الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا الخُلُق النفسي يمكن أن يُستثمر لصالح اكتساب مكارم الأخلاق، وذلك عن طريق أساليب متعددة، منها:
أن يتذكر الإنسان دائماً أن من يحبه إنما يحب فيه الأشياء الطيبة، ولا يحب منه قبيح الأفعال والأخلاق، ويحب نظافته لا وساخته، مهما كانت الرابطة بينه وبين هذا الإنسان بما في ذلك أقاربه وأصدقاؤه، فعليه أن يراعي هذا الشعور، فيحرص على مكارم الأخلاق ويبتعد عن مساوئها.
هذا بالنظر إلى من تحبهم ويحبونك من المخلوقين، فكيف إذا نظرت إلى محبة الخالق سبحانه، وعلمت أنه يحب لعبده محاسن الأخلاق، ويكره له مساوءَها؟!.
والله المستعان.
8- مجاهدة النفس شرط لاكتساب الأخلاق الفاضلة
إذا أردت اكتساب الأخلاق الحميدة فأنت في حاجة إلى المجاهدة، فإن النفس مَيَّالة إلى التفلت من القيود والتكاليف، حتى ولو كانت تلك القيود حدوداً لدائرة سعادتها، وحتى لو كان ذلك التفلت إلى سعادة لحظة مُتَوهَّمة بشقاء الأبد!.
ولا يصح لك أن تطلب معالي الأمور بأرخص الثمن!
ولا يصح أن يُطمِّعك في الشر والدناءة حصولهما بغير ثمن!
وإن من يريد عظيماً ومن يريد معالي الأمور لا بد له من أن يدفع ثمنها المناسب، وإلا لاستوى الناس جميعاً في فُرَصِ الوصول إلى المعالي!!.
إن أوّل ثمن معالي الأمور ومكارم الأخلاق أن يَسْمُوَ المرء أوّلاً
بتفكيره، كمن يروم صعود الجبل العالي الأشم يبدؤه أوّلاً برفع بصره إلى القمة التي سيسعى إليها ويوطن نفسه على ما يتطلبه الوصول إليها من تضحيات، ثم يحتاج إلى السعي والجهد والعزم غير ملتفت إلى المشقة والجهد والعرق والوقت!.
أما من يريد السقوط من أعلى إلى أسفل فلا يحتاج إلى ذلك الجهد، ولكنه قد يسقط سقطة لا يقوم منها أبداً!!. مثله مثل الإنسان الذي يكون في قمة جبل فلو رغب في السقوط فماذا يعمل سوى أن يرمي بنفسه من فوق إلى أسفل؟!.
حقاً ليست العبرة دائماً بمقدار الثمن ولكن بالنتيجة والمُثَمَّنِ، وقد اقتضت سنة الله تعالى في الحياة أن يَبْذل الإنسان لكل شيء ما يناسبه، فللدنيا سعي وللآخرة سعي!! وللفضائل سعيٌ وللرذائل سعيٌ!!.
والصبر بأنواعه المختلفة مِن أهم عُدّة المجاهِد نفسه، ومِن أهم ما يَحتاجه في هذا الباب الصبر عن الشهوة؛ فإنها هي التي أردتْ أكثر مَن سَقط من الناس، وإنما يَقوى على هذا الصبر مَن جاهَدَ نفسه لله، وعَوّدها النظرَ في عواقب الأمور كلها؛ ثم عامَلَ تلك الأمور بما تستحقّه من المواقف، والتوجّهات، والأقوال، والأعمال. ومِن هذا القبيل النظر في عواقب الاستجابة للشهوة، أياً كانت هذه الشهوة، حلالاً أم حراماً؛ فإنّ لكلّ عَمَلٍ عاقِبَةً، ولكلِّ خطوةٍ نتيجةً، لك أو عليك!.
1 19: الإسراء: 17.
إنّ على الإنسان أن يكون موقفه مِن شهوته موقف المراقبة والمحاسبة، لا موقفَ الاسترسال معها والاستجابة لها، وأن يستحضر -قَبْل الاستجابة لها- ما وَجّهَهُ له الإمام ابن القيّم حيث قال:
"الصبر عن الشهوة أسهلُ مِن الصبر على ما توجبه الشهوة1؛ فإنها: إِمّا أَنْ توجب أَلَماً وعقوبةً.
وإِمّا أَنْ تقطع لذةً أكملَ منها.
وإِمّا أَنْ تُضيع وقتاً إضاعته حسرةٌ وندامةٌ.
وإِمّا أَنْ تَثْلمَ عِرضاً توفيره أنفع للعبدِ مِن ثَلْمه.
وإِمّا أَنْ تُذهِب مالاً بقاؤه خيرٌ له من ذهابه.
وإِمّا أَنْ تَضَعَ قَدْراً وجاهاً قيامه خيرٌ مِن وضْعه.
وإِمّا أَنْ تَسْلب نعمةً بقاؤها ألذّ وأطيبُ مِن قضاء الشهوة.
وإِمّا أَنْ تُطَرِّقَ لِوَضيعٍ إليك طريقاً لم يَكُن يَجِدها قبلَ ذلك.
وإِمّا أَنْ تَجْلِبَ همّاً وغَمّاً وحُزْناً وخوفاً لا يُقارِبُ لذّة الشهوة.
وإِمّا أَنْ تُنْسيَ عِلْماً ذِكْرُهُ أَلَذّ مِن نَيلِ الشهوة.
وإِمّا أَنْ تُشْمِتَ عدوّاً وتُحزِنَ ولِيّاً.
وإِمّا أَنْ تَقطَعَ الطريق على نِعْمةٍ مُقْبلةٍ.
وإِمّا أَنْ تُحْدِثَ عَيباً يَبقى صفةً لا تَزول؛ فإنّ الأعمال تورث الصفات والأخلاق" 2!!.
1 أي ما توجبه الاستجابة للشهوة.
2 الفوائد:250.