الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سعيد - يعني عبد الواحد بن أبي القاسم القشيري - يقول: كان أئمتنا في عصره، والمحقوقون من أصحابنا، يعتقدون فيه من الكمال والفضل والخصال الحيمدة أنه لو جاز أن يبعث الله نبياً في عصره لما كان إلا هو، من حسن طريقته وورعه وزهده وديانته في كمال فضله) .
كلام أبو محمد الجويني في عقيدة أصحاب الشافعي
قال أبو محمد في آخر كتاب صنفه سماه: (عقيدة أصحاب الإمام المطلبي الشافعي وكافة أهل السنة والجماعة) وقد نقل هذا عنه أبو القاسم بن عساكر فيكتابه الذي سماه تبيين كذب المفتري.
(قال أبو محمد: ونعتقد أن المصيب من المجتهدين في الأصول والفروع واحد، ويجب التعيين في الأصول، فأما في الفروع فربما يتأتى التعيين وربما لا يتأتى، ومذهب الشيخ أبي الحسن تصويب المجتهدين في الفروع، وليس ذلك مذهب الشافعي، وأبو الحسن أحد أصحاب الشافعي، فإذا خالفه في شيء أعرضنا عنه فيه، ومن هذا القبيل قوله: إنه لا صيغة للألفاظ، أي الكلام، وتقل وتعز
مخالفته أصول الشافعي ونصوصه، وربما نسب المبتدعون إليه ما هو بريء منه، كما نسبوا إليه أنه يقول: ليس في المصحف قرآن، ولا في القبر نبي، وكذلك الاستثناء في الإيمان ونفي القدرة على الخلق في الأزل، وتكفير العوام، وإيجاب علم الدليل عليهم) قال:(وقد تصفحت ما تصفحت من كتبه، فوجدتها كلها خلاف ما نسب إليه) .
قلت: هذه المسأئل فيها كلام ليس هذا موضعه، ولكن المقصود هنا: أنه جعل من القبيل الذي خالف فيه الشافعي وأعرض عنه فيه أصحابه: مسأل صيغ الألفاظ، وهذه هي مسألة الكلام، وقوله فيها هو قول ابن كلاب (إن كلام الله معنى واحد قائم بنفس الله تعالى: إن عبر عنه بالعربية كان قرآناً، وإن عبر عنه بالعبرية كان توراة، وإن عبر عنه بالسريانية كان إنجيلاً، وإن القرآن العربي لم يتكلم الله به، بل وليس هو كلام الله، وإنما خلقه في بعض الأجسام) .
وجمهور الناس من أهل السنة وأهل البدعة يقولون: إن فساد هذا القول معلوم بالاضطرار، وإن معاني القرآن ليست هي معاني التوراة، وليست معاني التوراة المعربة هي القرآن، ولا القرآن إذا ترجم بالعبرية هو التوراة، ولا حقيقة الأمر هي حقيقة الخبر.
وإنما اضطر ابن كلاب والأشعري ونحوهما إلى هذا الأصل: أنهم لما اعتقدوا أن الله لا يقوم به ما يتعلق بمشيئته وقدرته، لا فعل ولا تكلم ولا غير ذلك، وقد تبين لهم فساد قول من يقول:(القرآن مخلوق) ولا يجعل لله تعالى كلاماً قائماً بنفسه، بل يجعل كلامه ما خلقه في غيره، وعرفوا أن الكلام لا يكون مفعولاً منفصلاً عن المتكلم، ولا يتصف الموصوف بما هو منفصل عنه، بل إذا خلق الله شيئاً من الصفات والأفعال بمحل كان ذلك صفة لذلك المحل، لا لله، فإذا خلق في محل الحركة كان ذلك المحل هو المتحرك بها، وكذلك إذا خلق فيه حياة كان ذلك المحل هي الحي بها، وكذلك إذا خلق علماً أو قدرة كان ذلك المحل هو العالم القادر بها، فإذا خلق كلاماً في غيره كان ذلك المحل هو المتكلم به.
وهذا التقرير مما اتفق عليه القائلون بأن القرآن غير مخلوق من جميع الطوائف مثل أهل الحديث والسنة، ومثل الكرامية والكلابية وغيرهم.
ولازم هذا أن من قال: (إن القرآن العربي مخلوق) أن لا يكون القرآن العربي كلام الله، بل يكون كلاماً للمحل الذي خلق فيه، ومن
قال (إن لفظ الكلام يقع بالاشتراك على هذا وهذا) تبطل حجته على المعتزلة، فإن أصل الحجة أنه إا خلق كلاماً في محل كان الكلام صفة لذلك المحل، فإذا كان القرآن العربي كلاماً مخلوقاً في محل، كان ذلك المحل هو المتكلم به، ولم يكون كلام الله، ولهذا قال من قال:(لا يسمى كلاماً إلا مجازاً) فراراً من أن يثبتوا كلاماً حقيقياً قائماً بغير المتكلم به، فلما عظم شناعة الناس على هذا القول، وكان تسمية هذا كلاماً حقيقة معلوماً بالاضطرار من اللغة، أراد من ينصرهم أن يجعل لفظ الكلام مشتركاً، فأفسد الأصل الذي بنوا عليه قولهم.
وبإنكار هذا الأصل استطال عليهم من يقول بخلق القرآن من المعتزلة والشيعة والخوارج ونحوهم، فإن هؤلاء لما ناظرهم من سلك طريقة ابن كلاب - ومضمونها: أن الله لا يقدر على الكلام ولا يتكلم بما شاء ولا هو متكلم باختياره ومشيئته - طمع فيهم أولئك، لأن جمهور الخلق يعلمون أن المتكلم يتكلم بمشيئته واختياره، وهو قادر على الكلام، وهو يتكلم بما يشاء.
ولكن منشأ اضطراب الفريقين اشتراكهما في أنه لا يقوم به ما يكون
بإرادته وقدرته، فلزم هؤلاء - إذا جعلوا يتكلم بإرادته وقدرته واختياره - أن يكون كلامه مخلوقاً منفصلاً عنه، ولزم هؤلاء - إذا جعلوه غير مخلوق - أن لا يكون قادراً على الكلام، ولا يتكلم بمشيئته وقدرته، ولا يتكلم بما يشاء.
والمقصود هنا أن عبد الله بن سعيد بن كلاب وأتباعه وافقوا سلف الأمة وسائر العقلاء على أن كلام المتكلم لا بد أن يقوم به، فما لا يكون إلا بائناً عنه لا يكون كلامه، كما قال الأئمة: كلام الله من الله ليس ببائن منه، وقالوا: إن القرآن كلام الله غير مخلوق، منه بدأ، وإليه يعود، فقالوا:(منه بدأ) رداً على الجهمية الذين يقولون: بدأ من غيره، ومقصودهم أنه هو المتكلم به، كما قال تعالى:{تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم} (الزمر: 1) وقال تعالى: {ولكن حق القول مني} (السجدة: 13) وأمثال ذلك.
ثم إنهم - مع موافقتهم للسلف والأئمة والجمهور على هذا - اعتقدوا هذا الأصل، وهو أنه لا يقوم به ما يكون مقدوراً له متعلقاً بمشيئته، بناء على هذا الأصل الذي وافقوا فيه المعتزلة، فاحتاجوا حينئذ أن يثبتوا ما لا يكون مقدوراً مراداً، قالوا: والحروف المنظومة والأصوات لا تكون إلا مقدورة مرادة، فأثبتوا معنى واحداً، لم يمكنهم إثبات معان متعددة، خوفاً من إثبات ما لا نهاية له، فاحتاجوا
أن يقولوا (معنى واحداً) فقالوا القول الذي لزمته تلك اللوازم التي عظم فيها نكير جمهور المسلمين، بل جمهور العقلاء عليهم.
وأنكر الناس عليهم أموراً: إثبات معنى واحد، هو الأمر والخبر، وجعل القرآن العربي ليس من كلام الله الذي تكلم به، وأن الكلام المنزل ليس هو كلام الله، وأن التوراة والإنجيل والقرآن إنما تختلف عباراتها، فإذا عبر عن التوراة بالعربية كان هو القرآن، وأن الله لا يقدر أن يتكلم، ولا يتكلم بمشيئته واختياره، وتكليمه لمن كلمه من خلقه، كموسى وآدم، ليس إلا خلق إدراك ذلك المعنى لهم، فالتكليم هو خلق الإدراك فقط.
ثم منهم من يقول: السمع يتعلق بذلك المعنى وبكل موجود، فكل موجود يمكن أن يرى ويسمع، كما يقوله أبو الحسن ونحوه.
ومنهم من يقول: إنه يسمع ذلك المعنى من القارىء مع صوته المسموع منه كما يقول ذلك طائفة أخرى.
وجمهور العقلاء يقولون: إن هذه الأقوال معلومة الفساد