الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: أقوالٌ وآراء رائقة في النُّصْح للإمام ابن حزم
توطئة
…
توطئة:
للإمام أبي محمد، ابن حزم أقوالٌ وآراء رائقة في مجال النُّصْح وأساليبه الأخلاقية الشرعية، قد ذكرها، منثورةً غير مُرتّبة، في كتابه: الأخلاق والسير في مداواة النفوس 1. ولِما لتلك الأقوال والآراء مِن أهمية في باب الأخلاق وطُرُق التعامل مع الآخرين تعاملاً حسناً، على وجازتها، جاء الاختيار لِتَتَبُّعِها وجمْعها ونقْلها هنا -بعد إصلاح الأخطاء الطباعية الواقعة في النسخة المطبوعة، ووضْعِ عناوين لها المرجوّ أن تكون مناسِبة-.
1 وهو كتابٌ جِدُّ مهمّ في الأخلاق، واسمٌ مطابِقٌ لمعناه.
1- حكم نصيحة الناصح إذا لم يتمثلها:
"فُرِضَ على الناس تَعَلُّمُ الخير والعمل به، فمن جمع الأمرين فقد استوفى الفضيلتين معاً، ومَنْ عَلِمَهُ ولم يَعْمل به فقد أحسن في التعليم، وأساء في ترْك العمل به، فخَلَط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، وهو خيرٌ من آخَرَ لم يَعْلَمْهُ ولم يَعْمَلْ به، وهذا -الذي لا خير فيه- أَمْثَلُ حالاً، وأقل ذمّاً من آخر ينهى عن تَعَلُّمِ الخير، ويَصدُّ عنه.
ولو لم ينه عن الشر إلا من ليس فيه منه شيء، ولا أمر بالخير إلا مَنْ استوعبه، لما نهى أحدٌ عن شر، ولا أمر بخير بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وحَسْبُكَ بمن أدّى رأيه إلى هذا فساداً وسوء طبع وذمِّ حال. وبالله التوفيق.
قال أبو محمد رضي الله عنه فاعترض هاهنا إنسان فقال: كان الحسن- رضي الله عنه إذا نهى عن شيء لا يأتيه أصلاً، وإذا أَمر بشيء كان شديد الأخذ
به، وهكذا تكون الحكمة، وقد قيل: أقبح شيء في العالم أن يأمر بشيء ولا يأخذ به نفسه، أو ينهى عن شيء يستعمله.
قال أبو محمد: كَذَبَ قائل هذا، وأقبحُ منه من لم يأمر بخير، ولا نهى عن شر، وهو مع ذلك يعمل الشر ولا يعمل الخير.
قال أبو محمد: وقد قال أبو الأسود الدُّؤلي:
لا تنهَ عن خُلُقٍ وتأتي مثله
…
عارٌ عليك إذا فعلت عظيم
وابدأ بنفسك فانهها عن غيّها
…
فإذا انتهتْ عنه فأنت حكيم
فهناك يُقْبَلُ إن وعظتَ ويُقْتدى
…
بالعلم منك وينفع التعليم
قال أبو محمد: إن أبا الأسود إنما قَصَدَ بالإنكار المجيء بما نَهَى عنه المرء، وأنه يتضاعف قبْحه منه مع نهيه عنه، فقد أحسن، كما قال الله تعالى:{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} 1، ولا يُظن بأبي الأسود إلا هذا.
وأما أن يكون نهى عن النهي عن خُلُقٍ مذموم، فنحن نعيذه بالله من هذا، فهو فعْل من لا خير فيه، وقد صح عن الحسن أنه سمع إنساناً يقول: لا يجب أن ينهى عن الشر إلا من لا يفعله. فقال الحسن: وَدَّ إبليس لو ظفر منَّا بهذه حتى لا ينهى أحدٌ عن منكر، ولا يأمر بمعروف. وقال أبو محمد: صَدَقَ الحسن، وهو قولنا آنفاً، جَعَلَنا ممن يوفَّق لفعل الخير والعمل به وممن يبصر رُشْدَ نفسه، فما أحدٌ إلا له عيوب، إذا نظرها شغلته عن
1 44: البقرة: 2. وتمام الآية: {وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون} .