الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني: الأحاديث الواردة عن بيع ما ليس مملوكآ للبائع وقت العقد أو لم يقبضه بعد
الفصل الأول: ما ورد في النهي عن بيع ما لم يملك، وبيع ما لم يقبض
…
.الفصل الأول: ما ورد في النهي عن بيع ما لم يملك أو لم يقبض وربح ما لم يضمن
63 -
(1) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه".
رواه البخاري1، ومسلم2، وأبو داود3، والنسائي4، وابن ماجه5، ومالك6، وأحمد7، والدارمي8، كلهم من طرق عنه به. وفي لفظ بعضهم:"حتى يقبضه".
وفي لفظ للبخاري9 ومسلم وأبي داود والنسائي وأحمد10: "لقد رأيت الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتاعون جزافاً - يعني الطعام - يضربون أن يبيعوه في مكانهم حتى يؤوه إلى رحالهم".
وفي لفظ للبخاري11 ومسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجه ومالك وأحمد12: "كانوا يبتاعون الطعام في أعلى السوق فيبيعونه في مكانه،
1 صحيح البخاري - مع الفتح -[كتاب البيوع (4/رقم 2126،2133،2136) ] .
2 صحيح مسلم [كتاب البيوع (3/1160-1161) ] .
3 سنن أبي داود [كتاب البيوع (3/760-761-762-763-764-765) ] .
4 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/285-286-287) ] .
5 سنن ابن ماجه [كتاب التجارات (2/749-750) ] .
6 الموطأ (2/497) .
7 المسند (1/56) ، (2/22،46،59،63-64،73،79،108) .
8 سنن الدارمي (2/329) .
9 صحيح البخاري - مع الفتح -[كتاب البيوع (4/رقم 2137) ، كتاب الحدود (12/ رقم 6852) ] .
10 المسند (2/7، 40،53، 150، 157) ] .
11 صحيح البخاري - مع الفتح -[كتاب البيوع (4/رقم 2167) ] .
12 المسند (1/56) ، (2/15،21،112-113،142) .
فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم". ولفظ مسلم: "فيبعث علينا من يأمرنا بانتقاله من المكان الذي ابتعناه فيه إلى مكانٍ سواه قبل أن نبيعه". وفي لفظ لأبي داود والنسائي: "نهى أن يبيع أحدٌ طعاماً اشتراه بكيلٍ حتى يستوفيه".
وقد أخطأ عبد الله بن عمر العمري في هذا الحديث، فرواه عن نافع عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه به. رواه البزار1، وأبو يعلى2.
قال البزار: "لا نعلم أحداً قال: عن ابن عمر عن عمر إلا عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر عن عمر ولم يتابع عليه".
وقد خالف عبد الله بن عمر العمري مالكٌ، وأخوه عبيد الله، وعمرُ بن محمد وغيرهم. فعلى هذا فإن المحفوظ في هذا الحديث هو أنه من مسند ابن عمر لا من مسند عمر رضي الله عنهما. والله أعلم.
64 -
(2) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أمَّا الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم فهو الطعام أن يباع حتى يقبض"، قال ابن عباس:"ولا أحسب كلَّ شيء إلا مثله".
رواه البخاري3، واللفظ له، ومسلم4، وأبو داود5، والترمذي6، والنسائي7، وابن ماجه8، كلهم من طرقٍ عن طاووس عنه به.
1 مسند البزار (1/265-267) .
2 المقصد العلي (المجلد الأول: ص288) ، إتحاف الخيرة المهرة (ص160-161) .
3 صحيح البخاري - مع الفتح -[كتاب البيوع (4/رقم 2132،2135) ] .
4 صحيح مسلم [كتاب البيوع (3/1159-1160) ] .
5 سنن أبي داود [كتاب البيوع (3/762-763) ] .
6 جامع الترمذي [كتاب البيوع (3/586) ] .
7 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/285-286) ] .
8 سنن ابن ماجه [كتاب التجارات (2/749) ] .
وفي لفظ بعضهم1: "من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه".
وفي لفظ للنسائي: "من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يكتاله".
وقد زاد البخاري ومسلم وأبو داود في روايتهم: "قال طاووس: قلت لابن عباس: لم؟ فقال: "ألا تراهم يتبايعون بالذهب والطعام مرجأ".
65 -
(3) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع النخل حتى يؤكل منه، وحتى يوزن. فقال رجلٌ: وأيُّ شيء يوزن؟ قال رجلٌ إلى جنبه: حتى يحرز".
رواه البخاري2 واللفظ له، ومسلم3، وأحمد4، والطبراني في الكبير5، كلهم من طرقٍ عن شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي البختري سعيد بن فيروز عنه به.
وقوله "حتى يحرز" قال النووي: قوله "حتى يحرز" هو تقديم الزاي على الراء، أي يخرص. ووقع في بعض الأصول بتقديم الراء وهو تصحيف، وإن كان يمكن تأويله لو صح6.
وقال الحافظ ابن حجر: "حتى يحرز" بتقديم الراء على الزاي، أي يحفظ ويصان. وفي رواية الكشميهني بتقديم الزاي على الراء أي يوزن
1 لفظ للبخاري ومسلم وأبي داود والنسائي، وهو لفظ الترمذي وابن ماجه.
2 صحيح البخاري - مع الفتح -[كتاب السلم (4/رقم 2246، 2248،2250) ] .
3 صحيح مسلم [كتاب البيوع (3/1167) ] .
4 المسند (1/341) .
5 المعجم الكبير (12/135) .
6 شرح صحيح مسلم (10/181) .
أو يخرص. وفائدة ذلك معرفة كمية حقوق الفقراء قبل أن يتصرف فيها المالك، وصوَّب عياض الأول - أي يحرز - ولكن الثاني أليق بذكر الوزن"1 انتهى.
66 -
(4) عن سليمان بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال لمروان: أحللت بيع الربا. فقال مروان: ما فعلت؟ فقال أبو هريرة رضي الله عنه: أحللت بيع الصِّكاك، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يستوفى " قال: فخطب مروان الناس فنهى عن بيعها.
قال سليمان: فنظرت إلى حرسٍ يأخذونها من أيدي الناس.
رواه مسلم2 وهذا لفظه، وابن أبي شيبة3، وأحمد4، والطحاوي5، كلهم من طرقٍ عن بكير بن عبد الله الأشج عنه به. ولفظ ابن أبي شيبة:"حتى يكتاله".
والصكاك: جمع صك، وهو الكتاب، وذلك أن الأمراء كانوا يكتبون للناس بأرزاقهم وأعطياتهم كتبًا، فيبيعون ما فيها قبل أن يقبضوها تعجلاً، ويعطون المشتري الصك ليمضي ويقبضه، فنهوا عن ذلك؛ لأنه بيع ما لم يقبض6.
ورواه مالك7 بلاغاً، وفيه: "دخل زيد بن ثابت ورجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على مروان بن الحكم
…
" الحديث بنحوه.
1 فتح الباري (4/504) .
2 صحيح مسلم [كتاب البيوع (3/1162) ] .
3 مصنف ابن أبي شيبة (5/156) .
4 مسند أحمد (2/329،337،349) .
5 شرح معاني الآثار (4/38) .
6 النهاية في غريب الحديث (3/43) .
7 الموطأ (2/497-498) .
قال الزرقاني في هذا المبهم: "هو أبو هريرة رضي الله عنه كما في مسلم"1.
ورواه البزار2، والطحاوي3، والبيهقي4، كلهم من طرقٍ عن مسلم بن أبي مسلم الجرمي عن مخلد بن الحسين عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه، ولفظه:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان5، فيكون لصاحبه الزيادة وعليه النقصان".
قال البزار: "لا نعلمه عن أبي هريرة رضي الله عنه إلا من هذا الوجه، تفرد به مخلد عن هشام".
وقال الهيثمي: "فيه مسلم بن أبي مسلم الخرمي، ولم أجد من ترجمه، وبقية رجاله رجال الصحيح".
ومسلم بن أبي مسلم الجرمي ذكره ابن حبان في الثقات6، ولكن قال فيه:"ربما أخطأ". ووثقه الخطيب7.
وقد حسن الحافظ ابن حجر هذا الإسناد8. وسوف يأتي نحو هذا اللفظ من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. والله أعلم.
1 شرح الزرقاني لموطأ مالك (4/239) .
2 كشف الأستار (2/86) .
3 شرح مشكل الآثار (15/140) .
4 السنن الكبرى (5/316) .
5 المراد بالصاعين: صاع البائع وصاع المشتري، كما سيأتي في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما الآتي بعد هذا الحديث.
6 الثقات (9/158) .
7 تاريخ بغداد (13/100) .
8 فتح الباري (4/411) .
67 -
(5) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا ابتعت طعاماً فلا تبعه حتى تستوفيه".
رواه مسلم1، وأحمد2، والطحاوي3، وابن حبان4، والبيهقي5، كلهم من طرقٍ عن أبي الزبير عنه به.
وعند مسلم والبيهقي تصريح أبي الزبير بالسماع من جابر رضي الله عنه.
ورواه ابن ماجه6، والدارقطني7، والبيهقي8 من طريق ابن أبي ليلى عن أبي الزبير عنه رضي الله عنه، ولفظه:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان: صاع البائع، وصاع المشتري".
ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى صدوق سيء الحفظ جداً كما تقدم9، إلا أن هذا الحديث حسن بشواهده10. والله أعلم.
1 صحيح مسلم [كتاب البيوع (3/1162) ] .
2 مسند أحمد (3/327،392) .
3 شرح معاني الآثار (4/38) .
4 الإحسان (11/353) .
5 السنن الكبرى (5/312) .
6 سنن ابن ماجه [كتاب التجارات (2/750) ] .
7 سنن الدارقطني (3/8) .
8 السنن الكبرى (5/316) .
9 تقدم عند حديث رقم (44) .
10 ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه السابق في بعض طرقه.
68 -
(6) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحلُّ سلفٌ وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك".
رواه أبو داود1، والترمذي2، والنسائي3، وابن ماجه4 - مختصراً - وأحمد5، والدارمي6، والحاكم7. كلهم من طرقٍ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده به.
قال الترمذي: "حسن صحيح". وقال الحاكم: "حديث صحيح على شرط جملة من أئمة المسلمين".
وفي لفظٍ لأحمد: "نهى عن بيعتين في بيعة"، بدل قوله:"ولا شرطان في بيع".
وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده تقدم8 أن الأقرب في الحكم عليه أنه من باب الحسن.
فعلى هذا فإن إسناد هذا الحديث حسن. والله أعلم.
وروى الطبراني في الأوسط9، والحاكم في علوم الحديث10، وابن حزم في المحلّى11، عن عبد الوارث بن سعيد قال: قدمت مكة فوجدت
1 سنن أبي داود [كتاب البيوع (3/769) ] .
2 جامع الترمذي [كتاب البيوع (3/535-536) ] .
3 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/288،295) ] .
4 سنن ابن ماجه [كتاب التجارات (2/737-738) ] .
5 مسند أحمد (2/175،179،205) .
6 سنن الدارمي (2/329) .
7 المستدرك (2/17) .
8 تقدم عند حديث رقم (3) .
(4/335) .
10 (ص128) .
11 (8/415-416) .
بها أبا حنيفة وابن أبي ليلى وابن شبرمة - فذكر قصةً - جاء فيها أن أبا حنيفة حدّث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن بيع وشرط". وفي إسنادهم جميعاً عبد الله بن أيوب بن زاذان الضرير، وهو متروك كما قال الدارقطني1. وكذلك شيخه محمد بن سليمان الذهلي، لم أجد له ترجمة.
وقد تابع عبد الله بن أيوب بن زاذان، عبد الله بن فيروز الديلمي، كما عند الخطابي في معالم السنن2.
وعبد الله بن فيروز الديلمي والراوي عنه وهو محمد بن هاشم بن هشام، لم أجد لهما ترجمة.
وإضافة إلى ما تقدم من ضعف الإسناد، فإن في المتن نكارة، وذلك أن جميع طرق الحديث عن عمرو بن شعيب جاء فيها:"نهى عن شرطين في بيع". ولذا حكم ابن القيم على لفظ "نهى عن بيع وشرط"" بأنه لا يعلم له إسناد يصح، مع مخالفته للسنة الصحيحة والقياس، ولانعقاد الإجماع على خلافه3.
وقد سبق ابن القيم في إنكار لفظ: "نهى عن بيع وشرط" شيخ الإسلام ابن تيمية4.
وروى هذا الحديث ابن أبي شيبة5، والبيهقي6 من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وفيه: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد إلى
1 ميزان الاعتدال (3/108) .
(3/774) .
3 أعلام الموقعين (2/369) .
4 انظر: الفتاوى (18/63) و (29/132) ، منهاج السنة (4/115) .
5 المصنف (5/238) .
6 السنن الكبرى (5/339-340) .
أهل مكة فقال: تدري إلى أين بعثتك؟ بعثتك إلى أهل الله. ثم قال: "انههم عن أربع
…
"، ثم ذكر الحديث بنحوه. وهذا لفظ ابن أبي شيبة.
ورواه ابن عدي1، والطبراني في الأوسط2، والبيهقي3، كلهم من طرقٍ عن يحيى بن بكير ثنا يحيى بن صالح الأيلي عن إسماعيل بن أمية عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس رضي الله عنهما "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعتاب بن أسيد: إني قد بعثتك على أهل الله، أهل مكة
…
" الحديث.
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن إسماعيل بن أمية إلا يحيى بن صالح، تفرد به يحيى بن بكير".
وقال الهيثمي: "فيه يحيى بن صالح الأيلي، قال الذهبي: روى عنه يحيى بن بكير مناكير. قلت: ولم أجد لغير الذهبي فيه كلاماً، وبقية رجاله رجال الصحيح"4.
ونسبة الهيثمي هذا الكلام للذهبي وهم؛ وذلك لأن الذهبي إنما نقل هذا الكلام من العقيلي وليس صادراً عنه5. وتمام كلام العقيلي: "يحيى بن صالح الأيلي عن إسماعيل بن أمية عن عطاء أحاديث مناكير أخشى أن تكون منقلبة، هو بعمر بن قيس أشبه"6. وعمر بن قيس هو المكي، المعروف بسندل، متروك7.
1 الكامل (7/245) .
2 المعجم الأوسط (9/21) .
3 السنن الكبرى (5/313) .
4 مجمع الزوائد (4/88) .
5 ميزان الاعتدال (6/60) .
6 الضعفاء (4/409) .
7 انظر تهذيب التهذيب (7/491-493)، تقريب التهذيب: رقم الترجمة (4959) .
وقد ذكر ابن عدي هذا الحديث في ترجمة يحيى بن صالح وقال: "قد روي عن يحيى بن بكير عن يحيى بن صالح الأيلي غير ما ذكرت، وكلها غير محفوظة".
وقال فيه البيهقي: "غير قوي"1.
ولذلك قال فيه ابن حجر: "منكر الحديث"2.
وممن حكم على هذا الإسناد بالنكارة البيهقي3.
فعلى ذلك فإن المحفوظ في هذا الحديث أنه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
وأما ما رواه النسائي في الكبرى4، وابن حبان5 بإسنادهما عن ابن جريج أخبرني عطاء عن عبد الله بن عمرو قال: يا رسول الله، إنا نسمع منك أحاديثًا فتأذن لنا أن نكتبها؟ قال:" نعم". فكان أول ما كتب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة: "لا يجوز شرطان في بيع واحد، ولا بيع وسلف جميعاً، ولا بيع ما لم يضمن، ومن كان مكاتباً على مائة درهم فقضاها إلا عشرة دراهم فهو عبد، أو على مائة وقية فقضاها إلاّ وقيتين فهو عبد".
فقد اختلف في عطاء هذا هل هو الخراساني أم ابن أبي رباح؟
1 معرفة السنن والآثار (8/108) .
2 التلخيص الحبير (3/25) .
3 السنن الكبرى (5/313) .
4 السنن الكبرى (3/197) .
5 الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان (10/161) .
فذهب ابن حزم1 وتبعه عبد الحق2 إلى أن عطاء هو الخراساني. واختار هذا الزيلعي3.
وذهب ابن عساكر4، والمزي5، وابن كثير6، وابن حجر7 إلى أنه ابن أبي رباح.
1 المحلّى (9/231) . وعبارته: "عطاء هذا هو الخراساني، لم يسمع من عبد الله بن عمرو بن العاص شيئاً، ولا من أحدٍ من الصحابة إلا من أنس وحده".
وقد نسب نحو هذه العبارة الزيلعي وابن حجر إلى النسائي. ولم أجد هذه العبارة عند النسائي في سننه الكبرى في المطبوع والمخطوط منها (المخطوط: 67/ب) .
وقد اضطربا في ذلك - أي الزيلعي وابن حجر رحمهما الله - فالزيلعي نسبها في موضع إلى النسائي، وذلك في (نصب الراية (4/19)، وفي موضع آخر (4/143) ذكر عن النسائي أنه قال:"هذا حديث منكر، وهو عندي خطأ".
وأما جملة: "عطاء هو الخراساني
…
" فنسبها إلى عبد الحق، وكلام الزيلعي في هذا الموضع ليس فيه أدنى إشارة إلى أن النسائي يثبت عنه شيء في تعيين عطاء الوارد في الإسناد.
وأما ابن حجر فكذلك أيضاً فإنه ذكر في حاشيته على موارد الظمآن - للهيثمي - (مخطوط 84/ أ) عن النسائي أنه قال: "عطاء هو الخراساني ولم يسمع من عبد الله بن عمرو، ولا أعلم أحداً ذكر له سماعاً منه"، بينما ذكر الحافظ هذا الحديث في كتابه إتحاف المهرة في ترجمة عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ولم يذكر لعطاء الخراساني عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما شيئاً. ثم إن الحافظ ميز في كتابه التلخيص (4/216) بين كلام ابن حزم الذي فيه تعيين عطاء الوارد في الإسناد وبين كلام النسائي في الحكم على الحديث بالنكارة.
ومما يؤيد أن تعيين عطاء الوارد في الإسناد لا يثبت عن النسائي، أن المزي نقل كلامه وليس فيه هذا التعيين. تحفة الأشراف (6/362) .
2 الأحكام الوسطى (4/20) .
3 نصب الراية (4/143) .
4 نصب الراية (4/143) .
5 حيث ذكر هذا الحديث في كتابه تحفة الأشراف (6/362) في ترجمة عطاء بن أبي رباح عن عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما.
6 جامع المسانيد والسنن (26/317-318) .
7 حيث ذكر هذا الحديث في ترجمة عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وذلك في كتابه إتحاف المهرة - مخطوط (131- أ، ب) .
والذي يترجح لي أنه عطاء الخراساني، وذلك لأنه جاء منسوباً بذلك في بعض الروايات كما عند عبد الرزاق1، وكذلك الخطيب البغدادي2 مختصراً.
فإذا ترجّح أن عطاء هو الخراساني فإنه لم يسمع هذا الحديث من عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما وإنما أخذه من عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، هكذا رواه الحاكم3 والخطيب البغدادي4 مختصراً. ويؤيد هذا أن الشافعي قال عن حديث النسائي وابن حبان:"لم أعلم أحداً روى هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا عمرو ابن شعيب"5.
ولعلّ هذا هو سبب حكم النسائي على حديث عطاء عن عبد الله بن عمرو هذا بقوله: "هذا حديث منكر، وهو عندي خطأ"6. والله أعلم.
فعلى هذا فيكون رجع هذا الإسناد إلى حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وقد تقدم القول فيه. والله أعلم.
69 -
(7) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "ابتعت زيتاً في السوق، فلمّا استوجبته لنفسي لقيني رجلٌ فأعطاني به ربحاً حسناً، فأردت أن أضرب على يده، فأخذ رجلٌ من خلفي بذراعي،
1 المصنف (8/410،411-412) .
2 تقييد العلم (ص77) .
3 المستدرك (2/17) .
4 تقييد العلم (ص76) .
5 السنن الكبرى (10/324) .
6 نقل هذا المزي والزيلعي وابن كثير.
فالتفتُّ فإذا زيد بن ثابت، فقال: لا تبعه حيث ابتعته حتى تحوزه إلى رحلك؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم".
رواه أبو داود1، وأحمد2، وابن حبان3، والطبراني4، والدارقطني5، والحاكم6، كلهم من طرقٍ عن محمد بن إسحاق عن أبي الزناد عن عبيد بن حنين عنه به.
وعند أحمد وابن حبان تصريح ابن إسحاق بالسماع من أبي الزناد.
وقد تابع ابن إسحاق جرير بن حازم فيما رواه الطبراني7، والدارقطني8. وتابعه أيضاً إسحاق بن حازم فيما رواه الدارقطني9، إلا أن في إسناده الواقدي، وهو محمد بن عمر، تركه أحمد وابن المبارك. وكذبه أحمد في رواية، والشافعي، وإسحاق، والنسائي، وابن المديني، وغيرهم10.
وأما أبو الزناد، فهو عبد الله بن ذكوان القرشي، وهو ثقة11.
وعبيد بن حنين، فهو أبو عبد الله المدني، وهو ثقة12 أيضاً.
1 سنن أبي داود [كتاب البيوع (3/765) ] .
2 المسند (5/191) .
3 الإحسان (11/360) .
4 المعجم الكبير (5/113-114) .
5 سنن الدارقطني (3/13) .
6 المستدرك (2/40) .
7 المعجم الكبير (5/113) .
8 سنن الدارقطني (3/12) .
9 المرجع السابق.
10 تهذيب التهذيب (9/363-368) .
11 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (3302) .
12 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (4368) .
فمما سبق يتبين أن الحديث صحيح من حديث ابن إسحاق وجرير بن حازم. والله أعلم.
70 -
(8) عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: يا رسول الله؛ يأتيني الرجل فيريد مني البيع ليس عندي، أفأبتاعه له من السوق؟ قال:"لا تبع ما ليس عندك".
جاء هذا الحديث عن حكيم بن حزام رضي الله عنه من ثلاث طرق:
الطريق الأولى: يوسف بن ماهك عنه به:
اختلف فيه فرواه أبو داود1 باللفظ المذكور، والترمذي2، والنسائي3، وابن ماجه4، وأحمد5، كلهم من هذا الطريق. قال الترمذي:"حديث حسن".
ورواه الطيالسي6، وعبد الرزاق7، وأحمد8، وابن الجارود9، والطحاوي10، كلهم من طرقٍ عن يوسف بن
1 سنن أبي داود [كتاب البيوع (3/768-769) ] .
2 جامع الترمذي [كتاب البيوع (3/534،536) ] .
3 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/289) ] .
4 سنن ابن ماجه [كتاب التجارات (2/737) ] .
5 المسند (3/402،434) .
6 مسند الطيالسي (ص187) .
7 المصنف (8/38،39) .
8 المسند (3/402) .
9 المنتقى (2/182-183) .
10 شرح معاني الآثار (4/41) . وقد رواه بإسنادين، وقد وقع في المطبوع منه سقط في إسناد الثاني منهما.
ماهك عن عبد الله بن عصمة عن حكيم بن حزام رضي الله عنه به. فذكروا واسطة بين يوسف بن ماهك وحكيم بن حزام رضي الله عنه. وجميع من روى هذا الحديث عن يوسف بن ماهك لم يذكروا تصريح يوسف بن ماهك بالسماع من حكيم بن حزام رضي الله عنه ما عدا رواية همام بن يحيى العَوْذي عن يحيى بن أبي كثير عن يعلى بن حكيم عن يوسف بن ماهك أن حكيم بن حزام حدثه به. رواها قاسم بن أصبغ في كتابه1.
واعتمد ابن حزم على رواية همام فأثبت اتصاله بين يوسف وحكيم بن حزام، فلذلك صحح الحديث من هذه الطريق2. إلا أن رواية همام قد أُعلت بمخالفة غيره له ممن لم يذكر سماع يوسف من حكيم. فقال عبد الحق الإشبيلي:"هكذا ذكر- يعني هماماً - سماع يوسف بن ماهك من حكيم بن حزام، وهشام الدستوائي يرويه عن يحيى ويدخل بين يوسف وحكيم عبد الله بن عصمة، وكذلك هو بينهما في غير حديثٍ"3.
وتابع هشاماً على روايته شيبان النحوي4، وأبان العطار5 وغيرهما.
والذي يظهر لي أن الخلل ليس من همام بن يحيى وإنما من نسخة كتاب قاسم بن أصبغ، فيكون سقط من كتابه ذكر
1 ذكر إسناد قاسم بن أصبغ ابن حزم في المحلَّى (8/519) .
2 المحلى (8/519) .
3 الأحكام الوسطى (3/238) .
4 عند ابن الجارود والطبراني (3/196) ، والبيهقي (5/313) .
5 عند الدارقطني (3/8-9) .
عبد الله بن عصمة بين يوسف بن ماهك وحكيم بن حزام رضي الله عنه. وقد روى ابن حبان1، والدارقطني2 هذا الحديث من طريق همام بن يحيى عن يحيى بن أبي كثير به، وذكرا عبد الله بن عصمة بين يوسف وحكيم. قال ابن القطان:"هكذا رواه قاسم بن أصبغ، وأنا أخاف أن يكون سقط من الإسناد ابن عصمة، ورواية الدارقطني تبين ذلك"3.
وممن رجّح ذكر الواسطة بين يوسف بن ماهك وحكيم بن حزام رضي الله عنه ابن عبد الهادي4.
فإذا ترجّح أن يوسف بن ماهك لم يسمعه من حكيم بن حزام رضي الله عنه وأنه سمعه من عبد الله بن عصمة، فقد تابعه في الرواية عن عبد الله بن عصمة عطاء بن أبي رباح، وذلك فيما رواه النسائي5، والشافعي6، وأحمد7، والطحاوي8، كلهم من طرقٍ عن عطاء به.
فعلى ذلك فإن مدار هذه الطريق على عبد الله بن عصمة، وهو الجشمي، ذكره البخاري9، وابن أبي حاتم10 ولم يذكرا
1 الإحسان (11/358) .
2 سنن الدارقطني (3/9) .
3 نصب الراية (4/32) .
4 نصب الراية (4/33) .
5 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/286) ] .
6 الرسالة (ص336) .
7 المسند (3/403) .
8 شرح معاني الآثار (4/38) .
9 التاريخ الكبير (5/158) .
10 الجرح والتعديل (5/126) .
فيه جرحاً ولا تعديلاً، وذكره مسلم في تابعي أهل مكة1. وذكره ابن حبان في الثقات2.
وأما قول ابن حزم فيه: متروك3. وكذا قول عبد الحق: ضعيف جداً4. فأجاب عن قولهما ابن عبد الهادي فقال: "كلاهما مخطئ في ذلك، وقد اشتبه عليهما عبد الله بن عصمة هذا بالنصيبي أو غيره ممن يسمى عبد الله بن عصمة"5.
وكذلك تعقب ابن القطان عبد الحق فقال: "بل هو مجهول الحال"6.
وأما الذهبي فقد اضطرب فيه، فقال في الميزان:"لا يعرف"7، وقال في الكاشف:"ثقة"8، وأصاب ابن حجر فجعله في مرتبة:"مقبول"9.
فمما سبق يتبين أن هذه الطريق ضعيفة لجهالة عبد الله بن عصمة، ولكنه يصلح للمتابعة، وقد توبع كما سيأتي.
1 الطبقات (1/268) رقم (1071) .
2 الثقات (5/27) .
3 المحلى (8/519) .
4 الأحكام الوسطى (3/238) .
5 نصب الراية (4/33) .
6 تهذيب التهذيب (5/322) . وقد قال ابن عبد الهادي إن ابن القطان تبع عبد الحق. (نصب الراية: 4/33) . وهذا فيه نظر؛ لأن ابن القطان لم يتابع عبد الحق بل تعقبه. والله أعلم.
7 ميزان الاعتدال (3/175) .
8 الكاشف (2/98) .
9 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (3477) .
الطريق الثانية: عطاء بن أبي رباح عن صفوان بن موهب عن عبد الله بن محمد بن صيفي عنه به.
رواه النسائي1، والشافعي2، وأحمد3، والطحاوي4، والطبراني5 كلهم من هذا الطريق.
وصفوان بن موهب، وعبد الله بن محمد بن صيفي لم يوثقهما غير ابن حبان6، ولذا قال الحافظ ابن حجر في كلٍّ منهما:"مقبول"7.
والحكم على هذه الطريق كالحكم على الطريق السابقة.
الطريق الثالثة: عطاء بن أبي رباح عن حزام بن حكيم عن أبيه به.
رواه النسائي8، وابن أبي شيبة9، والطحاوي10، وابن حبان11، والطبراني12 كلهم من هذا الطريق.
1 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/286) ] .
2 الرسالة (ص335-336) .
3 المسند (3/403) .
4 شرح معاني الآثار (4/38) .
5 المعجم الكبير (3/194) .
6 الثقات (6/469-470) ، (5/44) .
7 تقريب التهذيب: رقم ترجمتهما (2942،3584) .
8 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/286) ] .
9 المصنف (5/155) .
10 شرح معاني الآثار (4/38) .
11 الإحسان (11/361) .
12 المعجم الكبير (3/197) .
ولفظ النسائي: عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: ابتعت طعاماً من طعام الصدقة، فربحت فيه قبل أن أقبضه. فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له فقال:"لا تبعه حتى تقبضه ".
وحزام بن حكيم بن حزام لم يوثقه غير ابن حبان أيضاً1. ولذا قال فيه الحافظ ابن حجر: "مقبول"2.
هذه هي الطرق التي وقفت عليها في حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه. وأما ما رواه الطبراني3 من طرقٍ عن محمد بن سيرين عن حكيم بن حزام رضي الله عنه به فقد أعله بالانقطاع بين محمد بن سيرين وحكيم، البخاري4 والترمذي5. قال الترمذي:"هذا حديث مرسلٌ، إنما رواه ابن سيرين عن أيوب السختياني عن يوسف بن ماهك عن حكيم بن حزام".
فيكون بذلك قد عاد حديث محمد بن سيرين إلى حديث يوسف بن ماهك، وقد سبق ذكره.
والحديث بمجموع طرقه وشواهده حديث حسن. والله أعلم.
قال ابن المنذر: "بيع ما ليس عندك يحتمل معنيين:
أحدهما: أن يقول: أبيعك عبد اً أو داراً معينة وهي غائبة، فيشبه بيع الغرر، لاحتمال أن تتلف أو لا يرضاها.
1 الثقات (4/188) .
2 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (1189) .
3 المعجم الكبير (3/206،207) .
4 التاريخ الكبير (6/517) .
5 جامع الترمذي (3/536) .
ثانيهما: أن يقول: هذه الدار بكذا على أن اشتريها لك من صاحبها أو على أن يسلمها لك صاحبها"1.
قال ابن حجر: قصة حكيم موافقة للاحتمال الثاني2.
وقد روى الحديث العقيلي3 والطبراني4، كلاهما من طريق العلاء بن خالد الواسطي عن منصور بن زاذان عن محمد بن سيرين عن حكيم رضي الله عنه به، بلفظ:"نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع خصال في البيع: عن سلف وبيع، وشرطين في بيع، وبيع ما ليس عندك، وربح ما لم يضمن".
قال الهيثمي: "فيه العلاء بن خالد الواسطي، وثقه ابن حبان وضعفه موسى بن إسماعيل"5.
والعلاء بن خالد الواسطي رماه موسى بن إسماعيل بالكذب6، وهو الذي روى عنه هذا الحديث، وكذلك رماه بالكذب يحيى القطان وابن معين7.
وأما قول الهيثمي: "وثقه ابن حبان". فالجواب عنه أن ابن حبان قد اضطرب في العلاء بن خالد الواسطي، فذكره في الثقات8 كما قال الهيثمي، وذكره أيضاً في المجروحين فقال فيه:"كان يُعْرف بأربعة أحاديث، ثم زاد الأمر وجعل يحدث بكلّ شيء سئل، فلا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل القدح فيه"9.
1 فتح الباري (4/409-410) .
2 سوف يأتي ذكر المزيد في هذا في الدراسة الفقهية.
3 الضعفاء (3/345) .
4 المعجم الكبير (3/207) .
5 مجمع الزوائد (4/88) .
6 تهذيب التهذيب (8/180) .
7 الكامل (5/220) .
8 الثقات (7/267) .
9 المجروحين (2/183) .
فعلى هذا فإن الحديث بهذا اللفظ لا يثبت عن حكيم بن حزام رضي الله عنه لحال العلاء بن خالد الواسطي.
وأما متن الحديث فهو ثابت من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما كما تقدم ذكر حديثه.
71 -
(9) عن عتَّاب بن أسيد رضي الله عنه قال: "لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة نهاه عن شفِّ ما لم يضمن".
رواه ابن ماجه1 واللفظ له، وأبو يعلى2. وإسنادهما واحد وهو عثمان بن أبي شيبة عن ابن فضيل عن ليث بن أبي سليم عن عطاء بن أبي رباح عنه به. إلا أن لفظ أبي يعلى أتم من لفظ ابن ماجه، ولفظه:"نهاه عن سلف وبيع، وعن شرطين في بيع، وعن بيع ما ليس عندك، وشفِّ ما لم يضمن".
قال البوصيري: "هذا إسناد ضعيف، وليث هو ابن أبي سليم ضعفه الجمهور، وعطاء هو ابن أبي رباح لم يدرك عتاباً"3. وذكر البوصيري بعض الشواهد له.
وقد تقدم الكلام في ليث بن أبي سليم وأنه ضعيف4.
وأشار البوصيري إلى علة أخرى في هذا الإسناد، وهي الانقطاع بين عطاء وعتاب بن أسيد رضي الله عنه. وحكم على رواية عطاء بن أبي رباح عن عتاب ابن أسيد بالانقطاع المزي أيضاً5.
1 سنن ابن ماجه [كتاب التجارات (2/738) ] .
2 إتحاف الخيرة المهرة (ص146-147) .
3 المصدر السابق. وانظر: مصباح الزجاجة (3/15) .
4 تقدم عند الطريق السابعة لحديث ابن عمر رضي الله عنهما رقم (9) .
5 تهذيب الكمال (20/71) .
وللحديث طريق أخرى، فرواه الطبراني في الكبير1 بإسناده عن موسى بن عبيدة عن أخيه عبد الله بن عبيدة عن عتاب بن أسيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له حين أمره على مكة:"هل أنت مبلغ عني قومك ما آمرك به؟ قل لهم: لا يجمع أحدٌ بيعاً ولا سلماً، ولا يبع أحدٌ بيع غرر، ولا يبع أحدٌ ما ليس عنده".
وموسى بن عبيدة هو ابن نُشيط الرَّبذي المدني. قال فيه ابن معين: ليس بالكذوب ولكنه روى عن عبد الله بن دينار أحاديث مناكير. وقال مرّةً: ليس بشيء. وقال أحمد: لا تحل الرواية عنه. وقال يعقوب بن شيبة: صدوق ضعيف الحديث جداً2.
فمما تقدم يتبين أن موسى بن عبيدة الربذي ضعيف جداً، ولا سيما في عبد الله بن دينار، فلا يعتبر به. وهذا الحكم أولى من قول ابن حجر فيه في تقريب التهذيب:"ضعيف، ولا سيما في عبد الله بن دينار"3. وأصاب في الفتح فقال: "ضعيف جداً"4.
فمما تقدم يتبين أن إسناد هذا الحديث إلى عتاب بن أسيد رضي الله عنه ضعيف. إلا أنه قد سبق عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعتّاب هذا الحديث. فهو من مسند عبد الله بن عمرو لا عتاباً رضي الله عنهم.
1 المعجم الكبير (17/162) .
2 تهذيب التهذيب (10/357-358) .
3 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (6989) .
4 فتح الباري (7/694) .
72 -
(10) عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهى رب النخل أن يدين في ثمر نخله حتى يؤكل من ثمرتها مخافة أن يدين بدينٍ كثير فتفسد الثمرة فلا يوفَّى عنه، وكان ينهى رب الزرع أن يدين في زرعه حتى يبلغ الحصد، وكان ينهى رب الذهب إذا باعها بطعامٍ في الثمر أن يبيع الطعام حتى يكال الطعام فيقبضه مخافة الربا".
رواه الطبراني في الكبير1 بإسناده عن مروان بن جعفر السمري، عن محمد بن إبراهيم بن خبيب بن سليمان بن سمرة، عن جعفر بن سعد بن سمرة عن خبيب بن سليمان بن سمرة عن أبيه عنه به.
ومروان بن جعفر قال فيه أبو حاتم: صدوق صالح الحديث2.
وأما محمد بن إبراهيم بن خبيب، فقال ابن حبان: لا يعتبر بما انفرد به من الإسناد3.
وقد تابعه يوسف بن خالد السمتي كما عند البزار4، إلا أن يوسف بن خالد متروك كما تقدم5.
فعلى هذا فلا تصلح هذه المتابعة لشدة ضعف يوسف بن خالد السَّمتي.
1 المعجم الكبير (7/260) .
2 الجرح والتعديل (8/276) .
3 الثقات (9/58) .
4 كشف الأستار (2/96) .
5 تقدم عند حديث رقم (42) .
وأما جعفر بن سعد بن سمرة، وخبيب بن سليمان بن سمرة، وأبوه، فقال ابن القطان:"ما من هؤلاء يعرف حاله، وقد جهد المحدِّثون فيهم جهدهم، وهو إسناد يروى به جملة أحاديث قد ذكر البزار منها نحو المائة"1.
وقال ابن حزم في جعفر بن سعد وخبيب بن سليمان: مجهولان2.
وقال عبد الحق الإشبيلي في جعفر بن سعد: ليس ممن يعتمد عليه، وقال ابن عبد البر: ليس بالقوي3.
وقال الذهبي في خبيب بن سليمان: لا يُعرف4. وقال: مجهول الحال5.
وقال في سليمان بن سمرة: ليس بالمشهور6.
وخلص الحافظ الذهبي في الحكم على هذا الإسناد بقوله: "بكلِّ حالٍ هذا إسناد مظلم لا ينهض بحكم"7.
فمما سبق يتبين أن هذا الإسناد ضعيف. والله أعلم.
1 ميزان الاعتدال (1/407) ، تهذيب التهذيب (2/94) .
2 ميزان الاعتدال (1/407) .
3 تهذيب التهذيب (2/94) .
4 ميزان الاعتدال (2/172) .
5 ميزان الاعتدال (1/407) .
6 ميزان الاعتدال (1/408) .
7 المرجع السابق.
73 -
(11) عن يعلى بن أمية رضي الله عنه قال: استعمل النبي صلى الله عليه وسلم عتَّاب بن أسيد على مكة فقال: "إني قد أمرتك على أهل الله عز وجل بتقوى الله عز وجل، ولا يأكل أحدٌ منهم من ربح ما لم يضمن، وانههم عن سلفٍ وبيعٍ، وعن صفقتين في البيع الواحد، وأن يبيع أحدهم ما ليس عنده".
رواه البيهقي1 بإسناده عن محمد بن إسحاق عن عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه به.
ومحمد بن إسحاق مدلِّس ولم يصرِّح بالسماع في هذا الحديث. وعطاء هو ابن أبي رباح. وصفوان بن يعلى بن أمية التميمي ثقة2.
فمما سبق يتبين أن علة هذا الإسناد هي تدليس ابن إسحاق. وقد تقدم3 أن هذا الحديث إنما يحفظ من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. والله أعلم.
1 السنن الكبرى (5/313) .
2 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (2945) .
3 عند حديث رقم (68) .
دلالة الأحاديث السابقة:
يستفاد من هذه الأحاديث النهي عن بيع ما ليس عند البائع وقت العقد، لقوله صلى الله عليه وسلم لحكيم رضي الله عنه:"لا تبع ما ليس عندك".
وقد أجمع العلماء على النهي عن بيع ما لم يملك1.
وذلك أن الذي يبيع ما ليس عنده قد ربح ما لم يضمن، وهو منهي عنه كما سبق في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما وغيره، فالشارع أباح الربح للتاجر بشرط أن تكون السلعة في ضمانه قبل بيعها؛ ليكون الربح مقابل ضمانه، والخراج بالضمان، فإذا باع التاجر سلعة لا يضمنها، وذلك بأن لا تكون في ملكه، فذلك لا يجوز؛ سواء أكانت هذه السلعة معينة أم في الذمة، وهو المراد بنهي النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:"لا تبع ما ليس عندك"2.
وألحق جمهور العلماء بهذا النهي أن يبيع في الذمة ما يملكه وهو السلم الحال، وقالوا: إذا كان عنده فإنه لا يبيعه إلا معينًا، وليس له أن يبيعه في الذمة.
وذهب الشافعي إلى جواز السلم الحال، وقال:"إذا جاز السلم المؤجل جاز السلم الحال من باب أولى"3، واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية4.
أما السلم المؤجل فقد اتفق الفقهاء على جوازه، وهو أن يسلم عوضًا حاضرًا في عوض موصوف في الذمة إلى أجل5.
1 المبدع (4/18) .
2 انظر تفسير آيات أشكلت (2/691) .
3 انظر الأم للشافعي (9/100) .
4 انظر تفسير آيات أشكلت (2/692) .
5 المغني (4/312) .
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن السلم المؤجل مستثنى من النهي عن بيع ما ليس عند البائع؛ للنصوص الواردة في إباحته، وذهب الشافعي إلى أن السلم بيع لما في الذمة، وبيع ما ليس عندك بيع لما في الأعيان1، فافترقا.
ورجح شيخ الإسلام ابن تيمية ما قدمناه أولاً في المراد في النهي عن بيع ما ليس عندك، وهو أن يبيع في الذمة ما ليس هو مملوكًا له، أو يملكه لكن لا يقدر على تسليمه؛ فالعندية ليست عندية الحس والمشاهدة، وإنما هي عندية الحكم والتمكين2.
وبيع ما ليس عندك من قسم القمار والميسر؛ لأنه قصد أن يربح على هذا لما باعه ما ليس عنده، والمشتري لا يعلم أنه يبيعه ثم يشتري من غيره.
وأكثر الناس لو علموا لم يشتروا منه، بل يذهبون هم فيشترون من حيث اشترى هو، وإن قدر أن منهم من يعلم ويشتري؛ كما لو كانت عنده؛ لكونه يشتريها من مكان بعيد، أو يشتري جملة ونحو ذلك مما قد يتعسر على المشتري منه، وإنما يفعل ذلك إذا ظن أن هذا الربح هو الربح لو كانت عنده.
وليست المخاطرة الموجودة في بيع ما ليس عندك مخاطرة تجارة، وإنما مخاطرة ميسر وقمار، وذلك يتضمن أكل أموال الناس بالباطل، وهي كمخاطرة بالبيع قبل القدرة على التسليم؛ كبيع الثمار قبل بدو صلاحها، أو بيع حبل الحبلة، أو بيع العبد الآبق، وغير ذلك
…
فإذا اشترى التاجر السلعة، وصارت عنده ملكًا، وقبضها فحينئذ دخل في خطر التجارة الذي لا بد منه، وباع بيع التجارة كما أحلها الله تعالى3.
1 انظر الرسالة للشافعي (ص 339-340) .
2 تهذيب السنن (9/299) .
3 انظر تفسير آيات أشكلت (2/700-702) .
فإذا تبين مما تقدم معنى النهي عن بيع ما ليس عند البائع، فإن الشارع تأكيدًا لهذا الجانب نهى عن بيع السلع حتى تقبض وتضمن.
وهذا القبض واجب في كل مبيع، سواءً أكان مطعوماً أم غير مطعومٍ، وسواءً أكان منقولاً أم عقاراً، وسواء أبيع مقدّراً أم جزافاً، وقبض كل شيءٍ بحسبه، فإن كان غير منقول وهو العقار كالبناء ونحوه الشجر، فبالتخلية بين المشتري وبينه وتمكينه من التصرف فيه بتسليمه المفتاح ونحوه.
وإن كان منقولاً وبيع جزافاً فقبضه يتم بنقله من حوزة البائع إلى غيره.
وإن كان المبيع منقولاً وبيع مقدراً بكيلٍ أو وزنٍ أو عدٍ أو نحو ذلك، فلا يكفي النقل، بل لابد أيضاً من توفيته، وذلك بكيل ما بيع بالكيل، ووزن ما بيع بالوزن، وعد ما بيع بالعد وهكذا.
وهذا هو الذي دلّ عليه مجموع الأحاديث السابقة. وبهذا القول قال الشافعي1.
وأما مالك فخص النهي عن بيع ما لم يقبض بالطعام فقط2.
وأبو حنيفة استثنى العقار من اشتراط القبض فيه، لأن الحنفية يرون أن الحكمة في النهي عن بيع ما لم يقبضه هو احتمال هلاك المبيع. قالوا: وهذا الهلاك لا يتوهم حصوله في العقار3. والقبض عند الحنفية فيما يشترط فيه القبض يتم ولو بالتخلية4.
1 المجموع (9/319) فما بعدها، روضة الطالبين (3/515-518) ، الحاوي (5/226-228) .
2 المعونة (2/972) .
3 بدائع الصنائع (5/180-181) .
4 المرجع السابق (5/244-245) .
وأما الحنابلة فعندهم روايات في هذه المسألة أشهرها أن النهي عن بيع ما لم يقبض هو فيما إذا كان المبيع مكيلاً أو موزوناً وبيع بهما، فيشترط فيه الكيل أو الوزن مع النقل1.
وقد تقدم أن الذي تدل له السنة هو القول بعموم النهي عن بيع ما لم يقبض. وكذلك بيع ما لم يقبض فيه ربح ما لم يضمن2، وقد نُهي عنه كما جاء في بعض أحاديث هذا الفصل3.
ومعنى ربح ما لم يضمن، هو أن يبيع سلعة قد اشتراها ولم يكن قبضها، فهي من ضمان البائع الأول ليس من ضمان المشتري، فهذا لا يجوز بيعه حتى يقبضه فيكون من ضمانه. قاله الخطابي4.
قال ابن العربي: "وأما ربح ما لم يضمن فإنما لم يجز؛ لأن بيعه لا يجوز؛ لأن ما لم يضمن إما أنه لا يملك فيكون من بيع ما ليس عندك، وإما لأنه غير مقدورٍ على تسليمه، فيكون من باب الغرر والمخاطرة"5.
وهناك صورة ثالثة يكون فيها الربح لما لم يضمن وهو بيع ما لم يقبض وإن كان مملوكاً. وقد تقدمت هذه الصورة في كلام الخطابي.
والنهي عن ربح ما لم يضمن من محاسن الشريعة، فإنه لم يتم عليه استيلاء ولم تنقطع علق البائع عنه فهو يطمع في الفسخ والامتناع من الإقباض إذا رأى المشتري قد ربح فيه، وإن أقبضه إياه فإنما يقبضه على
1 انظر: المبدع (4/117-122) .
2 انظر: تهذيب السنن (9/299) .
3 الأحاديث ذات الأرقام التالية: (68،70،71،73) .
4 معالم السنن (3/770) .
5 القبس (2/799) .
إغماضٍ وتأسفٍ على فوت الربح، فنفسه متعلقة به لم ينقطع طمعها منه. وهذا معلوم بالمشاهدة، فمن كمال الشريعة ومحاسنها النهي عن الربح فيه حتى يستقر عليه ويكون من ضمانه فييأس البائع من الفسخ وتنقطع علقه عنه1.
ويستثنى من النهي عن ربح ما لم يضمن بيع الثمار بعد بدو صلاحها وهي على رؤوس الشجر، ذلك أنه يجوز بيعها وهي كذلك على الصحيح، وإذا أصابتها جائحة من ريحٍ وغيره فإنها من ضمان البائع، وإنما جوز هذا البيع للحاجة إليه، فإن الثمار قد لا يمكن بيعها إلا كذلك، فلو منعناه من بيعها أضررنا به، ولو جعلناها من ضمانه إذا تلفت بجائحة أضررنا به أيضاً، فجاز البيع؛ لأنها في حكم المقبوض بالتخلية، وصارت من ضمان البائع بالجائحة؛ لأنها ليست في حكم المقبوض من جميع الوجوه2. والله أعلم.
والناظر في أسواق المسلمين اليوم يرى كثيرًا من المعاملات التي يبيع فيها بعض الناس ما ليس عنده، فإذا علم التاجر حاجة شخص إلى سلعة ما؛ كسيارة أو أثاث أو غيرهما، والحال أن هذا الشخص لا يستطيع شراء هذه السلعة بالنقد، فيقول له التاجر: أنا أشتري لك هذه السيارة وأبيعها لك مؤجلة بكذا، فيربح ما لم يضمن، فلا يجوز له أن يبيعها حتى يقبضها القبض الشرعي الذي سبق ذكره، ثم بعد ذلك للمشتري الخيار في الشراء.
ومن هذه الصور أيضًا ما يفعله بعض التجار في بعض الأسواق؛ كأسواق الماشية أو السيارات أو غيرهما؛ فيشتري سيارة في السوق، ثم يعرضها للبيع وهي في مكانها، وقد يشتريها آخر، ويعرضها للبيع مرة أخرى،
1 تهذيب السنن (9/298) .
2 انظر: تهذيب السنن (9/298) .
وهكذا، فقد تباع أكثر من مرة وهي ما زالت في مكانها من غير أن يتحقق لأحدهم قبض فيها.
وبسبب انتشار مثل هذه الصور في أسواق المسلمين وقع الضرر بمن يحتاج هذه السلع؛ لأنه يزيد في ثمنها من يريد الربح فيها فقط، والشارع أباح له الربح بشرط تحقق قبضه فيها، وضمانه لها، وكثير من هؤلاء التجار الذين يريدون الربح فقط لو علم أنه لا يربح فيها حتى يقبضها ويضمنها فإنه يكف عن الشراء، وبهذا تتوفر السلع في الأسواق لمن يحتاجها بثمن أقل.