الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع: ما ورد في النهي عن بيع الكالئ بالكالئ
97 -
(1) عن ابن عمر رضي الله عنهما "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ".
رواه ابن عدي1، والبيهقي2، كلاهما من طريق الدراوردي عن موسى بن عبيدة الرَّبَذي عن نافع عنه به.
وموسى بن عبيدة الرَّبَذي تقدم الكلام فيه3 وأنه ضعيف جداً. ولم يتابع في هذا الحديث عن نافع كما قال أحمد4 والبزار5 والدارقطني6 وابن عدي7 والبيهقي8.
وروى الحديث الدارقطني9، والحاكم10 من هذا الطريق، إلا أنه جاء في إسنادهما موسى بن عقبة - وهو ثقة11 - بدلاً من موسى بن
1 الكامل (6/335) .
2 السنن الكبرى (5/290) .
3 تقدم الكلام فيه عند حديث رقم (71) .
4 العلل المتناهية (2/111-112) .
5 كشف الأستار (2/92) .
6 التلخيص الحبير (3/26) .
7 الكامل (6/335) .
8 السنن الكبرى (5/341) .
9 سنن الدارقطني (3/71) .
10 المستدرك (2/57) .
11 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (6992) .
عبيدة، ولذلك حكم الحاكم على الإسناد بقوله:"هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، ولم يتعقبه الذهبي بشيء بل ظاهر كلامه أنه تابعه على ذلك.
وقد بيّن البيهقي الخطأ الواقع في سند الدارقطني والحاكم، فقال:"شيخنا أبو عبد الله - يعني الحاكم - قال في روايته عن موسى بن عقبة وهو خطأ، والعجب من أبي الحسن الدارقطني شيخ عصره روى هذا الحديث في كتاب السنن عن أبي الحسن علي بن محمد المصري هذا فقال: "عن موسى بن عقبة"، وشيخنا أبو الحسين رواه لنا عن أبي الحسن المصري في الجزء الثالث من سنن المصري، فقال: "عن موسى" غير منسوب"1. انتهى.
وقد دفع الحافظ ابن حجر الوهم عن الدارقطني فقال: "وقد جزم الدارقطني في العلل بأن موسى بن عبيدة تفرد به، فهذا يدل على أن الوهم في قوله "موسى بن عقبة" من غيره"2.
وبسبب ضعف موسى بن عبيدة، فقد اضطرب في هذا الحديث. فرواه مرَّة عن نافع كما سبق، ورواه أخرى عن عبد الله بن دينار. فقد رواه ابن أبي شيبة3، والبزار4، والعقيلي5، والطحاوي6، والبيهقي7،
1 السنن الكبرى (5/290) .
2 التلخيص الحبير (3/26) .
3 المصنف (5/250) .
4 كشف الأستار (2/91) .
5 الضعفاء (4/162) .
6 شرح معاني الآثار (4/21) .
7 السنن الكبرى (5/290،341) .
والبغوي1، كلهم من طرقٍ عن موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ".
ولفظ البزار: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشغار، وعن بيع المجر2، وعن بيع الغرر، وعن بيع كالئ بكالئ دين بدين وعن بيع آجل بعاجل"3.
والآجل بالعاجل أن يكون لك على الرجل ألف درهم، فيقول رجل: أُعجل لك خمسمائة ودع البقية، والشغار أن ينكح المرأة بالمرأة ليس بينهما صداق.
ورواه الدارقطني4 والحاكم5 من هذا الطريق أيضاً إلا أنه وقع في إسنادهما أيضاً: "موسى بن عقبة" بدلاً من "موسى بن عبيدة"، وقد تقدم بيان خطأ هذا.
وقد تابع موسى بن عبيدة في حديثه هذا عن عبد الله بن دينار إبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي كما عند عبد الرزاق6 بنحو لفظ البزار السابق.
وإبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي مولاهم، تقدم أنه متروك7.
1 شرح السنة (8/113) .
2 هو ما في البطون. النهاية (4/298) .
3 هذه الجملة لم تذكر في لفظ الحديث من المنهيات. والظاهر أنها ساقطة من المطبوع من كشف الأستار. وقد ذكرها الهيثمي في مجمع الزوائد (4/83) .
4 سنن الدارقطني (3/72) .
5 المستدرك (2/57) .
6 المصنف (8/90) .
7 تقدم عند حديث رقم (84) .
فمما سبق يتبين أن هذا الحديث لا يصح عن ابن عمر رضي الله عنهما بل هو ضعيف جداً. وقد قال الشافعي في هذا الحديث: "أهل الحديث يوهنون هذا الحديث"1.
وروى الحديث الطبراني في المعجم الكبير2 بإسناده عن محمد بن يعلى بن زنبور عن موسى بن عبيدة عن عيسى بن سهل بن رافع بن خديج عن أبيه عن جده، قال:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة والمنابذة، ونهى أن يقول الرجل للرجل: ابتع هذا بنقدٍ واشتره بنسيئة حتى يبتاعه ويحرزه، وعن كالئٍ بكالئٍ، ودين3 بدين".
ومحمد بن يعلى بن زنبور تفرد من بين الرواة عن موسى بن عبيدة بهذا الإسناد، وقد قال فيه البخاري: يتكلم فيه وهو ذاهب الحديث. وقال أبو حاتم: متروك الحديث. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به فيما خالف الثقات4. وجعله الحافظ الذهبي في مرتبة "متروك"5. وهو أولى من قول الحافظ ابن حجر فيه "ضعيف"6. وسوف يأتي ذكر حديث رافع بن خديج رضي الله عنه7 في النهي عن المزابنة،
1 التلخيص الحبير (3/26) .
2 المعجم الكبير (4/267) .
3 هكذا في المطبوع من المعجم الكبير. وفي جامع المسانيد لابن كثير (4/198) ذكر لفظ الطبراني وليس فيه حرف "الواو" قبل كلمة "دين"، وذلك لأن جملة دين بدين مفسِّرة لجملة "كالئ بكالئ".
4 تهذيب التهذيب (9/533-534) .
5 الكاشف (3/97) .
6 تقريب التهذيب: رقم الترجمة (6412) .
7 سوف يأتي - إن شاء الله - برقم (167) .
وليس فيه هذه الزيادة، فعلى هذا فإن هذا الإسناد منكر، والمحفوظ عن موسى بن عبيدة أنه عن عبد الله بن دينار ونافع عن ابن عمر رضي الله عنهما. وقد استظهر الحافظ ابن حجر أن يكون الخطأ في هذا الإسناد من محمد بن يعلى بن زنبور1.
وأياً كان، فإن الحديث ضعيف جداً من جميع طرقه؛ لأن مدارها على موسى ابن عبيدة الربذي وهو ضعيف جداً كما تقدم، وليس للحديث شواهد تؤيده، ولذا قال أحمد:"ليس في هذا2 حديث يصح، لكن إجماع الناس على أنه لا يجوز بيع دين بدين"3.
1 التلخيص الحبير (3/26) .
2 أي: النهي عن بيع الدين بالدين.
3 التلخيص الحبير (3/26) .
دلالة الحديث السابق:
بيع الكالئ بالكالئ هو بيع النسيئة بالنسيئة، أو يقال: هو بيع الدين المؤخر بالدين المؤخر، وقد تقدم أن الحديث الوارد في النهي عنه ضعيف جداً، إلا أن العلماء أجمعوا على القول بالحكم الذي يدل عليه. وقد حكى هذا الإجماع الإمام أحمد كما تقدم1، وابن المنذر2.
ولكن وقع الخلاف بين العلماء في صورة بيع الكالئ بالكالئ المنهي عنه، واتفقوا على أنه لا يجوز بيع نسيئة بنسيئة، بأن يقول: بعني ثوبًا في ذمتي بصفة كذا إلى شهر كذا بدينار مؤجل إلى وقت كذا3، فهو بيع سلم في الأصل، إلا أن الثمن لم يسلم في وقت العقد بل كان نسيئة4.
وذكر بعض العلماء من صوره: أن يسلم الرجل إلى الرجل مائة درهم إلى سنةٍ في مقدارٍ من الطعام. فإذا انقضت السنة وحلَّ الطعام عليه قال الذي عليه الطعام للدافع: ليس عندي طعام، ولكن بعني هذا القدر من الطعام بمائتي درهم إلى شهر5.
ويرى المالكية أن هذا ليس من باب بيع الدين بالدين، وإنما هو من باب فسخ الدين بالدين وهو ربا الجاهلية، وجعلوا أقل ما يتصور في بيع الدين بالدين أن يكون بين ثلاثة، كمن له دين على شخص فيبيعه من ثالث بدين. ويتصور عندهم أيضاً في أربعة كمن له دين على إنسان ولثالث دين
1 تقدم في آخر تخريج الحديث المتقدم.
2 الإجماع (ص117) .
3 المجموع (9/501) .
4 انظر: أعلام الموقعين (1/493) .
5 انظر: غريب الحديث لأبي عبيد (1/141) . وانظر: مرقاة المفاتيح (4/280) .
على رابع، فيبيع كل ما يملك من الدين بمال صاحبه من الدين. وعندهم نوع ثالث فيما يتعلق بالمعاملات الجارية في الدين وهي ابتداء الدين بالدين، وهو تأخير مال السلم إن كان من أحد النقدين عن العقد. وعندهم أن فسخ الدين بالدين أعظم هذه الأنواع الثلاثة حرمة، ثم بيع الدين بالدين، ثم ابتداء الدين بالدين1.
وذكر بعض الفقهاء صورًا أخرى لبيع الكالئ بالكالئ. وقد اعترض على كثير من هذه الصور2، ومن ذلك ما ذكره بعض الفقهاء من إطلاق المنع على كل عقد تضمن بيع دين بدين، ولو كان الدينان حالين، أو أحدهما حالاً، وجعلوا ذلك من بيع الكالئ بالكالئ.
وقد تقدم أن بيع الكالئ بالكالئ إنما هو بيع النسيئة بالنسيئة. فالدين الحال لا يسمى نسيئة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن بيع الدين بالدين ليس فيه نص عام ولا إجماع، وإنما ورد النهي عن بيع الكالئ بالكالئ، والكالئ هو المؤخر الذي لم يقبض بالمؤخر الذي لم يقبض"3.
والحكمة في النهي عن بيع الدين بالدين أن مطلوب الشرع صلاح ذات البين وحسم مادة الفساد والفتن، وإذا اشتملت المعاملة على شغل الذمتين توجهت المطالبة من الجهتين، فكان ذلك سبباً لكثرة الخصومات والعداوات فمنع الشرع ما يفضي لذلك4. والله أعلم.
1 انظر: شرح الخرشي على مختصر خليل (5/76-77) ، شرح الزرقاني على مختصر خليل (3/82) .
2 انظر: دراسات في أصول المداينات في الفقه الإسلامي (ص 263-268) .
3 مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (20/512) .
4 الفروق (3/290)، وانظر: مجمع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (29/472) .