الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة السادسة إذا نسخ الوجوب بقي الجواز
قال: "السادسة: الوجوب إذا نسخ بقي الجواز خلافا للغزالي لأن الدال على الوجوب يتضمن الجواز والناسخ لا ينافيه فإنه يرتفع الوجوب بارتفاع المنع من الترك".
ذهب الأكثرون إلى أنه إذا نسخ وجوب الشيء بقي جوازه وخالف الغزالي وقال إنه إذا نسخ رجع الأمر إلى ما كان قبل الوجوب من تحريم أو إباحة وصار الوجوب بالنسخ كأن لم يكن وهذا الذي ذهب إليه الغزالي نقله القاضي في التقريب عن بعض الفقهاء وقال تشبث صاحبه بكلام ركيك تزدريه أعين ذوي التحقيق واحتج المصنف على اختياره بأن الجواز جزء من ماهية الوجوب إذ الوجوب مركب من جواز الفعل مع المنع من الترك فاللفظ الذي دل على الوجوب يدل التضمن على الجواز والناسخ وإنما ورد على الوجوب وهو لا ينافي الجواز لارتفاع الوجوب بارتفاع المنع من الترك ضرورة أن المركب يرتفع بارتفاع أحد جزئيه ونحن نقول إن أراد القوم بالجواز الذي يبقى التخيير بين الفعل والترك كما صرح به بعضهم وهو مقتضى كلام الغزالي في الرد عليهم حيث قال حقيقة الجواز التخيير بين الفعل والترك والتساوي بينهما بتسوية الشرع فالحق مع الغزالي لأن التخيير بين الفعل والترك قسم للوجوب ولم يكن ثابتا به فما وجه قولهم يبقى بعده وهذا الدليل الذي ذكروه عليه لا يثبت به مدعاهم لأن التخيير بين الفعل والترك ليس في ضمن الوجوب وإنما الذي في ضمن الوجوب رفع الحرج وإن أرادوا رفع حرج الفعل فلا ينبغي أن يخالفوا في ذلك فإن الوجوب أخص منه ولما ثبت بالإيجاب الأول ثبت به الأعم
الذي هو رفع الحرج ضرورة كونه ضمنه ثم ارتفاعه لا يوجب ارتفاع الأعم والظاهر أنه لم يريدوا غير هذا القسم حيث جعلوا شبهة الخصم فيه أن الجنس يتقوم بالفصل ولا يحسن ذكر هذه الشبهة إلا إذا كان النزاع في رفع الحرج الذي هو جنس غير مقيد بالتخيير وحينئذ قد يضعف قول الغزالي في الرد عليهم أن هذا بمنزلة قول القائل كل واجب فهو ندب وزيادة فإذا نسخ الوجوب بقي الندب ولا قائل به لأنا نقول المدعي بقاء الجواز الذي هو قدر مشترك بين الندب والإباحة والكراهة في ضمن واحد من الأنواع الثلاثة لا بقاء نوع منها على التعيين فإنه لا بد له من دليل خاص فكيف يكون هذا بمنزلة قول القائل إذا نسخ الوجوب بقي الندب فإن قلت تحرر من هذا أن القوم يقولون ببقاء مطلق الجواز مكتسبا من دلالة الواجب عليه والغزالي ينكر كونه مكتسبا من دلالة الواجب عليه ولا تنازع في بقاء رفع الحرج فالخلاف حينئذ لفظي قلت الغزالي كما سلفت الحكاية عنه يقول إن الحال يعود إلى ما كان عليه من تحريم وإباحة فهو منازع في أصل بقاء الجواز ويظهر فائدة الخلاف فيما إذا كان الحال قبل الوجوب تحريما فعند الغزالي الفعل الآن يعود محرما كما كان وعند القوم أن مطلق الجواز الذي كان داخلا في ضمن الوجوب باق يصادق ما دل على التحريم فوضع أن الخلاف معنوي.
واعلم أن الغزالي قد يقول إذا اقتضى الأمر مجموع الشيئين أعني الأعم والأخص فالذي يزيل الواحد نازل منزلة المخصص بالقياس إلى اللفظ العام ولذلك يجوز اقترانه بالأمر بأن يراد صيغة افعل ويقترن بها ما يدل على أنه لا حرج في تركه فإنا نحملها على الندب أو الإباحة ولو كان ناسخا لما جاز اقترانه به لأن من شروط الناسخ التراخي فإن قلت نحن نسلم أن هذا القيد إذا اقترن لم يكن نسخا ولكن لم قلت إنه إذا تأخر وثبت لا يكون نسخا قلت بقي النزاع في هذا ولعل الغزالي لا يسمي بالنسخ إلا ما رفع حكم الخطاب السابق بالكلية ويعود النزاع لفظيا قال: "قيل: الجنس يتقوم بالفصل فيرتفع بارتفاعه قلنا لا وإن سلم فيتقوم بفصل عدم الحرج".
احتج من قال بأن الجواز لا يبقى فيما إذا قال نسخت الوجوب أوحرمة الترك بأن كل فصل فهو علة لوجود الجنس لاستحالة وجود جنس مجرد عن الفصول كالحيوانية المطلقة وإليه أشار بقوله يتقوم بالفصل أي يوجد به وإذا علم هذا فالجواز جنس للواجب والمكروه والمندوب والمباح وعلة وجوده في كل منها فصله فالعلة في وجوده في الواجب فصل الحرج على الترك فإذا زال ذلك الفصل زال الجواز ضرورة زوال المعلول بزوال علته وأجاب أولا بأنا لانسلم أن الجنس يتقول بالفصل وتقرير ذلك محال على الكتب الحكمية ولئن سلمنا أنه علة له فلا نسلم أنه يلزم من ارتفاع هذا الفصل ارتفاع الجنس لجواز بقائه بفصل آخر يخلف ذلك الفصل وهو عدم الحرج على الترك فإنه إذا ارتفع قيد الوجوب بقي جنس الجواز ولا دليل على الحرج فيتقوم بفصل عدم الحرج ولا يكون جنسا مجردا.
واعلم أن خلاف الأصوليين في هذه يناظر اختلاف الفقهاء في أنه إذا بطل الخصوص هل يبقى العموم وذلك فيمن صلى الظهر قبل الزوال فإنها لا تنعقد ظهرا وفي انعقادها نفلا هذا الخلاف ويضاهيه مسائل:
منها: إذا أحال المشتري البائع بالثمن على رجل ثم وجد بالمبيع عيبا فرده فالأصح أن الحوالة تبطل وهل للمحتال قبضه للمالك بعموم الإذن الذي تضمنه خصوص الحوالة فيه هذا الخلاف.
ومنها: إذا عجل الزكاة بلفظ هذه زكاتي المعجلة فقط فهل له الرجوع إذا عرض مانع أصح الوجهين نعم.
والثاني: يقع نفلا وقربهما إمام الحرمين من القولين فيما إذا نوى الظهر قبل الزوال هل ينعقد نفلا؟
ومنها: الصحيح أنه لا يصح تعليق الوكالة على شرط ولو علق وتصرف الوكيل بعد حصول الشرط فأصح الوجهين الصحة لأن الإذن حاصل وإن فسد العقد وخالف الشيخ أبو محمد وقال لا اعتبار بما يتضمن العقد الفاسد من الإذن.
ومنها: لو قالت وكلتك بتزويجي قال الرافعي فالذين لقيناهم من الأئمة لا يعتدون به إذنا لأن توكيل المرأة في النكاح باطل قال لكن الفرع غير مسطور ويجوز أن يعتد به إذنا لما ذكرناه في الوكالة.
قلت: ويتجه بناء فروع على هذا الأصل لم أر من بناها.
منها قال الماوردي إذا فسدت الشركة بطل أصل الإذن في التصرف ولم يجز لواحد منهما التصرف في جميع المال وينقدح لك أن تحكم بجريان الخلاف في الوكالة.
ومنها: إذا باع بلفظ السلم فإنه ليس بسلم قطعا وفي انعقاده بيعا قولان أظهرهما لا وبناهما الأصحاب على أن الإعتبار باللفظ أو بالمعنى ويتجه بناؤهما على هذا الأصل أيضا.
ومنها إذا شرطا الخيار لثالث وأبطلناه فهل يكون الخيار لهما لكونهما شرطا مطلق الخيار يتجه فيه هذا البناء.
ومنها: إذا أحال بالدراهم على الدنانير أو بالعكس لم يصح سواء قلنا الحوالة استيفاء أم اعتياض.
قال صاحب التتمة: ونعني بقولنا إنها غير صحيحة أن الحق لا يتحول بها من الدنانير إلى الدراهم وبالعكس ولكنها إذا جرت فهي حوالة على من لا دين عليه وفيها خلاف.
قلت وإنما تكون حوالة على من لا دين عليه ببطلان خصوص الحوالة على الوجه الذي أورده إذا قلنا إن الخاص إذا ارتفع يبقى العام.