المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌فائدة علم الأصول

- ‌شروط المجتهد

- ‌شرح ديباجة الكتاب

- ‌تعريف أصول الفقه

- ‌تعريف الفقه

- ‌الباب الأول في الحكم

- ‌الفصل الثاني: في تقسيم الحكم

- ‌التقسيم الأول: الخطاب إن اقتضى الوجود

- ‌التقسيم الثاني: باعتبار الحسن والقبيح

- ‌التقسيم الثالث: إلى السبب والمسبب

- ‌التقسيم الرابع: بعتبار الصحة والفساد

- ‌تعريف الأجزاء

- ‌التقسيم الخامس: إلى الأداء والإعادة والقضاء

- ‌التقسيمالسادس: إلى العزيمة والرخصة

- ‌الفصل الثالث: في أحكام الحكم

- ‌المسألة الأولى: الواجب المعين والمخير

- ‌تذنيب

- ‌المسألة الثانية: الوجب الموسع والمضيق

- ‌المسألة الثالثة: الوجب العيني والواجب الكفائي

- ‌المسألة الرابعة: مقدمة الواجب

- ‌السألة الخامسة: وجوب الشىء يستلزم حرمة نقيضه

- ‌المسألة السادسة إذا نسخ الوجوب بقي الجواز

- ‌المسألة السابعة: الواجب لا يجوز تركه

- ‌الباب الثاني فيما لا بد للحكم منه

- ‌الحاكم

- ‌الحسن والقبيح

- ‌فرعا الحسن والقبيح. الفرع الأول: شكر المنعم ليس بواجب عقلا

- ‌الفرع الثاني: الأفعال الختيارية قبل البحث

- ‌أدلة القائلين بالإباحة

- ‌أدلة القائلين بحرمتها

- ‌المحكوم عليه

- ‌المسألة الأولى: الاحكم على المعدوم

- ‌المسألة الثانية: تكليف الغافل

- ‌المسألة الثالثة: الإكراه الملجىء يمنع التكليف

- ‌المسألة الرابعة: وقت توجيه الخطاب إلى المكلف

- ‌أدلة القائلين بتوحه الخطاب

- ‌المحكوم به

- ‌المسألة الأولى: جواز التكليف بالمحال

- ‌أدلة القائلين بعدم الوقوع

- ‌دليل القائلين بالوقوع

- ‌المسألة الثانية: تكليف الكفار

- ‌أدلة القائلين بتكليف الكفار

- ‌المسألة الثالثة امتثال الأمر يوجب الإجزاء

- ‌الكتاب الأول في الكتاب وهو القرآن الكريم

-

- ‌اللغات

- ‌الفصل الأول: الوضع

- ‌أسباب وضع اللغات

- ‌الواضع للغات وآراء العلماء فيها

- ‌الأدلة

- ‌طريق معرفة اللغات

- ‌الفصل الثاني: تقسيم الألفاظ

- ‌الفصل الثالث: الأشتقاق

- ‌تعريف الاشتقاق

- ‌أحكام الاشتقاق

- ‌الفصل الرابع: الترادف

- ‌تعريفه

- ‌أحكام المتردفات

- ‌الفصل الخامس: الاشتراك

- ‌الفصل الساس: الحقيقة والمجاز

- ‌تعريف الحقيقة والمجاز

- ‌المسألة الأولى: وجود الحقيقة اللغوية والعرفية

- ‌المسألة الثانية: أنواع المجاز

- ‌المسألة الثألثة: شرط المجاز وجود العلاقة

- ‌المسألة الرابعة: المجاز بالذات لايكون في الحروف

- ‌المسألة الخامسة: المجاز خلاف الأصل

- ‌المسألة السادسة: لأأسباب التي تدعو إلمجاز

- ‌المسألة السابعة: اللفظ قدلا يكون حقيقة

- ‌المسألة الثامنة: علامة الحقيقة والمجاز

- ‌الفصل السابع: تعارض ما يخل بالفهم

- ‌الفصل الثامن: تفسير حروف يحتاجه إليها

- ‌المسألة الأولى: الواو

- ‌المسألة الثانية: الفاء

- ‌المسألة الثالثة: في

- ‌المسألة الرابعة: من

- ‌المسألة الخامسة: الباء

- ‌المسألة السادسة: إنما

- ‌الفصل التاسع: كيفية الاستدلال بالألفاظ

- ‌المسألة الأولى: لا يخطبنا الله تعالى بالمهمل

- ‌المسألة الثانية: لا يعني خلاف الظاهر من غير بيان

- ‌المسألة الثالثة: دلالة المنطوق والمفهوم

- ‌المسألة الرابعة: تعليق الحكم بالأسم

- ‌المسألة الخامسة: التخصيص بالشرط

- ‌المسألة السادسة: التخصيص بالعدد

- ‌المسألة السابعة: استقلال النص بافادة الحكم وعدمه

الفصل: ‌تعريف أصول الفقه

‌تعريف أصول الفقه

"أصول الفقه معرفة دلائل الفقه إجمالا وكيفية الاستفادة منها وحال المستفيد".

هذه العبارة بعينها عبارة تارج الدين الأرموي في الحاصل ولنقدم مقدمة وهي أنه ينبغي أن يذكر في ابتداء كل علم حقيقة ذلك العلم ليتصورها الذي يريد الاشتغال به قبل الخوض فيه فمن عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل فلا جرم احتاج إلى تعريف أصول الفقه في أوله وههنا خمسة أشياء:

أحدها: لفظ أصول الفقه قبل أن يسمى به هذا العلم مركب من مضاف ومضاف إليه.

والثاني: هذا اللفظ بعد أن سمي به فإنه صار اسما للعلم وكل من المضاف والمضاف إليه بهذا الاعتبار صار كالزاي والدال من زيد لا معنى له وكل مركب سمي به معنى فقد يتطابق معناه حال التركيب وحال التسمية كعبد الله مسمى به رجل فهو صادق عليه بالاعتبارين وقد لا يتطابقان كأنف الناقة مسمى به رجل ولفظ أصول الفقه مما تطابق فيه معناه حال التركيب ومعناه حال التسمية من بعض الوجوه كما سنبينه.

الثالث: معنى أصول الفقه قبل التسمية.

الرابع: معنى أصول الفقه بعد التسمية مع قطع النظر عن أجزاء اللفظ المطلق عليه.

الخامس: معناه بعد التسمية مع الالتفات إلى أجزاء اللفظ المطلق عليه لأن اللفظ يدل عليه باعتبارين كما قدمناه فإذا أخذ المعنى بأحد الاعتبارين

ص: 19

كان مغايرا له بالاعتبار الآخر فيصدق على المعنى المذكور أنه إضافي لقبي باعتبارين لكن صدق اللفظ عليه بالإضافة إنما هو بطريق المجاز لأنه أخص من معناه الحقيقي والحد إنما هو للمعنى دون اللفظ فالمقصود بيان المعاني الثلاثة ويعبر عن المعنى الأول بالإضافي لأن المعنى مركب من مضاف ومضاف إليه في الذهن كما أن لفظه كذلك في النطق ويعبر عن المعنى الثاني باللقبي باعتبار أنه ملقب بهذا الاسم فإن اللفظ المركب جعل اسما عليه زلقبا له وعلما كسائر أعلام الأجناس أو أسماء الأجناس فإن علم الجنس هو الذي يقصد به تمييز الجنس من غيره من غير نظر إلى أفراده واسم الجنس الذي يقصد به مسمى الجنس باعتبار وقوعه على أفراده حتى إذا دخلت عليه الألف واللام الجنسية الدالة على الحقيقة ساوى علم الجنس هذا هو الذي نختاره في الفرق بين اسم الجنس وعلم الجنس ويستنتج منه أن علم الجنس لا يثنى ولا يجمع لأنه إنما يثنى ويجمع الأفراد وجعله اسم جنس أولى من جعله علم جنس لأنه لو كان علما لما دخلت عليه الألف واللام وكذلك سائر أسماء العلوم من فقه ونحو وغير ذلك ويعبر عن المعنى الثالث بالإضافي بالاعتبارين كما سبق.

إذا عرفت هذه المقدمة فهمت ثلاثة مباحث:

أحدهما: في تعريف معنى أصول الفقه التركيبي قبل التسمية ولا بد في ذلك من تعريف المضاف والمضاف إليه والإضافة لأن العلم بالمركب يتوقف على العلم بالمفرد ونبدأ ذلك بتعريف المضاف وليس كما توهم بعض الناس من أنه يعتني بالبداءة بالمضاف إليه محتجا بأن المضاف يتعرف بتعريف المضاف إليه لأنا نقول التعريف تعريف مقابل التنكير وهو الذي يكتسبه المضاف من المضاف إليه وتعريف مقابل الجهل وهو المقصود هنا وهذا لا يكتسبه المضاف من المضاف إليه فنقول الأصول جمع وتعرفه بتعريف مفرده والأصل ما يتفرع عنه غيره وهذه العبارة أحسن من قول أبي الحسين ما يبنى عليه غيره لأنه لا يقال إن الولد يبنى على الوالد ويقال إنه فرعه وأحسن من قول صاحب الحاصل ما منه الشيء لاشتراك من بين

ص: 20

الابتداء والتبعيض وأحسن من قول الإمام1: "المحتاج إليه" لأنه إن أريد بالاحتياج ما يعرف في علم الكلام من احتياج الأثر إلى المؤثر والموجود إلى الموجد لزم إطلاق الأصل على الله تعالى وإن أريد ما يتوقف عليه الشيء لزم إطلاقه على الجزء والشرط وانتفاء المانع وإن أريد ما يفهمه أهل العرف من الاحتياج لزم إطلاقه على الأكل واللبس ونحوهما وكل هذه اللوازم مستنكرة وكل هذه التعريفات للأصل بحسب اللغة وإن كان أهل اللغة لم يذكروها في كتبهم وهو مما ينبهنا على أن الأصوليين يتعرضون لأشياء لم يتعرض لها أهل اللغة.

وأما في العرف فالأصل مستعمل في ذلك ولم يترك أهل العرف الاستعمال في ذلك لكن العلماء يطلقونه مع ذلك على شيئين أخص منه:

أحدهما: الدليل والثاني المحقق الذي يشك في ارتفاعه لتفرع المدلول على الدليل والاستصحاب على اليقين السابق.

والفقه تعريفه سيأتي في كلام المصنف والإضافة تفيد الاختصاص فإن كان المضاف اسما جامدا أفادت مطلق الاختصاص كحجر زيد وإضافة الأعلام إذا وقعت من هذا القبيل كقول الشاعر:

علا زيدنا يوم النقا

رأس زيدكم

وإن كان المضاف اسما مشتقا أفادت الإضافة اختصاص المضاف بالمضاف إليه في المعنى المشتق منه كغلام زيد تفيد اختصاص الغلام بزيد في معنى الغلامية وكانت للملك وتفيد هنا اختصاص الأصول بالفقه في معنى لفظة الأصول وهو كون الفقه متفرعا عنه وظهر بهذا أن أصول الفقه بالمعنى التركيبي ما يتفرع عنه الفقه والفقه كما يتفرع عن دليله يتفرع عن العلم بدليله فيسمى كل منهما أصلا للفقه ولا فرق في الأدلة في هذا المقام بين الإجمالية

1 هو: فخر الدين، محمد بن عمر الحسيني الرازي، المتوفى سنة: 606هـ صاحب كتاب "المحصول، في أصول الفقه، وهو الذي يعتبر كتاب "منهاج الوصول" للبيضاوي ملخصاً له. فكلمة "الإمام" إذا أطلقت في أصول الفقه، فالمراد: فخر الدين الرازي. اهـ. محققة.

ص: 21

والتفصيلية فإن كلا منهما يتفرع الفقه عنه وعن العلم به فصار أصول الفقه بالمعنى التركيبي يشمل أربعة أشياء الأدلة الإجمالية وعلمها والأدلة التفصيلية وعلمها وهذا ليس هو المصطلح ولا يصح تعريف هذا العلم بمدلول أصول الفقه الإضافي لأنه أعم منه إلا إذا أخذ بعد التسمية كما سيأتي.

"البحث الثاني": في تعريف معنى أصول الفقه اللقبي وهو المصطلح عليه ولا شك أن كلا من الأدلة التفصيلية والعلم بها غير داخل فيه لأن ذلك من وظيفة الفقيه والخلافي فلم يوضع أصول الفقه في الاصطلاح لكل ما يحتاج إليه الفقه بل لبعض ما يحتاج كدأب أهل العرف في تخصيص الأسماء العرفية ببعض مدلولاتها في اللغة والأدلة التفصيلية مثل: {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} ودلالته على وجوب الصلاة ونحو ذلك ولما استفيد إخراج الأدلة التفصيلية وعلمها من الوضع تبقى الإجمالية وعلمها والمراد بالإجمالبة كليات الأدلة فإن قوله: {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى} {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} ونهيه صلى الله عليه وسلم: "عن قتل النساء والصبيان" وإطلاق الرقبة في موضع وتقييدها بالإيمان في موضع وصلاته صلى الله عليه وسلم في الكعبة وإجمال الصلاة في الآية المذكورة وبيان جبريل لها ونسخ التوجه إلى بيت المقدس والإجماع على أن بنت الابن لها السدس مع الثلث عند عدم العاصب وخبر ابن مسعود في ذلك وقياس الأرز على البر ومرسل سعيد بن المسيب في النهي عن بيع اللحم بالحيوان وقول عثمان في بيع الفراء والمصلحة المرسلة في التترس والأخذ بالأخف في دية اليهودي والاستحسان في التحليف على المصحف ونحو ذلك كلها أدلة معينة وجزئيات مشخصة والعلم بها ليس من أصول الفقه في شيء وإنما هي وظيفة الفقه ولهذه الأدلة وأمثالها كليات وهي مطلق الأمر والنهي والعموم والخصوص والإطلاق والتقييد والفعل والإجمال والتبيين والنسخ والإجماع وخبر الواحد والقياس والمرسل وقول الصحابي والمصلحة المرسلة والأخذ بالأخف والاستحسان عند من يقول به وهذه الكليات داخلة في الجزئيات فإن الكلي الطبيعي موجود في الخارج وفي الذهن في ضمن مشخصاته ففي الأدلة اعتباران:

أحدهما: من حيث كونها معينة وهذه وظيفة الفقيه وهي الموصلة القريبة

ص: 22

إلى الفقه والفقيه قد يعرفها بأدلتها إذا كان أصوليا وقد يعرفها بالتقليد ويتسلمها من الأصول ثم هو يرتب الأحكام فمعرفتها حاصلة عنده.

والاعتبار الثاني: من حيث كونها كلية أعني يعرف ذلك الكلي المندرج فيها وإن لم يعرف شيئا من أعيانها وهذه وظيفة الأصولي فمعلوم الأصولي الكلي ولا معرفة له بالجزئي من حيث كونه أصوليا ومعلوم الفقيه الجزئي ولا معرفة له بالكلي من حيث كونه فقيها ولا معرفة له بالكلي إلا لكونه مندرجا في الجزئي المعلوم وأما من حيث كونه كليا فلا فالأدلة الإجمالية هي الكلية سميت بذلك لأنها تعلم من حيث الجملة لا من حيث التفصيل وهي توصله بالذات إلى حكم الإجمالي مثل كون كل ما يؤمر به واجبا وكل منهي عنه حراما ونحو ذلك وهذا لا يسمى فقها في الاصطلاح ولا توصل إلى الفقه بالتفصيلي وهو معرفة سنية الوتر أو وجوبه والنهي عن بطلان بيع الغائب أو صحته مثلا إلا بواسطة فقبدية الإجمال مأخوذة في الأدلة والمعرفة معا أيضا وليست مأخوذة في الفقه ولذلك لا يلزم من النظر في الأصول حصول الفقه والحكم الكلي متوقف على الأصول توقفا ذاتيا والحكم التفصيلي وهو الفقه موقوف عليه أيضا وعلى غيره كلية قد يكون بالتقيد للأصولي كما أشرنا إليه وبهذا يظهر أن الاجتهاد في الفقه على الإطلاق شرطه الأصول ومعرفتها بالاجتهاد وأما بدون ذلك فيكون مقلدا وإن اجتهد في تفريع المسائل.

ثم هذه الأدلة الكلية لها حقائق في أنفسها من حيث دلالتها وتعلق العلم بها فهل وضع أصول الفقه لتلك الحقائق في أنفسها أو للعلم بها كلام المصنف يقتضي الثاني وكلام الإمام وغيره يقتضي الأول ولكل منهما وجه فإن الفقه كما يتوقف على الأدلة يتوقف على العلم بها وقد يرجح ما فعله المصنف بأن العلم بالأدلة لا يوصل إلى المدلول إلا بواسطة العلم بها لأن الفقه علم لكن أهل العرف يسمون المعلوم أصولا وكذلك يسمون المعلوم فقها ونقول هذا كتاب أصول وكتاب فقه والأولى جعل الأصول للأدلة والفقه للعلم لأنه أقرب إلى الاستعمال اللغوي ثم الأدلة لها اعتباران أحدهما حقيقتها في نفسها والثاني من حيث دلالتها على الفقه والمأخوذ في حد أصول الفقه والمأخوذ في حد أصول الفقه إنما هو هذا الثاني وهو مستفاد من الإضافة

ص: 23

في قولنا أدلة الفقه لما قدمناه أن الإضافة تفيد اختصاص المضاف بالمضاف إليه في معنى لفظة المضاف فالشرط في الأصولي معرفة أدلة الفقه من حيث دلالتها على الفقه خاصة وقد يكون لها عوارض أخرى لا يجب معرفته بها ثم معرفة الأدلة من حيث كونها أدلة لا بد معه من كيفية الاستدلال ومعظمها يذكر في باب التعارض والترجيح فجعلت جزءا آخر من أصول الفقه لتوقف الفقه عليها وليس كل أحد يتمكن من الاستدلال ولا يحصل له الفقه بمجرد علم تلك الأدلة وكيفية الاستدلال لأنها أدلة ظنية ليس بينها وبين مدلولاتها ربط عقلي فلا بد من اجتهاد يحصل به ظن الحكم فالفقه موقوف على الاجتهاد والاجتهاد له شروط يحتاج إلى بيانها فجعلت جزءا ثالثا من أصول الفقه لتوقف الفقه عليها.

وهذا مجموع ما يذكر في أصول الفقه الأدلة وكيفية الاستدلال وكيفية حال المستدل والإمام ومن وافقه يجعلون أصول الفقه عبارة عن الثلاثة والمصنف وطائفة يجعلونه عبارة عن معرفة الثلاثة فالمعارف الثلاثة عندهم هي أصول الفقه وقد تقدم البحث في ذلك.

فقول المصنف: "وكيفية الاستفادة" معطوف على دلائل الفقه أي ومعرفة كيفية الاستفادة وكذا قوله: وحال المستفيد أي ومعرفة حال المستفيد والمراد بالمستفيد المجتهد لأنه الذي يستفيد الأحكام من أدلتها ويقع في بعض النسخ حال المستدل وفي بعضها حال المستفيد فجمع بعض النساخ بينهما واقتضى هذا الغلط أن يحمل المستدل على المجتهد والمستفيد على المقلد لأنه يستفيد من المجتهد لكن يجوز أن يكون جزءا من أصول الفقه بخلاف الاجتهاد فإن الفقه موقوف عليه نعم إذا عرف المجتهد عرف أن من سواه مقلد وهذا جاء بالعرض لا بالقصد أعني معرفة المقلد نعم بعض الناس قد سمى علم المقلد فقها فمن هذا الوجه يحسن إدراجه في أصول الفقه لتوقف فقهه عليه وفيه فائدة لا تذكر إلا فيه وهي حكمه إذا اختلفت عليه المجتهدون ونحو ذلك.

وقول المصنف: "دلائل" لو قال أدلة كان أحسن لأن فعيلا لا يجمع على

ص: 24

فعائل إلا شاذا1. وقوله إجمالا مصدر في موضع الحال أو تمييز من معرفة أو دلائل وكل منهما يصح أن يراد به على ما بينا ويزداد وعلى جعله من معرفة وجه آخر وهو أن يكون نعتا لمصدر محذوف تقديره عرفانا إجمالا وإعرابه تمييز أقوى لأنه يبين جهة الإضافة كقولك هذا أخوك رضاعة أو نسبا وهذا القيد أعني قوله إجمالا لإخراج العلم بالأدلة على التفصيل فليس من أصول الفقه ولا هو الفقه كما وقع في عبارة بعض شارحي هذا الكتاب لأن الفقه غيره بل هو يذكر في الفقه ومن وظيفة الفقيه وأصول الفقه الأدلة الإجمالية وعلمها وهل أصول الفقه بحسب الاصطلاح يصدق على القليل من ذلك والكثير أو لا يصدق إلا على المجموع اختيار الإمام الثاني فلم يجعل أصول الفقه يطلق على بعضه وهذا إنما يظهر بأخذ مضافا ومضافا إليه أما إذا أخذ إسما على هذا العلم فينبغي أن يصدق على القليل والكثير كسائر العلوم ولهذا إذا رأيت مسألة واحدة منه تقول هذا أصول فقه والاعتذار عن الجمع في لفظة الأصول بأمرين:

أحدهما: أن بعد التسمية لا يجب المحافظة على معنى الجمع.

والثاني: أنه جمع مضاف إلى معرفة فيعم والعموم صادق على كل فرد وكلام المصنف محتمل لما قاله الإمام ولما قلناه بالطريق المذكور.

وعدول المصنف عن علم إلى معرفة نقدم عليه مقدمة وهي أن المعرفة تتعلق بالذوات وهي التصور والعلم يتعلق بالنسب وهو التصديق فإن أراد أن علم الأصول تصور محض فليس كذلك لأن العلم بكون الأمر للوجوب والنهي للتحريم من أصول الفقه وهو تصديق فالإتيان بلفظ العلم في هذا المقام

1 قال ابن مالك في شرح الكافية الشافية: لم يأت فعائل جمعاً لاسم جنس على وزن فعيل فيما أعلم، لكنه بمقتضى القياس جائز في العلم المؤنث كعسائد، جمع عسيد اسم امرأة. نهاية السول 1/14-15.

والذي يترجح عندي أن "دلائل" ليس جمعاً لدليل، وإنما هو جمع "دلالة" وهي الإمارة وهي أعم منا دليل، فلو عبر بالأدلة لخرج كثير من أصول الفقه العمومات، وأخبار للآحاد، والقياس، والاستصحاب، وغير ذلك، فإنها أمارات على الدليل، ولذلك قال الإمام الرازي في المحصول. طرق الفقه يتناول الأدلة والأمارات. اهـ. محققة.

ص: 25

أحسن لأنه أعم من المعرفة ولهذا ينقسم العلم إلى التصور والتصديق ويقول النحاة في العلم إذا لم يكن عرفانا ثم سواء قلنا علم أو معرفة أو أدلة أو طرق كما قال الإمام يرد على جميع ذلك سؤال قوي وهو أن الطريق ما يفضي النظر الصحيح فيه إلى علم المدلول أو ظنه والدليل ما يفضي النظر الصحيح فيه إلى المدلول وعلم الدليل أو الطريق كذلك والمدلول هنا هو الفقه لقوله أدلة الفقه أو طرق الفقه وقد قدمنا أن الفقه بحسب الاصطلاح لا يصدق إلا على معرفة الأحكام التفصيلية فيلزم من هذا أن يكون أصول الفقه معرفة أدلة الأحكام التفصيلية وأن من عرفها عرف ضرورة بما قررناه من أن النظر في الدليل يوجب العلم بالمدلول فيلزم أن يكون الأصول فقها وأن يكون كل أصولي فقيها وهذا ظاهر البطلان ولا ينجى عن هذا قيد الإجمال في المعرفة أو في الدلالة لأن الإجمالي إن كان دليلا للتفصيلي لزم من تحصيله حصوله وإن لم يكن دليلا للتفصيلي فسدت إضافته إلى الفقه لأن الفقه تفصيلي ودليل الفقه مجموع أمرين:

أحدهما: الإجمالية، والثاني: التفصيلية، والأول مندرج في الثاني فكل من علم الثاني علم الأول تقليدا أو اجتهادا ولا يحصل الفقه إلا بعلمهما والأصول في الأول فقط وقد سلم من هذا السؤال ابن الحاجب حيث قال إن حده لقبا العلم بالقواعد التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية ومع ذلك يرد عليه أن من القواعد النحوية وغيرها ما هو كذلك ولم تدخل في أصول الفقه فالحد غير مانع وغير جامع أيضا لأنه أخرج الأدلة عن الأصول جملة.

فإن قلت: هل من اعتذار عن المصنف والإمام وغيرهما في السؤال الذي قدمته قلت نعم وهو أن الأدلة التفصيلية التي يحصل عنها الفقه لها جهتان: إحداهما أعيانها والثانية كلياتها وكل دليل هكذا فليست الأدلة منقسمة إلى ما هو إجمالي غير تفصيلي وتفصيلي غير إجمالي بل كلها شيء واحد له جهتان فالأصولي يعلمه من إحدى الجهتين والفقيه يعلمه من الأخرى ويصدق على ذي الجهتين أنه معلوم من وجه فالمراد بالأدلة التفصيلية التي هي موصلة إلى الفقه والأصولي يعرفها من جهة الإجمالي فلها اعتباران والنظر في

ص: 26

الدليل إنما يفيد العلم بالمدلول إذا نظر فيه على سبيل التفصيل والأصولي لم ينظر فيه كذلك فلم يحصل له الفقه لانتفاء شرط نظره لا لانتفاء كون المنظور فيه دليلا في نفسه وهذا جواب حسن مصحح لمعرفة الأدلة وإن كان جعله للأدلة صحيحا أيضا باعتبار أن للأدلة نسبتين كما قدمنا فهي باعتبار إحدى النسبتين غيرها باعتبار الأخرى هذا كله في تعريف المعنى اللقبي إذا قطعنا النظر عن أجزاء اللفظ وكذلك إذا لاحظناها مع التخصيص الذي أشرنا إليه فيما سبق فإن التعريف يحصل بما ذكره أيضا وليس من شرط الحد أن يكون بأجزاء محمولة كما ظنه بعضهم بل بأجزاء داخلة في الحقيقة وأجزاء المحدود هنا وهي المعارف الثلاث كذلك والمعرفة جنس الأصول وما أضيف إليه من الأدلة والكيفيتين فصول تقديره معرفة متعلقة بالأدلة والكيفيتين فالمتعلقة فصل وإنما جعلناه فصلا لأن التعلق داخل في ذات العلم فإن جعلته خارجا كان خاصة وكان التعريف رسما تاما.

البحث الثالث

في الفرق بين المعاني الثلاثة وتعريفاتها وما بينها من النسب.

أما المعنى الأول وهو معنى أصول الفقه قبل التسمية فهو أعم مطلقا من الثاني والثالث اللذين هما بعد التسمية وتعريفه أعم من تعريفهما ولا يحصل به تعريف هذا العلم كما سبق وإطلاقه عليه إطلاق الأعم على الأخص ولم يذكر المصنف ولا غيره ممن أراد تحديد علم أصول الفقه ذلك إلا على سبيل التقدمة كما فعله الإمام فإنه ذكر المفردات ثم ذكر تعريف أصول الفقه بعد مسمى به ولذلك أخذ فيه قيد الإجمال ولو راعى مدلوله قبل التسمية لم يأخذ فيه قيد الإجمال وأما معناه اللقبي ومعناه الإضافي بعد التسمية إذا لوحظت أجزاء لفظه فهما سواء وتعريفهما سواء فسرنا الأصول بالأدلة أم بالمحتاج إليه فيصح على كل من التقديرين هذا أن نجعل أصول الفقه اسما للأدلة وهي محتاج إليها فيتحد المعنى اللقبي والإضافي أما الإضافي فظاهر وأما اللقبي فلتسمية الأدلة بذلك ويصح أن نجعله اسما للمعرفة فيتحدان أيضا أما اللقبي فظاهر وأما الإضافي فظاهر إن جعلنا الأصل المحتاج إليه وإن جعلناه الدليل فنكون قد سمينا به العلم بالدليل من باب تسمية العلم باسم المعلوم.

ص: 27