الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخاتمة
نسأل الله حسنها
إخوتاه ..
ما زالت رياض الأخوة تجمعنا، وما زلت أذكرك بأخيك، ما زلت ألتمس لك رفقة إيمانية تعينك على طاعة الله، تجتمع معها لتتذاكر ويعظ بعضكم بعضًا، أراك قد فترت همتك وأنت في أول درب الالتزام، ولعل بعدك عن الحدب الأخوي عن الأجواء الإيمانية من وراء ذلك الفتور، فهلا شمرت ساعد العزم وبحثت لك عن رفيق الإيمان، ولن تعدم وجوده إذا فكرت فيه قبل أن تفكر في نفسك، إذا أخذت بالأسباب التي سقتها إليك، وتباعدت عن النواقض التي بنيتها لك، وصارت الثمرات نصب عينيك لن تعدم هذا الأخ ـ علم الله ـ
إخوتاه ..
أنت كثير بأخيك، كان أيوب السختيانى يقول: إذا بلغني موت أخ من إخواني فكأنَّي سقط عضو منى.
إخوتاه ..
للأخوة لغة خاصة لا يعرفها إلا من عاشها، ولا يفهمها ولا يعلمها إلا من تذوق حلاوة الحب في الله، إن سم الخياط لا يضيق على المتحابين، والدنيا على سعتها لا تسع المتباغضين.
أخي وحبيبي في الله ..
امش ميلا وعد مريضا، وامش ميلين وأصلح بين اثنين، وامش ثلاثة وزر أخا في الله، هذا جمال الأخوة ما أروعه، هذه نسمته ما أجملها، تلك روضاته ما أحلاها.
فالأخوة الترنيمة الجميلة التي تهدأ بها النفوس، الأخوة الواحة التي في ظلها تستريح القلوب.
كان محمد بن واسع يقول: لم يبقَ من حلاوة العيش إلا ثلاث: الصلاة في جماعة، وكفاف من معاش، وأخ يحسن المعاشرة.
آهٍ
…
والله إنَّ المؤمنين لفي نعيم عظيم، فمن عاش الصلاة قرت عينه، ولن تقر عينه بشيء مهما عظم عند الناس من أمور الدنيا فكل شئ منها زائل، وكل شئ منها ناقص، والأصل في نعيم الدنيا التنغيص فهل من متدبر؟!!
آهٍ
…
لو ذاق الناس حلاوة الصلاة، يقوم يصلى ثم ينتظر الصلاة التالية ليزداد نعيمه، يتذوق من حلاوة الإيمان ما لا يعرفه إلا مجرب، ثم إذا مات وجد الصلاة في انتظاره عند رأسه في القبر تدافع عنه ويوم القيامة تحاج عن صاحبها.
آهٍ
…
لو عرفنا الكفاف، والرضا عن الله والرضا بالله، وتمنيت لو رضى الله عنك، لا أن تطلب المال، وتجعله شغلك، فما المال في كل حالاته بخير للعباد لو فطنوا، " قد أفلح من أسلم، ورزق كفافا، وقنعه الله بما آتاه "(1) هذه شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم
أما الثالثة فهي محل الشاهد " أخ يحسن المعاشرة ".
قال ابن الجوزي: " وأخ مخلص وفي أندر من عنقاء مغرب ".
فهذا الأمر نادر، لكنه لا يكون نادرا بإذن الله لو تعاهدنا وتصافينا ووضعنا أيدينا في أيدي بعض، اللهم ارزقنا إخواناً نحبهم ويحبوننا، ولكن حذار من فوات
(1) رواه مسلم (1054) ك الزكاة، باب الكفاف والقناعة.
الإخلاص، والإخلاص عزيز.
إخوتاه ..
الأخ لأخيه أشد التصاقا من الكف بالمعصم، ولا خير في الكف المقطوعة، ولا خير في الساعد الأجزم، إذا فزت بأخ في الله فتمسك به، فأخ إخاء خير من أشقاء ولادة.
إخوتاه ..
أخوك .. من خالفك على الهوى، وأعانك على الحق، وإن خالف الحق هواك.
أخوك .. من وافق سره علانيته، فالصدق
…
الصدق.
أخوك .. إذا صد عنك أقبلت إليه، وإذا بعد عنك تدانيت منه، وإذا حرمك بذلت له.
وإياك والتلون في الوداد، فالمودة ماء الحياة، ولا خير في متوادين ينمو بينهم الخلل، وكل ما يعكر وداد الأخوة الصادقة سحابة صيف ما تلبث أن تنقشع، والعين حينئذ تنطق، والأفواه ساكتة حتى ترى من ضمير القلب تبيانا.
إخوتاه ..
لا خير فيمن يبادر بالسلام وتحت ضلوعه قلب سقيم، إذا سلم اللسان، وصافحت اليد فلا بد أن يسلم القلب كما سلمت النظرة والهمسة والابتسامة والكلمة.
إخوتاه ..
كان بعض السلف يحذر من الإفراط، ويدعو إلى ازدياد المودة في القصد، وخفض الصوت، وقلة الإعجاب، ولزوم التواضع، وترك الخلاف، وعدم الإكثار على
أخيك بالأعمال فيملك ويسأمك، يقول: فإنَّ المرضع إذا كثر مصه ربما ضجرت أمه فتلقيه.
إخوتاه ..
بعد كل هذا هل نويت؟ ......هل ستزداد محبة لإخوانك؟
هل ستحسن أخلاقك مع خلانك؟ ......هل سيحسن ظنك بهم؟
هل ستصل من قطعك؟ ....... هل ستعطى من حرمك؟
هل ستعفو عمن أساء إليك وظلمك؟
إخوتاه ..
استحلفكم بالله أن تضعوا هذه الكلمات دائماً أمامكم، وأن تتخذوا من الآن إخوة تحبونهم في الله، تبحثون عنهم وستجدونهم، تمد إليهم يدك لتتعاونوا على طاعة الله.
إننا بحاجة إلى إقامة جبهتنا الداخلية القوية، فالأخوة حصن حصين، الأخوة كنز أغلى من الذهب والفضة لو تعلمون، الأخوة هي التي تبقى لك، فالأخوة زينة في الرخاء، وعدة عند البلاء.
قال إياس بن معاوية لشيخ له: ماذا أفادك الدهر؟
قال الشيخ: العلم به.
قال إياس: ماذا رأيتَ أحمد؟
قال الشيخ: أن يبقى للمرء أحاديث حسنة بعده.
إخوتاه ..
يا من تعانون الأحزان، وتقاسون من المحن والأشجان، إخوانك جلاء أحزانك.
مر عبد الله بن مسعود مرةً على أصحابه فقال: أنتم جلاء أحزاني، نسأل الله أن يعافينا من الهم والحزن، ومن العجز والكسل، ومن الجبن والبخل، ومن غلبة الدين وقهر الرجال.
إخوتاه .. أخوك حارسك، عينك التي تبصر بها ما لا ترى.
أتى عمر بن عبد العزيز لأحد العلماء فقال: إنَّ الملوك يجعلون العيون على الخليقة، وأنا أجعلك عينا على الخليفة، خذ بتلابيبي وقل: اتق الله يا عمر.
إخوتاه ..
تمتعوا بلذة الحب في الله، وتواصوا بوصية الفاروق عمر رضي الله عنه حين قال: جالسوا التوابين فإنَّهم أرق أفئدة. وقد علمنا أن من رقة الأفئدة تبدأ المودة، فعش الأخوة بالبشاشة والبسمة اللطيفة وطلاقة الوجه وانفراج الأسارير.
قيل لأحد السلف: ما أبشك!! قال: إنه يقوم علىَّ برخيص.
نعم ما يكلفك شيئاً فلماذا تضن به؟
قال حبيب بن ثابت: من حسن خلق الرجل أن يحدث صاحبه وهو يبتسم.
إخوتاه ..
من لي بأخ يصفو لي كصفو الماء الزلال، لقاؤه يسر، وعده وفاء، بعيد عن السوء، لسانه عف، طرفه كريم.
قال أحدهم: بلغني عنك شيئا كرهتُه.
فقال له أخوه: لا يضرني عندك. قال: ولِمَ؟
فقال له: لأنَّه إن كان ذنب غفرتَه، وإن كان باطلاً لم تقبله.
فقال له: مثلى هفا ومثلك عفا. قال: مثلك اعتذر ومثلى اغتفر.
إخوتاه .. لن تظفروا بهذا إلا من خلال التربية الربانية، تلك التربية التي تربط القلوب والأرواح برباط العقيدة الذي هو أوثق الروابط والعرى، فالأخوة شقيقة الإيمان، والفرقة أخت الكفر، وأقل القوة وحدة الصف، ولا وحدة بغير حب، وأقل الحب سلامة الصدر، وأعلاه درجةً الإيثار، فبذلك تواصوا.
إخوتاه .. هذا آخر ما في كنانتي، وقد بلغت لكم نصحي، وما أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وقد بذلت لكم جهدي، وأخرجت ما في جعبتي، فعسى أن تثير فيكم هذه الكلمات بواعث الشوق لرضا الله فتصلحوا ذات بينكم حتى تروا الله من أنفسكم خيراً، وتذكروا دائماً قول الله تعالى:" وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْض"[التوبة /7] فلا ينزعن الشيطان منكم هذه الولاية، فليكن بعضكم نصيراً لبعض.
تحابوا
…
تصافوا
…
تراحموا
…
توادوا.
والله الموفق .. والحمد لله أولاً وآخرا.
وكتبه حامداً ومصلياً
محمد بن حسين يعقوب
(غفر الله له ولأهله ولكل من ساعد في نشر هذا الكتاب)