الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع: ما ورد في النهي عن ما حرم أكله وشربه
…
الفصل الرابع: ما ورد في النهي عن بيع ما حرم أكله وشربه
29 -
(1) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بلغ عمر أن فلاناً باع خمراً، فقال: قاتل الله فلاناً، ألم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"قاتل الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها".
رواه البخاري1 وهذا لفظه، ومسلم2، والنسائي3، والحميدي4، وابن أبي شيبة5، والدارمي6، والبزار7، وأبو يعلى8. كلهم من طرقٍ عنه به. وفي رواية مسلم وغيره: توضيح المبهم الواقع في لفظ البخاري في الذي باع الخمر بأنه سمرة ابن جندب رضي الله عنه.
ومعنى قوله "جملوه" أي أذابوه - وقد تقدم تفسيرها -9.
وأما سبب بيع سمرة بن جندب رضي الله عنه للخمر فاختلف في ذلك على أقوال.
1 صحيح البخاري - مع الفتح -[كتاب البيوع (4/رقم 2223) ، أحاديث الأنبياء (6/رقم 3460) ] .
2 صحيح مسلم [كتاب المساقاة (3/1207) ] .
3 سنن النسائي [كتاب الفرع والعتيرة (7/177) ] .
4 مسند الحميدي (1/9) .
5 إتحاف الخيرة المهرة (ص349) .
6 سنن الدارمي (2/156) .
7 مسند البزار (1/295) .
8 مسند أبي يعلى (1/178) .
9 عند حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما رقم (1) .
فقيل: إنه أخذها من أهل الكتاب عن قيمة الجزية فباعها منهم معتقداً جواز ذلك، وكان ينبغي له أن يوليهم بيعها فلا يدخل في محظور وإن أخذ أثمانها منهم بعد ذلك لأنه لم يتعاط محرماً.
الثاني: ما قاله الخطابي وهو أن يكون باع سمرة العصير ممن يتخذه خمراً.
الثالث: أن يكون خلل الخمر وباعها، وكان سمرة يعتقد جواز ذلك - ولكن هذا ضعيف لأن في الحديث أنه باع خمراً، والخمر إذا خللت لا تعود إلى ما كانت عليه.
ورجح ابن الجوزي والقرطبي القول الأول، وبين الحافظ ابن حجر أنه على هذا القول يحتمل أن يكون بعض من ولاهم عمر رضي الله عنه استعمل سمرة على قبض الجزية، وذلك لأن سمرة لم يكن والياً لعمر رضي الله عنه. وأما ما ذكره ابن الجوزي من أن عمر رضي الله عنه استعمل سمرة على البصرة فوهم. قاله ابن حجر1.
ولعله مما يؤيد هذا القول ما رواه الحميدي2، والبيهقي3 بإسنادٍ فيه راوٍ لم يسم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر يقول بيده هكذا - يعني يحركها يميناً وشمالاً - عويمل لنا بالعراق، عويمل لنا بالعراق خلط في فيء المسلمين أثمان الخمر والخنازير، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها". وعند عبد الرزاق4 نحو هذا بلفظ: "رأيت عمر يقلِّب كفيه ويقول: قاتل الله سمرة عويمل لنا بالعراق
…
" الحديث.
1 فتح الباري (4/484) .
2 مسند الحميدي (1/9) .
3 السنن الكبرى (9/205-206) .
4 المصنف (6/75) . وانظر أيضاً (6/74) .
30 -
(2) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قاتل الله يهوداً، حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها".
رواه البخاري1 وهذا لفظه، ومسلم2، وأحمد3. كلهم من طرقٍ عن الزهري عن سعيد بن المسيب عنه به.
وفسّر البخاري "قاتل" بمعنى لعن. وقد جاء بلفظ اللعن في أحاديث أخرى في هذا الفصل.
31 -
(3) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً عند الركن، قال: فرفع بصره إلى السماء فضحك فقال: "لعن الله اليهود - ثلاثاً -، إن الله حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها، وإن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه".
رواه أبو داود4، وأحمد5، وأبو يعلى6، وابن حبان7، والطبراني في الكبير8، والدارقطني9، والبيهقي10، وابن عبد البر11. كلهم من طرقٍ عن خالد الحذاء عن بركة أبي الوليد به.
1 صحيح البخاري - مع الفتح -[كتاب البيوع (4/رقم 2224) ] .
2 صحيح مسلم [كتاب المساقاة (3/1208) ] .
3 مسند أحمد (2/512) .
4 سنن أبي داود [كتاب البيوع (3/758) ] .
5 مسند أحمد (1/247،293،322) . ووقع في الموضع الأول: ((بركة عن أبي الوليد)) ، وهو خطأ.
6 إتحاف الخيرة المهرة (ص350-351) .
7 الإحسان (11/312-313) .
8 المعجم الكبير (12/200) .
9 سنن الدارقطني (3/7) .
10 السنن الكبرى (6/13) ، (9/353) .
11 التمهيد (9/44) ، (17/402) .
وهذا إسناد صحيح، فإن بركة أبا الوليد وثقه أبو زرعة وذكره ابن حبان في الثقات1. وجعله ابن حجر في مرتبة: ثقة2.
وفي رواية لأحمد3 وقع في الإسناد: هشيم عن خالد الحذاء عن بركة بن العريان المجاشعي به.
وقد ذكر لأبي حاتم رواية هشيم هذه فقال: "هذا خطأ، إنما هو بركة أبي الوليد، وهم فيه هشيم"4.
ونحوه ما نقل ابن عبد البر عن أحمد بن زهير أنه قال: سمعت أبي - وهو زهير بن حرب - يقول: وأبو العريان الذي يحدث عنه خالد اسمه أنيس5.
والجواب عن هذا أن مسلماً ذكر أن بركة المجاشعي يكنى أبا العريان6. وكذلك نقل ابن خلفون أن بركة أبا الوليد يقال له أبو العريان7. ويؤيد هذا أن الطبراني وابن عبد البر روياه بإسنادهما عن هشيم عن خالد الحذاء عن بركة أبي الوليد عن ابن عباس به. فدلّ على أن هشيماً لم يخطئ وإنما نسبه مرةً وكنّاه أخرى. والله أعلم.
1 تهذيب التهذيب (1/430) .
2 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (655) .
3 مسند أحمد (1/293) .
4 العلل (2/22) .
5 التمهيد (17/403) .
6 الكنى والأسماء (1/629) .
7 تهذيب التهذيب (1/430) .
32 -
(4) عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم نعوده وهو مريض، فوجدناه نائماً قد غطَّى وجهه ببردٍ عدني، فكشف عن وجهه ثم قال:"لعن الله اليهود يحرمون شحوم الغنم ويأكلون أثمانها".
رواه ابن أبي شيبة1 وهذا لفظه، والحارث بن أبي أسامة2، ومن طريقه أبو نعيم الأصبهاني في معرفة الصحابة3، ويعقوب بن شيبة4، والبزار5، والحاكم6، والضياء المقدسي7. كلهم من طرقٍ عن الأعمش عن جامع بن شداد عن كلثوم الخزاعي عنه به.
وقال البزار: "هذا الحديث لا نعلمه يروى عن أسامة إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد".
وقال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه".
وكلثوم الخزاعي هو ابن علقمة بن ناجية الخزاعي المصطلقي. ذكره بعضهم في الصحابة، ولكن قال أبو نعيم: لا تصح له صحبة8. وقال ابن عبد البر:
1 إتحاف الخيرة المهرة (ص346-347) . وقد رواه الضياء المقدسي من طريقه في المختارة (4/139) .
2 بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث (1/497) .
3 معرفة الصحابة (2/183-184) .
4 مسند عمر بن الخطاب (ص49،50) .
5 مسند البزار - البحر الزخار - (7/59) .
6 المستدرك (4/194) .
7 المختارة (4/140) .
8 تهذيب التهذيب (8/444) .
"أحاديثه مرسلة، لا تصح له صحبة"1. ولذا ذكره ابن حبان في ثقات التابعين2.
وجعله ابن حجر في مرتبة: ثقة.
والذي يظهر لي أنه على الاصطلاح الذي وضعه ابن حجر في تقريب التهذيب ينبغي أن يقول فيه: "مقبول" فإنه ليس بصحابي ولم يوثقه غير ابن حبان.
إلا أن للحديث شواهد تؤيده، وهي ما سبق ذكره من أحاديث هذا الفصل، كحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما -3، فيكون بها حسناً لغيره. والله أعلم.
33 -
(5) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثمن الحريسة4 حرام، وأكلها حرام".
رواه أحمد5 عن يحيى بن يزيد النوفلي، عن أبيه، عن جبير بن أبي صالح، - وكان يقال له ابن نفيلة - عنه به.
ويحيى بن يزيد هو ابن عبد الملك النوفلي. قال فيه أحمد: لا بأس به. ولم يكن عنده إلا حديث أبيه، ولو كان عنده غير حديث أبيه لتبيّن أمره.
1 الاستيعاب - المطبوع في حاشية الإصابة - (3/317) .
2 الثقات (5/335-336) .
3 سبق تخريجه وهو أول حديث في هذه الرسالة.
4 في المطبوع من المسند ((الجريسة)) وصوّب أحمد شاكر أن تكون ((الحريسة)) [المسند بتحقيق أحمد شاكر (16/174) ] . وقد ذكر ابن الأثير هذا الحديث عند مادة ((حرس)) ، والحريسة هي الشاة التي تسرق ليلاً. (النهاية: 1/367) .
5 المسند (2/333) .
وقال أبو حاتم: منكر الحديث، لا أدري منه أو من أبيه، لا ترى حديثه حديثاً مستقيماً. وقال أبو زرعة: لا بأس به، إنما الشأن في أبيه1 - ثم نقل عن أحمد كلامه المتقدم -. ويعنون بذلك أن يحيى بن يزيد لم يرو عن غير أبيه، وأبوه متكلم فيه - كما سيأتي - فلا يعلمون النكارة أهي من قبله أو من قبل أبيه. وضعفه أيضاً ابن عدي2.
وأما يزيد بن عبد الملك النوفلي فقد قال فيه ابن سعد: كان جلداً صارماً ثقة، وقال مرّة: عنده مناكير. وقال ابن معين: ليس حديثه بذاك. وقال أيضاً: ما كان به بأس. وقال أحمد: ضعيف الحديث. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، منكر الحديث جداً. وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث. وقال مرّة: واهي الحديث. وقال البخاري: أحاديثه شِبْه لا شيء. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال أيضاً: ليس بثقة3. وأما ابن حجر فجعله في مرتبة الضعيف4.
والذي يظهر لي أنه ضعيف جداً لما سبق من أقوال الأئمة فيه.
وأما جبير بن أبي صالح فقال فيه ابن حجر: إنما هو بشير - بوزن عظيم - وذكر ابن حجر اختلاف نسخ المسند في ذلك. وهو على كل قولٍ مجهول5.
فعلى هذا فإن الحديث ضعيف جداً لا يعتبر به. والله أعلم.
1 الجرح والتعديل (9/198) .
2 الكامل (7/248) .
3 تهذيب التهذيب (11/347-348) .
4 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (7751) .
5 انظر: تعجيل المنفعة (ص51-52) .
وللحديث طريق أخرى، فقد أخرجه إسحاق بن راهويه1، والحاكم2 من طريق مصعب بن محمد عن شرحبيل بن سعد مولى الأنصار عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من اشترى سرقة وهو يعلم أنها سرقة فقد شرك في عارها وإثمها". قال الحاكم: صحيح ولم يخرجاه.
ورواه ابن أبي شيبة3 بإسناده عن مصعب بن محمد عن رجلٍ من أهل المدينة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم
…
" الحديث بمثله.
وتعقب الذهبي تصحيح الحاكم بأن في إسناده مسلم بن خالد الزنجي وشرحبيل وهما ضعيفان4.
أما مسلم بن خالد الزنجي فقد قال فيه ابن سعد: كان كثير الغلط في حديثه. وقال ابن المديني: ليس بشيء. وقال ابن معين: ثقة. وقال البخاري: منكر الحديث يكتب حديثه ولا يحتج به، يعرف وينكر. وقال ابن عدي: حسن الحديث وأرجو أنه لا بأس به5.
وخلص فيه ابن حجر إلى أنه "فقيه صدوق كثير الأوهام"6.
وشرحبيل بن سعد قال فيه مالك: ليس بثقة. وقال ابن معين: ليس بشيء، يضعّف. وقال أبو زرعة: ليِّن. وقال النسائي: ضعيف. وقال
1 مسند إسحاق بن راهويه [مسند أبي هريرة (ص384-385) ] .
2 المستدرك (2/35) .
3 المصنف (5/241) .
4 انظر: تلخيص المستدرك - المطبوع في حاشية المستدرك - (2/35) .
5 تهذيب التهذيب (10/129) .
6 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (6625) .
الدارقطني: ضعيف يعتبر به1. وجعله الحافظ ابن حجر في درجة: "صدوق اختلط بآخرة"2.
ويظهر لي أن أولى ما يقال فيه ما قاله الدارقطني. والله أعلم.
فعلى هذا فإن هذه الطريق ضعيفة، وهي صالحة للاعتبار.
وللحديث أيضاً طريق أخرى، فقد أخرج ابن عدي3 بإسناده عن ابن لهيعة حدثنا إسحاق بن أبي فروة عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من اشترى سرقة وهو يعلمها فقد شرك في عارها وإثمها". إلا أن في الإسناد إسحاق بن عبد الله بن أبي وفرة، قال فيه أحمد: لا تحل عندي الرواية عنه. وقال البخاري: تركوه. وقال عمرو بن علي وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي والدارقطني وغيرهم: متروك4.
ولذا قال ابن حجر: متروك5.
فعلى هذا، فلا يعتبر بهذه الطريق.
فعلى هذا، فإن الحديث ضعيف وأحسن طرقه طريق مصعب بن محمد عن شرحبيل به. والله أعلم.
1 تهذيب التهذيب (4/320-321) .
2 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (2764) .
3 الكامل (1/328) .
4 تهذيب التهذيب (1/241) .
5 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (368) .
34 -
(6) عن عبد الله بن أبي بكر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قاتل الله اليهود، نُهوا عن أكل الشحم فباعوه فأكلوا ثمنه".
رواه مالك1 عن عبد الله بن أبي بكر به مرسلاً.
وعبد الله بن أبي بكر هو عبد الله بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني القاضي. ثقة من الخامسة2.
ويشهد لهذا المرسل الأحاديث الأخرى في هذا الفصل، فيكون بها حسناً لغيره. والله أعلم.
35 -
(7) عن تميم الدَّاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يحل ثمن شيءٍ لا يحل أكله وشربه".
رواه الدارقطني3 بإسناده عن شبابة بن سوّار عن أبي مالك النخعي عن المهاجر أبي الحسن عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عنه به.
ورجاله ثقات ما عدا أبا مالك النخعي الواسطي. قيل اسمه عبد الملك بن الحسين، وقيل عبادة بن الحسين. وقد تكلم فيه الأئمة. فقال فيه ابن معين: ليس بشيء. وقال أبو زرعة وأبو حاتم: ضعيف الحديث. وقال عمرو بن علي: ضعيف منكر الحديث. وقال أبو داود: ضعيف. وقال النسائي: ليس بثقة، ولا يكتب حديثه. وقال مرة: متروك الحديث4.
1 الموطأ (2/710) .
2 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (3239) .
3 سنن الدارقطني (3/7) .
4 تهذيب التهذيب (12/219) .
وخلص فيه الحافظ ابن حجر إلى أنه: "متروك"1.
فعلى هذا فإن إسناد هذا الحديث ضعيف جداً لا يعتبر به. والله أعلم.
ومما ورد في هذا الفصل أيضاً:
(8)
حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وقد تقدم2.
(9)
حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وقد تقدم3.
(10)
حديث عبد الرحمن بن غنم عن تميم الداري رضي الله عنه، وقد تقدم4.
(11)
حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وقد تقدم5.
1 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (8337) .
2 تقدم برقم (1) .
3 تقدم برقم (3) .
4 تقدم برقم (13) .
5 تقدم برقم (15) .
دلالة الأحاديث السابقة:
يستفاد مما تقدم من الأحاديث الثابتة أن ما حرم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أكله وشربه فثمنه حرام، وفي حكم الأكل والشرب ما حرم تحريماً مطلقاً كالصلبان والصور المحرمة وغيرها؛ لأن في بيعه تعاونًا على الإثم والعدوان، وقد نهى الله عنه.
وفي بيعه أيضاً محادّة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم في تحريمهما له، فإن في بيعه إعانة على مخالفة هذا التحريم.
وقد تقدم أن الله لعن اليهود بسبب بيعهم لشحوم الميتة بعد أن نهوا عن أكلها، فمن باع ما حرم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من مأكول أو مشروب أو غيره فقد عرَّض نفسه للعنة الله - والعياذ بالله - وإن لم يتناول هذا المحرم.
ويدخل في النهي عن بيع ما حرم أكله وشربه ما لو كان المشتري ليس مسلماً. فإن في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه أنكر على من باع الخمر لأهل الذمة فقال: "قاتل الله فلاناً
…
" الحديث.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله إذا حرّم على قومٍ أكل شيءٍ حرم عليهم ثمنه" حمل الطبري هذا الحديث على ما حرم مما هو نجس1. وجعله ابن عبد البر وارداً فيما حرم أكله ولم يبح الانتفاع به2.
والأولى أن يقال هذا الحديث عام فلا يخرج منه إلا ما خصّه الدليل كما قال الشوكاني3، كالإنسان يحرم أكله ويباح بيعه إذا كان عبداً،
1 المعلم بفوائد مسلم (2/294) . وانظر: إكمال إكمال المعلم (4/263) .
2 التمهيد (9/46) . وانظر: زاد المعاد (5/762) .
3 نيل الأوطار (5/162) .
وكذا الحمار الأهلي يحرم أكله ويباح بيعه، ونحو ذلك مما خص من العموم. والله أعلم.
ولا يدخل في النهي الوارد عن بيع ما حرم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ما إذا كان التحريم ليس عامًا لجميع الناس، كما في الذهب والحرير، يجوز للرجال بيعهما مع أنه يحرم عليهم لبسهما.
فقد روى البخاري1 واللفظ له، ومسلم2 وغيرهما عن ابن عمر- رضي الله عنهما: أن عمر رضي الله عنه رأى حلة سيراء تباع، فقال: يا رسول الله؛ لو ابتعتها لتلبسها للوفد إذا أتوك والجمعة، قال:"إنما يلبس هذه من لا خلاق له".
وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعد ذلك إلى عمر رضي الله عنه حلة سيراء حريرًا كساها إياه، فقال عمر رضي الله عنه: كسوتنيها وقد سمعتك تقول فيها ما قلت. فقال: "إنما بعثت بها إليك لتبيعها أو تكسوها".
1 صحيح البخاري - مع الفتح – [كتاب اللباس (10/رقم 5841) ] .
2 صحيح مسلم [كتاب اللباس والزينة (3/1640) ] .