الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة السابعة: الواجب لا يجوز تركه
…
المسألة السابعة الوجوب لا يجوز تركه
قال: "السابعة: الواجب لا يجوز تركه قال الكعبي فعل المباح ترك الحرام وهو واجب قلنا لا بل به يحصل".
القصد بهذه المسألة أن ما يجوز تركه لايكون فعله واجبا والخلاف في هذا الفصل مع فرقتين.
الأولى: الكعبية فنقول لاح من قول أبي القاسم الكعبي وهو البلخي وشيعته إنكار المباح وقد خالفوا في ذلك عصابة المسلمين حيث أجمعوا على انقسام الأحكام إلى الخمسة ولا بد من تخليص محل النزاع ليقع الحجاج على محز واحد.
واعلم أن إنكارهم المباح يحتمل وجهين:
أحدهما: أنه ليس فعل من أفعال المكلفين بمباح وقد صرح بحكاية هذا عن الكعبي جماعة منهم إمام الحرمين في البرهان فإنه قال إن الكعبي أنكر المباح في الشريعة وكذلك نقل أبو الفتح بن برهان1 في الوجيز والآمدي وغيرهم وهذا ظاهر الفساد.
1 هو: أحمد بن علي بن برهان، فقيه، أصولي، كان يضرب به المثل في حل الإشكال في علم الأصول.
من مؤلفاته: "البسيط، والوسيط، والوجيز" في الفقه والأصول.
ومن آرائه الأصولية: أن العامي لا يلزمه التقيد بمذهب معين.
توفي ببغداد سنة 518هـ.
إرشاد الأريب 1:260، الأعلام 1/167.
والثاني: وهو الذي أشعر به دليله أن كل فعل يوصف بأنه مباح باعتبار ذاته فهو واجب باعتبار أنه يترك به الحرام ولا يكون الكعبي حينئذ مفاجئا بإنكار المباح وقد نقل القاضي في مختصر التقريب والغزالي في المستصفى أن المباح مأمور به دون الأمر بالندب والندب دون الأمر بالإيجاب وقد صرح في مختصر التقريب بأنه لا يسمى المباح واجبا ولا الإباحة إيجابا إذا عرفت ذلك فقد استدل الكعبي على هذا بأن فعل المباح ترك الحرام لأنه ما من مباح إلا وهو ترك لمحظور وترك الحرام واجب فيلزم أن يكون فعل المباح واجبا من جهة وقوعه تركا لمحظور.
وأجاب عنه المصنف بأنا لا نسلم أن فعل المباح هونفس ترك الحرام يعني أنه يلزم من فعل المباح ترك الحرام ولا يلزم من ترك الحرام فعل المباح لجواز تركه بواجب أو مندوب فلا يكون المباح ترك الحرام بل شيئا يحصل به تركه لما عرفت من أن تركه قد يحصل به وقد يحصل بغيره فلم ينحصر تركه في المباح وقد ضعف الآمدي وغيره هذا الجواب وقالوا هو صادر ممن لم يعلم غور كلامه فإنه إذا ثبت أن ترك الحرام واجب وأنه لا يتم بدون التلبس بضد من أضداده وقد تقرر أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب فالتلبس بضد من أضداده واجب غايته أن الواجب من الأضداد غير معين قبل تعيين المكلف له ولكن لا خلاف في وقوعه واجبا بعد التعيين وقال لا خلاص عنه إلا بمنع وجوب المقدمة قال وغاية ما ألزم أنه لو كان الأمر على ما ذكرت لكان المندوب بل المحرم إذا ترك به محرم آخر كالزنا إذا حصل به ترك القتل أن يكون واجبا وكان يجب أن تكون الصلاة حراما على هذه القاعدة عندما إذا ترك بها واجبا آخر وله أن يجيب بأنه لا مانع من الحكم على الفعل الواحد بالوجوب والتحريم بالنظر إلى جهتين مختلفتين كما في الصلاة في الدار المغصوبة قال وبالجملة إن استعيد فهو في غاية الغوص والإشكال وعسى أن يكون عند غيري حله.
قلت: وهو صحيح ولكنا نقول للكعبي نحن لا ننكر أن الإباحة تقع ذرائع إلى الانكفاف عن المحظور كغيرها من الأفعال التي يلزم منها الانكفاف
عن غيرها ووقوعها كذلك لا يخرجها عن أن تكون في نفسها مباحة فترك الحرام الذي لزم عن فعل المباح ليس هو نفس فعل المباح بل أمر وراءه وإن زعم أنها ذات جهتين فلا تنازعه في ذلك ولكن ننكر عليه تخصيصه المباح بذلك وقد بينا أنه لايختص به ويعظم النكير عليه تخصيصه المباح بذلك وقد بينا أن لا يختص به ويعظم النكير عليه في إنكاره أصل المباح في الشريعة إن صح عنه وما ذكره من الدليل لا يقتضي ذلك.
قال: "وقالت الفقهاء: يجب الصوم على الحائض والمريض والمسافر لأنهم شهدوا الشهر وهو موجب وأيضا عليهم للقضاء بقدره قلنا العذر مانع والقضاء يتوقف على السبب لا الوجوب وإلا لما وجب قضاء الظهر على من نام جميع الوقت".
الفرقة الثانية: كثير من الفقهاء فإنهم خالفوا في ذلك وزعموا أن الصوم واجب على الحائض والمسافر والمريض مع أنهم يجوز لهم تركه وقد احتجوا على مذهبهم بأن هؤلاء شهدوا الشهر فيجب الصوم عليهم لقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} 1 القضاء يجب عليهم بقدر ما فاتهم وذلك دليل على أنه بدل عنه.
وأجاب بأن شهود الشهر إنما يكون موجبا للصوم عند انتفاء الأعذار والعذر هنا قائم أما في الحائض فلأن الشرع منعها من الصوم وأما في المسافر فلأنه جعل السفر مانعا من تحتم الصوم فيه2 وأما في المريض فلعدم القدرة إن كان عاجزا أو بمنع الشرع إن أفضى به إلى هلاك نفسه أو بمنع الشرع من الإيجاب كالمسافر إن لم يفض إلى ذلك وعن الثاني بأن القضاء إنما يتوقف على تحقيق سبب الوجوب في الوقت وسبب الوجوب وهو شهود الشهر متحقق فيما نحن فيه الوقت ولا يتوقف على وجوب الأداء وإلا لما وجب قضاء الظهر على من نام جميع الوقت لعدم تحقق الوجوب عليه لإفضائه إلى تكليف الغافل وذهب
1 البقرة آية 185.
2 وذلك في قوله تعالى في آية الصوم من سورة البقرة: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} . وعلى ذلك فلابد من وجود السبب، وهو شهود الشهر، وانتفاء الموانع، التي منها الحيض والنفاس، أو المرض، أو السفر وسائر الأمور التي تبيح الفطر.
الإمام إلى أنه يجب على الحائض والمريض البتة ويجب على المسافر صوم أحد الشهرين إما الحاضر أو آخر غيره وأيهما أتى به فهو الواجب كما في الكفارات وهذا هو مذهب القاضي نص عليه في التقريب ونقل الشيخ أبو إسحاق1 في شرح اللمع هذا بعض الأشعرية2 فإن قلت هذا مدخل لأن المريض يجوز له الصوم كالمسافر فليسو الإمام بينهما قلت المريض إن أفضى به الصوم إلى هلاك نفسه أو عضوه فإنه يحرم عليه الصوم ويساوي الحائض والحالة هذه وإن لم يفض به إلى ذلك بل خاف منه مجرد زيادة العلة أو طول البرء فالمسألة مختلف فيها وكذا لو خاف المرض المخوف فلعل الإمام يرى في كل هذه الصور أنه لا يجوز له لا إفطار فلا معترض عليه وقد قال الشيخ أبو إسحاق في شرح اللمع إن الخلاف في هذه المسألة مما يعود إلى العبارة ولا فائدة له لأن تأخير الصوم حالة العذر جائز بلا خلاف والقضاء بعد زواله واجب بلا خلاف قلت وقد نقل ابن الرفعة أن بعضهم قال بظهور فائدة الخلاف إذا قلنا أنه يجب التعرض للأداء أو القضاء في النية3 وقد يقال بظهور فائدة الخلاف أيضا فيما إذا طافت المرأة ثم حاضت قبل ركعتي الطواف هل تقضيهما فقد حكى النووي في شرح المهذب عن ابن القاص4
1 هو: إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزبادي الشيرازي، العلامة المناظر كان مرجع الطلاب ومفتي الأمة في عصره، واشتهر بقوة الحجة في الجدل والمناظرة. من مؤلفاته:"التبصرة" واللمع" في أصول الفقه و"المهذب" في فقه الشافعية.
توفي سنة 476هز
وفياتا لأعيان 1/4، الأعلام 1/45،44.
2 راجع: المستصفى للغزالي 1/6 المنتهى لابن الحاجب ص 24، تيسير التحرير 2/380.
3 وأقول: إن الصحيح في المذهب أنه لا يجب التعرض في النية للأداء والقضاء، ولكن الفائدة تظهر في الأيمان والتعاليق، بأن يقول لزوجته: متى وجب عليك صوم فأنت طالق.
راجع: الإقناع للخطيب الشربيني 1/219.
4 هو: أحمد بن أبي أحمد الطبري، أبو العباس بن القاص، إمام عصره، وصاحب التصانيف المشهورة، منها:"التخيص" و"المفتاح" و"أدب القاضي" وله مؤلفات كثيرة في الفقه والأصول.
توفي سنة: 335هـ بطرسوس.
النجوم الزاهرة 3/294، طبقات الشافعية لابن السبكي 3/59.
والجرجاني1 في المعاياة إن ركعتي الطواف تقضيهما الحائض لأنهما لا يتكرران قال وأنكر الشيخ أبو علي السنجي2 هذا وقال الوجوب لم يكن في زمان الحيض فكيف يسمى قضاء قال النووي وما قاله الشيخ أبو علي هو الصواب لأن ركعتي الطواف لا يدخل وقتهما إلا بالفراغ من الطواف قال فإن قدر أنها طافت ثم حاضت عقب الفراغ من الطواف صح ما ذكرناه إن سلم لهما ثبوت ركعتي الطواف في هذه الصورة.
1 هو أحمد بن محمد بن أحمد أبو العباس الجرجاني قاضي البصرة وشيخ الشافعية بها في عصر من مؤلفاته التحرير والبلغة والمعاياة كلها في الفقه توفي 482 هـ. طبقات الشافعية لابن السبكي 3/31 الأعلام 1/207.
2 هو الحسين بن شعيب بن محمد السنجي أب علي فقيه شافعي نسبته إلى سنج من قرى مرو
من مؤلفاته شرح الفروع لابن الحداد وشرح التلخيص لابن القاص. توفي سنة 427 هـ.
وفيات الأعيان 1/145 – الأعلام 2/258.