الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حظوظها الدنيوية المأذون فيها شرعاً أو الواجبة شرعاً، أو مَنْعها مِن الأخْذِ بالفُسْحة التي في ديننا.
- أن لا يبيعها بثمَنٍ أقَلّ منها؛ فإنها غاليةٌ؛ فلا ينبغي بيعها بثَمَنٍ أقَلّ مِن الجَنّة -على حَدّ قول ابن حزم، رحمه الله.
وعندئذٍ تُصْبِح هذه النفس مؤمِنةً، صالحةً، عابدةً لله خاضعةً مستسلِمةً، خَيّرةً؛ فالخيرُ خُلُقٌ وسجيّةٌ لها، لا يَصْدُرُ عنها الشرُّ إلا غلطاً أو سهواً، أو هفْوةً أو زلةً لا تستقِرُّ عليها.
وهذه النفس الطيبة هي التي جَعَل الله الجنة لها، فالجنة طيّبةٌ لا يَدخلها إلا طيّبٌ، كما أخبَرَنا النبيّ صلى الله عليه وسلم.
خُلُق التعامل مع مخلوقات الله الأخرى:
يأتي خُلُق التعامل مع مخلوقات الله الأخرى تبعاً لحال التعامل مع الله تعالى؛ فمن كان لله أقرب كان مِن ظُلْم هذه المخلوقات أبعدَ، ومَن كان متأدباً مع الله تعالى كان لنفسه مؤدِّباً تجاه مخلوقات الله.
وما مِن شكٍ أن الشأن فيمن تأدبَ مع الله ومع الناس، ومع نفسه، أن يكون كذلك على خُلُق الاستقامة نحو بقية مخلوقات الله الأخرى.
أصول التعامل مع مخلوقات الله الأخرى:
لعل أصول التعامل مع مخلوقات الله الأخرى -وهي ما سِوى الإنسان- تتلخّص فيما يلي:
- الالتزام نحوها بما شَرَعه الله له، مِن الأدب تجاهها، وعدِم ظلمها.
- استثمارها والانتفاع بها وَفْق ما أباحه الله له وشَرَعَهُ، والبعد عن التعدي في ذلك أو التقصير فيه.
- التعرف على ما شرعه الله له في التعامل معها بحسب ما تدعو إليه حاجة التعامل نحوها.
- استشعاره كونها مخلوقةً لله تعالى، وقد تكون مؤمنةً به سبحانه. كما هو الشأن بالنسبة للملائكة، وبعض الجن، والبهائم. بل قد أَخبر الله أن كل شيء يُسَبِّح بحمده، فقال:{تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِنْ مِن شَيْءٍ إِلا يُسَبّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} 1. وهذا يَعْقِدُ نوع أُخوّة في الله بينه وبين هذه المخلوقات يجعله يستشعر حُرمتها مِن أجْله!.
- والقاعدة العامّة هي أنّ جُلَّ هذه المخلوقات قد خَلقها الله للإنسان، وسَخّرها له:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً..} 2.
- والقاعدة أنّ هذا النوع من المخلوقات، التي أباحها الله، قد أباح للإنسان الانتفاع منها وَفْق المشروع، وجَعَل له أن يَدفع عن نفسه ضررها.
ومِن ذلك أنّ مِن الواجب على الإنسان أن يكون على الإحسان في كل شيء، حتى في الذبح المشروع لهذه الحيوانات، كما مضى في
1 44: الإسراء: 17.
2 29: البقرة: 2.
الحديث: "إنّ الله كَتبَ الإحسان على كل شيء؛ فإذا قَتلتم فأحسِنوا القِتلة، ولْيُحِدَّ أحدُكم شَفْرَته، ولْيُرِحْ ذبيحته"!.
وعندئذٍ يُصْبحُ الإنسان الملتزم بما شرَعَهُ الله تجاه هذه المخلوقات كلها، إنساناً عديم الشر، بحيث لا يَصْدُرُ منه إلا خطأً، ثم يتوب مِن قريب.
وعندئذٍ يَكْتمِل للإنسان - بما مضى كله- الخُلُق الحسن والأدب مع الله، ومع الناس، ومع الملائكة، والجن، والبهائم، وسائر المخلوقات، ومع الصديق، ومع العدوّ، وفي حال السلم وحال الحرب! {
…
وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} 1، {َمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً..} 2!!.
نسأله سبحانه أن يوقظنا مِن غفْلتنا، ويؤدبنا بأدبه، ويوفّقنا لطاعته على كل حال3!.
1 50: المائدة: 5.
2 125: النساء: 4.
3 لم يتسع الوقتُ بعد هذا لكتابة مبحث مستقل عن تقسيم الأخلاق بحسب صفة المتحلِّي بها وعلاقته بمن يتعامَلُ معه، على الرغم من أهمية هذا الموضوع، وأهمية بيانه في صورة نقاطٍ تُساعِدُ الإنسان على التزام حُسْن الخُلُق في هذا الباب.