الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأنه يلزم من ثبوت الملزوم ثبوت اللازم، فلو كان الباطل مسلتزلماً للحق لكان الباطل حقاً، فإن الحجة الصحيحة لا تستلزم إلا حقاً، وأما الدعوى الصحيحة: فقد تكون حجتها صحيحية، وقد تكون باطلة.
ومن أعظم ما بنى عليه المتكلمة النافية للأفعال وبعض الصفات أو جميعها أصولهم التي عارضوا بها الكتاب والسنة: هي هذه المسألة، وهي نفي قيام ما يشاؤه ويقدر عليه بذاته من أفعاله وغيرها.
كلام الرازي والآمدي عن أدلة النفاة
وقد ذكر أبو عبد الله الرازي - هو وأبو الحسن الآمدي ومن اتبعهما - أدلة نفاة ذلك، وأبطلوها كلها، ولم يستدلوا على نفي ذلك إلا بأن ما يقوم به إن كان صفة كمال كان عدمه قبل حدوثها نقصاً، وإن كان نقصاً اتصافه بالنقص، والله تعالى منزه عن ذلك.
وهذه الحجة ضعيفة، ولعلها أضعف مما ضعفوه، ونحن نذكر ما
ذكره أبو عبد الله ابن الخطيب في ذلك في أجل كتبه الكلامية الذي سماه نهاية العقول في دراية الأصول وذكر أنه أورد فيه من الحقائق والدقائق ما لا يكاد يوجد في شيء من كتب الأولين والآخرين، والسابقين واللاحقين، من الموافقين والمخالفين، ووصفه بصفات تطول.
قال: (وهذا كله لا يعلمه إلا من تقدم تحصيله لأكثر كلام العلماء، وتحقق وقوفه على مجامع بحث العقلاء، من المحقين والمبطلين، والموافقين والمخالفين) .
قال: (فإنني قلما
تكلمت فيه في المبادىء والمقدمات، بل أكثر العناية كان مصروفاً إلى تلخيص النهايات والغايات) .
وقال في هذا الكتاب: (الأصل الثاني عشر، وهو ما يستحيل على الله) قال: (المسألة الرابعة في أنه يستحيل عليه أن يكوم محلاً للحوادث، واتفقت الكرامية على تجويز ذلك، وأما تجدد الأحوال: فالمعتزلة اختلفوا في تجويزه، مثل المدركية والسامعية والمبصرية والمريدية والكارهية، وأما أبو الحسين البصري فإنه أثبت تجدد العالميات في ذاته) .
قال: (وأما الفلاسفة فمع أنهم في المشهور أبعد الناس عن هذا المذهب، ولكنهم يقولون بذلك من حيث لا يعرفونه، فإنه يجوزون
تجدد الإضافات على ذاته، مع أن الإضافة عندهم عرض وجودي، وذلك يقتضي كون ذاته موصوفة بالحوادث، وأما أبو البركات البغدادي فقد صرح باتصاف ذاته بالصفات المحدثة) .
قلت: أبو عبد الله الرازي غالب مادته في كلام المعتزلة: ما يجده في كتب أبي الحسين البصري، وصاحبه محمود الخوارزمي، وشيخه عبد الجبار الهمداني ونحوهم، وفي كلام الفلاسفة: ما يجده في كتب ابن سينا وأبي البركات ونحوهما، وفي مذهب الأشعري: يعتمد على كتب أبي المعالي كالشامل ونحوه كتب القاضي أبي بكر وأمثاله، وهو ينقل أيضاً من كلام الشهرستاني وأمثاله.
وأما كتب القدماء كـ أبي الحسن الأشعري وأبي محمد بن كلاب وأمثالهما، وكتب قدماء المعتزلة والنجارية والضرارية ونحوهم، فكتبه تدل على أنه لم يكن يعرف ما فيها، وكذلك مذهب طوائف الفلاسفة المتقدمين، وإلا فهذا القول الذي حكاه عن أبي البركات هو قول أكثر قدماء الفلاسفة الذين كانوا قبل أرسطو، وقول كثير منهم، كما نقل ذلك أرباب المقالات عنهم، فنقل أرباب المقالات الناقلون لاختلاف الفلاسفة في الباري ما هو؟ قالوا: قال سقراط وأفلاطون وأرسطو: إن الباري لا يعبر
عنه إلا بهو فقط، وهو الهوية المحضة غير المتكثرة، وهي الحكمة المحضة والحق المحض، وليست لله صورة مثل الصورة التي تكترث في العنصر، وهو الأيس الذي لا يحيط به الذهن ولا العقل، ولا يجوز عليه التغير ولا الصفة ولا العدد ولا الإضافة ولا الوقت ولا المكان ولا الحدود، ولا يدرك بالحواس ولا بالعقول من جهة غاية الكنه، ولكن بأنه واحد أزلي ليس باثنين، لأنا إن أوقعنا عليه العدد لزمته التثنية، وإن أوقعنا عليه الإضافة لزمه الزمان والمكان والقبل والبعد، وإن أوقعنا عليه المكان لزمه الحدود، وجعلناه متنايهاً إلى غيره، وقال تاليس
وبلاطرخس ولوقيوس وكسيفايس وأنبذقليس جميعاً: إن الباري واحد ساكن، غير أن أنبذقليس قال: إنه متحرك بنوع سكون، كالعقل المتحرك بنوع سكون، فذلك جائز، لأن العقل إذا كان مبدعاً فهو متحرك بنوع سكون، فلا محالة أن المبدع متحرك
بسكون، لأنه علة، قالوا: وشايعه على هذا القول فيثاغورس ومن بعده إلى زمن أفلاطون.
وقال زينون وديمقراط وساغوريون: إن الباري
متحرك في الحقيقة، وإن حركته فوق الذهن، فليس زوالاً.
قالوا: وقال تاليس - وهو أحد أساطين الحكمة -: إن صفة الباري لا تدركها العقول إلا من جهة آثاره، فأما من جهة هويته: فغير مدرك له صفة من نحو ذاته، بل من نحو ذواتنا، وكان يقول: أبدع الله العالم لا لحاجة إليه، بل لفضله، ولولا ظهور أفاعيل الفضيلة لم يكن ههنا وجود، وكان يقول: إن فوق السماء عوالم مبدعة أبدعها من لا تدرك العقول كنهه.
وقال فيثاغورس نحو قال تاليس: لا يدرك من جهة النفس، هو فوق الصفات العلوية الروحانية، غير مدرك بجوهريته، بل من قبل آثاره في كل عالم، فيوصف وينعت بقدر ظهور تلك الآثار في ذلك العالم، وهو الواحد الذي رامت العقول إدراك معرفته عرفت أن ذواته مبدعة مسبوقة مخلوقة.