الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يسدد الله أخاهم، فيدعون له أن يرزقه الله الفصاحة، ويفتح عليه، ويهدى به وهكذا.
لكنَّك تجد من الإخوة في المقابل محترفي اصطياد الأخطاء، هذا صوفي
…
وهذا أشعرى .. وهذا يحدث بأحاديث ضعيفة
…
وهذا يخبط خبط عشواء.
أخيَّ
…
هلا نظرت إلى نفسك، إذا كان الإمام يخطئ لو كان وراءه مأموم لم يحسن الوضوء، فيلبس القرآن على الإمام، فكيف بمن لم يحسن الاستماع، لابد أنه سيلبس على المتكلم، نسأل الله لنا ولكم العافية من أمراض القلوب والأبدان.
قال الإمام أبو حازم الأعرج: " لقد رأيتنا في مجلس زيد بن أسلم أربعين فقيها أوفي خصلة فينا التواصي بما في أيدينا، وما رأيت في مجلسه متماريين ولا متنازعين في حديث لا ينفعنا ".
فالتماري والجدال الأخرق يكون فيما لا ينفع، أما ما ينفعك في دينك وآخرتك فيدخل من باب النصيحة لله ولرسوله ولعامة المسلمين.
(6) القطيعة والتحامل القلبي
.
الأصل في علاقة المسلم مع أخيه المسلم العفو والتسامح؛ لأنَّ الله تعالى الذي يعبدونه يتصف بصفات الكمال التي منها العفو والكرم. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.
قال تعالى: " إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا "[النساء / 149].
وقال تعالى: " وَأَنْ تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلْتَقْوَى وَلَاْ تَنْسَواْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ "[البقرة/237] ....
فما دمت تعفو فالجزاء من جنس العمل، فإن الله سيعفو عنك، نسأل الله تعالى أن يعفو عنا، فالعفو من حقوق أخيك عليك، فإنَّ أخاك ليس بمعصوم عن الخطأ، فلابد له من هنات وسقطات، ومع القرب تبدو هذه السقطات، ولو
ابتعدت ما رأيت ما رأيت.
لذلك حثك الله جل وعلا في مثل هذا أن تعفو " فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ "[الشورى/40]
وانظر لهذه الآية التي عدها بعض أهل العلم من أرجى آيات القرآن، يقول الله فيها لأبى بكر الصديق الذي منع النفقة على قريبه "مسطح " لما بدر منه تجاه أم المؤمنين في حادثة الإفك ما بدر.
قال تعالى: " وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ "[النور / 22].
فانظر إلى هذه الكلمات الندية الجميلة الرائعة التي يخاطب الله بها القلب ويستثير بها العاطفة ويستجيش بها النفس، إنَّ القرآن لا يعرف اللباب والقشور، لا يعرف أن يترك مثل هذه الأمور الفرعية والجزئية في سبيل الأمور الأصلية والقضايا الأهم، لا إنَّ الأمر كله دين، ولا يمكن أن يسكت الوحي عن أي حادثة فيها مخالفة دون بيان، فانظر كيف تكلم عن حادثة الإفك وعلم المسلمين فيها كيف يتعاملون مع مثل هذه القضايا الشائكة، ثم ثنَّى بذكر هذه الحادثة. فما لبث أبو بكر رضي الله عنه أن استجاب وعاد لينفق عليه مرة أخرى.
إخوتاه ......
هكذا يكون التعامل بترك التحامل القلبي، قال تعالى:" وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ "[آل عمرن / 133 - 134].
فأهل الإيمان يتصفون بالعفو والرحمة " رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ "[الفتح / 29] "أَذِلَّةٍ عَلَى
المؤْمِنِينَ " [المائدة / 54]، وكيف تكون ذليلا على المؤمنين وأنت لا تعفو عنهم؟!!
إخوتاه ..
من الواجبات الضرورية للمسلم على أخيه " الوفاء "، فإذا هجرك أخوك أو أساء إليك فلا تنسى سابق إحسانه.
عن عائشة قالت: جاءت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو عندي. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنت؟ قالت أنا جثامة المزنية، فقال: بل أنت حسانة المزنية، كيف كنتم؟ كيف حالكم؟ كيف أنت بعدنا؟ قالت: بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله. فلما خرجت قلت: يا رسول الله تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال. فقال: إنها كانت تأتينا زمن خديجة وإنَّ حسن العهد من الإيمان (1).
وتقول أمنا عائشة رضي الله عنها كان النبي إذا ذكر خديجة أثنى عليها فأحسن الثناء، قالت: فغرت يوما. فقلت: ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدق قد أبدلك الله عز وجل بها خيرا منها.
قال: ما أبدلني الله عز وجل خيرا منها، قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله عز وجل ولدها إذ حرمني أولاد النساء (2).
فالمقصود أنَّ الوفاء مطلوب، وهو من المعاني المفقود ـ أيضا ـ في حياة المسلمين في هذا الزمان.
قال الإمام الشافعي: احفظ وداد من عاملك لحظة، ولا تنسَ جميل من أفادك لفظة. هذا هو الوفاء حقا اللهم اجعلنا من عبادك الأوفياء.
(1) أخرجه الحاكم (1/ 15 - 16) وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
وصححه الألباني رحمه الله في الصحيحة (216).
(2)
أخرجه الإمام أحمد (6/ 117)، وقصة غيرتها ثابتة في الصحيحين وغيرهما .....
إخوتاه ..
الوفاء الثابت على الحب وإدامته حتى بعد الممات، بل إنَّه لا يموت معكم، فإذا كان البعث قمت محباً لأخلائك؛ لذلك لا تنس أخاك، ولا تنس إن منَّ الله عليك بالجنة فسل عنى، وحينها يلزمك أن تشفع لأخيك عند ربك فللمؤمنين شفاعة، اللهم ارزقنا الجنة، وما يقرب إليها من قول أو عمل.
إخوتاه ..
ستنقطع الروابط غداً إلا الأخوة الإيمانية، قال تعالى:" يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ "[عبس / 34ـ37] وقال جل وعلا:" يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيه "[المعارج11ـ14]، فكل الوشائج تقطع إلا وشيجة ورابطة الأخوة في الله؛ لأنَّ هذا الحب لم يرد به إلا الآخرة.
إخوتاه ..
لابد من دوام الوصال، والوفاء بالعهد الأخوي، فإذا مات أخوك صل أولاده وأصدقاءه من بعده.
أخاف أن تنقض هذه الرابطة قبل أن تموت فيحبط العمل ويضيع السعي، فمن أحدث قبل السلام بطلت صلاته، ومن أكل قبل المغرب بطل صومه، فحذار حذار أن ينقطع وفاؤك بأخيك فتشمت الشيطان فيك، فإنَّه لا يجد متحابين في الله متعاونين على طاعته متواضعين على خير وبر إلا أجهد نفسه لإفساد ما بينهما، رب نعوذ بك من همزات الشياطين ونعوذ بك رب أن يحضرون.