الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وضعْف التمييز والعقل وقلة الفهم، بحيث لا يتخلف عنه متخلف من الأرذال، وبحيث ليس تحته منزلة من الدناءة، فليتدارك نفسه بالبحث عن عيوبه، والاشتغال بذلك عن الإعجاب بها وعن عيوب غيره التي لا تضره لا في الدنيا ولا في الآخرة.
وما أدري لسماع عيوب الناس خصلة إلا الاتعاظ بما يسمع المرء منها، فيجتنبها ويسعى في إزالة ما فيه منها بحول الله تعالى وقوّته.
وأما النطق بعيوب الناس فعيب كبير، لا يسوغ أصلاً، والواجب اجتنابه، إلا في نصيحةِ مَنْ يتوقع عليه الأذى بمداخلة المعيب، أو على سبيل تبكيت المعجَبِ فقط في وجهه لا خلْف ظهره، ثم يقول للمعجَبِ: ارجع إلى نفسك، فإذا ميزت عيوبها فقد داويت عجبك، ولا تُمَثِّلْ بين نفسك وبين من هو أكثر عيوباً منها1، فتستسهل الرذائل، وتكون مقلِّداً لأهل الشر، وقد ذُمَّ تقليد أهل الخير، فكيف تقليد أهل الشر؟!. ولكن مثّل بين نفسك وبين من هو أفضل منك، فحينئذٍ يتلفُ عُجْبك، وتفيق من هذا الداء القبيح الذي يُولِّد عليك الاستخفاف بالناس -وفيهم، بِلَا شك، من هو خير منك- فإذا استخففتَ بهم بغير حقٍ استخفّوا بك بحقٍ؛ لأن الله تعالى يقول:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} 2، فتُولّد على نفسك أن تكون أهلاً للاستخفاف بك، بل على الحقيقة، مع مقتِ الله عز وجل وطمْس ما فيك من فضيلة
…
" 3.
1 أي لا تقايس نفسك بمن هو أكثر منها عيوباً فيكون ذلك سبباً لاستسهال الرذائل.
2 40: الشورى: 42.
3 الأخلاق والسير
…
: 65 - 66.
11- أدب الحضور لمجالس العلم:
"إذا حضرتَ مجلس علمٍ، فلا يكن حضورك إلا حضور مستزيدٍ علماً
وأجراً، لا حضور مستغنٍ بما عندك، طالباً عثرةً تُشيعها، أو غريبةً تُشنّعها؛ فهذه أفعال الأرذال الذين لا يفلحون في العلم1 أبداً.
فإذا حضرتها على هذه النية، فقد حصّلتَ خيراً على كل حال، وإن لم تحضرها على هذه النية، فجلوسك في منزلك أَرْوَحُ لبدنك، وأكرم لِخُلُقِك، وأسلمُ لدينك.
فإن حضرتها كما ذكرنا، فالتزمْ أحدَ ثلاثة أوجهٍ، لا رابع لها، وهي:
- إما أن تسكت سكوت الجهّال؛ فتحصل على أجر النية في المشاهدة، وعلى الثناء عليك بقلة الفضول، وعلى كرم المجالسة، وموَدّة مَن تُجالس.
- فإن لم تفعل ذلك، فاسأل سؤال المتعلم؛ فتحصل على هذه الأربع محاسن، وعلى خامسةٍ، وهي: استزادة العلم.
وصفة سؤال المتعلم أن تسأل عما لا تدري، لا عما تدري؛ فإنّ السؤال عما تدريه سُخفٌ، وقلةُ عقل، وشغلٌ لكلامك، وقطعٌ لزمانك بما لا فائدة فيه، لا لك ولا لغيرك، وربما أدّى إلى اكتساب العداوات، وهو -بَعْدُ- عينُ الفضول؛ فيجب عليك أن لا تكون فضولياً؛ فإنها صفةُ سوءٍ.
فإنْ أجابك الذي سألتَ بما فيه كفاية لك، فاقطع الكلام، وإنْ لم يُجبك بما فيه كفاية، أو أجابك بما لم تفهم؛ فقلْ له: لم أفهم، واستزدْه، فإنْ لم يَزدْك بياناً وسكتَ، أو أعاد عليك الكلام الأول، ولا مزيد؛ فأمسك عنه؛ وإلا حصلتَ على الشر والعداوة، ولم تحصل على ما تريد من الزيادة.
- والوجه الثالث: أن تُراجع مراجعة العالم.
1 في المطبوع: "العالم" وهو تصحيف.
وصفة ذلك أن تُعارض جوابه بما يَنقضه نقضاً بيّناً، فإن لم يكن ذلك عندك، ولم يكن عندك إلا تكرار قولك، أو المعارضة بما لا يراه خصمك معارضةً؛ فأمسك؛ فإنّك لا تحصل بتكرار ذلك على أجرٍ، ولا على تعليمٍ، ولا على تعلّمٍ، بل على الغيظ لك ولخصمك، والعداوةِ التي ربما أدّت إلى المضرّات.
وإياك وسؤال المعنت، ومراجعة المكابر، الذي يطلب الغَلَبَةَ بغير علمٍ؛ فَهُما خُلُقا سوءٍ، دليلان على قلةِ الدين، وكثرة الفضول، وضعف العقل، وقوّة السخف، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وإذا وردَ عليك خطابٌ بلسانٍ، أو هجمتَ على كلامٍ في كتابٍ؛ فإياك أن تُقابله مقابلة المغاضبةِ الباعثة على المغالبة، قبلَ أن تتبيّن بطلانه ببرهانٍ قاطعٍ، وأيضاً فلا تُقْبلْ عليه إقبال المصدّق به، المستحسن إياه، قبْلَ علمك بصحته ببرهانٍ قاطعٍ؛ فتَظلم في كلا الوجهين نفسك، وتبتعد عن إدراك الحقيقة، ولكن أَقْبِل عليه إقبال سالمِ القلب عن النزاع عنه، والنزوع إليه، إقبال مّن يُريد حظ نفسه في فهم ما سمع ورأى، فالتزيّد به علماً، وقبوله إن كان حسناً، أو ردّه إن كان خطأً؛ فَمَضْمونٌ لك-إن فعلتَ ذلك-: الأجر الجزيل، والحمد الكثير، والفضل العميم1!!.
1 "الأخلاق والسير في مداواة النفوس": 90-91.