المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل السادس: ما ورد في النهي عن بيع الكلب والسنور - الأحاديث الواردة في البيوع المنهي عنها - جـ ١

[سليمان بن صالح الثنيان]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: الأحاديث الواردة في الأعيان المنهي عن بيعها

- ‌الفصل الأول: ما ورد في النهي عن بيع الميتة والخنزير والأصنام

- ‌الفصل الثاني ما ورد في النهي عن بيع الخمر

- ‌الفصل الثالث: ما ورد في النهي عن بيع الدم

- ‌الفصل الرابع: ما ورد في النهي عن ما حرم أكله وشربه

- ‌الفصل الخامس: ما ورد في النهي عن بيع ما يعلم أن المشتري يستعمل المبيع في الحرام

- ‌الفصل السادس: ما ورد في النهي عن بيع الكلب والسنور

- ‌الفصل السابع: ما ورد في النهي عن بيع الحر

- ‌الفصل الثامن: ما ورد في النهي عن بيع أمهات الأولاد

- ‌الفصل التاسع: ما ورد في النهي عن بيع المدبر

- ‌الفصل العاشر: ما ورد في النهي عن بيع الولاء

- ‌الفصل الحادي عشر: ما ورد في النهي عن بيع القينات

- ‌الفصل الثاني عشر: ما ورد في النهي عن بيع رباع مكة

- ‌الفصل الثالث عشر: ما ورد في النهي عن إضاعة المال

- ‌الباب الثاني: الأحاديث الواردة عن بيع ما ليس مملوكآ للبائع وقت العقد أو لم يقبضه بعد

- ‌الفصل الأول: ما ورد في النهي عن بيع ما لم يملك، وبيع ما لم يقبض

- ‌الفصل الثاني: ما ورد في النهي عن بيع فضل الماء والكلأ والنار

- ‌الفصل الثالث: ما ورد في النهي عن بيع المغانم حتى تقسم وعن بيع الصدقات بل أن تقبض

- ‌الفصل الرابع: ما ورد في النهي عن بيع الكالئ بالكالئ

- ‌الباب الثالث: الأحاديث الواردة في النهي عن بيوع الغرر

- ‌الفصل الأول: ما ورد في النهي عن بيوع الغرر

- ‌الفصل الثاني: ما ورد في النهي عن بيع حبل الحبلة والمضامين والملاقيح

- ‌الفصل الثالث: ما ورد في النهي عن بيع الملامسة والمنابذة

- ‌الفصل الرابع: ما ورد في النهي عن بيع الحصاة

- ‌الفصل الخامس: ما ورد في بيع اللبن في الضرع والصوف على الظهر والسمن في اللبن

- ‌الفصل السادس: ما ورد في النهي عن الثنيا في البيع إلا أن تعلم

- ‌الفصل السابع: ما ورد في النهي عن بيع المعاومة والسنين

- ‌الفصل الثامن: ما ورد في النهي عن البيع بضربة الغائص وبيع العبد الآبق

- ‌الفصل التاسع: ما ورد في النهي عن بيع عسب الفحل

- ‌الفصل العاشر: ما ورد في النهي عن بيع السمك في الماء

- ‌الفصل الحادي عشر: ما ورد في النهي عن بيع ما لم يتبين صلاحه

- ‌الباب الرابع: الأحاديث الواردة في النهي عن الشروط في البيع

- ‌الفصل الأول: ما ورد في النهي عن الشروط في البيع، وعن بيع وسلف

- ‌الفصل الثاني: ما ورد في النهي عن بيع العربان

- ‌الفصل الثالث: ما ورد في النهي عن بيعتين في بيعة

الفصل: ‌الفصل السادس: ما ورد في النهي عن بيع الكلب والسنور

‌الفصل السادس: ما ورد في النهي عن بيع الكلب والسنور

38 -

(1) عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن".

رواه البخاري1، ومسلم2، وأبو داود3، والترمذي4، والنسائي5، وابن ماجه6، ومالك7، والحميدي8، وابن أبي شيبة9، وأحمد10، والدارمي11، والطحاوي12. كلهم من طرقٍ عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عنه به. قال الترمذي: حسن صحيح.

وفي لفظ للطحاوي: "ثلاث هن سحت

" أي حرام.

قال مالك: يعني بمهر البغي ما تعطاه المرأة على الزنا، وحلوان الكاهن رشوته وما يعطى على ما يتكهَّن.

1 صحيح البخاري - مع الفتح -[كتاب البيوع (4/رقم 2237) ، كتاب الإجارة (4/رقم 2282) ، كتاب الطلاق (9/رقم 5346) ] .

2 صحيح مسلم [كتاب المساقاة (3/1198-1199) ] .

3 سنن أبي داود [كتاب البيوع (3/753) ] .

4 جامع الترمذي [كتاب البيوع (3/575) ، كتاب الطب (4/402) ] .

5 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/309) ] .

6 سنن ابن ماجه [كتاب التجارات (2/730) ] .

7 موطأ مالك (2/508) ] .

8 مسند الحميدي (1/214) .

9 مصنف ابن أبي شيبة (5/106) .

10 مسند أحمد (4/118،119،120) .

11 سنن الدرامي (2/332) .

12 شرح معاني الآثار (4/51،52) .

ص: 127

39 -

(2) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب والسِّنور".

جاء هذا الحديث عن جابر رضي الله عنه من طرق:

الطريق الأولى: الأعمش عن أبي سفيان عنه به:

رواه أبو داود1، والترمذي2، وابن الجارود3، والطحاوي4، والدارقطني5، والحاكم6، والبيهقي7. كلهم من هذا الطريق بهذا اللفظ المذكور.

قال الترمذي: "هذا حديث في إسناده اضطراب، ولا يصح في ثمن السِّنَّور، وقد روي هذا الحديث عن الأعمش عن بعض أصحابه عن جابر، واضطربوا على الأعمش في رواية هذا الحديث، وقد كره قومٌ من أهل العلم ثمن الهر، ورخص فيه بعضهم، وهو قول أحمد وإسحاق، وروى ابن فضيل عن الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير هذا الوجه". انتهى.

وقد أُعلَّ هذا الطريق بعلتين:

الأولى: ما أشار إليها الترمذي، وهي الاضطراب. فقد رواه وكيع عن الأعمش قال: أُرى أن أبا سفيان ذكره عن جابر قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم

1 سنن أبي داود [كتاب البيوع (3/752) ] .

2 جامع الترمذي [كتاب البيوع (3/577) ] .

3 المنتقى (2/168-169) .

4 شرح معاني الآثار (4/52) .

5 سنن الدارقطني (3/72) .

6 المستدرك (2/34) .

7 السنن الكبرى (6/11) .

ص: 128

عن ثمن الهر". رواه ابن أبي شيبة1، وأبو يعلى2. ورواه حفص بن غياث عن الأعمش قال: حدثني أبو سفيان عن جابر، أثبته مره، ومرة شكَّ في أبي سفيان عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه نهى عن ثمن الكلب والسِّنَّور". رواه الطحاوي3. قال البيهقي: "فالأعمش كان يشك في وصل الحديث فصارت رواية أبي سفيان بذلك ضعيفة"4.

الثانية: قال ابن عيينة: حديث أبي سفيان عن جابر إنما هي صحيفة. وكذا قال شعبة. وقال شعبة أيضاً وابن المديني: أبو سفيان لم يسمع من جابر إلا أربعة أحاديث5. وليس منها هذا الحديث.

وقد أجاب الحافظ ابن حجر عن تخريج البخاري لحديث أبي سفيان عن جابر رضي الله عنهما -6 وأنه إنما أخرجه مقرونًا. قال الحافظ: "وقد احتج به الباقون7 ومنهم الإمام مسلم، فقد أخرج له عدة أحاديث"8.

فعلى هذا فهذه الطريق ضعيفة لاضطرابها وانقطاعها. وقد ضعف ابن عبد البر رواية الأعمش هذه9.

1 المصنف (5/175) .

2 مسند أبي يعلى (4/187) .

3 شرح معاني الآثار (4/52) .

4 السنن الكبرى (6/11) .

5 تهذيب التهذيب (5/27) . وانظر: جامع التحصيل (ص245-246) .

6 هدي الساري (ص 431) .

7 المرجع السابق.

8 انظر تحفة الأشراف (2/191-202) .

9 التمهيد (8/403) .

ص: 129

الطريق الثانية: معقل عن أبي الزبير عنه به:

رواه مسلم1، والبيهقي2 من هذا الطريق. ولفظه: عن أبي الزبير قال: سألت جابراً رضي الله عنه عن ثمن الكلب والسِّنَّور قال: "زجر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك".

الطريق الثالثة: ابن لهيعة عن أبي الزبير عنه به:

رواه ابن ماجه3، وأحمد4، والطحاوي5، كلهم من هذا الطريق. ولفظ ابن ماجه:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن السِّنَّور".

وابن لهيعة تقدم الكلام فيه6 وأنه ضعيف، إلا أنه قد توبع بما سبق.

الطريق الرابعة: حماد بن سلمة عن أبي الزبير عنه به:

رواه النسائي7، والطحاوي8، والدارقطني9، والبيهقي10، كلهم من هذا الطريق. ولفظهم:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب والسِّنَّور إلا كلب صيدٍ".

قال النسائي عن هذا الحديث: "ليس هو بصحيح"، وقال:"هذا منكر".

1 صحيح مسلم [كتاب المساقاة (3/1199) ] .

2 السنن الكبرى (6/10) .

3 سنن ابن ماجه [كتاب التجارات (2/731) ] .

4 المسند (3/339،349،386) .

5 شرح معاني الآثار (4/52،53) .

6 تقدم الكلام فيه عند حديث رقم (1) .

7 سنن النسائي [كتاب الصيد (7/190-191) ، كتاب البيوع (7/309) ] .

8 شرح مشكل الآثار (12/83) .

9 سنن الدارقطني (3/73) .

10 السنن الكبرى (6/6) .

ص: 130

ووجه النكارة في هذا المتن هو استثناء كلب الصيد من عموم الكلاب، وفي هذا مخالفة للروايات الأخرى.

وفيه علة أخرى وهي أنه قد اختلف على حماد بن سلمة في رفع هذا الحديث ووقفه. فرواه وكيع عن حماد عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه: " أنه كره ثمن الكلب إلا كلب صيدٍ"1.

ورواه عبد الواحد بن غياث - وهو صدوق2 - عن حماد عن أبي الزبير عن جابر قال: "نهى عن ثمن الكلب والسنور إلا كلب صيد"3. ورواه عبيد الله بن موسى عن حماد عن أبي الزبير عن جابر لا أعلمه إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم

" فذكر الحديث بمثله4. ورواه الهيثم بن جميل5 وسويد بن عمرو6 عن حماد مرفوعاً. وقد رجح الدارقطني الوقف7.

الطريق الخامسة: عمر بن زيد الصنعاني عن أبي الزبير عنه به:

رواه عبد الرزاق8 من هذا الطريق، ومن طريقه رواهأبو داود9، والترمذي10، وابن ماجه11، وأحمد12،

1 مصنف ابن أبي شيبة (5/106) .

2 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (4247) .

3 السنن الكبرى - للبيهقي - (6/6) .

4 سنن الدارقطني (3/73) .

5 المرجع السابق.

6 المرجع السابق.

7 المرجع السابق.

8 المصنف (4/530) .

9 سنن أبي داود [كتاب البيوع (3//753) ، كتاب الأطعمة (4/161) ] .

10 جامع الترمذي [كتاب البيوع (3/578) ] .

11 سنن ابن ماجه [كتاب الصيد [2/1082) ] .

12 المسند (3/297) .

ص: 131

والدارقطني1، والحاكم2، كلهم من هذا الطريق. ولفظه:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الهر وأكل ثمنه". قال الترمذي: "حديث غريب".

وعمر بن زيد الصنعاني، قال فيه البخاري بعد ذكره لحديثه هذا:"فيه نظر". وقال ابن حبان: يتفرد بالمناكير عن المشاهير حتى خرج عن حد الاحتجاج به3. وقد تعقب الذهبي الحاكم في ذكره لهذا الحديث في المستدرك فقال عقبه: "عمر واهٍ" يعني عمر بن زيد. وحكم الذهبي هذا وما اختاره فيه أولى من المرتبة التي جعله فيها الحافظ ابن حجر، وهي:"ضعيف"4؛ لأن قول البخاري في الراوي: "فيه نظر" تضعيف شديد، كما ذكر ذلك الذهبي5 وابن كثير6 وغيرهما.

فعلى هذا، فلا يعتبر بهذه الطريق. والله أعلم.

الطريق السادسة: الحسن بن أبي جعفر عن أبي الزبير عنه به:

رواه أحمد7، وأبو يعلى8، والدارقطني9، كلهم من هذا الطريق. ولفظهم:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب إلا الكلب المعلم"، زاد الدارقطني:"والهر" بعد قوله "ثمن الكلب".

1 سنن الدارقطني (4/290) .

2 المستدرك (2/34) .

3 تهذيب التهذيب (7/449) .

4 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (4898) .

5 الموقظة للحافظ الذهبي، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، ط. دار البشائر الإسلامية، بيروت (ص 83)

6 اختصار علوم الحديث، للحافظ ابن كير، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1409هـ (ص 73) .

7 المسند (3/317) .

8 مسند أبي يعلى (3/427-428) .

9 سنن الدارقطني (3/73) .

ص: 132

والحسن بن أبي جعفر هو الجُفري، ذكره ابن مهدي فيمن يترك حديثه1. وقال الترمذي: ضعفه يحيى بن سعيد وغيره. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: ضعيف. وقال مرةً: متروك. وقال ابن عدي: صدوق2.

وجعله ابن حجر في مرتبة "ضعيف الحديث"3.

والذي يترجح لي مما تقدم من أقوال الأئمة أنه ضعيف جداً في الحديث. والله أعلم.

الطريق السابعة: خير بن نعيم عن أبي الزبير عنه به:

رواه الطبراني4، والدارقطني5، من هذا الطريق. ولفظه:"أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن السِّنَّور". وهو الهرَّ.

وفي إسنادهما وهب الله بن راشد أبو زرعة الحجري. فلم يكن النسائي يرضاه. وقال أبو حاتم: محله الصدق. وقال ابن حبان: يخطئ. وغمزه سعيد بن أبي مريم6.

فمما تقدم يتبين أنه ضعيف. والله أعلم. وقد تفرد به وهب الله من هذا الطريق كما قال الطبراني.

وخير بن نعيم قد اختلف عليه. فروي عنه عن أبي الزبير كما تقدم.

1 تهذيب الكمال (6/76) .

2 تهذيب التهذيب (2/260) .

3 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (1222) .

4 المعجم الأوسط (2/56-57) .

5 سنن الدارقطني (3/72) .

6 لسان الميزان (6/235) .

ص: 133

ورواه أحمد من طريق ابن لهيعة عن خير بن نعيم عن عطاء بن أبي رباح عن جابر ابن عبد الله رضي الله عنه به1.

وابن لهيعة تقدم أنه ضعيف2. ومن ثمَّ حكم الحافظ ابن حجر على حديث خير بن نعيم عن عطاء بأنه معلول3 بسبب الاضطراب الواقع في إسناده.

الطريق الثامنة: شرحبيل بن سعد الخَطمي عنه به:

رواه أحمد4 عن أبي أويس عن شرحبيل به. ولفظه: "عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن ثمن الكلب. وقال: طعمة جاهلية".

وشرحبيل بن سعد تقدم الكلام فيه5، وأنه ضعيف يعتبر به.

وأبو أويس هو عبد الله بن عبد الله الأصبحي المدني. قال أحمد: ليس به بأس. وقال ابن معين: ليس بقوي. وقال مرةً: ضعيف. وقال ابن المديني: كان عند أصحابنا ضعيفاً. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال أبو داود: صالح الحديث. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به وليس بالقوي6.

وجعله ابن حجر في مرتبة "صدوق يهم"7.

فعلى هذا فإن إسناد هذه الطريق ضعيف، إلا أن المتابعات المذكورة تؤيد معناها وهو النهي عن ثمن الكلب. والله أعلم.

1 المسند (3/339) .

2 تقدم الكلام فيه عند حديث رقم (1) .

3 التلخيص الحبير (3/18) .

4 المسند (3/353) .

5 تقدم الكلام فيه عند حديث رقم (33) .

6 تهذيب التهذيب (5/281) .

7 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (3412) .

ص: 134

الطريق التاسعة: محمد بن زياد الألهاني عنه به:

رواه الطبراني في الأوسط1 من هذا الطريق. ولفظه: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الهر وأكل ثمنها".

وفي إسناده محمد بن المتوكل بن أبي السَّري. وثقه ابن معين. وقال أبو حاتم: لين الحديث. وقال ابن عدي: كثير الغلط2.

وخلص فيه الحافظ ابن حجر إلى أنه: "صدوق عارف له أوهام كثيرة"3. وقد تفرد به من هذا الوجه كما قال الطبراني.

وفي إسناده أيضاً بقية بن الوليد وهو يدلس تدليس التسوية4، ولم يقع التصريح بالسماع فيما بين محمد بن زياد وجابر رضي الله عنه.

فمما سبق يتبين أن هذا الطريق ضعيف. إلا أنه صالح في باب المتابعات. والله أعلم.

هذه هي الطرق التي وقفت عليها في هذا الحديث عن جابر رضي الله عنه. وقد تبين أنه صحيح ثابت في النهي عن ثمن الكلب والسِّنَّور. وأما استثناء كلب الصيد من عموم النهي فما ورد من الروايات به فهو منكر. ولذا قال البيهقي: "الأحاديث الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن ثمن الكلب خالية عن هذا الاستثناء، وإنما الاستثناء في الأحاديث الصحاح في النهي

1 المعجم الأوسط (4/340) .

2 تهذيب التهذيب (9/425) .

3 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (6263) .

4 تعريف أهل التقديس (ص121) . وانظر: تهذيب التهذيب (1/447) . وسوف تأتي ترجمة مفصلة له عند حديث رقم (196) .

ص: 135

عن الاقتناء، ولعله شبِّه على من ذكر في حديث النهي عن ثمنه من هؤلاء الرواة الذين هم دون الصحابة والتابعين"1. والله أعلم.

40 -

(3) عن رافع بن خديج رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثمن الكلب خبيث، ومهر البغي خبيث، وكسب الحجام خبيث".

رواه مسلم2 واللفظ له، وأبو داود3، والترمذي4، والنسائي5، وأحمد6، والحاكم7. كلهم من طرق عن السائب بن يزيد عنه به.

قال الترمذي: حسن صحيح.

وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه". وفي قوله نظر؛ لأن الحديث قد أخرجه مسلم كما سبق.

والسائب بن يزيد صحابي صغير له أحاديث قليلة، وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة8.

1 السنن الكبرى (6/7) .

2 صحيح مسلم [كتاب البيوع (3/1199) ] .

3 سنن أبي داود [كتاب البيوع (3/706-707) ] .

4 جامع الترمذي [كتاب البيوع (3/574) ] .

5 سنن النسائي [كتاب الصيد والذبائح (7/190) ] .

6 مسند أحمد (3/364) .

7 المستدرك (2/42) .

8 الإصابة في تمييز الصحابة (2/13) . وقد توفي سنة إحدى وتسعين. وقيل: أربع وتسعين. وقيل قبل ذلك.

ص: 136

وقد روى بعض الرواة هذا الحديث عن السائب بن يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما عند أبي يعلى1، والنسائي في الكبرى2، وابن أبي حاتم3، والطبراني4.

قال ابن أبي حاتم: "الناس يروون هذا الحديث عن السائب بن يزيد، عن رافع بن خديج".

ونقل ابن أبي حاتم عن أبيه أنه قال: "عبد الرحمن بن محمد هو ابن القاري، وإبراهيم هو أخوه فيما أظن، والناس يروون هذا الحديث عن السائب بن يزيد عن رافع بن خديج".

ومحمد بن إسحاق مدلس، وقد عنعن، إلا أنه قد توبع، فرواه النسائي في الكبرى من طريق حاتم بن إسماعيل عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه5.

ورواته ثقات ما عدا حاتم بن إسماعيل فقد تكلم فيه. فقال أحمد: هو أحب إليّ من الدراوردي، وزعموا أن حاتماً كان فيه غفلة، إلا أن كتابه صالح.

وقال النسائي: ليس به بأس. وقال مرةً: ليس بالقوي.

وقال ابن سعد: كان ثقة مأموناً كثير الحديث6.

وجعله ابن حجر في مرتبة "صدوق يهم"7.

فهذا الإسناد يؤيد ما تقدم من رواية ابن إسحاق ويدفع عنها الغلط.

1 إتحاف الخيرة المهرة (ص73-74) .

2 السنن الكبرى (3/112) .

3 العلل (2/444) .

4 المعجم الكبير (7/161) .

5 السنن الكبرى (3/112) .

6 تهذيب التهذيب (2/128-129) .

7 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (994) .

ص: 137

فعلى هذا فإن الحديث حديث رافع بن خديج رضي الله عنه إلا أن السائب رضي الله عنه كان يسنده إليه أحياناً - وهو الغالب - وأحياناً يرسله. ومراسيل الصحابة حجة. والله أعلم.

41 -

(4) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل ثمن الكلب، ولا حلوان الكاهن، ولا مهر البغي".

رواه أبو داود1، والنسائي2 واللفظ لهما، وأبو يعلى3، والطحاوي4 مختصراً، والبيهقي5، كلهم من طرق عن أبي هريرة رضي الله عنه به، وهو حديث صحيح.

ورواه النسائي6 أيضاً، وابن ماجه7، وأحمد8، بلفظ:"نهى عن ثمن الكلب وعسب الفحل". ورواه الدارمي9، ونحوه الطبراني10 مختصراً بلفظ:"نهى عن عسب الفحل".

1 سنن أبي داود [كتاب البيوع (3/755-756) ] .

2 سنن النسائي [كتاب الصيد (7/190) ] .

3 مسند أبي يعلى (11/73-74) .

4 شرح معاني الآثار (4/52-53) .

5 السنن الكبرى (6/6) .

6 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/311) ] . وسقط في المطبوع من الإسناد ذكر أبي هريرة (.

7 سنن ابن ماجه [كتاب التجارات (2/731) ] .

8 مسند أحمد (2/500) .

9 سنن الدارمي (2/352) .

10 المعجم الأوسط (3/19) .

ص: 138

ورواه إسحاق بن راهويه1، وابن أبي شيبة2، وأحمد3، والدرامي4، بنحوه وزادوا:"وكسب الحجام".

وقد ورد في هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه في بعض طرقه استثناء كلب الصيد من النهي عن ثمن الكلب. وهذه الطرق هي:

الطريق الأولى: الوليد بن عبيد الله بن أبي رباح عن عمه5 عطاء بن أبي رباح عنه به.

رواه الدارقطني6 بإسناده عن عبيد بن محمد الصنعاني، عن محمد بن عمر بن أبي مسلم، عن محمد بن مصعب الصنعاني7 عن نافع بن عمر به، ولفظه:"ثلاث كلهن سحت: كسب الحجّام، ومهر البغي، وثمن الكلب إلا الكلب الضاري". وهو الكلب المعوّد على الصيد8.

قال الدارقطني: الوليد بن عبيد الله ضعيف.

1 مسند إسحاق بن راهويه (مسند أبي هريرة: ص188) .

2 المصنف (5/106) .

3 مسند أحمد (2/332،415) .

4 سنن الدرامي (2/353) .

5 في المطبوع من سنن الدارقطني (3/72) : ((الوليد بن عبد الله عن عمه عن عطاء)) . وهو خطأ، والصواب ((عن عمه عطاء)) من غير ذكر ((عن)) قبل عطاء.

6 سنن الدارقطني (3/72) .

7 وقع في المطبوع من سنن الدارقطني وبعض مخطوطاته ((محمد بن مصعب القرقساني)) ، والصواب:((الصنعاني)) كما في مخطوطة لسنن الدارقطني لوحة (105/ أ) وانظر: لسان الميزان (5/326) ، وتهذيب التهذيب (9/460) .

8 انظر: النهاية في غريب الحديث (3/86) .

ص: 139

وضعفه أيضاً البيهقي1، ونقل ابن أبي حاتم عن ابن معين أنه قال فيه: ثقة2.

وأما عبيد بن محمد الصنعاني ومحمد بن عمر بن أبي مسلم ومحمد بن مصعب الصنعاني فقال عنهم ابن القطان: مجهولون3.

وكذا حكم بجهالة محمد بن مصعب الصنعاني الذهبي4 وابن حجر5. واعترض الذهبي على ابن القطان في تجهيله لعبيد بن محمد الصنعاني فقال: معروف6. وترجم له في كتابه سير أعلام النبلاء7، ونقل فيه قول الخليلي فيه: هو عالم حافظ له مصنّفات.

1 السنن الكبرى (6/6) .

2 الجرح والتعديل (9/9) . ونسبها إليه أيضاً ابن التركماني في الجوهر النقي (6/6) . وأما الحافظان الذهبي في كتابه الميزان، وابن حجر في كتابه اللسان فلم يشيرا إلى هذا القول عن ابن معين مع عنايتهما بكتاب ابن أبي حاتم، ويبعد أن يضعِّف الدارقطني والبيهقي من وثقه ابن معين الموصوف بالتشدد في التوثيق. وقد أشار إلى هذا الإشكال المعلمي في تعليقه على الجرح والتعديل، وأشار إلى أن ابن معين قد سئل عن رجل آخر اسمه الوليد بن عبد الله، فأجاب بتوثيقه كما نقل ذلك ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (9/9) فكأن المعلمي يشير إلى احتمال أن يكون كلام ابن معين الذي نقله ابن أبي حاتم في الوليد بن عبيد الله إنما هو في الوليد بن عبد الله. والله أعلم.

3 لسان الميزان (5/326) .

4 رد الذهبي على ابن القطان - المطبوع في مقدمة كتاب الأحكام الوسطى، لعبد الحق الإشبيلي - (1/25) .

5 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (6303) .

6 رد الذهبي على ابن القطان (ص25) .

7 سير أعلام النبلاء (13/349-350) .

ص: 140

وقد حكم الذهبي على إسناد الدارقطني بقوله: "الإسناد مظلم"1، وأيضاً في هذه الطريق علة أخرى، وهي أنه قد روى الحديث عن عطاء كلٌّ من ابن جريج2، وعمرو بن دينار3 موقوفاً على أبي هريرة رضي الله عنه. وقال أحمد فيهما: إنهما أثبت الناس في عطاء4.

وخالفهما ابن أبي ليلى5، والحجاج بن أرطاة6، ورباح بن أبي معروف7، والوليد بن عبيد الله8، والمثنى بن الصباح9، ومؤمل10، فكلهم رووا الحديث عن عطاء مرفوعاً. وكلّ تكلم فيه وبعضهم أشد ضعفاً من بعض.

والذي يظهر ترجيح رواية الوقف؛ لأن من رواها أحفظ وأضبط، وليس في رواية الوقف استثناء كلب الصيد. وممن رجّح الوقف البخاري11.

1 رد الذهبي على ابن القطان (ص25) .

2 رواه عنه ابن أبي شيبة في المصنف (5/317) ، والبخاري في التاريخ الكبير تعليقاً (4/211) .

3 رواه عنه ابن أبي شيبة في المصنف (5/106،115) ، والبخاري في التاريخ الكبير تعليقاً (4/211) .

4 انظر: تهذيب التهذيب (6/404) ، (8/30) .

5 رواه عنه ابن أبي شيبة في المصنف (5/106) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/53) .

6 رواه عنه أحمد في المسند (2/500) .

7 رواه عنه الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/53) .

8 سبق قبل قليل الإشارة إلى روايته.

9 سيأتي ذكر روايته في الطريق الثانية.

10 سيأتي ذكر روايته في الطريق الثالثة.

11 التاريخ الكبير (4/211) .

ص: 141

فمما سبق يتبين أن قول ابن التركماني عن هذه الطريق بأنها جيدة1 بعيد عن التحقيق العلمي. والله أعلم.

الطريق الثانية: المثنى بن الصَّبَّاح عن عطاء عنه به:

رواه الدارقطني أيضاً بإسناده عن محمد بن سلمة به2. ولفظه: "كسب الحجام سحت، ومهر الزانية سحت، وثمن الكلب إلا كلباً ضارياً سحت".

قال الدارقطني: المثنى ضعيف.

وقال فيه يحيى بن سعيد: لم نتركه - أي المثنى - من أجل عمرو بن شعيب، ولكن كان منه اختلاط في عطاء. وقال ابن سعد وابن معين: ضعيف. وزاد ابن معين: يكتب حديثه ولا يترك. وقال مرةً: ثقة. وقال أحمد: لا يساوي حديثه شيئاً، مضطرب الحديث. وقال أبو حاتم وأبو زرعة: لين الحديث. وقال أبو حاتم أيضاً: يروي عن عطاء ما لم يرو عنه أحد، وهو ضعيف الحديث. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال مرة: متروك الحديث3.

وجعله ابن حجر في مرتبة: ضعيف اختلط بآخرة، وكان عابداً4.

وقد سبق أن المحفوظ في حديث عطاء الوقف على أبي هريرة رضي الله عنه. فعلى هذا فإن هذه الطريق ضعيفة أيضاً. والله أعلم.

1 الجوهر النقي (6/7) .

2 سنن الدارقطني (3/73) .

3تهذيب التهذيب (10/36) .

4 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (6471) .

ص: 142

الطريقة الثالثة: قيس بن سعد المكي عن عطاء عنه به.

رواه البيهقي بإسناده عن مؤمل بن إسماعيل عن حماد بن سلمة به1. ولفظه: "نُهي عن مهر البغي، وعسب الفحل، وعن ثمن السنور، وعن الكلب إلا كلب صيدٍ".

ومؤمَّل بن إسماعيل كان صاحب سنة، إلا أنه تكلم في حديثه. فقال ابن سعد: ثقة كثير الغلط. وقال ابن معين: ثقة. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال أبو حاتم: كثير الخطأ. وقال يعقوب بن سفيان: حديثه لا يشبه حديث أصحابه، وقد يجب على أهل العلم أن يقفوا عن حديثه، فإنه يروي المناكير عن ثقات شيوخه وهذا أشد، فلو كانت هذه المناكير عن الضعفاء لكنا نجد له عذراً.

وقال الدارقطني: ثقة كثير الخطأ2.

وأما الحافظ ابن حجر فجعله في مرتبة صدوق سيء الحفظ3.

والذي يظهر لي حسب ما تقدم من أقوال أئمة الجرح والتعديل أنه ضعيف يعتبر به. والله أعلم.

ومما يدل على خطئه في هذا الحديث أن حماد بن سلمة إنما يروي هذا الحديث بهذا اللفظ عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وقد تقدم ذكر حديثه4.

وأيضاً فقد خالفه يحيى بن حماد الشيباني مولاهم، وهو ثقة5. فرواه عن حماد بن سلمة عن قيس عن عطاء عن أبي

1 السنن الكبرى (6/6) .

2 تهذيب التهذيب (10/380-381)

3 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (7029) .

4 تقدم حديثه عند حديث جابر بن عبد الله (رقم (39) .

5 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (7535) .

ص: 143

هريرة رضي الله عنه قال: "نهى عن كسب الحجام، ومهر البغي، وثمن الكلب". رواه البزار1.

فهذه الروايات عن عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنه التي فيها الاستثناء ترجّح أنها لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم. والمحفوظ في حديث عطاء الوقف على أبي هريرة رضي الله عنه ليس فيه الاستثناء لكلب الصيد، وذلك لأن أبا هريرة رضي الله عنه صح عنه النهي عن ثمنها مطلقاً بدون استثناء كما عند ابن أبي شيبة2، والنسائي في الكبرى3.

وما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه مما فيه الاستثناء فضعيف4.

42 -

(5) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب، وإن جاء يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه تراباً".

رواه أبو داود5 وهذا لفظه، والنسائي6 مختصراً، والطيالسي7، وابن أبي شيبة8، وأحمد9، والطحاوي10 - مختصراً -، والطبراني11، والبيهقي12. كلهم من طرقٍ عنه به.

1 مسند البزار (مخطوط، ص249-250) .

2 المصنف (5/106) .

3 السنن الكبرى (3/114) .

4 انظر: زاد المعاد (5/770-771) .

5 سنن أبي داود [كتاب البيوع (3/754) ] .

6 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/309) ] .

7 مسند الطيالسي (ص360) .

8 مصنف ابن أبي شيبة (5/106) .

9 مسند أحمد (1/235،278،289،350،356) .

10 شرح معاني الآثار (4/52) .

11 المعجم الكبير (12/102) .

12 السنن الكبرى (6/6) .

ص: 144

وزاد الطيالسي وأحمد والطبراني والدارقطني والبيهقي: "ونهى عن مهر البغي وثمن الخمر". وفي لفظٍ للطبراني1: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشاة الجلالة، وعن ثمن الكلب، وعسب الفحل، وكسب الحجام".

قال ابن حجر عن إسناد أبي داود: "إسناده صحيح"2. وهو كما قال.

وجاء في بعض روايات الحديث استثناء كلب الصيد من عموم النهي عن ثمن الكلاب، وذلك فيما رواه ابن عدي بإسناده عن أبي حنيفة عن الهيثم الصراف عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:"أرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمن كلب الصيد"3. وفي إسناده أحمد بن عبد الله الكندي اللجلاج، قال فيه ابن عدي: "حدث بأحاديث مناكير لأبي حنيفة". وذكر له ابن عدي أحاديث رواها عن أبي حنيفة منها هذا الحديث، ثم قال:"وهذه الأحاديث لأبي حنيفة لم يحدث بها إلا أحمد بن عبد الله هذا، وهي بواطيل".

وقال عبد الحق الإشبيلي عن هذا الحديث: "باطل"4.

ورواه الحاكم بإسناده عن يوسف بن خالد السَّمتي عن الضحاك بن عثمان عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثمن الكلب خبيث، وهو أخبث منه"5. قال الحاكم: "هذا حديث رواته كلهم ثقات، فإن سلم من يوسف بن خالد السَّمتي فإنه

1 المعجم الكبير (11/267) .

2 فتح الباري (4/498) .

3 الكامل (1/197) .

4 ميزان الاعتدال (1/110) .

5 المستدرك (1/155) .

ص: 145

صحيح على شرط البخاري، وقد خرجته لشدة الحاجة إليه، وقد استعمل مثله الشيخان في غير موضع يطول بشرحه الكتاب".

ولعل الحاكم يعني أنه لم يجد في باب نجاسة الكلب غير هذا الحديث. والله أعلم.

ويوسف بن خالد السَّمتي كذبه ابن معين، وعمرو بن علي، وأبو داود وغيرهم. وقال البخاري: سكتوا عنه. وقال أبو حاتم: ذاهب الحديث1.

فعلى هذا فهذه الرواية لا يعتبر بها. والله أعلم.

43 -

(6) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وأجر الكاهن، وكسب الحجام".

رواه الحاكم2، ومن طريقه البيهقي3 بإسناده عن حصين عن مجاهد عنه به.

وحصين هو ابن عبد الرحمن السُّلمي، ثقة إلا أنه تغير حفظه في الآخر4، إلا أن الراوي عنه في هذا الحديث هو هشيم بن بشير الواسطي، وهو ممن سمع منه قبل تغيره5.

1 تهذيب التهذيب (11/411-412) .

2 المستدرك (2/33) .

3 السنن الكبرى (6/8) .

4 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (1369) . وانظر: الكواكب النيرات (ص126) فما بعدها.

5 شرح علل الترمذي (2/739) .

ص: 146

وقد تكلم في سماع مجاهد من عبد الله بن عمرو، فقيل: لم يسمع منه. إلا أن البخاري أخرج في صحيحه حديثين من طريق مجاهد عن عبد الله بن عمرو1، مما يدل على أنه يرى سماعه منه.

فعلى هذا فإن هذا الإسناد صحيح متصل. والله أعلم.

44 -

(7) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نهى عن ثمن الكلب وإن كان ضارياً".

رواه الطحاوي2 بإسناده عن ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر أن صفوان بن سليم أخبره عن نافعٍ عنه به.

وابن لهيعة تقدم الكلام فيه3، وأنه ضعيف، وأنه مدلِّس أيضاً ولم يصرّح بالسماع.

وقد سئل أبو حاتم عن هذا الحديث فقال: "حديث منكر"4. وضعف إسناده الحافظ ابن حجر5.

فعلى هذا فإن هذا الإسناد ضعيف. وفي المتن نكارة وهي زيادة "وإن كان ضارياً"، فإنها لم ترد في الروايات الصحيحة الواردة في النهي عن ثمن الكلب.

وقد تقدم معنى قوله: "وإن كان ضارياً"، أي كلباً معوّداً للصيد6.

1 جامع التحصيل (ص337) .

2 شرح معاني الآثار (4/52) .

3 تقدم عند حديث رقم (1) .

4 علل الحديث (1/386) .

5 فتح الباري (4/498) .

(عند الطريق الأولى من حديث رقم 41) ص 139.

ص: 147

وجاء هذا الحديث من وجه آخر، إلا أنه ضعيف جداً، وذلك فيما رواه الطبراني في الأوسط1 بإسناده عن ضرار بن صُرد عن المطلب بن زياد عن ابن أبي ليلى عن نافعٍ عنه به بلفظ "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي".

وضرار - بكسر أوله2 - ابن صُرَد - بضم المهملة وفتح الراء3 - رماه يحيى ابن معين بالكذب. وقال البخاري والنسائي: متروك الحديث. وقال النسائي مرةً: ليس بثقة. وقال أبو حاتم: صدوق صاحب قرآن وفرائض، يكتب حديثه ولا يحتج به. وضعفه الدارقطني4.

ويظهر لي مما تقدم من أقول الأئمة أنه ضعيف جدًا، وقد اختار هذا أيضًا الهيثمي، حيث قال عن هذا الحديث:"فيه ضرار بن صرد أبو نعيم، وهو ضعيف جدًا"5.

وتساهل فيه الحافظ ابن حجر كثيرًا؛ حيث خلص فيه إلى أنه "صدوق له أوهام وخطأ"6.

وابن أبي ليلى هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال فيه شعبة: ما رأيت أحدًا أسوأ حفظًا من ابن أبي ليلى. وقال أيضًا: أفادني ابن أبي ليلى أحاديث، فإذا هي مقلوبة. وضعفه يحيى بن سعيد. وقال ابن المديني:

1 المعجم الأوسط (5/363) .

2 المغني في ضبط أسماء الرجال (ص155) .

3 المرجع السابق (ص 151) .

4 تهذيب التهذيب (4/456) .

5 مجمع الزوائد (4/94) .

6 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (2982) .

ص: 148

كان سيء الحفظ واهي الحديث. وقال ابن معين: ليس بذاك. وقال أحمد: كان سيء الحفظ مضطرب الحديث. وقال أبو حاتم: "محلّه الصدق، كان سيء الحفظ يكتب حديثه ولا يحتج به"1.

وخلص فيه الحافظ ابن حجر إلى أنه: "صدوق سيء الحفظ جداً"2.

فمما تقدم يتبين أن إسناد هذا الحديث ضعيف عن ابن عمر رضي الله عنهما. وأما متن الحديث وهو النهي عن ثمن الكلب من دون قوله: "وإن كان ضارياً" ففيه أحاديث صحيحة تشهد له سبق ذكرها، فيكون بها حسناً لغيره. والله أعلم.

45 -

(8) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "نهى عن ثمن الكلب، وأجر البغي، وكسب الحجام، والضبّ والضبع".

رواه ابن عدي3 بإسناده عن نصر بن علي الجهضمي، عن أبي أحمد الزبيري، عن عبد الجبار بن العباس، عن عريب بن مرثد، عن عبد الرحمن اليامي4، عن الحارث الأعور، عنه به.

وذكر الدارقطني أن عمرو بن علي الفلاس قد تابع نصر بن علي في رفع هذا الحديث. وأنه خالفهما زيد بن أخزم، فرواه عن أبي أحمد الزبيري به موقوفاً على عليّ رضي الله عنه. وذكر أن أبا نعيم الفضل بن دُكين قد

1 تهذيب التهذيب (9/302-303) .

2 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (6081) .

3 الكامل (5/327) .

4 في المطبوع: ((الإيامي)) . وهو خطأ

ص: 149

رواه عن عبد الجبار بن العباس به موقوفاً. فهذا يؤيد رواية زيد بن أخزم. قال الدارقطني: فكأنه قول علي رضي الله عنه1.

وتابع أبا نعيم وكيع بن الجراح، فقد رواه عن عبد الجبار بن العباس به موقوفاً أيضاً. رواه ابن أبي شيبة2، وابن جرير3 مختصراً. وتابعهما يحيى بن زكريا بن أبي زائدة. رواه ابن جرير4 مختصراً.

فمما سبق يتبين أن الحديث اختلف فيه على عبد الجبار بن العباس فرواه أبو نعيم، ووكيع، وابن أبي زائدة موقوفاً. ورواه عنه أبو أحمد الزبيري واختلف عليه، فرواه نصر بن علي، وعمرو بن علي عنه مرفوعاً، ورواه زيد بن أخزم عنه موقوفاً. والذي يترجح هو الوقف لأنه رواية الأكثر والأحفظ، وللاختلاف على من رواه مرفوعاً. والله أعلم.

فإذا ترجح الوقف فإن إسناده ضعيف أيضاً، فإن عريب بن مرثد - وهو المشرقي -، وعبد الرحمن اليامي، وهو ابن زبيد بن الحارث كلاهما لم يوثقهما غير ابن حبان5.

وأيضاً ففي إسناده الحارث الأعور، وقد كذّبه الشعبي وابن المديني وغيرهما. ووثقه ابن معين. قال الدارمي: ليس يتابع ابن معين على هذا. وقال أبو حاتم وأبو زرعة: لا يحتج بحديثه. وقال النسائي: ليس بالقوي. وفي رواية: ليس به بأس. وضعفه الدارقطني. وقد بيّن أحمد بن

1 علل الدارقطني (3/181) .

2 المصنف (5/546) .

3 تهذيب الآثار (مسند عمر بن الخطاب: 1/106) .

4 المرجع السابق.

5 الثقات (7/67،302) .

ص: 150

صالح المصري أن من كذبه إنما كذّبه لرأيه؛ لأنه كان غالياً في التشيّع، ولم يكذبه في الحديث1.

ولذا خلص فيه الحافظ ابن حجر بقوله: "في حديثه ضعف"2.

فمما سبق يتبين أن الحديث المحفوظ فيه الوقف مع ضعفه. والله أعلم.

46 -

(9) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثمن الكلاب كلها سحت".

رواه ابن عدي3 بإسناده عن يحيى بن يزيد بن عبد الملك النوفلي عن أبيه عن عبد الله بن الفضل عنه به.

قال ابن عدي: "هذا بهذا الإسناد غير محفوظ".

وقد تفرد بهذا الإسناد يزيد بن عبد الملك النوفلي كما قال ابن عدي، وقد تقدم الكلام في يزيد بن عبد الملك وأنه ضعيف جداً4.

وفي متنه نكارة أيضاً، وهو قوله "كلها"، فإن هذا لم يرد في الأحاديث الأخرى التي وردت في النهي عن ثمن الكلب.

فمما سبق يتبين أن الحديث ضعيف جداً لحال يزيد بن عبد الملك النوفلي. والله أعلم.

1 تهذيب التهذيب (2/146-147) .

2 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (1029) .

3 الكامل (6/284) .

4 تقدم عند حديث أبي هريرة (رقم (32)

ص: 151

ومما ورد في هذا الفصل أيضاً:

(10)

حديث علي رضي الله عنه، وقد تقدم1.

(11)

حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وقد تقدم2.

(12)

حديث أبي جحيفة رضي الله عنه، وقد تقدم3.

(13)

حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وسوف يأتي4.

1 تقدم برقم (4) .

2 تقدم برقم (16) .

3 تقدم برقم (28) .

4 سيأتي برقم (55) .

ص: 152

دلالة الأحاديث السابقة:

يستفاد مما تقدم من الأحاديث الثابتة النهي عن بيع الكلب سواءً أكان مما أُذن بالانتفاع به أم لا، لعموم النهي الوارد عن ثمنها في الأحاديث السابقة. وهو مذهب مالك في المشهور عنه1، والشافعي2، وأحمد3. وجميع ما ورد في استثناء كلب الصيد فإنه ضعيف كما تقدم بيان ذلك مفصّلاً عند تخريج هذه الأحاديث.

وذهب بعض أهل العلم إلى إباحة بيع الكلب إذا كان مأذوناً في اتخاذه ككلب الصيد ونحوه. وهو مذهب أبي حنيفة4. وقالوا إن النهي عن ثمنها كان حين الأمر بقتلها، فلما نسخ الأمر بقتلها نسخ النهي عن ثمنها. وجعلوا حكمه حكم الحمار الأهلي الذي نهي عن أكله وأُبيح بيعه5.

والذي يترجح هو ما تقدم من النهي عن ثمن الكلاب ولو كانت مما ينتفع بها لعموم الأحاديث الواردة في النهي عن ثمنها وأنه خبيث. وأما دعوى نسخ هذه الأحاديث بأحاديث الإذن بالانتفاع بالكلاب فهي دعوى لا دليل عليها؛ لأن النسخ لابد أن يثبت بنص، وليس نسخ الأمر بقتل الكلاب دليلاً على نسخ النهي عن ثمنها؛ لعدم التلازم بينهما. ويدل على هذا: أن أحاديث تحريم بيعها وأكل ثمنها مطلقة عامة كلها، وأحاديث النهي عن اقتنائها منها المطلق ومنها المقيَّد الذي فيه الاستثناء

1 الخرشي على مختصر خليل (5/16) .

2 المجموع (9/272) .

3 شرح الزركشي (3/670) .

4 بدائع الصنائع (5/143) .

5 انظر: شرح معاني الآثار (4/57) ، بدائع الصنائع (5/143) .

ص: 153

لبعض الكلاب. فلو كان النهي عن بيعها مقيداً مخصوصاً لجاءت به الآثار كذلك. فلما جاءت عامة مطلقة عُلم أنّ عمومها وإطلاقها مراد، فلا يجوز إبطاله1.

وكذلك أحاديث النهي عن ثمنها متأخرة، فقد تقدم أن النهي عن بيعها جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه وقد أسلم في السنة السابعة. ولا يصح عن صحابي خلاف أحاديث النهي العامة2.

وكذلك يستفاد مما تقدم النهي عن ثمن السِّنَّور وهو الهر. وبه أفتى جابر بن عبد الله وأبو هريرة، وهو قول طاووس ومجاهد وجابر بن زيد3، ورواية عن أحمد4 اختارها أبو بكر عبد العزيز5، وصححها ابن رجب6. وقال ابن المنذر:"إن ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن بيعه فبيعه باطل وإلا فجائز"7. وقد صح الحديث كما تقدم.

وقال البيهقي: "متابعة ظاهر السنة أولى، ولو سمع الشافعي رحمه الله الخبر الوارد فيه - أي في النهي عن ثمن السِّنَّور - لقال به - إن شاء الله -"8.

وذهب الجمهور إلى إباحة بيع السِّنَّور9، وحملوا النهي على السِّنَّور المتوحش، أو غير المملوك، أو أن النهي عن ثمنها كان حين الحكم

1 انظر: زاد المعاد (5/772) .

2 زاد المعاد (5/771) .

3 المجموع (9/274) ، زاد المعاد (5/773) .

4 شرح الزركشي (3/677) .

5 المرجع السابق.

6 القواعد الفقهية (ص227) .

7 المجموع (9/274) .

8 السنن الصغير (2/278) .

9 المجموع (9/274) .

ص: 154

بنجاستها، ثم لما حكم بطهارة سؤرها حل ثمنها، أو أن يحمل النهي على الكراهة. وغير ذلك من المحامل1.

قال الزركشي: وكلها محامل ودعوى لا دليل عليها2.

وقال ابن القيم: لا يخفى ما في هذه المحامل من الوهن3.

1 انظر: المجموع (9/274) ، شرح الزركشي (3/678) ، زاد المعاد (5/773) .

2 شرح الزركشي (3/678) .

3 زاد المعاد (5/773-774) .

ص: 155