المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تاسعا: قضاء الحوائج وتفقد الإخوان - الأخوة أيها الإخوة

[محمد حسين يعقوب]

فهرس الكتاب

- ‌[المقدمة]

- ‌الأخوة لماذا

- ‌ أولاً: لإقامة كيان الأمة الإسلامية

- ‌ثانيا: لتمحيص عيوبنا في مرآتها

- ‌ثالثا: معالجة الفتور الذي يفت في عضد التزامنا

- ‌رابعا: لرأب صدع الخلاف الذي حَطَّ من صحوتنا

- ‌خامسا: للتخفيف من وحشة الغُربة

- ‌سادسا: لاقتفاء أثر البقية الباقية قبل أن تغرق السفينة

- ‌سابعا: إحياء السنن الموات

- ‌ثامنا: شد الأزر وتقوية العزم

- ‌ثمرات الأخوة

- ‌أولا: أن يتذوق حلاوة الإيمان فيحيا حياة السعداء

- ‌ثانيا: أن يحيطه الله تعالى برحمته، ويقيه عاديات وشدائد يوم القيامة

- ‌ثالثا: نيل الأمن والسرور وأن الله يظله بظله يوم القيامة

- ‌رابعا: الأمن من الوقوع فى الشرك

- ‌خامسا: أن يرزق العبد محبة الله

- ‌سادسا: زيادة الدرجات في الجنة حتى يصل لمنازل الأبرار

- ‌سابعا: اطمئنان القلب والأمن من أهوال يوم القيامة

- ‌ثامنا: النجاة لكل من تمسك بهذه العروة الوثقى

- ‌تاسعا: صفاء السريرة ونقاء القلب

- ‌كيف نعمق أواصر الأخوة

- ‌أولاً: حسن الظن وقبول الظاهر

- ‌قواعد في الحُكم على النَّاس

- ‌القاعدة الأولى: الإنسان يوزن بحسناته وسيئاته

- ‌القاعدة الثانية: التحري والتصور لجميع حال ذلك الإنسان

- ‌القاعدة الثالثة: التثبت من كلام الأقران وأرباب المذاهب والجماعات في بعضهم البعض

- ‌القاعدة الرابعة: الخبرة بمدلولات الألفاظ ومقاصدها

- ‌القاعدة الخامسة: أن لا يجرح من لا يحتاج إلى جرحه

- ‌القاعدة السادسة: عدم الاكتفاء بنقل الجرح فقط فيمن وجد فيه الجرح والتعديل

- ‌القاعدة السابعة: الحذر من حسن الهيئة

- ‌القاعدة الثامنة: شرط جواز الجرح عدم قصد التحقير

- ‌ثالثا: النصيحة للإصلاح

- ‌رابعا: إنهاء الجدال والمراء حالاً

- ‌خامسا: إعدام الاختلاف

- ‌أما أسباب الخلاف فكثيرة فمن ذلك:

- ‌(1) الكبر

- ‌(2) اختلاف وجهات النظر

- ‌(3) الجهل والجُهَّال

- ‌(4) النظرة الجزئية للإسلام

- ‌(5) التعصب للأشخاص والآراء

- ‌السبب الثاني لإعدام الخلاف: استعمال أدب الخلاف

- ‌أدب الخلاف

- ‌[(1) النصوص منها القطعي ومنها الظني]

- ‌(2) الأخوة الإيمانية ووحدة الصف ونبذ الفرقة من أهم الواجبات على كل مسلم

- ‌(3) معرفة أسباب الخلاف الفقهي

- ‌(4) الإلمام بفقه الواقع

- ‌(5) التقوى

- ‌سادسا: سد باب النقل ورد قالة السوء

- ‌وقفة لتجديد النية

- ‌سابعا: استعمال الرحمة والرفق وخفض الجناح

- ‌ثامنا: دوام الصلة والتزاور في الله

- ‌آداب الزيارة:

- ‌تاسعا: قضاء الحوائج وتفقد الإخوان

- ‌عاشرا: بذل الندى وكف الأذى واحتمال الأذى

- ‌نواقض الأخوة

- ‌(1) سوء الظن

- ‌(2) الغيبة

- ‌(3) السخرية والاحتقار والهمز واللمز والتنابز

- ‌(4) الحسد

- ‌(5) المماراة والمنافسة

- ‌(6) القطيعة والتحامل القلبي

- ‌(7) التجريح

- ‌(8) الأخذ وعدم العطاء

- ‌(9) معرفة الحقوق ونسيان الواجبات (الأنانية والأثرة)

- ‌(10) عدم الاحتكام إلى شرع الله في العلاقات

- ‌فن معالجة الأخطاء

- ‌أولا: اللوم للمخطئ لا يأتي بخير غالباً

- ‌ثانياً: أبعد الحاجز الضبابي عن عين المخطئ

- ‌ثالثا: اختيار العبارات اللطيفة في إصلاح الأخطاء

- ‌رابعا: ترك الجدال أكثر إقناعاً من الجدال

- ‌خامسا: ضع نفسك موضع المخطئ ثم ابحث عن الحل

- ‌سادسا: ما كان الرفق في شئ إلا زانه

- ‌سابعا: دع الآخرين يتوصلون لفكرتك

- ‌ثامنا: عندما تنقد اذكر جوانب الصواب

- ‌تاسعا: لا تفتش عن الأخطاء

- ‌عاشرا: استفسر عن الخطأ مع إحسان الظن والتثبت

- ‌الحادي عشر: اجعل الخطأ هينا ويسيرا وابن الثقة في النفس لإصلاحه

- ‌الثاني عشر: تذكر أن الناس يتعاملون بعواطفهم أكثر من عقولهم

- ‌حقوق الأخوة فى نظر الإسلام

- ‌(أ) الحقوق العامة:

- ‌(1) إفشاء السلام

- ‌الحق الثاني: عيادة المريض

- ‌ومن آداب العيادة:

- ‌(1) التبكير بالزيارة

- ‌(2) اختيار أفضل الأوقات

- ‌(3) الدعاء للمريض

- ‌(4) قراءة القرآن له

- ‌(5) تخفيف الزيارة

- ‌(6) تذكيره بالله

- ‌الحق الثالث: اتباع الجنائز

- ‌أما آداب اتباع الجنائز:

- ‌فأولًا: لا تتبع الجنائز بصياح أو نواح أو نار

- ‌ثانيًا: الرفق بنعش الميت

- ‌ثالثًا: الإسراع بالجنازة

- ‌رابعًا: الصلاة على الميت

- ‌خامسًا: السير حيث شاء للماشي والراكب خلفها

- ‌سادسًا: المكث قليلًا بعد الدفن

- ‌سابعًا: عدم اللغو وإيثار الصمت

- ‌الحق الرابع: إجابة الدعوة

- ‌أما آدابها وشروطها:

- ‌الحق الخامس: تشميت العاطس

- ‌أما آداب التشميت:

- ‌(1) أن يبدأ العاطس بالحمد، فإن لم يفعل لم يشمت

- ‌(2) فإن زاد على عطسة واحدة فهل يشمت

- ‌(3) وينبغي على العاطس أن يغطي وجهه بيده أو ثوبه ويغض صوته

- ‌(4) إذا كانوا جماعة فالأفضل أن يشمت كل واحد أخاه

- ‌(5) هل يشمت الشاب المرأة والعكس

- ‌الحق السادس: إبرار المقسم

- ‌ومن آدابه:

- ‌(1) ألا يترتب على الإبرار مفسدة أو مشقة

- ‌(2) تكفير الحالف عن يمينه أولى إن كان غير ما حلف عليه أفضل

- ‌الحق السابع: نصرة المظلوم

- ‌الحق الثامن: التنفيس عن الحروب والتيسير على العسر

- ‌الحق التاسع: الابتعاد عن الأذى كالحسد والتبغض والظلم والتحقير

- ‌(ب) الحقوق الخاصة:

- ‌(1) حق أخيك في مالك

- ‌(2) حق أخيك في نفسك

- ‌(3) حق أخيك في لسانك:

- ‌(4) حق أخيك في قلبك:

- ‌الخاتمةنسأل الله حسنها

الفصل: ‌تاسعا: قضاء الحوائج وتفقد الإخوان

السبب التاسع

‌تاسعا: قضاء الحوائج وتفقد الإخوان

قال تعالى: " لَاّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا "[النساء/114]

ويقول بعض السلف ـ كما في الآداب الشرعية لابن مفلح ـ " لم أر كالمعروف أما مذاقه فحلو، وأما وجهه فجميل ".

والمعروف هو الإحسان إلى الناس، وهو باب واسع يشمل كل الأمور المعنوية والحسية التي ندب إليها الإسلام لتقوية الروابط الأخوية، وتنمية العلاقات البشرية بين الناس.

وكل ما من شأنه تحقيق أوامر الإسلام والبعد عن نواهيه فهو من المعروف، ولذلك جاءت الأحاديث تترى للحث والترغيب على فعله وإيجاده .....

يقول صلى الله عليه وسلم: " أحبُّ الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرورٌ يدخله على المسلم، أو يكشف عنه كربة أو يقضى عنه دينا، أو يطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخٍ في حاجة أحب إلى من أن أعتكف في هذا المسجد (مسجد المدينة) شهراً، ومن كفَّ غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه، ولو شاء أن يمضيه أمضه، ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزل الأقدام، [وإن سوء الخلق يفسد العمل، كما يفسد الخل العسل] "(1)

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (3/ 209)، (12/ 453)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (11/ 444/1)، (18/ 1/2)،وابن أبى الدنيا في قضاء الحوائج (ص80 رقم 36)، وأبو إسحاق المزكي في الفوائد المنتخبة (1/ 147/2). وقال الهيثمي في المجمع (8/ 191): رواه الطبراني في الثلاثة وفيه مسكين بن سراج وهو ضعيف. لكن صححه الشيخ الألباني رحمه الله في الصحيحة (906) لحسن إسناده عند ابن أبى الدنيا وابن عساكر في أحد طريقيه وأبى إسحاق المزكي .....

ص: 181

إخوتاه ..

لنقف هنا وقفات طويلة، فإنَّ هذا الحديث الجامع الجميل يبلور لنا فضل ما نحن بصدده حتى تروا الله من أنفسكم نيات مخلصة وأعمالاً صالحة.

أولاً: يوصيك النَّبي صلى الله عليه وسلم بأنْ تكون حريصا على منفعة الناس كل الناس؛ فإن ذلك يستوجب محبة الله لك.

ثانياً: عليك أن تسعى في إدخال الفرح والبهجة والسرور في قلوب المسلمين، فلا بأس من الزيارة أو الهدية أو إكرام أولاده أو ترسل زوجتك لمساعدة زوجته المريضة، ترسل إليه من خير طعامك، وهكذا ولن تعدم الوسيلة.

ثالثا: كشف كرب المسلمين، فمن نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، فالجزاء من جنس العمل، فاللهم اكشف كربات المسلمين يا رب.

رابعاً: قضاء دينه، ترى أخاك مهموما حزينا مالك؟ ماذا في الأمر؟ فتره اهتم لتراكم الديون عليه فتذهب وتسدد عنه وتقضى دينه وقل له: تهون أموال الدنيا ولا أراك هكذا، هكذا كان يصنع السلف فمن منا يصنع هذا؟ صار الناس عبيداً للمال. لا يترددون في إنفاقه في الملذات والشهوات أما فعل الخير فهيهات.

خامسًا: تطرد جوعه. عار على المسلمين أن يبيت واحد فيهم جائعا، ونحن صرنا لا نعدم فقيرا فلماذا البخل والشح؟ اكسر له كسرة خبز لتطعمه، اذهب به إلى مطعم من المطاعم ليأكل، وادفع عنه الجوع، فلماذا لا تصنعون؟ فليس ههنا مظنة للتسول.

ص: 182

سادسًا: السعي في قضاء حوائج المسلمين وانظر كيف جعله النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من اعتكاف شهر بالمسجد النبوي الشريف.

آه .. لماذا لا تساعد أخاك؟!! تأخذ بيده وتعينه على قضاء حاجته، وما زال الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، ولكن ترى في عصرنا هذا نوعا من الشحناء والبغضاء والغل، فهذا يعرض عن أخيه، وذاك لا يبالي، وهذا يعتبر أن سعيه لقضاء حاجة أخيه مضيعة للوقت، أو يقول لك: إنَّه لا يستحق، وهذا من الجفاء وفساد ذات البين، وقد مر بك أنَّها الحالقة، فصارت ظاهرة عامة أن يسعى لمصلحته فقط، " أنا ومن بعدى الطوفان "، إنها نزعة أنانية، اللهم طهر قلوبنا منها يا رب.

سابعًا: كفُّ الغضب فيستر الله عورته، لأنَّ الغضب يكشف العورات، فإذا كففت غضبك جزاك الله من جنس عملك فيسترك. اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا وبلغنا مما يرضيك آمالنا

ثامنا: كظم الغيظ، فإن الله عفو يحب العفو، فلا يخيب الله رجاءه يوم القيامة .....

عن أبى مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حوسب رجل ممن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير شئ إلا أنه كان يخالط الناس، وكان موسراً، فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر قال: قال الله عز وجل: نحن أحق بذلك منه تجاوزوا عنه. (1) وفي الحديث أيضا: " منْ أنظر معسرا أو وضع عنه أظله الله في ظله " (2)

تاسعًا: السعي في حاجة إخوانك، للمرة الثانية يؤكد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان صاحب الحاجة يكون متزعزعا لا تثبت له قدم فمن هيأ له الثبات كأن يسعى في أن يعمل في عمل جيد، أو يعينه على التزوج، أو نحو ذلك فهذا يثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام.

(1) أخرجه مسلم (1561) ك المساقاة، باب فضل إنظار المعسر.

(2)

أخرجه مسلم (3014) ك الزهد والرقائق، باب حديث جابر الطويل.

ص: 183

عاشرًا: حسن الخلق، الذي هو أعظم البر، والذي هو قوام كل ذلك، إذ فساد الأخلاق يفسد الأعمال الصالحة.

إخوتاه ..

هذا هو المجتمع المسلم، هذه هي البيئة المسلمة، فلا للتقاطع والتنافر والتشاحن والتباغض والتحاسد الذي يفسد على الناس ـ الآن ـ أمر دينهم ودنيهم.

فالمعروف شيمة المجتمع المسلم، والبيئة الإيمانية لا تعرف سوى البر والتقوى، سوى العفو والرحمة، سوى التآلف والتعاون فلا طريق لرذائل الأخلاق، ولا حياة للسفهاء والفساق بيننا.

إخوتاه ..

الأمة يد واحدة، جسد واحد، شعب واحد، ولذلك فهم يتعاونون ويتشاركون ويتكافلون.

يقول صلى الله عليه وسلم: "من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له.

قال أبو سعيد الخدري (راوي الحديث) رضي الله عنه -فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصناف من المال حتى رأين أنه لا حق لأحد منا في فضل" (1)

آه .... لو طبقنا هذا الحديث بيننا، والله ما صارت عند المسلمين أي مشكلة اقتصادية، ولكن تقول هذا لمن؟!! لقوم عبدوا المال فلا يرون لأحد فيه حقا سوى أنفسهم اللهم إليك المشتكى.

(1) أخرجه مسلم (1728) ك اللقطة، باب استحباب المؤاساة بفضول المال .....

ص: 184

إخوتاه ..

إنَّ أويساً القرني كان إذا بات في ليلته يقول: " اللهم إني أعتذر إليك عن كل كبد جائعة، فإنَّك تعلم أنِّى لا أملك إلا ما في بطني

اللهم إنِّي أعتذر إليك من كل ظهر عارية، فإنَّك تعلم أنِّي لا أملك إلا ما يستر عورتي.

قال صلى الله عليه وسلم: " ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به "(1)

إخوتاه ..

لابد من تفقد أحوال الفقراء، لا يكن همُّك نفسَك فحسب، فإنَّك غدا ستسأل عن هؤلاء فأعد لذلك جواباً من الأعمال لا من الأقوال، واعلم أنَّ هذا من الطاعات.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " وكل ما يستعان به على الطاعة فهو الطاعة، وإن كان من جنس المباح " فمن أنفق من وقته الساعات ليتفقد حال فقير حتى يعينه؛ فإنَّه في طاعة بلا شك لكن لابد له من نية صالحة.

إخوتاه ..

يقول صلى الله عليه وسلم: " من نفَّس عن مؤمن كربةً من كرب الدنيا نفَّس الله عن كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على مُعْسرٍ يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه،

(1) أخرجه الطبرانى في الكبير (1/ 259) عن أنس بن مالك رضي الله عنه وبنحوه أخرجه البخاري في الأدب المفرد (112) الطبرانى في الكبير أيضا (12/ 154)، والخطيب في تاريخ بغداد (10/ 392)، وأبو يعلى في مسنده (5/ 92) من حديث عبد الله بن مساور. وقال الهيثمي في المجمع (8/ 167): رواه الطبراني وأبو يعلى ورجاله ثقات. وصححه الشيخ الألباني في الصحيحة (149)، وصحيح الجامع (5005) وصحيح الأدب المفرد (82) .....

ص: 185

ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب اله تعالى ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه " (1)

آهٍ .. هذا حديث عظيم القدر ـ والله ـ وهذا هو المعروف الذي يترتب عليه ذلك الفضل العظيم.

بداية من تيسير الأمر على المعسرين فذلك جزاؤه من جنس عمله فييسر الله عليك في الآخرة وأنت في أشد الحاجة.

أيضا الستر لعورات المسلمين. فيا من تفضح الناس وتتبع زلاتهم أما تخشى أن تعاقب بمثل صنيعك فتفضح غداً على رؤوس الأشهاد. وكلنا له ما يحب أن يستره الله، فاستر الناس حتى تُستر غدا.

إخوتاه ..

صناعة المعروف تقلب موازين الأمور رأساً على عقب، وتبدل الحال إلى غير الحال، تجد إنسانا مكروها يريد شفاعة يسألك مصلحة فإذا أحسنت إليه ستجد الخير كله بإذن الله.

يقول ابن عباس: ما رأيت رجلاً أوليته معروف إلا أضاء ما بينه وبيني، ولا رأيت رجلاً فرط لي منه شئ إلا أظلم ما بيني وبينه.

إخوتاه ..

هذا الكلام عام يشمل جميع الناس، فنحن لا نخاطب أفرادا بخصوصهم،

(1) أخرجه مسلم (2699 ك البر والصلة والآداب، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر .....

ص: 186

فالحليق ليس بكافر بل هو مسلم قطعا؛ لأنَّ حلق اللحية معصية وليس بكفر، والمدخن كذلك والذي يدمن التلفاز كذلك، والذي يذهب لدور السينما والمسارح، والذي يسبل إزاره، والتي لا ترتدى الحجاب الذي شرعه الله على المسلمات، كل هؤلاء وكل من يقع في معصيته ليس بكافر بل هو مسلم ولكنَّه يعصي الله.

فهؤلاء جميعا مطالبون بأن يطيعوا الله، فلابد أن تحسن إليهم فذلك مما يشجعهم على أن يحذوا حذو الملتزمين، ويبدأوا خطوات السير إلى الله.

فصنائع المعروف إذا جاءت في الوقت المناسب مع شخص محتاج إليها فذلك مما يرفع الإيمان في السماء، ويزيد المرء قوة في دين الله.

انظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جاء من وقع على امرأته في نهار رمضان فماذا صنع معه؟

عن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلكت قال: ما لك.

قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا.

قال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا.

فقال: فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟ قال: لا.

قال: فمكث النبي صلى الله عليه وسلم فبينما نحن على ذلك أُتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيها تمر ـ والعرق: المكتل ـ.

ص: 187

قال: ـ أين السائل؟ فقال: أنا، قال: خذها فتصدق بها .....

فقال الرجل: على أفقر منى يا رسول الله ـ فوالله ما بين لابتيها ـ يريد الحرمين أهل بيت أفقر من أهل بيتي ـ فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابُه ثم قال: أطعمه أهلك (1)

إخوتاه ..

انظروا كيف وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الرجل، وكيف تعاون المسلمون لرفع البلاء عن أخيهم، ولم يقل واحد منهم: أنت تستحق هذا، ما الذي أوداك إلى مثل هذا غير معصيتك. لا

لا.

ينبغي أن نتعلم من هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نصحح به كثيرا من أخلاقياتنا.

إخوتاه ..

بشرى عظيمة أقدمها لكل صاحب معروف منكم، ولكل من يخشى على نفسه الفتنة في عالم أشرب حتى النخاع بالفتن والمنكرات.

قالوا: صاحب المعروف لا يقع وإذا وقع وجد متكأ.

لقد كانت امرأة مسكينة تطعم ولدها فقسمت رغيفا نصفين، نصف لها ونصف لولدها فمر بها سائل فقال: أطعميني لله فأعطته نصيبها، فلما أكل غلامها قام يلعب فالتقمه الذئب.

(1) متفق عليه أخرجه البخاري (1936) ك الصوم، باب إذا جمع في رمضان ولم يكن له شئ فتصدق عليه فليكفر ـ واللفظ له ـ ومسلم (1111) ك الصيام، باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم .....

ص: 188

فقالت المرأة: يا رب .. اللقمة. فألقاه الذئب فقالت: لقمةً بلقمةٍ.

فثق أنَّ معروفك ستجزاه إنْ آجلا أو عاجلاً، والأيام دول فما يدريك فقد تبتلى بمثل بلاء أخيك، فقدِّم اليوم لغدك.

إخوتاه ..

كان سلفنا يتفانون في قضاء حاجات المسلمين.

يقول عبد الله بن عثمان (شيخ البخاري): "ما سألني أحد حاجة إلا قمت له بنفسي، فإن تمَّ وإلا قمت له بمالي، فإن تمَّ وإلا استعنا له بالإخوان، فإن تمَّ وإلا استعنت له بالسلطان ".

وهذا على بن الحسين (زين العابدين) يدخل على محمد بن أسامة بن زيد فيجده يبكى لأنَّ عليه ديناً يقدر بخمسة عشر ألف دينار وقيل: سبعة عشر ألفاً.

فقال: هي علىَّ ولا دمعة من عينيك فهي أغلى من الدنيا وما فيها.

إخوتاه ..

هذا هو الحب في الله عند السلف الصالح، تجد الرجل منهم لا يلقى أخاه ربما شهرا أو شهرين. فإذا سأله شطر ماله أعطاه وواساه، وبذل له، وهو يشعر بأنَّ الذي أُخذ منه أحب إليه مما بقى، أما اليوم فالمفهوم مختلف تماما، والواقع المرير خير شاهد فالله المستعان.

إخوتاه ..

إنَّ روابط الأخوة تقرب البعيد وتدني القاصي، فما دامت النية الصالحة قائمة والإيمان يشمل الجميع فثمَّ وجه الله.

ص: 189

قال محمد بن خالد قلت لأبى سليمان الداراني: يكون الرجل بإفريقية والآخر بسمرقند وهما أخون: قال: نعم.

قلت: وكيف ذلك؟ قال: تكون نيته متى لقيه واساه، فإذا كنت نيته كذلك فهو أخوه.

إخوتاه ..

أين الإيثار؟!! أصار نادرا حتى لا وجود له، لماذا ضاعت منا تلك الأخلاقيات السامية؟

كان الإمام أحمد يقول: إنِّي لألقم اللقمة أخا من إخواني فأجد طعمها في حلقي.

وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه قد قالها قبل حين نزل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيمة أم معبد فحلبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فشرب.

يقول أبو بكر: فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ارتويتُ.

قال تعالى " وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ "[البقرة / 207] وما أجمل هذا التعبير " يشرى نفسه " فمن ذا يبيعها الآن؟

كان صلى الله عليه وسلم يبيت طاويا ثلاثة أيام متتالية، ولو أراد شبعاً لوجد، لكنه كان يؤثر الناس على نفسه، كيف لا وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فكان يسد خلتهم، ويقضى حاجتهم، يسأل عن كبيرهم، ويعطف على صغيرهم صلى الله عليه وسلم.

إخوتاه ..

كان الإيثار في سلفنا سجية، ونحن ـ الآن ـ نعدم وجوده ولو في الصورة.

ص: 190

قال الهيثم بن جميل: جاء فضيل بن مرزوق ـ وكان من أئمة الهدى زهدا وفضلا ـ إلى الحسن بن حيى فأخبره أن ليس عنده شئ .....

فقام الحسن فأخرج ستة دراهم، وأخبره أنَّه ليس عنده غيرها فقال: سبحان الله أليس عندك غيرها وأنا آخذها، فأخذ ثلاثة وترك ثلاثة ".

إنها صورة متكررة في حياتهم، لأنَّهم ألفوا التجرد لله، واستقر الإيمان في القلب فبدت معالم ذلك في أخلاقهم وسلوكياتهم.

كان الإمام أحمد يقول: " لو أنَّ الدنيا جمعت حتى تكون في مقدار لقمة ثمَّ أخذها امرؤ مسلم فوضعها في فم أخيه المسلم لما كان مسرفا ".

هذا هو الكرم الحقيقي، كرم الأخلاق، كرم المعاملة، فإذا جاءك ضيف فقدم له ما وسعت فليس ذلك بإسراف " ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه "(1) فأنت مأمور بذلك.

إخوتاه ..

إن السبب الرئيسي لما نحن فيه هو الاشتغال بالدنيا عن الآخرة، فهذا الشح والبخل الذي يقع في قلوبنا سببه المغريات الدنيوية التي وقعنا فريسة لها، فلابد من الانخلاع والانفلات من عبودية المادة، والتنصل من متطلبات الحياة، وأن يسعك ما وسع من قبلك، لابد أن تخرج الدنيا من قلبك إلى يدك سهلة المنال، فتعتاد البذل لكل أحد، فهذا حقيقة التجرد بدون تعقيد أو تقعر في العلم.

(1) متفق عليه. أخرجه البخاري (6018) ك الأدب، باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ومسلم (74) ك الإيمان، باب الحث على إكرام الجار والضيف ولزوم الصمت إلا عن الخير، وكون ذلك كله من الإيمان .....

ص: 191

إخوتاه ..

إنني أسوق إليكم الأمثلة والشواهد، وأطيل في ذلك لعل باعث الشوق يتردد في نفوسكم.

يحكى القاضي عياض في تاريخه عن الإمام سحنون المالكي قال: قال أبو العرب أن سحنون خلا يوما بتلميذه سعيد بن عباد فقال له: ألست بإمامك؟ قال: بلى. قال: وتقبل قولي. فقال: نعم لو لم أقبله لما اختلفت إليك.

فقال له: هذا قولي ويميني فحلف بالله، وأراه صرة في يده ذكر أن فيها ثلاثين ديناراً.

وقال له: ما هي من سلطان، ولا من تجارة، ولا وصية، وما هي إلا من ثمرة شجر غرستها بيدي، فخذها تتقوى بها على أمر دينك ودنياك.

فقال سعيد: أنا غنى عنها (مع كونه مفرط الحاجة إلى ما دونها).

فقال سحنون: خذه سلفا، فتزوج منها، وتنفق منها، فإن رزقك الله ردها فأقبلها منك، فإن تعذر فأنت منها في حل.

فقال سعيد: ما كنت بالذي آخذ ديناً في ذمتي من غير حاجة. أهـ

إخوتاه ..

هكذا كانوا، فقراؤهم يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، وأغنياؤهم لا يرون لأنفسهم في أموالهم حقا.

وهذا سعيد بن المسيب في خبر تزويجه ابنته لتلميذه عبد الله بن وداعه على ثلاثة دراهم، والقصة مشهورة لكن انظر فيها لتفقد سعيد رضي الله عنه لتلميذه، لأنَّه لم يحضر الدرس فذهب إليه فأخبره أنَّ زوجته ماتت فانشغل بتجهيزها.

ص: 192

فقال له: استخلفت غيرها. قال: من أين يا شيخ، ومن يزوج مثلى!! وأنا لا أملك إلا ثلاثة دراهم.

قال: أنا أزوجك ابنتي ثم عقد له ومضى إلى بيته.

يقول عبد الله: فما بلغت البيت حتى دقَّ الباب.

قلت: من؟ قال: سعيد، فخطر ببالي كل سعيد إلا ابن المسيب ففتحت الباب فإذا هو سعيد بن المسيب ثم تنحى فإذا خلفه ظلام.

قال: هذه زوجتك أحببت ألا تبيت عزباً، ودفعها وأغلق الباب ".

آه .. أين من هو مثلك يا ابن المسيب، هل هذا في عرفنا زواج؟ أين العرف؟ أين الشقة؟ أين المهر؟ أين القائمة؟ أين المؤخر؟

الخ.

إذا ذكر السلف بيننا افتضحنا كلنا، فاللهم رحماك بضعفنا.

إخوتاه ..

لقد كان أحب إلى أحدهم أن يمد أخوه يده في جيبه، ويأخذ ما يشاء من ماله وما يملك.

ففي تاريخ بغداد للخطيب البغدادي: أنَّ فتحاً الموصلي جاء إلى منزل صديق له يقال له: " عيسى التمار "، فلم يجده في المنزل .....

فقال للخادمة: أخرجي إليَّ كيس أخي، فأخرجته ففتحه، وأخذ منه درهمين، فجاء عيسى فأخبرته الخادمة بمجيء فتح وأخذه الدرهمين. فقال: إن كنت صادقة فأنت حرة لوجه الله فنظر فإذا هي صادقة فأعتقها فرحًا بصنيع أخيه.

ما رأيك لو حدث ذلك معك؟ أكانت فرحتك مثل فرحته؟ وهل يكون فعلك مثل فعله؟ أجب ولماذا؟ الل يعلم السر وأخفى.

ص: 193

إخوتاه ..

إنَّ السر وراء ذلك اعتناق المنهج الرباني الذي لا ينضب معينه ولا ينتهي عطاؤه، فالسر ليس في توافق الأحوال، ولا في المشاكلة في السلوك، إنَّ الذي يريد أن يسابقهم فعليه أن يسير أولا في نفس سبيلهم، ويحذو حذوهم، وذلك لا يحجبه اختلاف الأزمان ولا اختلاف البيئات، فما لمثل هذا أن يؤثر في مشكاة المواقف فهل من مشمر؟!!

ص: 194

بذل الندى وكف الأذى واحتمال الأذى

روائح نسيم المحبة تفوح من المحبين وإن كتموها وتظهر عليهم دلائلها وإن أخفوها وتبدو عليهم وإن ستروها

ص: 195