المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الرابعة: مقدمة الواجب - الإبهاج في شرح المنهاج - ط العلمية - جـ ١

[تاج الدين ابن السبكي - تقي الدين السبكي]

فهرس الكتاب

- ‌فائدة علم الأصول

- ‌شروط المجتهد

- ‌شرح ديباجة الكتاب

- ‌تعريف أصول الفقه

- ‌تعريف الفقه

- ‌الباب الأول في الحكم

- ‌الفصل الثاني: في تقسيم الحكم

- ‌التقسيم الأول: الخطاب إن اقتضى الوجود

- ‌التقسيم الثاني: باعتبار الحسن والقبيح

- ‌التقسيم الثالث: إلى السبب والمسبب

- ‌التقسيم الرابع: بعتبار الصحة والفساد

- ‌تعريف الأجزاء

- ‌التقسيم الخامس: إلى الأداء والإعادة والقضاء

- ‌التقسيمالسادس: إلى العزيمة والرخصة

- ‌الفصل الثالث: في أحكام الحكم

- ‌المسألة الأولى: الواجب المعين والمخير

- ‌تذنيب

- ‌المسألة الثانية: الوجب الموسع والمضيق

- ‌المسألة الثالثة: الوجب العيني والواجب الكفائي

- ‌المسألة الرابعة: مقدمة الواجب

- ‌السألة الخامسة: وجوب الشىء يستلزم حرمة نقيضه

- ‌المسألة السادسة إذا نسخ الوجوب بقي الجواز

- ‌المسألة السابعة: الواجب لا يجوز تركه

- ‌الباب الثاني فيما لا بد للحكم منه

- ‌الحاكم

- ‌الحسن والقبيح

- ‌فرعا الحسن والقبيح. الفرع الأول: شكر المنعم ليس بواجب عقلا

- ‌الفرع الثاني: الأفعال الختيارية قبل البحث

- ‌أدلة القائلين بالإباحة

- ‌أدلة القائلين بحرمتها

- ‌المحكوم عليه

- ‌المسألة الأولى: الاحكم على المعدوم

- ‌المسألة الثانية: تكليف الغافل

- ‌المسألة الثالثة: الإكراه الملجىء يمنع التكليف

- ‌المسألة الرابعة: وقت توجيه الخطاب إلى المكلف

- ‌أدلة القائلين بتوحه الخطاب

- ‌المحكوم به

- ‌المسألة الأولى: جواز التكليف بالمحال

- ‌أدلة القائلين بعدم الوقوع

- ‌دليل القائلين بالوقوع

- ‌المسألة الثانية: تكليف الكفار

- ‌أدلة القائلين بتكليف الكفار

- ‌المسألة الثالثة امتثال الأمر يوجب الإجزاء

- ‌الكتاب الأول في الكتاب وهو القرآن الكريم

-

- ‌اللغات

- ‌الفصل الأول: الوضع

- ‌أسباب وضع اللغات

- ‌الواضع للغات وآراء العلماء فيها

- ‌الأدلة

- ‌طريق معرفة اللغات

- ‌الفصل الثاني: تقسيم الألفاظ

- ‌الفصل الثالث: الأشتقاق

- ‌تعريف الاشتقاق

- ‌أحكام الاشتقاق

- ‌الفصل الرابع: الترادف

- ‌تعريفه

- ‌أحكام المتردفات

- ‌الفصل الخامس: الاشتراك

- ‌الفصل الساس: الحقيقة والمجاز

- ‌تعريف الحقيقة والمجاز

- ‌المسألة الأولى: وجود الحقيقة اللغوية والعرفية

- ‌المسألة الثانية: أنواع المجاز

- ‌المسألة الثألثة: شرط المجاز وجود العلاقة

- ‌المسألة الرابعة: المجاز بالذات لايكون في الحروف

- ‌المسألة الخامسة: المجاز خلاف الأصل

- ‌المسألة السادسة: لأأسباب التي تدعو إلمجاز

- ‌المسألة السابعة: اللفظ قدلا يكون حقيقة

- ‌المسألة الثامنة: علامة الحقيقة والمجاز

- ‌الفصل السابع: تعارض ما يخل بالفهم

- ‌الفصل الثامن: تفسير حروف يحتاجه إليها

- ‌المسألة الأولى: الواو

- ‌المسألة الثانية: الفاء

- ‌المسألة الثالثة: في

- ‌المسألة الرابعة: من

- ‌المسألة الخامسة: الباء

- ‌المسألة السادسة: إنما

- ‌الفصل التاسع: كيفية الاستدلال بالألفاظ

- ‌المسألة الأولى: لا يخطبنا الله تعالى بالمهمل

- ‌المسألة الثانية: لا يعني خلاف الظاهر من غير بيان

- ‌المسألة الثالثة: دلالة المنطوق والمفهوم

- ‌المسألة الرابعة: تعليق الحكم بالأسم

- ‌المسألة الخامسة: التخصيص بالشرط

- ‌المسألة السادسة: التخصيص بالعدد

- ‌المسألة السابعة: استقلال النص بافادة الحكم وعدمه

الفصل: ‌المسألة الرابعة: مقدمة الواجب

‌المسألة الرابعة: مقدمة الواجب

المسألة الرابعة في مقدمة الواجب

"الرابعة وجوب الشيء مطلقا يوجب وجوب ما لا يتم إلا به وكان مقدورا" قوله مطلقا احتراز من الوجوب المقيد بشرط كالزكاة وجوبها متوقف على النصاب ولا يجب تحصيله وجوبها متوقف على الجماعة والإقامة ولا يجب تحصيلهما وهذا متفق عليه وقوله وكان مقدورا احتراز من قدرة العبد على الفعل وداعيته المخلوقتين لله تعالى لا تتم الواجبات المطلقة عليه وغيرها إلا بهما ولا يجب تحصيلهما ولا يتوقف الوجوب عليهما وجملة ما يتوقف عليه الفعل إما أن يكون من فعل الله أو فعل العبد وكل منهما إما أن يتوقف عليه الوجوب أو لا فالذي من فعل الله يتوقف عليه الوجوب كالعقل وسلامة الأعضاء التي بها الفعل والذي لا يتوقف عليه الوجوب كخلق قدرة العبد وداعيته والذي من فعل العبد ويتوقف عليه الوجوب كما سبق والذي لا يتوقف عليه الوجوب إما أن يكون مقدورا أو لا فغير المقدور لا يتحقق معه وجوب الفعل إلا على القول بتكليف ما لا يطاق وحينئذ يصح وجوب غير المقدور مما يتوقف عليه الواجب فلا يصح اشتراط كونه مقدورا لذلك لم أر مثالا يصح اجتماع الوجوب معه إلا القدرة الداعية ورأيت جماعة خبطوا في ذلك وقولنا ما لا يتم الشيء إلا به يشمل بالوضع ثلاثة أشياء الجزء والسبب والشرط لكن الجزء ليس مرادا هنا لأن الأمر بالكل أمر به تضمنا ولا تردد في ذلك وإنما المراد السبب والشرط وأن الأمر بالشيء هل يستلزم الأمر بسببه أو شرطه أو لا ولذلك عبر بعضهم بالمقدمة والمقدمة خارجة عن الشيء مقدمة عليه بخلاف الجزء فإنه داخل فيه والمختار وجوب السبب والشرط كما ذكر المصنف.

والجزء إذا لم يكن مقدورا سقط وجوبه إذا لم نقل بتكليف ما لا يطاق من

ص: 103

ضرورة ذلك عدم وجوب الكل حينئذ لكن بقي وجوب ما سواه من الأجزاء لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم".

وهذا آخر ما كتبه الشيخ الإمام العلامة المجتهد شيخ الإسلام والمسلمين تقي الدين بقية المجتهدين أبو الحسن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الشافعي رحمه الله ورحم أموات المسلمين وتممه ولده قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب فسح الله في مدته ونفع به آمين.

ص: 104

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين رب يسر قال سيدنا ومولانا الشيخ الإمام العلامة الأوحد البارع الحافظ شيخ الإسلام مفتي الأنام قدوة الأئمة حبر الأمة ناصر السنة قامع البدعة علامة العلماء وارث الأنبياء فريد دهره ووحيد عصره قاضي القضاة تاج الدين ابت سيدنا ومولانا قاضي القضاة أوحد العلماء العاملين آخر المجتهدين تقي الدين أبي الحسن السبكي الشافعي متع الله بحياته المسلمين وأيده وأمده بعونه وأدام النفع به آمين.

الحمد لله رب العالمين الحمد لله الذي جعل لنا من هذا الدين القيم شرعة ومنهاجا ووأطلع لنا في سماء العلم الشريف من الكتاب والسنة سراجا وهاجا وقدر للفقيه أن يكون على الإجماع محتالا وإلى القياس محتاجا نحمده على نعمه التي خصنا بعمومها ورجحنا على من سوانا بأدلة مفهومها واستوعب لنا ما وجد منها عند سبرها وتقسيمها ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة ظاهرة غير مؤولة دائمة نستصحب أحكاما غير مبدلة نامية الثواب يوم المعاد فلا يحتاج إلى بيان أحكامها المجملة ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي نسخ شرع من قبله بشرعه المؤيد وأمر ونهى فأوجب وندب وحرم وأباح وأطلق وقيد واجتهد في إبلاغ ما أمر به فذب العقل عن فعل ما قرره وشيد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه الذين فهموا خطاب وضعه وقاموا بشرائط دينه وعلموا أدلة شرعه واتبعوه فما منهم إلا من قال بموجب أصله وفرعه صلاة تصل أخبارها إليهم بكرة وعشيا وتفد أجناسها المتنوعة بفصولها المتميزة عليهم فتسلك صراطا سويا وتخلص فتخلص قائلها من الأهوال يوم يموت ويوم يبعث حيا دائمة ما افتقر فرع إلى الرجوع إلى أصله واحتاج المجادل إلى تجويد نصه كما يحتاج المجالد إلى تجريد نصله باقية لا ينعكس طردها ولا يشتبه محكمها

ص: 105

بترهات الملحد وزخرف قوله: ورضي الله عن التابعين لهم بإحسان المقتفين آثارهم الحسان وخص بمزيد الرضوان العلماء الحامين حمى الشريعة أن يضام أو يضاع الوارثين بالدرجة الرفيعة هدى النبوة الذي لا يرام ولا يراع الوافدين على حياطته بالهمة الشريفة حتى لا ينفك أو يشان ويشاع لا سيما الإمام المطلبي مستخرج علم أصول الفقه محمد بن إدريس الشافعي الذي ساد المجتهدين بما أصل وأنشأ وسار نبأ مجده والبرق وراءه يتحرق عجله وهو أمامه على مهل يتمشى وساق إلى سواء السبيل بعلومه التي غشاها من تقوى الله ما غشى وقدس أرواح أصحابه الذين زينوا أسماء العلوم من أنفسهم بزينة الكواكب وهاموا باتباع مذهبه المذهب وللناس فيما يعشقون مذاهب.

وذادوا عن بيان ما أجمله وإيضاح ما أشكله والعلوم عطايا من الله ومواهب رضا يتكفل بنجاة كل منهم ونجاحه ويمر بروض الإيمان فيتعطر بأنفاسه رياحه ويفخر عقد الجوزاء إذا كان درة في وشاحه.

أما بعد فإن العلوم وإن كانت تتعالى شرفا وتطلع في افق الفخار من كواكبها شرفا فلا مرية في أن الفقه نتيجة مقدماتها وغاية نهاياتها وواسطة عقدها ورابطة حلها وعقدها به يعرف الحرام من الحلال وتستبين مصابيح الهدى من ظلام الضلال وهيهات أن يتوصل طالب وإن جد المسير إليه أو يتحصل بعد الإعيا والنصب عليه إلا بعد العلم بأصول الفقه والمعرفة والنهاية فيه فإنه صفته وكيف يفارق الموصوف الصفة وقد نظرنا فلم نر مختصرا أعذب لفظا وأسهل حفظا وأجدر بالاعتناء وأجمع لمجامع الثناء من كتاب منهاج الوصول إلى علم الأصول للشيخ الإمام العالم العلامة قاضي القضاة ناصر الدين البيضاوي بيض الله وجهه يوم تبيض وجوه وتسود وجوه وروض تربته بغمام الغفران حتى يأتي يوم القيامة وما ثلم جانبه ولا فض فوه فإنه موضوع على أحسن منهاج محمول على الأعين وليس له منها من هاج بعبارة أعذب من ماء السحاب وألعب من ابنة الكرم بعقول أولي الألباب آل فضل البلاغة إليه وآلى فضل الخطاب ألا يتمثل إلا بين يديه وقد رأيت شراحه على كثرتهم مالوا إلى الإيجاز وقالوا وكأنما ضاق بهم الفضاء الواسع فعد مقالهم

ص: 106

في الألغاز قنع كل منهم بحاجة في نفسه من اسم التصنيف قضاها وجمع نفسه على ما شف به سجل الكتاب من تقارير إذ أنصف من نفسه لا يرضاها فشروحهم تحتاج إلى من يشرحها وكلماتهم تريد بسطة في العلم والجسم توضحها.

وقد كان الشيخ الإمام والدي رحمه الله شرع في وضع شرح عليه أبهى وأبهج من الوشي المرقوم وأسرى وأسرع إلى الهداية من طوالع النجوم عديد شهب لائحه ورسل سحب سائحه وسماه علم يهتدى بكوكبه وعلاء قدر أخذ بلمة الفخر ولم يزاحمه بمنكبه لا تنقشع عارضته ولا نتوقع معارضته خضعت رقاب المعاني لكلامه وخشعت الأصوات وقد رأته جاوز الجوزاء وما رضيها دار مقامه لكنه أحسن الله إليه ما غاص في بحره إلى القرار ولا أوصل هلاله إلى ليلة البدار بل أضرب عنه صفحا بعد لأي قريب وتركه طرحا وهو الدر اليتيم بين إخوانه كالغريب وقد حدثتني النفس بالتذييل على هذه القطعة وأحاديث النفس كثيرة وأمرتني الأمارة بالتكميل عليها ولكني استصغرتها عن هذه الكبيرة وقلت للقلم أين تذهب وللفكر أين تجول أطنب لسانك أم أسهب ووقفت وقفة العاجز والنفس تأبى إلا المبادرة بما به أشارت وجرت على تيارها منادية أئت بما أمرتك بما استطعت وتوارى اللسان وما توارت فلما تعارض المانع والمقتضى وعلمت أن الحال إذا حاولت مجهودها قام لها العذر الواضح فيما استقبلته ومضى أي مضى أعلمت الفكرة في الدجنة والوجه والليل كلاهما كالح وشرعت فيه وقلت لعل الغرض يتم ببركته وبقصده الصالح وجردت همة ما ورد رائدها إلا وقد سئم من النشاط ولا أغمد مهندها إلا وقد ترك ألف طريح على البساط ولا عاد نصلها إلا وقد قضى المأمول ولا فترت عزائمها إلا وقد حصلت على نهاية السول وأعلمنا هذه الهمة في مدلهم الديجور وصرفنا قلمها بشهادة النجوم وفلكها يدور فلم تنشب ليالي أسبلت جلبابها وأرخت نقابها معدودة ساعاتها ممدودة بالألطاف الخفية أوقاتها إلى أن انهزمت تلك الليالي ودارت الدائرة عليها وجاء من النسيم العليل بشير الصبح متقدما بين يديها فوافى الصباح بكل معنى مبتكر وجلا عرائس بدائعه فشنف السمع وشرف البصر وجاء كتابا ساطعا نور شمسه وشمس السماء في غروب طالعا

ص: 107

في أفق الفخار على أحسن أسلوب جائزا لما يراد منه في كل طريقه جائزا حقا على مقالات المتقدمين والمتأخرين وحسبك بمن مجازه حقيقة فأسأل الله تعالى أن يعم النفع به وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم موجبا للفوز لديه وقد وصل والدي الشيخ الإمام جزاه الله الخير إلى مسألة مقدمة الواجب ونحن نتلوه والله الموفق المعين بخفي ألطافه والمحقق لرجاء العبد بإسعاده وإسعافه.

ص: 108

قال المصنف رحمه الله

"الرابعة وجوب الشيء مطلقا يوجب وجوب ما لا يتم إلا به وكان مقدورا".

قال والدي تغمده الله برحمته قوله مطلقا احتراز من الوجوب المقيد كشرط الزكاة وجوبها متوقف على النصاب ولا يجب تحصيله والجمعة وجوبها متوقف على الجماعة والاقامة في بلد ولا يجب تحصيلهما وهذا متفق عليه وقوله: "وكان مقدورا" احتراز من قدرة العبد على الفعل وداعيته المخلوقتين لله تعالى لا تتم الواجبات المطلقة عليه كالصلاة وغيرها إلا بهما ولا يجب تحصيلهما ولا يتوقف الوجوب عليهما وجملة ما يتوقف عليه الفعل اما أن يكون من فعل الله تعالى أو فعل العبد وكل منهما إما أن يتوقف عليه الوجوب اولا فالذي من فعل الله تعالى ويتوقف عليه الوجوب كالعقل وسلامة الأعضاء التي بها الفعل والذي لا يتوقف عليه الوجوب خلق قدرة العبد وداعيته والذي من فعل العبد ويتوقف عليه الوجوب أما أن يكون مقدورا أولا فغير المقدور لا يتحقق معه وجوب الفعل إلا على القول بتكليف ما لا يطاق وحينئذ يصح وجوب غير المقدور مما يتوقف عليه الواجب فلا يصح اشتراط كونه مقدورا فلذلك لم أر مثالا يصح اجتماع الوجوب معه إلا القدرة والداعية ورأيت جماعة خطبوا في ذلك.

وقولنا: ما لا يتم الشيء إلا به يشمل بالوضع ثلاثة أشياء الجزء والسبب والشرط لكن الجزء ليس مرادا هنا لأن الأمر بالكل أمر به تضمنا ولا تردد في ذلك وإنما المراد السبب والشرط وأن الأمر بالشيء هل يستلزم الأمر بسببه أو شرطه أو لا ولذلك عبر بعضهم عنه بالمقدمة والمقدمة خارجة عن الشيء

ص: 109

متقدمة عليه بخلاف الجزء فانه داخل فيه والمختار وجوب السبب والشرط كما ذكره المصنف والجزء إذا لم يكن مقدورا سقط وجوبه إذا لم نقل بتكليف ما لا يطاق ومن ضرورة ذلك عدم وجوب الكل حينئذ لكن يبقى وجوب ما سواه من الأجزاء لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"1.

قلت: هذا ما وقف عنده والدي الشيخ الإمام تغمده الله برحمته ورضوانه ومن هنا أبتدئ وبالله التوفيق فأقول لا مزيد على حسن ما ذكره وأما قوله: إذا لم يجب الكل لعدم القدرة على الجزء يبقى وجوب ما سواه من الأجزاء فصحيح ومستنده الحديث الذي أورده وهو القاعدة التي يذكرها الفقهاء: "الميسور لا يسقط بالمعسور" وسنلتفت إن شاء الله في ذيل المسألة إليها

قال: "قيل يوجب السبب دون الشرط وقيل لا فيهما".

عرفت المذهب المختار وقال قوم يوجب السبب ولا يوجب الشرط سواء كان شرطا شرعيا كالوضوء للصلاة أو عقليا كترك ضد الواجب أو عاديا كغسل جزء من الرأس لغسل الوجه وقيل لا يوجبه مطلقا هذه المذاهب التي حكاها المصنف وفي المسألة مذهب رابع ارتضاه إمام الحرمين واختار ابن الحاجب2 أن وجوب الشيء مطلقا يوجب الشرط الشرعي دون العقلي أو العادي.

قال: "لنا أن التكليف بالمشروط دون محال قيل يختص بوقت وجود

1 حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" كما أخرجه ابن حبا، كما ذكره الحافظ ابن حجر الفتوحات الربانية للنووي 1/80.

2 هو: عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس، جمال الدين بن الحاجب، فقيه مالكي، من كبار العلماء بالعربية، كردي الأصل، ولد في إسنا بصعيد مصر، ونشأ في القاهرة ثم رحل إلى دمشق، وكان أبوه حاجباً فعرف به.

من مؤلفاته: "القافية، والشافية، مختصر الفقه، منتهى السول والأمل في علمي الأصول والجدل، ومختصر المنتهى" توفي بالإسكندرية سنة:646هـ وفيات الأعيان 1/314، الأعلام 4/374.

ص: 110

الشرط قلنا خلاف الظاهر قيل إيجاب المقدمة أيضا كذلك قلنا لا فان اللفظ لم يدفعه".

لما اشترك المذهبان اللذان حكاهما آنفا في عدم إيجاب الشرط رد عليهما بالدليل المذكور وقوله التكليف بالمشروط دون الشرط هذه العبارة تحتمل ثلاثة معان:

أحدهما: التكليف بالمشروط دون التكليف بالشرط ونقرر استحالته بأنه إذا لم يجب الشرط جاز تركه فنقدر هذا الجائز واقعا فيصير واقعا كالمعنى الثاني وسنقرر إن شاء الله استحالته ولكن هذا المعنى ليس مراده لأنه محل النزاع فلو أراده لكان مصادرا على المطلوب ولأنه يحوج إلى إضمار ولأن قوله بعد ذلك قيل يختص بوجود الشرط يرشد إلى خلافه ولأن الإمام صرح بالمقصود فقال حال عدم المقدمة.

المعنى الثاني: أن يكون التكليف حال عدم الشرط وهذا هو المقصود وهو على قسمين أيضا:

أحدهما: وهو الثاني من المعاني يكلف وقت عدم الشرط بايقاع المشروط حينئذ ولا شك أن هذا تكليف بما لا يطاق والاستحالة جاءت من تضاد متعلق التكليف ووقته لا من خصوصه ولا من خصوص وقته وقريب من هذه العبارة أن يختص التكليف بوقت عدم الشرط.

والثاني: من القسمين وهو الثالث من المعاني أن يكلف وقت عدم الشرط بايقاع المشروط مطلقا ومقتضى ذلك ألا يختص التكليف بوقت بل يوجد حال وجود الشرط وعدمه والمكلف به في القسمين المشروط من حيث هو لا بقيد الشرط ولا بقيد عدمه والتقييد يقيد عدمه مستحيل في نفسه ويقيد وجوده يلزم منه طلب الشرط كما هو المدعى أعني إذا كان المطلوب المشروط ووقت طلبه غير مقيد.

إذا عرفت ذلك فنقول لو لم يوجب إيجاب الشيء مطلقا ما يتوقف عليه ذلك الشيء لكنا قد كلفنا بالمشروط من غير التكليف بالشرط وهو تكليف

ص: 111

بمحال لأنه إذا كان المشروط مكلفا به دون الشرط لم يحبب الإتيان بالشرط وإذا جاز ترك الشرط لزم منه جواز ترك المشروط لأن انتفاء الشرط مستلزم لانتفاء المشروط فيلزم كون المشروط جائز الترك واجب الفعل وهو تكليف بما يلزم من المحال فتعين أن يكون التكليف بالمشروط موجبا للتكليف بالشرط وإن أثبت ذلك في الشرط ففي السبب بطريق أولى فإن من قال بوجوب الشرط قال بوجوب السبب من غير عكس.

هذا تقرير الدليل وقول المصنف التكليف بالمشروط دون الشرط محال فيه نظر لأنا نفرق بين التكليف بالمحال والتكليف المحال فالأول هو تكليف العاقل الذي يفهم الخطاب بما لا يطيقه وهو محل الخلاف في تكليف ما لا يطاق لأن المخاطب به يعلم أنه مكلف بذلك.

والثاني: مثل تكليف الميت والجماد ومن لا يعقل من الأحياء فهذا تكليف المحال واتفق أهل الحق قاطبة على أنه لا يصح نقل هذا الاتفاق القاضي أبو بكر رحمه الله فكان الأحسن للمصنف أن يقول تكليف محال كما قررناه وعذره في ذلك أنه فرع على تكليف ما لا يطاق فإن الأصحاب وإن أقروا بتكليف ما لا يطاق في موضعه لا يفرعون عليه ويحيلون ما لزم عنه لكونه غير واقع في الشريعة فحينئذ التكليف به محال عند المانعين منه فيصح كلامه.

قوله: قيل يختص بوقت وجود الشرط اعترض الخصم على الدليل المذكور بأنه لم لا يجوز أن يختص التكليف بالمشروط بحال وجود الشرط ولا امتناع في ذلك فإن غايته أن يقيد الأمر ببعض الأحوال لمقتض قام وهو الفرار من تكليف المحال وأجاب المصنف بأن اللفظ مطلق لا اختصاص له بوقت وجود الشرط خلاف الظاهر واعترض الخصم أيضا بأن إيجابكم المقدمة أيضا خلاف الظاهر لأن ظاهر الأمر لا يدل عليه فإذا جاز مخالفة الظاهر من هذا الوجه فلم لا يجوز من الوجه الذي ذكرناه وأجاب المصنف بأن مخالفة الظاهر عبارة عن إثبات ما ينفيه اللفظ أو نفي ما يثبته اللفظ ظاهرا وأما إثبات ما لم يتعرض اللفظ له بنفي ولا إثبات فليس مخالفة للظاهر وحينئذ لا يكون إيجاب المقدمة مخالفة للظاهر إذ لم يدل اللفظ عليه بنفي ولا إثبات بخلاف تخصيص

ص: 112

الأمر بوقت وجود الشرط فإن اللفظ يقتضي الوجوب مطلقا فتقييده بوقت وجود الشرط دون ما سواه مخالفة للظاهر فإن قلت كيف يكون حمل المطلق الصادق بصورة على أحد صوره خلاف الظاهر وليس فيه إثبات ما ينفيه اللفظ ولا نفي ما يثبته قلت لما اقتضى الإطلاق من كل صوره صار تقييده هـ بصورة منافر لكونه مطلقا قال:

تنبيه

"مقدمة الواجب إما أن يتوقف عليها وجوده شرعا كالوضوء للصلاة أو عقلا كالمشي للحج أو العلم به كالإتيان بالخمس إذا ترك واحدة ونسي وستر شيء من الركبة لستر الفخذ".

عبر الإمام عن هذا بالفرع ووجهه أنه مندرج تحت أصل كلي ووجه التعبير عنه بالتنبيه أن الكلام السابق نبه عليه على سبيل الإجمال حاصله أن مقدمة الواجب تنقسم إلى أمرين:

أحدهما: أن يتوقف عليه وجوب الواجب وهو نوعان:

أحدهما: أن يتوقف عليه شرعا كالوضوء مع الصلاة.

الثاني: أن يتوقف عليه عقلا كالسير إلى الحج وعبارة المصنف المشي وقد يناقش فيها والأمر سهل.

القسم الثاني: أن يتوقف عليها العلم بوجود الواجب لا نفس وجود الواجب فلذلك إما لالتباس الواجب بغيره كالإتيان بالصلوات الخمس إذا ترك واحدة ونسي عينها فإن العلم بأنه أتى بالصلاة المنسية لا يحصل إلا بالإتيان بالخمس وإما أن يكون لتقارب ما بين الواجب وغيره بحيث لا يظهر حد مفرق بينهما وذلك كستر شيء من الركبة لستر الفخذ فإن الفخذ والركبة متقاربان فالعلم بستر جميع الفخذ الذي هو واجب إنما يحصل بستر شيء من الركبة للتقارب المذكور هذا ما ذكره وهو مبني على أن الفخذ نفسه عورة وذلك في المرأة بلا خلاف وفي الرجل على الصحيح وعلى أن الركبة نفسها ليست بعورة وهو الصحيح أيضا فإن قلت القول بإيجاب الخمس على من نسي

ص: 113

أحدها وجهل عينها عند من يوجب المقدمة واضح وأما من لا يوجبها فماذا يفعل وما فائدة الخلاف قلت قد لا ينظر الفقيه إلى الخلاف الأصولي في كثير من الفروع ولا يجعل لها به تعلقا البتة وقد يقال بظهور فائدة الخلاف في أنه هل يصلي الخمس بتيمم واحد أو بخمس تيممات لكن الصحيح إيجاب تيمم واحد وقضية القول بوجوب المقدمة إيجاب خمس تيممات فإن قلت ما وجه القصور في الإيجاب على تيمم واحد والخمس فرائض ولا يصلي بتيمم واحد أكثر من فريضة واحدة قلت الأربعة من حيث إنها لم ترد لنفسها منحطة عن مراتب الفرائض ولذلك قيل صلاة ركعتين تطوعا أفضل من إحدى الصلوات الأربع التي هي غير واجبة في نفس الأمر وعد ذلك موضعا يفضل الندب فيه الواجب ونحن لنا في هذا نظر ليس هذا موضعه.

فروع فقهية

قال:" فروع الأول لو اشتبهت المنكوحة بالأجنبية حرمتا على معنى أنه يجب عليه الكف عنهما".

أما الأجنبية فواضح وأما المنكوحة فلاشتباهها بالأجنبية فالكف عنهما هو طريق حصول العلم بالكف عن الأجنبية وإنما قال على معنى أنه يجب عليه الكف عنهما لأن الحرام عليه في نفس الأمر هي الأجنبية فقط فمعنى تحريمهما عليه وجوب الكف عنهما فنبه عليه واعلم أن هذا النوع في الحرمة لما لا يتم الواجب إلا به شبيه في الوجوب للإتيان بالخمس إذا ترك واحدة ونسي عينها.

قال: " الثاني إذا قال إحداكما طالق حرمتنا تغليبا للحرمة والله تعالى يعلم أن سيعين إحداهما لكن ما لم يعين لم تتعين".

إذا قال: إحداكما طالق ولم ينو إحداهما على التعيين حرمت الزوجتان عليه إلى حين التعيين لأن كل واحدة منهما يحتمل أن تكون هي المطلقة فتحرم أو غير المطلقة فلا تحرم وإذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام والفرق بين هذا والذي قبله أن إحدى المرأتين في الصورة الأولى ليست محرمة بطريق الأصالة

ص: 114

بل للاشتباه بخلاف الفرع الثاني فإنهما في ذلك سواء وأيضا فالزوج غير قادر على إزالة التحريم في الأول دون الثاني وهذا الذي جزم به المصنف حكاه الإمام مذهبا لبعضهم وقال يحتمل أن يقال يحل وطؤها لأن الطلاق شيء معين فلا يحصل إلا في محل معين فقبل التعيين لا يكون الطلاق نازلا في واحدة منهن ويكون الموجود قبل التعيين ليس هو الطلاق بل أمر له صلاحية التأثير في الطلاق عند اتصال البيان به لا إنه طلاق وإذا لم يوجد الطلاق قبل التعيين وكان الحل موجودا أوجب القول لبقائه فيحل وطؤها معا معا هذا كلامه ونقل ابن رفعة1 عن كتاب الوزير ابن هبيرة الذي حكى فيه ما اجتمع عليه الأئمة الأربعة وما اختلفوا فيه أن ابن هبيرة2 من أصحابنا قال إذا طلق واحدة من نسائه لا بعينها أو بعينها ثم أنسيها طلاقا رجعيا أنه لا يحال بينه وبين وطئهن وله وطء أيتهن شاء وإذا وطيء واحدة انصرف الطلاق إلى صاحبتها وهذا يعضد ما حاوله الإمام وهو ضعيف لأنا نقول محل الطلاق القدر المشترك بينهما وهو إحداهما لا بعينه وهو متعين بالنوع وإن لم يكن متعينا بالشخص واستدعاء الطلاق من حيث كونه وصفا متعينا محلا معينا يكفي فيه التعيين بالنوع.

سلمنا أنه يقتضي تعينا بالشخص ولكن نقول هو عند الله متعين

1 هو: أحمد بن محمد بن علي الأنصاري، أبو العباس، نجم الدين، المعروف بابن الرفعة، فقيه شافعي، من فضلاء مصر، كان محتسب القاهرة ونائباً في الحكم.

من مؤلفاته: "بدل النصائح الشرعية في ما على السلطان وولاة الأمور وسائر الرعية" و"الكفاية في شرح التنبيه".

توفي سنة 710هـ.

الدار الكامنة 1/284، الأعلام 1/213.

2 هو: يحيى بن هبيرة بن محمد بن هبيرة الذهلي، الشيباني، أبو المظفر، من كبار الوزراء في الدولة العباسية كان عالماً بالفقه والأدب، استوزره المقتفي سنة 544هـ فقام بشؤون الوزارة خير قيام، ولما توفي "المقتفي" وبويع "المستنجد" أقره في الوزارة. وكان يحضر مجلسه الفضلاء على اختلاف فنونهم. ألف العديد من الكتب، منها: الإيضاح والتبيين في اختلاف الأئمة المجتهدين" و"الإشراف على مذاهب الأشراف" في الفقه.

توفي سنة 560هـ وفيات الأعيان 2/246، شذرات الذهب 4/191، الأعلام 9/222.

ص: 115

بالشخص ونحن في الخارج لا نعلمه حتى يعينه العبد بالطلاق النازل لوجوده من قادر على التصرف في محل قابل فينفذ ولا نفوذ له إلا بوقوعه في الخارج منجزا لأنه كذلك أوقعه فلو لم يقع كما أوقعه لما نفذ التصرف ولكن لا نحكم ببطلان الزوجية إلا من حين علمنا بذلك الشخص الذي كان مبهما علينا ولا ينعطف على ما مضى لجهلنا في الماضي بالحال.

قوله: والله تعالى يعلم أنه سيعين جواب عن سؤال مقدر ويمكن أن يقرر على وجهين:

أحدهما: إن الله تعالى يعلم المرأة التي سيعينها الزوج بعينها فتكون هي المطلقة في علم الله تعالى وإنما هو مشتبه علينا وهذا سؤال أورده الإمام على نفسه في قوله بالإباحة فإن الاشتباه يقتضي التحريم وهو خلاف ما مال إليه وجوابه أن الله تعالى يعلم الأشياء على ما هي عليه فلا يعلم غير المعين معينا لأن ذلك جهل وهو محال في حق الله تعالى بل علمه في الحال بأنه سيعين في المستقبل وهذا التقرير ماش على ما في المحصول إلا أنه يلزم منه أن يكون المصنف أورد سؤالا على دعوى لم يدعها ولم يذكرها البتة وهي القول بالإباحة.

والثاني: أن يقال لا فارق هذا الفرع والفرع الذي قبله إلا أن إحدى المرأتين في ذلك وهي الأجنبية محرمة في نفس الأمر وكل واحدة منهما هنا على حد سواء ونحن لا نسلم أن كل واحدة منهما محتملة الحل والحرمة حتى يحصل ما ذكرت بل الله يعلم المحرمة فهي معينة في علمه تعالى فلا فرق لتعيين المحرمة في نفس الأمر كونها يقع عليها الطلاق لا كونها مطلقة الآن لما عرفته وهذا التقرير لا معترض فيه على المصنف إلا أنه مع التعسف مخالف لما في المحصول.

قال: " الثالث: الزائد على ما ينطلق عليه الإسم من المسح غير واجب وإلا لم يجز تركه وجه تفريغ هذا على مقدمة الواجب أنه لما كان الواجب لا ينفك غالبا عن حصول زيادة فيه كانت هذه الزيادة مقدمة للعلم بحصول الواجب وقد أورد على المصنف أنه إذا كان الزائد عنده مقدمة الواجب فيلزم أن يحكم

ص: 116

عليه بالوجوب كستر شيء من الركبة وأجيب عنه بأن مراده بالمقدمة هناك غير القسم الذي يكون التوقيف فيه من حيث الإعادة إذا عرفت هذا فنقول الواجب إما أن يتقدر بقدر كغسل الرجلين واليدين ولا كلام فيه أولا كمسح الرأس وكإخراج البعير عن الشاة الواجبة في الزكاة وكذبح المتمتع بدنه بدل الشاة وحلقه جميع الرأس وتطويل أركان الصلاة زيادة على ما يجوز الاختصار عليه والبدنة المضحى بها بدلا عن الشاة المنذورة فنقول اختلفوا في القدر الزائد على الذي يعاقب على تركه وهو في أمثلتنا ما يعد أقل ما ينطلق عليه الاسم من المسح وقدر قيمة الشاة من البعير والبدنة وفوق الشعرات الثلاث في الحلق وفوق قدر الوجوب في الطمأنينة هل يوصف بالوجوب فذهب الإمام وأتباعه ومنهم المصنف إلى أنه لا يوصف بذلك لأن الواجب لا يجوز تركه وهذه الزيادة جائزة الترك وقال آخرون يوصف بالوجوب لأنه إذا زاد على القدر الذي يسقط به الفرض لا يتميز جزء عن جزؤ لسقوط الفرض به لصلاحية كل جزء لذلك فتخصيص بعض الأجزاء بوصف الواجب ترجيح من غير مرجح.

فإن قلت: ما محل الخلاف في مسح الرأس هل هو ما إذا وقع الجميع دفعة واحدة حتى إذا وقع مرتبا يكون الزائد نفلا جزما أم هو جار في الصورتين؟.

قلت: للأصحاب في ذلك وجهان فإن قلت ما فائدة الخلاف في هذه الصورة.

قلت:

منها: الثواب فإن ثواب الفريضة أكثر من ثواب النافلة بسبعين درجة كما حكى النووي1 عن إمام الحرمين.

1 هو: يحيى بن شرف بن مري بن حسن الحزامي الحوارني، النووي، الشافعي، أبو زكريا، محي الدين، علامة بالفقه والحديث، وولد وتوفي في "نوا" قرية من قرى "حوران بسوريا".

من كتبه "تهذيب الأسماء واللغات" و"منهاج الطالبين" في فقه الشافعية. "تصحيح التنبيه""المنهاج في شرح صحيح مسلم""رياض الصالحين" وغير ذلك مما لا يخفى على أحد. توفي سنة 676هـ.

مفتاح السعادة 1/398، النجوم الزاهرة 7/278، الأعلام /184-185.

ص: 117

ومنها: إذا عجل البعير عن شاة واقتضى الحال الرجوع فهل يرجع بجميعه أم بسبعة وفيه وجهان في شرح المهذب.

ومنها: لو أخرج بعيرا عن عشر من الإبل أو خمسة عشر أو عشرين هل يجزيه فيه وجهان مبنيان على هذا الخلاف إن قلنا بوقوعه كله فرضا فيما إذا أخرجه عن الخمس فلا يكفي بعير واحد بل لا بد في العشرة من بعيرين أو بعير وشاة وهكذا وإن قلنا الفرض قدر خمسة فيجزئ ويكون متبرعا في العشرة بثلاثة أخماس على أن إمام الحرمين وغيره أنكروا هذا البناء وليس هذا محل القول فيه.

واعلم أنه يضاهي قاعدة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب صور في الفقه منها مؤونة الكيل الذي يفتقر إليه القبض على البائع كمؤونة إحضار المبيع الغائب ومؤونة وزن الثمن على المشتري وفي أجرة نقد الثمن وجهان.

ومنها: إذا خفي عليه موضع النجاسة من الثوب أو البدن غسله كله.

ومنها: إذا اكترى دابة للركوب فأطلق الاكتراء أن على المكري الإكاف والبرذعة والحزام وما ناسب ذلك لأنه لا يتمكن من الركوب دونها وهي صور عديدة من أراد الإحاطة فعليه بكتابنا الأشباه والنظائر أتمه الله تعالى وقد كنا في أول المسألة وعدنا بالالتفات إلى قاعدة أن الميسور لا يسقط بالمعسور والصور تحتها كثيرة ونحن نحيل طالبها بعد ذكر القليل منها على كتابنا المذكور1.

فمنها: لو عجز عن الركوع والسجود دون القيام لعلة بظهره تمنعه الانحناء لزم القيام خلافا لأبي حنيفة.

ومنها: لو لم يقدر على الانتصاب بأن تقوس ظهره لكبر أو زمانة فصار في حد الراكعين فقد قال الغزالي تبعا لإمامه أن يقعد وقال غيرهما لا يجوز له

1 راجع في هذه القاعدة وما يتفرع عليها من فروع فقيهة في: الأشباه والنظائر للسيوطي 8 ص159، 160 مطبعة الحلبي 1959م. وكذلك في الأشباه والنظائر لابن نجيم. والقواعد لابن رجب الحنبلي.

ص: 118

القعود فإن الوقوف راكعا أقرب إلى القيام من القعود فلا ينزل عن الدرجة القربى إلى البعدى.

ومنها: لو وجد الجنب من الماء ما لا يكفيه لغسله أو المحدث ما لا يكفيه لوضوئه فأصح القولين أن يجب استعماله ثم يتيمم لأن القدرة على البعض لا تسقط بالعجز عن الباقي.

ومنها: لو اطلع على عيب البيع ولم يتيسر له المبادرة بالرد ولا الإشهاد ففي وجوب التلفظ بالفسخ وجهان جاريان هنا وفي الشفعة.

ومنها: لو لم يفضل معه في الفطرة عما لا يجب عليه إلا بعض صاع لزمه إخراجه على الأصح.

ومنها: إذا اشترى الشقص بثمن مؤجل فهل يأخذه الشفيع مؤجلا كما أشتراه المشتري وأصح الأقوال أن الشفيع بالخيار بين أن يعجل ويأخذ الشقص في الحال وبين الصبر إلى حيلولة الأجل وعلى هذا فهل يجب تنبيه المشتري على الطلب وجهان.

ومنها: إذا كان يحسن آية فلا خلاف أنه يقرؤها وهل يضيف إليها من الذكر ما يتم به قدر الفاتحة أو يكررها سبعا فيه قولان.

فإن قلت: لم لا جرى قول أنه لا يقرأ تلك الآية بل يأتي ببدل الفاتحة كلها كما إذا قدر على بعض وضوئه ونظائره؟

قلت: كل آية من الفاتحة يجب قراءتها بنفسها فلا يأتي ببدلها مع القدرة عليها والله أعلم.

ص: 119