الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس: ما ورد في النهي عن بيع ما يعلم أن المشتري يستعمل المبيع في الحرام
36 -
(1) عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع السلاح في الفتنة".
رواه أحمد بن منيع1، والبزار2، والعقيلي3، والطبراني في الكبير4، وابن عدي5، والبيهقي6. كلهم من طرقٍ عن بحر بن كنيز السقاء عن عبيد الله بن القبطية عن أبي رجاء العطاردي عنه به.
وبحر بن كَنِيز هو أبو الفضل السَّقاء قال فيه ابن معين: ليس بشيء. وقال أبو حاتم: ضعيف. وقال أبو داود والنسائي والدارقطني: متروك7. وقال ابن عدي: كل رواياته مضطربة ويخالف الناس في أسانيدها ومتونها والضعف على حديثه بيِّن. وقال أيضاً: هو إلى الضعف أقرب منه إلى غيره8. وجعله ابن حجر في مرتبة الضعيف9.
1 إتحاف الخيرة المهرة (ص314-315) .
2 كشف الأستار (4/117) .
3 الضعفاء (4/139) .
4 المعجم الكبير (18/136) .
5 الكامل (2/51) .
6 السنن الكبرى (5/327) .
7 تهذيب التهذيب (1/419) .
8 الكامل (2/55) .
9 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (637) .
والذي يظهر لي أنه ضعيف جداً لما تقدم من قول أكثر الأئمة فيه. والله أعلم.
وللحديث إسناد آخر، فقد رواه ابن عدي1 - ومن طريقه البيهقي2 - وعلقه العقيلي3 - ووصله البيهقي4 - والخطيب البغدادي5 بإسنادهم عن محمد بن مصعب عن أبي الأشهب عن أبي رجاء عنه به.
وأبو الأشهب هو جعفر بن حيان السعدي العطاردي البصري. ثقة6.
وأما محمد بن مصعب، فهو ابن صدقة القُرقُسائي. قال فيه ابن معين: ليس بشيء.
وقال أيضاً: لم يكن من أصحاب الحديث، كان مغفلاً.
وقال أيضاً: ليس يدري ما يحدث.
وقال أحمد: لا بأس به.
وقال أبو زرعة: صدوق في الحديث، ولكنه حدث بأحاديث منكرة، فسأله ابن أبي حاتم: فليس هذا مما يضعفه؟ قال: نظن أنه غلط فيه.
وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث.
وقال النسائي: ضعيف.
وقال ابن حبان: ساء حفظه فكان يقلب الأخبار ويرفع المراسيل، لا يجوز الاحتجاج به7.
1 الكامل (6/265-266) .
2 السنن الكبرى (5/327) .
3 الضعفاء (4/139) .
4 السنن الكبرى (5/327) .
5 تاريخ بغداد (3/278) .
6 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (935) .
7 تهذيب التهذيب (9/458-459) .
وخلص الحافظ ابن حجر إلى أنه صدوق كثير الغلط1.
ومما يدل على غلطه أنه قد اضطرب في هذا الحديث، فرواه مرة مرفوعاً كما سبق، وأخرى موقوفاً على عمران بن حصين رضي الله عنه، وذلك فيما رواه العقيلي2، وابن عدي3، والبيهقي4 بأسانيدهم عن يحيى بن معين عن محمد بن مصعب بإسناده موقوفاً.
وتابع محمد بن مصعب على الوقف سلم بن زرير كما قال العقيلي. وقد رواه أيضاً موقوفاً البخاري تعليقاً مجزوماً به عن عمران5 رضي الله عنه، ولذا رجح البيهقي وقفه فقال: رفعه وهم والموقوف أصح6. وكذلك قال الحافظ ابن حجر: الصواب وقفه7.
وجعل ابن معين8 والعقيلي الحديث من قول أبي رجاء، فيكون مقطوعاً.
ولكن الذي يظهر أنه موقوف على عمران بن حصين رضي الله عنه كما قال البيهقي وابن حجر لمتابعة سلم بن زرير لمحمد بن مصعب. والله أعلم.
1 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (6302) .
2 الضعفاء (4/138-139) .
3 الكامل (6/265) .
4 السنن الكبرى (5/327) .
5 صحيح البخاري - مع الفتح -[كتاب البيوع (4/باب رقم 37) ] .
6 السنن الكبرى (5/327) .
7 التلخيص الحبير (3/18) .
8 الضعفاء - للعقيلي - (4/139) .
وقد كره عمران بن حصين رضي الله عنه بيع السلاح في الفتنة؛ لأن في بيعه إذ ذاك إعانة لمن اشتراه.
قال ابن بطال: إنما كره بيع السلاح في الفتنة؛ لأنه من باب التعاون على الإثم1. والله أعلم.
37 – (2) عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حبس العنب أيام القطاف حتى يبيعه من يهودي أو نصراني، أو ممن يعلم أنه يتخذه خمرًا فقد أقدم على النار على بصيرة".
رواه ابن حبان في المجروحين2 وهذا لفظه - ومن طريقه ابن الجوزي في العلل المتناهية3 - والطبراني في الأوسط4، والسهمي5، والبيهقي في شعب الإيمان6.
كلهم من طرق عن عبد الكريم بن أبي عبد الكريم، عن الحسن بن مسلم، عن الحسين بن واقد، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه به.
قال ابن حبان: "وهذا حديث لا أصل له عن حسين بن واقد وما رواه ثقة، والحسن بن مسلم هذا راويه يجب أن يعدل به عن سنن العدول إلى المجروحين برواية هذا الخبر المنكر".
1 انظر: فتح الباري (4/378) .
2 المجروحين (1/236) .
3 العلل المتناهية (2/188) .
4 المعجم الأوسط (5/294) .
5تاريخ جرجان (ص241) .
6 شعب الإيمان (5/17) . ووقع في المطبوع منه في إسناده: أبو بردة عن أبيه. وهو خطأ، وإنما هو ابن بريدة عن أبيه.
وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن بريدة إلا بهذا الإسناد، تفرد به أحمد بن منصور المروزي".
وقد رواه ابن حبان من غير طريق أحمد بن منصور المروزي، فيستدرك على الطبراني.
وتكلم في الحديث من أجل عبد الكريم بن أبي عبد الكريم، والحسن بن مسلم المروزي التاجر. فقد ذكر ابن أبي حاتم هذا الحديث لأبيه فقال:"هذا حديث كذب باطل. قلت: تعرف عبد الكريم هذا؟ قال: لا. قلت: فتعرف الحسن بن مسلم؟ قال: لا، ولكن تدل روايتهم على الكذب"1.
ولما ترجم الذهبي للحسن بن مسلم قال فيه: "أتى بخبر موضوع في الخمر - ثم ذكر هذا الحديث -"2.
ونقل هذا الحافظ ابن حجر في لسان الميزان ولم يتعقبه بشيء3.
ولما ترجم لعبد الكريم بن أبي عبد الكريم نقل فيه قول ابن حبان: "عبد الكريم بن عبد الكريم البجلي عن عبد الله بن عمرو، وعنه جبارة بن المغلس مستقيم الحديث".
قال الحافظ بعده: "فالظاهر أنه هو الذي تكلم فيه أبو حاتم، ولعل ما أنكره أبو حاتم من جهة صاحبه جبارة، ويؤيده أن أبا حاتم قال قبل ذلك: لا أعرفه". انتهى كلام الحافظ4.
1 العلل (1/389) . وانظر: الجرح والتعديل (3/37) .
2 الميزان (2/46) . وانظر: المغني في الضعفاء (1/248) .
3 لسان الميزان (2/256) .
4 لسان الميزان (4/50) .
ولعل ترجيح الحافظ لقول ابن حبان هو الذي حمله على تحسين الحديث في كتابه بلوغ المرام1.
فيكون رجح أن يكون عبد الكريم مستقيم الحديث. وفات عليه أن في إسناده الحسن بن مسلم المروزي، وهو متهم بالكذب كما سبق من قول أبي حاتم. فالأولى أن يحكم على الحديث بالوضع. والله أعلم.
1 بلوغ المرام (167) .
دلالة الأحاديث السابقة:
الأحاديث الواردة في هذا الفصل، وإن لم يصح منها حديث، إلا أن مقاصد الشريعة جاءت بما دلت عليه من النهي عن بيع ما يعلم أن المشتري يستعمل المبيع في الحرام؛ لأن هذا البيع يتضمن الإعانة على الإثم والعدوان.
وقد سبق أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن عاصر الخمر1، وهو إنما يعصر عنبًا يصير عصيرًِا، والعصير حلال، يمكن أن يتخذ خلاً أو دبسًا وغير ذلك2، ولكنه إنما لعن من عصر العنب ليتخذ هو أو غيره الخمر منه. ويدخل في ذلك ما إذا باع العصير على من يعمل الخمر منه.
"وفي معنى هذا كل بيعٍ أو إجارة أو معاوضة تعين على معصية الله، كبيع السلاح للكفّار والبغاة وقطّاع الطريق، وبيع الرقيق لمن يفسق به أو يؤاجره لذلك، أو إجارة داره أو حانوته أو خانه لمن يقيم فيها سوق المعصية، ونحو ذلك مما هو إعانة على ما يبغضه الله ويسخطه"3.
ومن هذا أيضاً ينهى عن بيع عقارٍ أو آلة أو غيرها لمن يقيم فيها أو يستعملها في الحرام. ويعد هذا من باب سدِّ الذرائع. وهذا كله فيما إذا كان المبيع مباحاً في الأصل. وأما إذا كان محرّماً فهو داخل أيضاً في الفصل السابق وهو النهي عن بيع ما جاء في الشريعة تحريمه.
فإذا ثبت تحريم بيع ما يعلم أن المشتري يستعمل المبيع في الحرام، "فإنما يحرم البيع ويبطل إذا علم البائع قصد المشتري ذلك إما بقوله، وإما بقرائن
1 قد سبق عند حديث رقم (9،10،11،12،19) .
2 الفتاوى (29/275) .
3 إعلام الموقعين (3/207) .
محتفة به تدل على ذلك، فأما إذا كان الأمر محتملاً مثل أن يشتريها من لا يعلم حاله أو من يعمل الخل والخمر معاً ولم يلفظ بما يدل على إرادة الخمر فالبيع جائز"1. والله أعلم.
1 المغني (4/307) .