الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة امتثال الأمر يوجب الإجزاء
قال الثالثة امتثال الأمر يوجب الإجزاء لأنه إن بقي متعلقا به فيكون أمرا بتحصيل الحاصل أو بغيره فلم يمتثل بالكلية قال أبو هاشم لا يوجبه كما لا يوجب النهي الفساد والجواب طلب الجامع ثم الفرق.
إتيان المكلف بالمأمور بالمأمور به على الوجه المشروع موجب للإجزاء عند الجمهور وخالفهم أبو هاشم وعبد الجبار1 وحجة الجمهور أنه لو لم يكن الامتثال موجبا للإجزاء لكان الأمر بعد الامتثال مقتضيا إما لذلك المأتي به ويلزم تحصيل ا. لحاصل أو لغيره ويلزم ألا يكون الإتيان به بتمام المأمور به بل ببعضه والفرض خلافه
وأعلم أن الإجزاء له تفسيران:
أحدهما: سقوط التعبد به وهو الذي اختاره المصنف في أوائل الكتاب.
والثاني: سقوط القضاء وقد ضعفه ثم والخلاف في هذه المسألة إنما هو مبنى على تفسيره بسقوط القضاء أما إذا فسر بما اختاره المصنف فامتثال الأمر يكون محصلا للإجزاء من غير خلاف وإنما خالف أبو هاشم وأتباعه إذا بنى على ذلك التفسير فقالوا لايمتنع الأمر بالقضاء أيضا مع فعله فحاصل ما يقوله أبو هاشم أنه لا يدل على الإجزاء وإنما الإجزاء مستفاد من عدم دليل
1 هو أبو الحسين عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الهمداني شيخ المعتزلة في زمانه. طج
من مؤلفاته تنزيه القرآن عن المطاعن العمد في أصول الفقه.
توفي بالري سنة 415 هـ الأعلام 2/476.
يدل على وجوب الإعادة ولا خلاف بين أبي هاشم وغيره في براءة الذمة عند الإتيان بالمأمرو به1 وقد شبه القرافي هذا الخلاف في مفهوم الشرط كما إذا قال إن دخلت الدار فأنت حر فمن قال لا مفهوم للشرط قال عدم عقته ما لم يأت بالمشروط مستفاد من الملك السابق ومن قال له مفهوم قال هو مستفاد من ذلك ومن مفهوم الشرط أيضا وكذلك الخلاف الذي هنا وإذا عرفت ذلك أن أبا هاشم لا يقول ببقاء شغل الذمة بعد الفعل لأن الأمر بمجرده لا يدل عليه وحينئذ فدليل المصنف عليه دليل في محل الوفاق لا معترض به عليه وهذا هو التحرير في نقل مذهب أبي هاشم وكذلك نطق به جماعة منهم الشيخ تقي الدين بن دقيق العبد في شرح العنوان واحتج أبو هاشم على مذهبه بأن النهي لا يدل على الفساد بدليل البيع وقت النداء فكذلك الأمر لا يدل على الإجزاء وإليه الإشارة بقوله لا يوجبه أي لا يوجب الأمر الإجزاء كما لا يوجب النهي الفساد.
والجواب أولا طلب الجامع بين المقيس والمقيس عليه وهو الأمر والنهي فإن أتى به بأن قال الجامع أن كلا منهم طلب لا إشعار له بذلك أو أنهما متضادان والشيء محمول على ضده كما هو محمول على مثله أجبنا ثانيا بالفرق وهو أن مقتضى الأمر الإتيان بالمأمور به فلو لم يكن موجبا للإجزاء لم يكن للأمر فائدة لأنه حينئذ يكون كأنه قال افعل هذا وإن فعلت فكأنك لم تفعل بخلاف النهي فإن مقتضاه الانكفاف عن المنهي وقد يكون الانكفاف بحكم آخر كالنهي عن البيع وقت النداء مع مجامعته للصحة ولهذا يصح أن يقال لا تفعل هذا وإن فعلته يكون فعلك صحيحا.
1 اتفق الجميع على أن الإتيان بالمأمور به على وجه الصحيح يدل على الإجزاء بمعنى امتثال الأمر واتفقوا على عدم الإجزاء بمعنى عدم سقوط القضاء إذا اختل شرط في المأمور به وإنما الخلاف في الإجزاء بمعنى القضاء فيما إذا أتى المكلف بالمأمور به على صفة الكمال فهل الإتيان به على الوجه المأمور به يستلزم سقوط القضاء؟ فالجمهور من الأصوليين والفقهاء على أنه يستلزمه وعليه أكثر المعتزلة وقال بعض المعتزلة ومنهم أبو هاشم لا يوجبه.
وانظر الإحكام للآمدي 2/162.
فإن قلت الحاج إذا فسد فهو مأمور بالمضي في فاسد الحج وإذا مضى فيه كما أمر لزمه في مستقبل الزمان حج صحيح ولم يقع إذن مضيه مجزئا وإن كان مأمورا به.
قلت قال إمام الحرمين هذا قول من يتلقى الحقائق في الأصول من خيالات في مضطرب الظنون المتعلقة بالفروع فنقول إن كان ما خاض أولا حجا مفروضا فالخطاب بإيقاع حج صحيح قائم والإفساد مناف لحق الامتثال وليس المضي في الفاسد مقتضى الأمر بالحج الصحيح وإنما هو متلقى من أمر جديد يختص بالحج فيثبت الجريان في الفاسد بأمر جديد وبقي على المفسد حق القيام بالأمر الأول وإن كان الحج تطوعا فيجب القضاء على المفسد بأمر جديد وليس ذلك من مقتضى الأمر بالمضي قال وهذا لا غموض فيه وقد يتعارض على الفقيه الفرق بين الفساد والفوات والتحلل بعد الإحصار وحظ الأصولي من هذه المسائل تقرير أمر جديد في كل ما لا يتلقى من الأمر الأول وهذا ليس بالعسر بل هو مقطوع به والله أعلم وبه التوفيق.