المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثاني: ما ورد في النهي عن بيع فضل الماء والكلأ والنار - الأحاديث الواردة في البيوع المنهي عنها - جـ ١

[سليمان بن صالح الثنيان]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: الأحاديث الواردة في الأعيان المنهي عن بيعها

- ‌الفصل الأول: ما ورد في النهي عن بيع الميتة والخنزير والأصنام

- ‌الفصل الثاني ما ورد في النهي عن بيع الخمر

- ‌الفصل الثالث: ما ورد في النهي عن بيع الدم

- ‌الفصل الرابع: ما ورد في النهي عن ما حرم أكله وشربه

- ‌الفصل الخامس: ما ورد في النهي عن بيع ما يعلم أن المشتري يستعمل المبيع في الحرام

- ‌الفصل السادس: ما ورد في النهي عن بيع الكلب والسنور

- ‌الفصل السابع: ما ورد في النهي عن بيع الحر

- ‌الفصل الثامن: ما ورد في النهي عن بيع أمهات الأولاد

- ‌الفصل التاسع: ما ورد في النهي عن بيع المدبر

- ‌الفصل العاشر: ما ورد في النهي عن بيع الولاء

- ‌الفصل الحادي عشر: ما ورد في النهي عن بيع القينات

- ‌الفصل الثاني عشر: ما ورد في النهي عن بيع رباع مكة

- ‌الفصل الثالث عشر: ما ورد في النهي عن إضاعة المال

- ‌الباب الثاني: الأحاديث الواردة عن بيع ما ليس مملوكآ للبائع وقت العقد أو لم يقبضه بعد

- ‌الفصل الأول: ما ورد في النهي عن بيع ما لم يملك، وبيع ما لم يقبض

- ‌الفصل الثاني: ما ورد في النهي عن بيع فضل الماء والكلأ والنار

- ‌الفصل الثالث: ما ورد في النهي عن بيع المغانم حتى تقسم وعن بيع الصدقات بل أن تقبض

- ‌الفصل الرابع: ما ورد في النهي عن بيع الكالئ بالكالئ

- ‌الباب الثالث: الأحاديث الواردة في النهي عن بيوع الغرر

- ‌الفصل الأول: ما ورد في النهي عن بيوع الغرر

- ‌الفصل الثاني: ما ورد في النهي عن بيع حبل الحبلة والمضامين والملاقيح

- ‌الفصل الثالث: ما ورد في النهي عن بيع الملامسة والمنابذة

- ‌الفصل الرابع: ما ورد في النهي عن بيع الحصاة

- ‌الفصل الخامس: ما ورد في بيع اللبن في الضرع والصوف على الظهر والسمن في اللبن

- ‌الفصل السادس: ما ورد في النهي عن الثنيا في البيع إلا أن تعلم

- ‌الفصل السابع: ما ورد في النهي عن بيع المعاومة والسنين

- ‌الفصل الثامن: ما ورد في النهي عن البيع بضربة الغائص وبيع العبد الآبق

- ‌الفصل التاسع: ما ورد في النهي عن بيع عسب الفحل

- ‌الفصل العاشر: ما ورد في النهي عن بيع السمك في الماء

- ‌الفصل الحادي عشر: ما ورد في النهي عن بيع ما لم يتبين صلاحه

- ‌الباب الرابع: الأحاديث الواردة في النهي عن الشروط في البيع

- ‌الفصل الأول: ما ورد في النهي عن الشروط في البيع، وعن بيع وسلف

- ‌الفصل الثاني: ما ورد في النهي عن بيع العربان

- ‌الفصل الثالث: ما ورد في النهي عن بيعتين في بيعة

الفصل: ‌الفصل الثاني: ما ورد في النهي عن بيع فضل الماء والكلأ والنار

‌الفصل الثاني: ما ورد في النهي عن بيع فضل الماء والكلأ والنار

74 -

(2) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يباع فضل الماء ليباع به الكلأ".

رواه البخاري1، ومسلم2 واللفظ له، وأبو داود3، والترمذي4، وابن ماجه5، ومالك6، وأحمد7، كلهم من طرقٍ عنه به.

ولفظ البخاري وغيره: "لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ".

وفسَّر سفيان بن عيينة الحديث بقوله: "يكون حول بئرك الكلأ فتمنعهم فضل مائك فلا يعودون أن يرعوا"8.

ورواه ابن ماجه9 أيضاً، وابن الجارود10، كلاهما من طريق سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ:"ثلاث لا يمنعن: الماء والكلأ والنار".

1 صحيح البخاري - مع الفتح -[كتاب الشرب والمساقاة (5/رقم 2353،2354) ، كتاب الحيل (12/رقم 6962) ] .

2 صحيح مسلم [كتاب المساقاة (3/1198) ] .

3 سنن أبي داود [كتاب البيوع (3/347) ] .

4 جامع الترمذي [كتاب البيوع (3/572) ] .

5 سنن ابن ماجه [كتاب الرهون (2/828) ] .

6 الموطأ (2/571) .

7 المسند (2/244، 273،309،360،494) .

8 المسند (2/244) ووقع في المطبوع "يدعو"، والصواب "يرعوا".

9 سنن ابن ماجه [كتاب الرهون (2/826) ] .

10 المنتقى - المطبوع مع تخريجه غوث المكدود - (2/178-179) .

ص: 243

قال البوصيري: "هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات"1.

وقال الحافظ ابن حجر: "إسناده صحيح"2.

ورواه أحمد3، ونحوه ابن حبان4 بلفظ:"لا تبيعوا فضل الماء، ولا تمنعوا الكلأ فيهزل المال ويجوع العيال".

قال الهيثمي: "رجاله ثقات"5.

وفي قوله نظر، وذلك أن الراوي عن أبي هريرة رضي الله عنه وهو أبو سعيد6 مولى غفار، لم يوثقه غير ابن حبان7. إلا أنه يعتضد بما روى ابن ماجه والذي فيه النهي عن منع الماء والكلأ، فيكون به حسناً لغيره. والله أعلم.

ونحوه لفظ أحمد أيضاً: "لا يمنع فضل ماءٍ بعد أن يستغنى عنه، ولا فضل مرعى"8.

وفي إسناده عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي، وثقه علي بن المديني، وابن معين، وأحمد، وابن نمير، ويعقوب بن شيبة9 وغيرهم. إلا أنه اختلط، والراوي عنه في هذا الإسناد هو يزيد بن هارون، وهو ممن سمع منه بعد الاختلاط10.

1 مصباح الزجاجة (2/266) .

2 فتح الباري (5/40) . وانظر: التلخيص الحبير (3/65) .

3 المسند (2/420) .

4 الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان (11/332) .

5 مجمع الزوائد (4/127) .

6 هكذا وقع في المسند.

7 الثقات (5/573،582)، وعنده "أبو سعد" بدلاً من "أبي سعيد". وانظر في ذلك: تعجيل المنفعة (ص488-489) .

8 المسند (2/506) .

9 تهذيب التهذيب (6/210-211) .

10 الكواكب النيرات (ص288) .

ص: 244

وأيضاً في إسناده عمران بن عمير، قال فيه الحسيني: فيه جهالة. وقال أبو زرعة العراقي: لا أعرفه1.

فعلى هذا فإن هذا الإسناد ضعيف، إلا أنه يعتضد بما سبق فيكون حسناً لغيره. والله أعلم.

75 -

(1) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذابٌ أليم: رجل كان له فضل ماءٍ بالطريق فمنعه من ابن السبيل، ورجلٌ بايع إمامه لا يبايعه إلا لدنيا فإن أعطاه منها رضي وإن لم يعطه منها سخط، ورجلٌ أقام سلعته بعد العصر فقال: والله الذي لا إله غيره لقد أُعطيت بها كذا وكذا، فصدَّقه رجل. ثم قرأ هذه الآية: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً} 2".

رواه البخاري3 واللفظ له، ومسلم4، وأبو داود5، والترمذي6

- مختصراً -، والنسائي7، وابن ماجه8، وأحمد9، كلهم من طرقٍ عن الأعمش عن أبي صالح عنه به.

1 تعجيل المنفعة (ص219) .

2 سورة آل عمران، آية (77) . وتمام الآية:{أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} .

3 صحيح البخاري - مع الفتح-[كتاب الشرب والمساقاة (5/رقم 2358، 2369) ، كتاب الشهادات (5/رقم 2672) ، كتاب الأحكام (13/رقم 7212) ، كتاب التوحيد (13/رقم 7446) ] .

4 صحيح مسلم [كتاب الإيمان (1/103) ] .

5 سنن أبي داود [كتاب البيوع (3/749،750) ] .

6 جامع الترمذي [كتاب السِّير (4/128) ] .

7 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/246-247) ] .

8 سنن ابن ماجه [كتاب التجارات (2/744) ، كتاب الجهاد (2/958) ] .

9 مسند أحمد (2/253،480) .

ص: 245

وفي لفظٍ للبخاري ولفظ البقية زيادة: "لا يكلمهم الله".

وفي روايةٍ للبخاري: "ورجلٌ منع فضل ماءٍ فيقول الله يوم القيامة: اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك".

76 -

(3) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع فضل الماء".

رواه مسلم1 وهذا لفظه، والنسائي2، وابن ماجه3، وابن أبي شيبة4، وأحمد5، وابن حبان6، والحاكم7، كلهم من طرقٍ عنه به.

وقال الحاكم: "حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه". هكذا قال، وقد سبق أن مسلماً أخرجه في صحيحه.

وفي لفظٍ لمسلم والنسائي: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ضراب الجمل، وعن بيع الماء والأرض لتحرث، فعن ذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم".

ولفظ ابن حبان: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع فضل الماء ليمنع به الكلأ".

1 صحيح مسلم [كتاب المساقاة (3/1197) ] .

2 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/306-307، 310) ] .

3 سنن ابن ماجه [كتاب الرهون (2/878) ] .

4 المصنف (5/110) .

5 المسند (3/356) .

6 الإحسان (11/329) .

7 المستدرك (2/44،61) .

ص: 246

77 -

(4) عن إياس بن عبد رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع فضل الماء".

رواه أبو داود1 وهذا لفظه، والترمذي2، والنسائي3، وابن ماجه4، وأحمد5، والدارمي6، والطبراني7، كلهم من طرقٍ عن عمرو بن دينار عن أبي المنهال عبد الرحمن بن مطعم عنه به.

وعند النسائي وابن ماجه وغيرهما أن إياس بن عبد حدّث بهذا الحديث عندما رأى أُناساً يبيعون الماء. وعند أحمد: أنهم كانوا يبيعون ماء الفرات فنهاهم.

وأبو المنهال عبد الرحمن بن مطعم البناني ثقة8.

فمما تقدم يتبين أن هذا الحديث صحيح، وهذا الحديث من الأحاديث التي ألزم الدارقطني الشيخين تخريجها9.

1 سنن أبي داود [كتاب البيوع (3/751) ] .

2 جامع الترمذي [كتاب البيوع (3/571) ] .

3 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/307) ] .

4 سنن ابن ماجه [كتاب الرهون (2/828) ] .

5 المسند (3/417) ، (4/138) .

6 سنن الدارمي (2/348) .

7 المعجم الكبير (1/269،270) .

8 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (4007) .

9 الإلزامات والتتبع (ص115) .

ص: 247

78 -

(5) عن رجلٍ من المهاجرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه قال: غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً أسمعه يقول: "المسلمون شركاء في ثلاث: في الكلأ والماء والنار".

رواه أبو داود1، وابن أبي شيبة2، وأحمد3، والبخاري في التاريخ الكبير4 - وساق إسناده ولم يسق تمام لفظه -، وأبو حاتم5، وابن عدي6، والبيهقي7، كلهم من طرقٍ عن حريز بن عثمان عن أبي خداش حِبَّان بن يزيد الشرعبي عنه به.

وعند أبي داود بيان أن هذا الصحابي الراوي لهذا الحديث من قَرَن. ولا يضر الجهل باسمه.

ورواه أبو نعيم8 بإسناده عن أبي إسحاق الفزاري عن رجلٍ من أهل الشام عن أبي عثمان عن أبي خداش به بنحوه - وفيه قصة - وليس فيه ذكر الرجل من المهاجرين. قال أبو حاتم: "هذا الرجل من أهل الشام هو عندي بقية، وأبو عثمان هو عندي حريز ابن عثمان، وأبو خداش لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم إنما حكى عن رجلٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم"9.

1 سنن أبي داود [كتاب البيوع (3/750-751) ] .

2 المصنف (5/391) .

3 المسند (5/364) .

4 التاريخ الكبير (3/85) .

5 علل الحديث (1/322-323) .

6 الكامل (2/452) .

7 السنن الكبرى (6/150) .

8 معرفة الصحابة - مخطوط - (2/261- أ) .

9 علل الحديث (1/322) .

ص: 248

قال أبو نعيم: "وهو الصواب"1. وقال ابن حجر: "هو كما قال"2.

وحَرِيز - بفتح الحاء وكسر الراء - بن عثمان، ثقة ثبت رمي بالنصب3.

وأما أبو خداش حِبَّان بن يزيد الشرعبي الحمصي، فقد ذكره البخاري4 ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.

ونقل الآجري عن أبي داود أنه قال: "شيوخ حريز كلهم ثقات"5.

وذكره ابن حبان في الثقات6. ونقل عبد الحق الإشبيلي عن بعضهم أنه قال فيه: "مجهول" 7.

ولعل قول أبي داود السابق هو الذي جعل الحافظ ابن حجر يجعله في مرتبة الثقة8 ويحكم على هذا الإسناد بأن رجاله ثقات9.

والذي يظهر لي أن الصواب فيه أن يقال ما قاله الذهبي: "شيخ"10؛ وذلك لأن قول أبي داود توثيق عام لا يكفي في رفع الجهالة عن الراوي. والحافظ ابن حجر نفسه لم يأخذ بقول أبي داود مطلقاً، فإنه قال في سلمان بن

1 معرفة الصحابة (2/261- أ) .

2 التلخيص (3/65) .

3 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (1184) .

4 التاريخ الكبير (3/84-85) .

5 تهذيب التهذيب (2/238) .

6 الثقات (4/181) .

7 الأحكام الوسطى (3/298) .

8 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (1073) .

9 بلوغ المرام (ص190) .

10 الكاشف (1/143) .

ص: 249

سمير وعبد الرحمن بن ميسرة الحضرمي ويزيد بن صالح - ويقال: صليح - الرحبي، قال في كلٍّ منهم:"مقبول"1 مع رواية حريز بن عثمان عنهم. فكذلك ينبغي له أن يقول في أبي خداش الشرعبي "مقبول". والله أعلم.

فمما تقدم يتبين أن هذا الإسناد ضعيف. إلا أن له شاهداً من حديث أبي هريرة رضي الله عنه باللفظ الذي رواه ابن ماجه2، فيكون به حسناً لغيره. والله أعلم.

79 -

(6) عن قيلة رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "المسلم أخو المسلم، يسعهما الماء والشجر، ويتعاونان على الفتَّان".

رواه أبو داود3 - وفي قصة -، والترمذي4، وأبو داود الطيالسي5 - كلاهما مختصراً -، وأبو عبيد6 وهذا لفظه، ومن طريقه ابن زنجويه7، والبخاري في الأدب المفرد8، والطبراني9 - وذكر الحديث بطوله -،

1 انظر تراجمهم على الترتيب في: تقريب التهذيب: (2475،4022،7731) .

2 تقدم الحديث برقم (75) .

3 سنن أبي داود [كتاب الخراج والإمارة والفيء (3/451-452) ] .

4 جامع الترمذي [كتاب الأدب (5/176) ] .

5 مسند الطيالسي (ص230) .

6 الأموال (ص271-272) .

7 الأموال (2/660) .

8 الأدب المفرد (ص390) .

9 المعجم الكبير (25/7-10) .

ص: 250

وأبو نعيم1، كلهم من طرقٍ عن عبد الله بن حسَّان عن جدتيه صفية ودُحيبة ابنتا عليبة وكانتا ربيبتي قيلة عنها به.

قال الترمذي: "حديث قيلة لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن حسَّان".

وعبد الله بن حسّان لم يوثق. ولذا قال فيه الحافظ ابن حجر: "مقبول"2. وأما الذهبي فقال فيه: "ثقة"3، ولعل توثيقه له على قاعدته التي مرَّ ذكرها4 وهي قوله: "الجمهور على أن من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة ولم يأت بما ينكر عليه أن حديثه صحيح". وتقدم جواب الحافظ ابن حجر على قوله هذا.

وصفية ودُحيبة لم يوثقهما غير ابن حبان5 أيضاً. وقد ذكرهما الذهبي في النساء المجهولات6. وقال الحافظ ابن حجر في كلٍ منهما: "مقبولة"7.

فمما تقدم يتبين أن إسناد هذا الحديث ضعيف. إلا أن له شواهد تؤيده مما سبق ذكره في أحاديث هذا الفصل، فيكون بها حسناً لغيره. والله أعلم.

وقوله: "يتعاونان على الفتَّان" قال ابن الأثير: "يُروى بضم الفاء وفتحها. فالضم جمع فاتن: أي يعاون أحدهما الآخر على الذين يضلّون الناس عن الحق ويفتنونهم، وبالفتح: هو الشيطان؛ لأنه يفتن الناس عن الدِّين"8.

1 معرفة الصحابة - مخطوط - (2/366- أ) .

2 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (3273) .

3 الكاشف (2/71) .

4 عند حديث ابن عباس رضي الله عنهما رقم (11) .

5 الثقات (6/295،480) .

6 ميزان الاعتدال (6/280،282) .

7 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (8626، 8579) .

8 النهاية في غريب الحديث (3/410) .

ص: 251

80 -

(7) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من منع فضل مائه وفضل كلئه، منعه الله فضله يوم القيامة".

جاء حديث عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما في النهي عن بيع الماء من وجوه:

الطريق الأولى: ليث بن أبي سليم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده به:

رواه أحمد1 باللفظ المذكور. وليث بن أبي سليم قد تقدم الكلام فيه2 وأنه ضعيف.

وعمرو بن شعيب قد تقدم3 أن الراجح في حديثه عن أبيه عن جده أنه في مرتبة الحسن.

الطريق الثانية: الأعمش عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده به:

رواه العقيلي4، والطبراني5 كلاهما من طريق محمد بن الحسن القردوسي حدثنا جرير بن حازم عن الأعمش به، ولفظ الطبراني:"أيُّما رجلٍ أتاه ابن عمه فسأله من فضله فمنعه، منعه الله فضله يوم القيامة، ومن منع ماءً ليمنع به فضل الكلأ منعه الله فضله يوم القيامة".

قال الطبراني في الأوسط: "لم يرو هذا الحديث عن الأعمش إلا جرير، تفرد به محمد بن الحسن". وزاد الطبراني في الصغير

1 مسند أحمد (2/179،221) .

2 عند حديث ابن عمر رضي الله عنهما رقم (9) .

3 عند حديث رقم (3) .

4 الضعفاء (4/51) .

5 المعجم الأوسط (2/45) ، المعجم الصغير (1/37) .

ص: 252

قوله: "تفرد به عبيد الله بن جرير، ولا روى الأعمش عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إلا هذا، ولا كتبناه إلا عن أحمد بن عبيد الله".

ومحمد بن الحسن القردوسي قال فيه العقيلي: "حديثه غير محفوظ، وليس بمشهور بالنقل". وبعد أن ذكر حديثه هذا قال: "لا يتابع على إسناد حديثه1، وهذا يروى بإسنادٍ أصلح من هذا".

الطريق الثالثة: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده به:

رواه أبو يوسف2 ولفظه: "كتب غلام لعبد الله بن عمرو إلى عبد الله بن عمرو3: أما بعد، فقد أعطيت بفضل مائي ثلاثين ألفاً بعدما أرويت زرعي ونخلي وأصلي، فإن رأيت أن أبيعه وأشتري به رقيقاً أستعين بهم في عملك فعلتُ. فكتب إليه: قد جاءني كتابك وفهمت ما كتبت به إليَّ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من منع فضل ماءٍ ليمنع به فضل كلأ منعه الله فضله يوم القيامة". فإذا جاءك كتابي هذا فاسق نخلك وزرعك وأصلك، وما فضل فاسق جيرانك الأقرب فالأقرب، والسلام".

1 هذه العبارة غير موجودة في المطبوع من ضعفاء العقيلي (4/51) ، وقد أثبتها الذهبي في الميزان (4/435) ، وابن حجر في اللسان (5/124) .

2 الخراج، لأبي يوسف (ص96) .

3 في المطبوع "عمر" في الموضعين، وهو خطأ، والصواب "عمرو" كما في الطرق الأخرى للحديث.

ص: 253

ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى تقدم الكلام فيه وأنه "صدوق سيء الحفظ جداً"1.

الطريق الرابعة: أبو الزبير عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده به موقوفاً:

رواه يحيى بن آدم2 - ومن طريقه ابن أبي شيبة3 - عن زهير بن معاوية به ولفظه: "أن غلاماً لهم باع لهم فضل ماءٍ لهم من عينٍ بعشرين ألفاً، فقال عبد الله بن عمرو: لا تبعه، فإنه لا يحل بيعه".

وأبو الزبير هو محمد بن مسلم بن تدرس المكِّي، ثقة إلا أنه يدلِّس4 ولم يصرِّح بالسماع في هذا الحديث.

الطريق الخامسة: سليمان بن موسى عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما مرفوعاً:

رواه أحمد5، وابن زنجويه6 كلاهما من طريق محمد بن راشد به. ولفظه:"أن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما كتب إلى عاملٍ له على أرضٍ له: أن لا تمنع فضل مائك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من منع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ منعه الله يوم القيامة فضله".

1 تقدم عند حديث رقم (44) .

2 الخراج، ليحيى بن آدم (ص108) .

3 المصنف (5/110-111) .

4 الكاشف (3/84) . وانظر: تعريف أهل التقديس (ص108) .

5 المسند (2/183) .

6 الأموال (2/661) .

ص: 254

ومحمد بن راشد الخزاعي الدمشقي وثقه ابن المديني، وابن معين، وأحمد، والنسائي. وقال أبو حاتم ويعقوب بن شيبة: صدوق. وقال النسائي في رواية: ليس بالقوي. وقال الدارقطني: يعتبر به1.

والذي يترجح لي فيه أن أقل أحواله أن يكون صدوقاً. وجعله ابن حجر في مرتبة: صدوق يهم2.

وأما سليمان بن موسى فقال ابن سعد، ودحيم، وابن معين، والدارقطني: ثقة. وقال ابن المديني: كان خولط قبل موته بيسير. وقال أبو حاتم: محلُّه الصدق وفي حديثه بعض الاضطراب. وقال النسائي: ليس بالقوي في الحديث. وقال ابن عدي: ثبت صدوق3.

وجعله ابن حجر في مرتبة: "صدوق فقيه في حديثه بعض لين، وخولط قبل موته بيسير"4.

وسليمان بن موسى لم يدرك أحداً من الصحابة كما قال البخاري5. فعلى هذا فإن هذا الإسناد منقطع.

1 تهذيب التهذيب (9/159-160) .

2 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (5875) .

3 تهذيب التهذيب (4/226-227) .

4 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (2616) .

5 العلل الكبير - للترمذي - (1/313) .

ص: 255

الطريق السادسة: عمرو بن دينار عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما موقوفاً:

رواه النسائي1، وابن سعد2، وابن زنجويه3، كلهم من طرقٍ عن داود بن عبد الرحمن العطار به. ولفظه عند النسائي:"باع قيِّم الوهط فضل ماء الوهط فكرهه عبد الله بن عمرو"، ولفظ ابن سعد وابن زنجويه:"فردَّه عبد الله بن عمرو".

وداود بن عبد الرحمن العطَّار ثقة لم يثبت أن ابن معين تكلم فيه. قاله الحافظ ابن حجر4.

وعمرو بن دينار المكي قد سمع من عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. قاله الحاكم5.

والوَهْط: مالٌ كان لعمرو بن العاص بالطائف، وهو كَرْم كان على ألف ألف خشبة. وقيل: قرية بالطائف على ثلاثة أميال من وَج كانت لعمرو بن العاص رضي الله عنهما -6. وقد ذكر الذهبي أن هذا الوهط كان موجوداً في عصره، وهو بستان كبير يتوارثه آل عمرو بن شعيب7.

1 سنن النسائي (7/307) .

2 الطبقات الكبرى (4/268) .

3 الأموال (2/672) .

4 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (1798) .

5 سير أعلام النبلاء (5/301) .

6 معجم البلدان (5/386) .

7 انظر: سير أعلام النبلاء (5/183) .

ص: 256

الطريق السابعة: أبو بكر بن عيّاش عن شعيب بن شعيب عن عمرو بن شعيب عن سالم مولى عبد الله بن عمرو عن عبد الله بن عمرو به مرفوعاً:

رواه يحيى بن آدم1، ومن طريقه البيهقي2 من هذا الطريق، ولفظه عن سالم مولى عبد الله بن عمرو قال:"أَعْطوني بفضل الماء من أرضه بالوهط ثلاثين ألفاً، قال: فكتبت إلى عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فكتب إليَّ: لا تبعه، ولكن أقِمْ قِلْدَك ثم اسق الأدنى فالأدنى، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع فضل الماء".

وأبو بكر بن عيَّاش كان يحيى القطان وابن المديني يسيئان الرأي فيه، وضعفه ابن نمير. وقال أحمد: صدوق. وقال أيضاً: ثقة وربما غلط. وقال ابن سعد: كان ثقة صدوقاً عارفاً بالحديث والعلم إلا أنه كثير الغلط. وقال يعقوب بن شيبة: في حديثه اضطراب. وقال ابن عدي: لا بأس به3.

وخلص فيه الحافظ ابن حجر إلى أنه ثقة عابد إلا أنه لما كبر ساء حفظه، وكتابه صحيح4.

وأمّا شعيب بن شعيب، وسالم مولى عبد الله بن عمرو فلم يوثقهما غير ابن حبان5، فهما مجهولان.

1 الخراج، ليحيى بن آدم (ص108) .

2 السنن الكبرى (6/16) .

3 تهذيب التهذيب (12/35-36) .

4 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (7985) .

5 الثقات (8/307) ، (4/308) .

ص: 257

ومعنى قوله "أقم قِلْدَك" أي إذا سقيت أرضك يوم نوبتها فأعط من يليك1.

هذه هي الطرق التي وقفت عليها في هذا الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، فتبيّن أنه قد صحّ موقوفاً عليه، وأمّا الرفع فبمجموع طرقه يكون بها حسناً لغيره. وكذلك يشهد للحديث المرفوع حديث أبي هريرة رضي الله عنه في بعض ألفاظه عند البخاري2، وقد سبق بيان ذلك. والله أعلم.

81 -

(8) عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من منع فضل ماءٍ منعه الله فضله يوم القيامة".

رواه أبو يعلى3 بإسناده عن أبي عبد الرحيم الصائغ عن قهرمان لسعدٍ عنه به. وفي إسناده مبهم وهو قهرمان سعد.

وأبو عبد الرحيم الصائغ ذكره ابن عبد البر في كتابه "الاستغناء في معرفة المشهور من حملة العلم بالكنى"4، إلا أنه ذكر أن كنيته "أبو عبد الرحمن" وأشار إلى حديثه هذا. ولم أجد فيه كلاماً لأهل العلم بالجرح والتعديل. والله أعلم.

فعلى هذا فإن إسناد هذا الحديث ضعيف. إلا أن له شاهداً من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وغيره، فيكون بها حسناً لغيره. والله أعلم.

1 النهاية (4/99) .

2 تقدم الحديث برقم (74) .

3 المسند (2/142) .

(3/1389) ، رقم (2063) .

ص: 258

82 -

(9) عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: إن من قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم

" الحديث، وفيه: "وقضى بين أهل المدينة أنه لا يمنع فضل ماءٍ ليمنع فضل الكلأ".

رواه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند1 وهذا لفظه، والشاشي2، وروى ابن ماجه3، وابن عدي4، والحاكم5، والبيهقي6 جملاً من هذا الحديث ليس فيها محل الشاهد. رواه كلهم من طرقٍ عن فضيل بن سليمان عن موسى بن عقبة عن إسحاق بن يحيى بن الوليد بن عبادة بن الصامت عنه به.

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه". وقال في موضع آخر: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه". وفي قوله نظر؛ وذلك لأن إسحاق بن يحيى بن الوليد لم يخرج له البخاري ومسلم شيئاً، بل لم يخرج له إلا ابن ماجه من أصحاب الكتب الستة. وذكره ابن حبان في الثقات7.

وقال ابن عدي: "ولإسحاق بن يحيى هذا عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث، يروي عنه موسى بن عقبة، ويروي عن موسى فضيل بن سليمان وغيره، وعامتها في قضايا رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وقال:"وعامتها غير محفوظة "8. وجعله ابن حجر في مرتبة مجهول الحال9.

1 المسند (5/326-327) .

2 مسند الشاشي (3/130-131) .

3 سنن ابن ماجه [كتاب التجارات (2/746) ] .

4 الكامل (1/340) .

5 المستدرك (4/97،340) .

6 السنن الكبرى (8/77) ، (10/133) .

7 الثقات (4/22) .

8 الكامل (1/340) .

9 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (392) .

ص: 259

وفي الإسناد علة أخرى وهي الانقطاع بين إسحاق بن يحيى وعبادة بن الصامت رضي الله عنه، فقد قال البخاري في إسحاق:"لم يلق عبادة"1، وكذلك قال الترمذي2. وتبعهما المزي3 والذهبي4 فحكما بالانقطاع بينهما.

فعلى هذا فإن إسناد هذا الحديث ضعيف، إلا أن له شواهد صحيحة تؤيده سبق ذكرها، فيكون بها حسناً لغيره. والله أعلم.

83 -

(10) عن بُهيسة قالت: استأذن أبي النبي صلى الله عليه وسلم فدخل بينه وبين قميصه فجعل يقبل ويلتزم. ثم قال: يا نبيَّ الله، ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال:"الماء". قال: يا نبي الله، ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال:"الملح". قال: يا نبيّ الله، ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال:"أن تفعل الخير خيرٌ لك".

رواه أبو داود5، وأحمد6، والدارمي7، والدولابي8، والطبراني في الكبير9، والبيهقي10 - من طريق أبي داود - كلهم من طرقٍ عن كهمس بن الحسن عن سيَّار بن منظور الفزاري عن أبيه عنها به.

وزاد أحمد والطبراني: "وانتهى قوله إلى الماء والملح، قالت: فكان ذلك الرجل لا يمنع شيئاً من الماء وإن قلَّ".

1 تهذيب التهذيب (1/256) .

2 جامع التحصيل (ص171) .

3 تهذيب الكمال (2/493) .

4 ميزان الاعتدال (1/204) ، الكاشف (1/66) .

5 سنن أبي داود [كتاب الزكاة (2/308) ، كتاب البيوع (3/750) ] .

6 المسند (3/481) .

7 سنن الدارمي (2/349) .

8 الكنى والأسماء (1/19) .

9 المعجم الكبير (14/206) .

10 السنن الكبرى (6/150) .

ص: 260

وروى أحمد هذا الحديث أيضاً عن وكيع عن كهمس عن منظور1 بن سيار عن أبيه عنها به2.

وقد خالف وكيع غيره من الرواة فقلب اسم شيخ شيخه.

قال البخاري: وهو وهم3.

وقال المزي: "وهو معدود في أوهامه" 4 - يعني وكيعاً -.

وكهمس بن الحسن هو التميمي البصري، ثقة5.

وسيَّار بن منظور الفزاري وثقه العجلي6، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال عبد الحق الإشبيلي: مجهول7. ولذا قال فيه الحافظ ابن حجر: "مقبول" 8.

وأبوه منظور بن سيار ذكره ابن حبان في الثقات9. وحكم بجهالته عبد الحق10 وابن القطان11 والذهبي12. ولذا قال فيه ابن حجر:"مقبول"13.

1 في المسند المطبوع "منصور"، وهو خطأ.

2 المسند (3/480) .

3 التاريخ الكبير (4/160-161) .

4 تحفة الأشراف (11/229) .

5 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (5670) .

6 معرفة الثقات (1/445) .

7 تهذيب التهذيب (4/291) .

8 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (2717) .

9 الثقات (7/512) .

10 الأحكام الوسطى (3/299) .

11 تهذيب التهذيب (10/316-317) .

12 ميزان الاعتدال (5/315) .

13 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (6913) .

ص: 261

وبُهَيْسة - بمضمومة وفتح هاء وبسين مهملة1 - الفزارية. ذكرها ابن حبان في الصحابة2. وقال أبو نعيم: أدركت النبي صلى الله عليه وسلم3. وقال عبد الحق: مجهولة4. وتابعه ابن القطان على ذلك5. وقد ذكرها الذهبي في فصل النساء المجهولات6. وصحح الحافظ ابن حجر أن حديثها هذا غير دال على صحبتها؛ لأن المعتمد في حديثها هذا أنها روته عن أبيها7. ولذا خلص في الحكم عليها بقوله: "لا تعرف، ويقال: لها صحبة"8.

وأبوها سماه ابن عبد البر عميراً9. وقال ابن حجر فيما ذكره ابن عبد البر: "لم أره لغيره"10.

والذي يظهر لي أنه لا تثبت صحبته بهذا الحديث الواحد لضعف إسناده. والله أعلم.

فمما سبق تبين أن إسناد هذا الحديث ضعيف.

وأعلّ ابن عبد البر المتن أيضاً بقوله: "زيادة الملح في هذا الحديث غير محفوظة"11.

1 المغني في ضبط أسماء الرجال (ص44) .

2 الثقات (3/39) . وعنده "بهية" بدل "بهيسة".

3 معرفة الصحابة - مخطوط - (2/339- ب) .

4 الأحكام الوسطى (3/299) .

5 تهذيب التهذيب (12/405) ، التلخيص (3/65) .

6 ميزان الاعتدال (6/279) .

7 الإصابة (4/253) .

8 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (8547) .

9 الاستيعاب (2/492) .

10 الإصابة (3/38) .

11 الاستيعاب (2/492) .

ص: 262

وهذا الإسناد وإن كان ضعيفاً، فإن للنهي عن منع الماء أحاديث أخر - سبق ذكرها - يتقوى بها هذا الحديث، فيكون بها حسناً لغيره. وأما ذكر الملح في هذا الحديث فمنكر لعدم وروده في الأحاديث الأخرى. والله أعلم.

84 -

(11) عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يمنع فضل الماء ولا يمنع نقع البئر".

جاء هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها من طرقٍ موصولاً ومرسلاً:

الطريق الأولى: حارثة بن محمد عن عمرة عنها به موصولاً:

رواه ابن ماجه1 باللفظ المذكور، وإسحاق بن راهويه2، والبيهقي3، كلهم من هذا الطريق.

وحارثة بن محمد هو حارثة بن أبي الرجال الأنصاري النجاري المدني. قال فيه ابن معين والنسائي: ليس بثقة - زاد النسائي: ولا يكتب حديثه -. وقال النسائي أيضاً: "متروك الحديث". وقال أحمد وأبو داود: "ليس بشيء". وقال أبو زرعة: "واهي الحديث ضعيف". وقال البخاري وأبو حاتم: "منكر الحديث". - زاد أبو حاتم: "ضعيف الحديث" -. وذكره يعقوب بن سفيان في باب من يرغب عن الرواية عنهم4.

1 سنن ابن ماجه [كتاب الرهون (2/828) ] .

2 مسند إسحاق بن راهويه (2/432) .

3 السنن الكبرى (6/152-153) .

4 تهذيب التهذيب (2/166) .

ص: 263

وخلص فيه الحافظ ابن حجر إلى أنه ضعيف1.

والذي يتبين لي من أقوال أئمة الجرح والتعديل فيه أنه ضعيف جداً لا يكتب حديثه.

الطريق الثانية: أبو الرجال محمد بن عبد الرحمن2 عن عمرة موصولاً ومرسلاً:

رواه موصولاً عن أبي الرجال كلٌّ من:

أ - محمد بن إسحاق. رواه عنه ابن أبي شيبة3، وأحمد4، وأبو عبيد5، وابن عبد البر6.

ومحمد بن إسحاق جعله الحافظ ابن حجر في مرتبة صدوق يدلّس7. وقد صرّح بالسماع في هذا الحديث كما في مسند أحمد.

ب - عبد الرحمن بن أبي الرجال. رواه عنه ابن عدي8، والحاكم9 وعنه البيهقي10. وقد جعل الحافظ ابن حجر عبد الرحمن هذا في مرتبة صدوق ربما أخطأ11.

1 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (1062) .

2 قال فيه الحافظ ابن حجر: ثقة. تقريب التهذيب: رقم الترجمة (6070) .

3 المصنف (5/111) .

4 المسند (6/139،268) .

5 الأموال (ص277) .

6 التمهيد (13/124-125) .

7 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (5725) .

8 الكامل (4/284) .

9 المستدرك (2/61) .

10 السنن الكبرى (6/152) .

11 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (3858) .

ص: 264

جـ - خارجة بن عبد الله بن سليمان. رواه أحمد1، وابن عدي2، وابن عبد البر3. وقد جعله الحافظ ابن حجر في مرتبة صدوق له أوهام4.

د - أبو أويس عبد الله بن عبد الله بن أويس. رواه عنه أحمد5، وابن زنجويه6. وقد تقدم أن الحافظ جعله في مرتبة صدوق يهم7.

هـ - صالح بن كيسان. رواه عنه يحيى بن آدم8. وصالح بن كيسان ثقة ثبت9 إلا أن الراوي عنه في هذا الحديث هو إبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي مولاهم، وقد كذّبه القطان، وابن المديني. واتهمه البزار. وقال أحمد وابن المبارك والنسائي وغيرهم: متروك. وشذَّ الشافعي فوثقه. والصواب مع الجماعة10.

1 المسند (6/252) .

2 الكامل (3/51) .

3 التمهيد (13/125) .

4 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (1611) .

5 المسند (6/112) .

6 الأموال (2/663،673) .

7 تقدم (ص 134) .

8 الخراج (ص103) .

9 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (2884) .

10 تهذيب التهذيب (1/158-161) .

ص: 265

وله إسناد آخر عند الطبراني في الأوسط1 من طريق سعيد بن أبي أيوب عن صالح بن كيسان به، ولفظه "لا يمنع نقع بئرٍ"، إلا أن فيه شيخ الطبراني أحمد بن رشدين، وقد كذبه بعضهم2.

وأما من رواه مرسلاً عن أبي الرجال فهما:

أ - سفيان الثوري. رواه عبد الرزاق3، وابن زنجويه4، والبيهقي5.

ب - مالك بن أنس. وذلك في الموطأ6.

والذي يترجح لي من هذا الاختلاف هو الإرسال؛ لاتفاق إمامين حافظين عليه، وهما أحفظ من كل من خالفهما. وممّن رجح الإرسال البيهقي، وقال إنه المحفوظ7.

فعلى هذا فإن إسناد هذا الحديث ضعيف؛ لإرساله، إلا أن النهي عن منع فضل الماء سبق له شواهد تؤيده، فيكون بها حسنًا، والله أعلم.

ومعنى قوله "ولا يمنع نقع البئر" أي فضل مائها8.

1 المعجم الأوسط (1/89) .

2 لسان الميزان (1/257-258) .

3 المصنف (8/105) ، وقد روى البيهقي (6/152) بإسناده هذا الحديث عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري به موصولاً. وهذا يخالف ما في المصنف، فإن فيه أن عبد الرزاق رواه مرسلاً.

4 الأموال (2/673) .

5 السنن الكبرى (6/152) .

6 الموطأ (2/571) .

7 السنن الكبرى (6/152) .

8 النهاية في غريب الحديث (5/108) .

ص: 266

85 -

(12) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء والكلأ والنار، وثمنه حرام".

رواه ابن ماجه1، وابن عدي2، كلاهما من طريق عبد الله بن خراش بن حوشب عن العوام بن حوشب عن مجاهد عنه به.

وعبد الله بن خراش بن حوشب قال فيه أبو زرعة: ليس بشيء، ضعيف. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال أبو حاتم: منكر الحديث، ذاهب الحديث، ضعيف الحديث. وقال النسائي: ليس بثقة. واتهمه محمد بن عمّار الموصلي بالكذب3.

والذي يظهر لي مما تقدم من أقوال الأئمة أنه ضعيف جداً، وقد جعله الحافظ ابن حجر في التلخيص في مرتبة المتروك4. وتساهل في التقريب فقال فيه: ضعيف5.

وأمّا العوام بن حوشب فثقة ثبت فاضل6.

فمما سبق يتبين أن إسناد هذا الحديث ضعيف جداً، وضعفه أيضاً البوصيري7، وذكر أن حديث بهيسة عن أبيها يشهد له. ولكن إسناد هذا الحديث - كما سبق - ضعيف جداً، فلا يعتضد بالشواهد. والله أعلم.

1 سنن ابن ماجه [كتاب الرهون (2/826) ] .

2 الكامل (4/209) .

3 تهذيب التهذيب (5/198) .

4 التلخيص الحبير (3/65) .

5 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (3293) .

6 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (5211) .

7 مصباح الزجاجة (2/266) .

ص: 267

86 -

(13) عن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، ما الشيء الذي لا يحلُّ منعه؟ قال:"الماءُ والملح والنار". قالت: قلت: يا رسول الله، هذا الماءُ قد عرفناه فما بال الملح والنار؟ قال:"يا حُمَيراء؛ من أعطى ناراً فكأنما تصدَّق بجميع ما أنضجت تلك النار، ومن أعطى مِلْحاً فكأنما تصدّق بجميع ما طيَّب ذلك الملح، ومن سقى مسلماً شربةً من ماءٍ حيث يوجد الماء فكأنما أعتق رقبةً، ومن سقى مسلماً شربةً من ماءٍ حيث لا يوجد الماء فكأنما أحياها".

رواه ابن ماجه1 وهذا لفظه، والطبراني في الأوسط2، كلاهما من طريق علي بن غراب عن زهير بن مرزوق عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عنها به.

قال الطبراني: "لم يُسند زهير بن مرزوق غير هذا، تفرَّد به عليُّ بن غراب".

وعلي بن غراب قال فيه ابن معين: ثقة. وقال مرَّةً: صدوق. وقال أحمد وأبو زرعة: صدوق. وقال أبو حاتم والنسائي: لا بأس به. وقال أبو داود: ضعيف، ترك الناس حديثه. وقال ابن حبان: حدث بالأشياء الموضوعة فبطل الاحتجاج به. وقال الدارقطني: يعتبر به3.

1 سنن ابن ماجه [كتاب الرهون (2/826-827) ] . وقد عزا الهيثمي هذا الحديث إلى ابن ماجه وذكر أنه رواه باختصار. مجمع الزوائد (3/136) ، وليس كذلك؛ فإن اللفظ الذي ذكره الهيثمي وعزاه للطبراني في الأوسط موجود بتمامه عند ابن ماجه، وفي لفظ ابن ماجه زيادة أيضاً.

2 المعجم الأوسط (6/349) .

3 تهذيب التهذيب (7/371-372) .

ص: 268

والذي يترجّح لي من هذه الأقوال هو ما اختاره الحافظ ابن حجر فيه حيث قال: "صدوق، وكان يدلِّس ويتشيع، وأفرط ابن حبان في تضعيفه"1.

وقد صرَّح علي بن غراب بالسماع في إسناد الطبراني.

وأما زهير بن مرزوق فسُئل عنه ابن معين فقال: "لا أعرفه". قال ابن عدي: "إنما لم يعرفه ابن معين لأن له حديثاً واحداً معضلاً2" - ويعني ابن عدي هذا الحديث له عن عائشة رضي الله عنها. وقال البخاري: "منكر الحديث، مجهول"3. وقال فيه الذهبي: "واهٍ"4. بينما جعله ابن حجر في مرتبة "مجهول"5. ولعل مأخذ الذهبي في الحكم عليه بأنه "واهٍ" أنه لم يرو إلا هذا الحديث الواحد ولم يتابع عليه إلا بمن هو ضعيف جداً، أو كذاب - كما سيأتي في الطرق الآتية -، وأيضاً فإن البخاري قد قال: "كل من قلت فيه منكر الحديث فلا تحل الرواية عنه" 6.

وأما علي بن زيد بن جُدعان فقال فيه ابن عيينة: "كتبت عن علي بن زيد كتاباً كثيراً فتركته زهداً فيه". وقال حماد بن زيد: "كان يقلب الأحاديث". وكان يحيى بن سعيد يتقي حديثه. وقال ابن سعد: فيه ضعف، ولا يحتج به. وقال ابن معين وأحمد: ليس بشيء. وقالا أيضاً والنسائي: ضعيف. وقال أبو زرعة وأبو حاتم: "ليس بقوي". وقال الترمذي: "صدوق إلا أنه ربما رفع الشيء الذي يوقفه غيره". وليَّنه يعقوب بن شيبة والدارقطني7.

1 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (4783) .

2 لم أعرف وجه إعلاله بالإعضال.

3 تهذيب التهذيب (3/350) .

4 الكاشف (1/256) .

5 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (2050) .

6 ميزان الاعتدال (1/6) .

7 تهذيب التهذيب (7/322-324) .

ص: 269

وخلص فيه الحافظ ابن حجر إلى أنه في مرتبة "ضعيف"1.

وممن ضعف الحديث البوصيري2، وابن حجر3. والذي يظهر لي أنه ضعيف جداً لحال زهير بن مرزوق.

وقد توبع زهير بن مرزوق في بعضه وليس فيه محل الشاهد وهو ما جاء في ذكر النهي عن منع الماء والملح والنار. فقد رواه ابن عدي4 بإسناده عن الحسن بن أبي جعفر عن علي بن زيد بن جُدعان به، ولفظه:"من سقى ماءً حيث يوجد الماء فكأنما أعتق نسمة، ومن سقى ماءً حيث لا يُقْدر على الماء فكأنما أحيا نفساً".

وفيه الحسن بن أبي جعفر، وقد تقدم الكلام فيه5 وأنه ضعيف جداً. فعلى هذا فإن هذه المتابعة لا تصلح للاعتبار.

وللحديث إسناد آخر أيضاً، وذلك فيما رواه ابن عدي6 بإسناده عن أحمد بن محمد بن علي بن الحسن بن شقيق عن الحسين بن عيسى عن عبد الله بن نمير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها بنحو اللفظ السابق.

وأحمد بن محمد بن علي قال فيه ابن عدي: "يضع الحديث"، ومن ثَمَّ حكم على هذا الإسناد بقوله:"وهذا الحديث كذب موضوعٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم". فعلى هذا فإن هذا الإسناد لا يعتبر به أيضاً.

1 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (4734) .

2 مصباح الزجاجة (3/81) .

3 التلخيص الحبير (3/65) .

4 الكامل (2/307) .

5 عند حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه رقم (39) .

6 الكامل (1/205) .

ص: 270

والذي يظهر لي أن هذا الحديث ضعيف جداً من جميع طرقه والله أعلم.

وقد حكم ابن الجوزي على الحديث بالوضع من هذين الطريقين1، وتعقبه السيوطي2 بطريق ابن ماجه السابق إلا أنه ضعيف جداً كما سبق.

وقد تكلم بعض العلماء في الأحاديث التي جاء فيها قول النبي صلى الله عليه وسلم في عائشة رضي الله عنها "حميراء". ومن ذلك قول المزي فيما نقله ابن كثير عنه: "كل حديث فيه ذكر الحميراء باطل إلا حديث في الصوم في سنن النسائي"3. وزاد الزركشي4 حديثاً آخر أيضاً. وأما ابن القيم فقال: "كل حديثٍ فيه "يا حميراء" أو ذكر "الحميراء" فهو كذب مختلق"5. ويجب أن يستنثى من هذا الإطلاق الحديثان اللذان مرّ ذكرهما في كلام المزي وما زاده الزركشي. والله أعلم.

87 -

(14) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خصلتان لا يحلُّ منعهما: الماء والنار".

رواه البزار6، والطبراني في الصغير7، كلاهما من طريق عبدة بن عبد الله الصفَّار حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا الحسن بن أبي جعفر عن بُدَيل بن ميسرة العقيلي عنه به.

1 الموضوعات (2/170) .

2 اللآلئ المصنوعة (2/85) .

3 انظر: المعتبر في تخريج أحاديث المنهاج والمختصر (ص86) ، والإجابة فيما استدركته عائشة على الصحابة (ص58) .

4 المرجع السابق.

5 المنار المنيف (ص57) .

6 كشف الأستار (2/111) .

7 المعجم الصغير (1/242) .

ص: 271

قال البزار: "لا نعلمه عن أنس إلا من هذا الطريق، ولا نعلم أسند بديل عن أنس إلا هذا وآخر".

وقال الطبراني: "لم يروه عن بديل بن ميسرة إلا الحسن، تفرد به عبد الصمد".

وعبدة بن عبد الله الصفَّار1، وعبد الصمد بن عبد الوارث2، وبُدَيل بن ميسرة3، ثقات.

وأما الحسن بن أبي جعفر فقد تقدم الكلام فيه4 وأنه ضعيف جداً.

وقد سئل أبو حاتم عن هذا الحديث فقال: "هذا حديث منكر بهذا

الإسناد"5.

فمما سبق يتبين أن إسناد هذا الحديث ضعيف جداً. والله أعلم.

88 -

(15) عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا عباد الله فضل الماء والكلأ ولا ناراً، فإن الله جعلها متاعاً للمقوين وقوةً للمستضعفين".

رواه الطبراني في الكبير6 من طريق بشر بن عون عن بكَّار بن تميم عن مكحول عنه به.

1 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (4272) .

2 تهذيب التهذيب (6/327-328) . وقد تبين لي من أقوال الأئمة أن الراجح فيه أنه ثقة، وهو أولى من قول الحافظ ابن حجر في التقريب (رقم الترجمة: 4080) : صدوق. وقد قال فيه الحافظ الذهبي في الكاشف (2/173) : حجة.

3 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (646) .

4 تقدم عند حديث رقم (39) .

5 علل الحديث (1/378) .

6 المعجم الكبير (22/61) .

ص: 272

وبشر بن عون وبكّار بن تميم قال فيهما أبو حاتم: مجهولان1. وحكم ابن حبان2 وابن طاهر3 على الأحاديث المروية بهذا الإسناد بالوضع.

وللحديث إسنادٌ آخر ولكنه مرسل. فقد رواه أبو يوسف4 عن العلاء بن كثير عن مكحول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

" الحديث مثله.

والعلاء بن كثير هذا هو الليثي أبو سعيد الدمشقي، قال فيه أحمد: ليس بشيء. وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث واهي الحديث يحدث عن مكحول عن واثلة بمناكير. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث منكر الحديث. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: متروك. وقال ابن عدي: للعلاء بن كثير عن مكحول عن الصحابة نسخ كلها غير محفوظة وهو منكر الحديث5. وجعله ابن حجر في مرتبة: "متروك"6.

فعلى هذا فإن هذا الإسناد ضعيف جداً. والله أعلم.

89 -

(16) عن عبد الله بن سَرْجس رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فدخلت بين قميصه وجلده، فقبَّلت منه موضع الخاتم. فقلت: ما الذي لا يحل منعه؟ قال: "الملح". قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: "الماء والنار".

1 الجرح والتعديل (2/408) .

2 المجروحين (1/190) .

3 لسان الميزان (2/28) .

4 الخراج، لأبي يوسف (ص97) .

5 تهذيب التهذيب (8/191) .

6 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (5254) .

ص: 273

رواه الطبراني في الأوسط1 من طريق يحيى بن سعيد العطَّار الحمصي عن المثنَّى بن بكر عن عاصم الأحول عنه به.

ويحيى بن سعيد العطار ضعَّفه ابن معين وقال: ليس بشيء. وقال الجوزجاني والعقيلي: منكر الحديث. وقال أبو داود: جائز الحديث. وقال ابن عدي: بيِّن الضعف. وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات، لا يجوز الاحتجاج به2.

وخلص فيه الحافظ ابن حجر إلى أنه في مرتبة "ضعيف"3.

وأما المثنَّى بن بكر فقال فيه الدارقطني: متروك4.

وأما عاصم بن سليمان الأحول فوثقه الثوري وابن مهدي وابن معين وابن المديني وأحمد وغيرهم، وتكلم فيه القطان5.

والراجح فيه ما قال الجماعة. وأما كلام القطان فيه فقال ابن حجر: كأنه بسبب دخوله في الولاية6.

فمما تقدم يتبين أن إسناد هذا الحديث ضعيف جداً. وكذلك فإن في لفظ الحديث نكارة، وذلك أنه قد رواه مسلم7 وغيره من طرقٍ عن عاصم الأحول عن عبد الله بن سرجس "أنه نظر إلى خاتم النبوة بين كتفي النبي صلى الله عليه وسلم"، ولم يذكر فيه سؤاله عما لا يحل منعه. والله أعلم.

1 المعجم الأوسط (1/303) .

2 تهذيب التهذيب (11/221) .

3 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (7558) .

4 سؤالات البرقاني للدارقطني (ص64) .

5 تهذيب التهذيب (5/43) .

6 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (3060) .

7 صحيح مسلم [كتاب الفضائل (4/1824) ] .

ص: 274

90 -

(17) عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقطع طريق، ولا يمنع فضل ماءٍ، ولا ابنُ السبيل عارية الدَّلو والرّشا والحوض إن لم يكن أدَّاه بعينه1، ويخلَّى بينه وبين الرّكية يسقي، ولا يمنع المحفر إذا نزل الحافر خمسةً وعشرين ذراعاً عطناً للماشية".

رواه الطبراني في الكبير2 بإسناده عن مروان بن جعفر السمري عن محمد بن إبراهيم بن خبيب بن سليمان بن سمرة عن جعفر بن سعد بن سمرة عن خبيب بن سليمان بن سمرة عن أبيه عنه به.

وقد تقدم الكلام في هؤلاء3، والخلاصة التي ذكرها الذهبي في الأحاديث المروية بهذا الإسناد حيث قال:"بكل حالٍ هذا إسناد مظلم لا ينهض بحكم".

وللحديث إسناد آخر، فقد رواه ابن زنجويه4 بإسناده عن مسلمة بن علي عن عبد الرحمن بن يزيد عن مكحول عنه به بنحوه.

ومسلمة بن علي قد تقدم الكلام فيه5 وأنه متروك.

فمما تقدم يتبين أن إسناد هذا الحديث ضعيف جداً عن سمرة بن جندب رضي الله عنه والله أعلم.

1 في مجمع الزوائد (4/128) : "إن لم تكن له أَدَاةٌ تعينه"، وعند ابن منجويه:"إن لم يكن معه أداة تغنيه"، ويظهر أنها الصواب.

2 المعجم الكبير (7/260) .

3 تقدم الكلام فيهم عند حديث رقم (72) .

4 الأموال (2/662) .

5 تقدم الكلام فيه عند حديث رقم (54) .

ص: 275

والرشاء: الحبل1، والركية: البئر2

وأما المحفر فلم أقف على معناه، ولكن يظهر أنه مما يحتاجه الحافر عند حفره، وعند أهل نجد المحفر: وعاء يستعمل في حمل التراب وغيره، وقد يكون هو المقصود في الحديث، والله أعلم.

1 لسان العرب (14/333، مادة: رشا) .

2 لسان العرب (14/323، مادة: ركا) .

ص: 276

دلالة الأحاديث السابقة:

يستفاد مما تقدم النهي عن بيع فضل الماء والكلأ والنار.

أما الماء فالمراد به ماء العيون والآبار ونحوها مما لا يد لأحدٍ عليه والناس فيه سواء، وأما إذا صيِّر هذا الماء في آنية وأوعية فليس داخلاً في النهي عن بيعه، لما تكلف فيه مستقيه وحامله1. ومثل هذا اليوم المياه الصحية التي تعبأ في قوارير أو نحوها فهي ليست داخلة في النهي.

قال الخطابي: "وأما الماء إذا جمعه صاحبه في صهريج أو بركة أو خزنه في جب أو قراه في حوض ونحوه فله أن يمنعه، وهو شيءٌ قد حازه على سبيل الاختصاص لا يشركه فيه غيره، والحديث إنما جاء في منع الفضل دون الأصل، ومعناه ما فضل عن حاجته وحاجة عياله وماشيته وزرعه"2.

والمراد بمنع الماء الذي ورد النهي عنه عدم بذله لمن يحتاج إليه بغير عوض، فإن أبى بذله بغير عوض فهو مانعٌ له.

والبئر إن كان لها مالك أو كانت في أرضٍ مملوكة فالمالك أولى به من غيره، وما فضل عن حاجته فلا يجوز له منعه3. وقد سبق أن من منع فضل مائه من ابن السبيل فإن الله لا يكلمه يوم القيامة ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذابٌ أليم.

وأما الكلأ فهو النبات الذي أخرجه الله للأنعام مما لم ينصب فيه أحدٌ بحرثٍ ولا غرس ولا سقي، فهو لمن سبق إليه، ليس لأحدٍ أن يحتظر منه شيئاً دون غيره، ولكن ترعاه أنعامهم ومواشيهم ودوابُّهم معاً4.

1 انظر: الأموال - لأبي عبيد - (ص277-278) .

2 معالم السنن (3/748-749) .

3 انظر: الأموال - لأبي عبيد - (ص276) .

4 انظر: الأموال - لأبي عبيد - (ص273) .

ص: 277

وأما إذا أخذ الكلأ من منابته وجمع ففي هذه الحالة يملكه من أخذه وله بيعه1. وقد روى البخاري في صحيحه عن الزبير بن العوام رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لأن يأخذ أحدكم أحبلاً فيأخذ حزمةً من حطب فيبيع فيكف الله بها وجهه خيرٌ من أن يسأل الناس أُعطي أم مُنع" 2، وقد بوّب البخاري على هذا الحديث بقوله: "باب: يبيع الحطب والكلأ".

وإذا كان الكلأ في أرضٍ مملوكةٍ لمالكٍ بعينه فهو مالٌ له ليس لأحدٍ أن يشركه فيه إلا بإذنه3.

ويستثنى من النهي عن منع الكلأ الحِمى، وهو ما يحميه الإمام للخيل الغازية في سبيل الله ولنعم الصدقة4، فللإمام أن يمنع غيرها من أن ترعى فيه.

وأما النار التي نهي عن منعها فقد فسّرها بعض العلماء بأنها الحجارة التي توري النار. يقول: لا يمنع أحدٌ أن يأخذ منها حجراً يقتدح به النار، فأما التي يوقدها الإنسان فله أن يمنع غيره من أخذها، وقال بعضهم: ليس له أن يمنع من يريد أن يأخذ منها جذوةً من الحطب الذي قد احترق فصار جمراً، وليس له أن يمنع من أراد أن يستصبح منها مصباحاً أو أدنى منها ضغثاً يشتعل بها؛ لأن ذلك لا ينقص من عينها شيئاً5. والله أعلم.

1 انظر: الشرح الكبير - على متن المقنع - (4/25) .

2 صحيح البخاري - مع الفتح -[كتاب الشرب والمساقاة (5/ رقم 2373) ] .

3 معالم السنن (3/751) .

4 انظر: الأموال - لأبي عبيد - (ص274-275) .

5 انظر: معالم السنن (3/751) .

ص: 278