المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثاني ما ورد في النهي عن بيع الخمر - الأحاديث الواردة في البيوع المنهي عنها - جـ ١

[سليمان بن صالح الثنيان]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: الأحاديث الواردة في الأعيان المنهي عن بيعها

- ‌الفصل الأول: ما ورد في النهي عن بيع الميتة والخنزير والأصنام

- ‌الفصل الثاني ما ورد في النهي عن بيع الخمر

- ‌الفصل الثالث: ما ورد في النهي عن بيع الدم

- ‌الفصل الرابع: ما ورد في النهي عن ما حرم أكله وشربه

- ‌الفصل الخامس: ما ورد في النهي عن بيع ما يعلم أن المشتري يستعمل المبيع في الحرام

- ‌الفصل السادس: ما ورد في النهي عن بيع الكلب والسنور

- ‌الفصل السابع: ما ورد في النهي عن بيع الحر

- ‌الفصل الثامن: ما ورد في النهي عن بيع أمهات الأولاد

- ‌الفصل التاسع: ما ورد في النهي عن بيع المدبر

- ‌الفصل العاشر: ما ورد في النهي عن بيع الولاء

- ‌الفصل الحادي عشر: ما ورد في النهي عن بيع القينات

- ‌الفصل الثاني عشر: ما ورد في النهي عن بيع رباع مكة

- ‌الفصل الثالث عشر: ما ورد في النهي عن إضاعة المال

- ‌الباب الثاني: الأحاديث الواردة عن بيع ما ليس مملوكآ للبائع وقت العقد أو لم يقبضه بعد

- ‌الفصل الأول: ما ورد في النهي عن بيع ما لم يملك، وبيع ما لم يقبض

- ‌الفصل الثاني: ما ورد في النهي عن بيع فضل الماء والكلأ والنار

- ‌الفصل الثالث: ما ورد في النهي عن بيع المغانم حتى تقسم وعن بيع الصدقات بل أن تقبض

- ‌الفصل الرابع: ما ورد في النهي عن بيع الكالئ بالكالئ

- ‌الباب الثالث: الأحاديث الواردة في النهي عن بيوع الغرر

- ‌الفصل الأول: ما ورد في النهي عن بيوع الغرر

- ‌الفصل الثاني: ما ورد في النهي عن بيع حبل الحبلة والمضامين والملاقيح

- ‌الفصل الثالث: ما ورد في النهي عن بيع الملامسة والمنابذة

- ‌الفصل الرابع: ما ورد في النهي عن بيع الحصاة

- ‌الفصل الخامس: ما ورد في بيع اللبن في الضرع والصوف على الظهر والسمن في اللبن

- ‌الفصل السادس: ما ورد في النهي عن الثنيا في البيع إلا أن تعلم

- ‌الفصل السابع: ما ورد في النهي عن بيع المعاومة والسنين

- ‌الفصل الثامن: ما ورد في النهي عن البيع بضربة الغائص وبيع العبد الآبق

- ‌الفصل التاسع: ما ورد في النهي عن بيع عسب الفحل

- ‌الفصل العاشر: ما ورد في النهي عن بيع السمك في الماء

- ‌الفصل الحادي عشر: ما ورد في النهي عن بيع ما لم يتبين صلاحه

- ‌الباب الرابع: الأحاديث الواردة في النهي عن الشروط في البيع

- ‌الفصل الأول: ما ورد في النهي عن الشروط في البيع، وعن بيع وسلف

- ‌الفصل الثاني: ما ورد في النهي عن بيع العربان

- ‌الفصل الثالث: ما ورد في النهي عن بيعتين في بيعة

الفصل: ‌الفصل الثاني ما ورد في النهي عن بيع الخمر

‌الفصل الثاني ما ورد في النهي عن بيع الخمر

6 -

(1) عن عائشة رضي الله عنها قالت: " لما أنزلت الآيات من سورة البقرة في الربا، خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فقرأهن على الناس، ثم حرم تجارة الخمر".

رواه البخاري1، واللفظ له، ومسلم2، وأبو داود3، والنسائي4، وابن ماجه5، وأبو داود الطيالسي6، وأحمد7، والدارمي8. كلهم من طرق عن أبي الضحى مسلم بن صبيح، عن مسروق عنها به.

- وقولها: " لما أنزلت الآيات من سورة البقرة في الربا" المراد بها قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسّ

} الآيات9.

1 صحيح البخاري مع الفتح [كتاب الصلاة (1/رقم 459) ، البيوع (4/رقم 2084،2226) ، التفسير (8/رقم 4540-4543) ] .

2 صحيح مسلم [كتاب المساقاة (3/1206) ] .

3 سنن أبي داود [كتاب البيوع (3/759) ] .

4 سنن النسائي [كتاب البيوع (7/308) ] .

5 سنن ابن ماجه [كتاب الأشربة (2/1122) ] .

6 مسند الطيالسي، رقم (1402) .

7 مسند أحمد (6/46،100،127،186،190،278) .

8 سنن الدارمي (2/333) .

9 الآيات (275-281) من سورة البقرة.

ص: 51

ووقع في مسند أحمد " لما نزلت الآية التي في البقرة في الخمر قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ثم حرم التجارة في الخمر"1. فهذه الرواية فيها أن الآية التي نزلت وحرم عندها التجارة في الخمر هي آية الخمر من سورة البقرة، بينما الرواية السابقة أن الآيات هي الآيات التي كانت في الربا.

ورواية أحمد وإن كان ظاهرها أولى من الرواية الأخرى؛ لموافقتها لسياق الحديث، فإن آخره " ثم حرم التجارة في الخمر" إلا أنها مردودة لأمور أربعة:

الأول: أن الرواية التي جاء فيها أن الآيات هي آيات الربا أكثر من التي جاء فيها أنها في الخمر.

الثاني: روى سعيد بن منصور2 هذا الحديث في سننه بإسناد صحيح بلفظ: " لما نزلت الآيات من آخر سورة البقرة في الربا

" الحديث، فقوله: " من آخر سورة البقرة" يدل على أنها آيات تحريم الربا، وليست الآيات في الخمر.

الثالث: أن آية البقرة ليس فيها تحريم الخمر، وسورة البقرة قد تقدم نزولها في المدينة، وأما الخمر فتأخر تحريمها، فإنها حرمت في سورة المائدة.

وأما قول السيوطي: " إن الرواية التي فيها أن الآية كانت في تحريم الخمر تدل على أنه كان في الآيات المذكورة تحريم ذلك، وكأنه نسخت تلاوته"3.

1 المسند (6/278) .

2 سنن سعيد بن منصور (3/381-382) .

3 حاشية السندي على سنن النسائي (7/308) .

ص: 52

فقوله هذا ضعيف؛ لأن هذا متفرع على صحة الرواية وسلامتها من المعارضة، والأمر ليس كذلك.

الرابع: أن رواية أحمد في سندها زياد بن عبد الله البكائي، وهو متكلم فيه1. قال الحافظ ابن حجر:" صدوق ثبت في المغازي، وفي حديثه عن غير ابن إسحاق لين"2. وقد عارضه غيره في هذه الرواية، فروايته تكون منكرة.

وقد تابعه داود بن الزبرقان عن عبد الأعلى، والحجاج عن أبي الضحى به، ولفظه:" لما نزلت سورة البقرة، نزل فيها تحريم الخمر، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك" رواه الخطيب3. إلا أن داود بن الزبرقان قد ضعفه أكثر الأئمة تضعيفًا شديدًا4. ولذا جعله ابن حجر في مرتبة: متروك5. فهذه المتابعة لا تصلح؛ لشدة ضعف داود.

إذا تقرر أن الرواية المحفوظة هي قولها: " لما أنزلت الآيات من سورة البقرة في الربا" فربما يشكل على هذا أن آيات الربا من آخر ما نزل من القرآن، وتحريم الخمر تقدم قبل ذلك بمدة، فقد روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:" آخر آية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم آية الربا"6. والجواب عن هذا

1 تهذيب التهذيب (3/375،376) .

2 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (2085) .

3 تاريخ بغداد (8/358) .

4 تهذيب التهذيب (3/187-188) .

5 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (1785) .

6 صحيح البخاري مع الفتح، كتاب التفسير (8/4544) .

ص: 53

الإشكال ما نقله الإمام النووي عن القاضي عياض وغيره، حيث قالوا: تحريم الخمر هو في سورة المائدة، وهي نزلت قبل آية الربا بمدة طويلة، فإن آية الربا آخر ما نزل أو من آخر ما نزل، فيحتمل أن يكون هذا النهي عن التجارة متأخرًا عن تحريمها1.

ويحتمل أنه أخبر بتحريم التجارة حين حرمت الخمر، ثم أخبر به مرة أخرى بعد نزول آية الربا توكيدًا ومبالغة في إشاعته، ولعله حضر المجلس من لم يكن بلغه تحريم التجارة فيها قبل ذلك. والله أعلم2.

وقال ابن كثير: " قال بعض من تكلم على هذا الحديث من الأئمة: لما حرم الربا ووسائله، حرم الخمر وما يفضي إليه؛ من تجارة ونحو ذلك"3.

7 -

(2) عن عبد الرحمن بن وعلة أنه سأل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عما يعصر من العنب، فقال ابن عباس: إن رجلاً أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوية خمر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:" هل علمت أن الله قد حرمها؟ "، فقال: لا. فسارَّ إنسانًا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:" بم ساررته؟ "، فقال: أمرته ببيعها. فقال: " إن الذي حرم شربها حرم بيعها". قال: ففتح المزادة حتى ذهب ما فيها.

1 شرح صحيح مسلم (11/5) .

2 هذا الاحتمال يرده حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الآتي (رقم 8) ، فإن فيه التصريح بأن الخمر حرم ثمنها لما نزل تحريمها.

3 تفسير القرآن العظيم - تفسير ابن كثير - (1/336) .

ص: 54

رواه مسلم1، وهذا لفظه، ومالك2، ومن طريقه النسائي3، ورواه أحمد4، والدارمي5، والطحاوي6، كلهم من طرق عن ابن وعلة به. ولفظ أحمد في رواية، والدارمي: " سألت ابن عباس عن بيع الخمر

" الحديث.

وابن وَعْله اسمه عبد الرحمن بن وعلة السبئي، أصله من مصر، ثم انتقل إلى المدينة وسكنها7، وقد تقدم8 أنه وثقه ابن معين، والعجلي، والنسائي، وابن عبد البر، وغيرهم.

- قوله: " إن رجلاً أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم": جاء في رواية لأحمد: " كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم صديق من ثقيف أو من دوس"9، وفي رواية له أيضًا " رجل من دوس"10. وقد روى أحمد بسنده عن نافع بن كيسان، عن أبيه " أنه يتجر بالخمر في زمن النبي صلى الله عليه وسلم

" الحديث11 بمعنى حديث ابن عباس.

1 صحيح مسلم، كتاب المساقاة (3/1206) .

2 موطأ مالك، كتاب الأشربة (2/645) .

3 سنن النسائي، كتاب البيوع (7/307،308) .

4 مسند أحمد (1/230،244،323)

5 سنن الدارمي (2/133،156) .

6 مشكل الآثار (8/406) .

7 التمهيد (4/140) .

8 تقدم (ص 43) .

9 مسند أحمد (1/230) .

10 مسند أحمد (1/244) .

11 مسند أحمد (4/335) ، وسيأتي تخريجه برقم (18) .

ص: 55

ونافع بن كيسان هو الثقفي1، فكذلك أبوه هو كيسان الثقفي، فلعله هو الرجل من ثقيف الذي ورد في حديث ابن عباس.

وقد جزم بذلك الزرقاني2. وقال الحافظ ابن حجر: يستفاد من حديث كيسان تسمية المبهم في حديث ابن عباس3.

- قوله: " أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوية خمر"، قال الزرقاني: ثم احذر أن يخطر ببالك أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب الخمر قبل تحريمها، فلا يلزم من إهداء الراوية كل عام قبل التحريم أن يشرب، بل يهديها، أو يتصدق بها، أو نحو ذلك، وقد صانه الله تعالى من قبل النبوة عما يخالف شرعه، وهو لم يشرب الخمر المحضر من الجنة ليلة المعراج4.

- قوله: " راوية خمر": قال أبو عبيد: الراوية هي المزادة، وقال غيره: إنما تقال الراوية للبعير خاصة5.

قال النووي: وهذا الحديث يدل لأبي عبيد، فإنه سماها راوية ومزادة، قالوا: سميت راوية لأنها تروي صاحبها ومن معه، والمزادة لأنها يتزود فيها الماء في السفر وغيره، وقيل: لأنه يزاد فيها جلد ليتسع6.

1 الإصابة في تمييز الصحابة (3/546-547) .

2 شرح الزرقاني لموطأ مالك (5/131) .

3 فتح الباري (8/129) ، شرح حديث رقم (4620) .

4 شرح الزرقاني لموطأ مالك (5/132) .

5 شرح صحيح مسلم (11/4) .

6 المرجع السابق.

ص: 56

- قوله: " هل علمت أن الله قد حرمها"، جاء في مسند أحمد سبب عدم علمه، ففي رواية عنده:" أن رجلاً خرج والخمر حلال"1، وفي رواية له أيضًا:" هل علمت أن الله قد حرمها بعدك"2، كما أنه قد وقع في مسند أحمد تحديد العام الذي لقي فيه الرجل النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قوله:" فلقيه بمكة عام الفتح"3.

- قوله: " فسارَّ إنسانًا": في رواية لأحمد: " فأقبل الرجل على غلامه"4، وفي روايةٍ له أيضًا:" فالتفت الرجل إلى قائد البعير"5. وأما المسارة فهي خفض الصوت بالكلام6.

8 -

(3) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بالمدينة يقول: " يا أيها الناس؛ إن الله تعالى يعرض بالخمر، ولعل الله سينزل فيها أمرًا، فمن كان عنده منها شيء فليبعه ولينتفع به". قال: فما لبثنا إلا يسيرًا حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله تعالى حرم الخمر، فمن أدركته هذه الآية وعنده منها شيء فلا يشرب ولا يبع". قال: فاستقبل الناس بما كان عندهم منها في طريق المدينة فسفكوها".

1 مسند أحمد (1/323) .

2 مسند أحمد (244) .

3 مسند أحمد (1/230) .

4 المرجع السابق.

5 مسند أحمد (1/324) .

6 انظر: النهاية في غريب الحديث (2/360) .

ص: 57

أخرجه مسلم1، وهذا لفظه، وأبو يعلى2، والبيهقي3. كلهم عن عبيد الله بن عمر القواريري، عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن سعيد الجريري، عن أبي نضرة به.

وسعيد الجريري وإن كان قد اختلط4، إلا أن رواية عبد الأعلى عنه قبل الاختلاط5؛ ولذا خرجها مسلم في صحيحه.

- قوله: " إن الله يعرض بالخمر": التعريض خلاف التصريح من القول6.

- قوله: " فمن كان عنده منها شيء فليبعه ولينتفع به". قال النووي: في هذا الحديث بذل النصيحة للمسلمين في دينهم ودنياهم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم نصحهم في تعجيل الانتفاع بها ما دامت حلالاً7.

- قوله: " فمن أدركته هذه الآية"، هي قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} 8.

- قوله: " فسفكوها". السفك هو الإراقة والإجراء لكل مائع9.

ولعل سفك الصحابة للخمر في الطريق يشكل على من يقول بنجاسة الخمر، وهم الجمهور؛ لأنها لو كانت نجسة لما سفكوها في الطريق مع نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التخلي في الطرقات، ولكن أجاب القرطبي عن هذا بأنه

1 صحيح مسلم [كتاب المساقاة (3/1205) ] .

2 مسند أبي يعلى الموصلي (2/320) .

3 سنن البيهقي (6/11) .

4 الكواكب النيرات (ص 181،182) .

5 هدي الساري (ص 425) .

6 النهاية في غريب الحديث (3/212) .

7 شرح صحيح مسلم (11/3) .

8 الآية (90) من سورة المائدة.

9 النهاية في غريب الحديث (2/376) .

ص: 58

لم يكن عند الصحابة كنف في بيوتهم، ونقلها إلى خارج المدينة فيه كلفة ومشقة.

وقال القرطبي: وأيضًا يمكن التحرز منها؛ فإن طرق المدينة كانت واسعة، ولم تكن من الكثرة بحيث تصير نهرًا يعم الطريق كلها، بل إنما جرت في مواضع يسيرة يمكن التحرز عنها1.

قال محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله بعد ذكره لقول القرطبي: وهو ظاهر2.

9 -

(4) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لعن الله الخمر وشاربها وساقيها، وبائعها ومبتاعها، وعاصرها ومعتصرها، وحاملها والمحمولة إليه".

جاء هذا الحديث عن ابن عمر من طرق.

الطريق الأولى: عن عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي، وأبي طعمة عنه:

رواه من هذا الطريق أبو داود3 باللفظ السابق، وابن ماجه4، وأبو بكر بن أبي شيبة5، وأحمد6، والبيهقي7، كلهم من طرق عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز به.

1 تفسير القرطبي - الجامع لأحكام القرآن - (6/288) .

2 أضواء البيان (2/129،130) .

3 سنن أبي داود (4/81-82) .

4 سنن ابن ماجه (2/1121-1122) .

5 مصنف ابن أبي شيبة (5/189) .

6 المسند (2/25) .

7 السنن الكبرى (5/327) ، (6/12) .

ص: 59

ولفظ ابن ماجه وأبي بكر بن أبي شيبة وأحمد: " لعنت الخمر على عشرة أوجه

" الحديث. وعندهم أيضًا وعند البيهقي زيادة: " وآكل ثمنها".

أما عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي1، وأبو طعمة2، فكلاهما قال فيه الحافظ ابن حجر: مقبول3. وأبو طعمة قد وثقه ابن عمار الموصلي، وأما تكذيب مكحول له فرده الحافظ بأنه لم يكذبه التكذيب الاصطلاحي4.

وأما عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز فقال فيه الذهبي: ثقة5. وقال فيه الحافظ ابن حجر: صدوق يخطئ6.

وعند الرجوع إلى أقوال العلماء فيه نجد أن قول الحافظ الذهبي أقرب من قول الحافظ ابن حجر. فعلى هذا يكون هذا الطريق حسنًا لغيره؛ لوجود المتابعة بين عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي وأبي طعمة.

وقد رواه البغوي7 بإسناده عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي - وحده - عن ابن عمر.

1 وقع عند البيهقي: " عبد الله بن عبد الرحمن الغافقي "، وهو خطأ.

2 وقع في رواية اللؤلؤي لسنن أبي داود " أبو علقمة " - وهي النسخة المطبوعة - وهو خطأ، والصواب " أبو طعمة "، قاله المزي. (تهذيب الكمال: 17/245) .

3 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (3927) ، (8186) .

4 تهذيب التهذيب (12/137) .

5 الكاشف (2/201) .

6 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (4113) .

7 معالم التنزيل - تفسير البغوي - (3/95) .

ص: 60

ورواه أحمد1، والطحاوي2، والبيهقي3 من طرق عن ابن لهيعة، عن أبي طعمة - وحده - عن ابن عمر.

قال الهيثمي: " فيه أبو طعمة، وقد وثقه محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي، وضعفه مكحول، وبقية رجاله ثقات"4.

وقد تقدم الكلام في أبي طعمة، وأما ابن لهيعة فقد جاءت الرواية عنه من طريق ابن وهب، ورواية ابن وهب عنه سبق أنه قد قوَّاها بعض أئمة الجرح والتعديل5. وقد تابع ابن لهيعة في الرواية عن أبي طعمة عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز. وقد سبق أن عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي وأبا طعمة تابع كل منهما الآخر.

الطريق الثانية: عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه:

أخرجه أحمد6، والطبراني7، والحاكم8، والبيهقي في شعب الإيمان9، وأبو نعيم الأصبهاني10. كلهم من طرق عن فليح بن سليمان، عن سعيد بن عبد الرحمن بن وائل11 به.

1 المسند (2/71) .

2 شرح مشكل الآثار (8/339) .

3 السنن الكبرى (8/287) .

4 مجمع الزوائد (5/57) .

5 شرح علل الترمذي (1/420) ، وقد تقدم الكلام في ابن لهيعة مفصلاً عند الحديث رقم (1) .

6 المسند (2/97) .

7 المعجم الصغير (1/266) ، المعجم الأوسط (5/166) .

8 المستدرك (2/31-32) .

9 شعب الإيمان (5/9) .

10 في كتابه تسمية ما انتهى إلينا من الرواة عن سعيد بن منصور عاليًا (ص 26-27) .

11 وقع في مستدرك الحاكم المطبوع (عن وائل) وهو خطأ.

ص: 61

وقال الطبراني: لم يروه عن عبد الله بن عبد الله بن عمر إلا سعيد المدني، تفرد به فليح.

وفليح بن سلمان هو الخزاعي، ويقال: الأسلمي، أبو يحيى المدني، ضعفه ابن معين، وأبو حاتم، والنسائي، وابن المديني، وغيرهم.

وقال الدارقطني: يختلفون فيه، وليس به بأس. وقال ابن عدي: لا بأس به1.

وقد احتج به صاحبا الصحيحين2. قال فيه الحافظ: صدوق كثير الخطأ3.

وأما سعيد بن عبد الرحمن، فهو الأنصاري، ذكره البخاري4، وابن أبي حاتم5، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلاً. وذكره ابن حبان في الثقات6.

فعلى هذا يكون هذا الإسناد ضعيفًا؛ للكلام في فليح بن سليمان، وجهالة سعيد بن عبد الرحمن، إلا أن هذا الإسناد عن ابن عمر حسن لغيره؛ للطرق التي ورد فها هذا الحديث عنه.

1 تهذيب التهذيب (8/303-304) .

2 ميزان الاعتدال (4/285) . وانظر كتاب الجمع بين رجال الصحيحين (2/416) .

3 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (5443) .

4 التاريخ الكبير (3/494-495) .

5 الجرح والتعديل (4/42) .

6 الثقات (6/352) .

ص: 62

الطريق الثالثة: ثابت بن يزيد الخولاني عنه:

أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار1، والحاكم2، والبيهقي في السنن الكبرى3، وفي شعب الإيمان4. كلهم من طرق عن ابن وهب، عن عبد الرحمن بن شريح، وابن لهيعة، والليث بن سعد عن خالد بن يزيد، عن ثابت بن يزيد الخولاني " أنه كان له عم يبيع الخمر، وكان يتصدق، فنهيته عنها فلم ينته، فقدمت المدينة

" الحديث.

وفيه أنه لقي ابن عباس، ثم لقي ابن عمر، فكان من حديث ابن عمر رضي الله عنهما له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لعن الله الخمر وعاصرها ومعتصرها، وشاربها وساقيها، وحاملها والمحمولة إليه، وبائعها ومشتريها، وآكل ثمنها"، ثم ذكر خرق النبي صلى الله عليه وسلم لزقاق الخمر.

وقد أخرج الطبراني هذا الحديث5، إلا أنه وقع عنده ذكر الحديث كاملاً من حديث ابن عباس فقط، مع أن إسناد الطبراني

1 مشكل الآثار (8/397-398) .

2 المستدرك (4/144-145) ، ووقع عنده سقط في الإسناد، فإنه رواه بسنده عن أبو وهب، عن عبد الرحمن بن شريح الخولاني، وليس في شيوخ ابن وهب من اسمه عبد الرحمن بن شريح الخولاني، وإنما ابن وهب يرويه عن عبد الرحمن بن شريح الإسكندراني، وابن لهيعة، والليث بن سعد عن خالد بن يزيد، عن ثابت بن يزيد الخولاني به.

وقد رواه البيهقي بإسناده من طريق شيخ الحاكم هكذا.

3 السنن الكبرى (8/287) .

4 شعب الإيمان (5/9) .

5 المعجم الكبير (12/233-234) .

ص: 63

يلتقي بإسناد البيهقي وغيره. فالظاهر أن في رواية الطبراني قَلْبًا؛ لأنه جعل قصة ابن عمر وحديثه لابن عباس رضي الله عنه. والله أعلم.

وأما رجال الإسناد، فإن ثابت بن يزيد الخولاني قال فيه ابن حزم: مجهول. وتبعه عبد الحق، وذكره ابن حبان في الثقات1.

وذكر البخاري أن بعض الرواة رواه عن ثابت بن يزيد، عن ابن عمه، سمع ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم2. قال ابن أبي حاتم: وهو الصحيح3.

وأما خالد بن يزيد، فهو الجمحي، ويقال السكسكي، أبو عبد الرحيم المصري، وثقه أبو زرعة، والنسائي، وغيرهما4. ولذا قال في الحافظ ابن حجر رحمه الله: ثقة فقيه5.

فعلى هذا، فهذا الإسناد ضعيف؛ لجهالة ثابت بن يزيد، والانقطاع بينه وبين ابن عمر رضي الله عنهما، إلا أنه صالح للاعتبار. والله أعلم.

الطريق الرابعة: شراحيل بن بكيل عنه:

رواه الطحاوي6 عن الربيع بن سليمان الأزدي، عن طلق بن السمح اللخمي، عن أبي شريح، عن خالد بن يزيد، عن شراحيل بن بكيل بنحو حديث ثابت بن يزيد الخولاني عن ابن عمر.

1 لسان الميزان (2/80) .

2 التاريخ الكبير (2/172) .

3 الجرح والتعديل (2/459-460) .

4 تهذيب التهذيب (3/129) .

5 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (1691) .

6 مشكل الآثار (8/400) .

ص: 64

وشراحيل بن بكيل ذكره البخاري1، وابن أبي حاتم2، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلاً، وذكره ابن حبان في الثقات3. ولم أجد من وثقه غيره. فهو مجهول جهالة حال لا عين؛ لكونه قد روى عنه جماعة من الثقات.

وأبو شريح هو عبد الرحمن بن شريح الاسكندراني، من رجال الجماعة. قال فيه ابن حجر: ثقة فاضل، لم يصب ابن سعد في تضعيفه4.

وأما طلق بن السمح اللخمي فهو أبو السمح المصري الاسكندراني. قال فيه أبو حاتم: شيخ مصري ليس بمعروف5. وقال فيه الذهبي: مصري فيه ضعف6. ولعل الضعف الذي أشار إليه الذهبي هو جهالة طلق بن السمح. وقال ابن حجر في التقريب: مقبول7.

وأما الربيع بن سليمان فهو الجيزي، أبو أحمد الأزدي. قال فيه ابن يونس والخطيب: ثقة8.

1 التاريخ الكبير (4/255) .

2 الجرح والتعديل (4/373) .

3 الثقات (4/366)، ووقع عند: شراحيل بن بلال. قال الحافظ ابن حجر: الصواب بموحدة ثم كاف، وزن عظيم. (تعجيل المنفعة ص 175) . وانظر: الإكمال لابن ماكولا (7/287) .

4 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (3892) .

5 الجرح والتعديل (4/491) .

6 ديوان الضعفاء (1/409) .

7 تقريب التهذيب، رقم الترجمة (3041) .

8 تهذيب التهذيب (3/245) .

ص: 65

وقد ذكر لأبي حاتم هذا الحديث من طريق طلق عن أبي شريح عن شراحيل، فقال: ابن شريح لا أظنه أدرك ابن بكيل1.

ولكن الإسناد الذي ساقه الطحاوي ليس فيه هذه العلة؛ لكون عبد الرحمن بن شريح روى الحديث عن خالد بن يزيد، عن ابن بكيل، فلا انقطاع.

فتبقى علة هذا الإسناد الجهالة في طلق بن السمح وابن بكيل. إلا أن هذا الإسناد متابع بالطرق الأخرى للحديث، فيرتقي إلى درجة الحسن لغيره. والله أعلم.

الطريق الخامسة: سالم بن عبد الله عن أبيه:

رواه أبو نعيم في تاريخ أصبهان2، والطبراني في الأوسط3، كلاهما من طريق يعقوب، عن ليث بن أبي سليم، عن سالم بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله لعن الخمر بعينها، وعاصرها ومعتصرها، وبائعها ومشتريها، وحاملها والمحمولة إليه، وساقيها وشاربها، وآكل ثمنها "4.

قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن ليث إلا يعقوب.

1 العلل (2/34) .

2 تاريخ أصبهان (2/36) .

3 المعجم الأوسط (3/141) .

4 ذكر ابن أبي حاتم هذا الحديث في العلل (2/32) من طريق ليث بن أبي سليم عن طلحة، عن خيثمة، عن ابن عمر. ولم يذكر إسناده، ولم أقف عليه مسندًا في شيء من الكتب.

ص: 66

ويعقوب هو القمي. قال فيه النسائي: ليس به بأس. ووثقه الطبراني. وذكره ابن حبان في الثقات1. وقال الذهبي: صدوق2. وقال ابن حجر: صدوق يهم3.

وليث بن أبي سليم ضعفه ابن عيينة، والقطان، وأحمد، وأبو حاتم وغيرهم4.

وقال ابن حجر: صدوق اختلط جدًا، ولم يتميز حديثه فترك5.

فمما سبق يتبين أن هذه الطريق ضعيفة؛ لضعف ليث بن أبي سليم، إلا أنه بالنظر إلى طرق هذا الحديث يكون بها حسنًا لغيره. والله أعلم.

الطريق السادسة: محمد بن أبي حميد عن أبي توبة المصري عنه:

رواه أبو داود الطيالسي6، ومن طريقه البيهقي في شعب الإيمان7، ولفظه: " نزلت في الخمر ثلاث آيات

" الحديث. وفيه " إن الله لعن الخمر، ولعن غارسها، ولعن شاربها، ولعن عاصرها، ولعن موكلها، ولعن مديرها، ولعن ساقيها، ولعن حاملها، ولعن آكل ثمنها، ولعن بايعها".

1 تهذيب التهذيب (11/390-391) .

2 الكاشف (2/292) .

3 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (7822) .

4 تهذيب التهذيب (8/466-468) .

5 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (5685) .

6 مسند الطيالسي رقم (1957) .

7 شعب الإيمان (5/4-5) .

ص: 67

وأبو توبة المصري1، قال ابن عساكر: لم أجد له ذكرًا في شيء من الكتب2.

ومع جهالته فإن في حديثه هذا لفظًا منكرًا، وهو قوله:" لعن غارسها" كما قال الحافظ ابن حجر3.

وأما محمد بن أبي حميد فهو الأنصاري الزُّرَقي، قال فيه أحمد: أحاديثه مناكير.

وقال ابن معين: ضعيف ليس حديثه بشيء.

وقال البخاري وأبو حاتم: منكر الحديث. وقال النسائي: ليس بثقة4.

فجملة أقوال الأئمة فيه على تضعيفه تضعيفًا شديدًا. إلا أن الحافظ ابن حجر قال فيه في التقريب " ضعيف"5 فقط، وبالنظر إلى أقوال الأئمة فيه يظهر أن فيه ضعفًا شديدًا.

وقد سأل ابن أبي حاتم أباه عن هذا الحديث من طريق أبي داود الطيالسي، فقال أبو حاتم: هذا خطأ، إنما هو أبو طعمة، قارئ مصر عن ابن عمر6.

1 وقع في لسان الميزان المطبوع (7/23) - البصري - وهو خطأ.

2 لسان الميزان (7/23) .

3 المرجع السابق.

4 تهذيب التهذيب (9/132-133) .

5 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (5836) .

6 العلل (2/35) .

ص: 68

ولعل الخطأ الذي ذكره أبو حاتم منشؤه من محمد بن أبي حميد، فإنه منكر الحديث كما سبق في قول البخاري وأبي حاتم وغيرهما.

فمما سبق يتبين أن هذا الطريق ضعيف جدًا بسبب محمد بن أبي حميد، والعلة التي ذكرها أبو حاتم، وأيضًا جهالة أبي توبة المصري.

الطريق السابعة: نافع عنه:

رواه ابن عدي1، والخطيب2 بإسنادهما عن أبي نصر التمَّار، عن كوثر به بلفظ:" إن الله لعن الخمر، وعاصرها والمعتصرة له، والجالب والمجلوب إليه، والبائع والمشتري، والساقي والشارب، وحرم ثمنها على المسلمين".

وكوثر هو ابن حكيم. قال فيه أحمد: أحاديثه بواطيل ليس بشيء. وقال ابن معين: ليس بشيء.

وقال النسائي والدارقطني وغيرهما: متروك3. وقد ذكر ابن عدي هذا الحديث في ترجمة كوثر عند سياقه لبعض مناكيره عن نافع، فقال بعد ذلك: وهذه الأحاديث عن كوثر عن نافع عن ابن عمر غير محفوظة.

فعلى هذا فإن هذا الطريق ضعيف جدًا لا يصلح للاعتبار.

الطريق الثامنة: حبيب بن أبي ثابت به:

رواه الحارث بن أبي أسامة، عن يحيى بن هاشم، عن ابن أبي ليلى به بلفظ:" الخمر حرام، وبيعها حرام، وثمنها حرام"4.

1 الكامل (6/77) .

2 تاريخ بغداد (5/311) .

3 الكامل (6/76) .

4 بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث (1/496) .

ص: 69

ويحيى بن هاشم هو السمسار. قال فيه أبو حاتم: كان يكذب، وكان لا يصدق، ترك حديثه1، واتهمه يحيى بن معين وصاعقة وغبرهما بالكذب2.

فهذا الطريق لا يعتبر به.

والخلاصة في حديث ابن عمر أنه حسن بمجموع طرقه، على أن له شواهد تؤيده أيضًا كما سيأتي - إن شاء الله -.

10 -

(5) عن أنس رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة: عاصرها ومعتصرها، وشاربها، وحاملها والمحمولة إليه، وساقيها وبائعها، وآكل ثمنها، والمشتري لها والمشتراة له".

رواه الترمذي3، وهذا لفظه، وابن ماجه4، والطبراني في الأوسط5. كلهم من طرق عن أبي عاصم عن شبيب بن بشر به، قال الترمذي: هذا حديث غريب.

وشبيب بن بشر وثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: لين الحديث، حديثه حديث الشيوخ.

وقال البخاري: منكر الحديث. وذكره ابن حبان في الثقات وقال: يخطئ كثيرًا6. قال الحافظ ابن حجر في التقريب: صدوق يخطئ7.

1 الجرح والتعديل (9/195) .

2 انظر: تاريخ بغداد (14/164-165) .

3 جامع الترمذي [كتاب البيوع (3/589) ] .

4 سنن ابن ماجه [كتاب الأشربة (2/1122) ] .

5 المعجم الأوسط (2/93) .

6 تهذيب التهذيب (4/306) .

7 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (2738) .

ص: 70

وعند النظر في أقوال هؤلاء الأئمة نجد أنه في مرتبة الضعيف؛ لكون أكثرهم على ذلك.

وأما أبو عاصم، فهو الضحاك بن مخلد، الإمام المشهور.

وعلى هذا فإن هذا الحديث بهذا الإسناد ضعيف؛ لضعف شبيب بن بشر، إلا أن للحديث شواهد تؤيده وتجعله حسنًا لغيره؛ كحديث ابن عمر رضي الله عنهما السابق، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما الآتي.

وقد ذكر الحافظ ابن حجر هذا الحديث في التلخيص فقال: رواته ثقات1.

وقول الحافظ هذا فيه نظر؛ لكون شبيب بن بشر متكلم فيه، ولم يوثقه غير ابن معين، وأما بقية الأئمة فيضعفونه، وقد سبق قول الحافظ فيه، فلا يمكن أن يقال والحالة هذه: رواته ثقات. والله أعلم.

11 -

(6) عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أتاني جبريل فقال: يا محمد؛ إن الله عز وجل لعن الخمر، وعاصرها ومعتصرها، وشاربها، وحاملها والمحمولة إليه، وبائعها، وساقيها ومستقيها".

أخرجه أحمد2 وهذا لفظه، وابن حبان3، والطبراني4، والحاكم5، والبيهقي في شعب الإيمان6 من طريق الحاكم. كلهم من طرق عن

1 التلخيص الحبير (4/81) .

2 المسند (1/316) .

3 الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان (12/178-179) .

4 المعجم الكبير (12/233) .

5 المستدرك (2/31) ، (4/145) .

6 شعب الإيمان (5/9) .

ص: 71

مالك بن خير1 الزبادي2 المصري، عن مالك بن سعد به. وصححه الحاكم.

ومالك بن سعد التجيبي قال فيه أبو زرعة: مصري لا بأس به3. وذكره ابن حبان في الثقات4.

وأما مالك بن خير الزبادي. فقد ذكره البخاري5، وابن أبي حاتم6 ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلاً، وذكره ابن حبان في الثقات7.

وقال ابن القطان: هو ممن لم تثبت عدالته8. وتعقبه الذهبي بقوله: وفي رواة الصحيحين عدد كثير ما علمنا أن أحدًا نص على توثيقهم، والجمهور على أن من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة ولم يأت بما ينكر عليه أن حديثه صحيح، ولذا قال الذهبي: محله الصدق9.

قال الحافظ ابن حجر: وهذا الذي نسبه.. إلى آخره، لا ينازع10 فيه، بل ليس كذلك، بل هذا شيء نادر؛ لأن غالبهم معروفون بالثقة إلا من خرجا له في الاستشهاد11.

1 تحرف عند الحاكم إلى حسين، وهو خطأ. (المستدرك 4/145) .

2 جاء في بعض الروايات (الزيادي) بالياء، وإنما هو بالباء المعجمة بواحدة. قاله عبد الغني بن سعيد الأزدي. (المؤتلف والمختلف ص 27) .

3 الجرح والتعديل (8/209) .

4 الثقات (5/385) .

5 التاريخ الكبير (7/312) .

6 الجرح والتعديل (8/208) .

7 الثقات (7/460) .

8 ميزان الاعتدال (4/346) .

9 المرجع السابق.

10 هكذا في المطبوع.

11 لسان الميزان (5/3) .

ص: 72

فعلى هذا فإن هذا الحديث بهذا الإسناد ضعيف؛ لجهالة مالك بن الخير. إلا أنه بشواهده كحديث ابن عمر، وأنس يكون حسنًا لغيره.

وأما قول المنذري: رواه أحمد بإسناد صحيح1. ففيه نظر؛ لما تقدم من حال مالك بن خير. والله أعلم.

12 -

(7) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمر، وشاربها وساقيها، وعاصرها ومعتصرها، وحاملها والمحمولة إليه، وبائعها ومبتاعها، وآكل ثمنها".

رواه البزار2 وهذا لفظه، والطبراني3، وابن عدي4. كلهم من طرق عن عيسى بن أبي عيسى الحناط، عن الشعبي، عن علقمة به. وقال البزار - وقد ذكر حديثًا قبله بسنده عن عيسى بن أبي عيسى عن الشعبي عن علقمة عن ابن مسعود - قال البزار: فهذان الحديثان لا نعلم رواهما عن الشعبي عن علقمة عن عبد الله إلا عيسى بن أبي عيسى.

وقال الهيثمي: فيه عيسى بن أبي عيسى الحناط، وهو ضعيف5.

وعيسى ابن أبي عيسى الحناط ضعفه يحيى القطان، وأحمد.

وقال ابن معين: ليس بشيء، ولا يكتب حديثه. وقال الفلاس، وأبو داود، والنسائي، والدارقطني: متروك الحديث6.

لهذا جعله الحافظ ابن حجر في مرتبة: متروك7.

1 الترغيب والترهيب (3/250) .

2 مسند البزار - البحر الزخار - (5/39-40) .

3 المعجم الكبير (10/92) .

4 الكامل (5/248) .

5 مجمع الزوائد (4/92) .

6 تهذيب التهذيب (8/224-225) .

7 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (5317) .

ص: 73

وقد ذكر أبو حاتم أن عيسى هذا قد حدث أيضًا بهذا الحديث عن الشعبي عمن حدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال أبو حاتم: هذا من عيسى1. وهذا الاضطراب الذي ذكره أبو حاتم يعود لشدة ضعف عيسى كما سبق في أقوال الأئمة.

فمما سبق يتبين أن هذا الحديث بهذا الإسناد ضعيف جدًا؛ لشدة ضعف عيسى بن أبي عيسى. ومثل هذا لا يرتقي بالشواهد. والله أعلم.

13 -

(8) عن عبد الرحمن بن غنم، أن الداري كان يهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل عام راوية خمر، فلما كان عام حرمت جاء براوية، فلما نظر إليه نبي الله صلى الله عليه وسلم ضحك، قال:" هل شعرت أنها قد حرمت بعدك؟ "، قال: يا رسول الله؛ أفلا أبيعها فأنتفع بثمنها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لعن الله اليهود؛ انطلقوا إلى ما حرم عليهم من شحوم البقر والغنم فأذابوه فجعلوه ثمنًا له، فباعوا به ما يأكلون، وإن الخمر حرام، وثمنها حرام، وإن الخمر حرام، وثمنها حرام، وإن الخمر حرام، وثمنها حرام".

رواه أحمد2 وهذا لفظه، وأبو يعلى الموصلي3، والطبراني في المعجم الكبير4 باختصار. من طرق عن شهر بن حوشب، حدثني عبد الرحمن بن غنم به.

والراوي عن شهر بن حوشب هو عبد الحميد بن بهرام، كما في مسند أحمد، وأما أبو يعلى والطبراني، فروياه بإسنادهم عن عبد الحميد بن جعفر، حدثني شهر بن حوشب.

1 العلل (2/27) .

2 مسند أحمد (4/227) .

3 إتحاف الخيرة المهرة، تحقيق: د. إبراهيم نور سيف (432-433) .

4 المعجم الكبير (2/57) .

ص: 74

ولم أجد بعد البحث أن عبد الحميد بن جعفر يروي عن شهر بن حوشب، وإنما المعروف بالرواية عن شهر هو عبد الحميد بن بهرام، حتى كان يقال فيه: صاحب شهر بن حوشب1. فالله أعلم.

وظاهر إسناد أحمد أنه مرسل؛ لأن عبد الرحمن بن غنم لم يشهد هذا الحديث؛ لأنه تابعي2. ولكن في إسناد الطبراني التصريح بأن عبد الرحمن بن غنم قد حدثه تميم الداري بهذا الحديث، وهو صاحب القصة.

وشهر بن حوشب الخلاف فيه مشهور، فقد ضعفه شعبة، وموسى بن هارون.

وقال أحمد: ما أحسن حديث. ووثقه. وقال أيضًا: ليس به بأس.

وقال البخاري: حسن الحديث ، وقوى أمره. وقال ابن معين: ثقة. وقال أيضًا: ثبت.

ووثقه أيضًا يعقوب بن شيبة، ويعقوب بن سفيان. وقال أبو زرعة: لا بأس به. وقال أبو حاتم: لا يحتج به.

وقال ابن عدي: عامة ما يرويه شهر وغيره من الحديث فيه من الإنكار ما فيه. وشهر ليس بالقوي في الحديث، وهو ممن لا يحتج بحديثه ولا يتدين به. وقال أيضًا: ضعيف جدًا. وقال ابن القطان: لم أسمع لمضعفه حجة3.

1 انظر: تهذيب التهذيب (4/369)، وتقريب التهذيب: رقم الترجمة (3753) .

2 قال ابن حجر: مختلف في صحبته. وذكره العجلي في كبار ثقات التابعين. (تقريب التهذيب: رقم الترجمة (3978)) .

3 تهذيب التهذيب (4/370-372) .

ص: 75

قال الذهبي: الاحتجاج به مترجح1. وقال العلائي: " شهر بن حوشب اختلف في الاحتجاج به، والراجح قبوله"2.

وقال ابن حجر: " صدوق كثير الإرسال والأوهام"3.

وقوى بعض العلماء حديث شهر بن حوشب إذا كان من طريق عبد الحميد بن بهرام.

قال يحيى القطان: من أراد حديث شهر فعليه بعبد الحميد بن بهرام.

وقال أحمد: حديثه عن شهر مقارب، كان يحفظها كأنه يقرأ سورة من القرآن. وهي سبعون حديثًا طوالاً. وقال أيضًا: لا بأس بحديث عبد الحميد بن بهرام عن شهر4.

فمما سبق يتبين لنا أن هذه الطريق صالحة للاعتبار، ولا سيما وقد جاء حديث شهر بن حوشب من طريق عبد الحميد بن بهرام.

وللحديث طريق أخرى أخرجها الطبراني في الأوسط5 بإسناده عن الصباح بن محارب، عن أشعث بن سوار، عن أبي هبيرة يحيى بن عباد قال: سمعت تميمًا الداري قال: أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم زق خمر قد حرمت، فقال بعضهم: لو باعوها فأعطوا ثمنها للمسلمين؟ فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فأهريقت في واد من أودية المدينة، وقال:" لعن الله اليهود؛ حرمت عليهم شحومها فباعوها وأكلوا أثمانها".

قال الطبراني: " لم يرو هذا الحديث عن أشعث عن أبي هبيرة إلا الصباح بن محارب".

1 سير أعلام النبلاء (4/378) .

2 كتاب المجالس - مخطوط - (ص 36) .

3 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (2830) .

4 تهذيب التهذيب (4/371) ، (6/110) .

5 المعجم الأوسط (4/265) .

ص: 76

وقال الهيثمي: " فيه أشعث بن سوار، وهو ثقة وفيه كلام"1.

وأشعث بن سوار قال فيه ابن معين: ضعيف. وقال مرة: ثقة.

وقال أبو زرعة: لين. وضعفه النسائي والدارقطني وابن سعد وأبو داود وابن حبان.

وقال عثمان بن أبي شيبة: صدوق2.

وجعله ابن حجر في مرتبة: " ضعيف"3.

والصباح بن محارب قال فيه أبو زرعة وأبو حاتم: صدوق. ووثقه العجلي.

وقال العقيلي: يخالف في بعض حديثه4. وجعله ابن حجر في مرتبة: " صدوق ربما خالف"5.

فالحديث بمجموع طريقيه يكون حسنًا لغيره على أقل الأحوال. والله أعلم.

وقد استدل الحافظ ابن حجر برواية تميم الداري لهذا الحديث بأن الخمر إنما حرمت بعد سنة ثمان؛ لأن إسلام تميم الداري كان بعد الفتح6. والله أعلم.

1 معجم الزوائد (4/91) . وقد سقط من الإسناد في النسخة المطبوعة اسم تميم الداري، وهو ثابت في المعجم الأوسط.

2 تهذيب التهذيب (1/353-354) .

3 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (524) .

4 تهذيب التهذيب (4/408) .

5 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (2897) .

6 فتح الباري (8/129) ، عند شرحه لحديث رقم (4620) .

ص: 77

14 -

(9) عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه أن رجلاً من ثقيف يكنى أبا تمام أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم راوية خمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إنها قد حرمت يا أبا تمام"، فقال له: يا رسول الله؛ فأستنفق ثمنها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الذي حرم شربها حرم ثمنها".

رواه الطبراني في الأوسط1 من طريق زيد بن أبي أنيسة، عن أبي بكر بن حفص، عن عبد الله بن عامر، عن أبيه به. وقال:" لم يرو هذا الحديث عن أبي بكر بن حفص إلا زيد بن أبي أنيسة، ولا يروى عن عامر بن ربيعة إلا بهذا الإسناد ".

وقال الهيثمي: " رجاله رجال الصحيح "2. وهو كما قال.

وعبد الله بن عامر بن ربيعة، ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ووثقه العجلي وأبو زرعة وغيرهما3.

وروى هذا الحديث محمد بن الحسن عن أبي حنيفة، حدثنا محمد بن قيس، أن رجلاً من ثقيف يكنى أبا عامر كان يهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل عام راوية خمر

" الحديث4 بنحو حديث الطبراني، وهو مرسل؛ لأن محمد بن قيس من التابعين.

وذكر الحافظ ابن حجر أن ابن السكن رواه من طريق زيد بن أبي أنيسة عن أبي بكر بن حفص، عن عبد الله بن عامر، عن رجل من ثقيف يقال له أبو عامر5. ليس فيه عامر بن ربيعة.

1 المعجم الأوسط (1/138) .

2 مجمع الزوائد (4/92) .

3 تهذيب التهذيب (5/271) .

4 الآثار (ص 168) . وانظر جامع مسانيد أبي حنيفة (2/19،205) .

5 الإيثار بمعرفة رواة الآثار (ص 206) .

ص: 78

ورواية ابن السكن هذه تؤيد ما وقع في رواية محمد بن الحسن أن الرجل يكنى أبا عامر، وقد ذكر ابن حجر أنا أبا موسى المديني قال: إحدى الروايتين تصحيف. قال الحافظ: والراجح أنه أبو عامر1.

15 -

(10) عن عبد الواحد البناني قال: كنت مع ابن عمر، فجاءه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن؛ إني أشتري هذه الحيطان تكون فيها الأعناب، فلا نستطيع أن نبيعها كلها عنبًا حتى تعصر. فقال: فعن ثمن الخمر تسألني، سأحدثك حديثًا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كنا جلوسًا مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ رفع رأسه إلى السماء، ثم أكب ونكت في الأرض وقال:"الويل لبني إسرائيل". فقال له عمر: يا نبي الله؛ لقد أفزعنا قولك لبني إسرائيل، فقال:"ليس عليكم من ذلك بأس؛ إنهم لما حرمت عليهم الشحوم فتواطؤه فيبيعونه فيأكلون ثمنه، وكذلك ثمن الخمر عليكم حرام".

أخرجه أحمد2، ومسدد3 بإسنادهما عن عبد الوارث بن سعيد، عن عبد العزيز بن صهيب به.

قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح خلا عبد الواحد، وقد وثقه ابن حبان4.

وقال البوصيري: رجاله ثقات5.

1 المرجع السابق (ص 207) .

2 مسند أحمد (2/117) .

3 إتحاف الخيرة المهرة (ص 335-336) .

4 مجمع الزوائد (4/91) .

5 إتحاف الخيرة المهرة (ص 336) .

ص: 79

وعبد الوارث بن سعيد، وعبد العزيز بن صهيب كلاهما ثقة1.

وعبد الواحد البناني ذكره البخاري ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً2. ولم أجد من ذكر عبد الواحد في الثقات غير ابن حبان3، فهو مستور، ويحتاج إلى متابع، إلا أن للحديث شواهد تؤيده؛ كحديث جابر مرفوعًا: "قاتل الله اليهود؛ إن الله لما حرم شحومها، جملوه، ثم باعوه فأكلوا ثمنه".

وكذلك حديث ابن عباس مرفوعًا: "إن الذي حرم شربها حرم بيعها". وأحاديث أخرى تقدمت.

فالحديث حسن لشواهده. والله أعلم.

16 -

(11) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خمس: عن ثمن الكلب، وثمن الخنزير، وثمن الخمر، وعن مهر البغي، وعن عسب الفحل".

رواه الطبراني في الأوسط4 بإسناده عن الوليد بن شجاع، ثنا أبي، حدثني زياد بن خيثمة، عن عبد الله بن عيسى، عن شهر بن حوشب به.

قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن عبد الله بن عيسى إلا زياد بن خيثمة. تفرد به ابن شجاع بن الوليد.

وقال الهيثمي: إسناد حسن5.

1 انظر: تقريب التهذيب: رقم الترجمة (4102،4251) .

2 التاريخ الكبير (6/55-56) .

3 الثقات (5/168) .

4 المعجم الأوسط (6/143) .

5 مجمع الزوائد (4/94) .

ص: 80

والوليد بن شجاع ثقة، كما قال الحافظ ابن حجر1، وشجاع بن الوليد قال فيه الحافظ ابن حجر: صدوق ورع له أوهام2.

وزياد بن خيثمة هو الجعفي الكوفي. قال فيه الحافظ: ثقة3.

وأما عبد الله بن عيسى فقد ذكر جماعة بهذا الاسم، ولم أجد من ذكر منهم أنه يروي عن شهر بن حوشب، أو أنه من شيوخ زياد بن خيثمة، والظاهر أنه عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي؛ لأنه في طبقة شيوخ زياد بن خيثمة. وعبد الله بن عيسى هذا وثقه ابن معين، والعجلي، والنسائي وغيرهم.

وقال ابن المديني: هو عندي منكر الحديث4. وخلص فيه ابن حجر إلى أنه: ثقة5.

وشهر بن حوشب تقدم الكلام فيه6.

ومتن الحديث له شواهد تؤيده، فإن المنهيات الخمس الواردة في الحديث قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عنها في أحاديث في الصحيحين وغيرهما سبق بعضها، ويأتي بعضها، فيكون هذا الإسناد بشواهده حسنًا لغيره. والله أعلم.

1 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (7428) .

2 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (2750) .

3 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (2070) .

4 تهذيب التهذيب (5/352) .

5 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (3523) .

6 عند تخريج الحديث رقم (13) .

ص: 81

17 -

(12) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رجلاً من ثقيف أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوية من خمر بعدما حرمت الخمر، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ففتقت، فقال الرجل: لو أمرت بها فتباع! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله إذا حرم شربها حرم بيعها".

رواه الطبراني في المعجم الأوسط1 عن المقدام بن داود، عن عبد الله بن يوسف، وعثمان بن صالح عن ابن لهيعة، عن محمد بن زيد بن المهاجر بن قنفذ، عن محمد بن المنكدر عنه. وقال: لم يروه عن محمد بن زيد إلا ابن لهيعة.

وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط عن المقدام بن داود، وهو ضعيف2.

والمقدام بن داود هو الرعيني المصري، من شيوخ الطبراني، قال فيه النسائي: ليس بثقة. وقال ابن يونس وغيره: تكلموا فيه. وضعفه الدارقطني.

وقال مسلمة بن قاسم: روايته لا بأس بها3.

فالراجح فيه أنه ضعيف، فإن أكثر الأئمة على ذلك، ولا سيما النسائي والدارقطني.

ومسلمة بن قاسم الذي قواه متكلم فيه، فقد ضعفه غير واحد4. قال الذهبي: ضعيف5.

1 المعجم الأوسط (9/31-32) .

2 مجمع الزوائد (4/92) .

3 لسان الميزان (6/84) .

4 سير أعلام النبلاء (16/110) ، لسان الميزان (6/35) .

5 ميزان الاعتدال (5/237) .

ص: 82

وأيضًا فإن في الإسناد ابن لهيعة، وقد تقدم أنه ضعيف؛ لاختلاطه1.

وأما محمد بن زيد، ومحمد بن المنكدر فثقتان2.

فعلى هذا فإن هذا الإسناد ضعيف؛ لضعف المقدام بن داود، وابن لهيعة، إلا أن للحديث شاهدًا من حديث ابن عباس3، وتميم الداري4 وغيرهما، فيكون بها حسنًا لغيره. والله أعلم.

18 -

(13) عن نافع بن كيسان أن أباه أخبره أنه كان يتجر بالخمر في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه أقبل من الشام ومعه خمر في الزقاق يريد بها التجارة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله؛ إن جئتك بشراب جيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا كيسان؛ إنها قد حرمت بعدك"، قال: أفأبيعها يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنها قد حرمت وحرم ثمنها"، فانطلق كيسان إلى الزقاق فأخذ بأرجلها ثم أهراقها.

رواه أحمد5، وابن أبي عاصم6، والروياني7، والطبراني في معجميه الأوسط8 والكبير9، وابن عساكر10. كلهم من طرق عن ابن لهيعة، عن سليمان بن عبد الرحمن بن عيسى، عن نافع بن كيسان به.

1 انظر حديث رقم (1) .

2 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (5894) ، (6327) .

3 سبق تخريجه برقم (7) .

4 سبق تخريجه برقم (13) .

5 مسند أحمد (4/335-336) .

6 الآحاد والمثاني (5/99) .

7 مسند الصحابة للروياني (1/452) .

8 المعجم الأوسط (3/273-274) .

9 المعجم الكبير (19/195) .

10 تاريخ دمشق (17/505-506) .

ص: 83

وابن لهيعة قد تقدم الكلام فيه1، وسليمان بن عبد الرحمن بن عيسى هو الخراساني الدمشقي، حديثه في المصريين. وثقه ابن معين، وأبو حاتم، والنسائي، والعجلي وغيرهم2. وجعله الحافظ ابن حجر في مرتبة: ثقة3.

ونافع بن كيسان هو الثقفي، ذكره ابن حجر في القسم الأول من كتابه الإصابة4. وقال في تعجيل المنفعة: ذكره ابن شاهين وطائفة في الصحابة5.

ولكن الحافظ ابن حجر جعل سليمان بن عبد الرحمن؛ الراوي عن نافع بن كيسان في الطبقة السادسة من كتابه تقريب التهذيب، وقد ذكر أنه يذكر في هذه الطبقة من لم يثبت له لقاء أحد من الصحابة. فإما أن يكون ترجح لدى الحافظ أن نافعًا ليس من الصحابة، أو يكون فات عليه رواية سليمان عن نافع. والله أعلم.

وممن صرح أنه ليس من الصحابة الهيثمي في مجمع الزوائد، فقال فيه: مستور6. ولكن الذي يترجح أنه من الصحابة؛ لتصريح أكثر الأئمة بذلك. والله أعلم.

وأما قول الطبراني في الأوسط: لا يروى عن كيسان إلا بهذا الإسناد، تفرد به ابن لهيعة، فهو متعقب بأنه نفسه رحمه الله قد

1 عند الكلام على الحديث الأول.

2 تهذيب التهذيب (4/208-209) .

3 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (2589) .

4 الإصابة في تمييز الصحابة (3/546-547) .

5 تعجيل المنفعة (ص 419) .

6 مجمع الزوائد (4/91) .

ص: 84

روى الحديث في معجمه الكبير من غير هذا الطريق، فقد رواه بإسناده عن يحيى بن أبي كثير، حدثني إسماعيل بن أبي خالد الفدكي، أخبرني محمد بن عبد الله الطائفي أن نافع بن كيسان أخبره أن أباه حمل خمرًا إلى المدينة

" الحديث1. ورواه بهذا الإسناد أيضًا ابن عساكر2.

ويحيى بن أبي كثير من الثقات، إلا أنه يدلس3، وقد صرح بالتحديث في هذا الطريق، فانتفت هذه العلة، وإسماعيل بن أبي خالد الفدكي قال فيه ابن حجر: صدوق4.

ولم أجد من وثق إسماعيل هذا إلا ابن حبان5.

ومحمد بن عبد الله الطائفي، لعله محمد بن عبد الله بن عياض الطائفي. ذكره ابن حبان في الثقات6. وقال ابن حجر: مقبول7.

وللحديث شواهد تؤيده، كحديث ابن عباس8، وتميم الداري9 وغيرهما. فالحديث بطريقيه وشواهده حسن لغيره. والله أعلم.

1 المعجم الكبير (19/169) .

2 تاريخ دمشق (17/506) .

3 تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس (ص 76) في المرتبة الثانية من مراتب المدلسين.

4 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (439) .

5 الثقات (4/20) .

6 الثقات (5/378) .

7 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (6041) .

8 سبق تخريجه برقم (7) .

9 سبق تخريجه برقم (13) .

ص: 85

19 -

(14) عن الحسن أن مولى لعثمان بن أبي العاص سأله أن يعطيه مالاً يتجر فيه والربح بينهما، فأعطاه عشرين ألف درهم، فاشترى به خمرًا، ثم قدم به الأبلة، فخرج إليه عثمان، فلم يدع منها دنًا ولا غيره إلا كسره، قال عثمان:" إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الخمر وشاربها، ومشتريها وبائعها، وعاصرها وحاملها ".

رواه الطبراني في المعجم الكبير1، والأوسط2 وهذا لفظه، بإسناده عن عبد الله بن عيسى الخزاز، عن يونس بن عبيد، عن الحسن به.

قال الطبراني في الأوسط: تفرد به عقبة بن مكرم.

وقال الهيثمي: فيه عبد الله بن عيسى الخزاز، وهو ضعيف3.

وعبد الله بن عيسى متكلم فيه. قال أبو زرعة: منكر الحديث.

وقال النسائي: ليس بثقة. وقال الساجي: عنده مناكير.

وقال ابن عدي: يروي عن يونس وداود مالا يوافقه عليه الثقات، وهو مضطرب الحديث، وليس ممن يحتج به، وأحاديثه إفرادات كلها، ويختلف فيه لاختلافه في رواياته4.

وجعله ابن حجر في مرتبة: ضعيف5.

إلا أن عبد الله بن عيسى قد توبع في هذا الحديث، فقد تابعه سالم بن نوح كما عند البزار6، وسالم مختلف فيه؛ فوثقه أحمد، وأبو زرعة، والساجي وغيرهم. وضعفه ابن معين في رواية عنه، والنسائي وغيرهما7.

1 المعجم الكبير (9/58) .

2 المعجم الأوسط (4/243) .

3 مجمع الزوائد (4/92-93) .

4 تهذيب التهذيب (5/353) .

5 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (3524) .

6 مسند البزار - البحر الزخار - (6/310) .

7 تهذيب التهذيب (3/443) .

ص: 86

وجعله ابن حجر في مرتبة: صدوق له أوهام1.

وباقي رجال الإسناد ثقات.

والأُبُلَّة: هي بلدة على شاطئ دجلة البصرة العظمى، في زاوية الخليج الذي يدخل إلى البصرة2.

وللحديث طريق أخرى أخرجها البزار3، والطبراني في المعجم الكبير4، بإسنادهما عن سالم بن نوح قال: أخبرني الجريري عن أبي العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن عثمان بن أبي العاص به. ولفظ البزار:" أن مولى لعثمان بن أبي العاص اشترى خمرًا، فقال له عثمان: اردده، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخمر وحرم ثمنها، ولفظ الطبراني: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاربها وبائعها - يعني الخمر".

والجريري هو سعيد بن إياس، وهو ثقة، إلا أنه اختلط5، وسالم بن نوح لم أقف على تمييز روايته، هل هي قبل الاختلاط أم بعده؟ ولكن الظاهر أنه روى عنه بعد الاختلاط؛ لأنه من صغار الرواة عنه، وقد قال أبو داود: كل من أدرك أيوب، فسماعه من الجريري جيد6، وسالم يبعد أنه أدرك أيوب السختياني؛ فإن الأخير توفي سنة إحدى وثلاثين ومائة7، وسالم توفي سنة مائتين8.

فعلى ذلك فإن الحديث بطريقيه حسن لغيره. والله أعلم.

1 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (2185) .

2 معجم البلدان (1/77) .

3 مسند البزار (6/309-310) .

4 المعجم الكبير (9/53-54) .

5 انظر: الكواكب النيرات (ص 178) .

6 تهذيب التهذيب (4/6) .

7 تاريخ مواليد العلماء ووفياتهم (1/310) .

8 المصدر السابق (2/447) .

ص: 87

20 -

(15) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً كان يهدي للنبي صلى الله عليه وسلم كل عام راوية من خمر، فأهداها إليه عامًا وقد حرمت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إنها قد حرمت"، فقال الرجل: أفلا أبيعها؟ فقال: "إن الذي حرم شربها حرم بيعها"، قال: أفلا أكارم بها اليهود؟ قال: "أن الذي حرمها حرم أن يكارم بها اليهود". قال: فكيف أصنع بها؟ قال: شنها في البطحاء".

رواه الحميدي1، وابن أبي عمر2، كلاهما عن سفيان بن عيينة، ثنا سالم أبي النضر، عن رجل به.

والحديث بهذا الإسناد ضعيف؛ لأن فيه رجلاً مبهمًا. إلا أن الحديث إلى قوله: "إن الذي حرم شربها حرم بيعها" له شواهد؛ كحديث ابن عباس3، وتميم الداري4 وغيرهما، فيكون بها حسنًا لغيره.

- وقوله: "أكارم بها اليهود": قال ابن الأثير: "المكارمة أن تهدي الإنسان شيئًا ليكافئك عليه. وهو مفاعلة من الكرم"5.

- وقوله: "شنها في البطحاء": أي صبها في البطحاء6.

1 مسند الحميدي (2/447-448) .

2 إتحاف الخيرة المهرة، بتحقيق د. إبراهيم نور سيف (428) .

3 تقدم تخريجه برقم (7) .

4 تقدم تخريجه برقم (13) .

5 النهاية في غريب الحديث (4/167) .

6 انظر: لسان العرب (13/242) .

ص: 88

21 -

(16) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله؛ إن عندي مالاً ليتيم، فاشتريت به خمرًا؛ فتأذن لي أن أبيعها فأرد على اليتيم ماله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"قاتل الله اليهود، حرمت عليهم الثروب، فباعوها وأكلوا أثمانها "، ولم يأذن له النبي صلى الله عليه وسلم في بيع الخمر.

رواه عبد الرزاق1، عن معمر، عن قتادة، وثابت، وأبان، كلهم عنه به، ومن طريق عبد الرزاق رواه أبو يعلى2، وابن حبان3.

وهذا الإسناد فيه علة، وهي أن معمرًا وإن كان ثقة، إلا أنه تكلم في حديثه عن قتادة وثابت، فقال ابن معين: معمر عن ثابت ضعيف. وقال: حديث معمر عن ثابت وعاصم بن أبي النجود وهشام بن عروة وهذا الضرب مضطرب، كثير الأوهام4. وقال الدارقطني في العلل:" معمر سيء الحفظ لحديث قتادة والأعمش "5.

وأما أبان، فهو ابن أبي عياش، قال فيه ابن سعد، وأحمد، والفلاس، والنسائي، والدارقطني: متروك الحديث. واتهمه شعبة وأحمد بالكذب6.

ولذا جعله الحافظ ابن حجر في مرتبة: " متروك "7.

1 المصنف (6/76-77) .

2 مسند أبي يعلى (5/382-383) ، (6/160) .

3 الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان (11/320) .

4 تهذيب التهذيب (10/244-245) .

5 شرح علل الترمذي (2/698) .

6 تهذيب التهذيب (1/98-101) .

7 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (142) .

ص: 89

وعلى هذا فإن هذا الحديث بهذا الإسناد ضعيف. ومما يبين ضعفه أن المحفوظ في حديث أنس ليس فيه ذكر البيع، وإنما طلب أبو طلحة تخليل الخمر، فلم يأذن له النبي صلى الله عليه وسلم.

فقد روى مسلم1، وأبو داود2، والترمذي3 من طرق عن أنس بن مالك قال:" إن أبا طلحة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمرًا، قال: أهرقها. قال: أفلا أجعلها خلاً؟ قال: "لا". هذا لفظ أبي داود.

ولفظ مسلم والترمذي: "أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الخمر تتخذ خلاً؟ فقال: لا".

- وقوله: "حرمت عليهم الثروب": هو الشحم الرقيق الذي يغطي الكرش والأمعاء4.

22 -

(17) عن بكر بن عبد الله المزني قال: لما حرمت الخمر أتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله؛ أنبيعها فننتفع بأثمانها؟ قال: "أهريقوها".

أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة5، عن عباد بن العوام، عن حصين بن عبد الرحمن السلمي عنه به.

وهذا إسناد رجاله ثقات6، إلا أنه مرسل.

1 صحيح مسلم، كتاب الأشربة (3/1573) .

2 سنن أبي داود، كتاب الأشربة (4/82-83) .

3 جامع الترمذي، كتاب البيوع (3/589) .

4 النهاية (1/209) .

5 المصنف (5/188) .

6 وانظر: تقريب التهذيب، ترجمة (عباد بن العوام) ، رقم (3138) ، وترجمة (حصين بن عبد الرحمن) رقم (1369) ، وترجمة (بكر المزني) رقم (743) .

ص: 90

وحصين بن عبد الرحمن وإن كان قد اختلط إلا أن رواية عباد عنه قبل الاختلاط1.

ولكن يشهد لمعناه حديث أبي سعيد الخدري2، وحديث عبد الرحمن بن وعلة عن ابن عباس3 وغيرهما من الأحاديث، فيكون بها حسنًا لغيره. والله أعلم.

23 -

(18) عن محمد بن علي بن الحسين، أن رجلاً أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مزادة من خمر، فأمر ببيعها، فما ولى قال:"إن الذي حرم شربها حرم بيعها" فأمر بوكائها ففتحها.

رواه مسدد4 قال: ثنا يحيى عن جعفر بن محمد به. ويحيى هو القطان.

والإسناد قال فيه البوصيري: معضل5.

وهذا الحكم فيه نظر؛ لأن محمد بن علي بن الحسين قد لقي بعض الصحابة؛ كابن عباس، وجابر بن عبد الله وغيرهما، فهو من التابعين6، فلا يقال - والحالة هذه - إن حديثه معضل، على أنه يمكن أن يكون

1 ذكره ابن الكيال في كتابه (الكواكب النيرات)(ص 126) ، وقد صرح بأن سماع عباد عن حصين قبل الاختلاط (العجلي) في كتابه معرفة الثقات (1/305) .

2 رقم (8) .

3 رقم (7) .

4 إتحاف الخير المهرة (ص 337) .

5 المرجع السابق.

6 انظر: تهذيب التهذيب (9/350) .

ص: 91

محمد بن علي بن الحسين أخذ هذا الحديث من هذا الرجل صاحب القصة. والله أعلم.

والحديث مع إرساله، فإن له شاهدًا من حديث ابن عباس، وتميم الداري، فيكون حسنًا لغيره. والله أعلم.

24 -

(19) عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من باع الخمر فليشقص الخنازير".

رواه أبو داود السجستاني1، وأبو داود الطيالسي2، والحميدي3، والدارمي4، وابن أبي شيبة5، وأحمد6، والبيهقي7، وهذا لفظهم.

كلهم من طرق عن طعمة بن عمرو الجعفي، عن عمر بن بيان التغلبي، عن عروة بن المغيرة بن شعبة عن أبيه.

وطعمة بن عمرو الجعفي وثقه ابن معين، وابن نمير وغيرهما، وقال أبو حاتم: صالح الحديث لا بأس به8. وجعله ابن حجر في مرتبة: "صدوق"9.

1 سنن أبي داود (3/758) .

2 مسند الطيالسي (ص 96) رقم (700) .

3 مسند الحميدي (2/335) .

4 سنن الدارمي (2/155) ، وقد تصرف من حقق الكتاب في الإسناد، وصحف عمر بن بيان إلى عمرو بن دينار. والمثبت من نسخ أخرى مطبوعة لسنن الدارمي.

5 مصنف ابن أبي شيبة (5/188) .

6 مسند أحمد (4/253) .

7 لسنن الكبرى (6/12) .

8 تهذيب التهذيب (5/13) .

9 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (3015)

ص: 92

وأما عمر بن بيان التغلبي فقد وقع عند الدارمي، وأحمد، والبيهقي: عمرو بن بيان، ولكن قال الدارمي: إنما هو عمر بن بيان.

وقد سأل عبد الله بن أحمد أباه عن هذا الحديث فقال له: من عمر بن بيان؟ فقال أحمد: لا أعرفه1.

وقال أبو حاتم في عمر بن بيان: معروف2. وذكره ابن حبان في الثقات3. وقال ابن حجر: مقبول4.

وعروة بن المغيرة بن شعبة قال فيه الحافظ ابن حجر: ثقة5.

ولم يتابع عمر بن بيان على هذا الحديث، فيبقى حديثه في مرتبة الضعيف؛ لعدم وجود التوثيق المعتبر له.

- وقوله: "فليشقص الخنازير"، قال الخطابي: معناه فليستحل أكلها. والتشقيص يكون من وجهين:

أحدهما: أن يذبحها بالمشقص، وهو نصل عريض.

والوجه الآخر: أنه يجعلها أشقاصًا وأعضاء بعد ذبحها، كما تعضى أجزاء الشاة إذا أرادوا إصلاحها للأكل.

ومعنى الكلام إنما هو توكيد التحريم والتغليظ فيه، يقول: من استحل بيع الخمر، فليستحل أكل الخنازير؛

1 العلل، رواية عبد الله عن أبيه (1/232) .

2 الجرح والتعديل (6/99) ، العلل، لابن أبي حاتم (1/386) .

3 الثقات (7/168) .

4 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (4869) .

5 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (4569) .

ص: 93

فإنهما في الحرمة والإثم سواء، أي: إذا كنت لا تستحل أكل لحم الخنزير فلا تستحل ثمن الخمر1.

قال ابن الأثير: وهذا لفظ أمر معناه النهي، تقديره: من باع الخمر فليكن للخنازير قصابًا2.

25 -

(20) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رجل يحمل الخمر من خيبر إلى المدينة فيبيعها من المسلمين، فحمل منها بمال، فقدم به المدينة، فلقيه رجل من المسلمين، فقال: يا فلان؛ إن الخمر قد حرمت. فوضعها حيث انتهى على تل وسجى عليها بالأكسية، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله؛ بلغني أن الخمر قد حرمت. قال: "أجل"، قال: إلى أن أردها على من ابتعتها منه، قال:"لا يصلح ردها". قال: إلى أن أهديها لمن يكافئني منها، قال:"لا". قال: إن فيها مالاً ليتامى في حجري، قال:"إذا أتانا مال البحرين فأتنا نعوض أيتامك من مالهم"، ثم نادى بالمدينة، قال: فقال الرجل: يا رسول الله؛ الأوعية ننتفع بها؟ قال: "فحُلُّوا أوكيتها "، فانصبت حتى استقرت في بطن الوادي.

أخرجه أبو يعلى3 وهذا لفظه، والطبراني في الأوسط4. كلاهما من طريق جعفر بن حميد الكوفي، حدثنا يعقوب القمي عن عيسى بن جارية به.

1 معالم السنن - المطبوع مع سنن أبي داود - (3/759) .

2 النهاية في غريب الحديث (2/490) .

3 مسند أبي يعلى (3/404) ، (4/57) .

4 المعجم الأوسط (4/107) .

ص: 94

قال الهيثمي: وفي إسناد الجميع يعقوب القمي، وعيسى بن جارية، وفيهما كلام، وقد وثقا1.

أما يعقوب القمي فقد تقدم2.

وأما عيسى بن جارية فقال فيه ابن معين: عنده مناكير. وقال أبو زرعة: لا بأس به. وقال أبو داود: منكر الحديث. وقال ابن عدي: أحاديثه غير محفوظة3. وقال النسائي: منكر الحديث. وجاء عنه: متروك4. وقال الحافظ ابن حجر: فيه لين5.

وأما جعفر بن حميد، فهو من شيوخ أبي يعلى، أخرج له مسلم في صحيحه في موضع واحد ووثقه مطين، وذكره ابن حبان في الثقات6. وقال الحافظان الذهبي7 وابن حجر8: ثقة.

فعلى هذا؛ فإن الإسناد ضعيف؛ لضعف عيسى بن جارية. والله أعلم.

1 معجم الزوائد (4/92) .

2 عند تخريج الحديث رقم (9) ، عند الطريق السابعة منه.

3 تهذيب التهذيب (8/207) .

4 ميزان الاعتدال (4/230-231) .

5 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (5288) .

6 تهذيب التهذيب (2/87) .

7 الكاشف (1/184) .

8 تهذيب التهذيب: رقم الترجمة (934) .

ص: 95

26 -

(21) عن أم سليم رضي الله عنها قالت: لما نزل تحريم الخمر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم هاتفًا يهتف: "ألا إن الخمر قد حرمت، فلا تبيعوها ولا تبتاعوها، ومن كان عنده منها شيء فليهرقه".

رواه الطبراني في الأوسط1 من طريق الوليد بن محمد الموقري، عن الزهري، عن أنس، عن أبي طلحة، عنها به.

وقال: لم يروه عن الزهري إلا الوليد.

وقال الهيثمي: فيه الوليد بن محمد الموقري، وهو ضعيف2.

والوليد بن محمد عامة أئمة الجرح والتعديل يضعفونه، ولا سيما في الزهري، فإنه كما قال ابن حبان: يروي عن الزهري أشياء موضوعة لم يروها الزهري قط3.

وقال الحافظ ابن حجر: متروك4.

وعلى هذا؛ فإن الحديث بهذا الإسناد ضعيف جدًا، فلا يعتبر به.

27 -

(22) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل حرم عليكم عبادة الأوثان، وشرب الخمر، والطعن في الأنساب، ألا وإن الخمر لعن شاربها وعاصرها، وساقيها وبائعها، وآكل ثمنها". فقام إليه أعرابي فقال: يا رسول الله؛ إن كنت رجلاً كانت هذه تجارتي، فاعتقبت في الخمر مالاً، فهل

1 المعجم الأوسط (4/280) .

2 مجمع الزوائد (4/93) .

3 تهذيب التهذيب (11/148) .

4 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (7453) .

ص: 96

ينفعني ذلك المال إن عملت فيه بطاعة الله؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أنفقته في حج أو جهاد أو صدقة لم يعدل عند الله جناح بعوضة، إن الله لا يقبل إلا الطيب".

فأنزل الله تصديقًا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} 1، فالخبيث الحرام.

أخرجه الواحدي2، والأصبهاني في الترغيب والترهيب3، بإسنادهما عن أبي عبد الله الحاكم، أخبرني محمد بن القاسم المؤدب ببغداد، ثنا محمد بن يوسف بن يعقوب الرازي، ثنا إدريس بن علي الرازي، ثنا يحيى بن الضريس، ثنا سفيان، عن محمد بن سوقة، عن محمد بن المنكدر به.

ومحمد بن يوسف بن يعقوب الرازي، قال فيه الدارقطني: يضع الحديث والقراءات والنسخ، وضع نحوًا من ستين نسخة قراءات ليس لشيء منها أصل، ووضع الأحاديث المسندة ما لا يضبط4.

وساق الدارقطني حديثًا بإسناده عن محمد بن يوسف بن يعقوب الرازي، ثنا إدريس بن علي الرازي، ثنا يحيى بن الضريس. ثم قال الدارقطني: المتهم بوضعه محمد بن يوسف5.

وإدريس بن علي لم أجد له ترجمة في شيء من كتب الجرح والتعديل، ولعله من وضع محمد بن يوسف الرازي.

فعلى هذا، فإن هذا الحديث بهذا الإسناد موضوع. والله أعلم.

1 الآية (100) من سورة المائدة.

2 أسباب النزول للواحدي (ص 204،205) .

3 الترغيب والترهيب (1/499) .

4 تاريخ بغداد (3/397،398) .

5 لسان الميزان (5/436) .

ص: 97

ومما ورد في هذا الفصل أيضًا:

(23)

حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وقد تقدم1.

(24)

حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقد تقدم2.

(25)

حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وقد تقدم3.

(26)

حديث علي رضي الله عنه، وقد تقدم4.

(27)

حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وقد تقدم5.

(28)

حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وسوف يأتي6 - إن شاء الله -.

1 تقدم برقم (1) .

2 تقدم برقم (2) .

3 تقدم برقم (3) .

4 تقدم برقم (4) .

5 تقدم برقم (5) .

6 سيأتي برقم (42) .

ص: 98

دلالة الأحاديث السابقة:

يستفاد مما تقدم من الأحاديث الثابتة أن بيع الخمر محرم، بل هو من كبائر الذنوب؛ لثبوت اللعن في حق بائع الخمر.

وقد أجمع أهل العلم على تحريم بيع الخمر1.

والخمر: هي كل ما خامر العقل، كما قال عمر رضي الله عنه2، أي خالطه وغطاه3، من كل مسكر؛ مشروب أو مأكول. سواء أكان من العنب أم من غيره؛ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم:"كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام"4، فكل ما كان مسكرًا فهو خمر يحرم شربه وبيعه والتجارة فيه، فيدخل في هذا النبيذ المسكر، والحشيشة5، والكحول، وسائر المسكرات القديمة والحديثة6.

وإذا خللت الخمر فلا يحل بيعها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الخمر تتخذ خلاً. قال: لا7.

قال النووي: هذا دليل الشافعي والجمهور أنه لا يجوز تخليل الخمر، ولا تطهر بالتخليل8.

وأما إذا تخللت بنفسها، فقال النووي: أجمعوا أنها إذا انقلبت بنفسها خلاً طهرت9.

1 انظر: الإجماع (ص 101) .

2 صحيح البخاري مع الفتح [كتاب الأشربة (10/ رقم 5588) ] ، صحيح مسلم

[كتاب التفسير (4/2322) ] .

3 انظر: معجم مقاييس اللغة (2/215) .

4 صحيح مسلم [كتاب الأشربة (3/1587) ] .

5 انظر ما يتعلق بالحشية في: مجموع الفتاوى (13/210-211) ، السياسة الشرعية لابن تيمية (ص 94) ، فتح الباري (10/47) .

6 انظر في ذلك كتاب: موقف الإسلام من الخمر (ص 146) فما بعدها.

7 صحيح مسلم [كتاب الأشربة (3/1573) ] .

8 صحيح مسلم بشرح النووي (13/152) .

9 المرجع السابق.

ص: 99

وإنما فرق الشارع بين حكم الخمر إذا تخللت بنفسها وإذا تخللت بفعل آدمي؛ لأن الشارع نهى عن اقتناء الخمر، وأمر بإراقتها، فإذا قصد التخليل كان قد فعل محرمًا، والعين إذا كانت محرمة لم تصر محللة بالفعل المنهي عنه؛ لأن المعصية لا تكون سببًا للنعمة والرحمة، فكان من العدل ردع المحتال على المحرم لتحليله بمعاملته بنقيض قصده؛ كمن قتل مورثه، فإنه لا يرثه، بخلاف ما لو مات حتف أنفه1.

ونهي عن بيع الخمر؛ قطعًا لها، ومنعًا من انتشارها بين المسلمين؛ لما فيها من الأضرار الكثيرة التي ذكر الله بعضها في قوله سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} 2.

والقيام ببيع الخمر من التعاون على الإثم والعدوان، وقد نهى الله عنه في قوله:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} 3.

فيجب على المسلمين الاحتساب في منع بيعها في المجتمع المسلم؛ لأنه وسيلة إلى إفساده، وأما أهل الذمة فإنهم لا يمنعون من بيعها بشرط أن يكون ذلك سرًا، ولا يبيعوها لمسلم4.

وقد أخذ جمهور العلماء أيضًا من نهي الشارع عن بيع الخمر النهي عن بيع كل نجس؛ لكون الخمر نجسة.

وقد سبق الكلام في بيع النجاسات عند الحديث عن حكم بيع الميتة5.

1 انظر: موقف الإسلام من الخمر (ص158-159) .

2 الآيات (90-91) من سورة المائدة.

3 الآية (2) من سورة المائدة.

4 انظر في هذا: الفتاوى لابن تيمية (28/665،667) ، أحكام أهل الذمة (2/727) .

5 ص 48.

ص: 100