الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
" وأما من فرق بين الصحارى والبناء في ذلك فقول لا يقوم عليه دليل أصلاً، إذ ليس في شيء من هذه الآثار فرق بين صحراء وبنيان، فالقول بذلك ظن، والظن أكذب الحديث، ولا يغني عن الحق شيئاً، ولا فرق بين من حمل النهي على الصحارى دون البنيان وبين آخر قال: بل النهي عن ذلك في المدينة أو مكة خاصة، وبين من قال: في أيام الحج خاصة، وكل ذلك تخليط لا وجه له.
وقال بعضهم: إنما كان في الصحارى لأن هنالك قوماً يصلون فيؤذون بذلك، قال أبو محمد: هذا باطل، لأن وقوع الغائط كيفما وقع في الصحراء فموضعه لا بد أن يكون قبلة لجهة ما، وغير قبلة لجهة أخرى، فخرج قول مالك عن أن يكون له متعلق بسنة أو بدليل أصلاً، وهو قول خالف جميع أقوال الصحابة رضي الله عنهم إلا رواية ابن عمر قد روي عنه خلافها. وبالله التوفيق". (1)
قلت:
وما ذهب إليه بعض العلماء من الجمع بين الأحاديث حيث فرقوا بين البنيان والصحراء فأجازوا ذلك في البنيان ومنعوه في الصحراء هو الأولى، وذلك لأن من قال بالنسخ لا دليل معه على تقدم أحد الأمرين على الآخر، ومن قال بالترجيح أعمل بعض الأحاديث وأبطل بعضها وهي صحيحة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا وجه لإعمال أحدهما دون الآخر مع إمكان الجمع، فلما أمكن الجمع كما ذكرت وهو جمع لا تعسف فيه وجب المصير إليه والقول به. والله أعلم.
المبحث الثامن:
كيف تطهر الأرض من البول
.
وتتعارض في هذا المبحث أحاديث يفيد بعضها طهارة الأرض من البول بصب الماء عليه، ويفيد الآخر عدم الاكتفاء بصب الماء عليه بل يجب أخذ التراب الذي أتى عليه البول.
فالقارئ حين يقرأ في هذا المبحث يجد حديث أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أعرابياً يبول في المسجد فقال: "دعوه" حتى إذا فرغ دعا بماء فصبه عليه) .
(1) المحلى 1/199.
كما أنه يجد حديثاً يعارض هذا الحديث وهو قوله –صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه عبد الله بن معقل: " خذوا ما بال عليه من التراب فألقوه، وأهريقوا على مكانه ماء".
الأحاديث المفيدة طهارة الأرض بصب الماء عليها:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى أَعْرَابِيًّا يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ دَعُوهُ حَتَّى إِذَا فَرَغَ دَعَا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ)(1) .
الأحاديث المفيدة لحفر الأرض أو إفاضة الماء ثانياً:
عن عبد الله بن معقل بن مقرن قال: صَلَّى أَعْرَابِيٌّ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِهَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ فِيهِ: وَقَالَ يَعْنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: "خُذُوا مَا بَالَ عَلَيْهِ مِنَ التُّرَابِ فَأَلْقُوهُ وَأَهْرِيقُوا عَلَى مَكَانِهِ مَاءً"(2) .
وجه التعارض:
يتعارض هذان الحديثان بأن أحدهما يوجب حفر الأرض من البول وعدم طهارتها بالماء فقط، والآخر يوجب صب الماء على البول دون الأمر بالحفر.
آراء العلماء في درء التعارض:
1-
ذهب جمهور العلماء إلى ترجيح الحديث الأول، فقالوا: أن الماء يطهر الأرض من البول ولا يجب إزالة التراب وحفره.
وممن ذهب إلى ذلك الشافعية (3) ،ومالك، وأحمد (4) .
(1) أخرجه البخاري (1/322، 324)(10/429) ، ومسلم (3/190) ، والترمذي (1/275) ، وابن ماجة (1/176) ، والدارمي (1/189) ، وأحمد (3/110، 114، 167، 191، 226) ، وابن خزيمة (1/148) ، وابن حبان (2/339) ، والبيهقي (2/427، 428) ، وعبد الرزاق (1/424) ، وابن المنذر (2/175) .
(2)
أخرجه أبو داود (1/103) وقال مرسل، والدارقطني (1/132) ، والبيهقي (2/428) ،الحديث ضعفه أحمد أبو زرعة وابن الجوزي وابن الملقن وقوى ابن حجر الحديث الموصول بالمرسل تلخيص الحبير1؟ 49.وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/2) ، قلت: الحديث ضعيف وله شواهد لا يرتقي بها لضعفها.
(3)
الأم 1/53.
(4)
المغني 1/741، 742.