الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فرعا الحسن والقبيح. الفرع الأول: شكر المنعم ليس بواجب عقلا
…
فرعان على الحسن والقبح
قال فرعان على التنزل
الأول شكر المنعم ليس بواجب عقلا
إذ لا تعذيب قبل الشرع لقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} ولأنه لو وجب لوجب إما لفائدة المشكور وهو منزه أو للشاكر في الدنيا وأنه مشقة بلا حظ أو في الآخرة ولا استقلال للعقل لها.
هذان فرعان على قاعدة الحسن والقبح جرت عوائد الأصحاب بذكرهما بعد إبطال مذهب المعتزلة فيها لشدة سخافة مذهب المعتزلة بالنسبة إليهما ولهذا يقال إنهما على التنزل أي الافتراض والتكليف في النزول عن المذهب الحق الذي هو الذروة إلى مذهبهم الباطل الذي هو في الحضيض الأول شكر المنعم غير واجب عقلا خلافا للمتزلة وبعض الحنفية وأما وجوبه شرعا فمتفق عليه والمراد بوجوب الشكر عقلا أنه يجب على المكلف تجنب المستقبحات العقلية وفعل المستحسنات العقلية كذا نقله بعض أصحابنا عنهم قال صفي الدين الهندي1 ولا يبعد أن يراد به ما نريد به نحن في الشرع وهو أن الشكر يكون باعتقاد أن ما به من نعمة فمن الله وأنه المتفضل بذلك عليه فإن نعمة الخلق والحياة والصحة غير مستحق عليه وفاقا ويكون بالفعل وهو بامتثال أوامره واجتناب مناهيه وبالقول وهو أن يتحدث بنعمة ربه واحتج في الكتاب على ما ذهب إليه بوجهين.
الأول: قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} 2.
ووجه الدلاله فيه ظاهر وتقريره أنا مفرعون على القول بالحسن والقبح والشرع على القول بأن العقل يحكم كاشف وقد أخبر أن التعذيب منتف قبل البعثة فدل على أن العقل اقتضى ذلك ولو وجب شكر المنعم لحصل التعذيب بتركه ولم يتوقف على بعثه الرسل فاضبط هذا التقرير ولا تعدل به.
1 هو حمد بن عبد الرحيم بن محمد الشيخ صفي الدين الهندي الأموي كان أعلم الناس بمذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري وأدراهم بأسراره.
من مؤلفاته الزبدة في علم الكلام والنهاية في أصول الفقه.
توفي بدمشق سنة 715 هـ حسن المحضرة 1/544 طبقات الشافعية لابن السبكي 9/162، 163.
2 سورة الاسراء: الآية15.
والثاني: أنه لو وجب لوجب لفائدة أن التفريع على القول بقاعدة الحسن والقبح والإيجاب على القول بها يستدعي فائدة وإن شئت قلت لو وجب لوجب إما بلا فائدة وهو عبث مستقبح عقلا ولكن يلزم على هذا أن يكون المصنف أخل بأحد الأقسام وأما لفائدة عائدة إلى المشكور وهوسبحانه وتعالى وهو محال لتنزهه عن الفوائد والأغراض أو عائدة إلى العبد الشاكر في الدنيا وهو أيضا باطل لأنه مشقة وكلفة على النفس من غير حظ ونفع أو عائدة إليه في الآخرة وهو أيضا باطل إذ لا استقلال للعقل بمعرفة الفوائد الأخروية على وجه التفصيل وهذا مسلم لكن ليس من شرط الوجوب العلم بالفوائد التفصيلية وإن أريد الإجمالية فلا نسلم أن العقل لا يستقل بمعرفتها وذلك لأن القول في هذا مبني على قاعدة الحسن والقبح وهي تقطع باتصال الثواب بفعل الواجبات العقلية والعقاب بتركها ولقائل أن يقول العقل لا يستقل بإدراك الآخرة وكيف يستقل بالحكم بوجود دار أخرى مخلوقة للجزاء والإحسان وإذ لم يستقل بإدراكها لم يحكم بما يترتب عليها.
قال قيل يدفع ظن ضرر الآجل قلنا قد يتضمنه لأنه تصرف في ملك الغير وكاستهزاء لحقارة الدنيا بالنسبة إلى كبريائه ولأنه ربما لا يقع لائقا قيل ينتقض بالوجوب الشرعي قلنا إيجاب الشرع لا يستدعي فائدة.
اعترض على الوجه الآخر بوجهين.
أحدهما: أنا نقول بعود الفائدة إلى العبد الشاكر في الدنيا.
قوله مشقة وكلفة بلا حظ قلنا لا نسلم أنه لا حظ لها في الشكر وذلك لأن فائدة الشكر اندفاع ظن العقاب في الآخرة على تركه لأن العقاب على ترك الشكر احتمال راجح يوجب للنفس القلق وعدم الطمأنينة بل مجرد توهم العقاب قد يحصل فيه ذلك وأجاب المصنف بأن ترك الشكر كما أنه يستدعي ما ذكرتم كذلك الإقدام عليه وذلك لأن من أقدم على الشكر فقد استعمل الأعضاء والقوى المملوكة لربه سبحانه وتعالى وتصرف فيها بغير إذنه والتصرف في ملك الغير بغير إذنه يوجب ما ذكرتم وأيضا فالشكر لأنعمه تعالى منزل منزلة المستهزئ بالمنعم لأن نعم الدنيا وإن جل خطبها فهي بالنسبة إلى كبريائه تعالى أقل من لقمة بالنسبة إلى ملك عظيم لأن نسبة ما يتناهى إلى
مثله أقل من نسبته إلى ما لا نهاية له ولا ريب في أن القائم في المحافل يشكر الملك بسبب ما أسداه إليه من لقمة خبز معدود من المستهزئين مستوجب للتأديب وأيضا فالشكر للملك العظيم إنما يكون على وجه لائق بجنابه وقد لا تهتدي العقول إلى ذلك الوجه اللائق بجلاله سبحانه وتعالى فيستحق العقاب بسببه.
فإن قلت لما فسر الشكر باجتناب القبيح وإتيان الحسن عقلا اندفع ما ذكرتم للعلم بالشكر اللائق حينئذ كما هو معلوم بعد ورود الشرع قلت هب أن الأمر كما ذكرت لكن الإتيان بما ذكرت من الشكر يتوقف على استقباح العقل وتحسينه فربما يستقبح الحسن ويستحسن القبيح لأن العقول غير معصومة عن الخطأ لا يقال قد تعارضت الاحتمالات والمواظبة على الخدمة أنجى من الإعراض والإهمال لأنا نقول ذلك في مشكور يسره الشكر ويسوؤه الكفران والله تعالى مبرأ عن ذلك.
الوجه الثاني: أن ما ذكرتم منقوض بوجوب الشكر شرعا فلو كان ما ذكرتموه صحيحا لم يجب بعين ما قررتم بأن يقال لو وجب شكر المنعم شرعا لوجب لفائدة إلى آخر ما أوردتم وأجاب بأن الدليل المذكور لا يطرد في الوجوب الشرعي لأنه لا تعلل أحكام الله تعالى ولا أفعاله فإيجاب الشرع ليس لاستدعاء فائدة بل له بحكم المالكية أن يفعل ما يشاء وهذا جواب صحيح ماش على اللائق بأصول المتكلمين فإنهم لا يجوزون تعليل أفعال الله تعالى وهو الحق لأن من فعل فعلا لغرض كان حصوله بالنسبة إليه أولى سواء كان ذلك لغرض عائدا إليه أم إلى الغير وإذا كان كذلك يكون ناقصا في نفسه مستكملا في غيره تعالى الله عن ذلك.
وأما قول المصنف في القياس تبعا للإمام دل الاستقراء على أن الله شرع الأحكام لمصالح العباد تفضلا وإحسانا فهو من كلام الفقهاء وإطلاقتهم والصواب ما ذكره هنا.
فائدة قال الإمام أبو الحسن الطبري المعروف بالكيال في تعليقه في