الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السبب الرابع
رابعا: إنهاء الجدال والمراء حالاً
قال تعالى " وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن "[العنكبوت/46] وقال صلى الله عليه وسلم: " أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه "(1)
قال تعالى " وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تستهزئون لَا تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ "[التوبة 65]
الشاهد أن كثيراً من المزاح - الآن - يختلط بالكذب والغيبة، مثل هذه الحكايات التي تنتشر عن أهل الصعيد وهي غيبة لجميع الصعايدة، وأخشى أن يأخذ حقه منك كل من سخرت منه يوم القيامة.
قال صلى الله عليه وسلم " إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق"(2)
وقال صلى الله عليه وسلم: " ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب ويل له .. ويل له "(3)
(1) أخرجه أبو داود (4800) ك الأدب، باب في حسن الخلق، والطبرانى في الكبير (8/ 117)، قال الهيثمى في المجمع (8/ 23): رواه الطبرانى وفيه أبو حاتم سويد بن إبراهيم ضعفه الجمهور ووثقه ابن معين، وبقية رجاله رجال الصحيح، وصححه الألباني رحمه الله في الصحيحة (273)، وصحيح الجامع (1464).
(2)
متفق عليه، أخرجه البخاري (6477) ك الرقاق، باب حفظ اللسان - واللفظ له - ومسلم (2988) ك الزهد والرقائق، باب التكلم بالكلمة يهوى بها في النار.
(3)
أخرجه الترمذي (2315) ك الزهد عن رسول الله، باب فيمن تكلم بكلمة يضحك بها الناس، وقال: حديث حسن، وأبو داود (4990) ك الأدب باب التشديد في الكذب، وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح أبى داود (4175)، وصحيح الترمذي (1885) .........
هذا بكلمة واحدة، فما بالك من يستمر في المجلس الواحد لمدة ثلاث وأربع ساعات يكذب، فاللهم استرنا واعف عنا وعن المسلمين.
واعلم ـ أخي ـ أنَّ السامع شريك القائل، يقول الله تعالى " وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا "[النساء /140]
فعليك أن تترك الكذب حتى في المزاح، وتترك المراء وإن كنت صادقاً.
قال صلى الله عليه وسلم: " ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل "(1)
وأنت تقلب الآن بصرك فلا تجد إلا الجدل، أين العمل إخوتاه؟!! هذا لعمر الله غضب من رب العالمين.
قال أهل العلم: الجدل والمراء يسبب أربعة أمراض قلبية:
أولاً: يفتن القلب.
ثانياً: ينبت الضغينة.
ثالثاً: يُقسي القلب.
رابعاً: يرقق الورع في المنطق والعمل.
قال خالد بن يزيد: إذا كان الرجل ممارياً لجوجاً معجباً برأيه فقد تمت خسارته. أهـ
وما أكثر ضحايا المراء، وأتعس حالهم، وقد شاهدناهم ـ والله ـ وعرفناهم، ثم
(1) أخرجه الترمذي (3253) ك تفسير القرآن عن رسول الله، باب ومن سورة الزخرف، وقال: حسن صحيح، وابن ماجه (48) في المقدمة، والإمام أحمد في مسنده (5/ 252، 256) والحاكم في المستدرك (2/ 486) وصححه وأقره عليه الذهبي، والحديث صححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الترمذي (2593)، وصحيح ابن ماجه (45) .....
وصلوا الآن إلى درجة من الفراغ الإيماني والأمراض القلبية من العجب والكبر والغرور وحب النفس واحتقار الآخرين وازدرائهم ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فما رأينا لجوجاً ممارياً يحب المراء والجدل إلا وسقط على جانبي الطريق فلم يصل، فلا ترى منهم أحداً.
انظر إلى هؤلاء تجدهم متساقطين على جانبي الدعوة يمنة ويسرة، لا تجد لهم أخاً ولا صديقاً ولا حبيباً بعد إدمانهم المراء، وما أجمل كلمة الحسن البصري حين قال:" إياكم والمراء فإنها ساعة جهل العالم، وبها يبتغى الشيطان زلته "؛ ولذلك يقول الآجرى في كتابه القيم " أخلاق العلماء ": فالمؤمن يدارى ولا يمارى، ينشر حكمة الله سبحانه، فإن قبلت حمد الله، وإن رُدت حمد الله.
فالمرء في سعة من أمره، والمؤمن مقصوده القيام لله سبحانه بالحق، والحق فقط.
قال عبد الرحمن بن أبى ليلى: ما ماريت أخي أبداً لأني إن ماريته إما أن أكذبه، وإما أن أغضبه، وأنا في سعة من الأمرين جميعاً.
ويحكى لنا خطيب أهل السنة ابن قتيبة رحمه الله عن هذه الحادثة وقد مر بها شخصياً وفيها بيان لأثر الخصومة على العلاقات الأخوية وتكدير صفوها.
يقول: مر بي بشر بن عبد الله بن أبى بكرة فقال: ما يجلسك هاهنا، فقلت: خصومة بيني وبين ابن عم لي فقال: إن لأبيك عندي يداً، وإني أريد أن أجزيك بها، وإني ـ والله ـ ما رأيت شيئاً أذهب للدين، ولا أنقص للمروءة، ولا أضيع للذة العبادة ولا أشغل للقلب عن الله من الخصومة.
قال: فقمت لأنصرف. فقال لي خصمي: مالك، قلت: لا أخاصمك أبداً والله. فقال: عرفتَ أن الحق لي. فقال: لا ولكنى أكرم نفسي عن هذا. فقال لي: والله لا أطلب منك شيئاً هو لك، ما بيننا هو لك.
إخوتاه
يجب إنهاء المراء حالاً، لا لأنَّ الكتب نطقت بهذا، ولكنى أقول من واقع التجربة التي أكدت هذا، وما زالت تؤكد لزوم التغاضي.
إخوتاه
اهجروا المراء من الآن، فدعك من المراء، واترك الجدال نسأل الله لنا ولكم العافية.
إعدام الاختلاف
{وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: 118، 119]