الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التقسيم الرابع: بعتبار الصحة والفساد
…
التقسيم الرابع للحكم باعتبار الصحة والفساد
"الرابع: الصحة استتباع الغاية وبإزائها البطلان والفساد وغاية العبادة موافقة الأمر عند المكلمين وسقوط القضاء عند الفقهاء فصلاة من ظن أنه متطهر صحيحة على الأول لا الثاني".
تفسير الصحة باستتباع الغاية جيد من جهة كونه شاملا للعبادات والمعاملات إلا أن الأولى في تحرير العبارة أن يقال كون ذلك الشيء يستتبع غايته فإن استتباع الغاية يقتضي حصول التبعية وقد يتوقف ذلك على شرط كالعقد في زمن الخيار وكونه يستتبع الغاية صحيح وإن توقفت التبعية على شرط لأن معناه أنه بهذه الحيثية وتفسير المتكلمين جيد لأن الصحة في اللغة مقابلة للمرض وعلى هذا النحو ينبغي أن يكون في الاصطلاح فما وافق الأمر لا خلل فيه فيسمى صحيحا وجب قضاؤه أم لم يجب وما لم يوافق الأمر فيه خلل فيسمى فاسدا والخلاف بين الفريقين في التسمية ولا خلاف في الحكم وهو وجوب القضاء على من صلى ظانا الطهارة فتبين حدثه إذا كانت الصلاة فريضة وتسمية الفقهاء إياها فاسدة ليس لاعتبارهم سقوط القضاء في حد الصحة كما ظنه الأصوليون بل لأن شرط الصلاة الطهارة في نفس الأمر والصلاة بدون شرطها فاسدة ولا مأمور بها بل هو ظن أنه متطهر فترتب عليه الحكم بمقتضى ظنه وأمره ظاهرا بها كأمر المجتهد المخطئ بما ظنه وغايته أنه سقط عنه الإثم وأما أنه أتى بالمأمور به فلا وقولهم إن المامور به صلاة على مقتضى ظنه فممنوع بل صلاة على شروطها في نفس الأمر ويسقط عنه الإثم بظنه وجودها وقد رأينا الفقهاء قيدوا فقالوا كل من صحت صلاته صحة مغنية عن القضاء جاز الاقتداء به وهذا التقييد يقتضي انقسام الصحة إلى ما
يغني عن القضاء وما لا يغني وقالوا فيمن لم يجد ماء ولا ترابا إنه يصلي على حسب حاله ويقضي وحكى إمام الحرمين في هذه الصلاة هل توصف بالصحة أو الفساد وجهين وهو غريب والمشهور وصفها بالصحة وكيف نأمره بالإقدام على صلاة يحكم بفسادها هذا لا عهد به وليس بمثابة الإمساك تشبها بالصائمين.
والفرق بين هذه الصلاة وصلاة من ظن الطهارة أن هذا عالم بحاله والظان جاهل فالعالم أتى بجميع ما كلف به الآن وبقي شرط أسقط عنه لعجزه ووجب استدراكه بعد ذلك بالقضاء والظان لم يأت بما هو الآن فريضة فالصواب أن يكون حد الصحة عند الفريقين موافقة الأمر غير أن الفقهاء يقولون ظان الطهارة مأمور بها مرفوع عنه الإثم بتركها والمتكلمون يقولون ليس مأمورا فلذلك يكون صلاته صحيحة عند المتكلمين لا الفقهاء ومن أمرناه بصلاة بلا طهارة ولا تيمم حيث يجب القضاء صحيحة على المذهبين وإن أوجب القضاء فليس كل صحيح يسقط.
واقتصر المصنف على غاية العبادة لذكر الخلاف ولم يذكر غاية العقود والمراد من كون العقد صحيحا عند المتكلمين على ما اقتضاه كلام القاضي أبي بكر وقوعه على وجه يوافق حكم الشرع من الإطلاق له وعند الفقهاء كونه بحبث يترتب أثره عليه وهو معنى إطلاقهم ترتب أثره.
والباطل هو الذي لا يترتب أثره عليه والبطلان والفساد لفظان مترادفان والإزاء والحذاء والمقابل ألفاظ مترادفة وجعل المصنف هذا تقسيما رابعا للحكم يقتضي أن الصحة والبطلان حكمان شرعيان ويكون الحكم تارة بالصحة وتارة بالبطلان وقد تقدم الكلام في رده إلى الاقتضاء والتخيير أو في كونه زائدا عليه وخالف ابن الحاجب1 الجمهور فقال إن الصحة والبطلان
1 هو عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس، المشهور بابن الحاجب، نشر العلم بين ربوع مصر وإسنا والقاهرة والإسكندرية والشام حتى توفي سنة 646هـ.
وله العديد من المؤلفات، ومن أشهرها في الأصول "منتهى السول والأمل في علمي الأصول والجدل" وقد اختصره في كتاب آخر سماه "مختصر منتهى السول والأمل" وقد طبع عدة طبعات ووضع عليه العلماء الشروح والحواشي.
ابن خلكان 1/314، الأعلام للزركلي 2/629.
أو الحكم بهام أمر عقلي وقال في المنتهى "القول بأن الحكم بالصحة والبطلان حكم شرعي بعيد" وحجته أن الموافقة أمر عقلي وقد فسرنا الصحة بها وأورد عليه أن العقلي ما لا مدخل للشرع فيه وهذا للشرع فيه مدخل فتسميته شرعيا غير بعيد وفهم بعض من شرح كتابه أنه لا يطرد قوله في صحة العقود لأن ترتب الأثر شرعي ولا يبعد طرده لأن الصحة ليست ترتب الأثر بل كونه بحيث يترتب الأثر عليه ومعنى ذلك وقوعه على وجه مخصوص وذلك أمر عقلي لكن تسميته شرعيا باعتبار أن للشرع مدخلا كما قلنا في العبادات.
وأعلم أن الإمام وأتباعه ومنهم المصنف أنكروا كون الصحة حكما زائدا على الاقتضاء والتخيير وأنكروا الحكم بالسببية كما سبق في الموضعين فلم يبق للصحة معنى عندهم في العقود إلا إباحة الانتفاع وهو شرعي ومن يفسر الصحة بكونه مبيحا للانتفاع يلزمه أن يوافق الغزالي في الحكم بالسببية أو يقول إنها عقلية وحكم القاضي مثلا بصحة عقد إنما يصح إذا قصد المعنى الشرعي لأنه الذي يثبته القاضي بخلاف الأمر العقلي وليس للقاضي أن يحكم إلا بما يصح أن يكون حكما من الشارع من اقتضاء أو تخيير أو خطاب وضع إن قلنا به وإذا جعلت الصحة عقلية لم يكن للقاضي الحكم بها بل بأثر الصحيح.
"وأبو حنيفة ما لم يشرع بأصله ووصفه كبيع الملاقيح باطلا وما شرع بأصله دون وصفه كالزنا فاسدا"
عند الحنفية إن كان العوضان غير قابلين للبيع كبيع الملاقيح بالدم مثلا فهو باطل قطعا وكذا إن كان المبيع وحده كبيع الملاقيح بالدراهم على الصحيح عندهم وإن كانا قابلين للبيع ولكن جاء الخلل من أمر آخر كبيع درهم بدرهمين كل من العوضين قابل للبيع والخلل من الزيادة فهو فاسد قطعا وكذا إن كان الثمن فقط كبيع ثوب بدم على الصحيح عندهم والفاسد عندهم إذا اتصل بالقبض يفيد الملك الخبيث والباطل لا يفيد شيئا وعندنا الباطل والفاسد سواء في المعنى والحكم ولا يفيد شيء منهما الملك.
والملاقيح ما في بطون الأمهات وقد علمت المراد بأصله وهو كون المبيع يصح بيعه ووصفه هو الصحيح
وأما فرق أصحابنا بين الباطل والفاسد في الكتابة فلا يضرنا في نصب الخلاف في البيع ومحل الرد عليهم في ذلك كتب الفقه وكتب الخلاف.