الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التقسيم الثاني: باعتبار الحسن والقبيح
…
التقسيم الثاني للحكم باعتبار الحسن والقبيح
"الثاني ما نهى عنه شرعا فقبيح وإلا فحسن كالواجب والمندوب والمباح وفعل غير المكلف".
الحكم ينقسم بذاته إلى التحسين والتقبيح وتنقسم صفة الفعل الذي هو متعلقه إلى الحسن والقبيح ويتبع ذلك انقسام اسمه إلى حسن وقبيح فلذلك قسم الفعل إلى ما نهى عنه شرعا وهو القبيح وما لم ينه عنه شرعا وهو الحسن ومنه يعرف الحسن والقبيح والتحسين والتقبيح وإطلاق الحسن على الواجب والمندوب لا شك فيه وعلى المباح فيه خلاف والأصح إطلاقه عليه للإذن فيه والجواز الثناء على فاعله وإن لم يؤمر بالثناء عليه وفعل الله تعالى حسن باتفاق من به يعتمد لوجوب الثناء عليه وفعل ما سواه من غير المكلف كالنائم والساهي والبهيمة فيه خلاف مرتب على الخلاف في المباح وأولى بالمنع وهو الذي اختاره إمام الحرمين1 ولا شك في عدم إطلاق القبح في المباح وفعل غير المكلف فإذا أخرجناهما عن قسم الحسن كانا واسطة بين الحسن والقبح وأما المكروه فقال إمام الحرمين إنه ليس بحسن ولا قبيح فإن القبيح ما يذم عليه وهو لا يذم عليه والحسن ما يسوغ الثناء عليه وهذا لا يسوغ الثناء عليه ولم أر أحدا يعتمد خالف إمام الحرمين فيما قال إلا ناسا أدركناهم قالوا إنه قبيح لأنه منهى عنه والنهي أعم من نهي تحريم وتنزيه وعبارة المصنف بإطلاقها
1 هو: عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني، الفقيه، الشافعي، شيخ الإمام الغزالي، ولد سنة 419هـ وتوفي بنيسابور سنة 478هـ.
طبقات الشافعية للإسنوي 4091- الأعلام للزركلي 2/598.
تقتضي ذلك وليس أخذ الحكم المذكور من هذا الإطلاق بأولى من رد هذا الإطلاق بقول إمام الحرمين.
فإن قلت: إدراج المصنف وغيره لفعل غير المكلف لا يتعلق به الحكم لأن الحكم هو المتعلق بأفعال المكلفين قلت: الفعل الذي هو متعلق الحكم والفعل الحسن بينهما عموم وخصوص من وجه فقسمنا الأول إلى حسن وغيره والحسن من هذه القسمة لا يشمل فعل غير المكلف ثم قسمنا مسمى الحسن مطلقا إلى فعل المكلف وغيره مما ليس متعلقا بالحكم فخرج من التقسيمين أن الواجب والمندوب والمباح من قسم الحسن المحكوم فيه وأن فعل غير المكلف من قسم الحسن غير المحكوم فيه وهذا شأن العام من وجه حيث وقع وإنما يلزم أن يكون المقسم إلى المقسم إلى الشيء صادقا على ذلك الشيء مطلقا إذا كان التقسيم في الأعم والأخص مطلقا.
"والمعتزلة قالوا ما ليس للقادر عليه العالم بحاله أن يفعله وما له أن يفعله وربما قالوا الواقع على صفة توجب الذم والمدح فالحسن بتفسيرهم الأخير أخص".
يعني أن المعتزلة قالوا إن القبيح ما ليس للقادر عليه للعالم بحاله أن يفعله والحسن ما للقادر عليه العالم بحاله أن يفعله هذا تفسيرهم الأول والإمام نقله عن أبي الحسين1 واعترض عليه بأن قولك ليس له أن تفعله تقال للعاجز عن الفعل للقادر عليه إذا منع منه وإذا كان شديد النفرة وإذا زجره الشرع عنه والأولان غير مرادين ولا الثالث لأن الفعل قد يكون حسنا مع النفرة الطبيعية عنه والرابع يصير القبيح مفسرا بالمنع الشرعي يعني وهو قولنا وأنتم لا تقولون به فصار الحد غير كاشف عن مرادكم وأصل هذا أن صفة الحسن والقبح عندهم بالعقل وعندنا بالشرع فلا بد لهم من بيانها وذكر الإمام تفسيرهم الأخير أيضا عن أبي الحسين واعترض عليه بأنه يجب تفسير الاستحقاق فقد
1 هو: محمد بن علي الطيب، القاضي أبو الحسن البصري، شيخ المعتزلة، ولد بالبصرة وسكن بغداد، من مؤلفاته في علم الأصول "المعتمد" شرح "العمد" للقاضي عبد الجبار.
توفي سنة 426هـ وفيات الأعيان 1/609- شذرات الذهب 3/259.
يقال: الأثر يستحق المؤثر أي يفتقر إليه لذاته والمالك يستحق الانتفاع بملكه أي يحسن منه والأول ظاهر الفساد والثاني يقتضي تفسير الاستحقاق بالحسن مع أنه فسر الحسن بالاستحقاق حيث قال الحسن هو الذي لا يستحق فاعله الذم فيلزم الدور فإن أراد معنى ثالثا فليبينه ثم نازعهم في تفسير الذم قال وهذه الإشكالات غير واردة على قولنا والمصنف أخذ معنى الحد الثاني دون لفظه ومراده أن القبيح هو الواقع على صفة توجب الذم والحسن هو الواقع على صفة توجب المدح وفي بعض نسخ المنهاج "فالحسن بتفسيرهم أخص" وفي بعضها "فالحسن بتفسيرهم الأخير أخص" وكلاهما صحيح فإن الحسن بتفسيرهم الأخير أخص منه بتفسيرهم الأول لدخول المباح في الأول دون الأخير والحسن بتفسيرهم أخص منه بتفسيرنا لدخول فعل غير المكلف في تفسيرنا دون تفسيرهم ولم يتعرض للقبيح ما حاله على التفسيرين ولا شك أنه بالتفسير الأخير لا يقع على غير الحرام وبتفسيرهم الأول هل يختص به فيستوي على التفسيرين أو يقع عليه وعلى المكروه فيكون بتفسيرهم الأخير أخص كالحسن فيه احتمال والأقرب الأول وقد نقل إمام الحرمين عن بعض المعتزلة أنه ارتكب إطلاق القبيح على فعل البهيمة وهذا يخالف التفسيرين ولعله يرتكب ذلك في الحسن.