الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحكام المتردفات
…
أحكام المترادف
قال وأحكامه في مسائل:
الأولى: في سببه المترادفان وإما من واضعين والتبسا أو واحد لتكثير الوسائل والتوسع في محل البديع.
ذهب بعض الناس إلى إنكار المترادف في اللغة العربية وزعم أن كل ما يظن من المترادفات فهو من المتباينات التي تتباين بالصفات كما في الإنسان والبشر فإن الأول موضوع باعتبار النسيان أو باعتبار أنه يؤنس.
والثاني: باعتبار أنه بادي البشرة وكذا الخندريس والعقار فإن الأول باعتبار الفتق والثاني باعتبار عقر الدن لشدتها وتكلف لأكثر المترادفات بمثل هذا المقال العجيب وقد اختار هذا المذهب أعني إنكار المترادف أبو الحسين أحمد بن فارس1 في كتابه الذي ألفه في فقه اللغة والعربية وسنن العرب وكلامها ونقله عن شيخه أبي العباس ثعلب2 وهذا الكتاب كتب منه ابن
1 هو أحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي من أئمة اللغة والأدب قرأ عليه البديع الهمذاني والصاحب بن عباد وغيرهما من أعيان البيان.
من تصانيفه مقاييس اللغة والصاحبي في علم العربية جامع التأويل في تفسير القرآن توفي سنة 395 هـ.
2 هو أحمد بن يحيى بن زيد سيار الشيباني الولاء أبو العباس المعروف بثعلب إمام الكوفيين في النحو واللغة كان راوية للشعر محدثا مشهورا بالحفظ وصدق اللهجة ثقة حجة ولد ومات في بغداد.
من كتبه الفصيح وقواعد الشعر وشرح ديوان الأعشى ومعاني القرآن توفي سنة 291 هـ.
تذكرة الحفاظ 3/214 الأعلام 1/252.
الصلاح نكتا منها هذه وعلقت أنا ذلك من خط ابن الصلاح فيما علقته من خطه ونحن نقول أما الجواز فلا يظن بعاقل المنازعة فيه ضرورة أنه لا يلزم من فرض وقوعه محال وأما الوقوع ففي مسميات تخرج عن حد الحصر.
إذا عرفت ذلك فلوقوع المترادفة سببان:
أحدهما: أن تكون من واضعين.
قال الإمام ويشبه أن يكون هو السبب الأكثري مثل أن تضع إحدى القبيلتين أحد الاسمين والأخرى الاسم الآخر للمسمى الواحد من غير أن تشعر إحداهما بالأخرى ثم يشتهر الوضعان ويخفي الواضعان أو يلتبس وضع أحدهما بوضع الآخر ولا يخفى عليك أن هذا السبب مبني على كون اللغات اصطلاحية.
والثاني: أن يكون من واضع واحد وهو السبب الأقلي كما ذكر الإمام وله فوائد:
منها أن تكثر الوسائل أي الطرق إلى الإخبار عما في النفس فإنه ربما نسي أحد اللفظين أو عسر عليه النطق به وقد كان بعض الأذكياء في الزمن السالف ألثغ فلم يحفظ عليه أنه نطق بحرف الراء ولولا المترادفات تعينه على ما قصده لما قدر على ذلك.
ومنها التوسع في مجال البديع أي في سلوك طرق الفصاحة وأساليب البلاغة في النظم والنثر وذلك لأن اللفظ الواحد قد يتأني باستعماله مع لفظ آخر للسجع والقافية أو التجنيس والترصيع وغير ذلك من أصناف البديع ولا يتأنى ذلك باستعمال مرادفه مع ذلك اللفظ.
قال الثانية أنه خلاف الأصل لأنه تعريف المعرف ومحوج إلى حفظ الكل.
نقل الإمام أن من الناس من قال الترادف وإن كان واقعا لكنه على خلاف الأصل وبه جزم في الكتاب وحينئذ إذا دار اللفظ بين كونه مترادفا
للفظ آخر ومباينا له فحمله على المباين له أولى واستدل على كونه على خلاف الأصل بوجهين:
أحدهما: أن المقصود لما حصل بأحد اللفظين فالأصل عدم الثاني لئلا يلزم تعريف المعرف.
والثاني: أنه موجب للمشقة لأنه يوجب حفظ جميع تلك الألفاظ إذ لو لم يحفظ جميعها احتمل أن يكون الذي اقتصر على حفظه خلاف ما اقتصر عليه الآخر فعند التخاطب يجهل كل واحد منها مراد صاحبه.
قال الثالثة اللفظ يقوم بدل مرادفه من لغته إذ التركيب يتعلق بالمعنى دون اللفظ.
هل يجب صحة إقامة كل واحد من المترادفين مكان الآخر فيه ثلاث مذاهب:
أحدها: أنه غير واجب قال الإمام وهو الحق.
والثاني: أنه واجب بمعنى أنه يصح مطلقا وهو اختيار ابن الحاجب وقال الإمام إنه الأظهر في أول النظر.
والثالث: وهو اختيار المصنف وصفي الدين الهندي إن كانا من لغة واحدة صح وإلا فلا أما صحته إذا كانا من لغة واحدة فلأن المقصود من التركيب إنما هو المعنى دون اللفظ فإذا صح المعنى مع أحد اللفظين وجب أن يصح مع الآخر لاتحاد معناهما وأما عدم صحته إذا كانا من لغتين فلأن اختلاط اللغتين يستلزم ضم مهمل إلى مستعمل فإن إحدى اللغتين بالنسبة إلى اللغة الأخرى بمثابة المهمل.
فإن قلت التركيب كما يتعلق بالمعنى كذلك يتعلق باللفظ كما في أنواع البلاغة من الترصيع والتجنيس وغير ذلك فإن رعاية هذه الأمور غرض يقصده اللبيب.
قلت رعاية هذه الأمور خارجة عن المقصود الأصلي من الكلام فإنها من
محسنات الكلام لا من مصححاته وفي قول المصنف إذ التركيب إشارة إلى أن الخلاف إنما هو في حال التركيب وأما في حال الإفراد كما في تعديد الأشياء فلا خلاف في جواز ذلك هذا كلام الأصوليين في المسألة وأما الفقهاء فلا خلاف عندهم في إقامة كل واحد من المترادفين المختلفي اللغة مقام الآخر فيما تشترط فيه الألفاظ كعقود البيوعات وغيرها وأما ما وقع النظر في أن التعبد هل وقع بلفظه فليس من هذا الباب لأن المانع إذ ذاك من إقامة أحد المترادفين مقام الآخر ليس أنه لا يصح إقامة مرادف مقام صاحبه بل لما وقع من القيد لسبيله لفظه كالخلاف في أن لفظ النكاح كلي ينعقد بالعجمية واللغات للقادر على العربية ونظائر ذلك.
قال الرابعة التوكيد تقوية مدلول ما ذكر بلفظ ثان فإما أن يكون بنفسه مثل قوله عليه السلام: "والله لأغزون قريشا ثلاثا" أو بغيره للمفرد كالنفس والعين وكلا وكلتا وكل وأجمعين وإخواته والجملة كان.
لك أن تقول الفصل معقود للترادف فلا مدخل لأحكام التوكيد فيه فكان ينبغي أن يقول الفصل الرابع في أحكام الترادف والتأكيد كما فعل الإمام والخطب في ذلك يسير.
اعلم أن التوكيد عبارة عن تقوية مدلول اللفظ المذكور أولا بلفظ مذكور ثانيا هكذا قاله صاحب الحاصل وتبعه المصنف وقد أورد عليهما أن التابع يدخل في هذا لأنه يفيد تقوية الأول كما حررناه فكان من حقه أن يقول بلفظ ثان مستقل بالإفادة وأورد عليه أيضا القسم وإن واللام تؤكد الجملة وليس ذلك بلفظ ثان بل أول ولا يمكنه أن يقول بدل ثان بلفظ آخر لأنه يوهم أنه يشترط في المؤكد أن يكون بلفظ مغاير لذلك فيخرج التأكيد اللفظي ولك أن تجيب أولا بأن الثاني هنا بمعنى واحد كما في قوله: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ} 1
1 جاء في قوله تعالى في حق أبي بكر في هجر ته مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – {إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} التوبة: 40.
والأكثر أن يكون مع المؤكد فاعل الأول أو ضميره نحو قام زيد قام زيد أو قام زيد قام وقد يكون فاعل المؤكد والمؤكد ضميرين كقولك صل، صل الصديق وقد يستغنى بفاعل أحدهما وقد اجتمع الأمران في قول الشاعر:
فأين إلى أين النجاة ببغلتي
…
أتاك أتاك اللاحقون احبس احبس1
أو حرفا كقول الشاعر:
فلا والله لا يلفى لما بي
…
ولا للما بهم أبدا دواه2
الثاني: التأكيد المعنوي وهو بغير ذلك اللفظ الأول وذلك قسمان:
أحدهما: أن يكون مؤكدا للمفرد فإما أن يكون مؤكدا للواحد مثل جاء زيد بنفسه ومحمد عينه أو للمثنى مثل جاء الزيدان كلاهما أو المرأتان كلتاهما أو المجمع مثل جاء القوم كلهم أو أجمعون قال الله تعالى: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} 3 ومن ذلك أخوات أجمعين كأكتعين وأبصعين وأبتعين.
والثاني: أن يكون مؤكدا للجملة كأن نحو قوله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} 4 ولام الابتداء والجملة القسمية.
قال وجوازه ضروري ووقوعه في اللغات معلوم.
أنكر بعض الملاحدة التوكيد والخلاف معه إما في الجواز وهو ضروري أو في الوقوع لمن استقرأ لغة العرب وجدها مشحونة به وله فوائد تعرف من تتبع خواص تراكيب الكلام وأدناها بعد احتمال المجاز أو نفيه فإنك إن قلت إذا قلت قام زيد احتمل أن يريد غلامه مجازا فإذا قلت نفسه فإن لم يقتض ذلك انتفاء احتمال المجاز فلا أقل من اقتضائه ضرورة هذا الاحتمال مرجوحا ضعيفا ولذلك نقول زيد قائم لمن يكتفي بهذا الخبر فإن أردت أن تقرر عند ذلك لم تجد بدا من التأكيد بإن فتقول إن زيدا قائم فإذا توهمت منه نكيرا لم تلف
1 يذكرها النحويون من شواهد التوكيد اللفظي. شرح ابن عقيل ص 131.
2 ينسب هذا البيت لبعض بني أسد شرح الشواهد للعيني على الأشموني 3/83.
3 سورة الحجر آية:30.
4 سورة الأحزاب آية: 56.
غنى عن الزيادة اللام فتقول إن زيدا لقائم ولذلك قال بعض أصحابنا إذا قال استأجرتك لكذا أو لتفعل كذا لم يكن الحاصل به إجارة عين بل ذمة وإن اقتضى ذلك الإضافة إلى المخاطب وأنه لا يحصل إجارة العين إلا إذا قال استأجرت عنك أو نفسك أو لتعمل بنفسك كذا.
فائدتان إحداهما: عن شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام1 رحمة الله أنه قال اتفق الأدباء على أن التأكيد في لسان العرب إذا وقع بالتكرار لا يزيد على ثلاث مرات قال وأما قوله تعالى في سورة المرسلات: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} في جميع السورة فذلك ليس تأكيدا بل كل آية قيل فيها: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} في هذه السورة فالمراد المكذبون بما تقدم ذكره قيل هذا القول ثم يذكر الله تعالى معنى آخر ويقول: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} أي بهذا فلا يجتمعان على معنى واحد فلا تأكيد وكذلك: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} في سورة الرحمن.
الثانية: سأل بعض الفضلاء فيما إذا قال الزوج أنت طالق انت طالق وقصد بالثانية التأكيد فإنه لا يقع إلا واحدة والحالة هذه فقال الجملة الثانية لا جائز أن تكون خبرية لأن الجملة الخبرية غير الإنشائية وشرط التأكيد أن يكون من جنس الأول ولا أن تكون إنشائية وإلا وقع طلقتان ويمكن أن يجاب باختيار أنها إنشائية ولا يلزم ما ذكر فإنها إنشاء للتأكيد ولا يقع بإنشاء التأكيد شيء وليست بإنشاء الإيقاع فاشتركت مع الأولى في أصل الإنشاء وافترقنا فيما أنشأه
1 هو عبد العزيز عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن السلمي الدمشقي عز الدين الملقب بسلطان العلماء فقيه شافعي بلغ رتبة الاجتهاد.
ألف الكثير من الكتب منها: الإمام في أدلة الأحكام مختصر صحيح مسلم قواعد الأحكام في مصالح الأنام.
توفي – رحمة الله عليه – في العاشر من جمادى الأولى سنة 660 هـ بالقاهرة ودفن بالقرافة الكبرى في سفح جبل المقطم.
فوات الوفيات 1/287 التجوم الزاهرة 7/208.