المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثانيا: مظاهر لمفاهيم مغلوطة: - الأخلاق الفاضلة قواعد ومنطلقات لاكتسابها

[عبد الله الرحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمه

- ‌منهج البحث

- ‌مدخل

- ‌قصتي مع الموضوع

- ‌اولا: رحلتي مع الموضوع:

- ‌ثانياً: الانتقال إلى الكتابة:

- ‌ثالثاً: الناس والأخلاق:

- ‌رابعاً: الطريق الصحيح:

- ‌خامساً: حقائق توصلتُ إليها خلال الرحلة:

- ‌الفصل الأوّل: مدخلٌ إلى الأخلاق:

- ‌أوّلاً: تعريف الخُلُق:

- ‌ثانياً: طرق اكتساب الأخلاق:

- ‌ثالثاً: الأسس التربوية العامة لتقويم الأخلاق:

-

- ‌رابعاً: الأخلاق في أقوال السلف ومواقفهم:

- ‌ من أقوالهم في الأخلاق:

- ‌الفصل الثاني: قواعد الأخلاق في الكتاب والسنة

- ‌توطئة:

- ‌المبحث الأوّلآيات ناطقة بقواعد أخلاقية

- ‌المبحث الثاني: أحاديث ناطقة بقواعد أخلاقية

- ‌الفصل الثالث: القواعد الأساسيّة لاكتساب الأخلاق

- ‌مقدّمة

- ‌الفصل الرابع: تقسيم الأخلاق

- ‌توطئة

- ‌المبحث الأول: تقسيم الأخلاق إلى أصول وفروع

- ‌أصول الأخلاق وفروعها:

- ‌نبذة عن أصل من أصول الأخلاق الحميدة:

- ‌مظاهره وفروعه:

- ‌من معاني الاعتراف بالحق والإذعان له:

- ‌المبحث الثاني: تقسيم الأخلاق بحسب متعلَّقها، وأهمية كل قسم منها

- ‌توطئة

- ‌خُلُق التعامل مع الله تعالى:

- ‌خُلق التعامل مع الناس:

- ‌خُلُق التعامل مع النفس:

- ‌خُلُق التعامل مع مخلوقات الله الأخرى:

- ‌المبحث الثالث:‌‌ تقسيمٌ شجريّ للأخلاق بمختلفِ مُتَعَلَّقَاتِهَا

- ‌ تقسيمٌ شجريّ للأخلاق بمختلفِ مُتَعَلَّقَاتِهَا

- ‌الفصل الخامس: نَظَراتٌ في كلماتٍ عن الأخلاق

- ‌توطئة

- ‌المبحث الأول: نظرات حول أهمية الأخلاق الحميدة

- ‌1- موازَنةٌ بين حرص الناس على أموالهم وحرصهم على دينهم وأخلاقهم

- ‌2- بين جمال الملابس وجمال الأخلاق

- ‌3- لماذا نخطئ

- ‌4- الأخلاق الحميدة وعبادة الله تعالى

- ‌5- إنسانية الإنسان بين مظهره ومَخْبَرِه وصورته وأخلاقه

- ‌6- نُخْطِئُ كثيراً

- ‌7- خاطرةٌ حَوْلَ معنىً مِن الأخلاق

- ‌8- أيها

- ‌المبحث الثاني: نظرات في طُرق اكتساب الأخلاق الحميدة

- ‌1- التربية وتهذيب الأخلاق ليست مهمة المربي وحده

- ‌2- أثر الطمع والخوف في الأخلاق

- ‌3- التعاون والتكافل في التربية

- ‌4- أمور تتوقف عليها استقامة الحياة وسعادتها

- ‌5- من وسائل تربية الإنسان نفسه وتهذيبها

- ‌6- الاعتراف بنعم الله من أهم الدوافع للخلق الحسن

- ‌7- تقدير مشاعر الآخرين طريق لمكارم الأخلاق

- ‌8- مجاهدة النفس شرط لاكتساب الأخلاق الفاضلة

- ‌9- أثر السيرة النبوية وتراجم الرجال في الأخلاق

- ‌10- العدل مفهومه، وأثره في السلوك والأخلاق

- ‌11- البواعث الفردية والجماعية وأثرها في الأخلاق

- ‌المبحث الثالث: نظرات حول مجالات الأخلاق

- ‌1- عوّدْ نفسك رعاية المصلحة العامة ومصالح الآخرين

- ‌2- العلم والعناية به

- ‌4- صلة الرحم

- ‌5- أخلاق الداعية

- ‌6- الفضولية عيبٌ وقلة حياء

- ‌7- تعوّدْ أن تعيش لغيرك كما تعيش لنفسك

- ‌المبحث الرابع: أقوالٌ وآراء رائقة في النُّصْح للإمام ابن حزم

- ‌توطئة

- ‌1- حكم نصيحة الناصح إذا لم يتمثلها:

- ‌2- لا تنصحْ على شرط القبول:

- ‌3- الصداقة والنصح:

- ‌4- بعض الجوانب السلبية لأنماط من النصيحة:

- ‌5- تكرار النصيحة والصفات المطلوبة في النصيحة:

- ‌6- بين إغضاب الخالق وإغضاب المخلوق:

- ‌7- الهدي المطلوب في النصيحة:

- ‌8- ظاهرة التأثر والتأثير بين الأحياء والأشياء:

- ‌9- شكْر الخالق وشكر المخلوق:

- ‌10- النطق بعيوب الناس ليس نصيحَة:

- ‌11- أدب الحضور لمجالس العلم:

- ‌الفصل السادس: الذوق والأدب في تصرفات الإنسان

- ‌المبحث الأول: الذوق والأدب في الإسلام

- ‌أوّلاً: الذوق والأدب في الخُلُق الإسلاميّ

- ‌ثانياً: الذوق والأدب في أخلاق النبيّ عليه الصلاة والسلام

- ‌المبحث الثاني: الذوق والأدب في تصرّفات الإنسان

- ‌أوّلاً: هلاّ تعرفتَ على سلوكك في عيون الآخرين

- ‌ثانياً: أخطاء الجلوس على الطعام:

- ‌ثالثاً: أخطاء استخدام الحمّام:

- ‌رابعاً: أخطاء عامّة:

- ‌خامساً: خاتمة:

- ‌الفصل السابع: خُلُق التعامل مع المخالِف

- ‌توطئة

- ‌المبحث الأول: خُلق التعامل مع المخالِف المسلم

- ‌أوّلاً: أُصول المعاملة الواجبة شرعاً:

- ‌ثانياً: مظاهرُ لمفاهيمَ مغلوطةٍ:

- ‌المبحث الثاني: خُلق التعامل مع المخالِف الكافر

- ‌توطئة:

- ‌1- الأصول الشرعية للعلاقة بالكافر غير المحارِب:

- ‌2- مظاهرُ طبيعة علاقة المسلم بالكافر المحارِب:

- ‌3- مظاهر لبعض المفاهيم المغلوطة:

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌ثانيا: مظاهر لمفاهيم مغلوطة:

مَن سَلِم المسلمون من لسانه ويده"، مِثْلُ قوله صلى الله عليه وسلم: "الحجُّ عَرَفَةُ"، كأن عرفة أهمُّ شيء في الحج يَكون به الحج حجّاً، وكأن هذه الصفةَ في المسلم أهم شيء فيه يَكون بها مسلماً!!.

ص: 200

‌ثانياً: مظاهرُ لمفاهيمَ مغلوطةٍ:

تتعدّد المفاهيم المغلوطةُ في هذا الباب، والتي قد يَحْرص عليها صاحبها؛ لظنّهِ أَنها مِن الدِّين وما هي من الدِّين، ومنها ما يلي:

1-

الظنُّ بأنّ المخالَفَةَ في الرأي تُوجِبُ العِداء والإيذاء:

يَظن بعض الناس أن المخالفة في الرأي، أو المخالفة في المذهب، أو في منهج الفهم، أو في الطرائق والأساليب، ونحو ذلك، يُسوّغ للإنسان أن يَتّهم أخاه المخالف له بأيّ تهمة، عقدية أو غير عقدية!. وهذا تَصَوُّرٌ ليس عليه دليلٌ صحيحٌ مِن شرْعٍ أو عقْلٍ أو فِطْرَةٍ!.

2-

الظن بأنّ المسلمَ المخالِفَ لا يَصِحُّ ذِكْرُ شئ مِن محاسنه أو العَدْلُ معه:

يَظن بعض الناس أن المسلم المخالِف له لا يصح ذِكْر شئ من محاسنه، ولا يصح العدْل في حقه أو في التعامل معه! وهذا مسلكٌ لا دليل عليه أيضاً، ولَمْ تَنُصّ عليه نصوص الكتاب والسنَّة، وما ذَهبَ إلى هذا إلا مَن لم يقف على مجموع النصوص بتجرّد، أو مجتَهِدٌ مُخْطئٌ، أَوصِنْفٌ ثالثٌ نعوذ بالله منه. والواجب على مَن أراد الصواب والسلامة أن يَتَخلّص من كل هذه الأسباب الصارفةِ عن الحقِّ والفطرةِ في هذا الموضوع.

ص: 200

3-

الظنّ بأنّ المسلم المخالِفَ لا يَصحُّ إحسان الظنّ به:

يَظن بعض الناس أن المسلم المخالف له لا يصح إحسان الظن به، بل الواجب إساءة الظن!. وهذا يخالف ما دلّتْ عليه نصوص الكتاب والسنة، ويُناقِضُ واقعَ الحال! إذ الواقع أنه ليس كل مخالِفٍ للإنسان فهو على السوء والخطأ، ولو قال قائلٌ بهذه النظرة؛ لقيل له: ومَن هو الذي له أن يَحْكم بهذا الحكم في شأن غيره مِن الطرَفين المُختَلِفَين؟! أو مَن ذا الذي هو في مكان التزكية منهما، ومَن الذي هو بضدّ ذلك مِن الطرفين؟! وقد قال الله تعالى: {

فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} 1، وقال سبحانه:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً. انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْماً مُبِيناً} 2وقال تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} 3؛ ولم يَخُصّ –سبحانه- هؤلاء القوم بأُناس مُحَدّدين؛ فيَبقى عموم اللفظ على حاله، ليَدْخُلَ فيه أيّ قوم، بل لم يُحَدَّد حتى بالمسلمين، فيَصْدق هذا على المسلمين وغير المسلمين! فأين الوِجهة أيها الظالم لنفسه ولغيره من الناس بِسُلوكِكَ هذا المسْلَكَ الخطأَ باسم الدين؟!.

1 32: النجم: 53.

2 49-50: النساء: 4.

3 8: المائدة: 5.

ص: 201

4-

الظنُّ بأنه يَجوز الحُكْمُ على عقائد الناس بالظنّ:

يَظُن بعض الناس أَنه يَجوزُ له أَن يَحكمَ على عقائد الناس-رجماً بالغيب- طالما أَنه على المنهج الحقِّ! وليس الأَمرُ كذلك؛ إذْ هو مخالفٌ للأدلة من الكتاب والسنّة، وكثيراً ما يستجيز هذا مَن يستجيزه مِن المسلمين –للأسف- تنصيباً لنفسه في مقام المُدافع الوحيد عن الدين مِن بين إخوانه المسلمين، وحِرصاً منه، بزعمه، على إقامة الناس على الدين، وليس بهذا يتحقّق الصلاح والإصلاح، وليس بهذا جاء الكتاب والسنّة.

ومما جاء في حديثٍ عند الإمام البخاريّ: "فقام رجلٌ غائر العينين، مُشرِفُ الوَجنتين، ناشِزُ الجبهة، كثُّ اللحية، محلوق الرأس، مُشَمِّرُ الإزار، فقال: يا رسول الله "اتّقِ الله"، قال: ويلك، أَوَ لستُ أَحقَّ أَهلِ الأرضِ أَن يتّقيَ الله؟!. قال: ثم ولَّى الرَّجلُ. قال خالدُ بن الوليد: يا رسول الله، أَلا أَضربُ عنُقَهُ؟. قال: "لا، لعلَّهُ أَن يكونَ يُصَلِّي". فقال خالدٌ: وكم مِن مُصَلٍّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنِّي لَمْ أُومرْ أَن أُنقِّبَ قلوب الناسِ ولا أَشُقَّ بطونهم". قال: ثم نَظَر إليه وهو مُقَفٍّ، فقال:"إنه يَخرج مِن ضئضئ هذا قومٌ يتلون كتاب الله رَطباً، لا يُجاوِزُ حناجرهم، يَمْرقون مِن الدين كما يَمرقُ السّهمُ مِن الرَّمِيِّة"-وأظنه قال-"لئن أَدركتهم لأَقتلنَّهم قتْلَ عادٍ"1.

وجاء في بعض أَلفاظ الحديث عند البخاري أَن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "إنّ

1 البخاري: المغازي، ح4094، وهو في الأحاديث عنده أيضاً برقم:4390، 6995، 7123، 3166، ط. البُغا.

ص: 202

مِن ضئضئ هذا، أو في عَقِب هذا قومٌ يَقرءون القرآن لا يُجاوِزُ حناجرهم، يَمْرقون مِن الدِّين مُرُوق السّهم مِن الرَّمِيَّة، يقْتُلونَ أهلَ الإسلامِ ويَدَعون أَهل الأوثان، لئن أَدركتهم لأَقتلنَّهم قتْلَ عاد" 1.

ولعلَّك-أَيها القارئ الكريم-تعود مرَّةً أُخرى فتقرأَ الحديث، وتلْحَظ:

-صفاتِ هذا الآمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالتقوى!

-وكيف أنه يأمرُ رسولَ الله بذلك!

-ومطابقةَ بعض أَهل عصرنا-ممن قد يَعُدُّه البعض في جُمْلة الدعاة-لصفاتِ ذلك الرجل ودعوتِه المزعومة.

-وتَحَقُّقَ ما أَخبرَ به رسول الله صلى الله عليه وسلم!.

-وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا، لَعَلَّهُ أن يكون يُصَلِّي"، وقوله:"إنّي لم أُومر أن أُنَقّبَ قلوب الناس، ولا أَشُقّ بطونهم"، وقوله:"قومٌ يَقرءون القرآن لا يُجاوِزُ حناجرهم، يَمْرقون مِن الدِّين"، وقوله:"يقْتُلونَ أهلَ الإسلامِ ويَدَعون أَهل الأوثان"!.

فهل يَغضَبُ مَن على هذه الشاكلة إذا قرأَ حديث الرسول صلى الله عليه وسلم هذا، أم سيرعوي عن هذا الطريق الغوي؟!

إنّ في ذلك لعبرة لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيدٌ ولم يَحجبه عن الهُدى هوىً أو بدْعة.

ولقد ظَنّ بعض الناس أَن هجومه على الدعاة، باسم محاربة البدعة، واتهامه لكثيرٍ منهم بها، براءةٌ له مِن البدعة، وما عَلِمَ أَنه بهذا المسلَك قد ابتدعَ ووقع في البدعة؛ لمجانبته نصوص الكتاب والسنّة وهَدْي النبيّ صلى الله عليه وسلم،

1 البخاري، الأنبياء، ح رقم3166، ط. البُغا.

ص: 203

وأَنّ ذلك المسْلك ليس براءةً لصاحبه مِن البدعة ولا تزكيةً له في دينه!!

وصَوّرَ بعض الناس اليوم البدعة-وهو يُهاجمها، بتلك الطريقة، على غير هَدْي الكتاب والسنّة-أَن أَيَّ بدعة فهي في العقيدة، وأَن أَيّ بدعة فهي كفْرٌ، وأَنّ صاحبها لا يَصِحّ أَن يُعاملَه أَهلُ السنّة إلا: بالبغض، والتكفير، وسائر تلك الألوان من المعاملة المجانِبة لما جاء به دين الله تعالى!

ويُصَوِّر مَن على هذا المَسْلك أَن معاملة المبتدع بما جاءت به النصوص الشرعية-مما يَعْلمه ومما لا يَعْلمه- إقرارٌ للبدعة للأسف!! مع أَنه لا تَعارضَ بين رَدِّ البدعة أَيّاً كانت، وبين معاملة المسلم المعاملة الشرعية ونصْره ظالماً أو مظلوماً بالمعنى الشرعيّ.

ومَن أَعطاك أَيّها المسكين هذا الختمَ؛ لتختمَ به على مَن تشاء مِن عباد الله؛ بأَنّ هذا سُنّيّ وهذا مبتدِعٌ، وحسْبَ هواك، آلله أَذِنَ لك بهذا أَم على الله تفترون؟! وهل تأذَنُ لغيرك بأن يأخذ هذا الختمَ بالتناوب معك أو بمشاركتك في هذه الصلاحيّة، أَم أَن الأمر خاصٌ بك، خصّك الله به مِن بين عباده الصالحين!!

اللهم إخلاصاً واتّباعاً وفقْهاً، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون، اللهم احفظْ دينك وعبادك وسنّةَ نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم!!.

وما أَجملَ قولةَ عبّاد بن عبّاد حين قال: ولا تكتفوا مِن السنّةِ بانتحالها بالقول دونَ العمل بها؛ فإنّ انتحال السنّة دونَ العمل بها كذِبٌ بالقول مع إضاعة [العمل]1. ولا تعيبوا بالبدع تَزَيُّناً بعيبها؛ فإنّ فساد

1 في المطبوع: العلم. وهو واضحٌ أنه تصحيف.

ص: 204

أَهلِ البدع ليس بزائدٍ في صلاحكم، ولا تعيبوها بغْياً على أَهلِها؛ فإنّ البغيَ مِن فسادِ أَنفسِكم. وليس ينبغي للمطبِّب أَن يُداوي المرضى بما يُبرِؤهم ويُمْرِضُه

" 1!!.

5-

استباحة عدَدٍ مِن الأساليب المحرَّمة في التعامل مع المسلم المخالِف:

ولقد ترتَّبَ على الظن السابق ذِكره-وهو استباحةُ الطعن في عقائد المسلمين، نُصْرةً للدين، على حدِّ زعْم الزاعمين-استباحةُ ارتكابِ عددٍ مِن الأساليب غير مشروعة، كلُّها ظُلُماتٌ بعضها فوق بعض، للقيام بهذا الواجب المزعوم!.

ومِن تلك الأساليب ما يلي:

*استباحةُ تتبُّعِ عورات المسلمين بغيرِ حقٍّ، وقد جاء في الحديث:"عن ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فنادى بصوتٍ رفيعٍ، فقال: "يا معشر مَن أسلمَ بلسانه ولم يُفْضِ الإيمان إلى قلبه، لا تُؤذوا المسلمين ولا تُعَيّروهم، ولا تتبَّعوا عوراتهم؛ فإنه مَن تَتبَّعَ عورة أَخيه المسلم تَتبَّع الله عورته، ومَن تتَبَّعَ الله عورته يَفضحْه ولو في جوف رَحْله" 2.

1 سنن الدارمي: 1/170.

2 أَخرجه الترمذيّ: برقم2032، وعنده:"ونظر ابن عمر يوما إلى البيت أو إلى الكعبة، فقال: ما أعظَمَك وأعظَمَ حُرمَتَكِ، والمؤمنُ أعظَمُ حُرْمَةً عند الله منكِ"، قال الترمذي: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ

، وأخرجه ابن حبان برقم:1494. يُنْظَر: غاية المرام بتخريج أحاديث "الحلال والحرام"، للألباني، برقم420، وقد حسّنه.

ص: 205

هذا في الذي يتتبَّعُ عورات المسلمين؛ فكيف بالذي يتَّهم المسلمين بما ليس فيهم!.

وإذا قال لك مَن هذه حاله: إنه يفعلُ هذا مِن أَجْل الإسلام. فقُلْ له: كَذبتَ، ليس الأمر كذلك؛ لأنَّ هذا الحديث هو كلام رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، والإسلام إنما يؤخذُ عنه وليس عن مثلك!.

وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً: "إنك إنْ اتّبعتَ عورات الناس أفسدتهم، أو كدتَ أن تُفْسِدهم" 1، وقال أيضاً:"إنّ الأميرَ إذا ابتغى الريبةَ في الناس أَفسدهم"2.

* مخادعَةُ الناس والتعاملُ معهم ليس على أساس النصيحةِ، وإنما بهدَفِ تَطَلُّبِ الفضيحة؛ لأن هذا هو الذي يَسرُّ هذا الصنفَ مِن الناس؛ فيُحِبُّ أحدُهم أَن يُثْبِتَ أن فلاناً مبتدعٌ-مثلاً-ويَدْعُوه ذلك إلى أنْ يتخذ عدداً من الأساليب والوسائل المادِّيّة والمعنويّة، غيرَ مشروعةٍ؛ لتحقيق غايته تلك، ولَعَلّه يزورُ-مِن أجْلِ ذلك الغرض- مَن لا يُحِبُّ زيارته، أو مَن لا يُحبُّه، ولعلَّه يستمِعُ لحديث مَن لا يُحِب سماع حديثه، وقد يكون المتحدِّثُ كارهاً كذلك لاستماع ذلك الشخص لحديثه، ثم يُحَوِّر الزائرُ ويُزَوِّرُ في الكلام قصْداً، أو ينقله على غير فهْمٍ، كلُّ ذلك لِيَنْصُرَ الدين ويُحاربَ البدعةَ بزعمه! -والحمد لله على العافية والسلامة مِن مثل هذه الأمراض3.

1 ممن أَخرجه أبو داود برقم4888، وابن حبان برقم5730. يُنْظَر: غاية المرام بتخريج أحاديث "الحلال والحرام"، للألباني، برقم424، وقد صححه.

2 ممن أخرجه أحمد: 6/4، وأبو داود برقم4889. يُنْظَر: غاية المرام بتخريج أحاديث "الحلال والحرام"، للألباني، برقم425، وقد صححه.

3 ولقد يَفعل هذا طالبٌ مع أُستاذه-وهو طالبٌ، وهو مِن أَجهلِ الناس بمنهج السلف وأخلاق الإسلام-. ومتى أَصبح مثْلُ هذا الطالب وليّاً للإسلام وفي مكان الرقيب على شيخه، ومتى أَصبح الشيخ في مكان المتَّهم على الإسلام وأَهله؟!.

ص: 206

ولقد قال النبيّ صلى الله عليه وسلم:

"ومَن استَمَعَ إلى حديث قومٍ وهم له كارهون أو يَفِرّون منه، صُبَّ في أُذنه الآنِكُ1 يوم القيامة"..2. وقد يُعمِي أعمى البصيرة عن استعظام هذا الذنْبِ والنفورِ منه، أَنّ الآنِكَ لَمْ يُصَبَّ في أذنيه بعْدُ؛ لأنّ يوم القيامة لم يأتِ بعْدُ!.

* وقد يزور أحدُهم أخاه المسلمَ، المخالِفَ له في أمورٍ لعلّها اجتهادية، ونتائج الاجتهاد فيها لا تدور بين الكفر والإيمان، وإنما بين: أَخطأتَ، وأَصَبتَ، يَزوره-ليس لله تعالى إنما- لِيَرْصُدَ عليه خطأً أو خطيئةً؛ فبأيِّهما ظَفِرَ فَرِحَ، وقد يُعامله المَزُور بصدقٍ وصفاءٍ، وقد يُسِرُّ إليه بِسِرِّهِ يَظنّه صديقاً صدوقاً، وما عَلِم أنه عَدوٌّ في ثيابِ صَديقِ، وأنه مِن شِرارِ الناسِ ذَوِي الوَجْهين، الذين أخبرَ عنهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم!!.

6-

الظنُّ بأن المسلم المخالِف لا يَصحُّ التعامل معه أو إعطاؤه شيئاً من الحقوق:

يَظن بعض الناس أن المسلم المخالِف له لا يصح التعامل معه ولا زيارته، ولا يصح إعطاؤه شيئاً من الحقوق الشرعية للمسلم على المسلم!. وقد زار النبيّ صلى الله عليه وسلم غلاماً يهوديّاً مَرِض، فقد روى الإمام البخاريُّ في صحيحه: عن أَنسٍ رضي الله عنه، قال: "كان غلامٌ يَهوديٌّ يَخْدِم النبيّ صلى الله عليه وسلم فمَرِض، فأتاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَعُوده، فقَعَد عند رأسه، فقال له: أَسلِ مْ،

1 هو: الرصاص المُذاب، وقيل هو خالصُ الرصاص الفتح12/429.

2 البخاري، التعبير، 45-باب من كَذَب في حُلمهالفتح12/427.

ص: 207

فنَظَرَ إلى أَبيه-وهو عنده-فقال له: أَطعْ أَبا القاسم صلى الله عليه وسلم فأَسلمَ، فخرج النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يقول:"الحمدُ لله الذي أَنقذهُ مِن النار! " 1؛ فهذا يهوديٌّ يَزوره رسول الله المُبَلِّغ عن ربه تبارك وتعالى؛ فأين المفر أيها السادر في هذه الطريق المُظلمة الظالمة باسم الدين، والدِّين لا يُقِرُّ بذاك؟!.

7-

الظن بأن المسلم المخالِفَ يَجوز الكلام في عِرْضه:

يَظن بعض الناس أنه يجوز له أن يَتكلم في عِرْض أخيه المسلم المُخالِف له ويَطعن فيه-بحُكْمِ هذه المخالَفِة-بمختلف أَوجُهِ الطعن بل قد يَزْعم أنّ ذلك يَجِبُ!. ولكن أين الدليل الصحيح الذي يَسْلم الاستدلال به مِن الاعتراض؟! وكيف يُمْكن أنْ يَقُوم دليلٌ على معارضة جمهور الأدلة الشرعية المُحَرِّمةِ ذلك الناهية عنه أشدَّ النهيِ؟!.

8-

زعْمُ التقرُّبِ إلى الله تعالى بأذيِّة المسلمِ أخاه المسلمَ:

يَزعم بعض الناس التقرّبَ إلى الله بأذية أخيه المسلم بأنواعٍ مِن الأذى كتَجهُّمِ الوجه، وعدم ردِّ السلام عليه -تعالى الله عن هذه القُربة-!. وما هذا الخُلُق إلا تعبيرٌ عن انفعالاتٍ نفسيّة وصِفاتٍ شخصيّةٍ يُلْبِسها صاحِبُها لَبوس الدين. ودينُ الله مِنها بُراءٌ! وما هو إلا تأصيلٌ للحقدِ والأذى ومساوئ الأخلاق في مجتمعات المسلمين تأصيلاً دينياً للأسف الشديد، ولكن -بحمد الله- دينُ الله بريءٌ مِن هذا كله، بل قد جاء بضد ذلك، مِن الأخوّة، والعدل، والإنصاف، وحُسْن الظن في مواضعه،

1 البخاري المختصر برقم679، ص159.

ص: 208

وإفشاء السلام، والإحسان، والسماحة، والصدق، والتثبت، وما إلى ذلك مِن معاني الدين ومقاصده وأخلاقه.

وهذه الأوهام يَصعبُ حصرها هنا، وليس هذا مقصوداً في طَرْقِ الموضوع الآن.

د- معارَضَةُ هذه الأوهام لما جاءت به شريعة الإسلام:

ولكن المتعيّن هنا التأكيد على أن هذا كله يتعارض مع ما جاءت به نصوص الشرع من أصولٍ وفروعٍ في هذه الحقوق؛ فعموم الأمر بالسلام، والأمر بِرَدِّه، وعموم الأمر بالكلمة الطيّبة، والصَّدقة، والإحسان إلى الناس، وإلى القريب والجار، وأمثالها، كلُّها عمومات تَرُدُّ على هذه الأغاليط مِن الأفهام. فمثلاً قوله صلى الله عليه وسلم:"مَن كان يؤمِن بالله واليوم الآخِر فلا يؤذِ جاره" 1، وفي روايةٍ:"فلْيُكْرم جاره" 2، وفي روايةٍ:"فلْيُحْسن إلى جاره" 3 وأمثال ذلك، يَرُدُّ على مسالك الفهم المخطِئة تلك -وربما الخاطئة-؛ فليس في هذه الأحاديث -مثلاً- اشتراط شروط لإعطاء حق الجار هذا، ولم تأتِ بقية النصوص بشرط أو شروط مِن هذا القبيل!.

ومِن الأمثلة أَيضاً ما جاء مِن النصوص في تحريم الظلم بصفةٍ عامّة، مثل ما رواه أبو ذرّ، رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، فيما يرويه عن ربّه تبارك

1 البخاري، برقم5672، و4890، ومسلم، في الإيمان، برقم75. ولفظة: فلا يؤذي. جاءت في بعض الروايات بالياء المثنّاة، وفي بعضها بدونها.

2 أخرجه البخاري، برقم5673 ط. البُغا، ومسلم، في الإيمان، برقم:7447.

3 أخرجه مسلم، في الإيمان، برقم76، و7748.

ص: 209

وتعالى أنه قال: "يا عبادي! إنّي حرّمتُ الظلمَ على نفسي، وجعلْتُه بينكم مُحَرّماً؛ فلا تظالموا.." 1؛ فإنّ هذا العموم في تحريم الظلم، أيِّ ظلْم، ولأيّ شخص، ومِن أيّ شخص -حتى حَرَّمه الله على نفسه- عمومٌ ليس له مُخَصِّص! ومَن استحلّ شيئاً مِن الظلم لأحدٍ مِن الناس المسلمين أو الكافرين، بل وظُلم الدواب، بدليلٍ صحيحٍ فلْيُظْهرْه!

بل ذهَب سُموُّ هذا الدين إلى أبعدَ مِن ذلك في أخلاقه وآدابه فجاءت نصوصه وأحكامه بتحريم أن يؤذيَ المسلم أخاه مِن غير قصْد له، كما هو الشأن في التنفير الصارم مِن أكل الثوم والبصل؛ لا لأنهما حرامٌ حرمةً ذاتيّةً، وإنما لكي لا يتأذى منهما المصلّون وملائكة الله2!!.

وقد روى تميم الداريّ، رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:"الدين النصيحة. قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال:" لله، ولرسوله، ولكتابه، ولأئمة المسلمين وعامّتهم" 3؛ فهذا هو الواجب: النصيحة. وبهذا العموم، دون قيدٍ أو شَرْطٍ في أداء هذه النصيحة. وإذا كان الدين النصيحة؛ فإنّ معنى هذا أنّه واجبٌ على كل مسلمٍ أن يكون على النُّصْح، وأن يكون على هذا النصح وَفْقَ ما وَرَدتْ به النصوص من عموم. يقول الإمام ابن حبان مُعلِّقاً على هذا الحديث: الواجب على العاقل لزوم النصيحة للمسلمين كافة، وتَرْك الخيانة لهم بالإضمار، والقول، والفعل معاً؛ إذْ المصطفى صلى الله عليه وسلم

1 مسلم، البر والصلة، برقم552577.

2 مسلم، المساجد ومواضع الصلاة، الأحاديث: 68- 78561-567.

3 مسلم، - الإيمان، ح95 55.

ص: 210

كان يشترط على مَن بايعه مِن أصحابه النصحَ لكل مسلمٍ مع إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة1!!.

ولعلَّ مِن المهم التنبّه هنا إلى أن النُّصْح إما أن يوجَدَ لدى الإنسان، أو يُفْقَدَ، وأنه صفةٌ لا تتجزَّأُ؛ فمن كان ناصحاً مخلِصاً فإنه سيكون ناصحاً مخلِصاً لكلِ مَن أوجب الله له النصيحة والإخلاص؛ فيكون ناصحاً: لله، ولرسوله، ولكتابه، وللأئمة المسلمين، وعامّتهم، ومتى ما رأيت مَن يَدّعي الإخلاص لمجالٍ واحدٍ من مجالات النصيحة دون سواه؛ فاعلم أنه دَعيٌّ وليس كما يقول، فمَن يَزعم الإخلاص لعامّة المسلمين دون وليّ أمرهم، فاعلم أنه ليس على شيءٍ مما يقول، ومَن يَزعم الإخلاص لوليِّ أمر المسلمين في حين أنه غاشٌّ للمسلمين فاعلم أنه ليس كما يَدَّعي!

إنّ كلّ مجالات النُّصْح خُلُقٌ ودِينٌ؛ فلا يَصِحّ التفريقُ بينها، ولا معنى له إلا عدمُ الإخلاص، نسألُ اللهَ منه الخلاص!.

ومِثْل صفةِ الإخلاصِ صفةُ الرحمة؛ فإنك تجد مَن يتصف بها رحيماً في شتى مَوَاطن الرحمة ومجالاتها، لا يَخُصُّ واحداً مِن ذلك عن سواه، أَمّا أن يَرْحم أولاده فقط-مثلاً-ولا يَرحم مَن عداهم فهذه ليست رحمة الإنسان للإنسان أو رحمة الرحيم في مَوَاطن الرحمة، وإنما هي رحمة البهائم ومَن كان في هواه هائماً!!.

وهكذا قُلْ في العموم الذي جاء في باقي النصوص السابقة، وما في معناها، وكذا قُلْ في بقيةِ المعاني في هذا الباب -أعني بابَ المعاملة بين الناس- التي لا

1 "روضة العقلاء ونزهة الفضلاء": 194.

ص: 211

شك في أن مجموعها هو الإسلام -في هذا المجال مِن مجالات الدين- بحِكَمه وأحكامه. وكأننا عنها أو عنه غافلون؛ فإنا لله وإنّا إليه راجعون!.

وليس الغريب ارتكاب هذه الأخطاء فقط، وإنما الحرص عليها واتخاذها ديانةً وقُربةً، والدين لا يُقِرُّ ذلك، وإنما جاء بعكسه!.

- قال جعفر بن محمد: إياكم والخصومةَ في الدين، فإنها تشغل القلب، وتورِثُ النفاق! 1.

- قال الفُضَيل: واللهِ ما يَحِلُّ لك أن تؤذيَ كلباً ولا خنزيراً بغير حقٍّ؛ فكيف تُؤذي مسلماً؟! 2.

وقال الإمام الذهبيّ في مَعْرض تعليقٍ له على حُكم الضحك: وأما التبسُّم وطلاقة الوجه فأرفعُ مِن ذلك كلِّه، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم:"تَبسُّمك في وجه أخيك صَدَقةٌ" 3، وقال جريرٌ:"ما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تَبسَّمَ" 4؛ فهذا خُلق الإسلام، فأعلى المقاماتِ مَن كان بكّاءً بالليل،

1 سير أعلام النبلاء، للذهبيّ، تهذيبه: ص536.

2 سير أعلام النبلاء، للذهبيّ، تهذيبه:663.

3 يُنظر الحديث في ص 194، حاشية 209.

4 أَخرجه مسلمٌ في: فضائل الصحابة رضي الله عنهم، ح1352475، وتمامه: ما حجَبَني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذُ أَسلمتُ، ولا رآني إلا تَبَسّمَ في وجهي.

ص: 212

بسّاماً بالنهار1.

ثم قال: "بقيَ هنا شيءٌ: ينبغي لمن كان ضحوكاً بسّاماً أن يُقصِّر مِن ذلك، ويلومَ نفسَه؛ حتى لا تَمجَّه الأَنفُس، وينبغي لمن كان عبوساً منقبضاً أن يَتبسّمَ، ويُحسِّنَ خُلقه، ويَمْقتَ نفسَه على رداءة خُلقه.

وكل انحرافٍ عن الاعتدال فمذمومٌ، ولا بدَّ للنفسِ من مجاهدة وتأديب! " 2.

وقد عَرفنا مِن خلال النصوص الشرعية خطأَ هذه الظنون، وفداحةَ هذه الأخطاء في الدنيا والآخرة!.

هـ- خلاصةُ ما يؤدي إليه هذا المبحث:

وبِتتبُّعِ هذه النصوص يتبيّنَ لنا ما يلي:

1-

أَن هذه النصوص مِن الكتاب والسنّة ليس لها مُعارِضٌ مِن النصوص الأُخرى.

2-

وأن الأحكام الواردة في الكتاب والسنّة بشأن هذا الموضوع قد شملت ثلاثةَ أنواعٍ مِن الحقوق للمسلم على المسلم، هي: الحقوق التي على القلب، والحقوق التي على اللسان، والحقوق التي على الجوارح الأخرى؛ فمعنى ذلك أن حقوق المسلم على أخيه المسلم قد استغرقت جوارح الإنسان كلها، ومعنى ذلك أيضاً أن حقوق المسلم على المسلم يَجب أن يَتواطأ عليها القلب واللسان وسائر الجوارح!

3-

وأنه ليس في الكتاب والسنّة نصوصٌ ناسخةٌ لهذه النصوص السابقة

1 سير أعلام النبلاء، للذهبي، تهذيبه:747.

2 سير أعلام النبلاء، للذهبي، تهذيبه:747.

ص: 213

وما في معناها.

4-

وأنه ليس بِمَلْكِ أَحدٍ مِن الناس أن يَدّعيَ أن له الحقَّ أن يَنْسَخ كلام الله تعالى أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم!.

5-

وبهذا يَتبين أن هذه النصوص وهذه الأحكام مُحْكمَةٌ غايةَ الإحكام، وأنها:

* مِن خصائص الإسلام العظام.

* ومِن ثمرات الإيمان بالله تعالى.

* ومِن أهمّ وسائل حِفْظ الدِّين وحِفْظ المجتمَع مِن التصدّع والزوال.

* ومِن أهمّ وسائل حِفْظ الحقوق بين كلٍّ مِن الأخ المسلم وأَخيه، والراعي والرعيّة، والكبير والصغير.

* وأنّ كلّ دعوى أو دعوةٍ تقوم على خلاف هذه الأخلاق التي جاءت بها الآيات والأحاديث، أو على مُعارَضتِها، فهي مرفوضةٌ شرعاً وعقلاً وفِطرةً.

ص: 214