الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأدلة
وقد احتج الشيخ رضوان الله عليه بأوجه
الأول: قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} 1 الآية دلت على أن التعليم من الله تعالى وإذا ثبت هذا في الأسماء ثبت أيضا في الأفعال والحروف لأنه لا قائل بالفرق ولأن التكلم بالأسماء وحدها متعذر فلا بد مع تعليم الأسماء من تعليم الأفعال والحروف ولأن الاسم إنما سمي إسما لكونه علامة على مسماه والأفعال والحروف كذلك فهي أسماء وأما تخصيص لفظ الاسم ببعض الأقسام فهو اصطلاح محدث للنحاة واللغويين
الثاني: قوله تعالى: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} 2 ذمهم على تسميتهم بعض الأسماء بما سموها به من تلقاء أنفسهم فلولا التوقيف في كلها لما استحقوا الذم بذلك ولقائل أن يقول في الاستدلال بهذا اعتراف بكون البعض اصطلاحا
الثالث قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} 3 ولا يجوز أن يكون المراد اختلاف تأليفات الألسنة وتركيبها لأن ذلك في غيرالألسن أبلغ وأكمل فلا يفيد تخصيص الألسنة بالذكر فبقي أن يكون المراد اختلاف اللغات إما بطريق حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه أو إطلاق اسم العلة على المعلول أو اسم المحل على الحال وحينئذ فلولا أنها توقيفية لما امتن علينا بها.
1 سورة البقرة: آية 31.
2 سورة النجم: آية 23.
3 سورة الروم: آية 22.
الرابع: أنها لو كانت اصطلاحية لاحتاج الواضع في تعليمها إلى اصطلاح آخر بينه وبين من يعلمه ثم إن الفرض أن ذلك الطريق أيضا لا يفيد لذاته فلابد من اصطلاح آخر ويلزم التسلسل ولقائل أن يقول هذا الدليل يبطل مذهب أبي هاشم ولا يثبت مذهب الشيخ.
الخامس: وهو كالرابع أنها لو كانت اصطلاحية لجاز التغيير إذ لا حجر في الاصطلاح وحينئذ يرتفع الوثوق عن الشرع فإن كل لفظ شرعي يستعمله في معنى جاز والحالة هذه أن يكون مستعملا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في غير ذلك المعنى.
وأجاب في الكتاب عن الوجه الأول بأن المراد من الأسماء في قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ} علامات الأشياء وخصائصها فيعلمه مثلا أن الخيل تصلح للكر والفر والجمال للحمل والثيران للزرع وهذا لأن الاسم مشتق من السمة أو من السمو وعلى كل تقدير فكل ما يعرف ماهية ويكشف عن حقيقة اسما وتخصيص الاسم بهذه الألفاظ عرف حادث ولو سلمنا أن المراد بالأسماء ما ذكرتم فلا يلزم التوقيف إذ من الجائز أن يكون من الأسماء التي علمها الله لآدم قد وضعتها طائفة مخلوقة قبله وفي هذين الجوابين نظر.
أما الأول: فإنه خلاف الظاهر إذا الظاهر من الأسماء الألفاظ.
وأما الثاني: فالأصل عدم استعمال سابق ومنهم من أجاب بجواب آخر وهو أن المراد من التعليم أنه تعالى ألهمه الاحتياج إلى هذه الألفاظ وأعطاه من المعلوم ما لأجله قدر على الوضع قال الإمام وليس لأحد أن يقول التعليم إيجاد العلم بل التعليم فعل صالح لأن يترتب عليه حصول العلم ولذلك يقال علمته فلم يتعلم وهذا أيضا خلاف الظاهر إذ الظاهر من التعليم الإيجاد الأول للإلهام.
قال بعضهم وأصل التعليل لإثبات أثر الثلاثي المشتق يقال سودته فتسود وقول الأمام يقال علمته فلم يتعلم ممنوع.
قلت وهذا المنع غير منقدح وقد كان الإمام علاء الدين الباجي يقول أو لم يصح علمته فما تعلم لما صح علمته فتعلم لأنه إذا كان التعليم يقتضي
إيجاد العلم وهو علة فيه فمعلوله وهو التعلم يوجد معه بناء على العلة مع المعلول والفاء في قولنا فتعلم تقتضي تعقيب التعلم وإن قلنا إن المعلول يتأخر فنقول لا فائدة في قولنا فتعلم لأن التعلم قد فهم من قولنا علمته فوضح أنه لو لم يصح علمته فما تعلم لكان أما ألا يصح علمته فتعلم بناء على أن العلة مع المعلول أو لا يكون في قولنا فتعلم فائدة بناء على تأخر المعلول.
فإن قلت أليس أنه يقال كسرته فما انكسر فما وجه صحة قولنا مع ذلك علمته فما تعلم؟
قلت فرق والدي أحسن الله إليه بينهما بأن العلم في القلب من الله يتوقف على أمور من المعلم ومن المتعلم وكان علمته موضوعا للجزء الذي من المعلم فقط لعدم إمكان فعل من المخلوق يحصل به العلم ولا بد بخلاف الكسر فإن أثره لا واسطة بينه وبين الانكسار وهو جواب دقيق والإنصاف أن هذه ظاهرة فيما ادعاه الشيخ فالمتوقف إن توقف لعدم القطع فهو مصيب وإن ادعى عدم الظهور فغير مصيب هذا هو الحق الذي فاه به جماعة من المتأخرين منهم الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد في شرح العنوان وأجاب عن الثاني وهو التمسك بقوله: {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} بأنا لا نسلم أنه ذمهم على تسميتهم بعض الأشياء إنما ذمهم على اعتقادهم كونها آلهة وإليه أشار بقوله والذم للاعتقاد وعن الثالث وهو التمسك بقوله: {وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ} بأنه إذا انتفت الحقيقة وهي أن يكون المراد بها الجارحة وثبت العدول إلى المجاز فليس صرفك إياه إلى اللغات أولى من صرفنا إياه إلى الإقدار على اللغات أو مخارج اللغات وإليه أشار بقوله والتوقيف يعارضه الإقدار والقائل أن يقول مجاز المستدل أدنى لأنه أقل إضمارا وما ذكرتموه يلزم منه كثرة الإضمار والمجاز معا إذ يصير تقدير الآية واختلاف اقتدار ألسنتكم باللغات أو اختلاف اقتداركم باللغات على أنه أطلق اللسان وأراد الاقتدار كما في إطلاق اليد وإرادة القدرة فعلى الأول يلزم كثرة الإضماره وعلى الثاني يلزم المجاز والإضمار معا وأما على ما ذكره الشيخ فلا يلزم إلا الإضمار الذي هو أقل من إضماركم لأنه يصير تقدير الآية على ما ذكره واختلاف لغات ألسنتكم فكان أولى.
فإن قلت لعله من إطلاق اسم العلة على المعلول أو المحل على المعلول أو المحل على الحال كما ذكرتم في تقرير الاستدلال.
قلت حينئذ يقع التعارض بين الإضمار والمجاز والمجاز أولى.
قال صفي الدين الهندي والأولى أن يجاب بأنا لا نسلم أن اختلاف اللغات إنما يكون آية أن لو كانت اللغات توقيفية وهذا لأن واضعها وإن كان هو العبد فهي مخلوقة لله تعالى على مذهب أهل الحق في أفعال العباد وأجاب المصنف عن الرابع بأنا لا نسلم أنه يحتاج في تعليمها إلى اصطلاح آخر بل يحصل العلم بترديد اللفظ وهو تكراره مرة أخرى مع القرائن كالإشارة إلى المسمى ونحوها وبهذا الطريق تعلمت الأطفال ولو سلمنا ذلك فما ذكرتم من الدلالة لا يقتضي أن جميعها بالتوقيف كما تدعون بل بعضها لأنه يمكن تعريف ما هو بالاصطلاح بذلك البعض كما هو قول الأستاذ وعن الخامس بأنا لا نسلم ارتفاع الأمان عن الشرع فإن التغيير لو وقع لاشتهر لكونه من مهمات الأمور وأما أبو هاشم فقد احتج على مذهبه بأنها لو لم تكن اصطلاحية لكانت توقيفية أو البعض والبعض لعدم الواسطة بينهما والقول بالتوقيف باطل مطلقا فثبت كونها اصطلاحية وإنما قلنا ببطلان التوقيف لأنه إما أن يكون بالوحي أو بخلق علم ضروري في عاقل أو في غير عاقل والكل باطل.
أما الأول: فلاقتضائه تقدم البعثة على اللغة وهي متأخرة عنها لقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} 1.
وأما الثاني: فلأنه اقتضى ألا يكون ذلك العاقل مكلفا لأنه إذا علم بالضرورة أنه تعالى وضع ذلك اللفظ لذلك المعنى فلا بد وأن يعرف الله ضرورة وإذا عرفه ضرورة لم يكن مكلفا بالمعرفة لحصولها.
وأما الثالث فبعيد جدا أن يصير غير العاقل عالما بهذه الكيفيات العجيبة والجواب أن يجوز أنه يكون الله تعالى ألهم العاقل بأن واضعا ما وضع هذه
1 سورة إبراهيم عليه السلام آية 4.
الألفاظ بإزاء هذه المعاني لا أن الله تعالى هو الواضع حتى يلزم عدم التكليف ولو سلمنا ما ذكرتم فإنما رفع التكليف بالمعرفة لا رفع التكليف مطلقا وهذا الجواب ضعيف لأن معرفة الله تعالى واجبة قطعا والتوقيف بخلق العلم الضروري مستبعد لكونه خلاف المعتاد فالأولى في الجواب أن يقال إنه حصل بطريق الوحي ولا يلزم ما ذكره لأن الآية وإن دلت على تقدم اللغة على بعثة الرسل بالرسالة فلا يدل على تقدمها على بعثة الأنبياء فيجوز تقدم نبوة آدم وإيحاء اللغات إليه ثم إن آدم عليه السلام يعلمها لغيره ثم يرسل إليهم باللسان الذي تعلموه منه وأما الأستاذ فذكر في الكتاب مقالته مجردة عن الدليل لإمكان استخراج دليله من حجيج الفريقين بأن يقال إذا بطل التوقيف والاصطلاح في الكل تعين أن يكون البعض والبعض فحينئذ فنقول القدر الذي وقع به التنبيه إلى الاصطلاح توقيفي وإلا يلزم التسلسل لاحتياج التعليم في كل اصطلاح إلى اصطلاح سابق عليه وأما الباقي فمصطلح وجوابه يعلم مما سبق وبتقرير الأجوبة عن أدلة الجازمين يتعين الوقف الذي اختاره صاحب الكتاب ويقال بظهور فائدة الخلاف في هذه المسألة في جواز قلب اللغة فعند الشيخ لا يجوز دون القائلين بالاصطلاح وبنى بعضهم على الخلاف فيها ما إذا اعتقد صداقا في السر وصداقا في العلانية المسألة المشهورة ويلتحق بذلك ما إذا استعملا لفظ المفاوضة وأراد شركة العنان حيث نص الشافعي على جوازه والحق أن بناء المسألتين على هذا الأصل غير صحيح فإن هذا الأصل في أن هذه اللغات الواقعة بين أظهرنا هل هي بالاصطلاح أو التوقيف لا في شخص خاص اصطلح مع صاحبه على إطلاق لفظ الثوب على الفرس أو الألف على الألفين مثلا.