الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1) إفشاء السلام
أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإفشاء السلام، وعلمنا كيفيته، ورغبنا فيه؛ لأنه يورث المحبة بين إخوة الإسلام، التي تعد من مفاتيح الجنة.
ففي جامع الترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفشوا السلام، وأطعموا
الطعام، واضربوا الهام، تورثوا الجنان" (1).
وفي رواية عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اعبدوا الرحمن، وأطعموا الطعام، وأفشوا السلام، تدخلوا الجنة بسلام"(2).
قال الحافظ ابن حجر: والمراد بإفشائه نشره سرًّا أو جهرًا.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم"(3).
ولا يتوقف فضل إفشاء السلام على هذا، فهو سبيل لخفض الجناح بين المسلمين، وسبيل لنفي شبهات الكبر عن النفس، إذ الكبر بطر الحق وغمط الناس، ففي إفشاء السلام سبيل للتواضع، وتعظيم حرمات المسلمين. كما يقول الإمام النووى: والسلام أول أسباب التآلف، ومفتاح استجلاب المودة، وفي إفشائه تمكن ألفة المسلمين بعضهم لبعض، وإظهار شعارهم المميز لهم من غيرهم من أهل الملل، مع ما فيه من رياضة النفس، ولزوم التواضع، وإعظام حرمات المسلمين.
وقد ذكر البخاري رحمه الله في صحيحه عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه
(1) أخرجه الترمذي (1854) ك الأطعمة عن رسول الله، باب ما جاء فى فضل إطعام الطعام، وقال: حسن صحيح غريب. قال المباركفوري: واضربوا الهام: أي رؤوس الكفار.
(2)
أخرجه الترمذي (1855) الموضع السابق.
(3)
أخرجه مسلم (93) ك الإيمان، باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون وأنَّ محبة المؤمنين من الإيمان.
قال: ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان؛ الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من الإقتار.
قال الإمام النووي: وبذل السلام للعالم، والسلام على من عرفت ومن لم تعرف، وإفشاء السلام كلها بمعنى واحد. وفيها لطيفة أخرى وهي أنها تتضمن رفع التقاطع والتهاجر والشحناء وفساد ذات البين التي هي الحالقة، وأن سلامه لله لا يتبع فيه هواه، ولا يخص أصحابه وأحبابه به، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. اهـ.
قال الحافظ ابن حجر: بذل السلام يتضمن مكارم الأخلاق، والتواضع، وعدم الاحتقار، ويحصل به التآلف والتحابب.
ولإفشاء السلام منزلة عظيمة القدر؛ فبه يعلي الله من درجات أهل الايمان، وفي جامع الترمذى عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاني الليلة ربي تبارك وتعالى في أحسن صورة -قال: أحسبه قال: في المنام- فقال: يا محمد، هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال: قلت: لا. قال: فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي -أو قال: في نحري- فعلمت ما في السماوات وما في الأرض. قال: يا محمد، هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: نعم. قال: في الكفارات، والكفارات: المكث في المساجد بعد الصلوات، والمشي على الأقدام إلى الجماعات، وإسباغ الوضوء في المكاره، ومن فعل ذلك عاش بخير، ومات بخير، وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه. وقال: يا محمد، إذا صليت فقل: اللَّهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون. قال: والدرجات إفشاء السلام، وإطعام الطعام، والصلاة بالليل والناس نيام"(1).
ولا يخفى عليكم -إخوتاه- حكم السلام، وكونه سنة عين من المنفرد، وسنة على الكفاية من الجماعة، وإن الأفضل السلام من جميعهم، أما رد السلام فهو فرض
(1) أخرجه الترمذي (3233) ك تفسير القرآن عن رسول الله، باب ومن سورة ص.
عين على الواحد، وفرض كفاية على الجماعة. قال تعالى:{وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86].
ومن باب التواصي بالحق أذكركم ونفسي بجملة من الآداب التى عادت مهجورة في حياتنا، ولم يعد أكثرنا يعيرها اهتمامًا.
فمن ذلك:
(1)
البدء بالسلام
قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام"(1)، وفي رواية: قيل: يا رسول الله، الرجلان يلتقيان أيهما يبدأ بالسلام؟ قال:"أولاهما بالله تعالى"(2).
وعن ابن عمر أنَّ الأغر -وهو رجل من مزينة وكانت له صحبة مع النبي صلى الله عليه وسلم-
كانت له أوسق من تمر على رجل من بنى عمرو بن عوف، اختلف إليه مرارًا. قال: فجئت الى النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل معي أبا بكر الصديق، قال: فكل من لقينا سلموا علينا، فقال أبو بكر: ألا ترى الناس يبدءونك بالسلام فيكون لهم الأجر، ابدأهم بالسلام يكن له الأجر (3).
(2)
صيغة السلام
عن عمران بن حصين قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم. فرد عليه السلام، ثم جلس. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"عشر". ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم
(1) أخرجه الترمذي (5197) ك الأدب، باب فضل من بدأ بالسلام، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (4328).
(2)
أخرجه الترمذي (2694) ك الاستئذان والآداب عن رسول الله، باب ما جاء في فضل الذى يبدأ بالسلام، وقال: حديث حسن. وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2167).
(3)
أخرجه البخاري في الأدب المفرد (984) باب من يبدأ بالسلام، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (755).
ورحمة الله. فرد عليه فجلس، فقال:"عشرون". ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فرد عليه فجلس فقال: "ثلاثون".
وفي رواية: ثم أتى آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته. فقال: "أربعون". قال: هكذا تكون الفضائل (1).
(3)
رد السلام
فال تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} . وهذا من عبوديات اللسان -كما ذكر ابن القيم في مدارج الساكين (1/ 114) - وهو واجب كما تقدم، وأفضله أن تقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
قال ابن القيم في بدائع الفوائد (2/ 383): "مقامات رد السلام ثلاثة: مقام فضل، ومقام عدل، ومقام ظلم؛ فالفضل أن يرد عليه أحسن من تحيته، والعدل أن ترد عليه نظيرها، والظلم أن تبخسه حقه وتنقصه منها فاختير للراد أكمل اللفظين".
(3)
تسليم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد.
فعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يسلم الراكب على الماشى، والماشى على القاعد، والماشيان أيهما بدأ بالسلام"(2).
(3)
تسليم الصغير على الكبير والقليل على الكثير.
قال صلى الله عليه وسلم: "يسلم الصغير على الكبير، والمار على القاعد، والقليل على
(1) أخرجه أبو داود (5195) ك الأدب، باب كيف السلام، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (4327).
(2)
أخرجه البخاري في الأدب المفرد (143، 144، 145)، وابن حبان (1935) عن جابر موقوفًا، وله حكم الرفع لا سيما وقد ورد كذلك مرفوعًا، وصحح إسناده الحافظ فى الفتح (11/ 18)، وقال الهيثمي فى المجمع (8/ 36): رواه البزار ورجاله رجال الصحيح، وصححه الألباني في الصحيحة (1146).
الكثير" (1).
(4)
التسليم عند دخول الدار وإتيان المجالس، وعند مفارقتها.
قال تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [النور: 61].
وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإذا أراد أن يقوم فليسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة "(2).
(5)
إلقاء السلام على المعروف والمجهول عندك إذا غلب على الظن أنه مسلم
قال صلى الله عليه وسلم: "وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف".
قال الحافظ ابن حجر: وفيه من الفوائد أنه لو ترك السلام على من لم يعرف احتمل أن يظهر أنه من معارفه فقد يوقعه في الاستيحاش منه.
ثم قال: إن عرف أنه مسلم فذاك، وإلا فلو سلم احتياطا لم يمتنع حتى يعرف أنه كافر.
وقال ابن بطال في مشروعية السلام على غير المعرفة: استفتاح المخاطبة للتأنيس ليكون المؤمنون كلهم إخوة فلا يستوحش أحد من أحد، وفي التخصيص ما قد يوقع في الاستيحاش ويشبه صدود المتهاجرين المنهي عنه.
تنبيه:
تبقى دائمًا مسألة السلام على أهل المعاصى والفسوق، فمن السلف من ترك
(1) أخرجه البخاري (6231) ك الاستئذان، باب تسليم القليل على الكثير.
(2)
أخرجه أبو داود (5208) ك الأدب، باب في السلام إذا قام من المجلس، والترمذي (2706) ك الاستئذان والآداب عن رسول الله، باب ما جاء في التسليم عند القيام وعند القعود، وقال: حديث حسن، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (4340)، وصحيح الترمذي (2177).