المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب: في جمل من مسائل شتى، وخاتمة حسنة) - حاشية الصاوي على الشرح الصغير ط الحلبي - جـ ٢

[أحمد الصاوي]

فهرس الكتاب

- ‌(باب)في البيوع وأحكامها [

- ‌(باب)في بيان السلم

- ‌(باب)في بيان القرض وأحكامه

- ‌(باب) في الرهن وأحكامه

- ‌(باب)في الفلس وأحكامه

- ‌(باب)في بيان أسباب الحجر

- ‌باب في أحكام الصلح؛ أي: مسائله

- ‌‌‌(باب) في الحوالةوأحكامها

- ‌(باب) في الحوالة

- ‌(باب)في الضمان

- ‌(باب)في بيان الشركة

- ‌(باب)في الوكالة

- ‌باب لما كان بين الوكالة والشركة مناسبة من جهة أن فيها وكالة أتبعها بها

- ‌(باب)في الإقرار

- ‌(باب)في الوديعة

- ‌(باب)في الإعارة

- ‌(باب)في بيان الغصب وأحكامه

- ‌(باب)في الشفعة

- ‌(باب)في القسمة

- ‌(باب)في القراض

- ‌(باب)في المساقاة

- ‌(باب)في الإجارة

- ‌(باب إحياء الموات)

- ‌(باب)في الوقف وأحكامه

- ‌(باب)في الهبة

- ‌‌‌(باب) في اللقطةوأحكامها

- ‌(باب) في اللقطة

- ‌(باب)في بيان أحكام القضاء

- ‌(باب)في الشهادة

- ‌(باب)في أحكام الجناية

- ‌باب ذكر فيه تعريف البغي

- ‌(باب)في تعريف الردة وأحكامها

- ‌(باب)ذكر فيه حد الزنا

- ‌(باب) في القذف [

- ‌باب ذكر فيه أحكام السرقة إلخ

- ‌(باب)ذكر فيه الحرابة

- ‌(باب)ذكر فيه حد الشارب

- ‌باب في العتق وأحكامه

- ‌(باب)في التدبير

- ‌باب: هو في اللغة النظر في عاقبة الأمر والتفكر فيه، وقال القرافي في التنبيهات التدبير مأخوذ من إدبار الحياة، ودبر كل شيء ما وراءه بسكون الباء وضمها، والجارحة بالضم لا غير اهـ وفي (بن) جواز الضم والسكون فيها كغيرها. واصطلاحاً ما ذكره المصنف بقوله "وهو تعليق مكلف" إلخ

- ‌(باب)في أحكام الكتابة

- ‌(باب)في أحكام أم الولد

- ‌(باب)ذكر فيه الولاء

- ‌باب ذكر فيه حكم الوصية

- ‌(باب)في الفرائض

- ‌(باب: في جمل من مسائل شتى، وخاتمة حسنة)

الفصل: ‌(باب: في جمل من مسائل شتى، وخاتمة حسنة)

(باب: في جمل من مسائل شتى، وخاتمة حسنة)

(شكر الله تعالى واجب شرعاً، وهو): أي الشكر في عرف الصوفية، وقيل عرف أهل الشرع ولا شك أنه بالمعنى الذي ذكره واجب شرعاً فيشهد إلى أن المراد عرف الشرع:(صرف المكلف كل نعمة لما خلقت له) اللام في "له" للثمرة الغير الباعثة كما في قوله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات: 56] وهذا تعريف للشكر التام، وأصل الشكر: صرف شيء ما. وإلا لما كان للمبالغة في قوله تعالى: {وقليل من عبادي الشكور} [سبأ: 13] معنى، وقد يقال المبالغة بحسب المداومة عليه بقدر الطاقة البشرية فلا يقال إنه متعذر لا قليل على أن المداومة الحقيقية لا تتعذر إلا بحسب عقول القاصرين المقصرين. ثم هذا شكر عامة أهل الله، ويقرب منه قول الجنيد لما سأله شيخه السري السقطي وهو ابن سبع سنين: يا غلام ما الشكر؟ فقال: أن لا يعصى الله بنعمه. فقال: يوشك أن يكون حظك من الله لسانك، قال الجنيد؛ فلا أزال أبكي على هذه الكلمة، قاله شيخنا الأمير. (ولو) كان ما خلقت له (مباحاً ضرورياً كالأكل والجماع - فليس فاعل المباح كافراً للنعمة) لأنه صرف فيما خلق له (فإن نوى خيراً) كإقامة البنية [1] والتقوي على الطاعة وكف الشهوة عما لا يرضي الله (فطاعة): أي فصار المباح طاعة يثاب عليه (بـ) سبب (النية) الحسنة.

(وحمده تعالى) في عرف الناس العام، إذ بتعريفه الآتي ليس خاصاً بالشرع ولا بالصوفية ولا بأهل الكلام وإن قيل بكل، وبهذا يعلم أن قول بعضهم: الحمد المطلوب الابتداء به في الحديث هو اللغوي لأن العرف أمر طارئ بعد النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وشرف وكرم وعظم عدد ما في علم الله؛ إذ حيث كان المراد العرف العام فمن أين طروه؟ نعم قد ورد: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله»

ــ

في غنمك، وكانت ترعى له غنماً، وكانت تؤخر السراح والرواح، وكان يعاتبها في ذلك فيقول لها: أصبحت يا سخيلة أمسيت، فلما رأت سهره وقلقه قالت له في ذلك؟ فقال لها ويلك دعي أمراً ليس من شأنك، فأعادت عليه السؤال فذكر لها ما بدا له فقالت له: سبحان الله أتبع القضاء المبال، فقال لها: فرجتيها والله يا سخيلة أمسيت بعدها أم أصبحت، فخرج حين أصبح فقضى بذلك واستمر عليه الحكم في الإسلام ثم أول من قضى به في الإسلام علي بن أبي طالب فلا ينافي ما ورد:«أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن مولود له قبل وذكر من أين يورث؟ فقال عليه الصلاة والسلام من حيث يبول»

باب في جمل من مسائل شتى

هذا الباب مما زاده المصنف على خليل سلك به مسلك صاحب الرسالة وجماعة من المؤلفين في المذهب.

وقوله: [من مسائل شتى]: أي متفرقة لا تضبط في باب بعينه من الأبواب مع أنها من مهمات الدين.

قوله: [وخاتمة حسنة]: أي مشتملة على توحيد وتصوف فحسنت بذلك.

قوله: [واجب شرعاً]: أي بالشرع لا بالعقل لأن العقل لا مدخل له في إيجاب ولا غيره خلافاً للمعتزلة.

قوله: [وقيل عرف أهل الشرع]: إن قلت الصوفية أهل شرع وزيادة، فما معنى المقابلة؟ فالجواب أن الصوفية بحثهم على العمل الباطن وحسن السريرة وخلاص النية من رؤية الغير، فمن لم يكن كذلك فأعماله عندهم كالهباء لا يثبتونها، وأهل الشرع يعولون على ما ظهر من الأعمال الموافقة للشرع فما أنكره الشرع ظاهراً أنكروه وما مدحه مدحوه ويكلون السرائر لله تعالى.

قوله: [للثمرة الغير الباعثة]: أي للعلة الغائية الغير الحاملة الفاعل على فعله كانتفاع الناس بظل الأشجار بعد تمامه حيث لم يكن الحامل للغارس إلا الثمر، وفي الحقيقة المستحيل على الله الغرض الباعث الذي يتكمل به وإلا فأفعاله سبحانه وتعالى لا بد لها من حكمة ومصلحة سبق علمه بها أزلاً لكن تلك المصالح لخلقه لا له.

قوله: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات: 56]: أي إلا ليؤول أمرهم لعبادتي كما سبقت به حكمتي فتعود مصالح عبادتهم عليهم.

قوله: [وهذا تعريف للشكر التام]: أي المصطلح عليه في قولهم صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه إلى ما خلق لأجله.

قوله: [ولو كان ما خلقت له]: المناسب ولو كان الصرف فيما خلقت له.

قوله: [كإقامة البينة] إلخ: كل من إقامة البينة والتقوي على الطاعة وكف الشهوة يصلح في الأكل والجماع.

قوله: [أي فصار المباح طاعة]: أي وهذه المقاصد لا تفارق المعصومين بخلاف غيرهم.

قوله: [ليس خاصاً بالشرع]: أي لأن الحمد الشرعي هو ذكر الله بالكمالات.

وقوله: [ولا بالصوفية]: أي لأن الحمد عندهم هو شهود كمالات الله في كل شيء.

قوله: [ولا بأهل الكلام]: أي لأن الحمد عندهم اعتقاد أن الله مستحق للثناء.

قوله: [وإن قيل بكل]: أي قولاً مقبولاً ولكنه ليس مراداً للمصنف.

قوله: [لأن العرف] إلخ: تعليل لما قبله وهو من كلام بعضهم.

وقوله: [إذ حيث كان] إلخ: علة لمحذوف سقط من قلم الشارح تقديره غير ظاهر إذ حيث إلخ.

قوله: [فمن أين طروه]: أي بل هو موجود في كل قرن.

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (البينة).

ص: 519

بالرفع فيدل على أن المراد اللساني من قبيل:

وخير ما فسرته بالوارد

قاله أستاذنا الأمير.

(فعل) المراد الفعل اللغوي ليشمل ما قاله من الاعتقاد ولو على أنه كيف أو انفعال (ينبئ عن كونه المنعم) على الحامد أو على غيره على المشهور وسواء كان ذلك الفعل (اعتقاداً أو إقراراً باللسان أو عملاً بالجوارح فالحامد أعم) من الشاكر وقد بسط الكلام على وجه التحرير شيخنا العلامة الأمير فيما حققه على مقدمة الفاضل الصبان فعليك بها.

(فأهل الشكر صفوة الله تعالى) اصطفاهم وخلصهم من كدر القلب ويقال لهم: صوفية: من صفا يصفو إذا خلص، أو من صوفي إذا صافاه غيره، أو نسبة للبس الصوف؛ لأنه شأنهم تباعداً عن الترفه قال [1] أبو العباس المرسي: الصوفي مركب من حروف أربعة فالصاد صبره وصدقه وصفاؤه والواو وجده ووده ووفاؤه والفاء فقده وفقره وفناؤه والياء للنسبة إذا تكمل نسب إلى حضرة مولاه، وقال علي رضي الله عنه: ليس معنى قولهم لا يكون الصوفي صوفياً حتى لا يكتب عليه كاتب الشمال شيئاً عشرين سنة أن لا يحصل منه ذنب، بل كلما أذنب تاب قبل مضي مدة الإمهال: أي أنه لا قرار له على المعصية (من عباده وهم المقربون) قرباً معنوياً.

(ويجب الأمر بالمعروف) قولاً وفعلاً ثم إن كان بالقلب ففرض عين

ــ

قوله: [بالرفع]: أي فيراد به هذا اللفظ.

قوله: [فيدل على أن المراد اللساني]: أي وهو اللغوي.

قوله: [ولو على أنه كيف]: ما قبل المبالغة هذا إذا مررنا على أنه فعل بل ولو مررنا على أنه كيف أو انفعال، والفرق بين الفعل والانفعال والكيف أن الفعل الإيجاد، والانفعال التأثر، والكيف الأثر الناشئ عنهما، ومثلوا الثلاثة بوضع الخاتم ملوثاً بالحبر في الكاغد فالوضع فعل، وانطباع الكاغد بالوضع انفعال، والأثر الذي يظهر ويقرأ كيف فعلي. كلام الشارح يقال للكل فعل لغوي.

قوله: [على المشهور]: راجع لقوله أو غيره فلا يشترط كون النعمة التي وقع الحمد في مقابلتها واصلة لخصوص، الحامد، وإنما المدار على كونه منبئاً بكونه منعماً على القول المشهور، ومقابله يخصها بالحامد فيكون على مقابله مرادفاً للشكر اللغوي.

قوله: [اعتقاداً]: أعربه الشارح خبراً لكان المحذوفة.

قوله: [فالحامد]: أي بالمعنى الاصطلاحي.

وقوله: [أعم من الشاكر]: أي بالمعنى الاصطلاحي أيضاً. وأما النسبة بين الحمد الاصطلاحي والشكر اللغوي فإما الترادف أو العموم والخصوص المطلق.

قوله: [على مقدمة الفاضل الصبان]: أي في الكلام على البسملة والحمدلة.

قوله: [صفوة الله]: هو مصدر لصفا فهو على حد ما قيل في زيد عدل.

قوله: [من صفا يصفو إذا خلص]: وهو المتبادر من عبارة المصنف.

قوله: [أو من صوفي إذا صافاه غيره]: أي وقد أفاد هذا المعنى بعض العارفين بقوله:

صافى فصوفي لهذا سمي الصوفي

قوله: [تباعدا عن الترفه]: علة لكونه شأنهم فهو علة للعلة.

قوله: [قال أبو العباس] هكذا كنيته واسمه أحمد بن عمر الأنصاري والمرسي نسبة لمرسية قرية بالأندلس ولد بها وتوفي بثغر إسكندرية عام ستمائة وسبعة وثمانين، وهو خليفة القطب الكبير أبي الحسن الشاذلي ووارث حاله وسلك بصحبته جماعة كثيرون منهم: التاج السكندري، وسيدي ياقوت العرشي، وابن النحاس النحوي، والبوصيري وغيرهم.

قوله: [فالصاد صبره] إلخ: هذه المعاني إشارية والصبر عندهم حبس النفس عن رؤية الغير.

وقوله: [وصدقه]: هو التبري من الحول والقوة.

وقوله: [وصفاؤه]: أي خلوص سريرته من الكدرات البشرية.

قوله: [وجده]: الوجد هو تلهب القلب للقاء المحبوب.

قوله: [ووده]: أي وهو الحب وعلامته بذل النفس فيما يرضي محبوبه وكثرة لهجه بذكره.

قوله: [ووفاؤه]: أي بالعهد المأخوذ يوم {ألست بربكم} [الأعراف: 172] بقيامه بوظائف العبودية.

قوله: [فقده]: الفقد حالة تعرض للعبد عند غلبة التوحيد على قلبه فيفنى عن رؤية الأحوال.

وقوله: [وفقره]: أي خلو قلبه من رؤية الكونين وهو الوصف الذاتي للعبد.

وقوله: [وفناؤه]: وهو عدم شعوره بشيء سوى مولاه، وأقسامه ثلاثة فناء في شهود الأفعال فلا يرى فعلاً إلا لله، وفناء في شهود الصفات فلا يرى إلا صفات الله، وفناء في شهود الذات فلا يرى إلا ذات الله، وهذا الأخير يكون للأنبياء ولكبار الأولياء.

قوله: [قبل مضي مدة الإمهال]: أي وهي ست ساعات يقول فيها كاتب اليمين لكاتب الشمال أمهله لعله يتوب.

قوله: [من عباده]: متعلق بصفوة أي اصطفاهم وخلصهم الله دون سائر عباده وهم الذين قال فيهم: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} [الحجر: 42] ويقال لهم عباد العبودية.

قوله: [ثم إن كان بالقلب ففرض عين]: أي على كل مكلف؛ لأن بغض المخالفات وحب الطاعات من أصل الإيمان قال تعالى: {ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم} [الحجرات: 7] الآية وصفة تغيير القلب إذا رأى منكراً أن يقول لو كنت أقدر على تغييره لغيرته، وإذا رأى معروفاً ضاع. يقول في نفسه لو كنت أقدر على الأمر به لأمرت به، وقدم الأمر بالمعروف؛ لأن الله قدمه في آيات كثيرة منها قوله تعالى {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (وقال).

ص: 520

وأما باليد أو اللسان على من له قدرة وإن تعدد ففرض كفاية. والمعروف: ما أمر الله ورسوله به ولو لزوماً، ليشمل القياس لكن الأمر بالمعروف غير الواجب كالمندوب مندوب على الراجح. (والنهي عن المنكر): أي يجب كفاية أو عيناً على ما تقدم، فمن له يد يأمر وينهى فإن امتثل وإلا هدد بالضرب وإلا ضرب بالفعل، ومعنى الأمر بالمعروف بالقلب: محبته ومحبة فاعله، ومعنى النهي بالقلب: كراهة المنكر وكراهة فاعله (إن أفاد) هذا شرط في الوجوب بأن يغلب على الظن الإفادة، وإلا سقط الوجوب وبقي الجواز أو الندب. وشرط جواز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أن يعلم الآمر والناهي بأنه معروف أو منكر، مخافة أن ينعكس الأمر فيأمر بمنكر وينهى عن معروف وفي المنكر أن لا يخاف أن يؤدي إلى منكر أعظم منه.

(و) يجب على المكلف (كف الجوارح): عن الحرام واحترزنا عن الصبي؛ لأنه لا يخاطب بالواجب، نعم يستحب لوليه أن يجنبه مخالطة ما لا يحل للمكلف مخالطته، وقيل: يجب لإصلاح حاله. والجوارح -ويقال لها الكواسب- سبعة، نسأل الله أن يقيها أبواب جهنم السبعة، وهي: السمع والبصر واللسان واليدان والرجلان والبطن والفرج. وسيذكر بعضها في قوله "والتلذذ بسماع" إلخ.

(ويجب ستر العورة) عمن يحرم النظر إليها من غير الزوجة والأمة (إلا لضرورة) فلا يحرم بل قد يجب، وإذا كشف للضرورة (فبقدرها): كالطبيب يبقر له الثوب على قدر موضع العلة في نحو الفرج إن تعين النظر وإلا فيكتفي بوصف النساء إذ نظرهم للفرج أخف من الرجل

(و) يجب كف (القلب عن الفواحش) جمع فاحشة: كل مستقبح عظم من قول أو فعل ويحرم العزم على قبيح منهما، ثم بين بعض القبيح الذي يجب كف القلب عنه اعتناء به لما يترتب عليه من المفاسد الكثيرة دنيا وأخرى بقوله:(كالحقد) التصميم على البغضاء (والحسد) تمني زوال نعمة المحسود قال صلى الله عليه وسلم «إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب والعشب» (والكبر) رد الحق على قائله واحتقار الناس، والتكبر: إظهار العظمة ورؤية الغير حقيراً بالنسبة له

ــ

وتنهون عن المنكر} [آل عمران: 110] وأيضاً أمر إبليس بالسجود لآدم أولاً ونهى آدم بعده عن أكل الشجرة.

قوله: [ففرض كفاية]: أي فمتى قام به البعض سقط.

قوله: [ليشمل القياس]: أي هذا إذا كان الأمر صريحاً بل ولو كان القياس على الأمر الصريح، فالأمر الصريح كبر الوالدين والمقيس كبر الأشياخ مثلاً.

قوله: [مندوب على الراجح]: قال ابن بشير في كونه في المندوبات مندوباً أو واجباً قولان، والذي يظهر منهما أرجحية الندب كندب النهي في المكروه أفاده في حاشية الرسالة. قوله:[والنهي عن المنكر] إلخ: سمي بذلك إما لأنه محدث لم تعرفه الملائكة أو لأن القلوب تنكره.

قوله: [على ما تقدم]: أي ففي القلب عين وفي اليد أو اللسان كفاية إن تعدد.

قوله: [وإلا ضرب بالفعل]: أي فإن لم يمتثل أشهر له السلاح إن وجب قتله كما أفاده في حاشية الرسالة.

قوله: [محبته ومحبة فاعله]: أي وذلك كما قال الشافعي رضي الله عنه:

أحب الصالحين ولست منهم

لعلي أن أنال بهم شفاعه

وأكره من تجارته المعاصي

وإن كنا سواء في البضاعه

قال له تلميذه ابن حنبل:

تحب الصالحين وأنت منهم

لعلهم ينالوا بك الشفاعه

وتكره من تجارته المعاصي

حماك الله من تلك البضاعه

قوله: [وبقي الجواز أو الندب]: لعل أو في كلام الشارح للشك في تعيين الحكم والظاهر الندب لا سيما والشافعي يقول بالوجوب وإن لم يظن الإفادة.

قوله: [أن يعلم الآمر والناهي بأنه معروف]: أي مجمع عليه في المذاهب أو مختلف فيه والفاعل على مذهب من يراه معروفاً في المعروف أو منكراً في المنكر.

قوله: [أن لا يخاف أن يؤدي] إلخ: أي كنهيه عن أخذ مال شخص فيؤدي لقتله، وفي الحقيقة هو شرط في الأمر أيضاً.

قوله: [كف الجوارح عن الحرام]: أي منع الجوارح الظاهرية عن مباشرته كالباطنية التي أفادها بقوله والقلب عن الفواحش وهو معنى قوله تعالى {وذروا ظاهر الإثم وباطنه} [الأنعام: 120] الآية.

قوله: [أن يجنبه مخالطة ما لا يحل للمكلف مخالطته]: أي ومن ذلك التفرقة في المضاجع وزجره عن ترك الصلاة.

قوله: [وقيل يجب لإصلاح حاله]: أي ويظهر الوجوب في مثل إبعاده عن نحو اللواط.

قوله: [والجوارح]: مبتدأ وسبعة خبره وما بينهما اعتراض.

قوله: [أن يقيها أبواب جهنم]: أي طبقاتها.

قوله: [عمن يحرم النظر إليها] إلخ: عبارة ركيكة والأوضح أن يقول ويجب على المكلف ستر العورة عن كل من يميز العورة غير زوجته وأمته التي يحل له وطؤها.

قوله: [إلخ تفصيلها] أي العورة وتقدم أنها تختلف بالنسبة للرجال والنساء.

قوله: [وإلا فيكتفى بوصف النساء]: أي في مثل عيوب الفرج.

قوله: [إذ نظرهم]: المناسب نظرهن.

قوله: [منهما]: أي القول والفعل وإنما حرم

ص: 521

فيصير صفته العجب قال الشعراني: إن إبليس إذا ظفر من ابن آدم بإحدى أربع قال لا أطلب منه غيرها: إعجابه بنفسه، واستكثار عمله، ونسيانه ذنوبه، وزيادة الشبع وهو أعظمها، لأن الثلاثة تنشأ عنه.

(وظن السوء): فإنه من أعظم ما نهى الله عنه، وهو باب تمكن الشيطان من القلب حتى يفسده ويتعب صاحبه وينشأ عنه بغض المظنون به سوء، ويحصل بينهما خلل كثير، وربما كان بريئاً فيزداد إثم الظان وخصوصاً في مثل أهله وليس شيء أحسن من اتباع ما أمر الله به رسوله صلى الله عليه وسلم ورزقنا اتباعه بجاهه عند ربه.

(و) تجب (التوبة من ذلك) المذكور، والتوبة هي لغة: مطلق الرجوع، وشرعاً: ما أشار إليه بقوله: (وهي الندم والعزم على عدم العود) الندم ركن منها كما قال، وشرطه: أن يكون لله، لا لكون المعصية فيها ضرر لبدنه أو ماله. والندم يستلزم ما ذكره غيره: من الإقلاع عن الذنب حال التوبة؛ لأنها لا تصح وهو متلبس به.

وأما رد المظالم لأهلها فواجب مستقل ليس شرطاً في صحة التوبة.

واعلم أنه تصح التوبة من بعض الذنوب مع تلبسه بغير ما تاب منه. وإذا عزم أن لا يعود، ثم قدر الله عليه أنه عاد أو ارتكب غيره، فعليه أن يتوب ولو كثر منه ذلك كما قال:(و) يجب (تجديدها لكل ما اقترف) فيغفر الله له. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أصاب ذنباً فندم عليه غفر له ذلك من قبل أن يستغفر» .

(و) يجب (الخوف من الله تعالى) الخوف: تألم القلب بسبب توقع مكروه في المستقبل، فيجب التألم لئلا يقع عقاب في الآخرة أو الدنياوأعظمه لجلال الله.

(و) يجب (الرجاء) بالمد وضمير (فيه) يعود لله: أي الطمع في رحمته مع حسن الطاعة، إذ لا يصح مع ترك الأخذ في أسباب الطاعة.

(و) يجب (صلة الرحم) وقد ورد ما يدل على فضلها وما يعين عليها ويحذر من تركها، كقوله صلى الله عليه وسلم:«ليس ذنب بعد الشرك أعظم من قطيعة الرحم حتى إن أهل البيت يكونون فجرة لكن يتواصلون فيبارك لهم فتزيد أموالهم وأولادهم» .

(و) يجب (بر الوالدين) وإن كانت الأم تفضل على الأب في البر

ــ

العزم؛ لأنه يكتب على العبد خيراً أو شراً.

قوله: [فيصير صفته العجب]: أي فبين العجب والكبر تلازم.

قوله: [فإنه من أعظم ما نهى الله عنه]: قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن} [الحجرات: 12] الآية.

قوله: [خصوصاً في مثل أهله]: أي أهل الظان كالزوجة.

قوله: [من اتباع ما أمر الله به]: بأن يزن صاحبه بميزان الشرع والله يتولى السرائر.

قوله: [من ذلك المذكور]: أي الذي هو الفواحش الظاهرة والباطنة.

قوله: [ركن منها]: أي لأنه داخل الماهية خلافاً لمن عده من الشروط فإنه معترض بأن الشرط ما كان خارج الماهية.

قوله: [أن يكون لله]: أي أن يكون خوفاً من الله.

قوله: [وأما رد المظالم لأهلها]: أي بالفعل وأما من عده من الشروط فهو ناظر للعزم على الرد لا للرد بالفعل.

قوله: [مع تلبسه بغير ما تاب منه]: أي وقولهم لا بد من الإقلاع في الحال باعتبار الذنب الذي تاب منه.

قوله: [فعليه أن يتوب]: أي توبة للذنب الجديد، وأما الذنب الأول فقد محي ولا يعود بالرجوع قال في الجوهرة:

ولا انتقاض إن يعد في الحال .... لكن يجدد توبة لما اقترف

قوله: [فندم عليه]: أي لأن الندم الصحيح توبة كما ورد فيحصل به غفران الذنوب وإن لم يستغفر.

قوله: [بسبب توقع مكروه في المستقبل]: أي وأما تألم القلب مما حصل فيقال له حزن ويرادف الخوف بهذا المعنى الهم.

قوله: [وأعظمه لجلال الله]: أي وهو خوف الأنبياء وكل من كان على قدمهم.

قوله: [لا يصح مع ترك الأخذ في أسباب الطاعة]: أي لأنه حينئذ لا يسمى رجاء بل طمع مذموم وذلك كطمع إبليس في رحمة الله.

قوله: [وقد ورد ما يدل على فضلها]: أعظم ما ورد في ذلك قوله تعالى {والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل} [الرعد: 21] الآية، وأعظم ما ورد في التحذير من تركها قوله تعالى {والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل} [الرعد: 25] الآية.

قوله: [ويجب بر الوالدين]: أي لقوله تعالى {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا} [الإسراء: 23] إلخ ما ذكر في تلك السورة وقوله عليه الصلاة والسلام، حين سئل عن «أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: الصلاة في وقتها، قيل ثم أي قال بر الوالدين» وقد أجمعت الأمة على برهما وحرمت عقوقهما لما في الحديث:«ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثاً. قالوا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين» وجاء في حديث عن أبي هريرة: إن «من فاته بر والديه في حياتهما يصلي ليلة الخميس ركعتين يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب بعدها آية الكرسي خمس مرات، وقل هو الله أحد خمس مرات، والمعوذتين خمس مرات فإذا سلم منهما استغفر الله خمس عشرة مرة ثم وهب ذلك لأبويه فإنه يدرك برهما بذلك» أفاده النفراوي في شرح الرسالة.

قوله: [وإن كانت الأم تفضل على الأب في البر]: لأن نسبة الولد

ص: 522

ولو كانا مشركين أو فاسقين بالجوارح أو بسبب الاعتقاد. ويكون البر بالقول اللين الدال على محبتهما بأن يقول لهما ما ينفعهما في أمر دينهما ودنياهما بدون رفع صوت عليهما ويقود الأعمى منهما -ولو كافراً- للكنيسة ويحملهما لها، ويعطيهما ما ينفقانه في أعيادهما لا ما ينفقانه في الكنيسة أو للقسيس، ويطيع الوالدين في المباح والمكروه. نعم قالوا: لا يطيع في ترك سنة أو رغيبة على الدوام كالوتر والفجر ولا في ترك واجب أو فعل معصية. ومن بر الوالدين: أن لا يحاذيهما في المشي ولا يجلس إلا بإذنهما.

وفي الجد والجدة خلاف الظاهر لا.

(و) يجب (الدعاء لهما) قال تعالى: {وقل ربي ارحمهما} [الإسراء: 24] الآية أي أنعم عليهما. ومن جملته غفر الذنب، ويستحب التصدق عن الوالدين وينتفعان بها كالدعاء والقراءة كانت على القبر أو لا وتلزم الإجارة على القراءة ويستحب زيارة قبرهما كل جمعة لقوله صلى الله عليه وسلم:«من زار قبر أبويه أو أحدهما كل جمعة غفر الله له وكتب باراً»

(و) تجب (موالاة المسلمين) بالباطن والظاهر فيحبهم ويسعى لهم في نحو الوليمة والتعزية.

(و) تجب (النصيحة لهم): أي للمسلمين فرض عين؛ بأن يرشدهم إلى مصالحهم من أمر دينهم ودنياهم برفق وهي واجبة طلبوا ذلك أم لا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله: «الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» (وحرم أذاهم) أي المسلمين.

(وكذا أهل الذمة) والمعاهدون يحرم أذاهم (في نفس) بجرح أو ضرب فأولى بقتل (أو مال): كل ما يملك شرعاً ولو قل (أو عرض) بكسر العين المهملة موضع المدح والذم من الإنسان كالحسب والنسب وظاهره يعم عرض أهل الذمة والمعاهدين وهو الظاهر ويدل له قوله تعالى {وقولوا للناس حسنا} [البقرة: 83] وقيل: لا شيء في عرض الكافر، وبه قال ابن عمر. وقال بالأول: ابن وهب، قال شيخنا العدوي: والنفس أميل إليه.

(أو غير ذلك) كأذية زوجة أو ولد بالنظر للزوج والوالد وأما بالنظر لهما فداخلان في النفس إلخ تأمل.

(إلا) إذا كان الإيذاء في النفس أو المال أو العرض من (ما أمر به الشرع من حد أو تعزير) ففيه أذية النفس ولا يحرم أو استهلاك مال

ــ

للأم محققة وللأب ظنية ولتألمها في حمله وفصاله.

قوله: [ولو كانا مشركين]: أي لقوله تعالى {وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا} [لقمان: 15] الآية والموضوع أنهما مشركان غير حربيين وإلا فيجب اجتنابهما وله قتلهما حينئذ.

قوله: [بالجوارح]: أي الظاهرة.

قوله: [أو بسبب الاعتقاد]: أي بأن كان فسقهما متعلقاً بالعقائد كالمعتزلة ونحوهم.

قوله: [ولو كافراً للكنيسة]: مرتبط بما بعد المبالغة كأنه قال يقود الأعمى لمصالحه، هذا إذا كان مسلماً بل وإن كان كافراً فيقوده لمطلوبه وإن كان للكنيسة.

قوله: [ولا في ترك واجب أو فعل معصية]: أي لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» .

قوله: [أن لا يحاذيهما في المشي]: أي فضلاً على التقدم عليهما إلا لضرورة نحو ظلام.

قوله: [ولا يجلس إلا بإذنهما]: أي ولا يقوم إلا كذلك ولا يستقبح منهما نحو البول عند كبرهما أو مرضهما وبالجملة فيجب بر الوالدين بالقول والجسد بالباطن والظاهر.

قوله: [الظاهر لا]: قال الطرطوشي الذي عندي أنهم لا يبلغون مبلغ الآباء.

قوله: [ويستحب التصدق] إلخ: محل استحباب ما ذكر إن كانا مؤمنين أيضاً.

قوله: [وينتفعان بها]: ويشهد لذلك قوله في الحديث الشريف: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، وعد منها دعاء الولد الصالح» ، ومحل طلب الدعاء لهما إن كانا مؤمنين لا إن كانا كافرين فيحرم لآية:{ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى} [التوبة: 113] الآية فإنها نزلت في استغفاره صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب واستغفار بعض الصحابة لأبويه المشركين.

واعلم أن الوجوب يحصل ولو بمرة في عمره مع قصده أداء الواجب كما تكفي المرة في وجوب الاستغفار للسلف الصالح كما قاله النفراوي استظهاراً.

قوله: [طلبوا ذلك أم لا]: لكن محل الوجوب إن ظن الإفادة لأنه من باب الأمر بالمعروف.

قوله: [قال لله] إلخ: النصيحة لله هي توحيده والإخلاص له.

وقوله: [ولكتابه]: وهو العمل به.

وقوله: [ولرسوله]: أي وهو حبه واتباعه.

وقوله: [وللأئمة المسلمين]: أي وهو امتثال أمرهم في غير معصية.

وقوله: [وعامتهم]: أي وهو إرشادهم كما قال الشارح.

قوله: [والمعاهد]: أي فهو داخل في عموم قول المصنف أهل الذمة فالتصريح به زيادة في الإيضاح.

قوله: [كالحسب]: أي وهو ما يعد من مفاخر الآباء.

قوله: [وقولوا للناس حسناً]: أي ولفظ الناس عام يشمل المسلم والكافر.

قوله: [وقيل لا شيء في عرض الكافر]: أي لا إثم.

قوله: [وقال بالأول ابن وهب]: أي بأن الإثم في عرض الكافر لكن لا يبلغ به كالإثم في عرض المسلم؛ لأن قذف المسلم العفيف فيه الحد بخلاف الكافر.

قوله: [بالنظر للزوج والوالد]: معناه لا يؤذي الرجل في زوجته بأن يخونه فيها ولو برضاها ولا الوالد في ولده بأن يخونه فيه.

قوله: [ففيه أذية النفس] إلخ: لف ونشر مرتب مع ثقل في التركيب لا يخفى.

ص: 523

فيأخذ من ماله مثله أو قيمته أو يكون مبتدعاً أو فاسقاً فيتكلم فيه، ولا يحرم إن تجاهر (لمخالفة أمر الله): بقتل أو زنا أو فسق.

(و) حرم التلذذ بـ (سماع صوت أجنبية): ليست زوجة ولا أمة ومنهما جائز -ولو كان شأنه لا يصدر إلا من نحو الغوازي- إذ جماعهما الأعظم جائز. ويعلم منه أن سماع الأجنبية ولو شابة جميلة بدون قصد لذة يجوز وهو الراجح.

(أو أمرد): فيحرم التلذذ وقصده بسماع صوته وإلا فيجوز.

(أو بالنظر إليهما) أي ويحرم التلذذ بالنظر إليهما في غير العورة إذ فيها يحرم ولو بدون قصد لذة. والعورة للرجل والمرأة معلومة وقد تقدمت في بابها.

(أو سماع الملاهي إلا ما تقدم في النكاح أو بالغناء): أي يحرم سماع الغناء بكسر الغين المعجمة مع المد وهو الصوت الذي يطرب السامع. وأما بالمد مع الفتح: فهو النفع، وبالكسر مع القصر اليسار: مقابل الفقر وأما بضم الغين فلحن ليس له معنى (المشتمل على محرم): فإن لم يشتمل على محرم فمكروه ما لم يشتمل على مدح النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله فيندب. (واللهو) كاللعب بالنرد المسمى في مصر بالطاولة فيحرم كان بعوض أو بدونه، لأنه يوقع العداوة ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وكالشطرنج والسيجة والطاب والمنقلة واستظهر بعض كراهة المنقلة والطاب. ومحله بدون عوض واشتمال على محرم وإلا فيحرم اتفاقاً.

(واللعب إلا ما مر في المسابقة) من جوازها بالخيل والإبل والسهم بجعل كبغير الثلاثة بغير جعل كما تقدم تفصيله.

(و) يحرم (قول الزور) يحتمل أن مراده شهادة الزور فيكون قوله: (والباطل) أعم، ويحتمل أنه عطف تفسير وتكون شهادة الزور داخلة فيه وهي من الكبائر، أن يشهد بما لم يعلم ولو وافق الواقع.

(و) يحرم (الكذب): اعلم أنه تعتريه الأحكام، فيكون واجباً لإنقاذ نفس معصومة أو مال معصوم من ظالم، حتى لو حلف لا كفارة عليه عند التتائي وعليه الكفارة عند الناصر.

وقسم حرام تكفره التوبة: كالإخبار عن شيء بغير ما هو عليه لغير ضرورة. ومن الكذب الحرام: الثناء على الغير بما ليس فيه، والعزومة على الغير باللسان مع كونه لم يعزم بقلبه، بل قال: انزل [1] عندنا حياء لعله يمتنع. أو يقتطع به حق امرئ غير حربي، فتجب منه التوبة ورده أو المسامحة.

ويكون مندوباً: كإخبار الكفار بقوة المسلمين وليس فيهم قوة.

ويكون مكروهاً: كالكذب للزوجة.

وقيل: مباح، كالكذب للإصلاح بين متشاحنين وإليه أشار بقوله:(إلا لضرورة و) يحرم (هجران) الشخص (المسلم فوق ثلاث ليال) بأيامها لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام» فمن زاد على الثلاث فهو جرحة في شهادته. ويعلم منه أن هجران الثلاث ليس بحرام وهو كذلك، بل مكروه ولما كان طبع الإنسان الغضب وسع له الشارع في الثلاث دون الزائد (إلا لوجه شرعي) فلا يحرم وليس جرحة: كهجر الشيخ والوالد والزوج عند ارتكاب ما لا ينبغي. وأما هجر ذي بدعة محرمة فواجب، كأهل الاعتزال والمكس والظلمة إلا لخوف ضرر، وأما صاحب بدعة مكروهة، كتطويل الثياب، فقيل: هجره مندوب، وقيل: مباح.

(والسلام يخرج منه): أي من الهجران إن نوى به الخروج وإلا كان نفاقاً (ولا ينبغي ترك كلامه بعد ذلك): أي بعد السلام المنوي به الخروج؛ لأن في الترك ظن سوء به من بقائه على الهجران، فإن ترك كلامه بعد السلام ثلاث ليال فهجر جديد لا يحرم إلا إن زاد على الثلاث

ــ

قوله: [فيأخذ من ماله]: أي من مال ذلك الظالم مثل ما استهلكه إن كان مثلياً أو جهل قدره.

وقوله: [أو قيمته]: أي إن كان مقوماً علم قدره.

قوله: [بسماع صوت]: متعلق بيحرم تنازعه كل من التلذذ وقصده.

قوله: [إلا ما تقدم في النكاح]: أي ومن ذلك الغربال وهو الدف المعروف بالطار فإنه يجوز فعله وسماعه في النكاح، وأما الكبر وهو الطبل الكبير والمزهر ففيهما ثلاثة أقوال وتقدم بسط الكلام في الوليمة.

قوله: [فهو النفع]: قال صاحب الهمزة:

قلن ما لليتيم عنا غناء

قوله: [فيندب]: مثله القصائد التي اشتملت على توحيد الله والعشق في الحضرة العلية فإنها محمل حديث: «إن من الشعر لحكماً» .

قوله: [واللهو حرام كاللعب]: أي وهو معنى الميسر في الآية الكريمة.

قوله: [وكالشطرنج] إلخ: آلات للهو مشهورة يسأل عنها أربابها.

قوله: [وإلا فيحرم اتفاقاً]: أي بأن كان بجعل أو اشتمل على محرم.

قوله: [إلا ما مر في المسابقة]: أي لخبر: «كل لهو يلهو به المؤمن باطل إلا ملاعبة الرجل لامرأته، وتأديبه فرسه، ورميه عن قوسه» .

قوله: [وهي من الكبائر] إلخ: أي لما صح أنه صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثاً؟ قلنا بلى يا رسول الله. قال الإشراك بالله وعقوق الوالدين؛ وكان متكئاً فجلس ثم قال ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت» .

قوله: [أن يشهد بما لم يعلم]: أي ومن باب أولى أن يشهد بما يعلم خلافه.

قوله: [ويحرم هجران الشخص المسلم]: أي لا الكافر فلا يحرم هجره بل هو الواجب لحرمة موالاته.

قوله: [بل مكروه]: وقال أبو الحسن على الرسالة بل هو جائز.

قوله: [إلا لخوف ضرر]: أي فيداريهم بظاهره مع هجرهم بباطنه.

قوله: [وأما صاحب بدعة مكروهة]: أي فالبدعة تعتريها الأحكام الخمسة: الوجوب

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (فانزل).

ص: 524

فإن سلم ناوياً الخروج خرج وهكذا تأمل.

(و) يحرم على الراجح وقيل يكره (أكل كثوم) بالمثلثة وبالفاء كما في القرآن. أدخلت الكاف كل ما له رائحة كريهة كبصل نيء غير مطبوخ أو لم تذهب رائحته بخل وإلا فلا يمنع (في مسجد) كان مسجد خطبة أم لا (أو دخوله، لأكله) فيحرم على من أكل شيئاً من ذلك دخول المسجد ولو لم يكن به أحد (و) يحرم (حضوره): أي آكل ذلك ومثله الفجل حيث كان يتجشأ منه (مجامع المسلمين): كمصلى عيد، وحلق ذكر وعلم ووليمة ومثل أكل ذلك من به جرح له رائحة كريهة أو فيه صنان واحترز [1] بالمسجد عن السوق فلا يحرم بل يكره.

(وينبغي للعبد) أي يستحب لما يأتي أنه من كمال الإيمان (أن يحب لأخيه) المؤمن (ما يحب لنفسه) من الطاعة والأشياء المباحة كالملابس الحسنة (وهو علامة كمال الإيمان) لما ورد في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» أي الإيمان الكامل إذ أصل الإيمان حاصل بتصديقه صلى الله عليه وسلم.

(و) ينبغي أي يستحب للعبد (أن يعفو عمن ظلمه): أي من مكارم الأخلاق أن يسامح من تعدى عليه بشتم أو ضرب أو أخذ مال.

(و) ينبغي للعبد أن (يصل من قطعه): أي يصل مودة من قطع مودته عنه وظاهره العموم وهو أولى من قصره على ذي الرحم.

(و) يندب للعبد أن (يعطي من حرمه) لقوله صلى الله عليه وسلم: «أمرني ربي أن أصل من قطعني وأعطي من حرمني وأعفو عمن ظلمني» .

وروي: «ينادي مناد يوم القيامة أين الذين كانت أجورهم على الله؟ فلا يقوم إلا من عفا» وروي: «من كظم غيظاً وهو يقدر على إنفاذه ملأ الله قلبه أمناً وإيماناً» وقد يعرض الوجوب لهذه الأشياء لخوف مفسدة.

(و) ينبغي للعبد (أن يكرم جاره) اعلم أن الجار إلى أربعين داراً، والكرامة تكون فرض عين أو كفاية أو مندوباً ككف الأذى ودفع ضرر لقادر والبشرى في وجهه والإهداء له.

(و) أن يكرم (ضيفه) من مال إليك نازلاً بك وقد يكون واجباً إلى آخر ما تقدم، وسواء كان غنياً أو فقيراً فله الإكرام بكفاية ما يحتاج إليه من فرش ومأكل ومشرب وتجهيز ماء ليغتسل به حين نزوله وجلوس رب الدار دون مكان الضيف وأن يلقمه بيده فقد قال صلى الله عليه وسلم:«من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه» وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا أكل أحدكم مع الضيف فيلقمه بيده، فإذا فعل ذلك كتب له به عمل سنة صيام نهارها وقيام ليلها» .

(وليحسن) العبد وجوباً (إلى نفسه بما يقيها موبقات الآخرة والدنيا): كلام جامع واضح، نسأل الله التوفيق؛ ويطلب من العبد أن يكون (متجافياً) متباعداً متغافلاً (عن عيوب غيره): فلا يظن بغيره إلا خيراً.

ــ

كتدوين الكتب، والندب كإحداث المدارس، والكراهة كتطويل الثياب، والإباحة كاتخاذ المناخل والتوسع في المأكل، والحرمة كالمكوس.

قوله: [فإن سلم ناوياً الخروج خرج]: محل ذلك إن لم يكن بينهما مزيد مودة واجتماع على خير وإلا فلا يكفي في الخروج السلام وحده، بل لا بد من العودة للحالة الأولى.

قوله: [ويحرم على الراجح]: أي لقوله في الحديث الشريف: «من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن مسجدنا ليؤذينا بريح الثوم» .

قوله: [فيحرم على من أكل شيئاً من ذلك دخول المسجد]: أي ما دامت الرائحة باقية، فإن أزالها بشيء أو زالت من نفسها فلا منع.

قوله: [أن يحب لأخيه]: احترز به عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن العبد لا يكون مؤمناً حتى يكون أحب إليه من ماله وولده ونفسه أفاده التتائي في شرح الرسالة.

قوله: [المؤمن]: احترز به عن الكافر فلا يحب له شيئاً ما دام كافراً وإلا فمن الإيمان أن يحب له الإسلام وما يترتب عليه من كل ما يتمناه لنفسه.

قوله: [أن يعفو عمن ظلمه] إلخ: قال تعالى: {فمن عفا وأصلح فأجره على الله} [الشورى: 40] وقال أيضاً: {ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور} [الشورى: 43].

قوله: [أمرني ربي] إلخ: أي ولقوله تعالى: {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس} [آل عمران: 134] الآية والأصل عدم الخصوصية إلا لدليل ولم يقم دليل على خصوصيته صلى الله عليه وسلم بذلك.

قوله: [وقد يعرض الوجوب لهذه الأشياء]: أي التي هي العفو عمن ظلمه ووصل من قطعه وإعطاء من حرمه.

قوله: [إلى أربعين داراً]: أي من كل جهة.

قوله: [ككف الأذى] إلخ: لف ونشر مرتب.

قوله: [ودفع ضرر لقادر]: أي باليد أو اللسان.

قوله: [والبشرى في وجهه]: أي البشر وطلاقة الوجه.

قوله: [وقد يكون واجباً] إلخ: أي لكونه في ترك الإكرام مفسدة أو لكون الضيف مضطراً ولم يجد سوى من نزل به.

قوله: [إلى آخر ما تقدم]: أي في الجار.

قوله: [بكفاية ما يحتاج إليه]: أي على حسب طاقة المنزول عنده.

قوله: [وأن يلقمه بيده]: أي إن لم تكن نفس الضيف تأنف من ذلك.

قوله: [وليحسن العبد وجوباً إلى نفسه]: أي؛ لأن حق نفسه مقدم على كل الحقوق بل سائر المحاسن المأمور بها تعود على

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (احترز).

ص: 525

(ناظراً لعيوب نفسه، محاسباً لها) للنفس (عليها) أي على الذنوب (راجياً) من الله الكريم (غفرانها) فإنها وإن عظمت وكثرت فعفو الله أعظم وفي الحديث: «أذنبك أعظم أم السماء والأرض؟ فقال: ذنبي، فقال صلى الله عليه وسلم: أذنبك أعظم أم عفو الله؟ فقال عفو الله تعالى فقال صلى الله عليه وسلم قل: اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبي ورحمتك أرجى لي من عملي» . (خائفاً من سطوة الله تعالى): فإنه وإن أمهل المذنب ربما أخذه أخذ عزيز مقتدرنسأل الله العفو.

(فصل [1])

(سن): عيناً (لآكل وشارب) ولو صبياً (تسمية) ويندب الجهر بها لينبه الغافل ويتعلم الجاهل وإن نسيها في أوله أتى بها حيث ذكرها فيقول بسم الله في أوله ووسطه وآخره فإن الشيطان يتقايأ ما أكله خارج الإناء والاقتصار على بسم الله أحد راجحين (وندب) لآكل وشارب (تناول باليمين) وسينص على كراهة ضده (كحمد بعد الفراغ) تشبيه في الندب، ويندب أن يكون سراً خوفاً من حصول الخجل للغير قبل الشبع، ويندب الصلاة والسلام على الواسطة في كل نعمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وقولهم يكره في الأكل أي في أثنائه وابتدائه (و) يندب (لعق الأصابع) ولا تحديد فيما يبتدأ بلعقه وسيذكر أنه يتناول بغير الخنصر (مما تعلق بها) من الطعام اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كان يلعق أصابعه قبل الغسل وفيه مراعاة النعمة وهضم النفس ثم بعد لعقها إن لم يكن في الطعام دسم فلا يطالب بغسلها بل يمسحها بعضها ببعض أو في منديل وإن كان فيه غمر فيندب غسلها كما قال (غسلها بكأشنان) لأن بقاء الغمر يورث الجنون أو البرص أو أذية الهوام له وسيذكر ما يكره غسل اليد به وأما غسلهما قبل الطعام له فالمشهور عندنا الكراهة قال مالك: وليس العمل على قوله صلى الله عليه وسلم: «الغسل قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي اللمم» أي ليس عمل أهل المدينة عليه ومذهبه تقديم العمل على الحديث الصحيح لعلمهم بحاله صلى الله عليه وسلم فما خالفوا الحديث إلا لكونه صلى الله عليه وسلم فعل خلافه وقد غسل إمامنا مالك رضي الله عنه وعنا به قبل الطعام

ــ

نفسه قال تعالى: {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم} [الإسراء: 7].

قوله: [ناظراً لعيوب نفسه]: أي ففي الحديث: «إذا أراد الله بعبد خيراً بصره عيوبه» وقال بعضهم:

معيب على الإنسان ينسى عيوبه

ويذكر عيباً في أخيه قد اختفى

فلو كان ذا عقل لما عاب غيره

وفيه عيوب لو رآها بها اكتفى

قوله: [ورحمتك أرجى لي من عملي]: هو معنى قول العارفين: الاعتماد على العمل نقص في الإيمان وفي هذا المعنى قال بعضهم:

ذنوبي وإن فكرت فيها كثيرة

ورحمة ربي من ذنوبي أوسع

وما طمعي في صالح قد عملته

ولكنني في رحمة الله أطمع

قوله: [خائفاً من سطوة الله تعالى]: قال تعالى: {فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون} [الأعراف: 99] فتحصل أنه يلزمه الرجاء والخوف جمعاً بين هذه الآية وبين قوله تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله} [الزمر: 53] فيكون الرجاء والخوف منه كجناحي الطائر لكن في حال الصحة يغلب الخوف كما قال المصنف رضي الله عنه في الخريدة:

وغلب الخوف على الرجاء

وسر لمولاك بلا تنائي

فصل:

سن عيناً

شروع منه في آداب الأكل والشرب والآداب المذكورة ثلاثة أشياء سوابق ومقارنة ولواحق، فمن السوابق قوله:(سن لآكل وشارب تسمية) إلخ وقوله: (عيناً) أي خلافاً للسادة الشافعية حيث قالوا إنها سنة كفاية إذا قام بها البعض سقط عن الباقين.

قوله: [أحد راجحين]: أي والآخر يكملها وهو المعتمد لأن في التكميل تذكار نعمة المنعم ورد في الحديث زيادة على التسمية: «وبارك لنا فيما رزقتنا» وإن كان الطعام لبناً يزيد على ذلك "وزدنا منه".

قوله: [تناول باليمين]: أي لخبر: «إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله» . واختلف الشيوخ في أكله فقيل حقيقة وقيل مجازاً عن الشم، وفيه شيء مع قوله في الرواية:«إنه يتقايأ ما أكله» .

قوله: [كحمد بعد الفراغ]: أي وكان صلى الله عليه وسلم يقول عند فراغه: «الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين» .

قوله: [خوفاً من حصول الخجل للغير] إلخ: هذا هو الفرق بين ندب الجهر بالتسمية وإسرار الحمد.

قوله: [أي في أثنائه وابتدائه]: أي إن قصد التسنن.

قوله: [اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم]: أي قولاً وفعلاً ففي الحديث: «إذا أكل أحدكم طعامه فلا يمسح يده حتى يلعقها أو يلعقها» ، زاد الترمذي:«فإنه لا يدري البركة في أول طعامه أو آخره» وورد أيضاً: «أن من لعق الأصابع من الطعام وشرب غسالتها عوفي في نفسه من الجنون والجذام والبرص هو وولده» وورد أيضاً: «من التقط فتاتاً من الأرض

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

زاد بعدها في ط المعارف: (بعض السنن).

ص: 526

فيحمل على ما إذا كان باليد شيء وعليه يقدم رب الطعام. وأما بعد الأكل فيقدم الضيف، كما وقع للإمام مالك مع الإمام الشافعي حين نزل عنده بالمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام.

(و) يندب (تخليل ما بالأسنان مما تعلق بها) من بقايا الطعام لقوله صلى الله عليه وسلم: «نقوا أفواهكم بالخلال فإنها مجالس الملائكة وليس أضر على الملائكة من بقايا ما بين الأسنان» . واعلم أنه يجوز بلع ما بين الأسنان إلا لخلطه بدم فليس مجرد التغير يصيره نجساً خلافاً لما قيل.

(و) يندب (تنظيف الفم) بالمضمضة والسواك ويتأكد ذلك عند إرادة الصلاة.

(و) يطلب (تخفيف المعدة) بتقليل الطعام والشرابعلى قدر لا يترتب عليه ضرر ولا كسل عن عبادة، فقد يكون الشبع سبباً في عبادة واجبة فيجب، وقد يترتب عليه ترك واجب فيحرم، أو ترك مستحب فيكره وإن لم يترتب عليه شيء فيباح. (و) يندب لك (الأكل مما يليك) إن أكلت مع غيرك من غير ولد وزوجة ورقيق إذ لا يطلب بالأدب معهم وهم يطلبون. وقد أمر صلى الله عليه وسلم عمر ابن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين أكل معه من نواحي الصحفة بقوله صلى الله عليه وسلم له:«كل مما يليك» فيكره الأكل من غير ما يليه؛ لأنه ينسب للشره. وقال صلى الله عليه وسلم لعكراش رضي الله عنه حين أكل معه ثريداً: «كل من موضع واحد فإنه طعام واحد» ثم أتي صلى الله عليه وسلم بطبق فيه ألوان من الرطب فجعل يأكل من بين يديه فقال صلى الله عليه وسلم: «كل من حيث شئت فإنه غير لون واحد» فلذا قال المصنف: (إلا [1] في نحو فاكهة): أي مما هو أنواع كما في الحديث ونحوها كالأطعمة المختلفة. (و) يندب (أن لا يأخذ لقمة إلا بعد بلع ما في فيه) فأخذها قبل ذلك مكروه ينسب للشره. (و) يندب أن يأخذها (بما عدا الخنصر) إن لم يحتج للخنصر. والحاصل أن المطلوب الأكل بالإبهام والسبابة والوسطى لما روي عنه صلى الله عليه وسلم: «الأكل بأصبع أكل الشيطان وبأصبعين أكل الجبابرة وبالثلاث أكل الأنبياء» فلا يزيد إن لم يحتج لغيرها. وقد أكل صلى الله عليه وسلم بالثلاثة وبالأربعة وبالخمسة على حسب الطعام. (و) يندب (نية) بالأكل (حسنة) لحسن متعلقها: (كإقامة البنية) والتقوي على الطاعة وشكر المنعم. (و) يندب (تنعيم المضغ): أي الممضوغ أو يراد بتنعيمه المبالغة فيه حتى يصير الممضوغ ناعماً يلتذ به ويسهل بلعه ويخف على المعدة. (و) يندب (مصه الماء) وسيذكر محترزه وهو أن العب مكروه لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا شرب أحدكم فليمص مصاً ولا يعب عباً، فإن الكباد من العب» اهـ والكباد بوزن غراب: وجع الكبد. ومثل الماء كل مائع كلبن (و) يندب (إبانة): إبعاد (القدح) حين التنفس حالة الشرب (ثم عوده): أي القدح لفيه (مسمياً) عند وضعه على فيه (حامداً) عند إبانته يفعل ذلك (ثلاثاً): وهذا هو الراجح، وقيل: يجوز الشرب في مرة على حد سواء والراجح أنه خلاف الأولى أو مكروه لقوله

ــ

وأكلها كان كمن أعتق رقبة» وورد: «إنه مهر الحور العين وأن من داوم على ذلك لم يزل في سعة» .

قوله: [فيحمل على ما إذا كان باليد شيء]: مثله ما إذا كانت نفوس الحاضرين تأنف من ترك الغسل، أو يكون من في المجلس يده تحتاج للغسل ويقتدي به، وبالجملة غسل اليد قبل الطعام وإن لم يكن سنة عندنا فهو بدعة حسنة.

قوله: [حين نزل عنده بالمدينة]: أي كان الإمام الشافعي ضيفاً للإمام مالك.

قوله: [خلافاً لما قيل]: أي فإنه قول حكاه بعض شراح الرسالة بقوله وتغير عن حالة الطعام لا يجوز بلعه؛ لأنه صار نجساً ونظر بعضهم في نجاسته فادعى أنه باق على طهارته، وقال صاحب المدخل: نجاسة ما بين الأسنان ليست لمجرد تغيره بل لما يغلب على الظن من مخالطته لشيء من دم اللثات.

قوله: [ويندب تنظيف الفم] إلخ: ظاهره وإن لم يكن في الطعام دسم لما تقدم أنه «ليس أضر على الملائكة من بقايا ما بين الأسنان» وقوله [ويطلب تخفيف المعدة] إلخ قال في الرسالة: ومن آداب الأكل أن تجعل بطنك ثلثاً للطعام وثلثاً للشراب وثلثاً للنفس، قال شارحها لاعتدال الجسد وخفته لأنه يترتب على الشبع ثقل البدن وهو يورث الكسل عن العبادة، ولأنه إذا أكثر من الأكل لما بقي للنفس موضع إلا على وجه يضر به ولما ورد:«المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء أي: وأصل كل داء البردة» والحمية خلو البطن من الطعام، والبردة إدخال الطعام على الطعام.

قال سهل التستري: الخير كله في خصال أربع بها صارت الأبدال أبدالاً: إخماص البطون، والعزلة عن الخلق، والصمت، وسهر الليل. وقال العارفون أيضاً: الشبع من الحلال يقسي القلب ويقل الحفظ ويفسد العقل ويكثر الشهوات ويقوي جنود الشيطان ويفسد الجسد فما بالك بالحرام.

قوله: [على قدر لا يترتب عليه ضرر]: أي لأن المخمصة قد تكون شراً من الشبع قال صاحب البردة:

واخش الدسائس من جوع ومن شبع

فرب مخمصة شر من التخم

قوله: [من غير ولد وزوجة ورقيق]: أي والجميع لك.

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (وإلا).

ص: 527

صلى الله عليه وسلم: «إذا شرب أحدكم فليتنفس ثلاث مرات فإنه أهنأ وأمرأ» بالهمزة فيهما وأخطأ من قرأهما بالألف. (و) يندب (مناولة من على اليمين) وإن تعدد (إن كان) على يمينه أحد قبل مناولة من على يساره، ولو كان مفضولاً، فقد ناول صلى الله عليه وسلم الأعرابي الذي كان على يمينه قبل أبي بكر الذي كان جالساً على يساره وليس لمن على اليمين أن يؤثر غيره بل إن لم يشرب سقط حقه فإن كانوا جالسين أمام الشارب فيبدأ بأكابرهم. (وكره عبه): يقال عب الحمام الماء شرب من غير مص وتقدم دليله.

(و) يكره (النفخ في الطعام) لما فيه من إهانة الطعام مما يخرج من الريق وعليه يكره ولو أكل وحده، وسواء كان في يده أو في الإناء وخصه بعض بالثاني.

وقيل: العلة أذية الآكل معه وعليه فلا يكره لمن كان وحده. (والشراب): لما ورد من النهي عن ذلك فيهما عن النبي صلى الله عليه وسلم (كالكتاب) يكره النفخ فيه لشرفه كان فقهاً أو حديثاً أو قرآناً وكان صلى الله عليه وسلم يترب الكتاب. ولكن اعترض ابن عمر على ابن أبي زيد: بأنه لم يثبت حديث يفيد النهي عن النفخ في الكتاب. اهـ ولكن قد يقال ابن أبي زيد مطلع ومن حفظ حجة على من لم يحفظ. (و) يكره (التنفس في الإناء): حال الشرب وقد تقدم أنه يندب التنفس خارج الإناء وربما كان نفسه كريهاً فيغير الإناء حتى يصير ذا رائحة كريهة يعرفها حتى النساء ويتكلمون بقبح في الشارب كما قرره شيخنا الأمير. (و) يكره (التناول) للمأكول والمشروب (بـ) اليد (اليسرى) حيث أمكن باليمنى. (و) يكره (الاتكاء) حال الأكل على جنبه (والافتراش) التربع بل المطلوب جلوس كجلوسه صلى الله عليه وسلم أن يقيم ركبته اليمنى أو مع اليسرى أو يجلس كالصلاة وجثا صلى الله عليه وسلم مرة على ركبتيه حين أهديت له شاة فقيل له: ما هذه الجلسة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله جعلني عبداً كريماً ولم يجعلني جباراً عنيداً» وقال: «إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد» لأن السيادة والعظمة إنما تكون لله تعالى.

(و) يكره الأكل (من رأس الثريد) لأن البركة تنزل على وسطه، وفي رواية «إذا أكل أحدكم طعاماً فلا يأكل من أعلى الصحفة» وهذه تشمل غير الثريد، والثريد: ما يفت من الخبز ثم يبل بالمرق وإن لم يكن لحم، ولا ينبغي قسم الرغيف بالخنجر بل باليد ولا يقسم من وسطه بل من حواشيه والسنة في اللحم أن يؤكل بعد الطعام وأن ينهش قال صلى الله عليه وسلم:«خير إدامكم اللحم» وقال صلى الله عليه وسلم: «سيد إدام الدنيا والآخرة اللحم» .

(و) يكره (غسل اليد بالطعام): كدقيق الحنطة، وكذا مسح اليد به وهذا هو المعتمد وقيل يجوز لأن الصحابة كانوا يمسحون أيديهم من الطعام في أقدامهم

ــ

قوله: [فقد ناول صلى الله عليه وسلم الأعرابي] إلخ: أي وورد أيضاً: «أنه صلى الله عليه وسلم أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ فقال صلى الله عليه وسلم للغلام أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ فقال لا والله يا رسول الله لا أوثر بنصيبي منك أحداً قال فتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده» يعني أعطاه.

قوله: [وخصه بعض بالثاني]: أي الطعام الذي في الإناء.

قوله: [يترب الكتاب]: أي وقد شاع على الألسنة: ما خاب كتاب ترب.

قوله: [ومن حفظ] إلخ: من اسم موصول مبتدأ وحفظ صلته وحجة خبره وعلى من لم يحفظ متعلق بمحذوف صفة لحجة.

قوله: [بقبح في الشارب]: أي فمه بمعنى أنهم يقولون إن فمه أبخر.

قوله: [ويكره الاتكاء] إلخ: سئل مالك عن الرجل يأكل وهو واضع يده على الأرض؟ فقال إني لا أبتغيه وأكرهه وما سمعت فيه شيئاً، والسنة الأكل جالساً على الأرض على هيئة مطمئن عليها ولا يأكل مضطجعاً على بطنه ولا متكئاً على ظهره لما فيه من البعد عن التواضع ووقت الأكل وقت تواضع وشكر لله على نعمه اهـ.

قوله: [أن يقيم ركبته اليمنى] إلخ: أشار الشارح لثلاث هيئات لجلوس الآكل.

قوله: [وإن لم يكن لحم]: أي زائد فوق المرق وإلا فالمرق لا يكون إلا للماء الذي طبخ فيه اللحم كما أن الثريد اسم للمفتوت فيه كما قال الشاعر:

إذا ما الخبز تأدمه بلحم

فذا وأمانة الله الثريد

ويقاس عليه في الآداب كل فت في طعام لأنه يسمى ثريداً عرفاً وإن كان لا يسمى ثريداً شرعاً.

قوله: [أن يؤكل بعد الطعام]: أي وحينئذ فما شاع من قولهم: ابدءوا بسيد الطعام فعلى فرض صحته لم يأخذ به مالك.

قوله: [خير إدامكم اللحم]: ليس فيه ولا فيما بعده دليل على النهش والمناسب أن يستدل

ص: 528

وهي أدنى من اليد ويشمل الطعام دقيق الترمس والحلبة وروي عن مالك أنه لا بأس بالتدلك به في الحمام، ومذهب أبي حنيفة ليس بطعام قبل أن يحلو بالماء (كالنخالة): أي نخالة القمح لما فيها من الطعام بخلاف نخالة الشعير فلا كراهة في الغسل بها ومثل بالنخالة؛ لأنها يتوهم فيها عدم الكراهة ولا فرق في الكراهة بين زمن المسغبة وغيرها.

(و) يكره (القران في كتمر): أي أخذ اثنين في مرة ولو كان ملكه حيث أكل مع غيره لئلا ينسب للشره، فإن كان الغير شريكاً بشراء أو غيره فيحرم للاستبداد بزائد إن استووا في الشركة أما وحده أو مع عياله فلا يكره. (والشره في كل شيء) مكروه (وقد يحرم) كما قلنا في الشركة.

(فصل: )

(سن [1]) سيذكر أنها كفاية (لداخل أو مار على غيره) أو راكب على ماش أو راكب فرس على راكب بغل أو جمل أو حمار وراكب البغل على راكب الحمار، لكن يخرج الكافر من عموم الغير، إذ يكره بدؤهم بالسلام فإن سلموا علينا بصيغتنا رددنا عليهم (السلام عليه) على الغير. وقد ورد:«من قال: السلام عليكم كتب الله له عشر حسنات، فإذا قال: ورحمة الله كتب له عشرون حسنة، وإذا قال: وبركاته، كتب له ثلاثون حسنة» وقال تعالى: {فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم} [النور: 61]. ثم بين صفة السلام الذي تتوقف السنة عليها بقوله: (بأن يقول) الرجل أو غيره: (السلام عليكم أو سلام عليكم): أي أو [2] عليكم السلام فلا بد من ميم الجمع ولو كان المسلم عليه أنثى واحدة، وإلا فلا يكون آتياً بالسنة وأما تعريف سلام الابتداء ففيه خلاف جرى المصنف على أنه لا تتوقف عليه السنة وقال أبو الحسن: السلام في الابتداء لا يكون إلا معرفاً قال شيخنا العدوي عليه سحائب الرحمة والرضوان: لأنه الوارد، خلافاً لمن قال: يكفي أن يقول: سلام عليكم. (ووجب) على المسلم عليه (الرد) على المسلم (بمثل ما قال) فعلى هذا لو اقتصر على عليكم السلام مع كون المسلم زاد لا يجوز ولكن قال شيخنا الذي يفيده التلقين الجواز، حيث قال إن زاد لفظ الرد على الابتداء أو نقص جاز ونحوه في المعونة (كفاية فيهما): أي في الابتداء والرد على المشهور. وقيل: الابتداء فرض كفاية والرد فرض عين. واعلم أنه لا بد من الإسماع عند الإمكان نعم إن كان المسلم أصم يرد عليه بالإشارة ما لم يفهم من اللفظ وإلا فيكون له اللفظ والإتيان بالواو في الرد أفضل على الراجح ويكفي الرد إن حذف ميم الجمع كما يكفي لو نطق فيه بصيغة الابتداء. (وندب للراد الزيادة للبركة) حيث اقتصر المسلم على أقل منها على ما قاله وهو المشهور من وجوب الرد مثل الابتداء، وأما على كلام التلقين فالندب ولو أتم المسلم بالبركة تأمل.

(والمصافحة) مندوبة على المشهور. وقيل: مكروهة، وهو وضع أحد الملاقين بطن كفه على بطن كف الآخر إلى آخر السلام أو الكلام

ــ

بقوله صلى الله عليه وسلم «أدن العظم من فيك فإنه أهنأ وأمرأ» .

قوله: [وهي أدنى من اليد]: أي فإن كانت الكراهة من أجل التهاون ففي المسح بالرجل أعظم تهاوناً وحينئذ فلا كراهة؛ لأن فعل الصحابة حجة.

قوله: [قبل أن يحلو بالماء]: عائد على دقيق الترمس والحلبة.

قوله: [فيحرم للاستبداد بزائد]: قال النفراوي اختلف هل النهي للأدب أو لئلا يأخذ كل واحد أكثر من حقه؟ فعلى الأول يكون نهي كراهة، وعلى الثاني يكون للحرمة. قال الأقفهسي: مسألة هل الطعام المقدم للضيوف يملكونه بمجرد التقديم أو لا يملكونه إلا بالأكل؟ وعلى كل لا يجوز للواحد من الضيوف أن يعطي أحداً منه شيئاً بغير إذن صاحبه بناء على أنه لا يملكه إلا بالأكل أو بغير إذن من بقية أصحابه بناء على ملكهم له بالتقديم، فعلى الأول العبرة بإذن بعضهم، وعلى الثاني العبرة بإذن صاحب الطعام.

فصل سن

قوله: [سيذكر أنها كفاية]: أي على المشهور.

قوله: [لكن يخرج الكافر من عموم الغير]: مثله شابة ليست محرماً وقاضي حاجة وسكران ومجنون ومن تعلم أنه لا يرد سلاماً.

قوله: [سلموا علينا بصيغتنا رددنا عليهم]: قال النفراوي ويبقى النظر لو سلم واحد ممن لا يسن السلام عليه هل يجب رد السلام أو لا؟ ويظهر عدم وجوب رد سلامه فإذا علمت ذلك فقول الشارح رددنا عليهم أي لا على سبيل الوجوب، وإنما يندب لقوله تعالى:{وقولوا للناس حسنا} [البقرة: 83].

قوله: [كتب له ثلاثون حسنة]: أي فالأفضل الجمع.

قوله: [فلا بد من ميم الجمع]: أي لأن مع المسلم عليه الحفظة وهم كجماعة من بني آدم.

قوله: [لأنه الوارد]: أي وحينئذ فالمعتمد أنه لا بد من تعريف سلام الابتداء والإتيان بميم الجمع بخلاف رد السلام.

قوله: [الرد على المسلم] إلخ: إنما وجب الرد لقوله تعالى: {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها} [النساء: 86].

قوله: [نعم إن كان المسلم أصم]: مثله البعيد.

قوله: [يرد عليه بالإشارة]: الباء للمصاحبة أي يرد عليه باللفظ مصاحباً للإشارة لا أنه يرد بالإشارة فقط.

قوله: [وأما على كلام التلقين]: أي من جواز النقص في الرد وتقدم عن الشيخ العدوي ما يفيد اعتماده.

قوله: [والمصافحة]: معطوف

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (فصل في بعض السنن).

[2]

ليست في ط المعارف.

ص: 529

لقوله صلى الله عليه وسلم: «تصافحوا يذهب الغل عنكم، وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء» قوله: صلى الله عليه وسلم: "يذهب" مجذوم في جواب الأمر حرك بالكسر تخلصاً والغل بكسر الغين: الحقد، فاعل "يذهب" و"تهادوا" بفتح الدال والشحناء بالمد. ويكره خطف اليد بسرعة كما يكره تقبيل يد نفسه بعد المصافحة وتقبيل يد صاحبه حينها على ما يأتي في المصنف ولا تجوز مصافحة الرجل المرأة ولو متجالة؛ لأن المباح الرؤية فقط، ولا المسلم الكافر إلا لضرورة.

(لا) تندب (المعانقة) بل تكره عند مالك وهو المشهور؛ لأنه وإن ورد أنه صلى الله عليه وسلم عانق سيدنا جعفراً حين قدم من السفر فعلة الكراهة من كون النفوس تنفر منها منفية فيه صلى الله عليه وسلم. وقال سفيان بن عيينة وهو من كبار المجتهدين بجوازها ويشهد له قول الشعبي: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا التقوا تصافحوا فإذا قدموا من سفر تعانقوا وهذا يرد على المشهور؛ لأن العمل حجة لكن المعتمد ما تقدم.

(و) لا يندب (تقبيل اليد) بل يكره. والمراد: يد الغير، وأما يد نفسه فليس الشأن فعل ذلك، وإن وقع فيكره. ومحل كراهة تقبيل اليد إن كان المقبل مسلماً فلو قبل يدك كافر فلا كراهة. (إلا لمن ترجى بركته) وعليه محمل ما صح أن وفد عبد القيس لما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم ابتدروا يديه ورجليه» وروي أن سعد بن مالك قبل يده صلى الله عليه وسلم (من والد وشيخ وصالح) فلا يكره بل يطلب وحكم غير اليد من الأعضاء كالرأس والكتف والقدم كاليد نهياً وطلباً وقال سيدي أحمد زروق نفعنا الله به: وعمل الناس على الجواز لمن يتواضع له ويطلب إبراره.

(والاستئذان واجب) بالإجماع لقوله تعالى: {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا} [النور: 59] ولقوله صلى الله عليه وسلم لرجل، قال: يا رسول الله أستأذن على أمي؟ قال صلى الله عليه وسلم: «نعم قال: إني معها في البيت. فقال صلى الله عليه وسلم: استأذنها قال: إني خادمها. فقال صلى الله عليه وسلم: استأذن عليها، أتحب أن تراها عريانة؟ » فمن جحد وجوبه يكفر لوروده كما تقدم وعلم ضرورة (إذا أراد دخول بيت) مفتوحاً أو مغلوقاً حيث كان، لا يدخل إلا بإذن، لا نحو حمام وفندق وبيت قاض وطبيب وعالم حيث لا حرج في الدخول بلا إذن وإلا فكغيرها فـ (يقول: سلام عليكم) علمت حكم السلام وقد جرى المصنف على أنه يقدم على الاستئذان. وقال ابن رشد: يسلم بعد الاستئذان (أأدخل؟ ) يقول (ثلاثاً) ولا يزيد حيث غلب على ظنه السماع ويقوم [1] مقام "أأدخل" نقر الباب ثلاثاً ولو مفتوحاً والتنحنح، ويكره الاستئذان بالذكر. (فإن أذن له) فليدخل ولو جاء الإذن مع صبي أو عبد حيث وثق بخبرهما لقرينة وإن قيل له: من أنت؟ فيقول: فلان باسمه لا بنحو أنا فإنه أنكر صلى الله عليه وسلم على من قالها. ومحل وجوب الاستئذان إن كان بالبيت أحد لا يحل النظر لعورته بخلاف الزوجة والأمة ليس معهما غير فيندب وهل يجب على الأعمى قولان. (وإلا) يؤذن له بعد الاستئذان ثلاثاً مع ظن السماع أو قيل له ارجع (رجع) وجوباً ولا يلح ولا يتكلم بقبيح ولا يدخل إلا بعد الإذن لا بمجردالاستئذان كما يقع من العوام وأمثالهم.

(وندب عيادة المرضى)

ــ

على الزيادة وجعله الشارح مبتدأ خبره محذوف، وهو لا دليل عليه في الكلام.

قوله: [لقوله صلى الله عليه وسلم تصافحوا] إلخ: أي ولخبر: «ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا» .

قوله: [والشحناء بالمد]: أي وهي البغضاء.

قوله: [ولا تجوز مصافحة الرجل المرأة]: أي الأجنبية وإنما المستحسن المصافحة بين المرأتين لا بين رجل وامرأة أجنبية، والدليل على حسن المصافحة ما تقدم وقوله صلى الله عليه وسلم لمن قال له:«يا رسول الله الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له قال: لا. قال: أفيلزقه [2] ويقبله؟ قال: لا. قال: أفيأخذه بيده ويصافحه؟ قال: نعم» قال النفراوي وأفتى بعض العلماء بجواز الانحناء إذا لم يصل لحد الركوع الشرعي.

قوله: [جعفراً]: أي ابن عمه أخا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.

قوله: [لأن العمل حجة]: قد يقال إن مالكاً رأى أن عمل أهل المدينة على عدم فعلها.

قوله: [وروي أن سعد بن مالك قبل يده]: أي وروي أيضاً: «أن أعرابياً قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرني آية. فقال: اذهب إلى تلك الشجرة وقل لها النبي صلى الله عليه وسلم يدعوك فتحركت يميناً وشمالاً وأقبلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهي تقول السلام عليك يا رسول الله فقال له: قل لها ارجعي. فقال لها ارجعي فرجعت كما كانت فقبل الأعرابي يده ورجله صلى الله عليه وسلم» .

قوله: [لمن يتواضع له ويطلب إبراره]: أي لأن في ترك ذلك مقاطعة وشحناء خصوصاً في زماننا هذا.

قوله: [واجب بالإجماع]: أي على مريد الدخول ووجوب الفرائض دل عليه الكتاب والسنة كما أفاده الشارح.

قوله: [ويكره الاستئذان بالذكر]: أي لما فيه من جعل اسم الله آلة.

قوله: [فإنه أنكر صلى الله عليه وسلم على من قالها]: أي حيث خرج له صلى الله عليه وسلم وهو يقول أنا أنا وإنما كره بها؛ لأنها لا تعين المقصود، ولأنها هلك بها من هلك كفرعون وإبليس.

قوله: [قولان]: الظاهر منهما الوجوب لعموم قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا} [النور: 27].

قوله: [رجع وجوباً]: أي لقوله تعالى: {وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (ويقول).

[2]

كذا في ط الحلبية.

ص: 530

لقوله صلى الله عليه وسلم: «ما من رجل يعود مريضاً إلا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يصبح» ومحل الندب إذا كان عنده من يقوم به لأنها فرض كفاية حيث تعدد من يقوم به وإلا تعينت. ويطالب بها ابتداء القريب فالصاحب فأهل موضعه، فإن ترك الجميع عصوا والعائد يكون ذكراً أو أنثى وإن أجنبية بدون خلوة. (ومنه): أي من أفراد المريض الذي يعاد (الأرمد) وصاحب ضرس ودمل على الراجح. (و) يندب (الدعاء له): أي للمريض وإن كان لا يكره المريض وضع اليد عليه ندب وضعها ومن أحسن الدعاء: «أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك ويعافيك» سبعاً للوارد بذلك (و) يندب للعائد (طلب الدعاء منه) أي من المريض وترك المندوب خلاف الأولى. (و) يندب (قصر الجلوس عنده) ما لم يطلبه وكثرة الجلوس بدون طلب مكروه أو حرام. (و) يندب أن (لا يتطلع لما في البيت) من الأمتعة وقد يجب وربما يشعر به المصنف. (و) يجب على العائد أن (لا يقنطه) من العافية إذ فيه غاية الأذية، ويندب تقليل السؤال عن حاله، فكثرته مكروهة، وقد يحرم ويندب أن يظهر له الشفقة فعدم ظهورها بالسكوت خلاف الأولى وبإظهار ضدها من التشفي فيه حرام للأذية ويندب الخشوع حال الجلوس عنده وأن يبشره بثواب المريض ويطلب من المريض أن لا يضيع ما عليه من الطاعة وأن يكثر الرجاء وعدم التشكي إلا لمن يرجى دعاؤه ولا يخرج في كلامه ولا يتوكل على طبيب عند الدواء.

(وندب للعاطس) حيث لم يكن في الصلاة (حمد الله): أي قوله: الحمد لله، فقط على المعتمد وقيل: يزيد "رب العالمين" كفعل ابن مسعود وقيل: يزيد "على كل حال" كفعل ابن عمر. وقيل يقول: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كفعل غيرهما. (و) يجب على من سمع العاطس المسلم كفاية حيث لم يكن المشمت في الصلاة ولم يكن العاطس امرأة يخشى من كلامها الفتنة وإلا فلا تشميت (تشميته بـ يرحمك الله) بدون ميم الجمع، فإن كان العاطس كافراً قال له هداك الله (إن سمعه): أي سمعه يحمد الله أو سمع شخصاً يشمته، لكون ذلك الشخص سمع حمده، لكن يقال حيث شمته الغير سقط فرض الكفاية؟ نعم، على قولصاحب البيان إن التشميت فرض عين ويشهد له قوله صلى الله عليه وسلم:«حقاً على كل من سمعه أن يقول له: يرحمك الله» فإن لم يسمعه إلخ فلا يطلب التشميت نعم يندب له أن يذكره كما قال. (وتذكيره إن نسي) العاطس الحمد لله، واعلم أنه إن عطس فوق ثلاث سقط طلب التشميت ويقول له: أنت مضنوك، أي مزكوم عافاك الله، وهذا إن توالى الزائد وإلا فيشمت. (ويندب) للعاطس (رده بـ يغفر الله لنا ولكم) بميم الجمع لأن الملائكة تشمت (أو) يرد بقوله:(يهديكم الله ويصلح بالكم) حالكم والأولى الجمع. لا يقال الدعاء بالهداية للمؤمن من تحصيل الحاصل؛ لأنا نقول المراد بالهداية لتفاصيل الإيمان وقد أمر الله بطلبها في كل ركعة من الصلاة {اهدنا الصراط المستقيم} [الفاتحة: 6] اهـ ملخصاً شيخنا العدوي رضي الله عنه.

(وندب لمتثائب) بالمثلثة وبالمد والهمز لا بالواو أي لمن فتح فاه بسبب البخارات المجتمعة من الأكل الكثير ومن الشيطان للكسل ولذا لم يتثاءب نبي (وضع يد) يمنى أو ظهر اليسرى أو أي شيء يمنع دخول الشيطان في فيه وبعد التثاؤب يتفل بريق خفيف ثلاثاً

ــ

هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم} [النور: 28].

قوله: «لقوله صلى الله عليه وسلم ما من رجل» إلخ: أي ولقوله أيضاً: «من عاد مريضاً خاض في رحمة الله فإذا جلس عنده استقر فيها، ومن توضأ فأحسن الوضوء ثم عاد مريضاً أبعده الله عن النار سبعين خريفاً» .

قوله: [الأرمد] إلخ: أي وأما ما ورد من أن صاحب هذه الثلاثة لا يعاد فقد ضعفه بعض المحدثين.

قوله: [وربما يشعر به المصنف]: أي حيث أتى بـ لا التي تكون للنهي والأصل فيه التحريم.

قوله: [ويطلب من المريض]: أي على سبيل الوجوب في الواجب والندب في المندوب ويكون على حسب الطاقة.

قوله: [ولا يخرج في كلامه]: أي عن الحدود الشرعية بالكلمات المستقبحة شرعاً.

قوله: [ولا يتوكل على طبيب عند الدواء]: أي بل يقصر توكله على الله والتداوي لا ينافي ذلك؛ لأن الكل من عند الله.

قوله: [حيث لم يكن في الصلاة]: أي وأما لو كان فيها فيكره له ذلك مع صحة الصلاة.

قوله: [حيث لم يكن المشمت في الصلاة]: أي فإن كان فيها وشمت غيره بطلت إن كان متعمداً عالماً أنه في الصلاة وإلا سجد للسهو.

قوله: [تشميته]: أي ولو تسبب في العطاس.

قوله: [وتذكيره إن نسي]: أي بأن يقول: " الحمد لله رب العالمين " كما قال بعضهم:

من يسبقن عاطساً بالحمد يأمن من

شوص ولوص وعلوص كذا وردا

عنيت بالشوص داء الضرس ثم بما

يليه للأذن والبطن استمع رشدا

قوله: [بسبب البخارات المجتمعة]: أي وقد يكون لمرض.

قوله: [أو ظهر اليسرى]: أي لا باطنها؛ لأنه معد

ص: 531

إن كان في غير الصلاة (ولا يعوي كالكلب) لأنه فعل قبيح عرفاً.

(وندب كثرة الاستغفار) لما ورد في ذلك قال تعالى: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً} [نوح: 10] وقال تعالى: {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} [الأنفال: 33] وقال تعالى: {واستغفروا الله إن الله غفور رحيم} [المزمل: 20] وقال صلى الله عليه وسلم: «من استغفر الله دبر كل صلاة ثلاث مرات فقال أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفرت ذنوبه وإن كان قد فر من الزحف» . وينبغي أن يستغفر للمؤمنين لقوله صلى الله عليه وسلم: «من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة» وقال صلى الله عليه وسلم: «الاستغفار ممحاة للذنوب» .

(و) يندب (الدعاء) قال تعالى: {ادعوني أستجب لكم} [غافر: 60] إن قلت وعده حق فإذا طلب العبد ما لم يكن في علمه حصوله فيلزم إما إخلاف الوعد أو غير ما تعلق به العلم. قلت أجيب بأن وعده تعالى بالإجابة لا بخصوص المطلوب أو أنه لا يوفق لطلب ما لم يعلم حصوله وقال صلى الله عليه وسلم: «الدعاء مفتاح الرحمة» وفي رواية: «الدعاء سلاح المؤمن» وفي رواية «الدعاء جند من أجناد الله» .

(و) يندب (التعوذ في جميع الأحوال) كعند دخول المنزل يقول: بسم الله ما شاء الله، وعند الخروج كما روي عنه صلى الله عليه وسلم كان يقول عند خروجه من المنزل:«اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أزل أو أزل [1] أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي» وروي «إذا قال عند خروجه بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم قال كفيت وهديت ووقيت فتنفر عنه الشياطين» الحديث. (وأحسنه: ما ورد في الكتاب) نحو: {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} [البقرة: 201](والسنة) كقوله صلى الله عليه وسلم «سيد الاستغفار: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت» الحديث وقوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال» وقد علمه صلى الله عليه وسلم لرجل أتعبه الدين قال الرجل فبعد مدة قليلة فاض خيري على الجيران (ولا سيما عند النوم) فقد كان صلى الله عليه وسلم عند النوم يضع يده اليمنى تحت خده الأيمن بعد أن يضطجع على شقه الأيمن ويده اليسرى على فخذه الأيسر ثم يقول: «اللهم باسمك وضعت جنبي وباسمك أرفعه اللهم إن أمسكت نفسي فاغفر لها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به الصالحين من عبادك اللهم إني أسلمت نفسي إليك وألجأت ظهري إليك وفوضت أمري إليك ووجهت وجهي إليك رهبة منك ورغبة إليك لا منجا ولا ملجأ منك إلا إليك أستغفرك وأتوب إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت وآمنت برسولك الذي أرسلت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت إلهي لا إله إلا أنت رب قني عذابك يوم تبعث عبادك» . (و) خصوصاً يتأكد الدعاء عند علامات (الموت) فإنه وقت شدة وحضور الفتانات ويدعو بنحو: «ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشداً اللهم هون علينا سكرات الموت» .

(ويجوز الرقى) جمع رقية وتكون (بأسماء الله) وبأسماء النبي صلى الله عليه وسلم والصالحين (وبالقرآن) ويتحرى ما يناسب وإن كان القرآن كله شفاء على أن من في قوله تعالى {وننزل من القرآن} [الإسراء: 82] للبيان (وقد ورد) الرقى بأسماء الله، كما في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم كان يعوذ أهل بيته بيده اليمنى ويقول:«اللهم رب الناس أذهب البأس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً» وأقر صلى الله عليه وسلم من رقى بالفاتحة

ــ

لإزالة الأقذار.

قوله: [إن كان في غير الصلاة]: أي وأما في الصلاة فيبطلها التفل إن كان عمداً أو جهلاً.

قوله: [وإن كان قد فر من الزحف]: بالغ عليه؛ لأنه من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله

قوله: [أن أضل أو أضل] إلخ: الأول في كل مبني للفاعل والثاني مبني للمفعول، ومعنى الجميع ظاهر

قوله: [الحديث]: تمامه: «ويقولون ما تصنعون عند رجل قد كفي وهدي ورقي» أفاده النفراوي.

قوله: «لا إله إلا أنت الحديث تمامه: خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت» .

قوله: [ولا سيما عند النوم والموت]: هكذا في نسخة وقد شرح عليها الشارح وفي نسخة بأيدينا ليس فيها ذلك.

قوله: «فاغفر لي ما قدمت وما أخرت» : تعليم منه عليه الصلاة والسلام لأمته لعصمته من الذنوب وهذا أحسن ما يحمل عليه الحديث، وهذا الدعاء مجموع من عدة أحاديث مع زيادة ونقص غير مخلين.

قوله: [ويجوز الرقى]: عبر بالجواز رداً على من توهم المنع واستدل بالحديث الآتي وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً» إلخ ويأتي الجواب عنه.

قوله: [ويتحرى ما يناسب]: أي والأولى تحري الآيات والسور التي ورد استعمالها في التعوذات والرقى.

قوله: [على أن من] إلخ: أي وهو المعتمد فأي آية من كلام الله شفاء ولو اشتملت على ذم؛ لأن شفاءها من حيث تنزلها من الله.

قوله: [كما في الصحيحين]: أي وفي صحيح مسلم أيضاً عن عثمان بن العاص:

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

قوله: (أزل أو أزل) في ط المعارف: (أذل أو أذل).

ص: 532

وقال: «أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله» وكان صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى يقرأ على نفسه الإخلاص والمعوذتين وينفث في يديه ويمسح بهما ما استطاع من جسده» (و) تجوز (التميمة) أي الورقة المشمولة (بشيء من ذلك) المذكور من أسمائه تعالى والقرآن لمريض وصحيح وحائض ونفساء وبهيمة بعد جعلها فيما يقيها، ولا يرقى بالأسماء التي لم يعرف معناها قال مالك ما يدريك لعلها كفر، وكره مالك الرقية بالحديد والملح ونحو خاتم سليمان وقال: لم يكن ذلك من أمر الناس القديم.

إن قلت قال صلى الله عليه وسلم: «يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً بغير حساب وهم الذين يرقون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون» والجواب: أن الاسترقاء مطلوب لمن لا قدرة له على الصبر على ألم المرض ولا ينافي التوكل ويكون النفي في حق من له قدرة إلخ.

(و) يجوز (التداوي) وقد يجب وسواء كان التداوي (ظاهراً) في ظاهر الجسد كوضع دواء على جرح (وباطناً) كسفوف وشربة لوجع الباطن ويكون (مما علم نفعه في) علم (الطب) وألا يحصل ضرر أكثر مما كان وإذا عالج طبيب عارف ومات المريض من علاجه المطلوب لا شيء عليه وأفضل الدواء خفة المعدة إذ التخمة أصل كل داء.

(و) تجوز (الحجامة) بمعنى تستحب عند الحاجة إليها وقد تجب وينبغي تركها يوم السبت والأربعاء لما ورد: «من احتجم يوم السبت أو يوم الأربعاء فأصابه مرض فلا يلومن إلا نفسه» فقد احتجم بعض العلماء يوم الأربعاء فمرض، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه فشكا إليه ما به فقال: أما سمعت من احتجم يوم الأربعاء؟ إلخ فقال: نعم ولكن لم يصح، فقال: أما يكفيك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال الغزالي: لا ينظر للصحة إلا في باب الأحكام، وقد ورد الأمر بالمراعاة يوم الثلاثاء ويوم الأحد.

(و) يجوز (الفصد) قطع العرق لاستخراج الدم الذي يؤذي الجسد (و) يجوز التداوي بـ (الكي) الحرق بالنار وقيل يستحب وقيل يكره

ــ

«أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعاً يجده في جسده منذ أسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل بسم الله ثلاثاً وقل سبع مرات أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر. قال ففعلت ذلك فأذهب الله ما كان من الألم فلم أزل آمر بها أهلي وغيرهم» اهـ. وكأن المصنف يقول هذا إذا رقى نفسه فإن رقى غيره قال أعيذه أو أعيذها بعزة الله وقدرته من شر ما يجد ويحاذر.

قوله: [وقال أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله]: أصل هذا الحديث عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: «انطلق نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم فلدغ سيد ذلك الحي فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء فقال بعضهم لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا بكم لعله أن يكون عند بعضهم شيء فأتوهم فقالوا يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ وسعينا له بكل شيء لا ينفعه شيء فهل عند أحد منكم شيء؟ فقال بعضهم: نعم إني والله لأرقي ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلاً فصالحوهم على قطيع من الغنم فانطلق وجعل يتفل عليه ويقرأ الحمد لله رب العالمين فكأنما نشط من عقال، فانطلق يمشي وما به قلبة قال فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه، وقال بعضهم اقتسموا فقال الذي رقى لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنذكر له الذي كان فننظر ما يأمرنا، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له فقال وما يدريك أنها رقية؟ فقال قد أصبتم اقتسموا واضربوا لي معكم سهماً فضحك النبي صلى الله عليه وسلم» اهـ. من مختصر ابن أبي جمرة فقوله: إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله قاله في بعض روايات تلك القصة.

قوله: [وحائض ونفساء]: أي وجنب.

قوله: [ولا يرقى بالأسماء التي لم يعرف معناها]: أي ما لم تكن مروية عن ثقة كالمأخوذة من كلام أبي الحسن الشاذلي كدائرته والأسماء التي في أحزاب السيد الدسوقي والجلجلوتية.

قوله: [والجواب أن الاسترقاء] إلخ: وأجيب أيضاً بأن النهي يحمل على ما إذا اعتقد أن الرؤيا تؤثر بنفسها أو بقوة أودعها الله فيها، فإن الأول كفر والثاني فسق.

قوله: [وألا يحصل ضرر] إلخ: محترز قوله: بما علم نفعه أي وإلا بأن تداوى بما لم يعلم نفعه يحصل الضرر إلخ.

قوله: [وأفضل الدواء] إلخ: أي لما في الحديث: «المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء وأصل كل داء البردة» .

قوله [وينبغي تركها يوم السبت]: أي لغير قوي اليقين ولغير المقتدى به وأما هما فلا ينبغي لهما التحرز من تلك الأيام لقول مالك: لا تعاد الأيام فتعاديك.

قوله: [لا ينظر للصحة إلا في باب الأحكام]: أي التكليفية والوضعية وأما فضائل الأعمال والآداب الحكمية فلا تتوقف على ذلك بل يتأنس لها بالحديث الضعيف وبالآثار المروية عن السلف.

قوله: [الأمر بمراعاة يوم الثلاثاء] إلخ: أي بالمحافظة على الحجامة فيهما.

ص: 533

ففي التداوي بالنار ثلاثة أقوال وقوله "إن [1] احتيج له" أي للدواء بما تقدم.

(وجاز قتل كل مؤذ) ما شأنه الإيذاء ولو لم يؤذ بالفعل ثم بين بعض ذلك بقوله (من فأر وغيره) كابن عرس. واعلم أن ميتة الثعبان والسحلية وبنت عرس والوزغ نجسة إذ كلها ذو نفس سائلة ويجوز أكل الجميع بالتذكية إلا لضرر وعليه يحمل قول من قال بحرمة أكل بنت عرس فإنه من حيث إنه يورث العمى (وكره حرق القمل والبرغوث ونحوهما) كبق وجميع خشاش الأرض بالنار ولا يكره بشمس ولا قصع أو فرك ولما كان الأصل فيها الإيذاء وإن لم تؤذ بالفعل كره بالنار لما فيها من التعذيب ولم يحرم.

والحاصل أن قتل جميع الحشرات بالنار مكروه وبغيرها جائز وإن لم يحصل منه أذية بالفعل وأما النمل بالنون والنحل –بالحاء المهملة- والهدهد والصرد فإن حصل منها أذية ولم يقدر على تركها فيجوز قتلها ولو بالنار فإن لم تؤذ حرم قتلها ولوبغير النار فإن آذت وقدر على تركها فيكره القتل ولو بالنار وهل المنهي عن قتله مطلق النمل أو خصوص الأحمر الطويل الأرجل لعدم أذيته بخلاف الصغير فشأنه الإيذاء ويستحب قتل الوزغ وإن لم يحصل منه أذية وقد رغب فيه صلى الله عليه وسلم فقال: «من قتلها في المرة الأولى فله مائة حسنة وفي الثانية سبعون وفي الثالثة خمس وعشرون» لأنها من ذوات السموم واعلم أنها ذو نفس سائلة فميتتها نجسة وتنجس المائع الذي تموت فيه وفاقاً لأبي حنيفة، وقال الشافعي رضي الله عن الجميع بخلاف ذلك. ويكره قتل الضفدع إن لم يؤذ فإن آذت جاز إن لم يقدر على تركها وإلا ندب عدم القتل ويجوز أكلها بالذكاة إن كانت برية.

(والرؤيا الصالحة) المبشرة أو الصادقة (جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة) كما ورد في الصحيحين وهذا إذا كانت من شخص ممتثل أمر الله وإلا فلا، والأحسن عدم تحديد ذلك الجزء، وأما تحديده بنصف سنة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أوحي إليه ثلاث وعشرون سنة وكان قبل ذلك يرى في المنام ما يلقيه الملك ستة أشهر فيتوقف على حديث صحيح بأنها ستة وأن ما بعدها ثلاث وعشرون. ولم يصح في ذلك خبر، والمراد من كونها جزءاً أي: في الجملة إذ فيها اطلاع على الغيب من وجه أو؛ لأن النبوة أنواع؛ لأن الوحي كان يأتي على أنواع والله أعلم.

(وينبغي أن يقصها): أي يخبر بها ويعرض ما رأى (على عالم صالح محب)؛ لأنه الذي له نور وفراسة. (ولا ينبغي) أي يحرم (تعبيرها لغير عارف بها) قال تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم} [الإسراء: 36] والعلم بتفسير الرؤيا ليس من كتب كما يقع للناس من التعبير من ابن سيرين فيحرم تفسيرها بما فيه، بل يكون بفهم الأحوال والأوقات وفراسة وعلم بالمعاني، والفراسة بفتح الفاء وكسرها: نور يقذفه الله في القلب يدرك به الصواب وقيل؛ ظن صائب. واعلم أنه حرم إذا علم أنها على خير أو شر تفسيرها بالضد؛ لأنه كذب، بل إن كانت شراً يقول نحو: نسأل الله خيراً، أو يسكتوإن فسر بالضد لا تخرج على ما عبرت به. وقيل: الرؤيا على ما عبرت به، ولذلك ينهى عن قصها على عدو خوف أن يخبر بسوء فتخرج عليه (ومن رأى) في نومه (ما يكره) واستيقظ من نومه (فليتفل) بضم الفاء من باب قتل وبكسرها من باب ضرب

ــ

قوله: [ففي التداوي بالنار ثلاثة أقوال]: إنما اختلف فيه لما في الحديث: «الشفاء في ثلاث: شرطة محجم وشربة عسل وكية نار ولا أحب الاكتواء» .

قوله: [كابن عرس]: أدخلت الكاف باقي ما ورد إباحة قتلها في الحل والحرم للمحرم وغيره، بل وما يؤذي من بني آدم كالمفسدين في الأرض بسفك الدماء وسلب الأموال وهتك الحريم.

قوله: [وبغيرها جائز]: ظاهره يشمل الماء لكن قال بعضهم إن الماء كالنار في الكراهة.

قوله: [والصرد]: هكذا بوزن زحل.

قوله: [فله مائة حسنة] إلخ: إن قلت كان مقتضى الظاهر أن الأجر يزيد بتعدد الضربات؟ وأجيب بأن القتل لها في مرة يدل على مزيد اعتناء القاتل بالأمر ومزيد الحمية الإسلامية.

قوله: [لأنها من ذوات السموم]: أي ولما ورد أيضاً أنها كانت تنفخ النار على إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام.

قوله: [واعلم أنها ذو نفس سائلة] إلخ: هذا مكرر مع ما تقدم إلا أن يقال: كرره لذكر الخلاف فيه بعد ذلك.

قوله: [إن لم يقدر على تركها]: أي إن لم يمكن الصبر عليها وإنما نهي عن قتلها لما قيل إنها أكثر الحيوانات تسبيحاً حتى قيل إن صوتها جميعه ذكر ولأنها أطفأت من نار إبراهيم ثلثيها.

قوله: [المبشرة أو الصادقة]: أشار بذلك إلى تنويع الخلاف.

قوله: [وهذا إذا كانت من شخص ممتثل أمر الله] إلخ: هذا التقييد على حسب الغالب وإلا فقد تكون من غير ممتثل بل وتكون من الكفار، وذلك كرؤيا عزيز مصر ورؤيا من كان مع يوسف عليه السلام في السجن.

قوله: [وأما تحديده] إلخ: هذا الكلام غير مناسب وإنما الذي قاله شراح هذا الحديث إن هذا الجواب لا يتم إلا لو لم يعارضها روايات أخر مع أنه عارضها روايات كثيرة منها: «جزء من خمسة وعشرين جزءاً» ومنها «جزء من أربعين جزءاً» ومنها «جزء من سبعين»

قوله: [أو لأن النبوة أنواع]: أي فتارة تكون بالملك جهاراً وهو أقسام وبالمكالمة من غير واسطة وبالإلقاء في الروع وبالمنام.

قوله: [فيحرم تفسيرها بما فيه]: أي إن لم ينضم لذلك بصيرة من المعبر؛

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

ليست في ط المعارف.

ص: 534

والتفل نفث بريق (على) جهة (يساره) لأنها جهة الأقذار والشيطان فكأنه يطرده بتحقير ويكرر التفل (ثلاثاً) للتأكيد في طرد الشيطان (وليقل) ندباً (اللهم إني أعوذ بك من شر ما رأيت) في منامي أن يضر بي في ديني ودنياي (وليتحول) ندباً (على شقه الآخر) تفاؤلاً بأن الله يبدل المكروه بالحسن وينبغي له أن لا ينام بل يقوم للدعاء والصلاة. (ولا ينبغي قصها) أي الرؤية التي فيها مكروه ولو على حبيب.

(خاتمة) في جعل آخر كتابه ما يتعلق بالله ورسله من البشارة وحسن الخاتمة ما لا يخفى (كل كائنة في الوجود فهي بقدرة الله تعالى): فهو الموجد للخير والشر وفيه رد على القدرية القائلين: إن العبد يخلق أفعال نفسه الاختيارية. وإن القاتل قطع أجل المقتول، وهذا باطل، بل أماته الله لانقضاء أجله ولو لم يقتل، لاحتمال أن يحيا وأن يموت فلا نجزم بواحد؛ لأنه مغيب عنا وتتعلق القدرة بالمعدوم أيضاً وبالعدم غير الواجب ومن غير الواجب قطع العدم الأزلي فيما لا يزال.

(و) كل كائنة فهي (بإرادته) فهو المريد للشرور خلافاً للمعتزلة إذ الإرادة غير الأمر (على وفق علمه القديم) بالنظر لتعلقها التنجيزي أما الصلاحي فهو أعم فتصلح لتخصيص الشيء على خلاف ما في العلم لكن لا نخصصه بالفعل إلا على وفق العلم تأمل.

ــ

لأن ما في ابن سيرين وابن شاهين صحيح قطعاً لكن لا تتحد الناس فيه بل يختلف بحسب أحوال الناس وأزمانهم وأشغالهم.

قوله: [نفث بريق]: أي قليل وقيل بغير ريق واختلف في التفل والنفث؛ فقيل معناهما واحد ولا يكونان إلا بريق، وقيل النفث بغير ريق وعليه فهو غير مناسب هنا لأن المطلوب طرد الشيطان وإظهار احتقاره واستقذاره.

قوله: [وينبغي له أن لا ينام]: قال في حاشية الرسالة وينبغي له أن لا يعود لمنامه بعد استيقاظه؛ لأنه إن عاد يعود له الشيطان.

قوله: [ولا ينبغي قصها]: قال في حاشية الرسالة تنبيه: الاحتياط إذا رأى ما يحب كتم ما رآه إلا عن حبيب يعلم بتعبير الرؤيا. بخلاف من رأى المكروه فإن المطلوب منه بعد قيامه الصلاة والسكوت عن التحديث بما يراه. اهـ. وعليه بالتضرع والالتجاء إلى الله؛ لأن ما أراه المكروه في منامه إلا ليتحرز منه لما في الحديث: «إذا أراد الله بعبد خيراً عاتبه في منامه» .

خاتمة: قوله في جعل آخر كتابه خبر مقدم وما لا يخفى مبتدأ مؤخر وقوله من البشارة وحسن الخاتمة بيان لما لا يخفى، وقوله ما يتعلق بالله ورسله مفعول ثان لجعل وقد أضافه لمفعوله الأول ومحصل كلام الشارح أن فيه حسن اختتام وهو تفاؤل بحسن خاتمة الأستاذ رضي الله عنه، وقد ظهرت أمارات حسنها في الخافقين رضي الله عنه وعنا به.

قوله: [وفيه رد على القدرية]: أي حيث أتى بكل التي تفيد الاستغراق والعموم.

قوله: [بل أماته الله لانقضاء أجله]: أي فالموت من الله حصل عند القتل لا بالقتل قال في الجوهرة:

وميت بعمره من يقتل .... وغير هذا باطل لا يقبل

قوله: [ولو لم يقتل]: أي على فرض المحال.

قوله: [وتتعلق القدرة بالمعدوم]: أي تعلقاً صلوحياً بأن يقال: إنها صالحة لبقائه على ما هو عليه ولنقله للوجود، وتعلقاً تنجيزياً وهو إبرازها ما كان معدوماً.

وقوله: [أيضاً]: أي كما تتعلق بإعدام الموجود كالقتل المستفاد من قوله أماته الله.

وقوله: [وبالعدم غير الواجب]: الصواب حذف قوله وبالعدم ويجعل قوله: غير الواجب صفة للمعدوم.

قوله: [قطع العدم الأزلي فيما لا يزال]: المراد قطع استمراره وإلا فالأعدام الأزلية من مواقف العقول لا يحكم عليها بقطع، إذا علمت ذلك فالصواب حذف قوله الأزلي.

قوله: [فهو المريد للشرور]: أي كما هو مريد للخير.

وقوله: [خلافاً للمعتزلة]: أي حيث قالوا إن الإرادة تابعة للأمر فلا يريد إلا ما يأمر به.

قوله: [إذ الإرادة غير الأمر]: تعليل للرد عليهم قال في الجوهرة:

وغايرت أمراً وعلماً والرضا كما ثبت

والمناسب أن يقول إذ الإرادة غير لازمة للأمر.

قوله: [على وفق علمه القديم]: متعلق بمحذوف حال من القدرة والإرادة.

قوله: [بالنظر لتعلقها]: أي الإرادة وكذا القدرة فقد حذفه من الأول لدلالة الثاني عليه وهذا هو القضاء والقدر الذي يجب الإيمان بهما كما قال الأجهوري:

إرادة الله مع التعلق

في أزل قضاؤه فحقق

والقدر الإيجاد للأشياء على

وجه معين أراده علا

وبعضهم قد قال معنى الأول

العلم مع تعلق في الأزل

والقدر الإيجاد للأمور

على وفاق علمه المذكور

وهو المعني في قوله في الحديث: «وأن يؤمن بالقدر خيره وشره» .

قوله: [فتصلح لتخصيص الشيء]: أي فهو كناية عن القابلية والتجويز العقلي.

قوله: [لكن لا نخصصه بالفعل]: أي الذي هو تعلقها التنجيزي.

ص: 535

والمشهور: أن للعلم تعلقاً تنجيزياً قديماً وحقق بعض: أن له تنجيزياً حادثاً وهو مقبول عقلاً ونقلاً كما حرره شيخنا العلامة الأمير في حواشي الجوهرة. (ولا تأثير لشيء) كالأسباب من أكل وشرب وغير ذلك (في شيء) من المسببات بل هي أمور عادية يجوز تخلفها ويجوز أن يخلق الله الأشياء بدون أسبابها. (ولا فاعل) يؤثر (غير الله تعالى).

(وكل بركة) نعمة ظاهرية أو باطنية كالعافية والأسرار وما ينشأ من نفع إلخ (في السموات والأرض فهي من بركات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما وضح بعضه بعد (الذي هو أفضل خلق الله على الإطلاق) فلا يستثنى أحد من ملك أو رسول من البشر، فهو أفضل من جبريل عليه السلام، خلافاً لمن توقف ومزيد الثناء على جبريل في قوله تعالى:{إنه لقول رسول كريم} [الحاقة: 40] الآية لكون القرآن على أعلى طبقات البلاغة تأمل.

(ونوره) صلى الله عليه وسلم (أصل الأنوار) والأجسام كما قال صلى الله عليه وسلم لجابر رضي الله عنه: «أول ما خلق الله نور نبيك من نوره» الحديث فهو الواسطة في جميع المخلوقات ولولاه ما كان شيء كما قال الله لآدم صلى الله عليه وسلم:

ــ

وقوله: [إلا على وفق العلم]: أي وإلا لانقلب العلم جهلاً.

قوله: [والمشهور أن للعلم تعلقاً تنجيزياً قديماً]: أي وهو إحاطته بالموجودات والمعدومات أزلاً.

قوله: [وحقق بعض أن له تنجيزياً حادثاً]: أي وهو إحاطة علمه بالحادث بعد ظهوره وبه بعد فنائه، ولكن هذه الإحاطة على طبق الإحاطة الأزلية فمن نظر لتلك المطابقة حصره في القديم، وأما الصلاحي فلا يجوز في العلم؛ لأن الصلاحية للعلم من غير اتصاف به جهل.

قوله: [وغير ذلك]: أي كالسكين في القطع والنار في الحرق.

قوله: [من المسببات]: أي التي هي الشبع والري والقطع والحرق.

قوله: [ويجوز أن يخلق الله الأشياء بدون أسبابها]: أي وذلك كخلق عيسى عليه الصلاة والسلام بدون أب.

قوله: [ولا فاعل يؤثر]: المراد بالتأثير الإيجاد والإعدام، وأما الفاعل المجازي من حيث إنه سبب في الفعل فيسند لغيره تعالى.

قوله: [إلخ]: أي أو ضر والمراد ضر أهل الكفر والعناد. قوله: [فهي من بركات نبينا] إلخ: أي يجب علينا اعتقاد ذلك ومنكر ذلك خاسر الدنيا والآخرة.

قوله: [خلافاً لمن توقف]: أي وهو الزمخشري.

قوله: [لكون القرآن على أعلى طبقات البلاغة]: جواب عن شبهة الزمخشري لأنه استدل بالآية على أفضلية جبريل فيقال له ليس في الآية دليل؛ لأن القرآن في أعلى طبقات البلاغة وهي مطابقة الكلام لمقتضى حال المخاطبين وهي نزلت رداً على من يذم الواسطة بقولهم طوراً: {إنما يعلمه بشر} [النحل: 103] وطوراً إنما الذي يعلمه جني فقال الله: {إنه لقول رسول كريم} [الحاقة: 40] الآية، وأما فضل نبينا فهو ثابت عند أعدائه لا نزاع. فيه فكانوا يسمونه بالصادق الأمين ولذلك وبخهم الله في تكذيبهم له بقوله:{أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون} [المؤمنون: 69]

قوله: [الحديث]: أي ونصه: «أن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول شيء خلقه الله؟ فقال هو نور نبيك يا جابر خلقه الله ثم خلق منه كل خير وخلق بعده كل شر، فحين خلقه أقامه قدامه في مقام القرب اثني عشر ألف سنة، ثم جعله أربعة أقسام: فخلق العرش من قسم، والكرسي من قسم، وحملة العرش وخزنة الكرسي من قسم، وأقام القسم الرابع في مقام الحب اثني عشر ألف سنة، ثم جعله أربعة أقسام: فخلق القلم من قسم، والروح من قسم، والجنة من قسم، وأقام القسم الرابع في مقام الخوف اثني عشر ألف سنة، ثم جعله أربعة أجزاء: فخلق الملائكة من جزء، وخلق الشمس من جزء، وخلق القمر والكواكب من جزء، وأقام الجزء الرابع في مقام الرجاء اثني عشر ألف سنة، ثم جعله أربعة أجزاء: فخلق العقل من جزء، والحلم والعلم من جزء، والعصمة والتوفيق من جزء، وأقام الجزء الرابع في مقام الحياء اثني عشر ألف سنة، ثم نظر إليه فترشح ذلك النور عرقاً، فقطرت منه مائة ألف وعشرون ألفاً، وأربعة آلاف قطرة فخلق الله تعالى من كل قطرة روح نبي أو رسول، ثم تنفست أرواح الأنبياء فخلق الله من أنفاسهم نور أرواح الأولياء والسعداء والشهداء والمطيعين من المؤمنين إلى يوم القيامة؛ فالعرش والكرسي من نوري، والكروبيون والروحانيون من الملائكة من نوري، وملائكة السموات السبع من نوري، والجنة وما فيها من النعيم من نوري، والشمس والقمر والكواكب من نوري، والعقل والعلم والتوفيق من نوري، وأرواح الأنبياء والرسل من نوري، والشهداء والسعداء والصالحون من نتائج نوري، ثم خلق الله اثني عشر حجاباً فأقام النور وهو الجزء الرابع في كل حجاب ألف سنة وهي مقامات العبودية، وهي حجاب الكرامة والسعادة والرؤية والرحمة والرأفة والحلم والعلم والوقار والسكينة والصبر والصدق واليقين، فعبد الله ذلك النور في كل حجاب ألف سنة، فلما خرج النور من الحجب ركبه الله في الأرض فكان يضيء بين المشرق والمغرب كالسراج في الليل المظلم، ثم خلق الله آدم من الأرض وركب فيه النور في جبينه ثم انتقل منه إلى شيث ولده،

ص: 536

ولولاه ما خلقتك» الحديث إذ لولا الواسطة لذهب كما قيل الموسوط.

(والعلم بالله تعالى): أي بما يتعلق به من واجب وجائز ومستحيل (وبرسله) كذلك (وشرعه): أي العلم بما بينه من الأحكام (أفضل الأعمال) إذ لا يصح عمل بدون العلم بالله ورسله وبعد العلم بالله ورسله من لم يعرف الأحكام لا يصح له عمل أو لا يتم إلى آخر ما هو مقرر وشرف العلم بشرف متعلقه.

(وأقرب العلماء إلى الله تعالى) قرب رضاً ومحبة بإرادة الإنعام لهم ويقال قرب معنوي ويقال قرب مكانة (وأولاهم به) أي بمعونته ونصرته (أكثرهم له خشية) قيل الخشية والخوف مترادفان وقيل الخشية أخص فهي خوف مقرون بمعرفة فيخاف عقابه مع تعظيمه تعالى بأنه عدل في فعله قال صلى الله عليه وسلم «إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية» (وفيما عنده رغبة) فتراهم لاعتمادهم عليه ظهرت فيهم الصفات الحميدة من الزهد إلخ (الواقف على حدود الله) ما حده وبينه (من الأوامر) بامتثال المأمورات (والنواهي) باجتناب المنهيات (المراقب له في جميع أحواله) الظاهرية والباطنية بإجرائها على قوانين الشرع، فيثمر له اليقين القلبي فيكون من المتقين الممدوحين بقوله تعالى:({إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات: 13]) وقال صلى الله عليه وسلم في وصيته لأصحابه: «أوصيكم بتقوى الله» وقال تعالى: {ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله} [النساء: 131]

(واعلم أن الدنيا دار ممر) محل مرور توصل من وفقه الله لدار القرار إلى آخر ما قال وقال صلى الله عليه وسلم: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل» والغريب لا مقصد له إلا محل وطنه وكذلك عابر السبيل المار بالطريق لا يعتني إلا بما يعينه على السفر فليست دار إقامة إذ دار الإقامة الباقية هي الآخرة كما قال (لا دار قرار) قال تعالى: {إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار} [غافر: 39] وقال تعالى: {وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان} [العنكبوت: 64] الحياة الدائمة.

(وأن مردنا) مرجعنا (إلى الله) فيكرمنا بالإيمان والأعمال وعفوه ورحمته.

(وأن المسرفين هم أصحاب النار) أي الكافرين أصحاب العذاب المؤبد. ومن أسرف بالذنب مع الإيمان ولم يغفر له فهو من أصحاب النار

ــ

وكان ينتقل من طاهر إلى طيب إلى أن وصل إلى صلب عبد الله بن عبد المطلب، ومنه إلى زوجه أمي آمنة، ثم أخرجني إلى الدنيا فجعلني سيد المرسلين وخاتم النبيين ورحمة للعالمين الغر المحجلين هكذا كان بدء خلق نبيك يا جابر». اهـ من شرحنا على صلوات شيخنا المصنف نقلاً عن شيخنا الشيخ سليمان الجمل في أول شرحه على الشمائل عن سعد الدين التفتازاني في شرح بردة المديح عند قوله:

وكل آي أتى الرسل الكرام بها

فإنما اتصلت من نوره بهم

قوله: [ولولاه ما خلقتك. . . الحديث]: أي ونصه كما في ابن حجر: «ورأى أي آدم نور محمد في سرادق العرش واسمه مكتوباً عليها مقروناً باسمه تعالى فسأل الله عنه؟ فقال له ربه: هذا النبي من ذريتك اسمه في السماء أحمد وفي الأرض محمد ولولاه ما خلقتك ولا خلقت سماء ولا أرضاً، وسأله أن يغفر له متوسلاً إليه بمحمد صلى الله عليه وسلم فغفر له» . اهـ.

قوله: [إذ لولا الواسطة]: علة لقوله ولولاه ما كان شيء ولقوله ولولاه ما خلقتك وقوله كما قيل أي قولاً صحيحاً فليست الصيغة للتضعيف للنسبة.

قوله: [وبرسله كذلك]: أي من واجب وجائز ومستحيل فالتشبيه في مطلق الواجب والجائز والمستحيل لا في عين ما ذكر، فإن حقيقتها في حق الله غير حقيقتها في حق الرسل كما هو معلوم من أصل الدين.

قوله: [وشرعه]: معطوف على لفظ الجلالة.

قوله: [إذ لا يصح عمل بدون العلم بالله]: تعليل لأفضليته على سائر الأعمال.

قوله: [لا يصح له عمل أو لا يتم]: أي فتتخلف الصحة إن تخلف شرطها ويتخلف التمام إن تخلف شرطه.

قوله: [وشرف العلم بشرف متعلقه]: أي وهو معنى قولهم العلم يشرف بشرف موضوعه

قوله: [أي بمعونته ونصرته]: من إضافة المصدر لفاعله فالضمير عائد على الله أي بمعونة الله إياهم ونصرته لهم.

قوله: [أكثرهم له خشية]: أي لما في الحديث: «ما فضلكم أبو بكر بكثرة صوم ولا صلاة وإنما فضلكم بشيء وقر في قلبه» .

قوله: [وأشدكم له خشية]: أي وفي رواية: "وأخوفكم منه" وهي تؤيد أن الخشية والخوف مترادفان، وأعظم ما يستدل به على أفضلية أهل الخشية على غيرهم قوله تعالى:{إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر: 28].

قوله: [من الزهد] إلخ: أي والورع والتواضع والحلم وغير ذلك.

قوله: [إن أكرمكم عند الله أتقاكم]: أي أكثركم له تقوى وتقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية» فنبينا أتقى الخلق على الإطلاق وحينئذ فالآية شاهدة بأنه أكرم الخلق على الإطلاق.

قوله: [محل مرور]: تفسير لمعنى ممر.

قوله: [إلى آخر ما قال]: لا معنى له فالمناسب حذفه.

قوله: [الحياة الدائمة]: تفسير لما قبله فالمناسب أن يأتي بأي التفسيرية.

قوله: [وعفوه ورحمته]: أي مصحوباً بعفوه ورحمته؛ لأن الإيمان والأعمال وحدهما لا يكفيان العبد في النجاة بدون العفو والرحمة لما في الحديث الشريف: «لا يدخل أحدكم الجنة بعمله قالوا ولا أنت

ص: 537

ولا يؤبد، نعوذ بالله ونتوسل بنبينا صلى الله عليه وسلم أن يجيرنا من النار. (فينبغي) مستعملة في الوجوب والندب (للعاقل) المتصف بالعقل نور إلى آخر ما هو معلوم فيه من الخلاف (أن يتجافى عن دار الغرور) يتباعد عما يتعلق بها مما هو زينة ظاهرية ونقمة باطنية مما يخالف الشرع فلا يعتني بجمعها قال صلى الله عليه وسلم:«الدنيا دار من لا دار له ومال من لا مال له ولها يجمع من لا عقل له» فيلزم ترك ما يشغل منها والغرور ما يغر ثم يزول وقيل الباطل. قال تعالى: {وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} [آل عمران: 185] أي لذاتها وزخارفها شيء يتمتع به المغرور. ومعلوم أن المغرور مغبون كمن دلس عليه البائع حتى غره في شراء معيب وهذا إن لم يعمل بها للآخرة وإلا فهي ممدوحة (بترك الشهوات) المحرمة والمكروهة بل والمباحة بحيث يصرفها بالنية الحسنة للطاعة قال صلى الله عليه وسلم: «حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات» وقد ورد: أنه قدم لرسول الله صلى الله عليه وسلم سويق اللوز فرده وقال: «هذا طعام المترفهين في الدنيا» وقد أوحى الله إلى داود عليه السلام: حرام على قلب أحب الشهوات أن أجعله إماماً للمتقين. وقال سيدنا علي لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: إن أردت اللحوق بصاحبيك فرقع قميصك واخصف نعلك وقصر أملك وكل دون الشبع. فخطب للناس وعليه إزار فيه ثنتا عشرة رقعة وقدمت إليه حفصة مرقاً بارداً وصبت عليه زيتاً فقال: إدامان في إناء؟ لا آكله حتى ألقى الله عز وجل (والفتور) بالفاء والمثناة فوق: الكسل عما هو مطلوب شرعاً وقد تعوذ من ذلك صلى الله عليه وسلم في حديث دفع الفقر ووفاء الدين الذي علمه للرجل الذي [1] أتعبه الدين كما تقدم.

(ويقتصر على ضرورات) ما تدعو الحاجة الضرورية إليه فيما يتعلق به وبمن تلزمه نفقته تاركاً الفضول المباحات خصوصاً فيما يتعلق باللسان والبطن، أوحى الله إلى سيدنا عيسى على نبينا وعليه وعلى سائر الأنبياء أفضل الصلاة والسلام: إذا كنت وحدك فاحفظ قلبك وإذا كنت بين الناس فاحفظ لسانك وإذا كنت على المائدة فاحفظ بطنك وإذا كنت على الطريق فاحفظ عينك فهذه تورث السلامة والصحة.

(شاكراً) له تعالى بصرف ما أنعم به عليه لما خلق له (ذاكراً) له تعالى بلسانه وقلبه (صابراً) على المكاره قال صلى الله عليه وسلم: «الصبر ثلاثة صبر على المصيبة، وصبر على الطاعة، وصبر عن المعصية؛ فمن صبر على المصيبة حتى يردها

ــ

يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته»

قوله: [ولا يؤبد]: أي لا يخلد فيها قال صاحب الجوهرة:

وجائز تعذيب بعض ارتكب

كبيرة ثم الخلود مجتنب

قوله: [مستعملة في الوجوب والندب]: أي فالوجوب في التجافي عن المحرمات والندب في التجافي عن المكروهات وخلاف الأولى.

قوله: [إلى آخر ما هو معلوم]: أي نور يقذفه الله في القلب، وله شعاع متصل بالدماغ تدرك به النفس العلوم الضرورية والنظرية هذا هو أشهر الأقوال.

قوله: [من لا دار له]: أي في الآخرة.

قوله: [من لا مال له]: أي في الآخرة.

وقوله: [من لا عقل له]: أي كاملاً.

قوله: [فيلزم ترك ما يشغل منها]: أي يجب ترك كل مشغل عن الله حيث كان في الشغل به ضياع الواجبات والوقوع في المحرمات.

قوله: [كمن دلس عليه البائع] إلخ: قال في بردة المديح في هذا المعنى:

ويا خسارة نفس في تجارتها

لم تشتر الدين بالدنيا ولم تسم

ومن يبع عاجلاً منه بآجله

يبن له الغبن في بيع وفي سلم

قوله: [وإلا فهي ممدوحة]: أي لما في الحديث الشريف: «نعم المال الصالح في يد الرجل الصالح» .

قوله: [حفت الجنة بالمكاره] إلخ: مثال وكناية كأن الجنة لما كانت لا تنال إلا بالخروج عن الشهوات في مراضي الرب، مثلت بمدينة فيها من كل التحف لكن حولها آفات وعقبات فلا يصل إليها إلا من تحمل المكاره، ولما كان تتبع الشهوات مدخلاً للنار مثلت النار بمدينة احتوت على جميع المكاره وحولها زخارف وبساتين فتدبر قال تعالى:{فأما من طغى* وآثر الحياة الدنيا * فإن الجحيم هي المأوى * وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هي المأوى} [النازعات: 37 - 41].

قوله: [وقال سيدنا علي] إلخ: أي على عادة وعظ العلماء للأمراء.

قوله: [بصاحبيك]: يعني بهما النبي المصطفى وأبا بكر.

قوله: [فخطب للناس]: أي وهو أميرهم حينئذ وكان بعضها من آدم كما في السير.

قوله: [وقدمت إليه حفصة]: أي بنته وهي إحدى أمهات المؤمنين رضي الله عنهن.

قوله: [في حديث دفع الفقر]: أي الذي هو قوله اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن إلخ.

قوله: [تورث السلامة]: أي من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.

وقوله: [والصحة]: أي في البدن وهي مترتبة على حفظ البطن.

قوله: [صابراً على المكاره]: أي متحملاً للمكاره وهي كل ما لا يوافق الطبع.

قوله: [على المصيبة]: أي المكاره الدنيوية وإلا فالمعصية من أكبر المصائب ومعنى الصبر على المصيبة تجرع مرارتها مع الاسترجاع قال تعالى: {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون} [البقرة: 156] الآية.

قوله: [وصبر على الطاعة]: أي المداومة عليها مع عدم السآمة منها.

قوله: [وصبر عن المعصية]: أي وهو عدم الإلمام مع الخروج عن شهوتها قال

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

ليست في ط المعارف.

ص: 538

بحسن عزائها كتب الله له ثلاثمائة درجة ما بين الدرجة والدرجة كما بين السماء والأرض، ومن صبر على الطاعة كتب الله له ستمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش، ومن صبر عن المعصية كتب الله له تسعمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش مرتين» ويعين على الصبر خصوصاً فيما يتعلق بالناس كثرة الحلم كشيخنا المصنف عليه سحائب رحمة الله؛ وانظر ما وقع من الجارية التي صبت الماء لسيدنا علي ابن سيدنا الحسين رضي الله عنه في الوضوء ليتهيأ للصلاة فوقع الإبريق من يدها على وجهه فشجه فرفع بصره لها فقالت إن الله عز وجل يقول:{والكاظمين الغيظ} [آل عمران: 134] قال: كظمت غيظي فقالت: {والعافين عن الناس} [آل عمران: 134] فقال: عفا الله عنك فقالت: {والله يحب المحسنين} [آل عمران: 134] فقال: اذهبي أنت حرة لوجه الله، والصبر: الاستعانة بالله والوقوف معه تعالى بحسب الأدب والصبر على الطلب عنوان الظفر، وعلى المحن عنوان الفرج. ومن أعظم الصبر الصبر على مخالفة شهوات النفس من حب الرياسة والمحمدة والرياء.

(مسلماً لله أمره) فإن من سلم لله أمره أراح قلبه ونال مراده، ومن لم يسلم لا يفيده إلا الوبال ولا بد من نفوذ مراده تعالى، والأحاديث في ذلك كثيرة منها:«يا عبدي إن رضيت بما قسمت لك أرحت بدنك وقلبك وكنت عندي مرضياً، وإن لم ترض بما قسمت لك سلطت عليه الدنيا تركض فيها كركض الوحش في البرية وأتعبت بدنك وقلبك، وكنت عندي مذموماً ولا يكون إلا ما قسمت لك» أو كما قال فمن سلم لله أمره كان من المتقين الذين يرزقهم الله كما قال تعالى: ({ومن يتق الله} [الطلاق: 2]) بامتثال مأموراته واجتناب منهياته، نسأل الله التوفيق لذلك. ({يجعل له مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب، ومن يتوكل على الله فهو حسبه} [الطلاق: 2 - 3]) فرجاً وخلاصاً من مضار الدارين وفوزاً بخيرهما. روي أن سالم بن عوف أسره العدو فشكا أبوه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له صلى الله عليه وسلم:«اتق الله، وأكثر قول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم» ففعل فبينما هو في بيته إذ قرع ابنه الباب ومعه مائة من الإبل غفل عنها العدو فاستاقها.

(والنية الحسنة روح العمل

ــ

في هذا المعنى أبو الحسن الشاذلي: وصبرنا على طاعتك وعن معصيتك وعن الشهوات الموجبات للنقص أو البعد عنك.

قوله: [بحسن عزائها]: أي وهو استرجاعه إلى الله بالقلب واللسان.

قوله: [كتب الله له] إلخ: هذا كناية عن سعة المجازاة والدليل القاطع في ذلك: قوله تعالى {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} [الزمر: 10] وإنما تفاوتت تلك المراتب؛ لأن الأجر تابع لعظم المشقة فيؤخذ من الحديث أن الدوام على الطاعة أشق من الصبر على المصيبة، وهجر المعاصي دواماً أشق من الدوام على الطاعات؛ لأنه يوجد كثيراً من يديم الذكر مع كونه لا يملك نفسه في هجر المعاصي وفي الحديث:«أفضل الهجرة أن تهجر الحرام» ، وقد مدح الله صاحب هذا المقام بقوله:{وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هي المأوى} [النازعات: 40 - 41].

قوله: [ويعين]: فعل مضارع وكثرة الحلم فاعله.

قوله: [لسيدنا علي ابن سيدنا الحسين]: أي وهو الملقب بزين العابدين الذي قال فيه الشاعر:

يغضي حياء ويغضى من مهابته

فلا يكلم إلا حين يبتسم

وهذه الواقعة كما تدل على حلم سيد الجارية وكرمه تدل على حسن ذكائها كما قال في الهمزية:

وما أحسن ما يبلغ المنى الأذكياء

قوله: [والصبر]: أي الكامل الشامل للأقسام الثلاثة

قوله: [والوقوف معه]: أي مع أحكامه خيرها وشرها حلوها ومرها.

قوله: [على الطلب]: أي على ما يطلب ويقصد من خير الدنيا والآخرة.

وقوله: [عنوان الظفر]: أي علامة على حصوله وهو بالظاء المشالة محركاً الفوز.

قوله: [وعلى المحن]: أي المكاره الدينية والدنيوية.

قوله: [أراح قلبه]: أي من العناء وقد قلت في هذا المعنى:

أرح قلبك العاني وسلم له القضا

تفز بالرضا فالأصل لا يتحول

علامة أهل الله فينا ثلاثة

إيمان وتسليم وصبر مجمل

قوله: [منها يا عبدي] إلخ: هذا حديث قدسي محكي عن الله ومنها أيضاً: «يا عبدي أنت تريد وأنا أريد ولا يكون إلا ما أريد، فإن سلمت لي ما أريد أعطيتك ما تريد، وإن لم تسلم لي ما أريد أتعبتك فيما تريد ولا يكون إلا ما أريد» .

قوله: [أرحت بدنك]: يصح بحسب المعنى فيه وفي قوله وأتعبت فتح التاء وضمها وانظر الرواية.

قوله: [كركض الوحش في البرية]: كناية عن كونه مهملاً معدوداً من الأخيار.

قوله: [روي أن سالم بن عوف]: أي وهو أخو عبد الرحمن بن عوف أحد العشرة المبشرين بالجنة، وهذا شاهد على أن من يتقي الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب.

قوله: [والنية الحسنة روح العمل]: أي فصور الأعمال كالأجساد والنية الحسنة روحها، فكما أن الجسم لا قوام له بدون روحه كذلك لا قوام لصور الأعمال الصالحة بدون حسن النية، والدليل على ذلك

ص: 539

ولربما قلبت المعصية طاعة وكثرة ذكر الله تعالى موجبة لنور البصيرة) من غير تحديد بعدد مخصوص قال تعالى: {والذاكرين الله كثيراً والذاكرات} [الأحزاب: 35] الآية. وقال شيخنا الأمير عن شيخنا المصنف: من ذكر ثلاثمائة يقال ذكر الله كثيراً فيدخل في الآية. وصلاة التسابيح فيها ثلاثمائة تسبيحة وثلاثمائة تحميدة إلخ. فمن فعلها كتب من المسبحين كثيراً الحامدين كثيراً إلخ اهـ

ــ

قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» .

قوله: [ولربما قلبت المعصية طاعة]: كالدليل لما قبله، ورب هنا للتكثير أو للتحقيق وذلك كالكذب، فإنه معصية وتقلبه النية الحسنة طاعة. فتارة يكون واجباً كما في الكذب للتخليص من المهالك، وتارة يكون مندوباً كما في الكذب للإصلاح بين المتشاحنين، وهذا قلب لحقيقتها حال وقوعها، وتارة يكون قلبها بعد وقوعها بوصف العصيان كما إذا أورثته أحزاناً وإقبالاً وندماً وأسفاً وهو معنى قول صاحب الحكم: رب معصية أورثت ذلاً وانكساراً خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً، وقال تعالى:{إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات} [الفرقان: 70] ويحتمل أن مراد الشيخ وقوع المعاصي من أهل الحقيقة الذين يطالعون الغيب فيشاهدون الأمر مبرماً بالمعصية فيقدمون عليه امتثالاً للمبرم لاستحالة تخلفه فقدومهم على المعصية بالإكراه كالساقط من شاهق، ففي الصورة يرى مختاراً وهو يشاهد سلب الاختيار عن نفسه وهذا المعنى قد شرحه العارف الجيلي بقوله:

ولي نكتة غراً هنا سأقولها

وحق لها أن ترعويها المسامع

هي الفرق ما بين الولي وفاسق

تنبه لها فالأمر فيه بدائع

وما هو إلا أنه قبل وقعه

يخبر قلبي بالذي هو واقع

فأجني الذي يقضيه في مرادها

وعيني لها قبل الفعال تطالع

فكنت أرى منها الإرادة قبل ما

أرى الفعل مني والأسير مطاوع

إذا كنت في أمر الشريعة عاصياً

فإني في حكم الحقيقة طائع

وعلى هذا المعنى تحمل الوقائع الخضرية ووقائع إخوة يوسف معه وأكل آدم من الشجرة فتأمل إن كنت من أهل النور وإلا فسلم لأهله مقالهم كما قال الشاعر:

وإذا لم تر الهلال فسلم

لأناس رأوه بالأعيان

قوله: [قال تعالى والذاكرين الله كثيراً]: إن قلت إن الآية تدل على غفران الذنوب وعظم الأجر والمصنف أخبر بأن كثرة الذكر توجب نور البصيرة فلم يكن الدليل مطابقاً للدعوى؟ وأجيب بأن غفران الذنوب وعظم الأجر يستلزم نور البصيرة قال الشاعر:

إنارة العقل مكسوف بطوع هوى

وعقل عاصي الهوى يزداد تنويرا

قوله: [فيدخل في الآية]: أي فيتحقق له الوعد الذي في الآية والمراد أنه يذكر ذلك العدد ولو في العمر مرة، لكن العارفون جعلوا ذلك العدد كل يوم وليلة، وهذا أقل الذكر عند العامة، وأما ذكر المريدين فأقله اثنا عشر ألفاً في اليوم والليلة، وأما ذكر الواصلين فهو عدم خطور غيره تعالى ببالهم كما قال العارف ابن الفارض

ولو خطرت لي في سواك إرادة

على خاطري يوماً حكمت بردتي

قوله: [وثلثمائة تحميدة] إلخ: أي وثلثمائة تهليلة وثلثمائة تكبيرة.

قوله: [الحامدين كثيراً] إلخ: أي المهللين كثيراً المكبرين كثيراً. وصفة صلاة التسابيح التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم لعمه العباس وجعلها الصالحون من أوراد طريقهم وورد في فضلها أن من فعلها ولو مرة في عمره يدخل الجنة بغير حساب أن يصلي أربع ركعات في وقت حل النافلة ليلاً أو نهاراً والأفضل أن تكون في آخر الليل خصوصاً ليلة الجمعة خصوصاً في رمضان يقرأ في الركعة الأولى أم القرآن وشيئاً من القرآن ويقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمسة عشر، ثم يركع فيقولها عشراً، ثم يرفع فيقولها

ص: 540

وقد طلب صلى الله عليه وسلم الذكر فقال: «لا يجلس قوم مجلساً لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم إلا كان عليهم ترة يوم القيامة» قوله: "ترة" بمثناة فوق ثم راء مهملة: النقص وقال صلى الله عليه وسلم: «ليس يتحسر أهل الجنة إلا على ساعة مرت عليهم لم يذكروا الله فيها» وقال صلى الله عليه وسلم: «ذكر الله شفاء القلوب» قال الشعراني عن داود الطائي رحمهم الله: كل نفس تخرج من الدنيا عطشانة إلا نفس الذاكرين، وقال ثابت البناني رحمه الله: إني لأعرف متى يذكرني الله تعالى. قيل له: وكيف ذلك؟ فقال: إذا ذكرته تعالى ذكرني قال تعالى: {فاذكروني أذكركم} [البقرة: 152] وورد: «ليس أحد أبغض عند الله ممن كره الذكر والذاكرين» .

(وأفضله: لا إله إلا الله) لقوله صلى الله عليه وسلم: «أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله» وقال صلى الله عليه وسلم: «لكل شيء مصقلة، ومصقلة القلب الذكر، وأفضل الذكر لا إله إلا الله» قال شيخنا العلامة الأمير في رسالة في ذلك: اعلم أن جميع كلمة التوحيد مرققة ولا يفخم منها إلا لفظ الجلالة فقط، ولا يجوز في الأفصح نقص المد في أداة النفي التي بعدها الهمزة عن ثلاث حركات، وتجوز لزيادة [1] فيه إلى ست حركات، وما بين ذلك واسع، والحركة مقدار ضم الأصبع أو فتحه بسرعة. وأما مد كلمة الجلالة فلا يجوز نقصه عن حركتين؛ وهو المد الطبيعي الذي لا تتحقق طبيعة الحرف بدونه. ثم إن اتصلت كلمة الجلالة بشيء، نحو: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو تكرر كلمة التوحيد مراراً فلا تزاد عن حركة المد الطبيعي. وأما إذا سكنت هاء الجلالة للوقف فتجوز الزيادة والمد لست حركات ويجوز التوسط. وأقصى ما نقل عن القراء المد إلى أربع عشرة حركة ولو في الوجوه الشاذة وقد نهى العلماء عن الوقف على لا إله لما فيه من إيهام التعطيل بل يصله بقوله: إلا الله بسرعة؛ ولا تفخم أداة النفي ولا يضم الشفتين عند النطق بها ولا تبدل الهمزة ياء ولا يزيد مداً له عن الطبيعي وليحذر من مد همزة الله لئلا يصير استفهاماً وهو واقع ممن يذكر الله

ــ

عشراً، ثم يسجد فيقولها عشراً، ثم يرفع بين السجدتين فيقولها عشراً، ثم يسجد الثانية فيقولها عشراً، ثم يرفع من السجدة الأخيرة فيقولها عشراً، إما بعد القيام وقبل القراءة أو قبل القيام ثم يفعل في الركعة الثانية مثل ذلك ويقول العشرة الأخيرة وهو جالس قبل التشهد.

والأفضل في مذهبنا أن يسلم من ركعتين ثم يأتي بالركعتين الأخيرتين بنية وتكبير ويفعل فيهما كما فعل في الأوليين، ثم بعد السلام من الأربع يدعو بالدعاء الوارد في الحديث وهو:«اللهم إني أسألك توفيق أهل الهدى وأعمال أهل اليقين، ومناصحة أهل التوبة وعزم أهل الصبر، وجد أهل الخشية وطلب أهل الرغبة، وتعبد أهل الورع وعرفان أهل العلم، اللهم إني أسألك مخافة تحجزني بها عن معاصيك حتى أعمل بطاعتك عملاً أستحق به رضاك وحتى أناصحك في التوبة خوفاً منك، وحتى أتوكل عليك في الأمور كلها حسن ظن بك سبحان خالق النور» .اهـ. وحكمة اختيارهم هذا الحديث في الدعاء؛ لأن فيه ترقي المراتب إلى مقام الجمعية بالله يعرف هذا من فهم معنى الحديث، وهذه الكيفية التي كان يأمرنا بها شيخنا المصنف.

قوله: [وقد طلب صلى الله عليه وسلم]: الطلب هنا بطريق اللازم؛ لأن الذي في الحديث وعيد على ترك الذكر.

قوله: [بمثناة فوق]: أي مكسورة.

وقوله: [النقص]: أي الدرجات عن مراتب الأخيار.

قوله: [شفاء القلوب]: أي من الداء الحسي والمعنوي.

قوله: [إلا نفس الذاكرين]: أي فإنهم يموتون ولسانهم رطب بذكر الله.

قوله: [قال تعالى فاذكروني أذكركم]: معنى ذكر الله لعبده ترادف رحمته وإنعاماته عليه وإشهار الثناء الجميل عليه في الأرض وفي السماء لما في الحديث القدسي: «من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملإ خير منه» وورد أيضاً: «إن الله إذا أحب عبداً نادى جبريل فقال إني أحب فلاناً فأحبه ثم ينادي جبريل في السماء إن الله يحب فلاناً فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض» .

قوله: [ممن كره الذكر والذاكرين]: أي ويقال: إن كانت تلك الكراهة بغضاً في الله وأهل الذكر فهو كافر مخلد في النار إن مات على ذلك، ويكون ممن يقول الله لهم يوم القيامة:{إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين - فاتخذتموهم سخريا} [المؤمنون: 109 - 110] الآية. وإن كان لكسل منه فهو عاص.

قوله: [أن جميع كلمة التوحيد]: أي حروف كلمتها.

قوله: [عن ثلاث حركات]: أي لأنه مد منفصل.

قوله: [الذي لا تتحقق طبيعة الحرف بدونه]: بيان لوجه تسميته طبيعياً.

قوله: [وأقصى ما نقل عن القراء المد إلى أربع عشرة حركة]: أي وعليه يتخرج ما ورد أن «من قال لا إله إلا الله ثلاثاً بمد لا أربع عشرة حركة ولفظ الجلالة ستاً كفرت عنه أربعة آلاف كبيرة» .

قوله: [لما فيه من إيهام التعطيل]: أي لأنه يوهم عدم الألوهية من أصلها.

قوله: [ولا تفخم أداة النفي]: هذا معلوم من قوله فيما تقدم: اعلم أن جميع كلمة التوحيد مرققة.

قوله: [ولا يزيد مداً له عن الطبيعي]: أي ولا ينقص عنه.

قوله: [لئلا يصير استفهاماً]: أي حيث مدها

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

كذا في ط. الحلبي والمعارف، ولعل الصواب:(الزيادة).

ص: 541

ويدعي ما لا يجوز، ويأكلون بعض حروف هذه الكلمة المشرفة، وربما لم يسمع منهم إلا أصوات ساذجة وليس كلامنا مع العارفين الذين يعرفون الوجوه والذين يغيبون؛ إذ الغائب عن نفسه لا لوم عليه إلى آخر ما قال أنعم الله عليه. وكذلك يحذر من ترك الهاء من الله. فإذا ذكر ذكراً شرعياً أورث له الأنوار والثواب الأعظم. وقد ورد ما يدل على عظيم فضل الذاكر والذكر وبغض الله من يبغض الذاكرين فقال صلى الله عليه وسلم:«من قال لا إله إلا الله صباحاً ثم قالها مساء نادى مناد من السماء ألا أقرنوا الأخرى بالأولى» وقال صلى الله عليه وسلم: «ما من حافظين رفعا إلى الله ما حفظا من عمل العبد في ليل أو نهار فيرى في أول الصحيفة خيراً وفي آخرها خيراً، إلا قال الله تعالى للملائكة: اشهدوا أني قد غفرت لعبدي ما بين طرفي الصحيفة» ، وقال صلى الله عليه وسلم:«إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله تعالى» وقال صلى الله عليه وسلم: «لكل شيء مفتاح ومفتاح السموات والأرض قول لا إله إلا الله» أي تفتح بركاتهما بها وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا قال العبد المسلم: لا إله إلا الله خرقت السموات حتى تقف بين يدي الله فيقول: اسكني، فتقول: كيف أسكن ولم تغفر لقائلي؟ فيقول: ما أجريتك على لسانه إلا وقد غفرت له» ولا يخفى عليك تنزهه تعالى عن المكان والجارحة وعدم تمثل المعاني وقال صلى الله عليه وسلم: «لا إله إلا الله ترفع عن قائلها تسعة وتسعين باباً أدناها الهم» وفي رواية: "اللمم" وقال صلى الله عليه وسلم: «لولا من يقول لا إله إلا الله لسلطت جهنم على أهل الدنيا» وقال صلى الله عليه وسلم: «من قال: لا إله إلا الله، كانت له كفارة لكل ذنب» وورد: «ما عاداني أحد مثل من عادى الذاكرين» كما تقدم فنعوذ بالله من بغض أهل الله المشغولين بذكره، وبالضرورة من يذكر المنعم عليك الرؤوف الرحيم فإنك تحبه ولا يبغض ذاكره إلا لئيم شقي وكيف يكره من في قلبه إيمان ذكر الكلمة الطيبة والكلم الطيب والقول السديد. والقول الصواب وكلمة التقوى ودعوة الحق والعمل الصالح والحسنة والإحسان

ــ

مفتوحة وهذا لا يكون إلا في ذكر الجلالة مفرداً، وأما في حالة التهليل فقد يمدون الهمزة الداخلة على إلا الله مكسورة وهو أيضاً لحن فاحش.

قوله: [ويدعي ما لا يجوز]: أي يدعي دليلاً لا يجوز الاستدلال به كأن يقول هكذا طريقة شيخنا، والحال أن شيخه غير عارف أو عارف أو ولم يثبت النقل عنه.

قوله: [الذين يعرفون الوجوه]: أي كما نقل عن سيدي محمد الدمرداش أنه يذكر اسم الجلالة ممدود الهمزة على صورة المستفهم فمثل هذا له وجه صحيح يقصده ويقلد فيه، وقد سئلت عن ذلك فألهمني الله أن الشيخ يجعل الهمزة للنداء كما قال ابن مالك والهمزة للداني.

قوله: [إذ الغائب عن نفسه لا لوم عليه]: أي كما قال العارف:

وبعد الفنا في الله كن كيفما تشا

فعلمك لا جهل وفعلك لا وزر

وقال ابن التلمساني:

فلا تلم السكران في حال سكره

فقد رفع التكليف في سكرنا عنا

فمن لم يكن متصفاً بآداب الذكر وادعى الحال نتركه فإن يك كاذباً فعليه كذبه.

قوله: [وبغض الله]: بالجر معطوف على عظيم.

قوله: [ألا أقرنوا الأخرى بالأولى]: أي فالمراد محو ما بين الكلمتين من الذنوب.

قوله: [قال الله للملائكة]: لعلهم الملائكة الموكلون بالأعمال.

قوله: [يبتغي بها وجه الله]: أي لا بقصد رياء ولا سمعة ولا تقية من أمور الدنيا كالمنافقين.

قوله: [أي تفتح بركاتهما بها]: أي لقوله تعالى: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض} [الأعراف: 96]

قوله: [ولا يخفى عليك تنزهه]: جواب عن سؤال كأن قائلاً قال: إن هذا الحديث يوهم المكان لله واليد له وتصير المعاني أجساماً. فأجاب بأن هذا مؤول لقول صاحب الجوهرة:

وكل نص أوهم التشبيها

أوله أو فوض ورم تنزيها

فيؤول قوله حتى تقف بين يدي الله بأن معناه بين يدي الملائكة، ولا مانع من تمثيل المعاني على الصحيح أو أن الذي يخرق السموات الملك الصاعد بها. فقول الشارح وعدم تمثل المعاني صوابه حذف عدم وقولهم يستحيل قلب الحقائق يجاب عنه بأن المراد بها أقسام الحكم العقلي بأن يصير الواجب جائزاً أو مستحيلاً مثلاً.

قوله: [تسعة وتسعين باباً]: أي من البلايا كما ورد التصريح به في رواية أخرى.

قوله: [وفي رواية اللمم]: بالفتح مصدر أي ما ألم بالشخص ونزل به من حوادث الدهر.

قوله: [كانت له كفارة لكل ذنب]: ظاهره حتى للكبائر ولذلك اتخذها العارفون عتاقة واختاروا أن تكون سبعين ألفاً؛ لأنه ورد بها أثر كما نقل عن الشيخ السنوسي.

قوله: [كما تقدم]: أي ما يفيد معناه في قوله ليس أحد أبغض عند الله ممن كره الذكر والذاكرين.

قوله: [ولا يبغض ذاكره]:

ص: 542

كما فسرت به الآيات قال تعالى: {مثل [1] كلمة طيبة كشجرة طيبة} الآية، على أن الشجرة الطيبة تؤتي أكلها كل حين. وكلمة لا إله إلا الله تؤتي أسراراً وأنواراً وبركة كل لحظة يدرك ذلك أهلها، اللهم ألحقنا بهم واملأ قلوبنا من حبهم.

(فعلى العاقل): المتصف بالعقل الراجح (الإكثار من ذكرها) بدون حد (حتى تمتزج بلحمه ودمه): هذا معنى يدركه أربابه من كثرة إجرائها على الألسن والتفكر في معناها والعمل بمقتضى المعنى، فإنه إذا علم أنه لا إله غيره تعالى وأنه المنفرد بالإيجاد والإحسان والنفع والضر بلا غرض ولا شريك نشأ له تعلق به تعالى واعتماد عليه دون غيره فظهرت عليه أنوار معنوية وحسية (فيتنوع من مجمل نورها عند امتزاجها بالروح والبدن جميع أنواع الأذكار الظاهرية والباطنية التي منها التفكر في دقائق الحكم المنتجة لدقائق الأسرار) فيصير من أهل الحضرة الشاهدين الحاضرين مع الناس بأبدانهم الغائبين في حبه؛ كشيخنا المصنف أنعم الله عليه. وما زال يترقى في أحوال لا تدرك وذلك سر سرى له من سيد الكائنات صلى الله عليه وسلم وما ترقى الولي [2] لحال إلا رأى الحال الذي كان عليه، وإن كان حسناً، إلا نقصاً؛ وراثة من قوله صلى الله عليه وسلم:«إنه ليغان على قلبي حتى أستغفر الله سبعين مرة» وهو غين أنوار لا غين أغيار فكان صلى الله عليه وسلم يترقى في أحوال المعالي فمتى ترقى لحال رأى الحال المنقول عنه نقصاً بالنسبة للحال المنقول إليه، فيستغفر منه وهو محمل قولهم: حسنات الأبرار سيئات المقربين.

ــ

أي ذاكر المنعم عليك الرؤوف.

قوله: [كما فسرت به الآيات]: أي آية: {مثلا كلمة طيبة} [إبراهيم: 24] وآية: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} [فاطر: 10] وآية: {وقولوا قولاً سديداً} [الأحزاب: 70] وآية: {وقال صواباً} [النبأ: 38]، وآية:{وألزمهم كلمة التقوى} [الفتح: 26] وآية: {له دعوة الحق} [الرعد: 14] وآية: {من جاء بالحسنة} [النمل: 89] وآية: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} [الرحمن: 60].

قوله: [فعلى العاقل]: أي يلزمه شرعاً وعقلاً وطبعاً كما قال العارف:

ثنائي عليك يا مليحة واجب

وحبي لك فرض على كل أجزائي

قوله: [حتى تمتزج بلحمه ودمه]: أي يمتزج حب مدلولها المقصود وهو ما بعد إلا فيسري في البدن كسريان الماء في العود الأخضر كما أفاد هذا في الحديث: «كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها» ، وهذه المحبة هي المداومة التي قال فيها ابن الفارض:

شربنا على ذكر الحبيب مدامة

سكرنا بها من قبل أن يخلق الكرم

إلى آخر ما قال.

قوله: [والعمل بقتضي المعنى]: أي الخدمة على حسب ما شاهد من جمال الله وجلاله كما قال العارف الدسوقي:

قد كان في القلب أهواء مفرقة

فاستجمعت مذ رأتك العين أهوائي

تركت للناس دنياهم ودينهم

شغلاً بحبك يا ديني ودنيائي

قوله: [أنوار معنوية]: أي وهي العلوم الربانية.

وقوله: [وحسية]: أي وهي صفرته ونحولته وما في معنى ذلك.

قوله: [من مجمل نورها]: وهي من إضافة الصفة للموصوف والمراد بنورها المجمل معناها الذي يستحضره التالي.

قوله: [جميع أنواع الأذكار]: أي كما قال صاحب الهمزية:

وإذا حلت الهداية قلباً

نشطت في العبادة الأعضاء

قوله: [التي منها التفكر]: صفة للباطنية، وفي الحقيقة التفكر هو أفضل الأذكار؛ لأن به تنفجر ينابيع الحكم قال أبو الحسن الشاذلي: ذرة من عمل القلوب خير من مثاقيل الجبال من عمل الأبدان.

قوله: [الحكم]: المراد بها صنعه تعالى قال في الجوهرة:

فانظر إلى نفسك ثم انتقل

للعالم العلوي ثم السفلي .... تجد به صنعا بديع الحكم

قوله: [وما زال يترقى]: أي صاحب هذا المقام.

قوله: [في أحوال لا تدرك]: أي لغيره ممن لم يذق مذاقه كما قال العارف البكري:

فحمانا كالسما وسما

ما رقاه غير أواب

دونه قطع الرقاب فقم

أيها الساري على الباب

قوله: [وذلك سر سرى]: أي الترقي في المقامات.

قوله: [إلا نقصاً]: الصواب حذف إلا.

قوله: [حتى أستغفر الله]: أي في اليوم والليلة كما ورد التصريح به في رواية أخرى.

قوله: [وهو غين أنوار]: أي حجب أنوار يزيد بعضها في النور على بعض، فحين يعلو لمقام الأنوار يستغفر من الأنقص نوراً؛ لأنه ورد أن بين العبد وربه سبعين ألف حجاب منها ما هو نوراني ومنها ما هو ظلماني، فالظلمانية هي حجب الأغيار وليست مرادة؛ لأنها لغير الواصلين، وهذا التفسير الذي قاله الشارح قاله أبو الحسن الشاذلي نقلاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه في المنام فقال له ما معنى قولك في الحديث إنه ليغان على قلبي؟ فقال غين أنوار لا غين أغيار يا مبارك.

قوله: [وهو غين أنوار]: ليس من الحديث بل هو تفسير له.

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

كذا في ط. الحلبي والمعارف، وفي قراءة حفص عن عاصم:{مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة} [إبراهيم: 24].

[2]

في ط المعارف: (لولي).

ص: 543

(ومنها التفكر في دقائق الكتاب والسنة الموصل لمعرفة الأحكام الشرعية): كما وقع للأئمة المجتهدين رضي الله عنهم ومن تبعهم (ومنها مراقبة الله) التفكر في أمره ونهيه وجلاله (عند كل شيء حتى لا يستطيع [1] يفعل المنهي عنه) حياء من الله. (ومنها طمأنينة القلب بكل ما وقع في العالم) لعلمه أن كل شيء بمراد مالكه، وهل إرادة العبد وقوع شيء لم يرد الله وقوعه تفيد؟ أو إرادته عدم وقوع شيء أراد المالك وقوعه تفيد؟ كلا والله لا يكون إلا ما يريد جل وعلا فحينئذ يرضى العبد بمراد سيده في ملكه (من غير انزعاج ولا اعتراض فيتم له التسليم للعليم الحكيم): فيفوز بكونه محبوباً غير مذموم. واعلم أن التسليم والاستسلام والانقياد والتفويض مترادفة، وهو أن يفوض العبد اختياره إلى اختيار مولاه ويرضى بما يختاره مولاه، وقيل: التفويض قبل نزول القضاء، والتسليم بعد نزوله. (ومنها: وفور محبة الله) فيصير من أهل المحو والإثبات؛ فيمحو أوصاف العادة وينسلخ عن كل وجود غير وجود الحق وتثبت له صفات التيقظ الموصلة إلى الله تعالى (حتى) صارت نفسه مطمئنة روحانية فيثمر لها أن (تميل إلى عالم) بفتح اللام (الغيب والقدس) عالم الغيب: ما غاب عن المشاهدة بالنظر للخلق؛ فمثل الجنة المقدسة عن شوائب الكدر من عالم الغيب (أكثر من ميلها إلى عالم الشهادة والحس) عطف مرادف. (فـ) بسبب وفور المحبة إلخ (تشتاق) الاشتياق محبة خاصة وجدانية (إلى لقائها باريها) ومربيها والمحسن إليها (أكثر من اشتياقها لأمها وأبيها) لما عرفته من الصواب وحقيقة الحال، وأنه النافع الباقي الذي لا يعادل إحسانه ومشاهدته شيء وهذا فيه عقيدة الرؤية المثبتة عند أهل السنة المصدقين بها لأدلة قرآنيةلا تصرف عن ظاهرها ولأحاديثه صلى الله عليه وسلم.

(فإذا تم أجلها) الذي قدره الله في الأزل

ــ

قوله: [ومنها]: أي من الباطنية قوله: [التفكر في دقائق الكتاب والسنة] إلخ: أي على طبق القواعد العقلية والنقلية.

قوله: [ومنها مراقبة]: أي من الباطنية أيضاً.

قوله: [حياء من الله]: أي فيمنعه الحياء من الله وإن لم يخطر بباله خوف العقاب.

قوله: [ومنها طمأنينة القلب]: أي من الباطنية أيضاً.

قوله: [وهل إرادة العبد وقوع شيء] إلخ: كلام ركيك فالأوضح أن يقول وإن إرادة العبد لا تفيد شيئاً.

قوله: [فيفوز بكونه محبوباً غير مذموم]: أي لأنه ورد: " من رضي له الرضا ومن سخط له السخط " قال العارف:

فاز من سلم الأمور إليه

وشقي من غره الإنكار

قوله: [ومنها وفور محبة الله]: أي من الباطنية أيضاً وإضافة وفور لما بعده من إضافة الصفة للموصوف أي محبة الله الوافرة الزائدة عن محبة العوام؛ لأن جميع الخلق يحبون الله، وإنما تتميز الخواص بالزيادة.

قوله: [فيمحو أوصاف العادة] إلخ: تفسير لمعنى المحو والإثبات.

قوله: [ينسلخ عن كل وجود]: أي عن الشغل بوجود شيء سوى الله كما قال بعض العارفين:

الله قل وذر الوجود وما حوى

إن كنت مرتاداً بلوغ كمال

فالكل دون الله إن حققته

عدم على التفصيل والإجمال

من لا وجود لذاته من ذاته

فوجوده لولاه عين محال

قوله: [مطمئنة روحانية]: المطمئنة هي التي سكنت للقضاء والقدر والروحانية هي التي تجردت عن الطباع الشهوانية وصار الحكم لمجرد الروح.

قوله: [عطف مرادف]: أي فالشهادة هي الحس؛ لأنه يشاهد بإحدى الحواس.

قوله: [الاشتياق محبة خاصة وجدانية]: المناسب أن يفسره بتولع قلب المحب بلقاء المحبوب.

قوله: [الذي لا يعادل إحسانه]: أي الذي لا يماثل وشيء فاعل يعادل وإحسانه ومشاهدته مفعول.

قوله: [وهذا فيه عقيدة الرؤية]: أي لأنه ما عظم اشتياقهم إلا لاعتقادهم أنهم يرونه بعين البصر في الآخرة كما قال الشافعي: لولا اعتقادي أني أراه في الآخرة ما عبدته وفي الحقيقة اشتياق أهل الله للرؤية المعجلة في الدنيا وهي رؤية القلب بمعنى شهوده بعين البصيرة، ورؤية البصر في الآخرة كما قال ابن الفارض:

فيا رب بالخل الحبيب محمد

نبيك وهو السيد المتواضع

أنلنا مع الأحباب رؤيتك التي

إليها قلوب الأولياء تسارع

قوله: [لأدلة قرآنية] منها قوله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة} [القيامة: 22 - 23] ومنها: {إن الأبرار لفي نعيم * على الأرائك ينظرون} [المطففين: 22 - 23].

قوله: [ولأحاديثه]: منها قوله صلى الله عليه وسلم: «إنكم سترون ربكم كالقمر ليلة البدر»

قوله: [فإذا تم أجلها]: أي انقضى عمرها؛ لأنها لا تخرج نفس من الدنيا

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

زاد بعدها في ط المعارف: (أن).

ص: 544

(جازاها ربها بالقبول) والرضا وعدم الطرد وأفاض عليها إنعامه، فكان لها الختام الحسن للأجل، كما قال رضي الله عنه (وحسن الختام) وفي هذا براعة التمام؛ وهو أن يأتي المتكلم في آخر كلامه بما يؤذن بانتهائه. وحسن الانتهاء مما ينبغي التأنق فيه عند البلغاء؛ لأنه آخر ما يعيه السمع ويرسم في النفس، فإذا كان مستلذاً جبر ما قبله من التقصير، كالطعام اللذيذ بعد غيره، كما ينبغي في الابتداء ليكون أول ما يقرع السمع لذيذاً فيقبل السامع عليه كقوله:

بشرى فقد أنجز الإقبال ما وعدا

(وهيأ لها دار السلام) الدار: هي الجنة، والسلام؛ اسم من أسمائه تعالى: أي السالم من كل نقص. وإضافة الدار له للتشريف، كقولهم: بيت الله، والنبي صلى الله عليه وسلم: عبد الله. ويحتمل أن الإضافة من غير إضافة الموصوف على إرادة أنه صفة للدار: أي دار السلامة الدائمة فلا تنقطع بموت ولا كدر. (وناداها ربها) بكلامه النفسي المنزه عن صفات الحوادث. ويحتمل أنه ناداها ملك وهذا النداء عند حضور أسباب الموت كما هو ظاهر المصنف وقيل عند البعث، وقد ورد أن عزرائيل عليه السلام لو جذب الروح بألف سلسلة ما خرجت حتى تسمع كلام الله:{يا أيتها النفس المطمئنة} [الفجر: 27] الآية.

وعن ابن عمر رضي الله عنه: «إذا توفي العبد المؤمن أرسل الله إليه ملكاً بتفاحة من الجنة فيقول: اخرجي أيتها النفس المطمئنة: اخرجي إلى روح وريحان؛ وربك عليك راض. فتخرج كطيب مسك والملائكة بأرجاء السماء يقولون:

ــ

حتى تستوفي أجلها ورزقها وجميع ما قدر لها فيها.

قوله: [جازاها ربها بالقبول]: أي أظهر لها المجازاة بذلك لما ورد: «إن المؤمن لا يخرج من الدنيا حتى يرى مقعده في الجنة وما أعده الله له فيها» فمن أجل ذلك تظهر البشرى في وجهه.

قوله: [وحسن الختام]: أي الموت على الإسلام وهو من أفراد القبول التي ظهرت أماراته وإنما خصه؛ لأنه أكبر العلامات.

قوله: [بما يؤذن بانتهائه]: أي كما في قوله تعالى: {له الحكم وإليه ترجعون} [القصص: 88]؛ {ألا إلى الله تصير الأمور} [الشورى: 53] وكقول الشاعر:

وإني جدير إذ بلغتك بالمنى

وأنت بما أملت منك جدير

فإن تولني منك الجميل فأهله

وإلا فإني عاذر وشكور

قال في التلخيص وأحسنه ما آذن بانتهاء الكلام حتى لا يبقى للنفس تشوق إلى ما وراءه كقوله:

بقيت بقاء الدهر يا كهف أهله

وهذا دعاء للبرية شامل

وجميع فواتح السور وخواتمها واردة على أحسن الوجوه وأكملها.

قوله: [كقوله بشرى] إلخ: مثال لحسن الابتداء.

قوله: [الدار هي الجنة]: أي فمراد المصنف بدار السلام الجنة من حيث هي لأنها كلها تسمى دار سلام من حيث المعنى الذي قاله الشارح، وليس المراد خصوص دار السلام التي هي إحدى الجنان السبع الوارد بها الحديث.

قوله: [كما هو ظاهر المصنف]: قد يقال ظاهر المصنف أن النداء بعد الموت.

قوله: [حتى تسمع كلام الله يا أيتها النفس المطمئنة] إلخ: هذا ظاهر في النفس المؤمنة، وأما الكافرة فمقتضاه أنها لا تخرج أصلاً؛ لأنها لا تنادى بذلك فمن أجل ذلك يعسر خروجها وإخراجها من البدن كإخراج الماء الممتزج بالعود الأخضر فلذلك ورد:«أنه يرى أن السموات السبع انطبقت عليه فوق الأرض عند كل جذبة وأما المؤمن الطائع فيسهل عليه خروجها لسماع النداء فتشتاق» ولذلك قال شيخنا المصنف في آخر صلواته: وتول قبض أرواحنا عند الأجل بيدك مع شدة الشوق إلى لقائك يا رحمن.

قوله: [وعن ابن عمر]: هذا الحديث مما يؤيد أن المنادي لها الملك.

قوله: [أرسل الله إليه ملكاً بتفاحة]: صوابه ملكين بتحفة كما في الخازن ونصه قال عبد الله بن عمر: «إذا توفي العبد المؤمن أرسل الله عز وجل إليه ملكين وأرسل إليه بتحفة من الجنة فيقول اخرجي أيتها النفس المطمئنة، اخرجي إلى روح وريحان وربك عليك راض. فتخرج كأطيب ريح مسك وجد أحد في أنفه والملائكة على أرجاء السماء يقولون قد جاء من الأرض ريح طيبة ونسمة طيبة فلا تمر بباب إلا فتح لها، ولا بملك إلا صلى عليها حتى يؤتى بها الرحمن جل جلاله فتسجد له ثم يقال لميكائيل اذهب بهذه النفس فاجعلها مع أنفس المؤمنين ثم يؤمر فيوسع عليه قبره سبعون ذراعاً عرضه، وسبعون ذراعاً طوله، وينبذ له في الروح والريحان فإن كان معه شيء من القرآن كفاه نوره، وإن لم يكن جعل له فيه نور مثل نور الشمس في قبره ويكون مثله مثل العروس ينام فلا يوقظه إلا أحب أهله إليه، وإذا توفي الكافر أرسل الله إليه ملكين وأرسل إليه قطعة من كساء أنتن من كل نتن وأخشن من كل خشن فيقال لها أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى جهنم وعذاب أليم وربك عليك غضبان» . اهـ بحروفه. إذا علمت ذلك تعلم النقص والتحريف الذي في كلام الشارح.

قوله: [إلى روح]: بفتح الراء وسكون الواو نور وراحة.

وقوله: [وريحان] أي روائح طيبة.

قوله: [بأرجاء السماء]: أي بجوانبها.

ص: 545

قد جاء من الأرض روح طيبة فلا تمر بباب إلا فتح لها ولا بملك إلا صلى عليها» الحديث وفيه: «فيوسع عليه قبره سبعون ذراعاً عرضاً وسبعون ذراعاً طولاً ويملأ روحاً وريحاناً فإن كان معه شيء من القرآن كفاه نوره وإلا جعل له نور كالشمس» ({يا أيتها النفس المطمئنة} [الفجر: 27]): الثابتة على الإيمان التي أيقنت بأن الله ربها وخضعت لأمره، الراضية بقضاء الله الآمنة من عذاب الله المطمئنة بذكر الله، إذ الأقوال فيها غير متباينة. وجعل شيخنا المصنف رحمه الله رحمة واسعة في التحفة في مناسبة اختيار استعمال الأسماء السبعة النفس سبعة أقسام، وأن صاحب النفس المطمئنة -التي مقامها مبدأ الكمال- متى وضع السالك قدمه فيه عد من أهل الطريق واستحق لبس خرقتهم لانتقاله من التلوين إلى التمكين، وصاحبها سكران هبت عليه نسمات الوصال يخاطب الناس وهو عنهم في بون لشدة تعلقه بالحق تعالى، يناسبه الإكثار من اسمه تعالى الرابع

ــ

قوله: [قد جاء من الأرض] إلخ: أي ومجيئها إلى السماء يكون على المعراج الذي عرج عليه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء.

قوله: [إلا صلى عليها]: أي دعا لها بالرحمة والمغفرة.

قوله: [فيوسع عليه قبره سبعون ذراعاً]: العدد لا مفهوم له وإنما هو كناية عن عظيم السعة؛ لأنه ورد في رواية أخرى مد بصره وهذا في غير الميت غريباً وإلا فيوسع عليه قدر بعده عن منزله.

قوله: [وإلا جعل له نور كالشمس]: يؤخذ منه أن الذي معه القرآن نوره أعلى من الشمس وهذا النور حسي قال تعالى: {يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم} [الحديد: 12] الآية.

قوله: {يا أيتها النفس} [الفجر: 27] إلخ: هذه الجمل بيان لصيغة النداء.

قوله: [إذ الأقوال فيها غير متباينة]: أي التفاسير فيها ترجع لشيء واحد لتلازمها. وحاصل التفاسير التي ذكرها الشارح ستة ومساقها هكذا الثابتة على الإيمان، أو التي أيقنت بأن الله ربها، أو التي خضعت لأمره، أو التي رضيت بقضائه، أو الآمنة من عذابه، أو المطمئنة بذكره، فالمناسب للشارح أن يقول هكذا. وسبب نزولها قيل في حمزة بن عبد المطلب حين استشهد بأحد وقيل في حبيب بن عدي الأنصاري، وقيل في عثمان بن عفان حين اشترى بئر رومة وسبلها، وقيل في أبي بكر الصديق، قال المفسرون والأصح أن الآية عامة في كل نفس مؤمنة مطمئنة.

قوله: [وجعل شيخنا المصنف]: كان المناسب للشارح أن لا ينقل هذا المبحث فإن هذا لقوم مخصوصين يطلبونه بالخصوص لا لكل من يحضر الأحكام الفقهية فلا يؤخذ بالقال، وإنما يؤخذ بالحال فهو من السر المكتوم الذي لا يجوز التكلم فيه إلا من أهله لأهله والكلام فيه مع من يطلبه ومن لا يطلبه عبث. قال محيي الدين بن العربي: إن كلام القوم عليه أقفال لا تفتح إلا لأهله، فسوق هذا الكلام هنا كمن يبيع الجواهر في سوق الصدف، وإنما كان عليه أن يشرح الآية بكلام أهل التفسير، وجعل الشيخ النفس سبعة ليس من عند نفسه كما توهمه عبارة الشارح، بل هو تقسيم أهل الطريق قديماً أخذاً من الآيات القرآنية فإن هذه الآية يؤخذ منها المطمئنة والراضية والمرضية والكاملة والملهمة من قوله تعالى:{فألهمها فجورها وتقواها} [الشمس: 8] واللوامة من قوله تعالى: {ولا أقسم بالنفس اللوامة} [القيامة: 2] والأمارة من قوله تعالى {إن النفس لأمارة بالسوء} [يوسف: 53] كما ذكره صاحب كتاب السير والسلوك.

قوله: [في التحفة]: متعلق بجعل وما بينهما اعتراض وهي اسم كتاب له في التصوف. وقوله: [في مناسبة]: متعلق أيضاً بجعل وفيه تعلق حرفي جر متحدي اللفظ والمعنى بعامل واحد وهو معيب.

قوله [عد من أهل الطريق]: أي وهي الوقوف مع أحكام الشريعة ظاهراً وباطناً. قوله: [واستحق لبس خرقتهم]: أي بحسب ما يراه الشيخ العارف من حاله، ثم هي إما حجة له إن كان على قدمهم باطناً وظاهراً وإلا فهي حجة عليه.

قال بعض العارفين خرقة القوم لأهلها نور وزينة ولغيرهم سماجة وظلمة، وربما دخل في وعيد قوله تعالى:{لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم} [آل عمران: 188].

وأما قول بعض العارفين:

فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم

إن التشبه بالرجال فلاح

فإن المراد الاقتداء بهم في العمل ومجاهدة النفس.

قوله: [لانتقاله من التلوين إلى التمكين]: علة للاستحقاق، والتمكين هو الطمأنينة والرسوخ في الأخلاق المرضية، والتلوين هو عدم ذلك وسمي تلويناً لكثرة تغيراته.

قوله: [يناسبه] إلخ: قال الشيخ في التحفة وهذا المقام لا يمكن الوصول إليه عادة لغير السالكين ولو أتى بعبادة الثقلين؛ لأن غير السالك مقيد بقيود الشهوات والشرك الخفي لا ينفك عنها إلا بأنفاس المشايخ العارفين مع المجاهدة والتزام الآداب على أيديهم وغير هذا لا يصح. اهـ. فإذا

ص: 546

في التلقين. يعني: حق، وإن الأمارة ذات الحجب الظلمانية التي مقامها مقام الأغيار يوافقها في تمزيق حجبها الإكثار من "لا إله إلا الله" وأن اللوامة: الكثيرة اللوم لصاحبها -التي مقامها مقام الحجب النورانية لكونها ليست كثيفة وهي توابة– يناسبها الإكثار من اسمه تعالى: "الله".

وأن الملهمة: التي ألهمت فجورها وتقواها مقامها مقام الأسرار، صاحبها نشوان، يغلب عليه المحبة والهيمان والتواضع والإعراض عن الخلق والتعلق بالحق، يناسبه كثرة استعمال اسمه تعالى "هو" بالمد؛ لتخلص من ورطتها وأن الراضية كثيرة الرضا بالقضاء والتسليم مقامها مقام الوصال صاحبها غريق في السكر يناسبه الخلوة وكثرة ذكر اسمه تعالى:"الحي" ليحيي به نفسه. وأن النفس المرضية صاحبها لا يرى صدور الأفعال إلا من الله تعالى؛ لأن مقامها مقام تجليات الأفعال، فلا يمكنه الاعتراض على أحد، حسن الخلق، يتلذذ بالحيرة، كما قيل:

زدني بفرط الحب فيك تحيرا

وارحم حشاً بلظى هواك تسعرا

ويناسبه كثرة ذكر اسمه تعالى: "قيوم". وأن النفس الكاملة مقامها مقام تجليات الأسماء والصفات يناسبها كثرة ذكر اسمه تعالى: "قهار" ليحصل لها تمام القهر ويزول عنها بقايا النقص وحالها البقاء بالله، تسير بالله إلى الله، وترجع من الله إلى الله، ليس لها مأوى سواه علومها مستفادة من الله كما قيل:

وبعد الفنا بالله كن كيفما تشا *** فعلمك لا جهل وفعلك لا وزر

اهـ. باختصار وتصرف.

وهذا لا ينافي قول من قال: المحققون على أن النفس واحدة تختلف بالصفات، قال شيخنا العلامة سيدي الشيخ محمد الأمير: واعلم أن بعض الناس يغلط فيقول: إن استعمال الأسماء السبعة من خصوص طريق الخلوتية، كيف والله تعالى يقول:{ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} [الأعراف: 180]: وقال المصنف رضي الله عنه فيها: واعلم أن طريق أهل الحق مدارها على الصدق ورأس مالها الذل ونهايتها الفرق، وقال العارفون: حكم القدوس أن لا يدخل حضرته أرباب النفوس كثرة الكلام توجب عدم الاحترام، كثرة مصاحبة الناس توجب الإفلاس

ــ

كان هذا في مبدأ الكمال فما بالك بصاحب النفس الراضية والمرضية والكاملة، فتعذر الوصول إليها من غير المشايخ أولوي فلذلك قلنا التكلم في تلك المقامات لا يناسب هذا المقام.

قوله: [في التلقين يعني حق]: هذا من كلام الشارح وليس من كلام التحفة.

قوله: [ذات الحجب الظلمانية]: أي الشهوات المحرمة المكروهة.

قوله: [مقام الأغيار]: أي إن صاحبها منهك في شغله بغير الله.

قوله: [الإكثار من لا إله إلا الله]: أي حتى تمتزج بلحمه ودمه مع الخروج عن كل هوى كما قال العارف البكري:

واخرج عن كل هوى أبداً

فالإكثار منها يورث التوبة؛ لأنه ينقله منها إلى اللوامة ولذلك كان الجنيد إذا جاءه العصاة يأخذون عنه الطريق لا يقول لهم توبوا بل يأمرهم بالإكثار منها.

قوله: [مقام الحجب النورانية]: أي وهي كناية عن حبها الطاعات لأغراض تعود عليها فلذلك كانت حجباً ولا يملك نفسه عند الوقوع في المعصية وإن كان يكرهها فلذلك كان كثير التوبة ويسمى تواباً وهو ممدوح لقوله تعالى: {إن الله يحب التوابين} [البقرة: 222] لقوله تعالى: {ولا أقسم بالنفس اللوامة} [القيامة: 2].

قوله: [الإكثار من اسمه تعالى الله]: أي لأنه الاسم الجامع وإنما طلب الإكثار منه مجرداً؛ لأن ظلمة الشرك وما ألحق به قد أزيلت عن قلبه.

قوله: [وأن الملهمة]: أي التي مدحها الله تعالى بقوله: {ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها} [الشمس: 7 - 9] أي طهرها من الذنوب وشهواتها وقوله تعالى: {وقد خاب من دساها} [الشمس: 10] معناه دسها بالمعاصي وألبسها بها.

قوله: [يغلب عليه المحبة] إلخ: تفسير لنشوان.

قوله: [مقام الوصال]: أي الحضور مع ربه في سائر الأحوال.

قوله: [كما قيل زدني] إلخ: القائل له سيدي عمر بن الفارض.

قوله: [كما قيل وبعد الفنا] إلخ: القائل له سيدي محمد بن وفا.

قوله: [اهـ باختصار وتصرف]: أما الاختصار فقد حذف جملة من الكلام وقد نبهنا على بعضها وأما التصرف فبالتقديم والتأخير في بعض العبارات وقد علمت أنه لا حاجة لنقلها.

قوله: [المحققون] إلخ: مقول القول.

قوله: [وهذا لا ينافي]: أي بل هو عينه لأن الأقسام المذكورة لصفاتها لا لها.

قوله: [قال شيخنا العلامة] إلخ: الجواب عن هذا الإشكال أن طريق الخلوتية فتحها مقصور على تلك الأسماء وليست تلك الأسماء مقصورة عليهم، وقد أجاب شيخنا العلامة المذكور بهذا الجواب فسوق بحثه من غير جواب غير مناسب.

قوله: [فيها]: أي التحفة.

قوله: [ونهايتها الفرق]: أي والجمع فمعنى الفرق شهود العبد لصنعه تعالى، ومعنى الجمع شهوده لربه ويسمى بمقام البقاء ومقام الكمال.

قوله: [حكم القدوس] إلخ: أي أخذاً من الحديث القدسي في مناجاة داود عليه السلام: " قال كيف الوصول إليك يا رب؟ قال خل نفسك وتعال ".

قوله: [توجب الإفلاس]: أي كما قال العارف البكري:

فإن من علامة الإفلاس

كون الفتى يألف قرب الناس

فإن جمعهم يضر بالولي

فكيف من يحجبه جهلا ملي

ص: 547

لا يتطهر من الرعونات إلا من خالف نفسه في الشهوات، وذكر الله في جميع الحالات، من لم يحرق البداية لم تشرق له نهاية، من لم يخالف النفس والشيطان لم يتحقق بصفات أهل العرفان، من لم يكن عبداً للرحمن فهو عبد للشيطان، فانظر أيهما يستحق العبادة. اهـ باختصار.

وقصدت بنقل ذلك التبرك، لعل الجواد الكريم ينفحنا بحبهم ({ارجعي إلى ربك} [الفجر: 28]) لرؤيته تعالى وما أعده الله مما لا يتناهى من الإكرام، وقيل: إلى صاحبك وهو الجسد على أن النداء عند البحث [1]. ({راضية}) بما أعطاك ربك ({مرضية}) رضي ربك عليك ({فادخلي في عبادي} [الفجر: 29]) الصالحين المصطفين. ({وادخلي جنتي} [الفجر: 30]) في الحديث: «أول من يدعى إلى دخول الجنة الحامدون على السراء والضراء» (دار السلام): السلامة من كل مخوف مصحوبة (بسلام) أمن من كل مكدر ({دعواهم فيها سبحانك اللهم} [يونس: 10]) أي كلامهم أو دعاؤهم في الجنة والتسبيح تنزيه عن كل نقص يتلذذ به أهل الجنة وفي الحديث: «يلهمون التسبيح والتحميد» وورد: «إذا أرادوا طعاماً قالوا سبحانك اللهم فيحمل لهم ما يشتهون على الموائد، كل مائدة ميل في ميل، على كل مائدة سبعون ألف صحفة في كل صفحة لون فإذا فرغوا قالوا الحمد لله»

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال سبحان الله وبحمده في كل يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر» وفي العياشي عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال بعد صلاة الجمعة سبحان الله العظيم وبحمده مائة مرة غفر الله له مائة ألف ذنب ولوالديه أربعة وعشرين ألف ذنب» ({وتحيتهم فيها سلام} [يونس: 10]) يحييهم الله والملائكة وبعضهم بعضاً قال تعالى {سلام قولاً من رب رحيم} [يس: 58]{لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً، إلا قيلاً سلاماً سلاماً} [الواقعة: 26]{والملائكة يدخلون عليهم من كل باب، سلام عليكم} [الرعد: 23 - 24].

({وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين} [يونس: 10]) وقد ورد: «إن أهل الجنة

ــ

قوله: [من الرعونات]: أي الطبائع الشهوانية.

قوله: [من لم يحرق البداية]: أي إذا لم يجاهد في بدايته فيخرج عن كل هوى لم تظهر له أنوار في النهاية وهو معنى قول صاحب الحكم ادفن وجودك في أرض الخمول فما نبت مما لم يدفن لم يتم نتاجه.

قوله: [على أن النداء عند البعث]: أي وأما على التفسير الأول فعلى أن النداء عند الموت أو البعث.

قوله: {راضية} [الفجر: 28] إلخ: أي وهو معنى قوله تعالى: {رضي الله عنهم ورضوا عنه} [البينة: 8].

قوله: {فادخلي في عبادي} [الفجر: 29]: أي وقت البعث والحشر؛ لأن من أحب قوماً حشر معهم قال تعالى: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى} [الأنبياء: 101] الآيات وقال تعالى: {يا عباد لا خوف عليكم اليوم} [الزخرف: 68] والإضافة للتشريف وإلا فالكل عباده.

قوله: {وادخلي جنتي} [الفجر: 30]: أي مع الصالحين ولأهل الإشارات تفاسير منها أن الله يناديها في الدنيا بهذا النداء حيث اتصفت بتلك الأوصاف يقول لها يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك بفنائك عما سواه، راضية بأحكامه، مرضية له بأوصافك، فادخلي في عبادي الصالحين أي فكوني معدودة فيهم ومحسوبة منهم، وادخلي جنتي شهودي في الدنيا ما دمت فيها وهي الجنة المعجلة، ويقال لها عند البعث ذلك على التفسير المتقدم ويراد بالجنة جنة الخلود وفسروا بذلك قوله تعالى:{ولمن خاف مقام ربه جنتان} [الرحمن: 46] أي جنة الشهود في الدنيا التي قال فيها ابن الفارض:

أنلنا مع الأحباب رؤيتك التي

إليها قلوب الأولياء تسارع

وجنة الخلد في العقبى وهذا النداء الواقع في الدنيا يسمعه العارفون إما في المنام أو بالإلهام.

قوله: [دار السلام] إلخ: قال تعالى: {لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون} [الأنعام: 127] وقال تعالى: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} [يونس: 26] فالحسنى هي الجنة والزيادة هي رؤية وجه الله الكريم.

قوله: [أو دعاؤهم في الجنة]: أي طلبهم لما يشتهونه من المآكل والمشارب في الجنة.

قوله: [وفي الحديث: «يلهمون التسبيح والتحميد»]: أي كما يلهمون النفس كما في أصل الرواية.

قوله: [وورد إذا أرادوا طعاماً] إلخ: المناسب التفريع بالفاء؛ لأنه معنى الآية.

قوله: [فيحمل لهم ما يشتهون]: أي يوضع لهم على الموائد.

قوله: [في كل صحفة لون]: أي لا يشبه بعضها لون الآخر كما في الرواية. وقال بعضهم المراد بقوله سبحانك اللهم اشتغال أهل الجنة بالتسبيح والتحميد والتقديس والثناء عليه بما هو أهله، وفي هذا الذكر سرورهم وابتهاجهم وكمال لذاتهم وهذا أولى. ويدل عليه ما روي عن جابر أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون قالوا فما بال الطعام؟ قال جشاء ورشح كرشح المسك يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس» اهـ. خطيب.

قوله: [فإذا فرغوا قالوا الحمد لله "]: أي قالوا: " الحمد لله رب العالمين " وهو معنى قوله تعالى: {وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين} [يونس: 10] فترفع حينئذ.

قوله: [وإن كانت مثل زبد البحر]: كناية عن كثرتها أي تغفر ولو كثرت. وظاهر الحديث ولو كانت كبائر لكن قيده العلماء بغير الكبائر لأن الكبائر لا يكفرها إلا التوبة.

قوله: قال تعالى {سلام قولاً من رب رحيم} [يس: 58]: دليل لسلام الله عليهم.

وقوله: {إلا قيلاً سلاماً سلاماً} [الواقعة: 26]: دليل لسلام بعضهم على بعض.

وقوله: {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب} [الرعد: 23] إلخ: دليل لسلام

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (البعث).

ص: 548

يفتتحون كلامهم بالتسبيح ويختمونه بالتحميد» (وأسأل الله تعالى أن ينفع به) علامة قبوله ظاهرة فقد حصلت ثمرة التأليف عاجلاً بحصول النفع وكثرة الاشتغال به وبإخلاص مؤلفه تتحقق الثمرة آجلاً في رفع درجاته، وختم كتابه بالسؤال لما فيه من الإشعار بالاحتياج للغني عن كل ما سواه (كما نفع بأصله) واشتهار النفع بمختصر العلامة خليل رحمه الله تعالى لا يخفى (كل من قرأه) بحفظ أو غيره (أو شرحه أو حصله) بشراء أو كتابة أو غير ذلك (أو سعى في شيء منه) عود الضمير على واحد من الأمور المذكورة أبلغ من عوده لجملته (إنه جواد) كثير الجود والكرم والإنعام (كريم) يعطي بلا عوض ولا غرض (رؤوف) كثير الرأفة والرحمة (رحيم) منعم بالقليل كما هو منعم بالكثير فلا تأثير لغيره تعالى. (وصلى الله على سيدنا محمد) ختم بها كما ابتدأ بها رجاء قبول ما بينهما وعبر بصيغة الخبر؛ لأن المطلوب واقع.

وفي العياشي عن السهيلي من رواية الدارقطني عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل فسلم عليه فرد صلى الله عليه وسلم عليه السلام وأطلق له [1] وجهه وأجلسه إلى جنبه فلما قضى حاجته ونهض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر هذا الرجل يرفع له كل يوم كعمل أهل الأرض قلت: ولم ذلك يا رسول الله؟ قال إنه كلما أصبح وأمسى صلى علي كصلاة الخلق أجمع يقول عشر مرات اللهم صل على محمد النبي عدد من صلى عليه من خلقك وصل على محمد النبي كما أمرتنا أن نصلي عليه وصل على محمد النبي كما ينبغي لنا أن نصلي عليه.» ولما كان المطلوب التعميم قال رضي الله عنه (وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وعلى آلهم وصحبهم

ــ

الملائكة فهو لف ونشر ملخبط وقد ورد: "إن الملائكة يدخلون عليهم من كل باب من أبواب القصور بهدايا من التحف يقولون سلام عليكم بما صبرتم"

قوله: [يفتتحون كلامهم]: أي في سائر مطلوباتهم وخطاباتهم. قوله: [وأسأل الله] إلخ: لفظ الجلالة منصوب على التعظيم مفعول أول لأسأل، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مفعوله الثاني، والنفع ضد الضرر وهو إيصال الخير للغير وسأله في ذلك؛ لأن إيصال النفع لا يكون إلا من الله وليس في طاقة أحد ذلك كإيصال الضر قال تعالى:{وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله} [يونس: 107].

قوله: [وكثرة الاشتغال به]: عطف سبب على مسبب.

وقوله: [وبإخلاص]: مؤلفه متعلق بما بعده الذي هو قوله تتحقق الثمرة آجلاً.

وقوله: [وختم كتابه]: راجع لأصل المتن وفي التركيب ركة لا تخفى.

قوله: [كما نفع بأصله]: أي خليل وما مصدرية تسبك مع ما بعدها بمصدر مجرور بالكاف التي بمعنى مثل وهو صفة لمصدر محذوف تقديره نفعاً مثل نفعه بأصله.

وقوله: [كل من قرأه]: معمول لقوله أن ينفع به.

قوله: [أو غيره]: أي كالمطالعة.

قوله: [أو شرحه]: صادق بالتحشية.

قوله: [أو غير ذلك]: أي كما إذا وهب كذا ووقف عليه.

قوله: [على واحد من الأمور المذكورة]: أي بأن يقال سعى في شيء من قراءته كما إذا قرأ البعض فقط أو في شيء من شرحه كأن شرح البعض أو في شيء من تحصيله كأن اشترى البعض أو كتبه أو وهب له.

قوله: [أبلغ من عوده لجملته]: أي لأنه يكون منه قصور على تحصيل البعض بشراء ونحو.

قوله: [إنه جواد]: بكسر الهمزة استئناف بياني واقع في جواب سؤال تقديره سألته؛ لأنه جواد، والجواد بالتخفيف ذو الجود والمدد والعطايا التي لا تنفد.

قوله: [كريم]: أي وهو الموصوف بنعوت الجمال ذو النوال قبل السؤال.

قوله: [بلا عوض ولا غرض]: أي لاستغنائه وتنزهه عن ذلك ولذلك يديم الإحسان على المصر على الكفر والمعاصي.

قوله: [رؤوف]: أي ذو رأفة وهي شدة الرحمة.

قوله: [منعم بالقليل]: إنما فسره بذلك لقولهم الرحيم المنعم بدقائق النعم والرحمن المنعم بجلائلها أي فجميع النعم ناشئة منه بوصف كونه رحماناً رحيماً، وفي هذه الأسماء من المناسبة بالمطلوب ما لا يخفى، وفيها حكمة وهو أن الإنسان يخاطب ربه بالاسم المناسب لمطلوبه كدعاء أيوب عليه السلام حيث قال:{أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين} [الأنبياء: 83] ودعاء يونس حيث قال: {سبحانك إني كنت من الظالمين} [الأنبياء: 87] ودعاء زكريا حيث قال: {رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين} [الأنبياء: 89] ودعاء سليمان حيث قال: {رب هب لي [2] ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب} [ص: 35] وبالجملة كل مقام له مقال.

قوله: [لأن المطلوب واقع]: ظاهره أنها خبرية لفظاً ومعنى وليس كذلك بل هي خبرية لفظاً إنشائية معنى؛ لأن المخبر بالصلاة ليس مصلياً على التحقيق فالمناسب أن يقول عبر بصيغة الخبر في اللفظ لتحقق المطلوب.

قوله: [وفي العياشي] إلخ: مثل هذه الأحاديث على فرض صحتها تحمل على المبالغة للترغيب وإلا فقواعد الشرع تأبى ذلك.

قوله: [والمرسلين]: عطف خاص.

قوله: [وصحبهم]: بين الآل والصحب عموم وخصوص وجهي إن أريد بالآل بالأقارب وإن أريد بهم مطلق الأتباع كما هو الأولى للتعميم كان عطف

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

ليست في ط المعارف.

[2]

كذا في ط الحلبية، وصوابها:(رب اغفر لي وهب لي).

ص: 549

أجمعين وسلم تسليماً كثيراً والحمد لله رب العالمين) يقول ناقل تكميل الشرح الفقير مصطفى العقباوي سامحه الله والمؤمنين من جميع المساوئ: الحامل لي على ذلك امتثال أمر ولي الله خليقة شيخنا المصنف الشيخ صالح السباعي نفعنا الله به في الدارين هذا وما وجدته من صواب فمن فيض شيخنا القطب المصنف وإمدادات خاتمة المحققين من منح العلم الظاهري والباطني شيخنا العلامة سيدي الشيخ محمد الأمير وأسأل الله من فضله أن يعفو عنا ويرحمنا ووالدينا وأن يختم لنا بالإيمان الكامل، وصلى الله وسلم على واسطة عقد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين. وكان الفراغ من تبييضه غرة ربيع الأول سنة 1220، ونسأل الله أن يفرج كرب آل بيت نبينا والمؤمنين إنه لطيف كريم حليم بجاه جدهم سيد المرسلين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم والحمد لله رب العالمين.

ــ

الأصحاب خاصاً وخصهم لمزيد فضلهم فيكون بينهما العموم والخصوص المطلق.

قوله: [أجمعين]: تأكيد.

قوله: [وسلم]: معطوف على صلى وهو مسلط على جميع من تقدم وتسليماً مصدر مؤكد لعامله وكثيراً صفة له.

قوله: [والحمد لله رب العالمين]: عطف على وصلى الله وبين الجملتين كمال الاتصال؛ لأن كلاً خبرية لفظاً إنشائية معنى على التحقيق.

قوله: [الحامل لي على ذلك] إلخ: مقول القول.

قوله: [ولي الله]: قد صدق في ذلك فإني صحبته نحو الثلاثين سنة ما رأيته فعل حراماً ولا مكروهاً ولا مدح الدنيا ولا ذمها وما رأيت أحداً من جماعة شيخنا المصنف جاهد نفسه مثله رضي الله عنه وعنا به.

قوله: [وإمدادات]: معطوف على فيض.

قوله: [خاتمة المحققين]: هذا الوصف فيه كالشمس في رابعة النهار، وبالجملة فهو حقيق بقول الشاعر:

حلف الزمان ليأتين بمثله

حنثت يمينك يا زمان فكفر

وبقوله أيضاً:

لم تر العين بعده في صفات

لا وحق الشفيع يوم الحساب

قوله: [من منح] إلخ: نعت لخاتمة المحققين وقوله شيخنا العلامة بدل أو عطف بيان.

وهذا آخر ما أجراه الله على يد الفقير الحقير في خدمة أقرب المسالك وشرحه. وأسأل الله من فضله أن يجعلها وصلة لنا بمؤلفه في دار السلام بسلام، والحمد لله ذي الجلال والإكرام، وصلى الله على سيدنا محمد سيد الأنام وعلى آله وأصحابه. البررة الكرام وأتباعه إلى منتهى الإسلام.

وكان الفراغ من تعليقها صبيحة يوم الجمعة المبارك رابع يوم مضى من شهر جمادى الآخرة سنة 1223 هـ ثلاث وعشرين ومائتين وألف من هجرته عليه الصلاة والسلام -

ص: 550