الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن تعديت هذه الوجوه فأنت ظالم لا ناصح، وطالب طاعة وملك لا مؤدي حق أمانة وأُخوّة، وليس هذا حُكْم العقل، ولا حُكْم الصداقة، لكن حُكْم الأمير مع رعيته، والسيد مع عبيده 1!!.
…
إذا نصحتَ ففي الخلاء وبكلام ليّنٍ، ولا تُسْند سبّ مَنْ تحدّثه إلى غيرك فتكون نمّاماً، فإن خشّنت كلامك في النصيحة فذلك إغراء وتنفير، وقد قال الله تعالى: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً
…
} 2 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُنفّروا".
وإن نصحتَ بشرط القبول فأنت ظالم، ولعلك مخطئ في وجْهِ نُصْحك، فتكون مطالِباً بقبول خطئك وبترك الصواب 3!!.
1 الأخلاق والسير
…
:44.
2 44: طه: 20.
3 الأخلاق والسير
…
:. 48
6- بين إغضاب الخالق وإغضاب المخلوق:
إن لم يكن بدٌّ من إغضاب الناس، أو إغضاب الله عز وجل ولم يكن لك مندوحة عن منافرة الخَلْق أو منافرة الحق، فأغضبْ الناس ونافرهم، ولا تُغْضِبْ ربك ولا تُنافر الحق 4.
4 الأخلاق والسير
…
: 62.
7- الهدي المطلوب في النصيحة:
الاتساء بالنبي صلى الله عليه وسلم في وعْظ أهل الجهل والمعاصي والرذائل واجب، فمن وَعَظَ بالجفاء والاكفهرار فقد أخطأ، وتعدّى طريقته صلى الله عليه وسلم، وصار في أكثر الأمر مُغْرياً للموعوظ بالتمادي على أمره -لجاجاً وحَرداً ومغايظةً
للواعظ الجافي- فيكون في وعْظه مسيئاً لا محسناً.
ومن وَعَظَ ببشرٍ وتبسمٍ ولين وكأنه مشير برأي، ومخبر عن غير الموعوظ بما يستقبح1 من الموعوظ، فذلك أبلغ وأنجع في الموعظة، فإن لم يتقبل فلينتقل إلى الموعظة بالتحشيم وفي الخلاء، فإن لم يقبل ففي حضرة من يستحيي منه الموعوظ، فهذا أدبُ الله في أمْره بالقول واللين.
وكان صلى الله عليه وسلم لا يواجِهُ بالموعظة2 لكن كان يقول: ما بال أقوام يفعلون كذا، وقد أثنى عليه الصلاة والسلام على الرفق، وأَمَرَ بالتيسير، ونهى عن التنفير، وكان يتخوّل بالموعظة خوف الملل، وقال تعالى:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} 3.
وأما الغلظة والشدة، فإنما تجب في حدّ من حدود الله تعالى، فلا لين في ذلك للقادر على إقامة الحدّ خاصة.
ومما ينجع في الوعظ أيضاً الثناء بحضرة المسيء على من فَعَلَ خلاف فِعْله، فهذا داعية إلى عمل الخير، وما أعلم لحبّ المدح فضلاً إلا هذا وحده، وهو أن يَقْتدي به من يسمع الثناء، ولهذا يجب أن تؤرّخ الفضائل والرذائل، لينفر سامعها عن القبيح المأثور عن غيره، ويَرْغَبَ في الحسن
1 في المطبوع: "يستفتح" وهو خطأ.
2 لو قال رحمه الله: "كان لا يواجه بالموعظة دائماً" لكان هذا صواباً، أمّا أنه مطلقاً لا يواجِهُ بالموعظة فهذا غير صحيح، بل كان صلى الله عليه وسلم على ما تقضي به الحكمة من المواجهة بالنصيحة أو عدمها، وثبوت أنه كان يقول: "ما بال أقوام
…
" ليس ثبوتاً لالتزامها دائماً، وليس نفياً لثبوت غيرها.
3 159: آل عمران: 3.