الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2-
ذهب ابن حجر إلى أن بول الكلاب وإقبالها وإدبارها كل ذلك كان في ابتداء الحال على أصل الإباحة ثم ورد الأمر بتكريم المساجد وتطهيرها وجعل الأبواب عليها، واستدل بما زاده الإسماعيلي في روايته من طريق ابن وهب في هذا الحديث -حديث ابن عمر- قال: كان عمر يقول بأعلى صوته واجتنبوا اللغو في المسجد، قال ابن عمر: وقد كنت أبيت في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الكلاب..الحديث، فأشار إلى أن ذلك كان في الابتداء، ثم أمر بتكريم المسجد حتى من لغو الكلام، وبهذا يندفع الاستدلال على طهارة الكلب.
وأما قوله في الحديث في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم-فقد أجاب ابن حجر بأنه وإن كان عاماً في جميع الأزمنة لأنه اسم مضاف؛ لكنه مخصوصٌ بما قبل الزمن الذي أمر فيه بصيانة المسجد (1) .
3-
ذهب أبو داود إلى أن الأرض تطهر إذا لاقتها النجاسة بالجفاف مستدلاً بحديث ابن عمر -يعني أن قوله: لم يكن يرشون- يدل على نفي صب الماء من باب الأولى، فلولا أن الجفاف يفيد تطهير الأرض ما تركوا ذلك، قال ابن حجر:" ولا يخفى ما فيه"(2) .
4-
ورد على من استدل بهذا الحديث بأن البول مجمع على نجاسته فلا يصلح حديث بول الكلاب في المسجد حجة يعارض بها الإجماع، وأما مجرد الإقبال والإدبار فلا يدلان على الطهارة، وأيضاً يحتمل أن يكون ترك الغسل لعدم تعيين موضع النجاسة (3) .
المبحث الرابع:
سؤر الهر
.
اختلف الأحاديث في سؤر الهر فمنها ما يفيد طهارته، ومنها ما يفيد نجاسته.
وتبعاً لهذا الاختلاف، فلقد اختلفت مذاهب الفقهاء في حكم سؤره هل هو طاهر أم نجس.
فمن الأحاديث التي تفيد طهارته ما يلي:
1-
حديث أبي قتادة"إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم أو الطوافات".
(1) ينظر فتح الباري 1/278، 279.
(2)
فتح الباري 1/279.
(3)
نيل الأوطار للشوكاني 1/43.
2-
حديث عائشة –رضي الله عنها قالت: (كنت أغتسل أنا ورسول الله –صلى الله عليه وسلم من الإناء الواحد وقد أصابت الهرة منه قبل ذلك) .
ومن الأحاديث التي تفيد نجاسته:
(لطهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبع مرات الأولى بالتراب، والهرة مثل ذلك) .
الأحاديث التي تفيد الطهارة:
الحديث الأول:
عن كبشة بنت كعب بن مالك وكانت عند ابن أبي قتادة: أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ دَخَلَ عَلَيْهَا، قَالتْ: فَسَكَبَتْ لَهُ وَضُوءًا، قَالتْ: فَجَاءَتْ هِرَّةٌ تَشْرب، فَأَصْغَى لَهَا الإِنَاءَ حَتَّى شَرِبَتْ قَالَتْ كَبْشَةُ: فَرَآنِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَتَعْجَبِينَ يَا ابْنَةَ أَخِي؟ فَقُلْتُ نَعَمْ. فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ إِنَّما هيَ مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ أو الطَّوَّافَاتِ "(1) .
الحديث الثاني:
(1) أخرجه الترمذي (1/153، 154) وقال: حديث حسن صحيح، وأبو داود (1/19، 20) ، والنسائي (1/55) ، وابن ماجة (1/131) ، والدارمي (1/187) ، وأحمد (5/296،303، 309) ، والحاكم (1/160، 161) ، وابن خزيمة (2/294) ، وابن حبان (2/294) ، والدارقطني (1/70) ، والبيهقي (1/245) ، والشافعي ص9، وعبد الرزاق (1/100، 101) ، وابن أبي شيبة (1/53) ، وصححه ابن عبد البر في التمهيد (1/321) ،والألباني في صحيح سنن الترمذي (1/92)، قلت: والحديث صحيح له شواهد عن عائشة وأنس وجابر.
عن عائشة –رضي الله عنها قالت: "كُنْتُ أَتَوَضَّأُ أَنَا وَرَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ قَدْ أَصَابَتْ مِنْهُ الْهِرَّةُ قَبْلَ ذَلِكَ "(1) .
الأحاديث التي تفيد النجاسة:
عن أبي هريرة –رضي الله عنه عن النبي –صلى الله عليه وسلم قال: " لِطهورِ
إِنَاءِ أَحدِكُم إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ أَنْ يُغْسَلَ سَبْعَ مَرَّاتٍ الأُولَى بِالتُّرَابِ، وَالْهِرَّةُ مِثْلُ ذَلِكَ " (2) .
وجه التعارض:
إن من ينظر في هذه الأحاديث التي أسلفتها وما في معناها يرى من ظاهرها أنها تتعارض.
فالأحاديث الأُول تفيد طهارة سؤر الهرة فلا يجب غسل الإناء من ولوغها، بينما يفيد الحديث الأخير -حديث أبي هريرة- نجاسة سؤر الهرة ووجوب غسل الإناء من ولوغها، وللعلماء في إزاء هذا التعارض مذاهب وأقوال لدرئه.
أقوال العلماء في درء التعارض:
(1) أخرجه ابن ماجة (1/138) ، الدارقطني (1/69) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/19) وضعفه، والخطيب في تاريخ بغداد (9/146) ، وضعفه ابن حجر في التلخيص (1/55) ، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة (1/440)، قلت: الحديث ضعيف وله شواهد يرتقي بها إلى الحسن لغيره.
(2)
أخرجه الحاكم (1/40) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين، والدارقطني (1/68) ، والبيهقي (1/247)، والطحاوي (1/19) وقال: هذا حديث متصل الإسناد، وأخرجه موقوفا أبو داود (1/19) فجعل سؤر الكلب مرفوعا وسؤر الهر موقوفا، وكذا أخرجه موقوفا الدارقطني (1/68) ، والبيهقي (1/247)، قلت: الحديث إسناده صحيح ورجاله ثقات إلا أنه معل بالإدراج، فسؤر الهر من قول أبي هريرة كما بين ذلك الأئمة العارفون.
1-
ذهب الجمهور إلى طهارة سؤر الهرة وعدم وجوب غسل الإناء من ولوغها أخذاً بأحاديث الإباحة، وممن ذهب إلى ذلك بعض الحنفية منهم أبو يوسف ومحمد بن الحسن كذا نقله عنهما الطحاوي (1)، والشافعية نقل ذلك عنهم النووي حيث قال:" قال الشافعي رحمه الله: الهرة ليست بنجس فنتوضأ بفضلها ونكتفي بالخبر عن النبي –صلى الله عليه وسلم ولا يكون في أحد قال خلاف قول النبي صلى الله عليه وسلم حجة"(2) .
وأجابوا عن الحديث المعارض بما ذكره النووي حيث قال: قال أصحابنا ولو صح حديث أبي هريرة لم يكن فيه دليل لأنه متروك الظاهر بالاتفاق، فإن ظاهره يقتضي وجوب غسل الإناء من ولوغ الهرة ولا يجب ذلك بالإجماع" (3) .
وإلى هذا ذهب المالكية أيضاً فقد قال ابن عبد البر بعد إيراد الحديث وفوائده –أي حديث أبي قتادة-" وفيه أن الهر ليس ينجس ما شرب منه وأن سؤره طاهر وهذا قول مالك وأصحابه"(4) .
وإلى هذا ذهب الحنابلة قالوا:" وسؤر الهرة وما دونها في الخلقة طاهر غير مكروه"(5) .
2-
وذهب أبو حنيفة إلى نجاسة سؤرها واحتج بما روي عن أبي هريرة مرفوعاً وموقوفاً، وبما روي عن الصحابة والتابعين في النهي عن الوضوء من سؤر الهر ووجوب غسل الإناء من ولوغه، وإلى هذا ذهب الطحاوي، قال:" وقد شد هذا القول النظر الصحيح، وذلك أنا رأينا أن اللحمان على أربعة أوجه:
1 -
فمنها لحم طاهر مأكول وهو لحم الإبل والبقر والغنم فسؤر ذلك كله طاهر لأنه ماسَّ لحماً طاهراً.
2 -
ومنها لحم طاهر غير مأكول وهو لحم بني آدم فسؤرهم طاهر لأنه ماس لحما طاهرا.
3 -
ومنها لحم حرام وهو لحم الخنزير والكلب فسؤر ذلك حرام لأنه ماس لحما حراما، فكان حكم ما ماس هذه اللحمان الثلاثة كما ذكرنا يكون حكمه حكمها في الطهارة والتحريم.
(1) شرح معاني الآثار 1/19.
(2)
المجموع 1/175.
(3)
المرجع السابق.
(4)
التمهيد 1/319.
(5)
الروض المربع للبهوتي1/104.