الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: أحاديث ناطقة بقواعد أخلاقية
* - قوله صلى الله عليه وسلم:
…
"ومن يستعفف يعفّه الله، ومن يستغنِ يغنه الله، ومن يتصبر يصبّره الله
…
" 1. هذا الحديث يُنبّه إلى قاعدة مهمّة في سنّة الله في تغيير أخلاق الناس وسلوكهم، وهي أنّ مردّ بداية ذلك إلى الإنسان ذاته، إلى رغبته وإرادته، ثم مباشرته للخطوة الأُولى، وهي فطْم النفس عن الهوى، أو فطْم النفس عن التمادي في الشهوات وعن التمادي في الاستجابة لمطالب نفسه الأمّارة بالسوء ونفسه الهلوعة.
وقد تضمّن الحديث ضرْب المثل بثلاثة أمثلةٍ، وسبيلُ إصلاح النفس تجاهها، وسبيل تحقيق المطلوب فيهاكلها أيضاً يرتكزان على شيء واحد، هو صيام النفس عن كلِّ ما هو ضد المطلوب الشرعيّ، فالعفّة تحصل بالاستعفاف، والغنى يحصل بالاستغناء، والصبر بالتصبر!.
* - قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس الغنى عن كثرة العَرَضِ، ولكن الغِنى غنى
1 أخرجه البخاري، برقم: 1400، ومسلم، في الزكاة، برقم124 1053.
النفس" 1. يتضمن هذا الحديث بيان المقياس السليم الذي ينبغي أن تستقر عليه النفوس، وتربَّى عليه الضمائر، تجاه النظر إلى مفهوم الغنى، وهو مقياسٌ له أهميته، وله ما بعده حين تتربى عليه النفوس؛ ذلك لأن حُبَّ الغِنى غريزة فطرية في النفس البشرية؛ ومِن ثم جاء هذا النص النبويّ الكريم يستثمر هذه الغريزة البشرية لاستصلاح النفس البشرية وتوجيهها الوجهة السليمة! ويقوّمها عن طريق إصلاح مفاهيمها، كتصحيح مفهوم الغِنى بأنه ليس بكثرة أشياء الإنسان، وإنما بغنى نفسه وهذا هو الواقع المشاهَد!.
* - قوله صلى الله عليه وسلم:
…
"كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها، وبائع نفسه فموبقها"2. يُنبّه إلى قاعدتين مطّردتين اطّراد حركة الإنسان وسعيه، اطّراداً لا يتخلف وإنْ غفل الغافلون. القاعدة الأُولى: "كل الناس يغدو"؛ فالناس جميعاً في حركةٍ وفي عملٍ وفي غدوّ ورواح، حتى الجالسين منهم والنائمين!. والقاعدة الثانية:"فبائعٌ نفسه فمعتقها أو موبقها". إنها نتيجةٌ ملازِمةٌ للقاعدة الأولى إن نتيجة ذلك السعيِ بيعٌ لا محالة، ولكنه ليس بيعاً لسلعة أخرى غير نفس الإنسان، إنه بسعيه بائعٌ لا محالة، والإنسان البائع هنا إنما يبيع نفسه، وفي ذلك البيع إما فكاك نفسه من عذاب الله وسخطه وإعتاقها منهما، وإما تسليمُ نفسه لعذاب الله وأسْرها بسخطه، والعياذ بالله.
يقول الإمام النوويّ في معنى هذه اللفظة: "كل إنسان يسعى بنفسه؛
1 أخرجه البخاري، برقم: 6081، ومسلم، في الزكاة، برقم1201051.
2 أخرجه مسلم، في: الطهارة، 1223.
فمنهم من يبيعها لله تعالى بطاعته، فيعتقها من العذاب، ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى باتّباعهما؛ فيوبقها أيْ يُهلكها، والله أعلم1.
إنّ فهْم هذه السمة وهذه الشرعة في حياة الإنسان وعواقب تصرفاته أمرٌ بالغُ الأهمية لفهم طبيعة خُلُق الإنسان وسلوكه وكيفية معالجة أخطائه وتربيته.
* - قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس الشديد بالصُرَعةِ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"2. هذا الحديث يؤسس قاعدةً في المعايير ذات خطر وشأن في استصلاح النفس البشرية، وذلك عن طريق إصلاح مفاهيمها وقواعدها، فالحكم على الأمور ليس بظواهرها وإنما بحقائقها، وكذلك عن طريق تأسيس أحكام الإنسان على فقه الأَولى.
لقد استقر في نفوس الناس حب الشجاعة، وحب القوّة، وتبعاً لذلك الإعجابُ بالرجل الصُّرَعة، فجاء هذا الحديث ليقرر أن الأَولى بالإعجاب ليس الرجل الصُّرَعة، وإنما هو الإنسان الذي يملك نفسه عند الغضب!.
أو أن الحديث يقرر إسناد الوصف بالقوّة ليس للصُّرَعة، وإنما للذي يملك نفسه عند الغضب.
وسواء أكان المراد هذا أو ذاك، أو كلاهما، فإن النص النبويّ يؤسس قاعدة أخلاقية ينبغي أن نَصْدر عنها في أحكامنا، وبالتالي نحاكم إليها سلوكنا وتصرفاتنا.
حقاً إنّ هذا النوع من التوجه التربويّ لتأسيس القاعدة الصحيحة في النفس البشرية توجُّهٌ تربويٌّ لا يُغني عنه سواه من المناهج والجهود
1 شرح النووي لمسلم: 3/102.
2 أخرجه البخاري، بر قم: 5763، ومسلم، في البر والصلة، برقم107 2609.
التربوية، ولا يستغني عنه مَن رام إصلاح نفسه أو إصلاح غيره.
* - قوله صلى الله عليه وسلم: "من لا يشكر الناس لا يشكر الله تعالى" وفي لفظٍ: "لا يشكر الله من لا يشكر الناس"1.يُمثّل قاعدة تربوية أخلاقية ضرورية لصلاح النفس البشرية، تلك هي قاعدة التعوّد على شكر ذي الفضل وذي المعروف، وقد أكدها النبي صلى الله عليه وسلم، وأكّد الحرصَ عليها في هذا الدين بالربط بين خُلق شُكر الله تعالى، وخُلق شكر الناس! ثم إن الرابطة واضحة بين هذا وذاك؛ لأن كلاً منهما يعود إلى أصلٍ من أصول الأخلاق هو حب الحق وإيثاره؛ فمن توافر له الأصل الأخلاقيّ أَعطى الحق القليل والكثير، وفي القليل والكثير، وفي الأصول والفروع، وللخالق وللمخلوق وللكبير وللصغير. ويشهد هذا الحديث بجانب جميل شائق من جمال الأخلاق في هذا الدين، تتوافق على اختياره وحُسنه الفِطَرُ الإنسانية السليمة كلها، وتتلقّاه بالقبول والرضا، ولكنّ كثيراً من الناس في بُعْدٍ عن تلقي مثل هذه الأخلاق الجميلة من معينها الأصيل في حين أنهم يبحثون عنها في غير هذا المصْدر!.
* - قوله صلى الله عليه وسلم لمن استنصحه: "لا تغضب"2. قاعدة ذات شأن عظيم في مجال استصلاح خُلق الإنسان، تتلخص في قوله صلى الله عليه وسلم "لا تغضب" وهذا تحديدٌ لبابٍ أساس من أبواب اكتساب مكارم الأخلاق، كما أن
1 جاء بألفاظ، وقد أخرجه الإمام أحمد، في مواضع كثيرة من المسند، منها: 2/258،295،303، وأبو داود: الأدب،11،2/671، والترمذيّ، في البر،35، 4/339، وقال: هذا حديث حسنٌ صحيح.
2 أخرجه البخاري، برقم:5765.
الغضب بابٌ واسع من أبواب الشر وارتكاب مساوئ الأخلاق؛ لأن الغضب-ولا سيما الشديد-يَحُول بين صاحبه وبين الرؤية الصحيحة، ويَحُول بينه وبين التثبتِ والحلمِ والأناة والصبر؛ فهو يصْرفه إذَنْ عن عدد من مكارم الأخلاق، وفي الوقت نفسه لا ينفعه بشيء؛ ولِذا عُدَّ مِن أُصول المعاصي.
إننا نرى الغضب أحياناً كثيرةً يَنقل الإنسان عن دائرة العقل؛ حتى لا نشكّ في أنه شُعْبة من الجنون! وهذا الحديث يَبعُد بالإنسان عن هذا الداء الخطير على الإنسان، جسميّاً ونفسيّاً ودينيّاً.
والنهي في قوله صلى الله عليه وسلم "لا تغضب" يتضمن أمرين:
الأول: النهي عن خُلق الاسترسال مع الغضب، وهذا نهيٌ عنه وأمْرٌ بضد ذلك من الحلم والأناة.
الثاني: النهي عن التعرض لأسباب الغضب؛ فالأمر بالشيء أمرٌ به وبما يتوقف تحصيله عليه.
والأمر بالوضوء والجلوس نوع من أنواع معالجة الغضب إذا وقع، فصلِّ اللهم على النبي الكريم معلم الناس الخير!.
* - قوله صلى الله عليه وسلم: "البرّ حُسْن الخُلُق، والإثم ما حاك في نفسك، وكرهت أن يطلع عليه الناس"1. تنبيهٌ إلى مراعاة ما أودعه الله في النفس البشرية من العقل والفطرة، اللذين يستنكران مِن داخل النفس المنكَر والخطأ؛ فأغلب المخطئين وأغلب الخاطئين إنما وقعوا فيما وقعوا فيه وهم متجاهلون نداء العقل والفطرة من داخل ذواتهم لمّا وقعوا في أسْر لذاتهم!.
1 أخرجه الإمام مسلم، في البر والصلة، ح15.
* - قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا نظر أحدكم إلى من فُضّل عليه في المال والخَلْق فلينظر إلى من هو أسفل منه"1. يتضمن قاعدةً ذات جذورٍ عميقةٍ في النفس البشرية، وهي التعامل مع طبيعة النفس البشرية في توجيهها وتربيتها على الخُلق القويم.
ولقد جُبِل الإنسان على خُلُق مجاراة الآخرين ومحاكاتهم وتقليدهم، كما أن الإنسان مجبول أيضاً على غريزةٍ لا تكاد تنفك عنه، وهي حب التملك والمال، وكذلك حب التميز على الآخرين فيما يُفضّلونه، مِثْلُ المال وجمال الصورة والهيئة.
وهذا الحديث يستثمر هذه الجبلّة البشرية في توجيهه إلى مكارم الأخلاق واستقامة السلوك، فأرشد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قاعدة عظيمة في هذا الباب، وإلى سبيلٍ سويّ فطريّ من سبل اكتساب الأخلاق الفاضلة والابتعاد عن ضدها من مساوئ الأخلاق، ولعلها سهلة ميسَّرة لمن عوّد نفسه عليها:"إذا نظر أحدكم إلى مَن فُضّل عليه في المال والخَلق، فلينظر إلى من هو أسفل منه".
إن الإنسان في طبيعة خُلُقه مجبول على موازَنةِ نفسه وأحواله بغيره من الناس وأحوالهم، فإذا هو استثمر طبيعة نفسه هذه في النظر إلى من فُضِّل عليه في المال أو في الخَلق عاد عليه بالضرر وكفران ما هو فيه من نِعَم الله، وربما حَسَد مَن رآه أفضلَ منه، وحَقَد عليه، إلى آخر ما هنالك من مرذول الأخلاق!.
1 أخرجه البخاري، برقم: 6125، ومسلم إلى قوله، في الزهد والرقائق،8 2963.
وطريق التخلص من هذا الداء وهذه الأدواء، هو اتّباع ما أرشد إليه النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، بأن ينظر إلى من هو أسفل منه!.
نَعم هذا هو الداء وهذا هو الدواء: نظرةٌ خاطئة، دواؤها نظرة صائبة!.
ومعلومٌ أنّ مجال تطبيق هذه القاعدة هذه إنما هو الذي حدده الحديث، وهو المال والخَلْق، أمّا مجال الدِّين والخُلُقِ فالقاعدة فيه بعكس ذلك، وهي أنْ تَنْظر إلى مَن هو أفضل منك؛ لتتأسى به وتُنافسه في ذلك الخيرِ وذلك الفضلِ؛ ومِن هنا جاءت أهمية القدوة الحسنة، ومِن هنا كان الأمر بالتأسي بالرسل والأنبياء وأُولي الفضل والتُّقى الذين أمرتْ بالاقتداء بهم نصوص القرآن والحديث، على عكس أمور الدنيا والحظوظ الشخصية.
يقول الإمام النوويّ: "قال ابن جرير وغيره: هذا حديث جامعٌ لأنواعٍ من الخير؛ لأن الإنسان إذا رأى مَن فُضّل عليه في الدنيا، طَلَبتْ نفسه مِثلَ ذلك، واستصغر ما عنده من نعمة الله تعالى، وحَرِص على الازدياد؛ لِيَلحق بذلك، أو يقاربه، هذا هو الموجود في غالب الناس، وأمّا إذا نَظَر في أمور الدنيا إلى من هو دونه فيها، ظَهَرتْ له نعمة الله تعالى عليه؛ فشَكَرها، وتواضعَ، وفَعَلَ الخير"1.
إنّ نظرك إلى مَن هو أسفل منك في المال أو الخَلق يورثك رؤيةَ نِعَم الله عليك، ويدعوك إلى الحياء من الله والتواضع له وشكره وحَمْده، فهل نحن فاعلون؟! اللهم آمين.
1 شرح النووي لصحيح مسلم: 18/97.
يا أخي.. يا أخي! لا تكن لنعم الله على عباده مراقباً، وإنما كن لنفسك على نعم الله محاسباً، وكن لإخوانك محبِّاً لا حاسداً ولا حاقداً، وكن لنعم الله عليك شاكراً لا كافراً!.
* - قوله صلى الله عليه وسلم: "من سمّع سمّع الله به يوم القيامة، ومن شاقّ شقّ الله عليه يوم القيامة.. إن أول ما يُنتن من الإنسان بطنه فمن استطاع أن لا يأكل إلا طيّباً فلْيفعل ومن استطاع أن لا يحال بينه وبين الجنة بملء كفٍ من دم أهراقه فليفعل"1. يقرر ثلاثة أمور منهجية، يتعين على الإنسان تذكّرها والأخذ بها في حياته، لتستقيم له في الدنيا وفي الآخرة، وهذه الأمور هي:
الأول: أن الجزاء عند الله من جنس العمل،؛ فمن سمّع سمّع الله به يوم القيامة، ومن شاقّ شقّ اللهُ عليه يوم القيامة؛ فمَن كَرِه لنفسه هذا الجزاء يوم القيامة؛ فليَكره لها ما يوصِلُ إليه ولْيبتعد عن سببه.
الثاني: أن أول ما يُنتِن من الإنسان بطنه مهما أكل، فلْيكُنْ هذا سبباً للامتناع عن أكل الحرام، فما دام أن ذلك هو أسرع ما ينتن من الإنسان، ثم يَجري عليه الحساب؛ فلماذا تَقحُّم الحرام إذَنْ؟!.
الثالث: أن إهراق دم المسلم بغير حق يحول بين الإنسان وبين الجنة؛ فمن كَرِه أن يُحال بينه وبين الجنة فلْيبتعد عن الأسباب، ومنها: إهراق دم المسلم بغير حق.
1 أخرجه البخاري، برقم: 6733، وأخرج مسلم الكلمة الأُولى، في الزهد والرقائق، رقم47و48 2986.
والحديث يُحدِّد أسباب سعادة الإنسان في حياته في الآخرة والأُولى، وكأنه يُلخّصها في شيئين:
أحدهما: إحسانه عبادة ربه؛ فيُخْلِص العبادة له، ويبتعد عن حرماته سبحانه.
الثاني: إحسانه معاملة عباد الله؛ فلا يأكل أموالهم ظلماً، ولا يُزْهِق أرواحهم عدواناً.
فمن تمّتْ له هذه الأمور الثلاثة التي حددها الحديث 1-الإخلاص، 2-طِيبُ المطعم،3-الابتعاد عن قتْل النفس المحرَّمة فقد تمّتْ له أهم أبواب إحسان عبادة الله وإحسان معاملة عباد الله، وكان سائراً على طريق الخير واستقامةِ الأخلاق.
* - قوله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته
…
" 1. يحدّد مسؤولية الإنسان -كل إنسان- في هذه الحياة، وهي تتلخص في أمرين:
الأول: أنه راعٍ.
الثاني: أنه مسؤول عن رعيته.
والإعجاز الآسِرُ للعقول والقلوب معاً في هذا الحديث يتجلى في أمرين هما:
1-
إنّ هذه الوظيفة راعٍ تستغرق البشر جميعاً، على اختلاف علائقهم وروابطهم ومهامهم، فلا يَفْلت منها أحدٌ أبداً، بدْءاً من الرسول صلى الله عليه وسلم -المتكلم بهذا الحديث- إلى أقل المكلفين في المجتمع الإنسانيّ!.
1 أخرجه البخاري، برقم:853.
ثم ما من مهمة يقوم بها الإنسان أو يُكلَّف بها لأداء واجبٍ من هذه الواجبات إلا ولها صفة الرعاية هذه، ويجب عليه أن يستشعر هذا المعنى وهو يؤديها، بأن يشعر بأنه راعٍ. وماذا يُنتظر من الراعي؟! هل يُنتظر منه سوى الحدَب والصيانة، والإخلاص والأمانة؟!.
وهل ضاعت الأمانة في حياة الناس إلا يوم غاب في حِسِّهم استشعار هذا المعنى تجاه واجباتهم؟!.
وهل فسدتْ أخلاق الناس وأحوالهم إلا يوم خَمَد في نفوسهم هذا المعنى تجاه المسؤولية؟!.
2-
أن هذا السؤال عن الواجب وأداء الأمانة لا يُعفى منه أحدٌ من المكلَّفين أيضاً، فهو عامٌّ عموم الوظيفة والواجب.
ويَدخل في عموم السؤال هذا سؤال الله له، وسؤال الناس أيضاً، والسؤال في الدنيا، والسؤال في الآخرة، ولكن الأخير هو المهم.
إن هذه قاعدة أخلاقية أصيلة أساسية لاستصلاح أخلاق الإنسان وسلوكه، وإنّ اكتساب مكارم الأخلاق والبعد عن مساوئها إنما يتوقفان على القناعة بهذه القاعدة!.
* - قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء
…
" 1. قاعدة أخلاقية تربوية قويمة، وقاعدة أساسية لا يُغني عنها سواها، ومِن ثَم جاءت هكذا عامّةً لتدخُل في كل عمل أو تصرّفٍ أخلاقيّ يقوم به الإنسان، ومطّردةً بحيث لا يُستثنَى منها حالة من الحالات.
1 أخرجه مسلم في: 34 - الصيد والذبائح، حديث 57 1955.
نَعم إنّ الله كَتَب وفَرَض الإحسان في كل شيء؛ فإذا كان الإنسان لا ينفكُّ عن العمل ما دام حياً، فإن عمله يجب أن لا ينفكَّ عن الإحسان، وإذا كان الإنسان كذلك، فقدْ أصبح على الخُلق الفاضل القويم!.
أرأيتَ كيف يكون حُسن الخُلق في إتقان العمل؟!
أرأيتَ كيف يكون حُسن الخُلق في إحسان العمل؟!
أرأيتَ كيف يصبح الإحسان في كل شيءٍ خلقا حسناً كريماً؟!
إنّ حُسن الخُلق في حياة الإنسان، مظهرٌ من مظاهر الإحسان في كل شيء!.
* ??- قوله صلى الله عليه وسلم: "السمع والطاعة على المرء المسلم، فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أُمر بمعصيةٍ فلا سمع ولا طاعة"1. قاعدة ضرورية لاستقامة الحياة وحسن الخُلق، وهي قاعدةٌ ذات شِقين لا بدّ منهما جميعاً:
الأول: السمع والطاعة في طاعة الله، بغضّ النظر عن الحب والكراهية الشخصيين.
الثاني: لا سمع ولا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق.
ولِتتصوّر شأن هذين المعنيين لك أن تتصوّر كم أردى الناسَ والمجتمعَ وضْعُ العصيان في موضع الطاعة فيما بينهم، وكم أرداهم أيضاً طاعة المخلوقين في معصية الخالق!!
1 أخرجه البخاري، برقم6725، 2796، ومسلم، في الإمارة،38 1839.
إنّ شأن هذا المنطلق الأخلاقيّ الشرعيّ يتجلى في كون الإنسان لا يخلو عن أن يكون آمراً أو مأموراً. بل الأغلب أن يكون آمراً ومأموراً في الوقت نفسه، وهو في كلا الحالتين وفي جميع أحواله مضطرٌ إلى تطبيق هذه القاعدة والالتزام بها للسلامة والنجاة والسعادة في الدنيا والآخرة!.
* - قوله صلى الله عليه وسلم: "إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً"1. قاعدة للحكم على الناس بأخلاقهم. إنّ مِن خيارنا أحسننا أخلاقاً. هكذا بعموم الأخلاق، وبعموم الحُسن وشموله!.
إن الرسول صلى الله عليه وسلم يوضّح أن أخلاق الإنسان عنوانُ خيريته وأفضليته، أو هي عنوانٌ بضدّ ذلك!.
فاصنعْ لنفسك عنواناً ترضاه في الدنيا وفي الآخرة أيها الإنسان!.
* ??- قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه مثل ما يحب لنفسه
…
" 2. قاعدة تربوية أخلاقية، ومعيارٌ للأخلاق والسلوك بَلَغ من شأنهما أنْ ربطهما النبي صلى الله عليه وسلم بالإيمان؛ فلا يَكْمل إيمان الإنسان إلا بالسير وفق هذه القاعدة وهذا المعيار "لا يؤمن أحدكم حتى يُحِب لأخيه ما يُحب لنفسه" أي حتى يُحب الخير لأخيه. والمعيار فطْريّ جِبلّيّ، وهو أن يُحب له ما يحب لنفسه من الخير الذي جبله الله على حبه لنفسه!.
1 أخرجه البخاري، برقم: 2182 و3366، ومسلم، في المساقاة، 120 1601، لكن عنده بلفظ:"قضاءً"، بدل:"أخلاقاً".
2 أخرجه البخاري، برقم: 13، ومسلم، في الإيمان،71 45، بلفظ:"لأخيه أو جاره".
* - قوله صلى الله عليه وسلم: "
…
وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه" 1. قاعدة في التعامل مع الناس عادلة، سهلة التطبيق لمن أعمل عقله وضميره في تعامله مع الآخرين؛ فما عليه إلا أن يَنظر ما الذي يتطلع إليه من معاملةٍ حسنة عند الآخرين يَودّ أن يقابلوه بها أو يعامِلوه بها، ثم يُلزم نفسه بمعاملة الآخرين بذلك الخُلق الحسن الذي ينتظره من الناس!.
وحسْبنا هنا هذه الإشارات إلى ما في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم من هذه المعاني والقواعد الأخلاقية التي لا تشبع منها النفس السويّة!.
1 أخرجه مسلم، برقم 1844، وأخرجه النسائيّ في: البيعة، باب رقم 25، 7/152 - 154، من حديث طويل، وفيه - بعد أن ذكر الفتن: فمن أحب منكم أن يُزحزح عن النار ويُدخل الجنة، فلتُدْركه موتته وهو مؤمن بالله واليوم الآخر، ولْيأت إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه..، وأخرجه ابن ماجه في: الفتن، باب رقم 9، 2/1306. وفيه: وهو يؤمن والذي يُحب أن يأتوا إليه.