المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أصل خطأ المبتدعة في هذه المسألة - درء تعارض العقل والنقل - جـ ٢

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌دلالة السمع على أفعال الله تعالى

- ‌أقوال السلف في الأفعال الاختيارية بالله تعالى

- ‌كلام الخلال في كتاب السنة

- ‌قول الأشعري في كتابه المقالات

- ‌أقوال أهل السنة: لـ أبي عثمان الصابوني في رسالته

- ‌قول البيهقي في كتابه الأسماء والصفات

- ‌قول الخلال في كتاب السنة

- ‌قول عبد العزيز الماجشون

- ‌قول آخر لالخلال في السنة

- ‌قول البخاري في كتاب خلق أفعال العباد

- ‌كلام المحاسبي في فهم القرآن

- ‌كلام محمد بن الهيصم في جمل الكلام

- ‌كلام الدارمي في النقض على بشر المريسي

- ‌كلام الدارمي في الرد على الجهمية

- ‌عود إلى كتاب النقض على المريسي

- ‌قول أبي بكر عبد العزيز في المقنع

- ‌قول القاضي أبي يعلي في إيضاح البيان

- ‌قول عبد الله بن حامد في أصول الدين

- ‌قول أبي إسماعيل الأنصاري في مناقب أحمد بن حنبل

- ‌قول الأنصاري في ذم الكلام

- ‌قول السجزي في رسالته إلى أهل زبيد

- ‌قول السجزي في الإبانة

- ‌كلام أبي القاسم الأصبهاني في الحجة على تارك المحجة

- ‌كلام أبي الحسن الكرجي في الفصول في الأصول

- ‌كلام أبي حامد الإسفرايني في التعليق في أصول الفقه

- ‌كلام أبو محمد الجويني في عقيدة أصحاب الشافعي

- ‌دلالة القرآن على مسألة أفعال الله تعالى

- ‌دلالة السنة على أفعال الله تعالى

- ‌الناس في مسألة أفعال الله تعالى ثلاثة أقسام

- ‌أصل خطأ المبتدعة في هذه المسألة

- ‌كلام الرازي والآمدي عن أدلة النفاة

- ‌كلام ابن ملكا

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام آخر للرازي

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌أقوال الجويني في مسألة أفعال الله ورد ابن تيمية عليه

- ‌قول الرازي في الأربعين

- ‌الاستدلال على النفي والرد عليه

- ‌معارضة بعض المتكلمين للرازي

- ‌الرد عليهم من وجوه الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌طريقة الأئمة في مسألة القرآن

- ‌قول عبد العزيز الكناني في مسألة القرآن وصفات الله والتعليق عليه

- ‌قول عبد العزيز الكناني في مسألة القرآن وصفات الله والتعليق عليه

- ‌جواب على الفلاسفة في مسألة التسلسل

- ‌مراجعة تعليق عبد العزيز الكناني

- ‌رأي أحمد بن حنبل في مسألة أفعال الله

- ‌أقوال مختلفة في كلام الله تعالى

- ‌عدم ذكر مصنفي أصول الدين

- ‌عدم ذكر الشهرستاني لقول السلف في نهاية الإقدام

- ‌موقف الرازي في مسألة القرآن وأفعال الله

- ‌فصل

- ‌حجج الرازي على حدوث العالم ومعارضة الأموري له

- ‌البرهان الأول

- ‌امتناع حوادث لا أول لها من وجوه

- ‌الثاني والتعليق عليه

- ‌الثالث والتعليق عليه

- ‌الرابع والتعليق عليه

- ‌الخامس والتعليق عليه

- ‌السادس والتعليق عليه

الفصل: ‌أصل خطأ المبتدعة في هذه المسألة

فالمعقول الصريح موافق للشرع متابع له كيف ما أدير الأمر، وليس في صريح المعقول ما يناقض صحيح المنقول، وهو المطلوب.

ومن المعلوم: أن أصل الإيمان تصديق الرسول فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها على أنه لا يجوز أن يكون ثم دليل لا عقلي ولا غير عقلي يناقض ذلك، وهذا هو المطلوب هنا.

ولكن أقواماً ادعوا معارضة طائفة من أخباره للمعقول.

‌أصل خطأ المبتدعة في هذه المسألة

وأصل وقوع ذلك في المنتسبين للإسلام والإيمان: أن أقواماً من أهل النظر والكلام أرادوا نصرة ما اعتقدوا أنه قوله بما اعتقدوه أنه حجة، ورأوا أن تلك الحجة لها لوازم يجب التزامها، وتلك اللوازم تنافض كثيراً من أخباره.

وهؤلاء غلطوا في المنقول والمعقول جميعاً، كما اعتقدت المعتزلة وغيرهم من الجهمية نفاة الصفات والأفعال أنه أخبر أن كل ما سوى الذات القديمة المجردة عن الصفات محدث الشخص والنوع جميعاً، وظنوا أن، هذا من التوحيد الذي جاء به، واحتجوا على ذلك بما يستلزم حدوث كل ما قامت به صفة وفعل، وجعلوا هذا هو الطريق إلا إثبات وجوده ووحدانيته وتصديق رسله، فقالوا: إن كلامه مخلوق، خلقه في غيره، لم يقم به كلام، وإنه لا يرى في الآخرة، ولا يكون مبايناً للخلق، ولا بقوم به علم ولا قدرة ولا غيرهما من الصفات، ولا

ص: 149

فعل من الأفعال، لا خلق للعالم ولا استواء ولا غير ذلك، فإنه لو قام به فعل أو صفة لكان موصوفاً محلاً للأعراض، ولو قام به فعل يتعلق بمشيئته للزم تعاقب الأفعال ودوام الحوادث، وإذا جوزوا دوام النوع الحادث أو قدمه بطل ما احتجوا على ما ظنوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر به.

وهم مخطئون في المنقول والمعقول.

أما المنقول: فإن الرسول لم يخبر قط بقدم ذات مجردة عن الصفات والأفعال، بل النصوص الإلهية متظاهرة باتصاف الرب بالصفات والأفعال.

وهذا معلوم بالضرورة لمن سمع الكتاب والسنة، وهم يسلمون أن هذا هو الذي يظهر من النصوص، ولكن أخبر عن الله بأسمائه الحسنى وآياته المثبتة لصفاته وأفعال، وأنه:{خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش} (الفرقان: 59) .

فمن قال: إن الأفلاك قديمة أزلية فقوله مناقض لقول الرسول صلى الله عليه وسلم بلا ريب، كما أن من قال (إن الرب تعالى لا علم له ولا قدرة ولا كلام ولا فعل) فقوله مناقض لقول الرسول، وليس مع واحد منهما عقل صريح يدل على قوله، بل العقل الصريح مناقض لقوله، كما قد بين في موضعه من وجوه كثيرة، مثل ما يقال: إن العقل الصريح يعلم أن إثبات عالم بلا علم وقادر بلا قدرة ممتنع، كإثبات

ص: 150

علم بلا عالم وقدرة بلا قادر.

وأعظم امتناعاً من ذلك أن يكون العلم هو العالم، والعلم هو القدرة، فهذا قول نفاة الصفات.

وأما القائلون بقدم العالم فقولهم يستلزم امتناع حدوث حادث، فإن القديم إما واجب بنفسه أو لازم للواجب بنفسه، ولوازم الواجب لا تكون محدثة ولا مستلزمة لمحدث، فالحوادث ليست من لوازمه، وما لا يكون من لوازمه يتوقف وجوده على حدوث سبب حادث، فإذا كان القديم الواجب نفسه، أو اللازم للواجب، لا يصدر عنه حادث - امتنع حدوث الحوادث، وهذا حقيقة قولهم، فإنهم يزعمون أن العالم له علة قديمة موجبة له، وهو لازم لعلته، وعلته عندهم مستلزمة لمعلولها ومعلول معلولها، فيمتنع أن يحدث شيء في الوجود، إذ الحادث المعين يكون لازماً للقديم بالضرورة واتفاق العقلاء.

وإذا قالوا: (يجوز أن يحدث عن الواجب بنفسه حادث بواسطة) قيل: الكلام في تلك الواسطة كالكلام في الأول، فإنها إن كانت قديمة لازمة له لزم قدم المعلولات كلها، وإن كانت حادثة فلا بد لها من سبب حادث.

وإذا قالوا: (كل حادث مشروط بحادث قبله لا إلى أول) .

قيل لهم: فليست أعيان الحوادث من لوازم الواجب بنفسه، وإذا كان النوع من لوازم الواجب امتنع وجود الواجب بنفسه بدون النوع، ونوع الحوادث ممكن بنفسه ليس فيه واجب بنفسه، فيكون نوع الحوادث صادراً عن الواجب بنفسه، فلا يجب قدم شيء معين من أجزاء العالم، لا الفلك ولا غيره، وهو نقيض قولهم.

ص: 151

وإذا قالوا: (نوع الحوادث لازم لجرم الفلك والنفس، وهذان لازمان للعقل، وهو لازم للواجب بنفسه) .

قيل لهم: فذاته مستلزمة لنوع الحوادث، سواء كان بوسط أو بغير وسط، والذات القديمة المستلزمة لمعلولها لا يحدث عنها شيء، لا بوسط ولا بغير وسط، سواء كان الحادث نوعاً أو شخصاً، لأن النوع الحادث يمتنع مقارنته لها، كما تمتنع مقارنة الشخص الحادث لها، لأن النوع الحادث إنما يوجد شيئاً فشيئاً، والمقارن لها قديم معها لا يوجد شيئاً فشيئاً، فبطل أن تكون الحوادث صادرة عن علة تامة مستلزمة لنوعها المقترن بعضه ببعض أو شخص منها، فبطل أن يكون العالم صادراً عن علة موجبة له، كما بطل وجوبه بنفسه، وهو المطلوب.

ومما يبين ذلك: أن القديم يستلزم قدم موجبه، أو وجوبه بنفسه، فإن القديم إما واجب بنفسه وإما واجب بغيره، إذ الممكن الذي لا موجب له لا يكون موجوداً، فضلاً عن أن يكون قديماً، بالضرورة واتفاق العقلاء، وإذا كان واجباً بغيره فلا بد أن يكون الموجب له قديماً، بالضرورة واتفاق العقلاء، وإذا كان واجباً بغيره فلا بد أن يكون الموجب له قديماً، ولا يكون موجباً له حتى تكون شروط الإيجاب قديمة أيضاً، فيمتنع أن يكوم موجب القديم أو شرط من شروط الإيجاب حادثاً، لأن الموجب المقتضي للفاعل المؤثر يمتنع أن يتأخر عن موجبه

ص: 152

الذي هو مقتضاه وأثره، وهذا معلوم بالضرورة، ومتفق عليه بين العقلاء.

وإذا كان كذلك فيمتنع أن يكون جميع العالم واجباً بنفسه، إذ لو كان كذلك لم يكن في الموجودات ما هو حادث، لأن الحادث كان معدوماً، وهو مفتقر إلى محدث يحدث، فضلاً عن أن يكون واجباً بنفسه.

فثبت أن في العالم ما ليس بواجب، والواجب بغيره لا بد له من موجب تام مستلزم لموجبه، والموجب التام لا يتأخر عنه شيء من موجبه ومقتضاه، فيمتنع صدور الحوادث عن موجب تام، كما يمتنع أن تكون هي واجبة بنفسها، وإذا لم تكن واجبة ولا صادرة عن علة موجبة فلا بد لها من فاعل ليس موجباً بذاته، وإذا كان غاية ما يقولون: إن العالم صادر عن علة موجبة بنفسها بغير واسطة أو بوسائط لازمة لتلك العلة، فعلى هذا التقدير: يمتنع حدوث الحوادث عنه، فإن لم يكن للحوادث فاعل غيره، وإلا لزم حدوثها بلا محدث، وهذا معلوم الفساد بالضرورة.

فتبين أن للحوادث محدثاً ليس هو مستلزماً لموجبه ومقتضاه، فامتنع أن يكون محدث الحوادث علة مستلزمة لمعلولها، أو أن يكون شيئاً من

ص: 153

معلولاتها، وهم يقولون: إن العالم صادر عن علة مستلزمة لمعلولها، وكل ما سواها معلول لها، وهذا مما تبين بطلانه بالضرورة.

ومن قال: (إن مجموع أجزاء العالم واجبة أو قديمة) فقوله معلوم الفساد بالضرورة.

ومن قال: (إن الحوادث صادرة عن جزء منه واجب) فقوله أيضاً معلوم الفساد، سواء جعل ذلك الجزء الأفلاك أو بعضها، لوجهين:

أحدهما: أن ذلك الجزء الذي هو واجب بغيره إذا كان علة تامة لغيره لزم أيضاً قدم معلوله معه، فيلزم أن لا يحدث شيء، وإن كان ذلك الجزء الواجب ليس هو علة تامة، امتنع صدور شيء عن غير علة تامة، ولو قدر إمكان الحدوث عن غير علة تامة أمكن حدوث كل ماسوى الله، فعلى كل تقدير قولهم باطل.

الوجه الثاني: أنه من المعلول أنه ليس شيء من أجزاء العالم مستقلاً بالأبداع لغيره من أجزائه، وإن قيل:(إن بعض أجزائه سبب لبعض) فتأثيره متوقف على سبب آخر، وعلى إنتفاء موانع، فلا يمكن أن يجعل شيء من أجزاء العالم رباً واجباً بنفسه، قديماً مبدعاً لغيره، والحوادث لا بد لها من رب واجب بنفسه قديم مبدع لغيره، وليس شيء من أجزاء العالم مما يمكن ذلك فيه، فعلم أن الرب تعالى خارج عن العالم وأجزائه وصفاته، وهذا كله مبسوط في موضع آخر.

ص: 154

والمقصود هنا بيان أنه ليس في المعقول ما يناقض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.

وقد علم أن المدعين لمعقول يناقضه صنفان:

صنف يجوزون عليه وعلى غيره من الرسل فيما أخبروا به عن الله تعالى وبلغوه إلى الأمم عن الله تعالى الكذب عمداً أو خطأ، أو أن يظهر نقيض ما يبطن، كما يقول ذلك من يقوله من الكفار بالرسل، ومن المظهرين لتصديقهم، كالمنافقين من المتفلسفة والقرامطة والباطنية ونحوهم ممن يقول بشيء من ذلك.

وصنف لا يجوزون عليهم ذلك، وهذا هو الذي يقوله المتكلمون المنتسبون إلى الإسلام على اختلاف أصنافهم.

والمبتدعة من هؤلاء مخطئون في السمع وفي العقل، ففي السمع حيث يقولون على الرسول صلى الله عليه وسلم ما لم يقل عمداً أو خطأ، وفي العقل حيث يقررون ذلك بما يظنونه براهين، وإذا كانت الدعوى خطأ لم تكن حجتها إلا باطلة، فإن الدليل لازم لمدلوله، ولازم الحق لا يكون إلا حقاً، وأما الباطل فقد يلزمه الحق، فلهذا يحتج على الحق بالحق تارة وبالباطل تارة، وأما الباطل فلا يحتج عليه إلا بباطل، فإن حجته لو كانت حقاً لكان الباطل لازماً للحق، وهذا لا يجوز،

ص: 155