الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أدلة القائلين بالإباحة
قال احتج الأولون بأنه انتفاع خال عن إمام المفسدة ومضرة المالك فيباح كالاستظلال بجدار الغير والاقتباس من ناره وأيضا المآكل اللذيذة خلقت لغرضنا لامتناع العبث واستغنائه تعالى وليس للإضرار اتفاقا فهو للنفع وهو إما التلذذ أو الاغتذاء أو الاجتناب مع الميل أو الاستدلال ولا يحصل إلا بالتناول وأجيب عن الأول بمنع الأصل وعليه الأوصاف والدوران ضعيف وعن الثاني أن أفعاله لا تعلل بالغرض وإن سلم فالحصر ممنوع.
احتج الأول وهم القائلون بالإباحة بوجهين:
أحدهما: أنها انتفاع خال عن إمارة المفسدة فإن الكلام مفروض في فعل لا يظهر له مفسدة وخال عن مضرة المالك لأن المالك هو الله المنزه عن المضار المبرأ عن المنافع فتكون مباحه قياسا على الاستظلال بجدار الغير والاستضاءة بناره بغير إذنه فإنه أبيح لخلوه عن أمارات المفسدة ومضرة المالك فلما وجدنا الإباحة دائرة مع هذه الأوصاف وجودا وعدما والدوران يدل على علية المدار للدائر دل على عليتها لإباحة الأفعال وهي صورة النزاع فيلزم الإباحة فيها وتمثيل المصنف بالاقتباس فيه نظر لأن الاقتباس أخذ جزء من النار وهو لا يجوز بغير الإذن فالأولى التمثيل بالاستضاءة كما ذكرنا.
وقد ذكر الرافعي جواز الاستظلال بجدار الغير والاستضاءة بناره والاستناد وإسناد المتاع في أثناء كلام في القسم الثاني في الجدار المشترك من كتاب الصلح وذكر القفال المسألة في الفتاوى في واقعة جرت له مع السلطان محمود وأنه يجوز السعي في أرض الغير إن لم يخش أن تتخذ بذلك طريقا وإلا
لزم منه الضرر قال وكذلك النظر في مرآة الغير والإيقاد من ناره والاستظلال بجداره والالتقاط من حبوب الزرع المتناثر ذكر القفال في الفتاوى أيضا أنه يجوز إسناد خشبة إلى جدار الغير.
الوجه الثاني: أن المواكيل اللذيذة إن خلقت لا لغرض كان عبثا محالا وإن خلقت لغرض فلا جائز أن يعود إلى الباري لتنزهه عن الأغراض فتعين أن يكون لغرضنا وليس هو الإضرار باتفاق العقلاء فهو حينئذ النفع وذلك النفع إما أن يكون دنيويا كالتلذذ والاغتذاء أو أخرويا يتعلق بالعمل كالاجتناب لكون تناولها مفسدة مع الميل فيستحق الثواب باجتنابها أو أخرويا يتعلق بالعلم كالاستدلال بها على وجود الصانع كمال قدرته وكل ذلك لا يحصل إلا بالتناول فواضح.
وأما توقف الاجتناب عليه فلأن المكلف إنما يستحق الثواب بتجنبها إذا دعت نفسه إليها وإنما يكون ذلك بعد التناول كذا قيل والحق أن تارك المعاصي امتثالا لأمر الله تعالى مع عدم ميلانه إليها يثاب على تركها بل هو عند قوم أعلى درجة من الذي فعلها ثم انزجر عنها وأما توقف الاستدلال فلأنه إنما يكون مع معرفتها هذا تقرير الوجهين.
قال في الكتاب وأجيب عن الأول بأنا لا نسلم ثبوت الحكم في المقيس عليه فإن الاستظلال بجدار الغير والاقتباس من ناره من جملة الأفعال الاختيارية الداخلة تحت صور النزاع ولئن سلمنا ثبوت الحكم في الأصل فلا نسلم أنه معلل بهذه الأوصاف واستدلالكم على ذلك بالدوران لا يفيدكم لأن الدوران وإن كان حجة فالظن الحاصل منه ضعيف لا يستدل بمثله على هذه المسألة.
واعلم أن هذا لا يخالف قوله في القياس بحجة الدوران لأن القائل بحجته معترف بأنه جار في مجاري الظنون الضعيفة التي يستدل بها على الفروع الفقهية الجزئية دون المسائل الأصولية وأما من قال بأنه مفيد للقطع فلا مبالاة بمعتقده الفاسد وأجيب عن الثاني بأن الدليل المذكور مبني على تعليل أفعال الله تعالى
بالأغراض وقد بينا فيما سلف أنه لا يجوز تعليلها ولقائل أن يقول إذا كان الكلام في هذا الفرع مفرعا على القول بقاعدة التحسين والتقبيح وجب المشي فيه على قاعدة القوم وهم يعللون أفعال الله تعالى ويزعمون أنها تابعة للمصالح ثم قال المصنف ولئن سلمنا جواز تعليلها فلا نسلم انحصار الغرض فيما ذكرتم وجاز أن يكون الغرض في خلقها هو التنزه بمشاهدتها أو غير ذلك.