الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأصول وفي خط ابن الصلاح1 نقلت ذلك مسألة شكر النعم غير مسألة التحسين والتقبيح بيانه إنا نقول ليس الشكر اللفظ فما معناه قالوا المعرفة قلنا المعرفة تراد للشكر فكيف تكون نفس الشكر فلا بد أن تتقدم على الشكر فإنما شكر من عرف وإن قالوا نعني بالشكر ما تعنون أنتم قلنا الشكر عندنا امتثال أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه وإن قالوا فنحن نقول الشكر هو الإقدام على المستحسنات واجتناب المستقبحات قلنا فهذه هي مسألة التحسين والتقبيح بعينها قال لكنا أفردناها بالكلام على عادة المتقدمين.
1 هو عثمان بن عبد الرحمن بن موسى الشهرزوري الكردي الشرخاني تقي الدين المعروف بان الصلاح أحد فضلاء المقدمين في التفسير والحديث والفقه وأسماء الرجال.
من مؤلفاته أدب المفتي والمستفتي وشرح الوسيط في فقه الشافعية توفي سنة 643 هـ.
وفيات الأعيان 1/312 الأعلام 4/369.
الفرع الثاني: الأفعال الختيارية قبل البحث
…
الفرع الثاني
قال الفرع الثاني: الأفعال الإختيارية قبل البعثة مباحة عند البصرية وبعض الفقهاء محرمة عند البغدادية وبعض الإمامية وابن أبي هريرة وتوقف الشيخ والصيرفي وفسره الإمام بعدم الحكم والأولى أن يفسر بعدم العلم لأن الحكم قديم عنده ولا يتوقف تعلقه عن البعثة لتجويزه التكليف بالمحال.
هذا الفرع في حكم الأشياء قبل ورود الشرع وقد ذهب أهل السنة والجماعة إلى أنه لا حكم فيها لأن الحكم عندهم عبارة عن الخطاب على ما تقدم تفسيره فحيث لا خطاب لا حكم وأما المعتزلة فقسموا الأفعال إلى اضطرارية واختيارية.
الأولى: الاضطرارية وهي التي تقع بغير اختيار المكلف ولا قدرة له على تركها كالتنفس في الهواء قال الإمام وذلك مما لا بد من القطع بأنه غير ممنوع إلا إذا جوزنا تكليف ما لا يطاق.
الثانية: الاختيارية وهي الواقعة بإرادة المكلف مع قدرته على تركها
ومثل لها بأكل الفاكهة وبهذا يعرف أن القدر الذي لا يعيش المكلف بدونه من الأكل والشرب وغيرهما من قسم الاضطراري ومنهم من جعل ما يحصل به الاغتذاء من قسم الاختياري المتنازع فيه وتبعهم المصنف كما سنراه في كلامه إن شاء الله ولعل مرادهم الاغتذاء ما يقع فوق الضرورة إذا عرفت ذلك فقد قسموا الاختيارية إلى ما يقضي فيها العقل بحسن أو قبح واتبعوا فيها حكم العقل وتقسيمه إياها إلى الأحكام الخمسة وإلى ما لا يقضي العقل فيها بواحد منهما وهذه صورة مسألة الكتاب فقوله الاختيارية احتراز عن الاضطرارية وفاته أن يقول التي لا يقضي العقل فيها بحسن ولا قبح فنقول ذهبت معتزلة البصرة وبعض الفقهاء من الشافعية والحنفية إلى أنها على الإباحة قبل ورود الشرع وذهب معتزلة بغداد وبعض الإمامية والشيخ أبو علي ابن أبي هريرة من الشافعية إلى أنها محرمة وقد سلف اعتذار القاضي والأستاذ عمن قضى في هذه المسألة بإباحة أو حظر من الفقهاء وتوقف الشيخ أبو الحسن الأشعري وأبو بكر الصيرفي1 في ذلك والخلاف في هذه المسألة جار في خطاب التكليف وخطاب الوضع على حد سواء وفسر الإمام توقف الشيخ بعدم الحكم أي بانتفاء الأحكام وهذا ما قاله النووي في أوائل باب الربا في شرح المهذب أنه الصحيح عند أصحابنا أعني انتفاء الأحكام قال صاحب الكتاب والأولى أن نفسر التوقف بعدم العلم أي بأن لها حكما قبل ورود الشرع ولكنا لا نعلم ما هو وعلل ذلك بأن الحكم قديم عند الشيخ فتفسير التوقف بعدم الحكم يلزم عنه أن يكون الحكم حادثا وهو خلاف مذهبه ثم استشعر المصنف سؤالا فأجاب عنه وتقريره أن الحكم وإن كان قديما عند الشيخ لكن تعلقه حادث لأنه متوقف على بعثة الرسل والمراد بأنه لا حكم قبل ورود الشرع أنه لا تعلق فلا يكون تفسير التوقف بعدم الحكم مخالفا لمذهب الشيخ وتقرير جوابه أن التعلق عند الشيخ لا يتوقف على البعثة لتجويزه
1 هو محمد بن عبد الله البغدادي المكنى بأبي بكر الملقب بالصيرفي الأصولي الفقيه من مؤلفاته شرح الرسالة للإمام الشافعي – رضي الله عنه – توفي بمصر سنة 330 هـ.
تاريخ بغداد 5/449 شذرات الذهب 2/325.
التكليف بالمحال فيجوز أن يتعلق الحكم بأفعال المكلفين قبل ورود الشرع مع عدم شعورهم بذلك.
ولقائل أن يقول هذا حينئذ تكليف الغافل لا تكليف بالمحال والشيخ إنما يجوز الثاني ثم إن الشيخ لا يقول بوقوع التكليف بالمحال بل الحل تفسير التوقف بعدم الحكم وبه صرح القاضي في مختصر التقريب فقال صار أهل الحق إلى أنه لا حكم على العقلاء قبل ورود الشرع وعبروا عن نفي الأحكام بالتوقف ولم يريدوا بذلك الوقف الذي يكون حكما في بعض مسائل الشرع وإنما عنوا به انتفاء الأحكام انتهى وهو مصرح ببطلان ما ذهب إليه المصنف من التفسير وكذا قال إمام الحرمين في البرهان لا حكم على العقلاء قبل ورود الشرع وليس مراده إلا الوقف لعدم الحكم وقال الغزالي إن أراد أصحاب الوقف أن الحكم موقوف على ورود السمع ولا حكم في الحال فصحيح وإن أرادوا عدم العلم فهو خطأ فإن قلت الوقف هو الإمساك عن الحكم بشيء فلا يناسب تفسيره بالجزم بأن لا حكم قلت معنى الوقف يرجع إلى أن فعل المكلف قبل البعث لا يوصف بإباحة ولا حرمة لعدم التعلق به فالتوقف إنما هو في وصف الفعل لا في وجود الحكم وعدمه لكن لما كان السبب في هذا الوقف بعدم الحكم بمعنى عدم التعلق فسرنا التوقف بعدم الحكم تجوزا فإن قلت هذا لا يجامع اختياركم إن التعلق قديم قلت المراد بالتعلق هنا هو التعلق الذي يظهر أثره في المحكوم عليه وهو منتف قبل البعثة فلذلك اخترنا انتفاء الحكم قبل البعثة وفسرنا توقف الشيخ به فإن قلت هل الحكم بنفي الحكم قبل البعثة عقلي أو شرعي قلت هو عقلي لا شرعي بقي مما ننبه عليه هنا أن ما نقله المصنف عن الإمام ليس بجيد فإنه حكى في المحصول قول الوقف ثم قال هذا الوقف تارة يفسر بأنه لا حكم وهذا لا يكون وقفا بل قطعا بعدم الحكم وتارة بأنا لا ندري هل هنا حكم أم لا وإن كان هناك حكم فلا ندري أنه إباحة أو حظر انتهى فليس فيه اختيار ما نقله المصنف عنه.
فإن قلت ما عذر المصنف في ذلك؟
قلت الظاهر أنه تبع صاحب الحاصل1 حيث قال فيه التوقف مرة يفسر بأنا لا ندري الحكم ومرة بعدم الحكم وهو الحق وظن أن صاحب الحاصل اتبع الإمام على عادته فنسب اختيار هذا القول إلى الإمام ويحتمل أن المصنف وقف للإمام على اختيار ذلك في كلام له في غير هذا الموضع أو أنه أراد بالإمام إمام الحرمين فإنه اختار ذلك في البرهان حيث قال لا حكم على العقلاء قبل ورود الشرع وهما احتمالان بعيدان.
1 صاحب الحاصل هو تاج الدين محمد بن حسين الأرموي المتوفى سنة 656 هـ اختصر كتاب المحصول للإمام الرازي في كتاب سماه الحاصل.