الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذا بما يتطابق مع القرآن ومع الواقع فقال: "ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب"1.
لقد نشأ في الناس من لا يعي مسؤوليته تجاه تربيته نفسه وتهذيبها، فلا يشعر بأي أهمية نحو قيامه بهذا الواجب، بل هو لم يستقر في خَلَدِه أن هذا واجب من واجباته، ولم يُدْرِك عاقبة إهماله لهذا الجانب في حياته، ولعله لم يسمع قول الله تعالى:{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا. فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا. قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} 2!!.
بل نشأ في الناس من يرفض تربية من يربّيه، وتعليم من يُعَلّمه، ونُصْح من ينصحه. وهذه درجة أبعد في الغواية من سابقتها!!
ولكن سنّة الله جارية في من يَرْفض تربية أبيه أو والديه أو معلّمه أن يُربّيه الرجال، بل ربما الأنذال، وقد تربيه أقدار الله تعالى، وقد تؤدّبه أو تعاقبه أو تأخذه بجريرته تلك!! فهل يعي هذا الصنف من الناس هذه الحقيقة؟!. نرجو.
1 جزء من حديث أخرجه أصحاب الكتب الستة، وقد جاء عند البخاري في مواضع منها: 3- الإيمان، باب من استبرأ لدينه.
2 7-10: الشمس: 91.
2- أثر الطمع والخوف في الأخلاق
إن الحياة الآخرة ليست منفصلة عن الحياة الدنيا، بل هي مرتبطة بها
ارتباط السبب بالمُسَبِّب والمقدِّمة بالنتيجة. فحالُ الناس في الآخرة امتداد لحالهم في الحياة الدنيا، فمن كان في هذه في طاعة الله نيّةً وقَوْلاً وعملاً، فهو في الآخرة في جنات عدن في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
ومن كان في هذه الحياة الدنيا في معصية الله نيّة أو قولاً أو عملاً فهو في الآخرة يعيش في ثمار هذه الحال النّكِدة، ولا ينفعه شيء من السراب الزائف يَحْصل عليه مؤقتاً هنا، ولا ينفعه قريب أو بعيد، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور. وإن الناس الذين يصابون بالهزيمة والهلع أمام خوف أو طمع لم يعرفوا الله حقاً، ولم يعرفوا حقيقة الدنيا، ولم يعرفوا حقيقة الآخرة، وإن مثل هذا الصنف من الناس ينحرفون كثيراً، ويقعون في الشقاء من حيث لا يشعرون حين يشغلهم النظر للمستقبل عن إصلاح الحاضر، لأنهم لا يعلمون أن المستقبل موكول إلى الله تعالى، وإنما هم مكلفون بإصلاح حاضرهم بإلزام أنفسهم بطاعة الله نيّة وقولاً وعملاً، وبهذا يَصْلُح لهم الحاضر والمستقبل في الدنيا وفي الآخرة، ولا يمكن إصلاح المستقبل بغير إصلاح الحاضر، إن الذين يقفزون محطة الحاضر لضمان صلاح المستقبل ينكسرون أو تنكسر بهم الحياة، وإنهم يخالفون سنة الله في الخلق، ويخالفون شرع الله، أمّا أنهم يريدون لأنفسهم السعادة فلا إشكال، ولكن ليس هو هذا الطريق. فمتى يثوب الإنسان إلى رشده، ويُلْزم نفسه بطاعة الله، ويتعلّم كيف يكون مع أمْر الله تعالى، لا يصرفه عن ذلك شدة طمع أو شدة خوف؟!
متى يَعْلم الإنسان يقيناً -نظرياً وعملياً- أن طاعة الله لا تأتي إلا بالخير، ولا تأتيه إلا برضا الله وثواب الله مهما بَدَتْ له العاقبة أوّل الأمر أو في ظاهر الأمر؟!.
ومتى يَعْلم الإنسان يقيناً -نظرياً وعملياً- أن معصية الله تعالى لا تأتي إلا بالشر في الدنيا والآخرة، ولا تأتيه إلا بسخط الله وعقاب الله مهما بَدَتْ له العاقبة أوّل
الأمر أو في ظاهره؟! متى يَعْلم الإنسان يقيناً أن خطأه في هذه الحياة وأن معصيته لله إنما هي بسبب خوف أو طمع في غير موضعهما؟! ومتى انتصر على نفسه في تلك العواطف الخاطئة فَقَدْ ألزمها بطاعة الله وجنّبها معصيته.
متى يعلم الإنسان يقيناً أن خطأه ومعصيته هو وحده الذي سيواجِهُ عاقبتهما في الدنيا وفي الآخرة وِفْق سنة الله الكونية وسنته الشرعية، ولا مفرَّ له من ذلك إلا بالاستغفار والتوبة والإصلاح والاعتراف لله بالذنب والخطيئة؟!.
متى يَعْلم الإنسان يقيناً أنه ليس أرحم بنفسه من الله الخالق الكريم الرحيم، فإذا أراد الرحمة فليس أمامه إلا أن يسلك الطريق إليها بالتزام طاعة الخالق الكريم الرحيم؟!.
إلى متى يتمادى الإنسان في غيّه؟! وإلى متى يستمر في شقاء نفسه وشقاء من معه؟!.
ألا ما أشقى الحياة عندما تحيد عن طاعة الله وعبادته وحبه وخشيته!!.
ألا ما أسعد الحياة عندما تكون مصابَرةً وصبراً على طاعة الله وعبادته وعندما تكون في حب الله وخشيته، وتعاوناً على البر والتقوى!!.