المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب)في بيان الشركة - حاشية الصاوي على الشرح الصغير ط الحلبي - جـ ٢

[أحمد الصاوي]

فهرس الكتاب

- ‌(باب)في البيوع وأحكامها [

- ‌(باب)في بيان السلم

- ‌(باب)في بيان القرض وأحكامه

- ‌(باب) في الرهن وأحكامه

- ‌(باب)في الفلس وأحكامه

- ‌(باب)في بيان أسباب الحجر

- ‌باب في أحكام الصلح؛ أي: مسائله

- ‌‌‌(باب) في الحوالةوأحكامها

- ‌(باب) في الحوالة

- ‌(باب)في الضمان

- ‌(باب)في بيان الشركة

- ‌(باب)في الوكالة

- ‌باب لما كان بين الوكالة والشركة مناسبة من جهة أن فيها وكالة أتبعها بها

- ‌(باب)في الإقرار

- ‌(باب)في الوديعة

- ‌(باب)في الإعارة

- ‌(باب)في بيان الغصب وأحكامه

- ‌(باب)في الشفعة

- ‌(باب)في القسمة

- ‌(باب)في القراض

- ‌(باب)في المساقاة

- ‌(باب)في الإجارة

- ‌(باب إحياء الموات)

- ‌(باب)في الوقف وأحكامه

- ‌(باب)في الهبة

- ‌‌‌(باب) في اللقطةوأحكامها

- ‌(باب) في اللقطة

- ‌(باب)في بيان أحكام القضاء

- ‌(باب)في الشهادة

- ‌(باب)في أحكام الجناية

- ‌باب ذكر فيه تعريف البغي

- ‌(باب)في تعريف الردة وأحكامها

- ‌(باب)ذكر فيه حد الزنا

- ‌(باب) في القذف [

- ‌باب ذكر فيه أحكام السرقة إلخ

- ‌(باب)ذكر فيه الحرابة

- ‌(باب)ذكر فيه حد الشارب

- ‌باب في العتق وأحكامه

- ‌(باب)في التدبير

- ‌باب: هو في اللغة النظر في عاقبة الأمر والتفكر فيه، وقال القرافي في التنبيهات التدبير مأخوذ من إدبار الحياة، ودبر كل شيء ما وراءه بسكون الباء وضمها، والجارحة بالضم لا غير اهـ وفي (بن) جواز الضم والسكون فيها كغيرها. واصطلاحاً ما ذكره المصنف بقوله "وهو تعليق مكلف" إلخ

- ‌(باب)في أحكام الكتابة

- ‌(باب)في أحكام أم الولد

- ‌(باب)ذكر فيه الولاء

- ‌باب ذكر فيه حكم الوصية

- ‌(باب)في الفرائض

- ‌(باب: في جمل من مسائل شتى، وخاتمة حسنة)

الفصل: ‌(باب)في بيان الشركة

ومقابله: يحل على الوجه. والمراد بالمطلق: ما خلا عن التقييد بشيء من لفظ أو قرينة.

(باب)

في بيان الشركة

وأحكامها وأقسامها

وهي بكسر الشين المعجمة وسكون الراء وبفتح الأولى وكسر الثانية وفتح فسكون لغة: الاختلاط. وشرعاً، ما أشار له بقوله:(الشركة عقد مالكي مالين) ومالكي: تثنية مالك، وقوله:(فأكثر): أي أكثر من مالك كثلاثة (على التجر) متعلق بعقد (فيهما) أي في المالين (معاً): أي مع أنفسهما أي كل منهما يتاجر في المالين مع صاحبه ولو كان كل واحد في مكان منعزل عن الآخر؛ لأن ما يحصل من ربح أو خسر يكون بينهما. وخرج بذلك الوكالة والقراض من الجانبين؛ إذ كل واحد منهما يتصرف فيما بيده للآخر استقلالاً، والشركة وقع فيها العقد على أن كل واحد يتصرف فيما بيده له ولصاحبه معاً.

وهذا إشارة إلى النوع الأول من الشركة، وهو شركة التجر.

وأشار إلى النوع الثاني: وهو شركة الأبدان بقوله: (أو) عقد (على عمل): كخياطة أو حياكة (بينهما، والربح) في النوعين (بينهما) على حسب ما لكل أو عمله (بما يدل عرفاً) فلا يشترط صيغة مخصوصة بل المدار على ما يحصل به الإذن والرضا من الجانبين، وهذا التعريف قصد به تعريف الشركة المعهودة بين الناس في التعامل، لا شركة الجبر كالإرث والغنيمة وشركة المتبايعين شيئاً بينهما.

(ولزمت به): أي بما يدل عليها من صيغة لفظية أو غيرها لفظية كـ: شاركني، فيرضى الآخر بسكوت أو إشارة أو كتابة فليس لأحدهما المفاصلة قبل الخلط إلا برضاهما معاً على المشهور المعول عليه.

فأركانها ثلاثة:

العاقدان، والمعقود عليه -وهو المال- والصيغة.

ثم بين الشروط المتعلقة بها فقال:

(وصحتها): أن تقع (من أهل التصرف): وهو الحر البالغ الرشيد

ــ

فقولان كما في ابن الحاجب. وإن ادعى أنه لم يرد شيئاً فاختلف هل يحمل على المال أو الوجه؛ اختار ابن يونس وابن رشد أنه يحمل على المال، ونقل المازري أنه يحمل على الوجه، والمعتمد الأول، ولذا اقتصر عليه الشارح ويدل له قوله عليه الصلاة والسلام «الحميل غارم والزعيم غارم» .

قوله: [ومقابله] إلخ: هو ما للمازري.

تنبيه: إن اختلفا بأن قال الضامن: شرطت الوجه أو أردته، وقال الطالب: بل المال، كان القول قول الضامن بيمين؛ لأن الطالب يدعي عمارة ذمة الأصل براءتها. وأما لو اختلفا في وقوع المضمون فيه حالاً أو مؤجلاً فالقول قول مدعي الحلول ولو كان هو الطالب اتفاقاً، بخلاف اختلافهما في حلول المؤجل، فالقول قول مدعي عدمه.

باب في بيان الشركة

لما أنهى الكلام على ما أراد من مسائل الضمان شرع في الكلام على الشركة لأنها تستلزم الضمان في غالب أقسامها، والمراد بالشركة: تعريفها.

قوله: [وأحكامها]: أي مسائلها المتعلقة بها.

وقوله: [وأقسامها]: أي الستة، وهي: المفاوضة، والعنان، والجبر، والعمل، والذمم، والمضاربة -وهي القراض- وذكرها مرتبة هكذا.

قوله: [وهي بكسر الشين]. . . إلخ: هذه اللغة الأولى أفصحها. قوله: [تثنية مالك]: أي فأصل "مالكي" مالكين لمالين حذفت النون للإضافة واللام للتخفيف. قوله: [أي أكثر من مالك]: صوابه أكثر من مالكين أي وأكثر من مالين إلخ فقوله كثلاثة أي كثلاثة مالكين لأموال ثلاثة. قوله: [أي كل منهما يتاجر في المالين] إلخ: أي فمصب المعية على التجر: أي فهما متحدان في التجر في المال ولو كان كل واحد في مكان منعزل عن الآخر كما قال الشارح، وليس المراد خصوص المعية في المكان. قوله:[لأن ما يحصل من ربح] إلخ: تعليل للمعنى المبالغ عليه بقوله ولو كان كل واحد " إلخ. قوله: [وخرج بذلك الوكالة والقراض]: أي بقوله معاً. وقوله: [من الجانبين]: عائد على كل من الوكالة والقراض، وأما من جانب فقد خرجا بقوله على التجر فيهما. قوله: [وهو شركة التجر]: أي في الأموال. قوله: [على عمل]: معطوف على " التجر " مسلط عليه " عقد " مع ملاحظة تجريد فاعل العقد الأول عن وصفه بالملكية للمالين بأن يزاد منه شخصان فأكثر، ويصير المعنى هكذا: أو عقد شخصين فأكثر على عمل إلخ. قوله: [بما يدل عرفاً]: حاصله أنها تلزم بكل ما دل عرفاً سواء كان قولاً فقط أو فعلاً فقط وأولى إذا اجتمعا. قوله: [لا شركة الجبر كالإرث] إلخ: أي فشركة الإرث والغنيمة وشركة المتبايعين شيئاً لا يقال لها شركة عرفاً، وإن كانت شركة لغة. وشركة الجبر الخارجة غير شركة الجبر الآتية - التي هي أحد الأقسام الستة؛ فإنها معدودة في الشركة العرفية كما يأتي. قوله:[شيئاً بينهما]: أي حصل لهما من غير تجر.

قوله: [ولزمت به] لزومها بما يدل عليها، قاله ابن يونس وعياض وهو مذهب ابن القاسم، ومذهب غيره أنها لا تلزم إلا بخلط المالين انضم لذلك صيغة أم لا. ثم إن ظاهر قوله:"ولزمت به" إلخ ولو كانت شركة زرع وهو أحد قولين. والآخر: لا تلزم إلا بالعمل المخصوص الذي هو البذر ونحوه كما يأتي. الأول لسحنون والثاني لابن القاسم.

قوله: [فأركانها ثلاثة]: أي إجمالاً، وأما تفصيلاً فخمسة: اثنان في العاقد واثنان في المعقود عليه والصيغة.

قوله: [وهو الحر] إلخ: المراد الحر حقيقة أو حكماً ليدخل

ص: 165

الذي يصح منه التوكيل والتوكل؛ فلا يصح من عبد إلا بإذن سيده أو كان مأذوناً من قبل في التجارة. قال في التوضيح: وكذا غيره من المحجور عليهم. (بذهبين) متعلق بصحتها: أي أخرج هذا ذهباً والآخر ذهباً ولو اختلفت السكة (أو ورقين): بأن أخرج هذا ورقاً والآخر ورقاً مثله (إن اتفقا): أي الذهبان أو الورقان (صرفاً) وقت العقد، لا إن اختلفا فيه كيزيدية ومحمدية مختلفي الصرف (وزناً) [1] لا إن اختلفا فيه كصغار من جانب وكبار من الآخر (وجودة أو رداءة) لا نحو يزيدية ومحمدية ولو اتفق الصرف فيهما ولو من الربح لصاحب الكبار أو الجيدة بقدر صرفها لأنه يرجع للتقويم في العين والعين لا تقوم. ولا تصح بتبر ومسكوك ولو ساوت جودة التبر سكة المسكوك للعلة المتقدمة. والحاصل: أن الشركة في النقد يشترط فيها الاتفاق في الأمور الثلاثة لتركبها من البيع والوكالة. فإن اختلفا في واحد منها فسدت الشركة. وعلته في اختلاف صرفهما: التفاوت إن دخلا على إلغاء الزائد، والرجوع للتقويم في النقد إن دخلا على اعتباره. والعلة في اختلاف الوزن: بيع نقد بنقد متفاضلاً، وفي اختلافهما بالجودة والرداءة: دخولهما على التفاوت في الشركة إن عملا على الوزن لا القيمة، وإن دخلا على القيمة فقد صرفا النقد للقيمة، وذلك يؤدي إلى بيع النقد بغير معياره الشرعي الذي هو الوزن. لكن قد يقال: لو أخرج أحدهما عشرين ديناراً كاملة أو عشرين ريالاً كذلك وأخرج الثاني أربعين نصفاً والصرف متحد - بأن كان صرف الدينار عشرة دراهم وصرف النصفين كذلك والوزن والجودة أو الرداءة متحدان لم يظهر للمنع وجه.

(و) تصح (بهما): أي بالذهب والفضة معاً (منهما) أي الشريكين -بأن أخرج أحدهما دنانير ودراهم كعشرة دنانير وعشرة دراهم وأخرج الثاني مثله - فتصح وتعتبر مساواة ذهب كل وفضته لذهب وفضة الآخر في الأمور الثلاثة المتقدمة.

(و) تصح (بعين) من جانب (وبعرض) من الآخر (وبعرضين) من كل جانب عرض (مطلقاً) اتفقا جنساً أو اختلفا كعبد وحمار أو ثوب. ودخل فيه طعام من جهة وعرض من أخرى.

(واعتبر كل) من العرضين أو العرض مع العين (بالقيمة يوم العقد) كالشركة في العين مع العرض بالعين وقيمة العرض، فإن كانت قيمته قدر العين فالشركة بالنصف وإن كانت قدرها مرتين فبالثلث والثلثين، وفي العرضين بقيمة كل فإن تساويا فبالنصف وإن تفاوتا فبحسب كل

ــ

المأذون له في التجارة، فإن شركته صحيحة ولو شارك بغير إذن سيده كما أفاده الشارح.

قوله: [الذي يصح منه التوكيل والتوكل]: أي إنما تصح ممن كان متأهلاً لأن يوكل غيره ويتوكل لغيره، لأن العاقدين للشركة كل واحد منهما وكيل عن صاحبه وموكل لصاحبه، فمن جاز له أن يوكل ويتوكل جاز له أن يشارك ومن لا فلا.

قوله: [فلا يصح من عبد] إلخ: فلو اشترك عبد غير مأذون له مع حر ثم خسر المال أو تلف رجع سيد العبد على الحر برأس المال إن استقل الحر بالعمل، لا إن عملا معاً فلا رجوع للسيد على الحر. وإن عمل العبد وحده فلا ضمان عليه للحر، إلا أن يغر العبد الحر بحريته فتكون خسارة مال الحر جناية في رقبة العبد الذي عمل، فإن كانا عبدين فلا ضمان على كل واحد منهما سواء عملا معاً أو أحدهما.

وينبغي أن يكون الحكم كذلك إذا اشترك صبي مع بالغ أو مع صبي أو اشترك سفيه مع مثله أو مع رشيد، إلا أنه لا يجري في الصغير والسفيه كونها جناية في رقبته وهو ظاهر انظر (عب) نقله محشي الأصل.

قوله: [وكذا غيره من المحجور عليهم]: تشبيه في حكم العبد.

قوله: [ولو اختلفت السكة]: أي فلا يضر كون أحد الذهبين سكته محمدية والآخر يزيدية مع فرض اتفاقهما في الجودة.

قوله: [وقت العقد]: أي فلا يضر الاختلاف في الصرف بعد العقد.

قوله: [مختلفي الصرف]: أي فمتى اختلف صرفهما منع ولو اتحدا وزناً وجودة.

قوله: [كصغار من جانب وكبار من الآخر]: أي وقوبل عدد الصغار بعدد الكبار مع إلغاء الوزن. وأما لو كان التعامل بالوزن وقوبلت أربعون من الصغار بوزن عشرين من الكبار لجاز. وهذا هو الذي يستدرك عليه بقوله: "لكن قد يقال" إلخ. قال في المجموع: لا بصغار وكبار إلا أن يتبع الصرف الوزن فتأمل.

قوله: [ولو من الربح] إلخ: هكذا نسخة المؤلف، والمناسب: ولو جعل من الربح إلخ.

قوله: [في الأمور الثلاثة]: أي التي هي الاتحاد في الوزن والصرف والجودة والرداءة.

قوله: [التفاوت]: أي ويأتي أنها تفسد بشرط التفاوت.

قوله: [والرجوع للتقويم] إلخ: أي لأنهم قد صرفوا النقد للقيمة وذلك يؤدي إلى بيع النقد بغير معياره الشرعي الذي هو الوزن في بيعه بجنسه.

قوله: [بيع نقد بنقد]: أي من نوعه وهو لا يجوز.

قوله: [دخولهما على التفاوت في الشركة]: أي وهو مفسد.

قوله: [لم يظهر للمنع وجه]: قد علمت صحة ذلك.

قوله: [في الأمور الثلاثة المتقدمة]: أي اتحاد الصرف والوزن والجودة والرداءة.

قوله: [ودخل فيه طعام من جهة]: أي فالمراد بالعرض ما قابل العين فيشمل الطعام.

قوله: [واعتبر كل من العرضين]: أي وهي المسألة الثانية.

وقوله: [أو العرض مع العين]: أي وهي المسألة الأولى.

قوله: [في العين مع العرض]: صفة للشركة وقوله: "بالعين" خير الشركة وقوله: [وقيمة العرض] معطوف على العين.

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (ووزناً).

ص: 166

(إن صحت) الشركة. فإن فسدت - كما لو وقعت على التفاضل في الربح أو العمل - فلا تقويم ورأس مال كل ما بيع به عرضه إن بيع وعرف الثمن، لأن العرض في الفاسدة لم يزل على ملك ربه فإن بيع ولم يعرف ثمن كل اعتبر قيمة كل وقت البيع. وهذا معنى قوله:(وإلا) بأن فسدت (فيوم البيع): أي فتعتبر قيمته يوم البيع حصل خلط أو لا؛ لأنه وقت الفوات. وهذا ظاهر فيما إذا بيع فإن لم يبع أخذ كل عرضه. وفيما إذا لم يعلم ثمن ما بيع به فإن علم أخذ ثمن عرضه المعلوم. (كالطعامين): فإنها فاسدة كما يأتي وتعتبر فيهما القيمة يوم البيع إن بيع (قبل الخلط) ولم يعلم الثمن الذي بيع به، فإن بيع بعد الخلط اعتبرت القيمة فيهما يوم الخلط، لأنه وقت الفوات وفض الربح على القيم وكذا الخسر.

(لا) تصح الشركة (بذهب) من جانب (وبورق) من الجانب الآخر ولو عجل كل منهما ما أخرجه لصاحبه لاجتماع الشركة والصرف " فإن عملا فلكل رأس ماله الذي أخرجه ويفض الربح لكل عشرة دنانير دينار مثلاً، ولكل عشرة دراهم درهم.

(ولا تصح بطعامين) اختلفا جنساً أو صفة بل (وإن اتفقا) قدراً وصفة، خلافاً لابن القاسم في جواز المتفقين. وعللوه ببيع الطعام قبل قبضه لأن كل واحد منهما باع نصف طعامه بنصف طعام الآخر ولم يحصل قبض لبقاء يد كل واحد على ما باع. فإذا باعا لأجنبي كان كل منهما بائعاً لطعام المعاوضة قبل قبضه من بائعه.

ولما قدم أن الشركة تلزم بالعقد، فليس لأحدهما المفاضلة دون الآخر قبل النضوض، بين أن الضمان إذا تلف أحد المالين أو بعضه لا يحصل إلا بخلطهما ولو حكماً بقوله:(وما تلف) من مال الشركة (قبل الخلط) الحقيقي (ولو) الخلط (الحكمي فمن ربه) دون صاحبه؛ أي لا يتوقف الضمان منه

ــ

والمعنى أننا ننظر للعين مع قيمة العرض كما وضحه بالتفريع بعد.

قوله: [إن صحت الشركة] قيد في اعتبار القيمة يوم العقد بالنسبة للعرض مع العين أو العرضين.

قوله: [كما لو وقعت على التفاضل في الربح]: كما لو تساويا في المال وشرط لأحدهما ثلثا الربح.

وقوله: [أو العمل]: أي كما تساويا في المال والربح جعل على أحدهما ثلثا العمل.

قوله: [ما بيع به عرضه]: ما قاله الشارح مفروض في العرضين فقط. وأما الصورة الأولى - وهي عين من جانب وعرض من آخر - فيقال فيها: إذا فسدت إن اطلع على ذلك قبل التصرف في العرض والعين كان لهذا عينه ولهذا عرضه، وإن تصرف في العين والعرض بشيء آخر، فإن علم ما لكل فهو له، وإن جهل؛ نظر لقيمة العرض يوم البيع، وأخذ من هذا العرض لصاحب العرض بقدرها ولمثل الدراهم يوم البيع، وأخذ له بقدرها ويفض الربح أو الخسر عليهما على حسب كل، فتأمل.

قوله: [وفيما إذا لم يعلم] إلخ: المناسب تقديمه على قوله: "فإن لم يبع" إلخ. بأن يقول: وهذا ظاهر فيما إذا بيع ولم يعلم ثمن ما بيع به فإن لم يبع إلخ.

قوله: [كالطعامين]: تشبيه في الفاسد لا غير فإنها في الطعامين فاسدة على كل حال لقوله الآتي: "ولا تصح بطعامين" إلخ.

قوله: [اعتبرت القيمة فيهما يوم الخلط]: قال الناصر اللقاني: الفرق بين خلط الطعامين وخلط العرضين أن خلط العرضين لا يفيتهما لتميز كل واحد منهما، بخلاف خلط الطعامين فيفيتهما لعدم تميز أحدهما من الآخر فهو بمنزلة بيع العرضين في الفوات انتهى. وانظر: إذا لم يعلم يوم البيع في فاسد العرض والطعام حيث لم يحصل خلط أو جهل يوم الخلط ما الحكم؟ قال (شب): والظاهر أنه يعتبر يوم القبض كما هو قاعدة البيع الفاسد - وانظر إذا لم يعلم يوم القبض.

قوله: [لاجتماع الشركة والصرف]: فالشركة - من جهة - بيع كل منهما بعض ماله ببعض مال الآخر بقطع النظر عن كون أحد المالين ذهباً والآخر فضة، والصرف - من جهة - بيع أحدهما بمال الآخر منظور فيه لخصوص كون أحد المالين ذهباً والآخر فضة؛ فآل الأمر إلى أن بيع الذهب بالفضة هو الشركة والصرف لكنهما مختلفان بالاعتبار كما علمت. قال ابن عبد السلام: احتجاجه في المدونة على المنع بهذا التعليل غير بين؛ لأن العقود المتضمنة للشركة إنما يمنع من صحتها إن كانت تلك العقود خارجة عن الشركة، فإن كانت غير خارجة عنها لم تكن مانعة. وأجيب: بأن هذا في العقود المغايرة للصرف، وأما هو فمتى انضم للشركة اقتضى منعها، وإن كان غير خارج عنها لضيقه وشدته اهـ. ملخصاً من (بن).

قوله: [لبقاء يد كل واحد على ما باع]: أي لأن كل واحد صار شريكاً فيما قبضه من صاحبه وفيما دفعه له، فيد كل جائلة في مال كل، ولو حاز كل بالخصوص حصة الآخر فلا يعد ذلك الحوز قبضاً لنفسه، بل كل قابض لنفسه ولشريكه.

قوله: [ولو الخلط الحكمي]: هذا قول ابن القاسم. ورد المصنف ب "لو" على قول غيره في المدونة: لا يكون الخلط إلا بخلط المالين حساً.

قوله: [منه]: أي من رب التالف، المعنى أن: رب التالف يستمر الضمان عليه وحده ما دام لم يحصل خلط حقيقي ولا حكمي، فإن حصل الحقيقي أو الحكمي كان الضمان عليهما

ص: 167

على الخلط الحقيقي، بل على عدمه حقيقة أو حكماً. والحكمي: أن يكون كل مال في صرة على حدة وجعلا في حوز واحد كصندوق أو خزانة تحت أحدهما أو أجنبي (إن كان) مال الشركة (مثلياً) كعين.

(وإلا) بأن حصل التلف بعد الخلط ولو حكماً أو كان المال عرضاً (فمنهما) الضمان معاً، ولا يختص برب المال، فالعرض لا يشترط فيه الخلط كما قيد اللخمي به المدونة، ثم إذا تلف شيء قبل الخلط - وقلنا ضمانه من ربه فقط - فالشركة لم تنفسخ لما علمت أنها لازمة بالعقد.

(و) يكون (ما اشترى بالسالم فبينهما) على ما دخلا عليه من مناصفة أو غيرها (وعلى رب المتلف) بفتح اللام أي المال التالف (ثمن حصته) أي ثمن ما يخصه من الشركة نصفاً أو أقل أو أكثر (إلا أن يشتري) رب السالم بماله السالم (بعد علمه) بالتلف: أي تلف مال صاحبه (فله) الربح (وعليه) الخسر إلا أن يختار من تلف ماله الدخول معه، فله الدخول، إلا أن يدعي المشتري الأخذ لنفسه فلا دخول له معه. فمحل كونه بينهما لزوماً إذا لم يعلم بالتلف. وهذا على تأويل عبد الحق وابن يونس، وتأولها ابن رشد، على أن رب السالم إن اشترى قبل علمه بالتلف كان الخيار بين إدخال صاحبه معه أو يختص به. وإن اشترى بعد علمه بالتلف اختص به وكان له الربح وعليه الخسر. والتأويل الأول أظهر للزومها بالعقد. وكان ابن رشد تأولها على مذهبه من أن الشركة من العقود الجائزة لا اللازمة فلكل منهما أن يفك عن نفسه ما لم يحصل عمل، فتأمل. وقول الشيخ:"وهل" إلخ لا يؤخذ على ظاهره فإنه خلاف النقل. وقوله "تردد" حقه: تأويلان كما بينه شراحه.

(ولا يضر انفراد أحدهما): أي الشريكين (بشيء) من مال الشركة يتجر فيه (لنفسه): أي على حدة في مكان آخر في البلد أو في بلد أخرى [1]، على أن ما حصل من ربح في كل فهو بينهما ما دخلا عليه.

(ثم) الشركة قسمان: شركة مفاوضة وشركة عنان. ويترتب على كل منهما أحكام فأشار إلى الأولى بقوله: (إن أطلقا): أي أطلق كل واحد (التصرف، وإن) كان الإطلاق (بنوع) أي في نوع خاص - كالرقيق لصاحبه بالبيع والشراء والأخذ والعطاء دون توقف على إذن الآخر (فمفاوضة): أي فهي شركة مفاوضة، لأن كل واحد فوض لصاحبه التصرف. إلا أنه إذا لم يقيد بنوع تسمى مفاوضة عامة، وإذا خصت بنوع سميت مفاوضات خاصة أي بنوع الذي أطلق التصرف فيه.

(وله): أي لأحد المتفاوضين (التبرع): في مال الشركة بغير إذن شريكه بشيء كهبة وحطيطة لبعض ثمن بالمعروف (إن استألف به): أي بالتبرع قلوب الناس للتجارة (أو خف) المتبرع به (كإعارة آلة): كحبل ودلو وإناء (ودفع كسرة) لفقير (و) له أن (يبضع) من مال الشركة، بأن يعطي، إنساناً مالاً منه ليشتري له بضاعة من بلد كذا.

(ويقارض): بأن يعطي مالاً لغيره قراضاً حيث اتسع المال وإلا منع. (ويودع) وديعة منه (لعذر) اقتضى الإيداع (وإلا) يكن الإيداع لعذر (ضمن) إن ضاعت الوديعة. (و) له أن (يشارك في) شيء (معين) أجنبياً حيث لا تجول يده في مال للشركة. (و) أن (يقبل المعيب): إذا باعه هو أو شريكه ثم رد بالعيب (وإن أبى الآخر

ــ

وفي عبارة المتن والشرح تعقيد لا يخفى.

قوله: [على الخلط]: أي على عدمه فالكلام على حذف مضاف.

قوله: [فبينهما]: قرنه بالفاء لما فيهما من العموم، لأن المبتدأ إذا كان عاماً فإنه يجوز اقترانه بالفاء.

قوله: [أي ثمن ما يخصه]: أي فإذا اشترى بالسالم سلعة بمائة فعلى الذي تلف ماله نصف المائة حيث كانت الشركة على المناصفة.

قوله: [لا يؤخذ على ظاهره] إلخ: حاصله أن خليلاً قال: وهل إلا أن يعلم بالتلف فله وعليه؟ أو مطلقاً إلا أن يدعي الأخذ له؟ تردد فكلامه يوهم خلاف المراد من التأويلين وقد علمت المراد منهما.

قوله: [ولا يضر انفراد أحدهما]: أي خلافاً لأبي حنيفة والشافعي في فسادها مطلقا تساويا في عمل الشركة أو لا.

قوله: [ثم الشركة قسمان]: أي المشهورة المعهودة بين الناس وإلا فتقدم أنها ستة أقسام.

قوله: [إن أطلقا]: اعلم أن إطلاق التصرف إما بالنص عليه أو بالقرينة، وأما لو قالا: اشتركنا فقط، وليس هنا قرينة - ولا تقييد بعنان ولا مفاوضة - احتاج كل لمراجعة صاحبه وكانت عناناً.

قوله: [فمفاوضة]: أي تسمى بذلك، وهي بفتح الواو: من تفاوض، الرجلان في الحديث إذا شرعا فيه.

قوله: [أو خف المتبرع به]: أي وإن لم يكن للاستئلاف.

قوله: [بأن يعطي مالاً لغيره قراضاً]: أي بجزء من الربح شركة.

قوله: [حيث اتسع المال]: راجع لمسألة الإبضاع والقراض.

قوله: [وله أن يشارك في شيء معين]: ظاهره كانت الشركة في ذلك المعين مفاوضة أو غيرها، وهو كذلك كما قاله (ر).

قوله: [في مال الشركة]: متعلق بتجول وهو على حذف مضاف أي: في باقي مال الشركة.

قوله: [وأن يقبل المعيب] إلخ: أي لأن كلاً من وكيلي المفاوضة كوكيل عن صاحبه في البيع والشراء والأخذ والعطاء، فيرد على حاضر لم يتول، إن بعدت غيبة شريكه بأن كان على مسافة عشرة أيام مع الأمن أو يومين مع الخوف، وإلا انتظر

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (آخر).

ص: 168

و) له أن (يقر بدين) عليه من مال الشركة (لمن لا يتهم عليه)، ويلزم شريكه الآخر، لا لمن يتهم عليه؛ كابن وزوجة وصديق ملاطف فلا يلزم صاحبه.

(و) له أن (يبيع) سلعة من مال الشركة (بدين): أي بثمن لأجل معلوم.

(لا) يجوز له (الشراء به): أي بالدين؛ لأنه إذا اشترى سلعة [1] بدين في ذمته للشركة من غير إذن شريكه، لم يكن لصاحبه شيء من ربحها ولا عليه شيء من خسارتها؛ لأنهما من شركة الذمم وهي لا تجوز، لئلا يأكل شريكه ربح ما لم يضمن أو يغرم ما ليس عليه، لأن ضمان الدين من المشتري وحده. فإن أذن له في سلعة معينة جاز؛ لأنه صار بالإذن له وكيلاً عنه فيما يخصه، فكانا بمنزلة رجلين اشتريا سلعة بينهما بدين فإنه جائز قطعاً. ثم إن اشترط البائع ضمان كل عن صاحبه جاز له أخذ الثمن من أيهما شاء، وإن لم يشترط لم يلزم كل واحد منهما إلا ما يخصه، وقد تقدم هذا. فعلم أن محل المنع إذا اشترى أحد الشريكين بدين في ذمته بلا إذن صاحبه. وأصله للخمي، لكنه قيد المنع بما إذا طال الأجل لا إن كان كاليومين والثلاثة لأنه من ضرورات البيع والشراء، وإذا منع لطول الأجل فصاحبه له الخيار في القبول والرد؛ فإن رد اتبع المشتري خاصة بالثمن وعبارته في التبصرة: ولا يشتري بثمن مؤجل، فإن فعل وكان بغير إذن شريكه فالشريك بالخيار بين الرد والقبول فيكون الثمن على المشتري خاصة، ثم قال: ويجوز لأحد الشريكين أن يشتري ما لا يكون ثمنه معه على النقد بعد اليومين والثلاثة، وهذا مما لا بد منه، ثم الذي مشى عليه ابن الحاجب: أنه يجوز له البيع والشراء بالدين أي نظراً لأن المفاوضة إذن بالشراء مطلقاً وإن لم يصرح بالإذن عند الشراء، وهو قول ابن رشد. وظاهر المدونة في قولها: وما ابتاع أحد المتفاوضين من بيع صحيح أو فاسد لزم الآخر ويتبع البائع بالثمن أو القيمة في فوت الفاسد أيهما اهـ. وهو شامل للشراء بالنقد وبالدين، وإنما يظهر التعليل بشركة الذمم في شركة العنان لا المفاوضة.

وأصل شركة الذمم الممنوعة عند مالك وأصحابه: أن يتفق اثنان مثلاً على أن كل من اشترى منهما سلعة بدين يكون الآخر شريكاً له فيها (واستبد): أي استقل (آخذ قراض) من أحد الشريكين: أي آخذ مال من أحد ليعمل فيه قراضاً بالربح الذي جعله له رب المال وأخذه بإذن شريكه؛ لأن مال القراض خارج عن الشركة. ويجوز إن أذن له شريكه

ــ

ليرد عليه لجواز أن يكون له حجة، ولا يخفى ما في كلام الشارح من الإجمال، وقد علمت تفصيله تأمل.

قوله: [وله أن يقر بدين]: أي في حال المفاوضة قبل التفرق وقبل موت شريكه، وأما إن أقر بعد تفرق أو موت فهو شاهد في غير نصيبه.

قوله: [فلا يلزم صاحبه]: أي وأما هو فيؤخذ به في ذمته مفهوم بدين أنه لو أقر أن هذه السلعة ليست من سلع التجارة، بل وديعة لفلان فإنه يصدق بالأولى من الإقرار بالدين، وهذا واضح إذا شهدت بينة بأصل الوديعة وإلا كان تعيينه للوديعة كإقراره بها، وحكمه أنه يكون شاهداً سواء حصل تفرق أو موت أو لا.

قوله: [بدين] إلخ: فإن باع بالدين وفلس المشتري، أو مات بعدما ضاع الثمن عليهما معاً لا على البائع وحده، لأنه فعل ابتداء ما يسوغ له.

قوله: [لأنهما من شركة الذمم]: هكذا في نسخة المؤلف، والمناسب:" لأنها " وهي عبارة الأصل.

قوله: [لئلا يأكل شريكه] إلخ: هذا راجع للأولى التي هي الربح.

وقوله: [أو يغرم ما ليس عليه]: إلخ راجع للثانية التي هي الخسارة.

قوله: [وقد تقدم هذا]: أي في باب الضمان.

قوله: [وأصله للخمي] إلخ: قصد بهذه العبارة التورك على المتن، حيث مشى على كلام اللخمي ولم يذكر تقييده.

قوله: [وإذا منع لطول الأجل]: أي إذا قلتم بحرمة قدوم الشريك على الشراء بالدين مع طول الأجل فصاحبه له الخيار.

قوله: [وعبارته]: أي اللخمي لأن التبصرة له.

وحاصل ما ذكره الشارح أن أحد شريكي المفاوضة إذا اشترى بالدين، فإما أن يكون بإذن شريكه أو لا، وفي كل: إما أن تكون السلعة معينة أو لا، فإن كان بغير إذن شريكه فالمنع وربحها له وخسرها عليه، إن لم يكن الأجل قريباً كاليومين ولم يحصل من الشريك الآخر إجازة بعد، وإن كان بإذنه جاز إن كانت السلعة معينة وإلا منع، وهذا خلاف ما مشى عليه ابن الحاجب وابن شاس، واختاره ابن عرفة من جواز شراء أحد الشريكين بالدين إذ لا بد للناس من ذلك، وحينئذ فلا فرق بين البيع بالدين والشراء به في شركة المفاوضة، وإنما شركة الذمم الممنوعة مخصوصة بشركة العيان. وأصلها عند مالك وأصحابه أن يتفق اثنان على أن كل من اشترى منهما سلعة بدين يكون الآخر شريكاً له فيها، وقد أفاد (بن) أن هذا الأخير هو الحق.

قوله: [وأصل شركة] إلخ: إنما فسدت لأنها من باب تحمل عني وأتحمل عنك، وهو ضمان بجعل وأسلفني وأسلفك وهو سلف جر منفعة.

تنبيه: لا يجوز لشريك المفاوضة كتابة لعبيد للتجارة، ولا عتق على مال يتعجله من العبد ولو أكثر من قيمته لأن له أخذه منه مجاناً، وأما من أجنبي فإن كان قدر القيمة فأكثر جاز كبيعه، ولا يجوز له أيضاً إذن لعبد من عبيد الشركة في تجارة لما فيه من رفع الحجر عنه.

قوله: [أي آخذ مال]: فيه إشارة إلى أن المراد بالقراض المال.

وقوله: [ليعمل فيه قراضاً]: أي تجراً لأن القراض

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

ليست في ط المعارف.

ص: 169

أو كان العمل فيه لا يشغله عن العمل في الشركة.

(و) استبد (متجر بوديعة) عنده (بالربح والخسر) دون شريكه (إلا أن يعلم شريكه بتعديه في الوديعة) ويرضى بذلك، فالربح لهما والخسر عليهما.

(والعمل): بينهما في مال الشركة يجب أن يكون بينهما بقدر المالين، (والربح والخسر) يكون بينهما (بقدر المالين) مناصفة وغيرها وصحت الشركة إن دخلا على ذلك أو سكتا ويقضي عليهما بذلك (وفسدت بشرط التفاوت) في ذلك عند العقد ويفسخ إن اطلع على ذلك قبل العمل، فإن اطلع عليه بعده فض الربح على قدر المالين. (ورجع كل) منهما على صاحبه (بما) يثبت (له عند الآخر من أجر عمل أو ربح) فإذا كان لأحدهما ثلث المال كعشرة وللآخر الثلثان كعشرين ودخلا على المناصفة في العمل والربح فصاحب الثلثين يرجع على صاحب الثلث بسدس الربح ويرجع صاحب الثلث على صاحب الثلثين بسدس أجرة عمله. فإن شرط [1] التساوي في الربح فقط وكان العمل بقدر المالين رجع صاحب الثلثين على صاحب الثلث بسدس الربح ولا رجوع لصاحب الثلث بشيء. وإن شرطا التساوي في العمل فقط رجع صاحب الثلث بسدس أجر عمله ولا رجوع لصاحب الثلثين بشيء، وهكذا.

(وله): أي لأحد الشريكين (التبرع) لصاحبه بشيء من الربح أو العمل بعد العقد على الصحة، فإذا عقدا على أن لصاحب ثلث المال الثلث من الربح وعليه ثلث العمل فالعقد صحيح، وله أن يعمل بعد ذلك النصف أو أكثر، ولصاحب الثلثين أن يتبرع له بشيء من ربحه لأنه من باب المعروف والصلة (و) له (الهبة) لصاحبه والسلف بأن يسلف صاحبه شيئاً (بعد العقد) الواقع صحيحاً لا حينه.

(والقول) في تنازعهما في التلف أو الخسر (لمدعي التلف والخسر) لأنه أمين ويحلف إن اتهم،

وهذا إن لم يظهر كذبه وإلا غرم (أو أخذ لائق به) من طعام أو شراب أو كسوة أي أن أحد الشريكين إذا اشترى شيئاً من ذلك يناسبه وادعى أنه اشتراه لنفسه أو لعياله وادعى الآخر أنه اشتراه للشركة، فالقول لمن ادعى أنه اشتراه لنفسه إذا كان لائقاً به لا إن كان غير لائق أو كان عروضاً أو عقاراً أو حيواناً فالقول لمن ادعى أنه للشركة. (و) القول (لمدعي النصف) عند تنازعهما فيه وفي غيره لأنه الأصل إن حلفا، وكذا إن نكلا، ويقضي للحالف على الناكل، هذا قول أشهب. وقال ابن القاسم: إن ادعى أحدهما النصف والآخر الثلثين أعطى مدعي النصف الثلث ومدعي الثلثين النصف وقسم السدس بينهما.

(و) القول لمدعي (الاشتراك فيما): أي في مال (بيد أحدهما) دون مدعيه لنفسه (إلا لبينة) تشهد للجائز (بكارثة) وأنه متأخر عن الشركة، بل (وإن قالت لا نعلم تأخره عنهما): أي عن الشركة فيكون للحائز الذي ادعاه لنفسه، فإن قالت: نعلم تقدمه عليها فهو بينهما إلا أن تشهد بإخراجه عنها.

ــ

يطلق على المال المأخوذ ويطلق على التجر به.

قوله: [أو كان العمل فيه لا يشغله]: أي فيجوز ولو بغير إذن شريكه.

قوله: [عنده]: لا مفهوم له، بل لا فرق بين كونها عنده أو عند شريكه أو عندهما كما هو ظاهر المدونة، ونصها: وإن أودع رجل أحدهما وديعة فعمل فيها تعدياً فربح، فإن علم شريكه بالعداء ورضي بالتجارة فلهما الربح والضمان عليهما، وإن لم يعلم فالربح للمتعدي والضمان عليه خاصة. فظاهرها أن رضا الشريك ينزل منزلة عمله معه سواء علم بالتعدي في الوديعة التي عندهما أو عند أحدهما كان هو المتجر أو غيره، وذكر بعضهما أنه إن رضي الشريك وعمل معه كان له أجر مثله فيما إذا أعانه وعليه الضمان، وإن رضي ولم يعمل فلا شيء له ولا ضمان عليه اهـ. (بن).

قوله: [بعد العقد]: أي ولو كان بأثره، والجواز مبني على أن اللاحق للعقود ليس كالواقع فيها.

قوله: [لا حينه]: ما ذكره الشارح من منع التبرع والهبة والسلف حال العقد هو ما في (شب) والذي في (عب) أنه مسلم في غير السلف، وأما السلف فيمنع قبل العقد مطلقاً، وأما حينه فيفصل بين كون المتسلف ذا بصيرة بالبيع والشراء فيمنع لأنه سلف جر نفعاً، وإلا فيجوز وهو قول ابن القاسم، وقد رجع عنه مالك وقال بالمنع مطلقاً.

قوله: [لمدعي التلف] إلخ: التلف ما نشأ لا عن تحريك بل بأمر سماوي أو لص، وأما الخسر فهو ما نشأ عن تحريك.

قوله: [ويحلف إن اتهم]: أي اتهمه صاحبه وإن كان في ذاته غير متهم.

قوله: [وهذا إن لم يظهر كذبه]: أي بالبينة أو القرائن كدعواه التلف وهو في رفقة لا يخفى عليهم ذلك ولم يعلم به أحد منهم، وكدعواه الخسارة في سلعة مرغوب فيها سعرها مشهور.

قوله: [أو كان عروضاً]: أي من غير جنس ما يكسى به ليغاير ما قبله.

قوله: [والقول لمدعي النصف] إلخ: هذا كله إذا وقع التنازع بين اثنين، وإلا قسم المال على عدد الرؤوس كما قال ابن غازي.

قوله: [والقول لمدعي الاشتراك]: حاصله: أن الشركة إذا انعقدت بينهما ثم ادعى أحدهما على شيء رآه بيد شريكه أنه للشركة، وادعى الآخر الاختصاص فالقول قول من ادعى الشركة إذا شهدت البينة

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (شرطا).

ص: 170

(وألغيت نفقتهما) على أنفسهما (وكسوتهما) فلا يحسبان عند النضوض أو المفاوضة (وإن) كانا كله [1](ببلدين): أي كان كل واحد منهما ببلد غير التي بها [2] الآخر (مختلفي السعر) ولو اختلافاً بيناً بشرط أن يتساويا أو يتقاربا في النفقة

وأن يتساويا في المال بأن كانت الشركة على النصف فإن لم يتساويا فكل واحد على قدر ماله. (كعيالهما): أي كما تلغى النفقة والكسوة على عيالهما (إن تقاربا) عيالاً ونفقة. (وإلا) يتقاربا (حسبا) ما أنفقه كل واحد ورجع ذو القليل على ذي الكثير بما يخصه. (كانفراد أحدهما بها): أي بالنفقة على نفسه أو العيال فإنه يحسب، وما قيل من أن من انفرد بالنفقة على نفسه لا يحسب فيه نظر.

ثم أشار إلى القسم الثاني من قسمي الشركة بقوله:

(وإن شرط [3] نفي الاستبداد) بالتصرف؛ بل كل واحد يتوقف تصرفه على إذن الآخر (فعنان): أي فهي شركة عنان.

فإن تصرف أحدهما بلا إذن فللثاني رده وضمن إن ضاع ما تصرف فيه؛ مأخوذ من عنان الدابة كأنّ كل واحد أخذ بعنان صاحبه. فإن اشترط نفي الاستبداد من أحدهما فقط فهل صحيحة - وتكون مطلقة من جهة دون جهة - أو فاسدة؟ لأن الشركة يقتصر فيها على ما ورد، واستظهره بعضهم.

(و) لو قال إنسان لآخر: (اشتر) كذا (لي ولك) والثمن بيننا (فوكالة أيضاً): أي فهي وكالة فقط بالنسبة لتولي الشراء كما أنها بالنسبة لذات السلعة المشتراة شركة. وإذا كان وكيلاً في الشراء كان له طلبه بالثمن الذي أداه عنه لبائعها (فليس له حبسها) عنده في نظير الثمن سواء قال له: وانقد عني، أو لم يقل. (إلا أن يقول له): اشترها لي ولك (واحبسها) عندك حتى أوفيك الثمن (فكالرهن) فله حبسها حتى يوفيه الثمن ويكون أحق بها في فلس أو موت حيث حبسها وعليه ضمانها ضمان الرهان.

(وجاز): اشتر لي ولك (وانقد عني) ما يخصني من الثمن لأنه من المعروف، إذ هو سلف له ووكالة عنه في الشراء، ومحل الجواز (إن لم يقل: وأنا أبيعها عنك): أي أتولى بيعها عنك، وإلا منع لأنه سلف جر نفعاً. فإن وقع كانت السلعة بينهما ولا يتولى البيع فإن تولاه كان له جعل مثله.

(و) جاز: اشتر لي ولك وأنا (أنقد عنك)؛ لأنه معروف (إلا لخبرة المشتري) بالشراء فلا يجوز لما فيه من السلف بمنفعة.

ــ

بتصرفهما تصرف المتفاوضين، إلا أن تشهد بينة لمدعي الاختصاص أنه ورثه أو وهب له فإنه يختص به ولا يكون للشركة؛ لأن الأصل عدم خروج الأملاك عن يد أربابها، وسواء قالت البينة: إن ذلك متأخر أو قالت: لا علم لنا، وأما لو قالت: نعلم تقدمه فهو للشركة. وزاد في الحاشية رابعة: وهي ما إذا لم يحصل من البينة قول أصلاً زيادة على قولها ورث أو وهب، وحكمه أنه لمدعي الاختصاص. فتحصل أنها متى قالت: نعلم تقدمه فهو للشركة، إلا أن يخرجوه، ومتى قالت: نعلم تأخره أو لا علم لنا، أو سكتت، فهو لمدعي الاختصاص، إلا أن يدخلوه.

قوله: [وأن يتساويا في المال] إلخ: أي كما لابن عبد السلام حيث قال محل إلغاء النفقة على أنفسهما إن تساوى المالان، فإن لم يتساويا وكانت الشركة أثلاثاً حسبت نفقة كل منهما عليه، وقال الأجهوري: تلغى مطلقاً تقارب الإنفاق أو لا، تساوى المالان أو لا. قال في الحاشية وهو الأوجه.

قوله: [إن تقاربا عيالاً]: أي في السن والعدد.

قوله: [وإلا يتقاربا]: أي بأن اختلفا عدداً أو سناً.

قوله: [فيه نظر]: أي لأن النقل يخالفه.

قوله: [بل كل واحد] إلخ: بيان لحقيقة نفي الاستبداد.

قوله: [أي فهي شركة عنان]: أي تسمى بذلك.

قوله: [مأخوذ من عنان الدابة]: أي ما تقاد به.

قوله: [أخذ بعنان صاحبه]: أي فلا يطلقه يتصرف حيث شاء.

تنبيه: يجوز لذي طير ذكر وذي طيرة أن يتفقا على الشركة في الفراخ الحاصلة بينهما مناصفة لا في البيض، ونفقة كل على ربه إلا أن يتبرع أحدهما بها، ومحل جواز الاشتراك المذكور إن كان من الطير الذي يشترك في الحضن الذكر مع الأنثى كحمار لا دجاج وأوز، ولا غير طير كحمر وخيل ورقيق، كذا في الأصل.

قوله: [فوكالة أيضاً]: أي كما أنها شركة، فقول الشارح بعد: فقط، الأولى حذفها لإيهامها خلاف المراد، أو يؤخرها بعد قوله لتولي الشراء ويكون معناها حينئذ أنه وكيل في الشراء فقط لا في البيع.

قوله: [أي فهي وكالة فقط]: فائدة كون المأمور وكيلاً في شراء النصف للآمر أن يطالب ذلك المأمور ابتداء بالثمن من جهة البائع، وهذا لا ينافي أن كلاً ينقد ما عليه.

قوله: [وعليه ضمانها ضمان الرهان]: أي إذا ادعى تلفها، فإن كانت مما يغاب عليه ضمنها إلا أن تقوم بينة بما ادعاه من التلف أو الضياع، وإن كانت مما لا يغاب عليه فالقول قوله بيمين إلا أن يظهر كذبه كما مر في الرهن، لكن قوله فكالرهن مشكل لأن فيه تشبيه الشيء بنفسه. وأجيب: بأن المراد تشبيه هذا الفرع بالرهن المصرح فيه بلفظ الرهنية فلا ينافي أن هذا من جزئيات الرهن.

وأجيب أيضاً: بأن هذا مبني على أن الرهن يشترط فيه التصريح بلفظ الرهنية وهذا لم يصرح فيه وحينئذ فالتشبيه ظاهر.

قوله: [لأنه سلف جر نفعاً]: أي حيث كان المأمور هو المسلف أو أجنبياً من ناحية كصديقه.

قوله: [إلا لخبرة المشتري بالشراء]: أي لكون المشتري خبيراً أو ذا وجاهة.

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

ليست في ط المعارف.

[2]

قوله: (التي بها) في ط المعارف: (الذي به).

[3]

في ط المعارف: (شرطا).

ص: 171

(وأجبر) الشاري لسلعة (عليها): أي على الشركة أي مشاركة الغير معه فيما اشتراه (إن اشترى شيئاً بسوقه) المعد له ولو لم يكن الشاري من أهله واشتراه للتجارة في البلد (لا) إن اشتراه (لكسفر) به وإن لتجارة (أو قنية) أو إقراء ضيف أو عرس أو إهداء وصدق في ذلك بيمينه (وغيره) أي المشتري من باقي التجار (حاضر) بالسوق لعقد الشراء (لم يتكلم) بمزايدة (من تجارها): أي السلعة المشتراة؛ احترازاً مما لو كان غائباً حين الشراء. أو تكلم بزيادة أو ليس من تجارها بأن لم يكن تاجراً أصلاً أو كان من تجار غيرها؛ فلا جبر، وتقدم أن الشراء بسوقها شرط في الجبر (لا) إن اشتراها (ببيت) اتفاقاً (أو زقاق) على المعتمد.

ثم انتقل يتكلم على النوع الثاني من نوعي الشركة الداخل تحت التعريف المتقدم فقال:

(وجازت) الشركة (بالعمل) أي فيه أو المعين في المال الحاصل بسبب العمل كالخياطة والحياكة والتجارة، بشروط: أشار لأولها بقوله:

(إن اتحد) العمل كخياطين لا كخياط ونجار (أو تلازم) عملهما بأن كان أحدهما ينسج والثاني ينير أو يدور، أو أحدهما يصوغ والثاني يسبك له، أو أحدهما يغوص لطلب اللؤلؤ والثاني يمسك عليه ويجذف؛ فالمراد بالتلازم: توقف أحد العملين على الآخر.

وأشار لثانيها بقوله: (و) إن (أخذ كل منهما) من الربح (بقدر عمله): أي دخلا على ذلك. ولا يضر التبرع بعد العقد. وفسدت إن شرطا التفاوت ولا يضر شرط التساوي إن تقاربا في العمل كما يأتي قريباً.

ولثالثها بقوله: (و) إن (حصل) التعاون بينهما (وإن بمكانين) بحيث تجول يد كل منهما على ما بيد صاحبه، كخياطين في حانوتين يأخذ كل منهما ما بيد صاحبه.

ولرابعها بقوله: (و) إن (اشتركا في الآلة) التي بها العمل، كالفأس والقدوم والمطرقة والقبان والمنوال وغير ذلك، إما (بملك أو إجارة) لهما من غيرهما، أو كان أحدهما يملك الآلة واستأجر صاحبه منه نصفها، فإن كانت الآلة من أحدهما دون الآخر لم يجز وأما لو أخرج كل منهما آلة تساوي آلة الآخر فإن أكرى كل منهما أو اشترى نصف آلة صاحبه بنصف آلة الآخر جاز؛ لأنه صدق عليه الاشتراك فيها، وإن لم يحصل شيء من ذلك ففي الجواز والمنع قولان: الأول لسحنون. والثاني ظاهر المدونة. لكن قال عياض: إن وقع مضى. ومثل للشركة في العمل بقوله: (كطبيبين اشتركا في الدواء

ــ

قوله: [وأجبر الشاري] إلخ: هو اسم فاعل من شرى، وأما المشتري فهو اسم فاعل اشترى، لأن الفعل يقال فيه شرى واشترى، وهذا شروع في شركة الجبر التي قضى فيها عمر رضي الله عنه، وقال بها مالك وأصحابه، وشروطها ستة: ثلاثة في الشيء المشترى: وهو أن يشتري بسوقه، وأن يكون شراؤه للتجارة، وأن تكون التجارة به في البلد. وثلاثة في المشرك - بالفتح - وهي: أن يكون حاضراً في السوق وقت الشراء، وأن يكون من تجار تلك السلعة التي بيعت بحضرته، وألا يتكلم. وقد أفادها المؤلف متناً وشرحاً.

قوله: [شرط في الجبر]: اعلم أن محل الجبر - إذا وجدت هذه الشروط - ما لم يبين المشتري للحاضرين من التجار أنه لا يشارك أحداً منهم، ومن شاء أن يزيد فليفعل، وإلا فليس لهم جبره. فهذا الشرط يزاد على الستة ومتى وجدت شروط الجبر لهم جبره ولو طال الأمر حيث كان ما اشترى باقياً كما استظهره بعضهم، وقل: يفصل فيه كالشفعة فلا جبر بعد السنة، وأشعر قول المصنف: وأجبر عليها إلخ أن المشتري لا يجبر الحاضرين على مشاركتهم له وهو كذلك عند عدم تكلمهم، وأما إن حضر والسوم وقالوا له: أشركنا فأجابهم: بنعم أو سكت فإنهم يجبرون على مشاركته إن طلب، كما أنه يجبر على مشاركتهم إن طلبوا.

قوله: [الداخل تحت التعريف]: أي في قوله أو على عمل إلخ.

قوله: [وجازت الشركة بالعمل]: أي وتسمى شركة أبدان أيضاً، وهذا أحد أقسام الشركة التي تقدمت لنا في الدخول، لأنه تقدم شركة الأموال وتحتها أقسام أربعة: المفاوضة، والعنان، والذمم، والجبر، ويأتي خامس وهو المضاربة التي هي القراض.

قوله: [ويجذف]: هكذا بالجيم أي يقذف بالمقذاف.

قوله: [بملك أو إجارة] إلخ: اعلم أن صور الخلاف ثلاثة: الأولى: إخراج كل واحد آلة مساوية لآلة الآخر ولم يستأجر كل واحد نصف آلة صاحبه.

والثانية: إخراج أحدهما الآلة كلها من عنده وأجر نصفها لصاحبه. والثالثة: إخراج كل آلة مساوية لآلة الآخر وإيجار كل منهما نصف آلته بنصف آلة صاحبة فالمعتمد في الصورة الأولى عدم الجواز، وفي الأخيرتين الجواز، وبقي ثلاث صور صاحبه؛ متفق على جوازها: كون الآلة مملوكة لهما معاً بشراء أو إرث، أو اكترياها معاً، أو أخرج كل آلة وباع نصف آلته بنصف آلة صاحبه. فقوله: بملك أو إجارة هاتان الصورتان متفق على جوازهما.

قوله: [أو كان أحدهما يملك الآلة] إلخ: هذه الصورة من محل الخلاف والمعتمد جوازها كما اقتصر عليه الشارح.

قوله: [لم يجز]: أي اتفاقاً إن يكن من الآخر استئجار لنصفها.

قوله: [جاز]: أي في صور الكراء على الراجح وفي صورة الشراء اتفاقاً.

قوله: [اشتركا في الدواء]: أي على التفصيل السابق وفاقاً وخلافاً، ولا يقال: حيث اشتراكا في الدواء كانت شركة أموال لا أبدان، وليس الكلام فيها لأننا نقول: الدواء تابع غير مقصود والمقصود، إنما هو التعاون

ص: 172

واغتفر التفاوت اليسير) في العمل مع كون الربح بينهما بالسوية؛ ككون عمل أحدهما أقل من النصف قليلاً وعمل الآخر أكثر منه قليلاً أو كان عمل أحدهما أكثر من الثلث قليلاً وعمل الآخر أقل من الثلثين قليلاً وقسما على الثلث والثلثين.

(ولزم كلاً) من شركاء العمل (ما قبله صاحبه و) لزمه (ضمانه) أي ضمان ما قبله صاحبه بلا إذنه؛ لأنهما صارا كالرجل الواحد، فمتى ضاع شيء عن أحدهما ضمناه معاً. (وإن افترقا) فما قبلاه أو أحدهما حال الاجتماع فهو في ضمانهما. وهذا إذا قبله في حضور صاحبه أو غيبته القريبة كاليومين أو حال مرضه القريب اللذين يلغيان، فإن قبله في غيبته أو مرضه الطويلين فإنه لا يلزم صاحبه ضمانه ولا العمل معه كما قاله اللخمي وإلى ذلك أشار بقوله:(و) إذا مرض أحدهما أو غاب (ألغي مرض كاليومين وغيبتهما) أي اليومين، فما عمله الحاضر الصحيح شاركه فيه الغائب أو المريض ولزمه ما قبله فيهما وضمنه إن تلف.

(لا إن كثر) زمن المرض أو الغيبة عن كاليومين فلا يلغى عمله بل يختص بأجرة عمله، وانظر تمام الكلام في المتن وشراحه.

(فصل)

في بيان أشياء يقضى بها عند التنازع بين شركاء وغيرهم

(يقضى على شريك فيما): أي في شيء (لا ينقسم) بين الشركاء كحمام وفرن وحانوت وبرج وطاحون حصل به خلل وأراد البعض أن يعمر وأبى الآخر (أن يعمر) الآبي مع من أراد التعمير (أو يبيع) لمن يعمر معه.

فإن باعه لغير الشريك فلا شفعة فيه للشريك كما يأتي إن شاء الله تعالى والمراد: يقضى عليه بالبيع إن امتنع من التعمير فيأمره الحاكم أولاً بالتعمير بلا حكم، فإن امتنع قال له: إن لم تعمر حكمنا عليك بالبيع فإن استمر على الامتناع حكم عليه بالبيع.

ــ

على صنعة الطب.

قوله: [واغتفر التفاوت اليسير]: راجع لشركة العمل من حيث هي كما تقدم التنبيه عليه في قوله ولا يضر شرط التساوي إن تقاربا في العمل.

قوله: [فلا يلغى عمله بل يختص بأجرة عمله]: أي والضمان عليه لأن الموضوع أنه قبله وصاحبه غائب أو مريض، وأما لو حدث المرض أو الغيبة بعد القبول، فأفاد حكمه الأصل بقوله:"يرجع بأجرة مثل عمله على صاحبه" وإلا فالأجرة الأصلية بينهما والضمان عليهما، مثاله: لو عاقدا شخصاً على خياطة ثوب بعشرة فغاب أحدهما أو مرض كثيراً فخاطه الآخر فالعشرة بينهما، ثم يقال: ما مثل أجرة من خاطه؟ فإذا قيل: أربعة، رجع على صاحبه باثنين مضمومين لخمسة، فحاصله أنه يختص بأربعة من العشرة ثم يقسمان الستة، وهذا ظاهر في هذا ونحوه، وأما في مثل العمل مياومة كبناءين ونجارين وحافرين فظاهر أنه يختص بجميع أجرة عمله انتهى.

قوله: [وانظر تمام الكلام في المتن وشراحه]: من ذلك لو كثرت مدة المرض أو السفر هل يلغى منها اليومان؟ وهو ما قاله بعض القرويين. أو لا يلغى منها شيء؟ وهو ما نسبه أبو الحسن الصغير للخمي. ومن ذلك لو مات أحد الحافرين في الركاز أو المعدن لم يستحق وارثه بقية العمل فيه بل يقطعه الإمام لمن يشاء، وبعضهم قيد عدم استحقاق الوارث بما إذا لم يبد النيل بعمل المورث وإلا استحقه الوارث. والراجح عدم التقييد، ومن ذلك النهي عن شركة الوجوه وهي بيع وجيه مال شخص خامل بجزء من ربحه، فهي فاسدة للجهل بالأجرة وللغرر بالتدليس فعلى هذا تكون جملة أقسام الشركة سبعة.

فصل في بيان أشياء

لما كانت هذه الأشياء تعم الشركاء وغيرهم عقد لها فصلاً وخالف أصله.

قوله: [وغيرهم]: ومثل لغير الشركاء فيما سيأتي بقوله: " كذي سفل إن وهي " وبما بعد.

قوله: [يقضي على شريك] إلخ: شمل كلام المصنف ما إذا كان ذلك العقار الذي لا ينقسم بعضه ملك وبعضه وقف وأبى الموقوف عليه أو الناظر من التعمير بعد أمر الحاكم له؛ فإنه يقضى عليه بالبيع على المعتمد خلافاً لمن قال إنه لا يباع ويعمر طالب العمارة ويستوفي ما صرفه على الوقف من غلته، وعلى الأول فيباع منه بقدر الإصلاح لا جميعه حيث لم يحتج له كذا في (عب) وكتب النفراوي بطرته: المعتمد أنه يباع الكل ولو كان ثمن البعض يكفي في العمارة دفعا لضرورة تكثير الشركاء كما صرح به المراغي اهـ. نعم محل البيع إذا لم يكن للوقف ريع يعمر منه ولم يوجد من يستأجره سنين فدفع الأجرة معجلة ليعمر بها وإلا فلا يباع انتهى من حاشية الأصل).

قوله: [أن يعمر]: "أن" وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف متعلق بـ"يقضي"، ونائب فاعله قوله:"على شريك" فينحل المعنى يقضى على شريك بالتعمير أو بالبيع.

قوله: [لمن يعمر معه]: أي لشخص آخر يعمره فإن أبى المشتري من التعمير قضي عليه بمثل ما قضي به على الأول وهكذا.

قوله: [كما يأتي إن شاء الله تعالى]: أي في بابها.

قوله: [والمراد يقضى عليه بالبيع]: جواب عما يقال ظاهر المصنف أن الحاكم يقول للشريك الممتنع من التعمير من أول الأمر: حكمت

ص: 173

ولو كانت حصته يزيد ثمنها على التعمير. وقيل: يحكم عليه ببيع قدر ما يحصل به التعمير؛ لأن البيع الجبري إنما أبيح للضرورة فيقتصر على قدرها. ورد بأن دفع ضرر كثرة الشركاء إنما يكون ببيع الكل. وقيل: إن كان غنياً جبره بالتعمير وإلا جبره على البيع.

والكلام في غير العيون والآبار، فإن الآبي من التعمير لها لا يقضى عليه بالبيع بل يقال لصاحبه: عمر ولك جميع الماء ما لم يدفع لك الآبي ما يخصه من النفقة، فإن لم يدفع فالماء للمعمر ولو زاد على ما أنفق كذا في المواق وقيل: بل له من الماء بقدر ما أنفق.

(كذي سفل) عليه بناء لغيره فإنه يقضى عليه (إن وهى) أن يعمر أو يبيع لمن يعمر لدفع ضرر الأعلى، ولو كان الأسفل وقفاً حيث لا ريع له يعمر منه ولم يمكن استئجاره بشيء يعمر به، ولكن لا يباع من الوقف إلا بقدر التعمير. (وعليه): أي على ذي السفل (التعليق) أي تعليق الأعلى بالجوائز والمسمار حتى يفرغ من إصلاحه؛ لأن التعليق بمنزلة البناء؛ والبناء على ذي الأسفل. هذا هو المذهب، وقيل: التعليق على رب العلو؛ فلو سقط الأعلى فهدم الأسفل أجبر رب الأسفل على البناء أو البيع لمن يبني ليبني رب العلو علوه (و) عليه أيضاً (السقف) الساتر لسفله، إذ الأسفل لا يسمى بيتاً إلا بالسقف، ولذا كان يقضى له به عند التنازع. (و) عليه أيضاً (كنس المرحاض) الذي يلقي فيه رب العلو سقطاته (إلا لعرف) بينهم من أنه عليهما أو على الجماجم فيعمل به وقيل: الكنس على الجميع بقدر الجماجم. واستظهر. ولو ماتت دابة بسوق أو بيت غير ربها فهل إخراجها على رب الدار لزوال ملك ربها عنها أو على ربها لأن له أخذ جلدها ليدبغه ولحمها لكلابه؟ استظهر الثاني. (لا سلم) يرقى عليه رب العلو، فليس على ذي الأسفل بل على ذي الأعلى كالبلاط الذي فوق سقف الأسفل.

(و) قضي (بالدابة) عند التنازع فيها (للراكب، لا) لقائد (متعلق بلجام) ولا لسائق (إلا لقرينة أو عرف) فيعمل بذلك، كما يقع في مصر كثيراً من دواب المكاري ونحوها.

(وإن أقام أحدهم): أي أحد الشركاء في بيت فيه رحى للطحن فيها بالكراء، وقد تعطلت (رحى): أي عمرها أحدهم (إذا أبيا): أي شريكاه من تعميرها معه - قبل حكم حاكم عليهما بالبيع أو التعمير - (فالغلة) الحاصلة من تلك الرحى بعد تعميرها (لهم): أي للثلاثة (بعد أن يستوفي) المعمر (منها): أي من غلتها (ما أنفق) على عمارتها (وإلا) يأبيا بل أذناه في العمارة

ــ

عليك بأن تعمر أو تبيع، وليس كذلك؛ إذ الحكم إنما يكون بمعين وهو إذا قال له: حكمت عليك أن تعمر أو تبيع لم يكن المحكوم به معيناً، بل الحاكم يأمره أولاً بالعمارة إلى آخر ما قاله الشارح.

قوله: [ولو كانت حصته يزيد ثمنها على التعمير]: هذا هو المعتمد، ولو كان في الوقف كما للنفراوي دفعاً لضرورة تكثير الشركاء.

قوله: [جبره بالتعمير]: أي حكم عليه به فضمن جبر معنى حكم فعداه بالباء.

قوله: [لا يقضى عليه بالبيع] إلخ: أي سواء كان على العيون والآبار زرع أو شجر أم لا.

قول: [كذا في المواق]: أي نقلاً عن ابن القاسم وقال ابن نافع: محل جبر الشريك إن كان على البئر أو العين زرع أو شجر فيه ثمر مؤبر، وقد ضعفه ابن رشد ورجح ما قاله ابن القاسم.

قوله: [ولكن لا يباع من الوقف إلا بقدر التعمير]: أي في هذه المسألة لأن علة دفع تكثير الشركاء منفية هنا. والحاصل أنه استثنى من عدم جواز بيع الوقف خمس مسائل: هذه والتي قبلها، وبيع العقار الوقف لتوسعة المسجد والطريق والمقبرة إذا كانت الحاجة داعية لتوسيع ما ذكر.

قوله: [فلو سقط الأعلى فهدم الأسفل] إلخ: أي ولا ضمان على صاحب الأعلى إلا بشرط الإنذار عند حاكم ومضى مدة يتمكن فيها من الإصلاح، وكذلك العكس كما إذا وهي الأسفل وخيف بانهدامه انهدام الأعلى، فإن صاحب الأسفل لا يضمن هدم الأعلى إلا بتلك الشروط.

قوله: [وعليه أيضاً السقف]: أي كما نقله أبو الحسن عن أبي محمد صالح.

قوله: [الذي يلقى فيه رب العلو] إلخ: أي سواء كان فمه أعلى أو أسفل.

قوله: [إلا لعرف بينهم]: أي وهذا قول ابن القاسم وأشهب وهو المشهور من المذهب.

قوله: [وقيل الكنس على الجميع]: أي وهو قول أصبغ، واختلف في كنس كنف الدار المكتراة، فقيل: على ربها، وقيل: على المكتري، وكل هذا ما لم يجر العرف بشيء وإلا عمل به. وعرف مصر أنه على رب الدار، وأما طين المطر الذي ينزل في الأسواق ويضر بالمارين فلا يجب على أرباب الحوانيت كنسه لأنه ليس من فعلهم ما لم يجمعه أرباب الحوانيت أو أهل البيوت في وسط السوق وأضر بالمارة، فإنه يجب عليهم كنسه. وهل على المكتري للحوانيت والبيوت أو على الملاك؟ قال البرزلي: وعندي أنه يخرج على كنس مرحاض الدار المكتراة.

قوله: [استظهر الثاني]: أي استظهره ابن ناجي وغيره، كذا في (بن).

قوله: [كالبلاط]: أي وأما ما يوضع تحت البلاط من تراب أو طين أو جبس فعلى صاحب الأسفل حكم السقف.

قوله: [من دواب المكاري] أي فإن في مصر رب الحمار يسوقه أو يقوده، فإذا تنازع مع الراكب ولا بينة لواحد قضي للسائق أو للقائد.

قوله: [وإن أقام أحدهم] إلخ: صورتها ثلاثة مشتركون في بيت فيه رحى

ص: 174

أو عمر وهما ساكتان، (ففي): أي فالرجوع عليهما في (الذمة) لا في الغلة الحاصلة منها.

(و) قضى (بهدم بناء في طريق) يمر فيها الناس (ولو لم يضر) بالمارين، إذ لا حق له في ذلك مع كون البناء المذكور شأنه الضرر. وقد كثر ذلك في مصر، فكل من بنى أو جدد له بيتاً يزحف ببنائه أو بحانوته بسكة المسلمين حتى صارت الطرق ضيقة تضر بالناس كما هو مشاهد.

(و) قضى (بجلوس باعة بأفنية دور لبيع خف) لا إن كثر لما فيه من الضرر. واحترز بقوله: "لبيع" من جلوسهم للتحدث ونحوه فإنهم يقامون (و) قضى (للسابق) من الباعة للأفنية إن نازعه فيه غيره ولو اشتهر به ذلك الغير.

(كمسجد)

ــ

معدة للكراء، ثم إنها خربت واحتاجت للإصلاح فأقامها أحدهم بعد أن أبيا من الإصلاح ومن الإذن له فيه وقبل أن يقضي عليهم بالعمارة أو البيع، فالمشهور: أن الغلة الحاصلة لهم بالسوية بعد أن يستوفي منها ما أنفقه عليها في عمارتها إلا أن يعطوه النفقة، وإلا فيساويهم من أول الأمر، ومقابل المشهور ما روي عن ابن القاسم: أن الغلة كلها لمن عمر وعليه لشركائه كراء المثل على تقدير أن لو أكريت لمن يعمر. واستشكل الأول: بأن استيفاء ما أنفقه من الغلة فيه ضرر عليه لأنه دفع جملة وأخذ مفرقاً. وأجيب: بأنه هو الذي أدخل نفسه في ذلك إذ لو شاء لرفعهما للحاكم فيجبرهما على الإصلاح أو البيع ممن يصلح.

قوله: [أو عمر وهما ساكتان]: اعلم أن فروع هذه المسألة سبعة:

الأول: ما إذا استأذنهما في العمارة وأبيا واستمرا على المنع إلى تمام العمارة، والحكم: أنه يرجع بما عمر في الغلة.

والثاني: أن يستأذنهما فيسكتا ثم يأبيا حال العمارة.

والثالث: عكسه وهو أن يستأذنهما فيأبيا ثم يسكتا عند رؤيتهما للعمارة، والحكم في هذين الرجوع في الغلة كالأول.

والرابع: أن يعمر قبل علم أصحابه ولم يطلعوا على العمارة إلا بعد تمامها، سواء رضوا بما فعل أو لا والحكم في هذه أنه يرجع بما أنفقه في ذمتهم لقيامه عنهم بما لا بد منه لهم.

والخامس: أن يعمر بإذنهم ولم يحصل منهم ما ينافي الإذن حتى تمت العمارة.

والسادس: أن يسكتوا حين العمارة عالمين بها سواء استأذنهم أم وحكمهما كالتي قبلهما.

والسابع: أن يأذنوا له في العمارة ثم يمنعاه بعد ذلك، فإن كان المنع قبل شراء المؤن التي يعمر بها ثم عمر فإنه يرجع في الغلة وإن كان بعد شراء المؤن رجع عليهم في ذمتهم ولا عبرة بمنعهم له.

تنبيه: يقضى بالإذن في دخول جاره في بيته لإصلاح جدار من جهته ونحوه؛ كغرز خشبة أو أخذ ثوب سقط أو دابة دخلت. ويقضي أيضاً بقسمة الجدار إن طلبت. وصفة القسمة عند ابن القاسم: أن يقسم طولاً من المشرق إلى المغرب مثلاً، فإذا كان طوله عشرين ذراعاً من المشرق إلى المغرب في عرض شبرين مثلاً أخذ كل واحد عشرة أذرع بالقرعة، ولا يقسم عرضاً بأن يأخذ كل واحد منهما شبراً من الجانب الذي يليه بطول العشرين ذراعاً بأن يشق نصفه كما رأى عيسى بن دينار؛ فإن ذلك فساد إن كان بالقرعة. وأما بالتراضي فيجوز طولاً أو عرضاً إذا تراضوا على أن كل واحد يأخذ نصيبه من جهته ويقضى على الجار أيضاً بإعادة جداره الساتر لغيره إن هدمه ضرراً إلا لإصلاح أو هدم بنفسه فلا يقضى على صاحبه بإعادته، ويقال للجار استر على نفسك إن شئت.

قوله: [وقضى بهدم بناء في طريق]: أي نافذة أو لا ما لم تكن أصلها ملكاً له، بأن كانت داراً له وانهدمت وصارت طريقاً فله البناء ولا يهدم، وقيده بعضهم بما إذا لم يطل الزمان حتى يظن إعراضه عنها فليس له فيها كلام.

قوله: [باعة بأفنية دور]: حاصله أنه يقضى بجلوس الباعة بأفنية الدور بشروط أربعة: إن خف الجلوس ولا يضر بالمارة لاتساع الطريق، وأن تكون الطريق نافذة، وأن يكون جلوسهم للبيع. وباعة: أصله بيعة بفتح الياء: جمع بائع؛ كحاكة وحائك صاغة وصائغ، تحركت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفاً، وفناء المسجد كفناء الدور، والراجح جواز كراء الأفنية سواء كانت لدور أو حوانيت، فيجوز لصاحب الدور والحانوت أخذ الأجرة من الباعة الذين يجلسون كثيراً في فناء داره أو حانوته.

قوله: [كمسجد]: الظاهر أن المراد به المكان المعد للطاعة المباح ليشمل عرفة ومنى ومزدلفة، فحكمها حكم المسجد في التفصيل. فإن قلت: ما الفرق بين المسجد والسوق؟ حيث قلتم في المسجد: يقضى به للسابق ما لم يعتده غيره وفي السوق: يقضى به للسابق ولو اشتهر به غيره، مع أنه كلاً مباح ولكل مسلم فيه حق؟ قلت: الفرق أن المسجد وما في معناه مباح مرغب فيه يمدح التعلق به

ص: 175

فإنه يقضى للسابق بمكان فيه (إلا أن يعتاده) في الجلوس (غيره): أي غير السابق في ذلك المكان لتعليم علم أو إقراء أو فتوى فإنه يقضى له به. وقيل: لا يقضى بل يأمر غيره بالقيام منه له بغير إلزام.

(و) قضى على جار (بسد كوة) بفتح الكاف وضمها: أي طاقة (حدثت) وأشرفت على الجار وأما القديمة فلا يقضى بسدها. ويقول للجار: استر على نفسك إن شئت. وكذا إن كانت عالية لا يمكن التطلع على الجار منها إلا بصعود على سلم.

والمنقول عن ابن القاسم؛ وبه القضاء: أن من حدث عليه ضرر من فتح كوة أو غيرها وسكت عشر سنين بلا عذر فلا مقال له بعد ذلك (و) إذا قضي بسدها (لا يكفي سد خلفها) مع بقائها على ما هي عليه، لأنه ذريعة في المستقبل لادعاء قدمها وإرادة فتحها بل لا بد من سدها من أصلها وإزالة ما يدل عليها من عتبة أو خشبة ونحوهما.

(و) قضى (بمنع دخان كحمام) وفرن ومطبخ وقمين (و) بمنع (رائحة كريهة؛ كدبغ) ورائحة مذبح ومسمط. والمراد: الحادث من ذلك لا القديم. (و) بمنع (مضر بجدار) حدث كدق وطاحون وبئر وغرس شجر. (و) منع إحداث (إصطبل) لما فيه من ضرر رائحة الزبل بالجدار وصوت الدواب.

(و) بمنع (حانوت قبالة باب ولو بسكة نفذت) على الأصوب، لأن الحانوت أشد ضرراً من فتح الباب لملازمة الجلوس به، ومحل المنع فيما ذكر (إن حدثت) لا إن كانت قديمة.

(و) قضى (بقطع ما أضر من) أغصان (شجرة بجدار) لجاره (مطلقاً) حدثت أو كانت قديمة. وأما الشجرة نفسها قال ابن رشد: فلا سبيل لقلعها إذا كانت قديمة؛ أي لأن الكلام في أغصانها المنتشرة على جدار الجار فهل يقطع ولو كانت قديمة وهو المعتمد أو لا يقضى بقطعه إلا إذا حدثت وهو قول ابن الماجشون (لا) يقضى بمنع بناء (مانع ضوء وشمس وريح الأندر [1]): أي جرين، ومثل الأندر: طاحون الريح إذا حدث ما يمنع الريح عنها فيقضى بمنعه.

(و) لا يقضى بمنع (علو بناء) على بناء جاره إلا أن يكون ذمياً بجار مسلم فيمنع (ومنع) الجار إذا علا ببنائه (من الضرر) كالتطلع على جاره بالإشراف من العلو الذي بناه.

(ولا) يقضى بمنع (صوت كمد) وهو دق القماش لتحسينه (ونحوه) كحداد ونجار وصائغ لخفة ذلك، ولذا قال بعضهم: هذا ما لم يشتد ويدم وإلا منع (و) لا من إحداث (باب بسكة نفذت) ولو لم تكن السكة واسعة على المعتمد، وسواء نكب عن باب جاره أو لم ينكب؛ لأن شأن النافذة عدم فتح أبواب بيوتها فلا ضرر في إحداث باب قبالة باب جاره. (كغيرها) أي غير النافذة (إن نكب) أي بوعد عن باب جاره أي لم يكن مقابلاً له بحيث لو فتح لم يشرف منه على ما في دار جاره وإلا منع.

ــ

فيه يتنافس المتنافسون، فلذلك قيد القضاء فيه للسابق بعدم اعتياده للغير، والسوق - وإن كان مباحاً للجلوس فيه - فإنما هو عند الضرورات فلا تتنافس فيه العقلاء ولذلك ورد:«أن خير البقاع المساجد وشرها الأسواق» .

قوله: [فإنه يقضى للسابق]: وانظر: هل يكفي السبق بالفرش فيه؟ أو لا بد أن يكون بذاته والسبق بالفرش تحجير؟ لا يجوز ذكر (ح) فيه خلافاً.

قوله: [إلا أن يعتاده]: أي لما في صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به» .

قوله: [وقيل لا يقضى]: المعتمد القضاء للمشتهر.

قوله: [وكذا إن كانت عالية]: مثل العلو ما إذا كان يتراءى منها المزارع والحيوانات، فمحل السد إن كان يتطلع منها على الحريم أو ما في معناه.

قوله: [لا يكفي سد خلفها]: المناسب تقدير الفاء لوقوعها في جواب "إذا".

قوله: [بمنع دخان كحمام]: أي بمنع إحداث ذي دخان تتضرر الجيران بسببه.

وقوله: [وبمنع رائحة]: أي وقضى بمنع إحداث ذي رائحة كريهة.

قوله: [كدبغ]: أي مدبغة. والمذبح: المحل المعد للذبح: والمسمط: هو الإناء الذي يسمط فيه السقط لإزالة ما فيه من الأقذار، ومثل المسمط المصلق: وهو الإناء الذي يطبخ فيه السقط. ويمنع الشخص من تنفيض الحصر ونحوها على باب داره إذا أضر الغبار بالمارة، ولا حجة له أنه إنما فعله على باب داره، قاله ابن حبيب.

قوله: [وبمنع مضر بجدار]: أي وأما إذا كان الصوت فقط ولا يضر بالجدار فلا يمنع كما يأتي.

قوله: [وبمنع إحداث إصطبل]: اعترض بأن هذا مستغنى عنه لأنه إذا كان لمنع الرائحة فهو داخل في قوله: "ورائحة كريهة"، وإن كان للضرر بالجدار فهو داخل فيما قبله، وإن كان للتأذي بالصوت فهو لا يقتضي منع الإحداث كما يأتي في قوله: ولا صوت كمد ونحوه. وأجيب بأن العلة في منع إحداثه الرائحة وضرر الجدار، لكن المصنف أراد التنصيص على عين المسائل.

قوله: [ولو بسكة نفذت]: أي خلافاً لابن غازي من التقييد بالسكة غير النافذة.

قوله: [لا يقضى بمنع بناء مانع] إلخ: هذا هو المشهور، ومقابله ما رواه ابن دينار عن ابن نافع: أنه يمنع من مانع الضوء والشمس والريح.

قوله: [إلا أن يكون ذمياً]: واختلف هل يمنع من مساواته للمسلم أو لا؟

تنبيه: كما لا يمنع الشخص المسلم من علو بنائه على بناء جاره لا يمنع من إحداث ما ينقص الغلة اتفاقاً كإحداث فرن قرب فرن أو حمام قرب حمام أو طاحون قرب طاحون كما في (ح).

قوله: [ولذا قال بعضهم]: أي وهو المواق فإنه قال ومحل عدم المنع ما لم يشتد ويدم وإلا منع من ذلك.

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (إلا لأندر).

ص: 176

(و) لا يمنع من إحداث (روشن): وهو الجناح الذي يخرج به جهة السكة في علو الحائط لتوسعة العلو. (و) لا يمنع من إحداث (ساباط) سقف في السكة (لمن له الجانبان) أي بيت قبالة بيته والسكة بينهما (ولو بغير) السكة (النافذة) على المعتمد، فلا يتوقف الإحداث على إذن بقية أهل الزقاق ومشى الشيخ على التفصيل بين النافذة وغيرها تبعاً لجماعة من أهل المذهب ورجح أيضاً.

ومحل جواز الروشن والساباط: ما لم يضر بالمارة في النافذة وغيرها، بأن رفعا رفعاً بيناً عن رؤوس الناس والإبل المحملة، وإلا منعا ولذا قال (إلا لضرر بالمارة و) لا يمنع من (صعود نخلة) لأخذ ثمرها أو تقليمها (وأنذر) الراقي عليها وجوباً، وقيل: ندباً (بطلوعه) عليها ليستتر الجار، (بخلاف المنارة) التي يشرف من صعد عليها للأذان على الجار، فإنه يمنع (ولو) كانت المنارة (قديمة): لأن الأذان يتكرر بخلاف النخلة فإن الصعود عليها نادر.

(وندب) للجار (تمكين جار) له (من غرز خشب في جدار) لأنه من المعروف ومكارم الأخلاق.

(و) ندب للإنسان (إرفاق) لغيره من جار أو قريب أو أجنبي ويتأكد في القريب والجار قال تعالى: {وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل

ــ

قوله: [ولا يمنع من إحداث روشن] إلخ: حاصله: أن المعتمد في الروشن والساباط جواز إحداثهما مطلقاً كانت السكة نافذة أو غير نافذة، ولا يحتاج لإذن حيث رفع عن رؤوس الركبان رفعاً بيناً ولم يضر بضوء المارة.

قوله: [تبعاً لجماعة]: قال ابن غازي: التفصيل بين النافذة وغيرها لأبي عمران، ونقله عن المتيطي، وعليه اقتصر ابن الحاجب وقبله ابن عبد السلام وابن هارون.

قوله: [بخلاف المنارة]: محل منع الصعود عليها ما لم يجعل لها ساتر من كل جهة يمنع من الاطلاع على الجيران، وما لم يكن الصاعد أعمى كما عندنا بمصر.

قوله: [تمكين جار له من غرز خشب]: أي لما في الموطأ: «لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره» رواه ابن وهب " خشبة " بالإفراد ورواه بعضهم بصيغة الجمع، حمل مالك ذلك على الندب وحمله الشافعي وأحمد على الوجوب. واختلف هل: لجار المسجد غرز خشبة في حائطه؟ وبه أفتى ابن عتاب نقلاً له عن الشيوخ، أو ليس له ذلك؟ وبه قال ابن ناجي.

قوله: {وبالوالدين إحسانا} [النساء: 36]: أي وأحسنوا بالوالدين إحساناً وإنما قرن بر الوالدين بعبادته وتوحيده لتأكد حقهما على الولد. عن أبي هريرة قال: «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك: ثم من؟ قال: أمك، ثم أبوك ثم أدناك فأدناك» ، وفي رواية عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «رغم أنفه رغم أنفه قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر أو أحدهما ولم يدخل الجنة» .

قوله: {وبذي القربى} [النساء: 36]: أي وأحسنوا إلى ذوي القربى وهم ذوو رحمه من قبل أبيه أو أمه، عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه» ، ومعنى ينسأ له في أثره يؤخر له في أجله.

قوله: {واليتامى والمساكين} [النساء: 36]: أي وأحسنوا إلى من ذكر وإنما أمر بالإحسان إليهم لأن اليتيم مخصوص بنوعين من العجز الصغر وعدم النفقة. والمسكين هو الذي ركبه ذل الفاقة والفقر فتمسكن لذلك وفي الحديث: «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئاً» ، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله» ، وأحسبه قال:«وكالقائم الذي لا يفتر وكالصائم الذي لا يفطر» .

قوله: {والجار ذي القربى} [النساء: 36]: أي وأحسنوا إلى الجار الذي قرب جواره منكم، وقيل الجار ذو القربى هو القريب.

قوله: {والجار الجنب} [النساء: 36]: أي الذي بعد جواره عنك، أو هو الأجنبي الذي ليس بينك وبينه قرابة. عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» . «وعن عائشة قالت: قلت يا رسول الله: إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال إلى أقربهما باباً لك» . وعن أبي ذر قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر إذا طبخت مرقا فأكثر ماءه وتعاهد جيرانك» وفي رواية قال: «أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم قال: إذا طبخت مرقاً فأكثر ماءه ثم انظر إلى أهل بيت من جيرانك فأصبهم منها بمعروف» . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا نساء المؤمنات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة» معناه: ولو أن تهدي لها الشيء الحقير الذي هو كظلف الشاة.

قوله: {والصاحب بالجنب} [النساء: 36]: قال ابن عباس: هو الرفيق في السفر، وقيل هو المرأة تكون معك إلى جنبك، وقيل هو الذي يصحبك رجاء نفعك. قال رسول صلى الله عليه وسلم:«خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره» .

قوله: {وابن السبيل} [النساء: 36]: يعني المسافر المجتاز بك الذي قد انقطع به، وقال الأكثرون: المراد بابن السبيل الضيف يمر بك فتكرمه وتحسن إليه. قال صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته قدم. قالوا وما جائزته

ص: 177

وما ملكت أيمانكم} [النساء: 36](بماء) لشرب أو غيره (وماعون) كإناء وفأس وسكين. (و) ندب (إعانة في مهم) كموت وعرس وسفر (و) ندب (فتح باب لمرور) في دار لها بابان وأراد الجار أن يمر في الدار بدخوله من باب ليخرج من الآخر لحاجة، ولا ضرر على رب الدار.

(فصل)

في المزارعة وأحكامها

(المزارعة: الشركة في الزرع)، ويقال: الشركة في الحرث وبه عبر اللخمي، وعقدها غير لازم قبل البذر ونحوه.

(ولزمت بالبذر ونحوه) والبذر: إلقاء الحب على الأرض لينبت: ومثل البذر وضع الزريعة بالأرض مما لا بذر لحبه، كالبصل والقصب وهذا هو المراد بـ "نحوه"، وليس المراد بالنحو قلب الأرض وحرثها؛ فإنهم صرحوا أن الراجح أنها لا تلزم بالعمل قبل البذر ولو كان له بال. والشيخ رحمه الله أطلق البذر على ما يعم وضع الشتل ونحوه بالأرض لا خصوص الحب.

وقيل: إن قلب الأرض يوجب اللزوم، وقيل: إنها تلزم بالعقد كشركة المال والراجح ما ذكرناه.

(فلكل) من الشريكين أو الشركاء (فسخها قبله) أي البذر؛ فلو بذر البعض فالنقل عن ابن القاسم في المدونة أنه إن بذر البعض لزم العقد فيما بذر ولكل الفسخ فيما بقي. وظاهره: قل ما بذر أو كثر، فالتنظير الواقع هنا قصور لوجود النص فقوله:"قبله": أي ولو حصل كبير عمل. قال ابن رشد: وكذلك إن كانا قد قلبا الأرض ولم يزرعاها بعد لم يلزم الآبي منهما أن يزرعها معه. اهـ.

واعلم أنهما إن تساويا في الأرض والعمل والآلة والزريعة جازت اتفاقاً.

وإن اختص أحدهما بالبذر والآخر بالأرض فسدت اتفاقاً لاشتمالها على كراء الأرض بما يخرج منها. وما عدا هذين الوجهين مختلف فيه وسيأتي بيان الراجح.

هذا هو النقل؛ فقول من قال: إنه قيل بالمنع مطلقاً أي ولو وجدت الشروط الآتية فيه نظر، إلا أن يحمل كلامه على ما عدا صورة التساوي المتقدمة.

ثم أشار لشروط صحتها بقوله:

(وصحت) المزارعة بشروط ثلاثة: أولها قوله: (إن سلما): أي الشريكان

ــ

يا رسول الله؟ قال يومه وليلته والضيافة ثلاثة أيام فما كان وراء ذلك فهو صدقة عليه» زاد في رواية: «ولا يحل لرجل أن يقيم عند أخيه حتى يؤثمه، قالوا: يا رسول الله، كيف يؤثمه قال: يقيم عنده ولا شيء له يقريه به» اهـ. وقيل معنى الجائزة الزاد الذي يعطيه له بعد الضيافة، أي فيقري الضيف ثلاثة أيام ثم يعطيه ما يجوز به من منهل إلى منهل.

قوله: {وما ملكت أيمانكم} [النساء: 36]: يعني المماليك، والإحسان إليهم ألا يكلفهم ما لا يطيقون، ولا يؤذيهم بالكلام الخشن، وأن يعطيهم من الطعام والكسوة بقدر الكفاية. عن علي بن أبي طالب قال:«كان آخر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم» . وفي الحديث أيضاً: «هم إخوانكم وخولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ويلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم» اهـ. ملخصاً من الخازن.

قوله: [وندب إعانة]: أي لأي مسلم لما في الحديث: «الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه» .

قوله: [ولا ضرر على رب الدار]: الجملة حالية أي فمصب تمكينه من المرور إن لم يكن عليه ضرر وإلا فلا يؤمر بذلك.

فصل في المزارعة

لما كانت شركة المزارعة قسماً من الشركة ناسب أن يعقبها لها، وإنما أفردها بترجمة لمزيد أحكام وشروط تخصها وإلا فحقها أن تدرج في الشركة.

قوله: [المزارعة] إلخ: مأخوذة من الزرع وهو ما تنبته الأرض لقوله تعالى: {أفرأيتم ما تحرثون * أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون} [الواقعة: 63 - 64] وصيغة المفاعلة شأنها أن تكون من اثنين يفعل كل منهما بصاحبه مثل ما يفعله الآخر به مثل المضاربة، ويتصور هذا في بعض الصور، وهو إذا كان العمل من كل والبذر عليهما واطردت في الباقي.

قوله: [وعقدها غير لازم قبل البذر]: أي بخلاف شركة الأموال فإنها تلزم بالصيغة على المعتمد كما مر، وهذا مذهب ابن القاسم.

قوله: [وضع الشتل]: أي كشتل البصل والخس والأرز، وقوله ونحوه أي كعقل القصب والشجر.

قوله: [وقيل إنها تلزم بالعقد]: هذا قول ابن الماجشون وسحنون، وإنما وقع هذا الاختلاف في المزارعة لأنها شركة عمل وإجارة، فمن غلب العمل قال: غير لازمة بالعقد وشرط فيها التكافؤ والاعتدال إلا أن يتطوع أحدهما بزيادة بعد العقد، ومن غلب الإجارة قال: هي لازمة بالعقد وأجاز فيها التفاضل وعدم التكافؤ، وقيل: إنها تلزم بالعقد إذا انضم له، وهو الذي أفاده بقوله: وقيل: إن قلب الأرض يوجب اللزوم فجملة الأقوال ثلاثة.

قوله: [فالتنظير الواقع هنا]: أي من الأجهوري.

قوله: [جازت اتفاقاً]: أي كما في التوضيح ومراده اتفاق أهل المذهب، فإن أبا حنيفة يقول بمنعها مطلقاً وإن خالفه صاحباه.

قوله: [لاشتمالها على كراء الأرض بما يخرج منها]: أي إلا على قول الداودي والأصيلي ويحيى بن يحيى بجواز كراء الأرض بما يخرج منها.

قوله: [فقول من قال] إلخ: القائل بالمنع مطلقاً (عب).

قوله: [إلا أن يحمل كلامه] إلخ: أي أو يحمل على قول أبي حنيفة كما تقدم.

ص: 178

(من كراء الأرض بممنوع) أي بأجر ممنوع كراؤها به؛ وهو الطعام ولو لم تنبته الأرض كعسل، وما تنبته ولو غير طعام كقطن وكتان، إلا الخشب كما يأتي في الإجارة. ولما كان هذا الشرط لا يخص المزارعة بل هو عام فيها وفي غيرها فسره بشيء خاص بها بقوله:(بأن لا يقابلها بذر) كلاً أو بعضاً من غير ربها، فلو قابلها بذر كأن يكون البذر من أحدهما والأرض للآخر فسدت كما سيأتي.

والثاني قوله: (ودخلا على أن الربح) بينهما (بنسبة المخرج) بفتح الراء: أي ما أخرجه كل منهما؛ كأن يكون كراء الأرض مائة وكراء العمل من بقر أو غيره سوى البذر مائة ودخلا على أن الربح مناصفة، أو أخرج أحدهما ما يساوي خمسين وأخرج الآخر ما يساوي مائة ودخلا على أن لصاحب المائة من الربح الثلثين ولصاحب الخمسين الثلث، وهكذا، فإن دخلا في الأول على الثلث والثلثين وفي الثاني على المناصفة فسدت.

(وجاز التبرع) من أحدهما للآخر بالزيادة من عمل أو ربح (بعد اللزوم) أي بعد لزوم الشركة بالبذر بعد العقد الصحيح.

والشرط الثالث قوله: (وتماثل البذران) منهما إن أخرجاه من عندهما كما لو كانت الأرض بينهما وأخرج كل منهما منابه في البذر فلا بد من تماثلهما (نوعاً) كقمح أو شعير أو فول (لا) إن اختلفا (كقمح) من أحدهما (وشعير) أو فول من الآخر. ومن التماثل أن يخرج كل منهما منابه فولاً مثلاً ومنابه قمحاً؛ بأن يخرجا معاً إردب فول يزرع على جهة وإردب قمح يزرع في جهة أخرى فإنه صحيح. فإن أخرج أحدهما من البذر غير ما أخرجه الآخر فسدت ولكل ما أنبته بذره، ويتراجعان في الأكرياء، والشيخ لم يذكر هذا الشرط؛ فلعله يرى أنه لا يشترط وتصح الشركة في ذلك، وهو قول، إلا أنه يرده أن الشيخ اشترط خلط البذرين ولو حكماً ولا يتأتى خلط في النوعين، فالظاهر أنه اكتفى بذكر الخلط عن تماثلهما ثم إن مذهب مالك وابن القاسم أنه لا يشترط خلط البذرين حقيقة ولا حكماً بل إذا خرج كل منهما ببذره وبذره في جهة فالشركة صحيحة وهو الراجح الذي به الفتوى، وليس لابن القاسم قول باشتراطه خلافاً لما في بعض الشراح، وإنما القولان لسحنون، وقوله باشتراطه ضعيف لا يعول عليه فكان على الشيخ تركه ولا يتم تفريعه بقوله: فإن لم ينبت بذر أحدهما وعلم، إلخ. إلا على مذهب مالك وابن القاسم، فعلم أن الشروط ثلاثة فقط وبعضهم اقتصر على الأولين فقط.

ثم مثل لما استوفى الشروط بخمسة مسائل فقال: (كأن تساويا): أو تساووا إن كانوا أكثر (في الجميع) بأن تكون الأرض بينهما والعمل بينهما والآلة كذلك بكراء أو ملك منهما أو من أحدهما. وهذه [1] مما لا خلاف في جوازها كما تقدم. (أو قابل البذر) من أحدهما عمل من الآخر والأرض بينهما (أو) قابل (الأرض) من أحدهما عمل من الآخر والبذر بينهما. (أو هما): أي قابل البذر والأرض معاً من أحدهما (عمل) من الآخر.

فهذه الثلاثة جائزة أيضاً كالأولى لأنه لم يقابل الأرض بذر فيها ولا بد من بقية الشروط بأن يدخلا على أن الربح بينهما على حسب ما أخرج كل، وأن يتماثل البذران في المسألة الثالثة؛ وهي ما إذا قابل الأرض عمل وكان البذر بينهما. وتقدم أن التبرع بزيادة عمل أو ربح بعد لزومها مغتفر.

ــ

قوله: [من كراء الأرض بممنوع]: أي فإن لم يسلما منعت، وقالت الشافعية: محل منع كراء الأرض بما يخرج منها إذا اشترطا الأخذ من عين ما يخرج من خصوص تلك البقعة صريحاً ولم يكتفوا بالجنس وهي فسحة.

قوله: [كعسل]: أي للنحل.

قوله: [كقطن وكتان]: أي وحلفاء وحشيش، وأما البوص الفارسي والعود القاقلي والصندل والشب والكبريت ونحوهما [2] من المعادن فيجوز كراؤها بها لأنها ملحقة بالخشب كما في فتاوى الأجهوري و (شب).

قوله: [بعد اللزوم]: أي وأما قبله فمفسد، ولو صرحوا بأنه تبرع.

قوله: [أن الشيخ اشترط خلط البذرين ولو حكماً]: أي وهو أحد قولي سحنون قال (ر): هذا الشرط لسحنون وسيأتي ذلك.

قوله: [فعلم أن الشروط ثلاثة]: أي وهي سلامتهما من كراء الأرض بممنوع، والتساوي في الربح بأن يأخذ كل واحد قدر ما أخرج. وتماثل البذرين.

قوله: [وبعضهم اقتصر على الأولين فقط]: أي وهو الذي اقتصر عليه ابن شاس وأبو الحسن كما قال (بن).

قوله: [بخمسة مسائل]: المناسب حذف التاء.

قوله: [كأن تساويا أو تساووا]: أي دخلوا على أن كل واحد يأخذ من الربح بقدر ما أخرج وإلا فلا تجوز كما مر للدخول على التفاوت في الربح.

قوله: [أو من أحدهما]: أي ملك من أحدهما وكراء من الآخر.

قوله: [عمل من الآخر]: المراد به الحرث، وما في معناه كعزق الأرض لا السقي والحصاد والدراس، لأنه مجهول فمتى شرط عليه فسدت الشركة والعرف كالشرط، وليس للعامل عند شرط هذا الزائد إلا أجرة عمله، وأما لو تطوع بزائد عن الحرث وما في معناه بعد العقد فذلك جائز، وما ذكرناه من عدم جواز اشتراط الحصاد والدراس وما معهما هو قول سحنون، وصححه ابن الحاجب والتونسي، وعن ابن القاسم: المراد بالعمل الحرث والحصاد والدراس

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (فهذه).

[2]

كذا في ط الحلبية، ولعل الصواب:(ونحوها).

ص: 179

فقوله: "عمل" راجع للثلاثة مسائل قبله.

(أو) كان (لأحدهما الجميع): الأرض والبذر والآلة من حيوان وغيره (إلا عمل اليد فقط) من حرث وتنقية وحصد ودرس، وهي جائزة بشرط زائد على ما تقدم أشار له بقوله:(إن عقدا بلفظ الشركة) على أن للعامل جزءاً من الخمس أو غيره وتسمى: مسألة الخماس (لا) إن عقد بلفظ (الإجارة): لأنها إجارة بأجر مجهول وهي فاسدة (أو أطلقا): أي لم يقيدا بلفظ شركة ولا إجارة (فتفسد) أيضاً لحمل الإطلاق على الإجارة عند ابن القاسم، وحمله سحنون على الشركة فأجازها.

وصرح بالفساد -وإن علم من النفي- لأجل أن يشبه فيه قوله: (كإلغاء أرض لها بال) من أحدهما (وتساويا في غيرها) من بذر وعمل وآلة؛ فتفسد لعدم التساوي مع إلغاء الأرض، فإن دفع لربها نصف كرائها جاز لعدم التفاوت. فإن كانت الأرض لا بال لها جاز كما في المدونة لأن ما لا بال له كالعدم.

(أو لأحدهما أرض ولو رخيصة) لا بال لها (وعمل) ومن الآخر البذر، ففاسدة لمقابلة جزء من الأرض ببذر بخلاف مسألة المدونة السابقة فإن فيها التساوي في الجميع، فالأرض الرخيصة كالعدم. وهنا الأرض والعمل من جهة والبذر من أخرى فقد قابل بعض الأرض ببعض البذر وإن رخيصة. وقال سحنون بالجواز في الرخيصة وصوب ابن يونس الأول وهو قول ابن عبدوس فحق قوله على الأصح على الأرجح.

(ثم إن فسدت) المزارعة لفقد شرط أو وجود مانع كما لو تلفظا بالإجارة أو أطلقا في مسألة الخماس أو كاللتين بعدها فإما أن يقع العمل منهما أو ينفرد به أحدهما فإن وقع منهما (وعملا معاً) وكان البذر لأحدهما وللآخر الأرض (فبينهما) الزرع (وترادا غيره) فعلى صاحب البذر نصف كراء أرض صاحبه وعلى صاحب الأرض لرب البذر نصف مكيلة الزرع (وإلا) يعملا معاً بل انفرد أحدهما بالعمل، وله مع عمله إما الأرض وإما البذر -وعلى كل حال فهي فاسدة- (فللعامل) الزرع وحده (إن كان له) مع عمله (أرض أو بذر أو بعض كل) منهما بأن كانت الأرض بينهما أو البذر أو هما والعمل في كل من أحدهما وعلة الفساد التفاوت.

(وعليه): أي العامل الذي حكم له بجميع الزرع (مثل البذر) إذا كان له مع عمله الأرض وكان البذر من صاحبه أو بعض الأرض؛ كما لو كانت الأرض بينهما وأخرج صاحبه البذر فقد قابل بعض البذر بعض الأرض فالزرع للعامل وعليه مثل البذر لصاحبه (أو) عليه (الأجرة): أي أجرة الأرض أو البقر المنفرد به لآخر [1] إن كان له مع عمله بذر وكانت الأرض أو مع البقر لصاحبه. و "أو" في قولنا: "أو أجرة" لمنع الخلو. فتجوز الجمع كما لو كان كل من الأرض والبذر بينهما والعمل على أحدهما ففاسدة للتفاوت فالزرع للعامل، وعليه لصاحبه أجرة أرضه ومثل بذره، والأرض الخراجية كأرض مصر يراعى فيها أجرة المثل بعد إخراج مال الديوان.

ومفهوم قولنا: "إن كان له" إلخ أنه إذا لم يكن للعامل بذر ولا أرض بل كان له عمل يده فقط. كما في مسألة الخماس إذا عقداها بلفظ الإجارة أو أطلقا فلا يكون له شيء من الزرع، وإنما يكون له أجرة عمله فقط والزرع لرب الأرض والبذر. فرجع الأمر إلى ما هو المعتمد من

ــ

فيجوز اشتراطها على العامل كما يؤخذ من (بن).

قوله: [راجع للثلاثة مسائل]: المناسب حذف التاء.

قوله: [وحصد ودرس]: هذا مرور على قول ابن القاسم المتقدم.

قوله: [لا إن عقدا بلفظ الإجارة]: شروع في ذكر المسائل الفاسدة.

قوله: [أو أطلقا]: أي أو عقد بالإطلاق فهو عطف على الإجارة باعتبار المعنى فلا يقال إن فيه عطف الفعل على الاسم غير المشابه للفعل.

قوله: [على الإجارة]: أي وهي إجارة بجزء مجهول القدر.

قوله: [وإن علم من النفي]: أي في قوله لا الإجارة أو أطلقا.

قوله: [أو لأحدهما أرض ولو رخيصة] هذه رابعة المسائل الفاسدة، وبقي ما إذا أخرج أحدهما الأرض وبعض البذر، والآخر العمل وبعض البذر، ويأخذ العامل من الربح أنقص من نسبة بذره، وبقي ما إذا كان كل من البذر والأرض لكل منهما والعمل من أحدهما ومنعها للتفاوت وما إذا تساويا في الجميع وأسلف أحدهما البذر فيمنع للسلف بمنفعة.

قوله: [لمقابلة جزء من الأرض ببذر]: المناسب قلب العبارة بأن يقول جزء من البذر بأرض.

قوله: [فقد قابل بعض الأرض]: المناسب حذف بعض.

قوله: [أو وجود مانع]: عطف لازم على ملزوم وقوله: كما لو تلفظ بالإجارة إلخ مثال لهما.

قوله: [نصف مكيلة الزرع]: صوابه البذر.

قوله: [فقد قابل بعض البذر بعض الأرض فالزرع للعامل]: هذا التفريع راجع لما إذا كانت الأرض كلها من عند العامل والبذر كله من عند غيره ولم يفرع على ما إذا كانت الأرض بينهما وهو أنه يقال قد قابل البذر العمل وإنما فسدت للتفاوت.

قوله: [و"أو" في قولنا أو أجرة]: المناسب أو الأجرة.

قوله: [فرجع الأمر إلى ما هو المعتمد] إلخ: لا يظهر موافقته لقول ابن القاسم في جميع الصور، بل يخالفه فيما إذا لم ينفرد صاحب

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (الآخر).

ص: 180