الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: خُلق التعامل مع المخالِف المسلم
أوّلاً: أُصول المعاملة الواجبة شرعاً:
حَدّد اللهُ الخالقُ سبحانه صُوَر التعامل الواجب بين الناس والأخلاقَ المتعيّنة عليهم تجاه بعضهم بعضاً، كما حدّد الخُلق الواجبَ على المخلوقين تجاه الخالق سبحانه.
ومما أوضحه الله للناس طريقة معاملة المسلم لأخيه المسلم، سواء في حال خلافه أو في وفاقه معه.
فما الواجب بصورة عامّة على المسلم في تَعامله مع أخيه المخالف له؟
إنّ القاعدة العامّة الواجبةَ الاتّباعِ هنا هي: مراعاة الأخوّة بينهما، ومراعاة حقوق هذه الأخوّة، والتزام حُسْن الخُلق بصورة مطّردة، ومحبة الأخ لأخيه الخير كما يُحبُّه لنفسه، وتحريم أذيّته، وتحريم عِرْضه ودمه وماله. وفيما يلي النصوص الشرعية الدّالّةُ على هذه الواجبات والحقوق
بين المسلم وأخيه.
أ- الآيات في الموضوع:
فيما يلي بعض الآيات مِن كتاب الله تعالى الشاهدة بهذه المعاملة الواجبة شرعاً، فمنها قوله تعالى:
1-
في تقرير مبدأِ الأخوّة الإيمانيّة بينهم جميعاً:
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ
…
} 1.
2-
في وصْف النبيّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين:
{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ
…
} 2.
3-
في وصْف الأنصار مِن أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم -بعدَ أَن ذَكَر المهاجرين- وفي وصْفِ المؤمنين مِن بَعْدهم3:
{وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ
1 10: الحجرات: 49.
2 29: الفتح: 48.
3 وهذا مِنْ معناه: أَنه يجِبُ أَن يكون المؤمنون مِن بَعْدهم هكذا، وأَن هذه صِفَتهم؛ فَلْيُحاسِبْ امرؤٌ نفْسهُ قِبْل أَن يَفوت وقت المُهلة ولا يَبقى إلا حسابُ الله تعالى العالمِ السرَّ والجهرَ على السَّوَاء!.
كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَاغِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} 1 ويُلاحَظُ العموم في الذين آمنوا، والتنكير في غِلاًّ لِيَصْدقَ على أي غِلٍٍّ ولو قليلاً!!.
4-
في تحريم موالاة المسلم للكافرين من دُونِ المؤمنين:
{لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} 2،وقال سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً} 3، وقال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ
…
} 4.
5-
في تحريم قتل المسلم لأخيه:
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً
…
} الآية 5، وقال عز وجل: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ
1 9-10: الحشر: 59.
2 28: آل عمران: 3.
3 144: النساء: 4.
4 71: التوبة: 9.
5 92: النساء: 4
عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} 1. بل أَوجب الله على عباده المؤمنين حقوقاً أَحياناً للمشركين، فضلاً عن المسلمين-مِن أَجْل تبليغ الإسلام وإقامة الحجّة وإنقاذ الناس من النار-فقال سبحانه في كتابه العزيز: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ} 2!!.
6-
في اتّهام المسلم لأخيه في عقيدته ونيّته:
{
…
وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
…
} 3.
7-
وقال سبحانه حكايةً لِدُعاء رسوله نوحٍ:
8-
في مبدأِ التحية بينهم:
1 93: النساء: 4.
2 6: التوبة: 9.
3 94: النساء: 4.
4 28: نوح: 71.
5 86: النساء: 4.
9-
في إنْكاره تصديق بعض المسلمين لِحادثِ الإفك:
10-
في شأن المشركين أَعداءِ المسلمين:
{لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلّاً وَلا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ} 2.
ويَصعبُ حَصْرُ الآيات في هذا الموضوع؛ فإنها كثيرةٌ ومجالاتها متعددةٌ، وأبواب الوقوف عليها في الكتاب العزيز متعددةٌ كذلك، ومِن ذلك موضوعاتٌ وآياتٌ لم يُذْكَر فيها لفظ "الأُخُوّة" ولا لفظ "المعامَلة"، ومع هذا هي في صميم الموضوع، ومِن ذلك: ما جاء في القرآن الكريم في الأمر بالبِرّ والمعروف والخير والعَدل والإنصاف3 والإحسان، وما جاء في منع الظلم والاعتداء والأذى بصورةٍ عامّةٍ.
1 12: النور: 24.
2 10: التوبة: 9.
3 لقد تتبَّعتُ الآيات في موضوع العدل والإنصاف؛ فانكشفَ لي ذلك عن جانبٍ مِن سموّ الأخلاق والمعاملة- فيما يجب أَن يَك
ون عليه عبادُه المؤمنون في التعامل والسلوك-سُموّاً لا يتخيّلُه مَن لم يتلقّ ذلك مِن هذا الدِّين الإلهيّ المِنْحةِ الربّانية التي يَرْفِضها مَن عَشِيَتْ قلوبهم وأَبصارهم عنه!. وقد أَخبر الله تعالى أَنّ هذه سنّته فيما يُعامِل به اللهُ عز وجل عبادَه في باب الحساب والجزاء، وأنّهم بين فضْله وعدله لا يَنْفكّون عن أحدِهما!.
ب- الأحاديثُ في الموضوع:
فيما يلي بعض الأحاديث النبوية الشاهدة أيضاً بهذه المعاملة الشرعيّة الواجبة على كل مسلمِ تُجاه أَخيه المسلم؛ فمِن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:
1-
في تحديد مَن هو المسلم الذي له حقوق المسلم:
"من صلّى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا؛ فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمّة رسوله، فلا تُخْفِروا الله في ذمته"1.
2-
في تحريم عِرْض المسلم ودمه وماله:
"كلُّ المسلم على المسلم حرامٌ: دمه، وماله، وعِرْضه"2.
3-
في اتّباع جنازة المسلم عموماً والصلاة عليه:
"من اتبع جَنَازَةَ مسلمٍ إيماناً واحتساباً، وكان معه حتى يُصلَّى عليها، ويُفرغَ من دفنها، فإنه يرجع من الأجر بقيراطين، كل قيراطٍ مثل جبل أُحد، ومن صلّى عليها ثم رجع قبل أن تُدفن فإنه يرجع بقيراطٍ"3.
1 البخاري المختصر برقم 257 ص76.
2 جاء هذا اللفظُ في الرواية مستقِلاًّ عند أَبي داوُد، في الأدب، ح4882، 5/195-196، ط. الدعاس، وجاء جُزْءاً من حديث:"المسلم أَخو المسلم.." عند مسلمٍ، في إحدى رواياته، في الصحيح: البر والصلة والآداب، ح 32 2564، شرح النوويّ:16/120-121.
3 البخاري المختصر برقم 44 ص33.
ولَمْ يُحدِّد مَن يكون هذا سوى أَن يكون مسلماً، ولَمْ يَذْكُر له صِفاتٍ مخصوصَةً، يكفي أَن يكون مسلماً، والله هو الذي يَتولّى سرائرَ الناس.
4-
في تحريم معاداة المسلم وإيذائه:
قال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسيّ أَن الله تعالى قال: "مَنْ عادى لي وَليّاً فقد آذنته بالحرب"1.
وقال صلى الله عليه وسلم: "من كانت له مَظْلَمَةٌ له لأخيه: من عِرْضِه، أو شيء؛ فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم؛ إن كان له عملٌ صالِحٌ أُخِذَ منه بقدْر مَظْلَمَتِهِ، وإن لم تكن له حسناتٌ أُخذ من سيئات صاحبه فحُمِلَ عليه"2.
وقال صلى الله عليه وسلم: "أَتدرون مَن الْمُفْلِسُ؟ " قالوا: الْمُفْلِسُ فينا مَن لا دِرهمَ له ولا متاعٌ. فقال: "إنّ الْمُفْلِسَ مِن أُمّتي مَن يأتي يوم القيامة بصلاةٍ، وصيامٍ، وزكاةٍ، وقد شتمَ هذا، وقذَفَ هذا، وأَكل مال هذا، وسفكَ دمَ هذا، وضربَ هذا؛ فيُعطَى هذا مِن حسناته، وهذا مِن حسناته؛ فإنْ فَنِيَتْ حسناتُه قبْلَ أَن يُقضى ما عليه أُخِذ من خطاياهم فَطُرِحتْ عليه؛ ثم طُرِحَ في النار"3.
1 البخاري المختصر برقم 2117 ص483.
2 البخاري المختصر برقم 1118 ص244-245.
3 أَخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، ح58 2580، شرح النووي: 16/135-136.
وعن جابرٍ قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنّ الشيطان قد أَيسَ أَن يَعْبُدَهُ المُصَلُّون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم"1.
5-
وقال في فضلِ قضاء المسلم حاجة أخيه وتحريم أَذيّته أيضاً:
"المسلمُ أَخو المسلم لا يَظْلمه ولا يُسْلمه، مَن كان في حاجةِ أَخيه كان الله في حاجته، ومِن فَرَّج عن مسلمٍ كربةً فَرَّج الله عنه بها كربةً مِن كُرَبِ يوم القيامةِ، ومَن سَتَرَ مسلماً سترهُ الله يوم القيامة" 2!!.
فما أَعظمَ فضلَ الله، ولكنّا عن هذا غافلون، إنّا لله وإنّا إليه راجعون! وما بالُك بِمَن يَعكِسُ هذه الأخلاقَ، كما نشاهده مِن بعض المسلمين اليوم! أَليس العقاب على ذلك بعكسِ الثوابِ على هذه؟! وهذا زيادةٌ على ما وَردَ من عقوباتٍ عليها بخصوصها، نسأل الله السلامة والعافية، وأَن لا يَحْرِمنا فضله ورحمته بسوء أعمالنا. وانظر كم الفرق بين أن يَظلم الإنسان أخاه وبين أن لا يُسْلمه، وكم هو الفرق بين أن لا يُسْلمه وبين أن يَطْلبه هو ظُلْماً وعدواناً، بل لعلَّه يَطْلبه في دينه وعقيدته ونيّته!!.
وقال صلى الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً
…
" 3.
وقال صلى الله عليه وسلم: "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قال: يا رسول الله: هذا
1 مسلم، صفات المنافقين وأحكامهم، برقم652812.
2 مضى تخريجه في الحاشية رقم 198.
3 البخاري المختصر برقم 2026 ص468.
ننصره مظلوماً، فكيف ننصره ظالماً؟ قال:"تأخذ فوق يديه"1.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يَرْمي رجلٌ رجُلاً بالفسوق، ولا يرميه بالكفر إلا ارتدّتْ عليه إن لم يكن صاحبُهُ كذلك" 2!
وقال صلى الله عليه وسلم: "
…
ومَن لَعَن مؤمناً فهو كقتله، ومَن قَذَف مؤمناً بكفرٍ فهو كقتله" 3!.
وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يَدْخل الجنة قتّاتٌ"4. والقتّات هو النمّام الذي يسعى بالحديث بين الناس لإفسادِ ما بينهم.
وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تَباغَضوا ولا تحاسَدوا ولا تَدَابروا وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يَحِل لمسلم أن يَهْجر أخاه فوق ثلاثة أيام"5.
وقال صلى الله عليه وسلم: "إياكم والظن؛ فإنّ الظن أكذبُ الحديث، ولا تحسّسوا ولا تجسّسوا، ولا تَناجشوا، ولا تَحاسدوا، ولا تَباغضوا، ولا تَدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً" 6!.وسَرِّح الطَّرْف في حال كثيرٍ مِن المسلمين اليوم في هذه المعاني؛ فماذا عسى أَن تقول؟!.
1 البخاري المختصر برقم 1116 ص244.
2 البخاري المختصر برقم 2030، ص469.
3 البخاري المختصر برقم 2031، ص 469.
4 البخاري المختصر برقم 2032، ص469.
5 البخاري المختَصَر برقم 2034، ص 469.
6 البخاري المختَصَر برقم 2035، ص 469.
6-
في الحث على حُسْن معاملة المُسْلِم بصفةٍ عامّة:
قد أوجَبَ الله تعالى للمسلم على المسلم حقوقاً محدَّدة، وحقوقاً عامّة مُطْلقةً، يَجْمعها حُسْن المعاملة؛ بإيصال البر وكَفِّ الأَذى، بما في ذلك حُسْن الاستقبال، والبشاشة والبِشْر، وطلاقة الوجه، وإظهار السرور بمقابلتِه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"تَبَسُّمُكَ في وجْه أخيك لك صدقةٌ، وأَمْرك بالمعروف ونَهْيُك عن المنكَرِ صَدَقَةٌ، وإرشادك الرَّجُلَ في أرض الضلال لك صَدَقَةٌ، وبَصَرُك للرَّجل الرديء البصر لك صَدَقةٌ، وإماطتك الحجر والشوكَ والعظمَ عن الطريق، لك صَدَقةٌ، وإفراغُك مِن دَلْوِكَ1 في دَلْوِ أَخيك لك صَدَقَةٌ" 2، ولاحِظْ قوله صلى الله عليه وسلم:لك صَدَقَةٌ، لك وليس على أَخيك!! وقال:"لاتحقرنّ من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طَلْقٍ" 3، وقال البراء بن عازب رضي الله عنه:"أَمَرَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبعٍ، ونهانا عن سبعٍ: أَمَرَنا باتّباع الجنائز، وعيادة المريض، وإجابة الداعي، ونَصْر المظلوم، وإبرار القَسَم، وردِّ السلام، وتشميت العاطس،.." 4، وقال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده،
1 الدَّلْوُ هو: شيء مِن جِلْدٍ ونحوه، يُنْزَعُ به الماء مِن البئر.
2 الترمذيّ، البر والصلة، 36-باب ما جاء في صنائع المعروف، برقم1956، وقال: حسنٌ غريب، وقد ذَكَره الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذيّ برقم1594، وفي سلسلة الصحيحة572.
3 مسلم، البر والصلة، ح1442626،نسخة شرح النووي:16/177. وقد قال أحد الصحابة، رضوان الله عليهم: البِرُّ شيءٌ هَيّن: وجْهٌ طليق، وكلامٌ لَيّن!!.
4 البخاري المختَصَر برقم 2035، ص 469.
لا تَدْخلون الجنّة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أَوَ لا أَدلُّكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم؟ أَفشوا السلام بينكم" 1، ولاحِظْ قوله صلى الله عليه وسلم:"ولا تُؤمِنوا حتى تحابُّوا"، ولاحِظْ العموم في مخاطبة المؤمنين جميعاً بهذا الخطاب، وإثبات هذا الحقَّ لهم جميعاً، ولم يَستثنيَ-مثلاً- عاصياً، أَو مبتدِعاً!!.
وقال صلى الله عليه وسلم: "فُكُّوا العاني [يعني الأسير] وأَطعِموا الجائع، وعُودُوا المريض" 2، وقال صلى الله عليه وسلم:"حَقُّ المسلم على المسلم خمسٌ: رَدُّ السلام، وعيادة المريض، واتّباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس"3. وكم مِن المسلمين اليوم مَن قد عَكَسَ هذه الأخلاق بضدّها، كأنّ الله سبحانه قد نهاه عن هذه وأَمَرَهُ بذلك!!.
وقد جاءت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل الخُلُق الحسن وثوابه، مِن ذلك قوله:"ما من شيء أَثقلُ في ميزان المؤمن يوم القيامة مِن خُلُقٍ حَسَن؛ فإنّ الله تعالى لَيُبْغِضُ الفاحش البذيء"4، وقال صلى الله عليه وسلم:"ما من شيءٍ يُوضَع في الميزان أَثقلُ مِن حُسن الخُلُق، وإنّ صاحِبَ حُسن الخُلُق لَيَبْلُغُ به دَرَجَةَ صاحِبِ الصوم والصلاة" 5، وعن أبي هريرة
1 مسلم، الإيمان، ح9354.
2 البخاري المختصَر برقم1301، ص294.
3 البخاري، الجنائز، برقم1183. ط. البُغا.
4 الترمذيّ، برقم2002،. وذَكَره الشيخ الألبانيّ في صحيح الترمذي برقم1628.
5 الترمذيّ، برقم2003، وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه. وذَكَره الشيخ الألبانيّ في صحيح الترمذي برقم1629.
رضي الله عنه قال: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أَكثر ما يُدْخلُ الناسَ الجنّةَ، قال: "تقوى الله وحُسْن الخُلُق". وسئل عن أكثر ما يُدْخل الناسَ النارَ، قال: الفم والفرْجُ"1. وأَخرج الترمذيّ بالسند عن عبد الله بن المبارك أنه وَصَف حُسن الخُلق، فقال: "هو بَسْط الوجه، وبَذْل المعروف، وكَفُّ الأذى" 2!!. وقال صلى الله عليه وسلم: "اتّقِ دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب"3.
ويَصْعُبُ أَن نَحْصر الأحاديث في هذا المعنى، شأنها شأن الآيات على ما سَبَق بيانه عند الحديث عنها.
والحقُّ أَنِّي مُعْجَبٌ ومُنْدَهِشٌ أَيضاً مِن كثرة أَحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الباب وشمولها واستغراقها لكل صُوَرِ التعامل ومجالاته، وكلُّها عدلٌ ورحمةٌ وإحسانٌ وهُدىً واستقامةٌ، ولا أَدري كيف صُرِفَتْ أَبصارُ أَقوامٍ من المسلمين عنها إلى ضدّها تماماً، نسأل الله عفواً وسلاماً!!. ربنا لا تُزِغْ قلوبنا بعد إذْ هديتنا، وهَبْ لنا مِن لدُنك رحمةً.
وحسْبُك أَيها المسلم الصادق أَن تَقرأَ في هذه المعاني الجميلة هذه النصوص الجميلة المحبَّبة إلى النفس وإلى كل فطرةٍ سويّةٍ، وأَن تستسلمَ لها بقلبٍ سليمٍ، وأَن تَدَعَ كل ذي خُلُقٍ لئيمٍ، في غوايته يَهِيم، وتلتزم
1 الترمذيّ برقم2004، وقال: هذا صحيح غريب. وذَكَره الشيخ الألبانيّ في صحيح الترمذي برقم1630.
2 الترمذيّ برقم2005. وذَكَره الشيخ الألبانيّ في صحيح الترمذي برقم1631.
3 الترمذيّ برقم2014، وقال: هذا حسنٌ صحيح. وذَكَره الشيخ الألبانيّ في صحيح الترمذي برقم1638.
الصراط المستقيم، وتستعيذ بالله مِن الشيطان الرجيم، وتَدَع الجدال في الدين، وتبتعد عن مماراة الجاهلين والحاقدين على المسلمين -باسم الحرص على الدين-وأن تختصِرَ الطريق على نفسك بالاستمساك بكل ما جاءك عن الله عز وجل وعن رسولِه الكريم الذي لا يَنطقُ عن الهوى، وأن تَعْلم أنه صلى الله عليه وسلم قد بَلَّغَ البلاغ المبين، ولم يَتْرك مجالاً للزائدين والناقصين في الدين قليلاً ولا كثيراً، وأنْ تُلْزِمَ نفسَك بأن لا تَترك الحديث إلا لحديث مِثْلهِ يَقْضِي بتركه-بنسْخٍ أو تخصيصٍ أو تقييدٍ- وأَنّ عمومات أَلفاظ الكتاب والسنّة ومُطْلقها ليس لأحدٍ مِن البشر أَن يُخصِّصها أَو يُقيّدها-مِن تِلقاء نفسه، بغير آيةٍ أو حديث-إِلا أَن يَدّعي أَنه رسول جديد!!.
وحَسْبك أَن تقرأَ النصوص الشرعيّة على ما أَراد الله بها، دون تأويلٍ متَكَلَّفٍ!.
وحَسْبك دليلاً على بطلان الباطل والمسالك الحائدة عن هدايات هذه النصوص أَن تقرأَ على الباطل وأَهله الآيات والأحاديث، وكفى!.
ثم: الإيمان، والفطرة، والعقل، كلها تشهد مِن داخلِ الإنسان بما جاءت به نصوص الكتاب والسنّة. وأَصولُ منهج أَهل السنة والجماعة على هذا المنهج، وبه عَظُمتْ هذه الأصول عند مَن عَرَفها.!!.
ج- الدَّلالةُ العامّةُ لهذه النصوص:
وهذه النصوص من الكتاب والسنّة، وما في معناها، عامّة الدلالة بحيث تَستغرِق كل الأحوال، وتستغرِق كل الأشخاص، من الطرفين
المتعامِلَين؛ فإنها لم تُحدِّد ظرفاً أو حالةً لتطبيق هذه الأخلاق فيها، ولا شخصاً أو أشخاصاً مِن المسلمين لالتزام هذه الأخلاق معهم، لا بأشخاصهم وأعيانهم، ولا بصفاتٍ أخرى زائدةٍ على ما جاء في النصوص هذه؛ بحيثُ يتعلق بها الحكم؛ فإذَنْ يَبْقى هذا العموم الذي جاء به كلام الله وحديث رسوله كما هو؛ فلا يُخرَجُ عنه إلا باستثناءٍ مِن الله أو مِن رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يَرِد عنهما استثناءٌ في الواقع.
وبناءً على ذلك فإن الواجب على كل مسلم أن يسير في معاملته لإخوانه المسلمين وعلاقاته معهم وَفْق هذه الأخلاق؛ التي عليها مدار صلاحِ ذات بينهم، واستقامتُهم في دينهم، وبالخروج عن ذلك فساد حالهم في الأمْرين.
لقد رَبَط الله عز وجل هذه الحقوق الإيمانيّة الأخويّة بدينه، يتجلى هذا في كلٍ من جانِبَي الإيمان والتشريع، فمِن حقوق الإيمان الالتزام بهذه الواجبات تجاه كل مؤمن، ومِن الأخذ بشرع الله سبحانه الالتزام بهذه الواجبات للمسلمين، ولذلك فإن مِن مَواطِن ذكْر الأحاديث في هذا الموضوع كِتاب الإيمان من كُتُب السنّة-إضافةً إلى كتاب الأدب، والبر والصلة، وكتاب المظالم وغيرها- لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد رَبَطها بالإيمان.
كما أن التشريع والأحكام كثيرٌ منها قد جاء لصيانة الأخوّة والحقوق بين المسلمين وجمْع كلمتهم، والحفاظ على وحدتهم، سواء ما يتعلق بالبيوع والمعاملات أم ما يتعلق بسواها!.
وقد جاءت النصوص بإثبات هذه الحقوق والواجبات بين المسلمين بصفةٍ عامّةٍ لا تُسقطها معصيةٌ ولا خلافٌ باسم الدين أم الرأي أم بأي
سببٍ آخر، وفي الحديث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه:"أن رجلاً كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله، وكان يُلَقّبُ حِماراً، وكان يُضحِك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قدْ جَلَده في الشراب، فأُتي به يوماً، فأَمر به فجُلِد، فقال رجلٌ مِن القوم: اللهم الْعَنْه، ما أَكثرَ ما يؤتى به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تَلْعنوه، فوالله ما عَلِمتُ إلا أنه يُحبُّ اللهَ ورسولَه" 1.
وانظرْ إلى التجانس في المعنى في قوله صلى الله عليه وسلم "المؤمن للمؤمن كالبنيان يَشُدُّ بعضه بعضاً.." 2؛ فالمؤمن هذا شأنه، والإيمان هذا أَثَرُه، فمن ادّعاه فليَنْظر في مدى اتّصافه بهذه الصفة، والتجانس كذلك بين صفة الإيمان ومعاملة المؤمن!! والتجانس كذلك في قوله:"لا يُؤمِن أَحدكم حتى يُحِبَّ لأخيه مثلَ ما يُحِبُّ لنفسه.." 3، والتجانس كذلك بين الإسلام وسلامة المسلمين مِن يَدِ المسلم ولِسانه في قوله صلى الله عليه وسلم:"المسلم مَن سَلِم المسلمون مِن لسانه ويَدِهِ.."4. وفي الحديث عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: قالوا: يا رسول الله أَيُّ الإسلام أفضل؟. قال: "مَن سَلِم المسلمون مِن لسانه ويَدِهِ
…
" 5!!.
وانظرْ كيف عَرَّف النبي صلى الله عليه وسلم المسلم بما يُشْعِرُ بالْحَصْرِ بأن: "المسلم
1 البخاري المختَصَر برقم 635، ص 150.
2 مضى تخريجه في الحاشية رقم 201.
3 البخاري المختَصَر برقم 13، ص 27.
4 البخاري المختَصَر برقم 10، ص 27.
5 البخاري المختَصَر برقم 11، ص 27.