الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة: الوجب العيني والواجب الكفائي
…
المسألة الثالثة في الواجب العيني والواجب الكفائي
"الثالثة: الوجوب إن تناول كل واحد كالصلوات الخمس أو أحدا معينا كالتهجد فيسمى فرض عين أو غير معين كالجهاد يسمى فرضا على الكفاية فإن ظن كل طائفة أن غيره فعل سقط عن الكل وإن ظن أنه لم يفعل وجب" قيل إن الوجوب على الكفاية مخالف بالحقيقة للوجوب على الأعيان وأن اسم الوجوب صادق عليهما بالاشتراك المعنوي وزعم بعضهم أن المخاطب بفرض الكفاية طائفة لا بعينها وهو ظاهر قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} والصحيح أن المخاطب به الجميع لتعذر خطاب المجهول بخلاف خطاب المعين بالشيء المجهول فإنه يمكن كالكفارة وإنما يفترق فرض الكفاية وفرض العين في أن فرض الكفاية المقصود منه تحصيل مصلحته من غير نظر إلى فاعله وفي تحقيقه ثلاثة معان:
أحدها: أن كل مكلف يخاطب بالجهاد مثلا فإن قام به طائفة سقط عن الباقين رخصة وتخفيفا ولحصول المقصود.
والثاني: أن كل مكلف مخاطب به إن لم يقم غيره به وعلى هذا إذا قام غيره به تبين أنه لم يكن مخاطبا ليس أنه خوطب ثم سقط.
والثالث: أن كل مكلف غير مخاطب به ومجموعهم مخاطبون بأن يكون من بينهم طائفة تقوم بهذا الفعل ولا يقال يلزم أن يكون الشخص مكلفا بفعل غيره لأنا نقول كلفوا بما هو أعم من فعلهم وفعل غيرهم وذلك مقدور تحصيله منهم ولأنهم قادرون أن يخرجوا طائفة منهم لذلك وفرض العين المقصود منه
امتحان كل واحد بما خوطب به لحصول ذلك الفعل منه بنفسه لا يقوم غيره مقامه وقد يكون من فرائض الأعيان على جماعة ما يشترط في فعل غيره كالجمعة لا تصح إلا من جماعة وصارت الواجبات ثلاثة:
أحدها: ما يجب على الشخص ويسقط بفعل غيره وهو فرض الكفاية.
والثاني: ما لا يعتبر معه غيره أصلا.
والثالث: ما يعتبر في الأداء وكلاهما فرض العين ولا يسقط بفعل الغير.
إذا عرفت هذا فنقول إن قوله: إن تناول كل واحد فيسمى فرض عين لك أن تعترض عليه فيه لما علمت أن فرض الكفاية كذلك على الصحيح وتعتذر عنه بأنه استغنى بالمثال بالصلوات الخمس.
وقوله: أو واحدا معينا كالتهجد قاله جماعة غيره وهو تفريغ على أن التهجد كان واجبا على النبي صلى الله عليه وسلم وحده وأن ذلك من خصائصه وهذا وإن كان مشهورا عند أكثر المتأخرين من الشافعية فالصحيح الذي نص عليه الشافعي خلافه وأن وجوب التهجد منسوخ عنه صلى الله عليه وسلم وعن غيره وحين كان واجبا كان عليه وعلى غيره وقد اختص النبي صلى الله عليه وسلم بوجوب أشياء لا خلاف فيها منها التخيير لنسائه وغيره وقوله أو غير معين إنما يتم عند من يرى أن فرض الكفاية ليس على الجميع وقد بينا أن الصحيح خلافه.
ثم إن كل ما يتناول المعين يتناول غير المعين لدخوله في المعين فالعبارة المحررة أن تقول ويراد بالقصد ما قدمناه من مقصود فرض الكفاية أما إذا أريد معنى خوطب فلا يصح أيضا لما بينا أن الخطاب فيهما للجميع وقوله فإن ظن إلى آخره قاله الإمام مستدلا بأن تحصيل العلم بأن الغير هل فعل أولا غير ممكن إنما الممكن تحصيل الظن ولك أن تقول الوجوب على الكل معلوم فلا يسقط إلا بالعلم وليس فيه تكلف بما لا يمكن لأن الفعل يمكن فيه حصول العلم ثم قولهم إنه يسقط بفعل البعض يوهم أن فعل غيرهم بعد ذلك يقع نفلا وليس كذلك فإن كل من جاهد أو طلب يقع فعله
فرضا وإن كان فيمن سبقه كفاية وكذا إذا صلى على الجنازة ظائفة ثم طائفة وقع فعل الثانية فرضا كالأولى هذا تحقيق أن الخطاب للجميع وإنما يسقط الإثم بفعل من فيه كفاية رخصة وتخفيفا.
وقول المصنف: فإن ظن كل طائفة أن غيره إما أن يكون ذكر على لفظ كل أو على معنى طائفة وأنها تطلق على الواحد فإن كان الأول فالذي أجمع عليه النحاة أن لفظ كل إذا أضيف إلى نكرة وجب مراعاة المضاف إليه وإن كان الثاني فالحق أن معنى طائفة لا يكون للواحد لأنها مأخوذة من معنى الطواف والإحاطة وذلك لا يكون بالواحد ولو سلم صدقها على الواحد فلا اختصاص فيه بل يصدق على الجمع كما يصدق على الواحد فلا وجه للتذكير إلا إذا أريد الواحد وليس هو المراد هنا فكان التأنيث في هذا المكان أولى.