لا يجاب المدعي لحميل بالوجه، وهو الراجح كما تقدم في الضمان. ولذا حذفناه والمصنف ذكره هنا أيضاً.
(واليمين في كل حق) غير اللعان والقسامة يجب أن تكون من مدع أو مدعى عليه (بالله الذي لا إله إلا هو) أي بهذا اللفظ، والواو كالباء وأما اللعان فاليمين فيه: أشهد بالله، ولا يزيد الذي لا إله إلا هو، وكذا في القسامة لا يزيدها بعد قوله: أقسم بالله، وقيل: يزيدها فيهما.
و(لو) كان الحالف (كتابياً) ولا يزيد شيئاً بعد ذلك. وقيل يزيد اليهودي: الذي أنزل التوراة على موسى. ويزيد النصراني: الذي أنزل الإنجيل على عيسى. (وغلظت) اليمين على الحالف (في ربع دينار) فأكثر (بالقيام) بأن يحلفها وهو قائم (وبالجامع) للمسلم (وبمنبره عليه الصلاة والسلام لمن بالمدينة أي عنده لا فوقه (فقط)
ــ
بالحق على المطلوب ولا يؤخر، وظاهره أنه لا فرق بين كون الموكل قريباً أو بعيداً، ابن رشد وقول ابن عبد الحكم عندي تفسير لقول ابن القاسم
قوله: [وأنكر الإبراء أو القضاء]: لف ونشر مرتب.
قوله: [ورجع على الوكيل]: أي بما دفعه له وللغريم أن يرجع على الموكل فله غريمان كما في (ح).
قوله: [ومن استمهل] إلخ: يعني أن من أقيمت عليه بينة بحق لشخص فطلب المهلة لدفع تلك البينة أو لإقامتها فإنه يمهل لأجل انقطاع حجته، والمهلة يؤجلها الحاكم ولا تحديد في ذلك عند مالك لكن بكفيل بالمال.
قوله: [ليكون على بصيرة]: متعلق بـ "استمهل".
قوله: [ولا يتقيد بجمعة]: أي خلافاً لما في المدونة عن غير ابن القاسم من التحديد بجمعة، ومحل الإمهال المطلوب إن كانت بينته التي يدفع بها البينة الشاهدة عليه بالحق غائبة غيبة قريبة كجمعة، وإلا قضي عليه وبقي على حجته إذا أحضرها.
قوله: [بكفيل بالمال]: أي يأتي به المطلوب.
وقوله: [إن أبى المطلوب]: المناسب الطالب.
قوله: [لحميل بالوجه]: أي ومن باب أولى حميل بالمال
قوله: [واليمين]: أي في المعتبر لقطع النزاع وهي المتوجهة من الحاكم أو المحكم. فمجرد طلب الخصم اليمين من خصمه بدون توجيه من ذكر لا يلزمه الحلف له، فإن أطاع بها ثم ترافعا لحاكم أو محكم كان له تحليفه ثانياً لأن يمينه الأولى لم تصادف محلاً.
قوله: [في كل حق]: أي مالي أو غيره سواء كان المالي جليلاً أو حقيراً ولو كان أقل من ربع دينار.
قوله: [من مدع]: أي تكملة للنصاب كما إذا أقام شاهداً واحداً، أو كانت استظهاراً كأن ادعى على غائب أو ميت وأقام شاهدين بالحق أو ردت عليه اليمين من المدعى عليه.
وقوله: [أي مدعى عليه]: أي عند عجز المدعي عن إقامة البينة بما ادعاه.
قوله: [أي بهذا اللفظ]: أي من غير زيادة عليه ولا نقص عنه فلا يزاد: عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، ولا يقتصر على الاسم بدون وصفه المذكور وإن كان يميناً تكفر؛ لأن الغرض هنا زيادة التخويف والإرهاب. قال في التوضيح نقلاً عن المازري: المنصوص عند جميع المالكية أنه لا يكتفى بقوله: بالله، فقط، وكذلك لو قال: والذي لا إله إلا هو لم يجزه حتى يجمع بينهما كما في (بن).
قوله: [والواو كالباء]: أي كما في أبي الحسن قال (ح): لم أقف على نص في المثناة فوق.
قوله: [ولو كان الحالف كتابياً]: أو يهودياً أو نصرانياً وهذا هو المشهور.
قال خليل: وتؤولت على أن النصراني يقول: بالله فقط اهـ أي لأنه يقول بالتثليث وتؤولت أيضاً أن الذمي مطلقاً يقول بالله فقط؛ لأن اليهودي يقول: العزير ابن الله فالتأويلات ثلاثة
قوله: [وغلظت اليمين]: أي وجوباً إن طلب المحلف التغليظ بما ذكر؛ لأن التغليظ في اليمين والتشديد فيها من حقه، فإن أبى من توجهت عليه اليمين مما طلبه المحلف من التغليظ عد ناكلاً.
قوله: [في ربع دينار]: أي إذا كان لشخص واحد ولو على اثنين متضامنين لأن كلاً كفيل عن الآخر يلزمه أداء الجميع لا إن كان من ذكر على شخصين لواحد؛ لأن التغليظ لا يكون في أقل من القدر المذكور.
قوله: [وبالجامع]: الباء للآلة لا للظرفية لأنها تقتضي أن اليمين إذا وقعت في الجامع تغلظ بصفات أخرى زائدة على الوصف المتقدم وليس كذلك إذ اليمين واحدة في الجامع وغيره، لكن في ربع دينار تغلظ بوقوعها في الجامع، والمراد بالجامع الذي تقام فيه الجمعة فإن كان القوم لا جامع لهم فقال أبو الحسن: يحلفون حيث هم، وقيل: يجلبون للجامع بقدر مسافة وجوب السعي للجمعة وهو ثلاثة أميال وثلث، وقيل: بنحو العشرة أيام وإلا حلفوا بموضعهم نقله في المعيار وأقواها أوسطها.
قوله: [وبمنبره]: إنما اختص منبر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا لقوله صلى الله عليه وسلم: «من
لا بمنبر غيره، ولا بالزمن كبعد العصر، و (لا بالاستقبال [1]) للقبلة.
ولا بد في اليمين من حضور الخصم: فإن حلفه القاضي بغير حضوره لم تجز نص عليه الباجي.
(كالكنيسة) للنصراني (والبيعة) لليهودي: أي فإنها تغلظ عليهما بهما، لأن القصد إرهاب الحالف، وإن كانتا حقيرتين شرعاً.
(وخرجت المخدرة لها): أي لليمين سواء كانت مدعية وأقامت شاهداً فقط أو مدعى عليها.
(إلا التي لا تخرج) أي شأنها عدم الخروج أصلاً، كنساء الملوك فلا تخرج للتغليظ، ولتحلف ببيتها، بأن يرسل لها القاضي من يحلفها بحضرة الشهود وأم الولد كالحرة فيمن تخرج أو لا تخرج ومن شأنها الخروج بالليل فقط أو النهار فقط أخرجت فيما تخرج فيه.
(واعتمد البات) في يمينه أي: جاز له الإقدام على اليمين بتاً مستنداً (على ظن قوي أو قرينة) تفيد قوة الظن (كخط أبيه) أو أخيه، بأن له على فلان كذا وكنكول المدعى عليه، وكقيام شاهد للمدعي بدين لأبيه على المدعى عليه ونحو ذلك
(ويمين الطالب) أي المدعي (أن لي) عنده (في ذمته كذا، أو: لقد فعل كذا) كقتل عبدي أو دابتي أو أتلف مالي حيث أقام شاهداً فقط.
(و) يمين (المطلوب) أي المدعى عليه (ما له عندي كذا) أي ما ادعى به المدعي (ولا شيء منه) ولا بد من هذه الزيادة لأن المدعي بمائة مثلاً مدع بكل جزء من أجزائها وحق اليمين نفي كل مدعى به (ونفى) الحالف (السبب وغيره إن عين) من المدعي، فإذا ادعى عليه بمائة من قرض أو بيع حلف ما له علي مائة ولا شيء منها لا من قرض ولا غيره، أو لا من بيع ولا غيره فإن لم يعين سبباً كفاه نفي المدعى به نحو ما له علي مائة ولا شيء منهما.
(فإن) كان المطلوب (قضى) ما عليه من الدين وجحده المدعي وأراد تحليفه (نوى) الحالف بيمينه ما له علي كذا (و) لا شيء منه (يجب قضاؤه الآن) لأنه قد قضى ما كان عليه (وحلف) من دفع لغيره دراهم أو دنانير ديناً عليه أو سلفاً لطالبه أو نحو ذلك فادعى آخذها أنه وجدها أو بعضاً منها مغشوشاً أو وجدها ناقصة (في الغش: على نفي العلم) لا البت: بأن يحلف: ما دفعت إلا جيدة في علمي ولا أعلم فيها غشاً.
ــ
حلف عند منبري كاذباً فليتبوأ مقعده من النار» وأما التغليط بمكة فيكون بالحلف عند الركن الذي فيه الحجر الأسود لأنه أعظم مكان في المسجد.
قوله: [لا بمنبر غيره]: أي ولا يختص بمكان منه، وقيل: الذي جرى به العمل أنه يحلف عند المنبر حتى في غير المدينة. وهو قول مطرف وابن الماجشون قاله (بن).
قوله: [لأن القصد إرهاب الحالف]: قال في الأصل ومن ثم قيل: يجوز تحليف المسلم على المصحف وعلى سورة براءة، وفي ضريح ولي حيث كان لا ينكف إلا بذلك ويحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور اهـ.
قوله: [وخرجت المخدرة]: أي وهي التي يزري بها مجلس القاضي لملازمتها للخدر أي الستر.
قوله: [على ظن قوي]: أي وقيل: إنما يعتمد على اليقين. ونص ابن الحاجب وما يحلف فيه بتاً يكتفى فيه بظن قوي وقيل: المعتبر اليقين.
قوله: [كخط أبيه]: أي كالظن الحاصل له برؤية خط أبيه إلخ. وتقييد الظن بالقوي يفيد أن الظن الضعيف كالشك لا يجوز الاعتماد عليه، بل اليمين فيه غموس كما تقدم في باب اليمين، ومفهوم قول المصنف "البات" أن من يحلف على نفي العلم يعتمد على الظن وإن لم يقو بل وعلى الشك
قوله: [وحق اليمين نفي كل مدعى به]: أي ولا يتأتى ذلك إلا بزيادة قوله ولا شيء منه لا بمجرد قوله ما له عندي كذا؛ لأن إثبات الكل إثبات لكل أجزائه ونفيه ليس نفياً لكل أجزائه، وقد يقال: العبرة بنية المحلف ونيته نفي كل جزء من أجزاء المدعى به وحينئذ فلا يحتاج لقوله ولا شيء منه. فالأولى أن يقال: إن القصد هنا زيادة التشديد على المدعى عليه. فإن أسقط ولا شيء منه وجب الإتيان بها مع القرب وإعادة اليمين بتمامها مع البعد.
قوله: [إن عين من المدعي]: أي سواء ذكره المدعي بدون سؤال عنه أو بعد أن سأله عنه الحاكم.
قوله: [فإن كان المطلوب قضى ما عليه]: إلخ حاصله أن من تسلف من رجل مالاً وقضاه له بغير بينة ثم قام صاحب المال وطلبه فأنكر وقال: لا شيء لك عندي وطلب أن يحلفه أنه ما تسلف منه، فإنه يحلف أنه ما تسلف منه وينوي سلفاً يجب عليه الآن رده ويبرأ من الإثم ومن الدين، وأما لو قال له حين طلبه منه: رددته عليه لزمه وكان عليه إثبات الرد. فإن قلت: اليمين على نية المحلف ونية المحلف أنه ما تسلف منه أصلاً فمقتضاه أنه يأثم بتلك اليمين ولا تنفعه نيته. وأجيب بأن اليمين هنا ليست على نية المحلف لكونها ليست في مقابلة حق باعتبار ما في نفس الأمر، وقولهم اليمين على نية المحلف فيما إذا كان للمحلف حق في نفس الأمر.
تنبيه: إن ادعيت أيها المدين أنك قضيت الميت حقه وأنكر الورثة ذلك لم يحلف منهم إلا البالغ الذي يظن به العلم، فإن نكل حلفت أنك وفيت وسقط عنك مناب الناكل فقط، وأما من لم يظن بهم العلم أو لم يكونوا بالغين عند الموت فحقهم ثابت على المدين لا يبرأ منه إلا ببينة ويمين، وأما لو ادعى شخص على ورثة ميت أن له عليه ديناً ولا بينة له به فالحكم أنهم إن علموا به وجب عليهم
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (باستقبال).
(و) يحلف (في النقص بتاً): بأن يحلف: ما دفعتها لك إلا كاملة. فإن نكل غرم ولا يكفي الحلف في النقص على نفي العلم.
(وإن نكل) المدعى عليه حيث توجهت اليمين عليه (في مال) وما يؤول إليه كخيار وأجل (استحقه الطالب) أي فإن الطالب يستحق ذلك المال (به) أي بالنكول (وباليمين) معاً بأن يحلف الطالب بعد نكول المطلوب أن لي عنده كذا (إن حقق) على المدعى عليه الدعوى.
(وإلا) يحقق الدعوى على المدعى عليه بأن كانت دعوته عليه دعوى اتهام (فبمجرده) أي فالطالب يستحق ما ادعاه بمجرد نكول المدعى عليه؛ لأن دعوى الاتهام لا ترد على المدعي.
(وليبين الحاكم) للمدعى عليه (حكمه) أي حكم النكول أي ما يترتب عليه في دعوى التحقيق أو التهمة، بأن يقول الحاكم له في دعوى التحقيق إن نكلت عن اليمين حلف المدعي واستحق ما ادعاه، وفي الاتهام إن نكلت استحق المدعي ما ادعاه عليك بمجرد نكولك وهذا البيان شرط في صحة الحكم كالإعذار في محله.
(ولا يمكن) من توجهت عليه اليمين من مدع أو مدعى عليه (منها) أي من اليمين (إن نكل) منها بأن قال: لا أحلف، أو قال لخصمه: احلف أنت وخذ ما تدعيه، ثم قال: أنا أحلف. وأما لو التزمها ابتداء وقال: أحلف، ثم رجع وقال: لا أحلف، وأراد تحليف خصمه فله ذلك ولا يكون رجوعه عن اليمين بعد التزامها موجباً لعدم ردها على خصمه. هذا معنى قوله: بخلاف مدع التزمها إلخ أي: أو مدعى عليه التزمها ثم رجع.
(فإن سكت) من توجهت عليه اليمين (زمناً) من غير إظهار نكول (فله الحلف) ولا يعد سكوته نكولاً.
ثم انتقل يتكلم على الحيازة في عقار أو غيره. والحائز في كل إما أجنبي غير شريك، وإما شريك، وإما قريب فقال:(وإن حاز أجنبي غير شريك) في الشيء المحاز (عقاراً) مفعول "حاز".
والحيازة: وضع اليد على الشيء والاستيلاء عليه (وتصرف) فيه بهدم أو بناء أو هبة أو صدقة أو زرع أو غرس أو إيجار أو بيع أو قطع شجر ونحو ذلك. والتصرف في الرقيق بالعتق والكتابة والتدبير والوطء ونحو ذلك؛ وفي الثياب زيادة على ما تقدم مما يأتي فيه باللبس والتقطيع وفي الدواب: بالركوب.
ونحوه (ثم ادعى) على الحائز (حاضر
ــ
قضاؤه من تركته بعد يمين القضاء من رب الدين أن حقه باق إلى الآن، وإن لم يعلموا به حلفوا على عدم العلم إن ادعى عليهم العلم وإلا فلا، وإن ادعى عليهم فلم يجيبوا كان من أفراد ما تقدم في قوله وإن لم يجب حبس وأدب ثم حكم بلا يمين قوله:[ويحلف في النقص بتاً]: تقدمت هذه المسألة وإنما ذكرها هنا لمناسبة القضاء والشهادات، وظاهره أنه يحلف في النقص المذكور بتاً سواء كان صيرفياً أم لا، وظاهره أن نقص الوزن كنقص العدد وهذا في المتعامل به وزناً، وأما في المتعامل به عدداً فنقص الوزن كالغش على المعتمد، وهذا التفصيل طريقة ابن القاسم، وقال غيره: هذا التفصيل إن كان الدافع غير صيرفي، وأما لو كان صيرفياً فإنه يحلف على البت مطلقاً لا فرق بين نقص العدد والوزن والغش، وظاهر (ح) في باب البيع اعتماد هذا الثاني، ومحل هذا إن قبضها على سبيل المفاصلة، وأما إن قبضها ليريها أو ليزنها فهو مصدق لأنه أمين.
قوله: [لأن دعوى الاتهام لا ترد على المدعي]: أي على المشهور.
قوله: [وليبين الحاكم]: أي وكذلك المحكم.
قوله: [شرط في صحة الحكم]: أي خلافاً لمن قال باستحبابه، ومحل كون الحاكم أو المحكم يطلب بالبيان المذكور إذا لم يكن يعرف أن المدعى عليه يعرف هذا الحكم وإلا فلا يطلب البيان له.
قوله: [من مدع أو مدعى عليه]: فالأول كما لو وجد المدعي شاهداً وامتنع من الحلف معه وطلب تحليف المدعى عليه، والثاني كما لو عجز المدعي عن البينة وطلب اليمين من المدعى عليه فنكل وقال: لا أحلف.
وقوله: [إن نكل]: أي عند السلطان أو القاضي أو المحكم ولا عبرة بنكوله عند الخصم.
قوله: [فإن سكت]: أي وأولى لو طلب المهلة ليتروى في الإقدام عليها والإحجام، ثم طلب الحلف بعد ذلك
قوله: [ثم انتقل يتكلم على الحيازة]: هذه المسألة تعرف بمسألة الحيازة وإنما ألحقوها بالشهادة لأن في بعض أنواعها ما تسمع فيها البينة، وفي بعضها ما لا تسمع فيها وربما يذكرونها مع الأقضية لأن بعضها يقع فيه القضاء.
قوله [والحائز في كل] إلخ: أي فتكون الأقسام ستة وسيوضح تفصيلها، وهذا بقطع النظر عن كون القريب شريكاً أو غير شريك وإلا فتكون الأقسام ثمانية.
قوله: [غير شريك]: أي للمدعي.
وقوله: [وتصرف]: أي بواحد من التسعة التي ذكرها المصنف في العقار.
قوله: [بهدم أو بناء]: أي كثيرين لغير إصلاح لا له أو كانا يسيرين عرفاً
قوله: [ونحو ذلك]: أي كفتق عين أو إجراء نهر.
قوله: [والتصرف في الرقيق] إلخ: خروج عن موضع المصنف فحق تصرفات الرقيق وما بعده تذكر عند قوله "وغير العقار".
قوله: [ونحو ذلك]: أي كالهبة والصدقة والبيع.
قوله: [مما يأتي فيه]: أي كالبيع والهبة والصدقة والإيجار.
قوله: [بالركوب]: أي زيادة على ما تقدم
وقوله: [ونحوه]: أي من سائر الغلات كالطحن والدرس.
قوله: [حاضر]: أي بالبلد بمعنى أنه لم يخف عليه أمر ذلك المحوز لقربه منه، وأما لو كان حاضراً وهو غير عالم فله القيام إذا
ساكت بلا مانع) له من التكلم (عشر سنين) معمول لـ "حاز" وما بعده إلا أنه لا يشترط في التصرف أن يكون في جميعها، وكذا التصرف بالبيع ونحوه كالهبة لا يشترط فيه الطول المذكور أخذاً مما سيأتي قريباً (لم تسمع دعواه ولا بينته) التي أقامها على دعواه واستحقه الحائز لقوله صلى الله عليه وسلم:«من حاز شيئاً عشر سنين فهو له» وفي المدونة الحيازة كالبينة [1] القاطعة لا يحتاج معها ليمين أي من الحائز وهذا في محض حق الآدمي وأما الوقف فتسمع فيه البينة ولو طال الزمن وكذا إن كان المدعي غائباً أو كان حاضراً ومنعه من التكلم مانع -فإنها تسمع دعواه وبينته- ومحل عدم سماع بينة المدعي ما لم يكن الحائز مشهوراً بالعداء والغصب لأموال الناس، فإن الحيازة لا تنفعه كما في النقل عن ابن القاسم.
ثم أشار إلى حيازة الشريك بقوله: (كشريك) في العقار المحاز (أجنبي حاز فيها) أي في العشر سنين (إن هدم) الحائز (أو بنى).
وكذا إن غرس أو قطع الشجر، فلا تسمع دعوى المدعي ولا بينته وهذا في الفعل الكثير عرفاً. فهدم شيء يسير أو بناؤه مما لا بد منه عادة، كفرن أو غرس أو قطع شجرة ونحوها لا يعتبر.
(وفي القريب ونحوه) كالموالي والأصهار على أظهر الأقوال (مطلقاً) شريكاً أو غير شريك. (ما زاد على أربعين سنة) لا الأربعين فقط على الأرجح.
(إلا الأب وابنه فيما) أي فلا حيازة بينهما إلا بزمن (تهلك فيه البينات) عادة (وينقطع) فيه (العلم) بحقيقة الحال، والحائز يهدم ويبني كالستين سنة فأكثر، والآخذ حاضر ساكت بلا مانع. هذا كله في حيازة العقار.
(وغير العقار) من العروض والدواب والرقيق فالحيازة (في القريب) فيه (الزيادة على عشر) من السنين ولا يكفي العشر مع الحضور والسكوت بلا مانع.
(وفي الأجنبي: ما زاد على الثلاث) السنين مع التصرف فيما حازه، والآخر حاضر ساكت فلا كلام له بعد ذلك ولا تسمع له دعوى.
(إلا الدابة) في ركوب ونحوه (وأمة الخدمة) تستخدم
ــ
أثبت عدم علمه.
قوله: [ساكت]: مفهومه لو نازع لم يسقط حقه.
قوله: [عشر سنين]: تحديد الحيازة في العقار بالعشر نحوه في الرسالة، وعزاه في المدونة لربيعة، قال ابن رشد: وهو المشهور في المذهب، ولابن القاسم في الموازية ما قارب العشر كتسع وثمان كالعشر، وقال مالك: يحدد باجتهاد الحاكم.
قوله: [ومنعه من التكلم مانع]: من العذر المانع الصغر والسفه فلا تعتبر فيه مدة الحيازة إلا بعد زوالهما. بخلاف جهله أن الحيازة تسقط الحق وتقطع البينة فإنه لا يعذر بذلك الجهل.
قوله: [إن هدم الحائز أو بنى]: أي وشريكه حاضر ساكت عالم بالتصرف من غير مانع له من التكلم.
قوله: [وكذا إن غرس أو قطع الشجر]: أي بدار أو أرض وأولى من تلك الأربعة البيع والهبة والصدقة، فخالف الشريك الأجنبي الذي لم يكن شريكاً من حيث إن الشريك لا يعد حائزاً إلا بأحد تلك الأمور السبعة. بخلاف الأجنبي الغير الشريك فيعد حائزاً بالتصرف بهذه السبعة أو غيرها مما ذكره الشارح فيما تقدم.
قوله: [على أظهر الأقوال]: حاصله أن الموالي والأصهار الذين لا قرابة بينهم فيهم ثلاثة أقوال كلها لابن القاسم، الأول: أنهم كالأقارب فلا تحصل الحيازة بينهم إلا مع الطول جداً بأن تزيد مدتها على أربعين سنة، وسواء كان التصرف بالهدم أو البناء، أو ما يقوم مقام كل منهما، أو كان بالاستغلال بالكراء أو الانتفاع بنفسه بسكنى أو زرع. الثاني: أنهم كالأجانب غير الشركاء فيكفي في الحيازة عشر سنين مع التصرف مطلقاً بهدم أو بناء أو إجارة أو استغلال أو سكنى أو زرع.
الثالث: أنهم كالأجانب الشركاء فيكفي في الحيازة عشر سنين مع التصرف بالهدم أو البناء أو ما يقوم مقامهما كغرس الشجر أو قطعه وباقي السبعة لا باستغلال أو سكنى أو زرع.
قوله: [ما زاد على أربعين سنة]: في (عب) ما لم يكن بينهم عداوة وإلا فالأجانب الشركاء تكفي الحيازة عشر سنين مع التصرف بواحد من سبعة أمور.
قوله: [إلا الأب وابنه]: حاصله أن الحيازة بين الأب وابنه لا تثبت إلا إذا كان تصرف الحائز منهما بما يفيت الذات أو كان بالهدم أو البناء أو ما ألحق بهما وطالت مدة الحيازة جداً كالستين سنة، والآخر حاضر عالم ساكت المدة بلا مانع له من التكلم.
قوله: [هذا كله في حيازة العقار]: أي ما تقدم من التفصيل من أول مسألة الحيازة إلى هنا.
قوله: [فالحيازة في القريب]: ظاهره شريكاً أو غيره أباً أو غيره.
قوله: [فيه]: أي في غير العقار من عروض ودواب ورقيق.
قوله: [ما زاد على الثلاث]: ظاهره كان شريكاً أو غير شريك.
قوله: [مع التصرف فيما حازه]: أي فالتصرف في الرقيق بالعتق والكتابة والتدبير والوطء ونحو ذلك من هبة أو صدقة، وفي الثياب باللبس والتقطيع والهبة والصدقة والبيع والإيجار، وفي الدواب بالركوب والهبة والصدقة والبيع والإيجار ونحو ذلك.
قوله: [إلا الدابة]: هو وما عطف عليه مستثنى من قوله "وفي الأجنبي ما زاد على الثلاث".
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
ليست في ط المعارف.
للأجنبي غير الشريك (فالسنتان) فقط يكون حيازة، ولا تسمع بعدهما فيهما دعوى مدع حاضر ساكت بلا مانع. وأما الثوب يلبس فالعام فقط. وأما أمة الوطء.
فتفوت بوطئها بالفعل مع علم ربها وسكوته بلا عذر وكذا البيع والهبة والصدقة، إلا أن البيع يجري على بيع الفضولي الآتي.
(ولا حيازة) في شيء من عقار أو غيره (إن شهدت) البينة للمدعي على واضع اليد (بإعارة ونحوها) كإجارة وعمرى وإخدام ومساقاة فتسمع تلك البينة ويقضى للمدعي بمقتضى الشهادة والإقرار من واضع اليد بذلك كالبينة بل أقوى، ومحل سماع البينة ما لم يحصل من الحائز بحضرة المدعي وسكوته بلا عذر ما لا يحصل إلا من المالك كالبيع والهبة والصدقة، وإلا فلا تسمع، كما يؤخذ مما يأتي بعده وهو قوله:(وإن تصرف غير مالك مطلقاً) قريباً أو أجنبياً، شريكاً أو لا (بهبة أو كتابة أو نحوهما) كصدقة وعتق وبيع (وهو) أي المدعي (حاضر) حين التصرف (عالم) به (لم ينكره) مع تمكنه من الإنكار (مضى) فعل غير المالك و (لا كلام له) أي للمالك.
(وله) في البيع بحضوره وسكوته بلا مانع (أخذ ثمن المبيع) لأن حضوره مع سكوته بلا مانع إذن منه وإقرار بالبيع (إن لم يطل كسنة) فإن مضى العام فلا ثمن له أيضاً ولعله إن قبضه الفضولي. وأما لو باعه لأجل كالعام.
فلربه قبضه بعد الأجل قال ابن رشد: وتحصل الحيازة في كل شيء بالبيع والهبة والصدقة والعتق والكتابة والتدبير والوطء ولو بين أب وابنه ولو قصرت المدة، إلا أنه إن حضر مجلس البيع فسكت لزمه البيع وكان له الثمن. وإن سكت بعد العام ونحوه استحق البائع الثمن بالحيازة مع يمينه وإن لم يعلم بالبيع إلا بعد وقوعه فقام حين علم فله أخذ حقه وإن سكت العام لم يكن له إلا الثمن وإن لم يقم حتى مضت مدة الحيازة لم يكن له شيء واستحقه الحائز، وإن حضر مجلس الهبة والعتق فسكت لم يكن له شيء، وإن لم يحضر ثم علم فإن قام حينئذ كان له حقه. وإن قام بعد العام فلا شيء له.
واختلف في الكتابة: هل تحمل على البيع أو على العتق؟ قولان. اهـ. وأما الديون الثابتة في الذمم فقيل: يسقطها مضي عشرين عاماً مع حضور رب الدين وسكوته، وهو قول مطرف. وقيل: مضي ثلاثين.
وقيل: لا تسقط بحال، وقيل غير ذلك إلا أن القول بأنه يسقطها مضي السنتين بعيد جداً، والأظهر الرجوع في ذلك للاجتهاد في حال الزمن والدين والناس والله أعلم.
ــ
قوله: [للأجنبي غير الشريك]: المتبادر منه رجوعه للدية وأمة الخدمة وتقييده بغير الشريك يفيد أن الأجنبي الشريك لا يعد حائزاً في الدابة وأمة الخدمة إلا بالزيادة على الثلاث سنين مع التصرف.
قوله: [وأما الثوب يلبس فالعام]: ظاهر كلامهم أنه مخصوص بالأجنبي غير الشريك أيضاً
قوله: [فتفوت بوطئها]: أي مطلقاً كان الواطئ لها أجنبياً أو غيره لما يلزم عليه من إعارة الفروج لو بقيت.
قوله: [وكذا البيع والهبة]: أي مثل وطء الأمة كما سيأتي التصريح بذلك.
قوله: [بإعارة] إلخ: حاصله أن محل ثبوت الحيازة في جميع ما تقدم والتفاصيل المتقدمة ما لم يثبت أن المالك أعارها للحائز أو آجرها أو أعمرها أو أخدمها إن كان رقيقاً أو ساقاها إن كان بستاناً، وأولى من ثبوت البينة إقرار الحائز بذلك، وإلا فهو باق على ملك المدعي إلا بتصرف بهبة أو كتابة أو صدقة أو عتق أو بيع، والآخر حاضر عالم ساكت من غير مانع إلا أنه في البيع يجري فيه قوله، "وله أخذ ثمن المبيع" إلخ.
قوله: [فلربه قبضه بعد الأجل]: أي ما لم يسكت عاماً بعد حلول الأجل.
قوله: [قال ابن رشد]: قصده بتلك العبارة الاستدلال على ما تقدم فليس مكرراً.
قوله: [في كل شيء]: أي يصلح لذلك الشيء العارض.
قوله: [استحق البائع الثمن]: أي ما لم يكن مبيعاً لأجل فلا يضره إلا مضي عام بعد حلول الأجل.
قوله: [فله أخذ حقه]: أي بنقض البيع أو إمضائه والمطالبة بالثمن.
قوله: [وإن سكت العام]: أي بعد العلم قوله: [حتى مضت مدة الحيازة]: قال في الأصل فإن كان غائباً فله الرد بعد حضوره وعلمه ما لم يمض عام، فإن مضى فليس له الرد وله أخذ الثمن ما لم يمض ثلاثة أعوام من البيع وإلا سقط حقه منه أيضاً. كذا ذكروا فتأمله اهـ فلعل هذا معنى قوله هنا:"وإن لم يقم حتى مضت مدة الحيازة لم يكن له شيء" إلخ.
قوله: [فإن قام حينئذ]: أي دون العام.
قوله: [وقيل مضى ثلاثين]: هو قول مالك
قوله: [وقيل لا تسقط بحال]: هذا هو الذي اختاره ابن رشد في البيان، ونصه إذا تقرر الدين في الذمة وثبت فيها لا يبطل، وإن طال الزمان وكان ربه حاضراً ساكتاً قادراً على الطلب به لعموم خبر:«لا يبطل حق امرئ مسلم وإن قدم» اهـ واختار هذا القول التونسي والغبريني.
قوله: [في حال الزمن والدين والناس]: أي فيعمل بقرائن الأحوال فشأن الغني يمهل أحباءه الزمن الطويل وشأن الفقير المحتاج لا مهلة عنده لا سيما إن كان من عليه الدين غير صاحب. والله أعلم.