الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: ما ورد في النهي عن بيع الدم
28 -
(1) عن أبي جُحيفة رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب وثمن الدم، ونهى عن الواشمة والموشومة، وآكل الربا وموكله ولعن المصورين".
رواه البخاري1 واللفظ له، وأبو داود2 - مختصراً -، والطيالسي3، وابن أبي شيبة4، وأحمد5، وأبو يعلى6، والطبراني في الكبير7، كلهم من طرقٍ عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه به.
وفي لفظٍ لهم - سوى أبي داود - عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه "أنه اشترى حجّاماً فأمر بمحاجمه فكسرت. فسألته عن ذلك فقال
…
" الحديث، وفي استدلال أبي جحيفة بهذا الحديث الذي فيه النهي عن ثمن الدم على النهي عن كسب الحجام ما يبين أن أبا جحيفة لم يكن عنده نصٌّ صريح عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن كسب الحجام. فمن روى الحديث
1 صحيح البخاري مع الفتح [كتاب البيوع (4/رقم: 2086،2238) ، كتاب (9/رقم 5347) ، كتاب الطلاق (9/رقم 5347)، كتاب اللباس (10/رقم:5945، 5962) .
2 سنن أبي داود [كتاب البيوع (3/755) ] .
3 مسند الطيالسي (ص140) .
4 مصنف ابن أبي شيبة (5/106،116) .
5 المسند (4/308-309) .
6 مسند أبي يعلى (2/190،192) .
7 المعجم الكبير (22/108،109،112،113،116) .
عن أبي جحيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كسب الحجام، فقد أخطأ في لفظه. والله أعلم.
وزاد البخاري، وابن أبي شيبة، وأحمد، وأبو يعلى، والطبراني:"وكسب البغي"، وعند الطيالسي:"وعن كسب المومسة"، وهما بمعنى واحد.
وزاد الطيالسي بإسنادٍ صحيح: "وعن عسب الفحل".
وجاء الحديث من وجهٍ آخر. فقد روى الطبراني في المعجم الكبير1 بإسناده عن يحيى بن عباد بن دينار الحرشي ثنا يحيى بن قيس الكندي عن عبد الملك بن عمير عن أبي جحيفة عن البراء بن عازب رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وكسب الحجام، وحلوان الكاهن، وعسب الفحل".
ويحيى بن عباد بن دينار الحرشي لم أجد له ترجمة فيما لدي من المصادر. وقد وجدت الهيثمي قد قال أيضاً: "لم أجد من ترجمه"2.
ويحيى بن قيس الكندي، ذكره البخاري3، وابن أبي حاتم4، ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً. وذكره ابن حبان في الثقات5.
فعلى هذا فإن هذا الإسناد ضعيف. وكذلك لم يقع ذكر البراء بن عازب في شيء من طرق هذا الحديث غير هذه الطريق، فيكون ذكر البراء بن عازب رضي الله عنه في الإسناد منكراً، والله أعلم.
1 المعجم الكبير (2/26) .
2 مجمع الزوائد (4/90) .
3 التاريخ الكبير (8/299) .
4 الجرح والتعديل (9/182) .
5 الثقات لابن حبان (7/607) .
دلالة الأحاديث السابقة:
يستفاد من هذا الحديث عن أبي جحيفة رضي الله عنه النهي عن بيع الدم. وقد اختلف في المراد به كما قال الحافظ ابن حجر: "فقيل: أُجرة الحجامة، وقيل: هو على ظاهره، والمراد تحريم بيع الدم كما حرم بيع الميتة والخنزير، وهو حرامٌ إجماعاً، أعني بيع الدم وأخذ ثمنه"1. وممن نقل الإجماع أيضاً على النهي عن ثمن الدم ابن المنذر2، وابن عبد البر3.
وقد كان أهل الجاهلية يجمدون الدم ثم يأكلونه فجاء الإسلام وحرم أكل الدم أولاً بقوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ
…
} الآية4، ثم نهى عن بيع الدم لنجاسته.
والدم الذي نهي عن بيعه في حديث أبي جحيفة رضي الله عنه وإن كان قد اختلف في المراد به كما سبق، إلا أن الدم الذي يخرج من جسم الحيوان محرّمٌ أيضاً من وجهٍ آخر، وهو أن الشارع إذا حرَّم على قومٍ أكل شيءٍ حرّم عليهم ثمنه، كما سيأتي في الفصل التالي - إن شاء الله تعالى -. وأيضاً فإن ركن البيع في بيع الدم منعدم، وهو مبادلة المال بالمال، فإن الدم لا يعد مالاً عند أحد5.
وأما إذا احتاج مريض إلى دم فإنه وإن جاز نقل الدم له6، فإنه لا يجوز بيعه عليه لعموم النهي عن بيع الدم، ولما فيه من مخالفةٍ لمكارم الأخلاق.
1 فتح الباري (4/499) .
2 الإجماع (ص114) .
3 التمهيد (4/144) .
4 سورة البقرة، آية (173) .
5 شرح فتح القدير (6/403) .
6 انظر في هذه المسألة: أحكام الأطعمة في الشريعة الإسلامية (ص413-417) ، وأحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها (ص580-584) .
فإن لم يجد المريض إلا من يبذل له الدم بعوض فيباح له أن يشتري الدم من صاحبه والإثم على البائع1.
فإن قيل: كيف يجوز نقل الدم ولا يجوز بيعه؟ فالجواب أن يقال بأنّ النهي عن بيع الشيء لا يستلزم النهي عن الانتفاع به كما سبق عند الكلام على ثمن الميتة. وكذلك العكس، فإنه لا يلزم من إباحة الانتفاع بالشيء إباحة ثمنه كما سيأتي عند الكلام على ثمن الكلب.
ويستثنى من النهي عن بيع الدم ما استثني من تحريم أكله وهو الكبد والطِّحال. فقد روى ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أُحلِّت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالجراد والحوت، وأما الدمان فالطحال والكبد". رواه أحمد2، وابن ماجه3، والدارقطني4.
إلا أن الراجح في هذا الحديث الوقف. وممن رجح الوقف أبو زرعة، وأبو حاتم، والدارقطني، وغيرهم5. إلا أن هذا الموقوف في حكم المرفوع كما قال ابن عبد الهادي6 وابن حجر7، "لأن قول الصحابي: "أُحل لنا" و "حُرِّم علينا كذا" مثل قوله: "أُمرنا بكذا، ونهينا عن كذا"8.
1 انظر: أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها (ص583) .
وبهذا أجابت اللجنة الدائمة للإفتاء. انظر: مجلة البحوث الإسلامية (العدد السابع: ص112، فتوى رقم: 96، بتاريخ: 25/4/1392هـ) .
2 المسند (2/97) .
3 سنن ابن ماجه [كتاب الصيد (2/1073) ، كتاب الأطعمة (2/1101-1102) ] .
4 سنن الدارقطني (4/271-272) .
5 التلخيص الحبير (1/26) .
6 نصب الراية (4/202) .
7 التلخيص الحبير (1/26) .
8 المرجع السابق.