الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السبب الثامن
ثامنا: دوام الصلة والتزاور في الله
إخوتاه
إن كان الله عز وجل وعد الرحم أنَّ من وصلها وصله، ومن قطعها قطعه فإنَّ رحم الإسلام موصولة دائمًا.
رحم الإسلام هي الأخوة في الله، هذه الوشيجة التي لا تنقطع ولا تنفصل، هذه الرابطة التي لا تزول أبدا حتى بعد الممات؛ فإنكما يوم القيامة تتلاقيان فتتعارفان، قال تعالى " الْأَخِلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ "[الزخرف/67]
إخوتاه
لابد للأخوة من صلة، وعلينا أن نلفت النظر هنا لضياع صلة الأرحام في زماننا، وهذه المسألة لا نفتأ نذكرها ونلح عليها؛ لأن الأخوة فرطوا كثيرا في هذا الشأن، صلوا أرحامكم، فإنَّ الرحم متعلقة على الصراط يوم القيامة ومعها الأمانة، فمن أدى الأمانة ووصل الرحم نجا وإلا هويا به في النار وطلب أن يأتي بهما من قعر النار؛ لذلك آمركم وأشدد عليكم بصلة الأرحام.
قد يتعلل بعض الأخوة بأنَّ بعض أرحامه من العصاة فنقول: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ألا إن آل أبي فلان ليسوا بأوليائي، إنَّما وليي الله وصالح المؤمنين، ولكن لهم رحم أبلها ببلالها "(1)
(1) متفق عليه أخرجه البخاري (5990) ك الأدب، باب تبل الرحم ببلالها ـ واللفظ له ـ
ومسلم (215) ك الإيمان، باب موالاة المؤمنين ومقاطعة غيرهم والبراءة منهم
" إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ "[المائدة/55]، هؤلاء أولياؤك حزب الله المفلحون، وقد يكون هؤلاء الذين تبرأ منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم بعض معصية لكن فرق بين الولاية وصلة الرحم " لهم رحم أبلها ببلالها ".
قال العلماء: أي أصلها بقدرها، فإن كان والدك أو أخوك أو عمك مثلاً على معصية ما كالتدخين أو شرب الخمور أو إدمان التلفاز أو أنَّه يسخر ـ دائماً ـ من الملتزمين فهذا لا يمنع من أن تصله، تذهب إليه وتلقي السلام وتبش في وجهه، ثم تقول: تأمرني بشيء، وإن وجدت سبيلا للدعوة فبها ونعمت، وإلا فانطلق راشداً، وقد أديت ما عليك.
واحذروا ـ إخوتاه ـ من عقوق الوالدين فإنَّه كبيرة عظيمة من الكبائر، وقد أمرك الله بخفض الجناح لهما، ودوام الدعاء لهما بالرحمة، وأنْ تظل عارفاً لجميلهما حتى وإن كانا على الكفرـ والعياذ بالله ـ
" وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ "[لقمان/15]
هذه هي الحالة الوحيدة التي تفارقهما فيها، إذا أمراك بمعصية، فإنَّما الطاعة في المعروف، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وقال تعالى: " وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا "[الإسراء/24]
إخوتاه ..
ومن مسيس الحاجة أن أنبه هنا إلى ضرورة اتخاذ المواقف الحاسمة في مثل هذه الأحوال، ينبغي أن تكون لك قضايا لا تقبل المناقشة تمثل قاعدة الارتكاز والأصول الأصيلة في حياتك، فأن تعين أحدا ـ كائنا من كان ـ على معصية الله فلا وألف لا، أن
تفاوض على حلق اللحية أو تفاوضين في خلع النقاب فلا، لكن هذا برفق ولين ـ كما تقدم معناه ـ
فاحذروا التلون والتردد والتخبط والتخوف؛ فإنَّها دركات حتى تزل قدمك بعد ثبوتها وتذوق السوء بما صددت عن سبيل الله.
إخوتاه ..
إذا وصلنا أرحامنا فلنزر إخواننا أولياءنا أحبتنا في الله، قال الله تعالى في الحديث القدسي:"وجبت محبتي للمتحابين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتباذلين فيَّ، والمتزاورين في"(1)
هذا وعد الله، ولا يخلف الله وعده، أن يمن عليك بمحبته إذا زرت أخاك في الله.
والحديث مشهور أن رجلاً زار أخا له في قرية أخرى فأرصد الله له على مدرجته ملكاً فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخاً لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمة تربها، قال: لا غير أني أحببته في الله عز وجل.
قال: فإنِّي رسول الله إليك بأنَّ الله قد أحبك كما أحببته فيه ". (2)
إخوتاه ..
لا تنشغلوا عن إخوانكم، لماذا صارت البيوت مهجورة؟ لماذا هذا الانهماك والانكباب والتشاغل بالدنيا؟ أسأل الله لنا ولكم العافية.
(1) أخرجه الإمام أحمد (5/ 233/247)، والطبراني في الكبير (20/ 80،81)، والحاكم في المستدرك (4/ 186) وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وابن حبان في صحيحه (2/ 335) برقم (575) وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (4331).
(2)
أخرجه مسلم (2567) ك البر والصلة والآداب، باب في فضل الحب في الله.
علينا أن نضع في برنامجنا الأسبوعي يوما لصلة الرحم، ويوما لزيارة الإخوة، يوما لزيارة الدعاة، يوما لزيارة المستشفيات، يوما لزيارة القبور فإنْ كان ذلك لا يصلح في أسبوع ففي كل شهر، هذه هي التربية التي تثمر زيادة الإيمان.
إخوتاه ..
فضل الزيارة في الله عظيم، فكما أنَّ الله يحب العبد بها، فإنَّه يرضى عنه ويدخله الجنة بسببها.
قال صلى الله عليه وسلم " ألا أخبركم برجالكم في الجنة، النبي في الجنة، والشهيد في الجنة، والصِّدِّيق في الجنة، والمولود في الجنة، والرجل يزور أخاه في ناحية المصر في الله في الجنة "(1)
فالزيارة داعية لتقارب المؤمنين وتجانسهم وتعارفهم، فإنَّها تزيد المحبة والمودة في القلوب فيكونون إخوانا حقاً كما أمرهم الله جل وعلا.
إخوتاه
إياكم والقطيعة والخصومة والتنافر فإنَّها تميت قلوبكم.
قال صلى الله عليه وسلم: "لا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا إخوانا كما أمركم الله "(2)
" لا تقاطعوا " أي لا يقطع بعضكم بعضاً بل تواصلوا.
" لا تدابروا " أي لا يعطي أحدكم ظهره لأخيه، بل كونوا إخوانا متقابلين، فلا بد
(1) أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 59)، (19/ 140)،وفي الأوسط (2/ 441) والصغير (1/ 89)، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (2604)
(2)
أخرجه مسلم (2563) ك البر والصلة والآداب، باب تحريم الظن والتجسس والتنافس والتناجش ونحوها.