المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالث:هل النوم من نواقض الوضوء أم لا - دفع إيهام تعارض أحاديث الأحكام في كتاب الطهارة

[رقية المحارب]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة:

- ‌منهجي في هذا البحث:

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأول:معنى التعارض وأسبابه

- ‌معنى التعارض في اللغة:

- ‌التعريف الاصطلاحي:

- ‌شرح تعريف النووي:

- ‌شرح التعريف:

- ‌أسباب التعارض:

- ‌1- قد يقول النبي صلى الله عليه وسلم القول العام يريد به العام، والعام يريد به الخاص

- ‌2- أن يؤدي المخبر عنه الخبر متقصى، والخبر مختصراً:

- ‌3- عدم إدراك الراوي لاختلاف الحال:

- ‌4- بعض الرواة يدرك جواباً لسؤال، ولا يدرك السؤال فيرويه فتخالف روايتُه روايةَ من أدرك السؤال ورواهما جميعاً:

- ‌5- عدم التمكن من معرفة صحيح الحديث من سقيمه، فيعارض الصحيح بالسقيم، والسقيم لا يخلو أن يكون وهماً أو غلطاً أو كذباً أو وضعاً:

- ‌6- عدم فهم النص، وحمله على غير ما عني به:

- ‌المبحث الثاني:معنى الترجيح وأسبابه

- ‌أولاً: معنى الترجيح:

- ‌الترجيح في اللغة:

- ‌الترجيح في الاصطلاح:

- ‌ثانياً: أسباب الترجيح ووجوهه:

- ‌أما ما يعود إلى الراوي فأسباب منها:

- ‌هذا ما يعود إلى الراوي، أما ما يعود إلى الرواية فأسباب الترجيح فيها كثيرة، منها:

- ‌وأما ما يعود إلى المروي فأسباب الترجيح منها:

- ‌وأما ما يعود إلى المروي عنه فأسباب كثيرة منها:

- ‌وأما الترجيحات والأسباب العائدة إلى المتن فمنها:

- ‌المبحث الثالث:المؤلفات السابقة في هذا الموضوع

- ‌الباب الأولباب المياه والنجاسات

- ‌المبحث الأول: أينجس الماء بورود النجاسة عليه

- ‌المبحث الثاني:أيغتسل الرجل أو يتوضأ بفضل المرأة

- ‌المبحث الثالث:سؤر الكلب

- ‌المبحث الرابع:سؤر الهر

- ‌المبحث الخامس:ما جاء في المني

- ‌المبحث السادس:جلود الميتة

- ‌المبحث السابع:هل تستقبل القبلة أو تستدبر بالبول والغائط

- ‌المبحث الثامن:كيف تطهر الأرض من البول

- ‌المبحث التاسع:البول قائماً

- ‌الباب الثاني.وفيه مبحث:آنية الكفار

- ‌الباب الثالث.باب الوضوء

- ‌المبحث الأول:هل أكل ما مسَّت النار من نواقض الوضوء

- ‌المبحث الثاني:هل يتوضأ من مس ذكره أم لا

- ‌المبحث الثالث:هل النوم من نواقض الوضوء أم لا

- ‌المبحث الرابع:التسمية قبل الوضوء

- ‌المبحث الخامس:هل تجب المضمضة والاستنشاق في الوضوء

- ‌المبحث السادس:حكم تخليل اللحية الكثة في الوضوء

- ‌المبحث السابع:الاطلاء بالنُّورة

- ‌المبحث الثامن:" التمندل " أو استعمال المنديل بعد الو ضوء أو الغسل

- ‌الباب الرابع:باب الغسل

- ‌المبحث الأول: ماذا يجب على الجنب إذا أراد النوم أو الأكل أو المعاودة

- ‌المبحث الثاني:هل يجب الغسل بالتقاء الختانين دون إنزال

- ‌المبحث الثالث:غسل الجمعة

- ‌المبحث الرابع:هل يجب الغسل من تغسيل الميت

- ‌المبحث الخامس:هل يجب دلك الرأس من غسل الجنابة

- ‌المبحث السادس:التستر عند الغسل في الخلوة

- ‌الباب الخامسباب السواك.وفيه مبحث:حكم السواك للصائم

- ‌الباب السادس:باب الحيض والاستحاضة

- ‌المبحث الأول:ما يجوز الاستمتاع به من الحائض

- ‌المبحث الثاني:المستحاضة ترد إلى العادة أو إلى التمييز

- ‌المبحث الثالث:كيف تتطهر المستحاضة للصلاة

- ‌الباب السابع:التيمم.وفيه مبحث:صفة التيمم

- ‌الخاتمة:

الفصل: ‌المبحث الثالث:هل النوم من نواقض الوضوء أم لا

والذي أميل إليه أن الأحاديث في إيجاب الوضوء صحيحة، وضعيفها يعتضد بغيره، والأحاديث في ترك الوضوء كذلك صحيحة كما بينه كثير من أهل العلم بالحديث، فيبقى أن يقال أن القول بالنسخ أقرب وأولى؛ وذلك لأنه كان في بدء الأمر وأحاديث إيجاب الوضوء بعد ذلك، والقاعدة تقتضي القول بالنسخ إذا علم التاريخ للحديثين المتعارضين، ولم يمكن الجمع، والجمع بتأول الوضوء بأنه يقصد به غسل اليد مردود بالتصريح بإعادة الوضوء والصلاة في بعض الروايات، أما التأويل بأن مس الذكر كناية عن البول فهو بعيد متكلف، وإن كان هناك تأويل أو جمع محتمل فالذي أراه أنه ما كان من مس بشهوة فهو الموجب لأنه مظنة نزول المذي، والمذي يجب الوضوء منه، وما كان من مس بدون شهوة فهو كمن مس جزءً من جسده فليس فيه وضوء. والله أعلم.

‌المبحث الثالث:

هل النوم من نواقض الوضوء أم لا

؟

وفي هذا المبحث اختلف الفقهاء اختلافاً كثيراً في النوم هل هو ناقض للوضوء أم لا؟

وقد تولد في اختلافهم مذاهب متعددة، ويرجع هذا الاختلاف إلى ورود بعض الأحاديث

المتعارضة ظاهراً.

فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن النوم ناقض للوضوء كحديث صفوان بن عسال رضي الله عنه: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفراً ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم".

ومنها ما يدل على أن النوم غير ناقض للوضوء كحديث أنس بن مالك رضي الله عنه: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضئون".

وكحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: " بت عند خالتي ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل، وفيه (ثم اضطجع فنام حتى نفخ وكان إذا نام نفخ، فأتاه بلال فآذنه بالصلاة، فقام فصلى ولم يتوضأ) .

ذكر الحديث الذي يدل على أن النوم ناقض للوضوء:

ص: 102

عن صفوان بن عسال رضي الله عنه قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفَرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ أوَ بَوْلٍ أوَ نَوْمٍ"(1) .

ذكر الأحاديث التي تدل على أن النوم لا ينقض الوضوء:

الحديث الأول:

عن قتادة قال: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنَامُونَ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ قَالَ سَمِعْتَهُ مِنْ أَنَسٍ قَالَ: إِي وَاللَّهِ." (2) .

الحديث الثاني:

عن ابن عباس:" أن النبي –صلى الله عليه وسلم نام حتى نفخ ثم صلى، وربما قال اضطجع حتى نفخ ثم قام فصلى".

(1) أخرجه الترمذي (1/159)(5/546) وقال: حسن صحيح، والنسائي (1/83،98) ، وابن ماجة (1/161) ، وأحمد (4/239، 240) ، وابن خزيمة (1/98، 99) ، وابن حبان (2/308، 309، 310) ، والدارقطني (1/133) ، والبيهقي (1/114) ، والشافعي ص18 وفي الأم (1/34) ، والبغوي (1/335) ، وحسنه النووي في المجموع (2/18) ، وحسن إسناده الأرنؤوط في حاشية شرح السنة (1/336)، قلت: الحديث حسن لغيره.

(2)

أخرجه مسلم (4/72) ، وأبو داود (1/51) ، والترمذي (1/113) ، وأحمد (3/277) ، والبيهقي (1/120) ، والشافعي ص 11، والبغوي1/338.

ص: 103

وعنه:" بتُّ عند خالتي ميمونة ليلة فقام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل فلما كان في بعض الليل قام النبي صلى الله عليه وسلم فتوضأ من شن معلق وضوءا خفيفا -يخففه عمرو ويقلله- وقام يصلي، فتوضأت نحوا مما توضأ، ثم جئت فقمت عن يساره -وربما قال سفيان عن شماله- فحولني فجعلني عن يمينه ثم صلى ما شاء الله، ثم اضطجع فنام حتى نفخ، ثم آتاه المنادي فآذنه بالصلاة، فقام معه إلى الصلاة فصلى ولم يتوضأ"(1) .

وجه التعارض:

أن من يقرأ حديث صفوان ابن عسال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفراً ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط أو بول أونوم) ، يجد أن هذا الحديث يدل على أن النوم من نواقض الوضوء حيث قرنه معها فكأنما قال من انتقض وضوؤه بأحد هذه النواقض الغائط أو البول أو النوم فيكفيه أن يمسح على خفيه عند الوضوء.

ومن يقرأ حديث ابن عباس وفيه (ثم اضطجع فنام حتى نفخ، وكان إذا نام نفخ، فأتاه بلال فآذنه بالصلاة، فقام فصلى ولم يتوضأ) .

يجده يدل على أن النوم ليس من نواقض الوضوء حيث نام رسول الله –صلى الله عليه وسلم ثم قام فصلى، ولم يتوضأ، فلو كان النوم من نواقض الوضوء لتوضأ رسول الله –صلى الله عليه وسلم بعد أن قام من نومه لأنه يكون قد انتقض وضوؤه، وكذلك يفيد حديث أنس رضي الله عنه.

وقد درء العلماء هذا التعارض.

أقوال العلماء في درء التعارض:

(1) أخرجه البخاري (1/238)(2/344)(11/116) ، ومسلم (2/178، 179) ، وأبو داود (2/44، 45، 47، 48) ولم يذكر عدم الوضوء، والنسائي (2/218) ولم يذكر عدم الوضوء، وأحمد (1/234،245،343) وأيضاً رواه (1/284) ولم يذكر لم يتوضأ.

ص: 104

1-

درأ الشافعي التعارض بين حديث صفوان وحديث أنس –رضي الله عنه بأن نوم الصحابة –رضوان الله عليهم- كان وهم قعود، وهذا لا يعد نوماً في لغة العرب فإن النائم يطلق على من نام مضطجعاً، وحال النوم قاعداً غير حال النائم مضطجعاً، لأن القاعد يكون متمكناً من مخرج الحدث، وإنما جعل النوم من نواقض الوضوء لكونه مظنة خروج الحدث. (1)

2-

كما أضاف ابن قدامة على ما ذهب إليه الشافعي –من تفريق نوم القاعد على نوم المضطجع- تعليلاً آخر، علل به عدم إعادة الصحابة لوضوئهم، وهو أنهم كانوا ينامون نوماً يسيراً ليس فيه غلبة، ونقض الوضوء بالنوم معلل بإفضائه إلى الحدث ومع الغلبة، والكثرة تفضي إليه، ولا يحس بخروجه بخلاف اليسير. (2)

وبهذا درأ الشافعي وابن قدامة هذا التعارض بأن جمعوا بين هذه الأحاديث.

3-

قال النووي: حديث صفوان محمول على نوم غير الممكن، وهذا يتعين المصير إليه للجمع بين الأحاديث الصحيحة (3) .

ودرأ التعارض بين حديث صفوان وحديث ابن عباس بأن نومه –صلى الله عليه وسلم ليس كنوم غيره، فمن خصائصه أنه لا ينتقض وضوؤه بالنوم لكونه يعي وهو نائم ما يعيه وهو متيقظ، ودليل ذلك قوله –صلى الله عليه وسلم (إن عيناي تنامان، ولا ينام قلبي)(4) .

(1) الأم 1/12، 13 بتصرف.

(2)

المغني 1/186، 159. بتصرف.

(3)

المجموع 1/19.

(4)

أخرجه البخاري (3/33) 4 / 251، 6 / 579 ومسلم 6/16 عن عائشة رضي الله عنها.

ص: 105

4-

ذهب قوم إلى ترجيح عدم النوم مطلقاً، ولم يعتبروا الحديث المعارض، واحتجوا بعموم حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه، وبالقياس على الإغماء (1)، وبأن الآية في الأمر بالوضوء وهي قوله تعالى:(يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين....الآية)(2) نزلت في القيام من النوم، والآية والخبر إذا كان الذي أثارهما سبباً فلا بد من دخول السبب فيهما (3) .وممن ذهب إلى ذلك إسحاق وأبو عبيد والمزني قال ابن المنذر وبه أقول. (4)

5-

وذهب قوم إلى ترجيح عدم النقض بالنوم مطلقاً، ولم يعتبروا حديث صفوان وسواء كان النائم مضطجعاً أم لا، واحتجوا بالآية (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة

الآية) فذكر سبحانه نواقض الوضوء ولم يذكر النوم، وبحديث أبي هريرة رضي الله عنه (لا وضوء إلا من صوت أو ريح)(5)، قالوا: لأنا أجمعنا نحن وأنتم على أن النوم ليس حدثاً في عينه، وأنتم أوجبتم الوضوء لاحتمال خروج الريح والأصل عدمه، فلا يجب الوضوء بالشك.

وإلى هذا ذهب أبو موسى الأشعري، وسعيد بن المسيب، وأبو مجلز، وحميد الأعرج، والشيعة. (6)

قلت:

(1) المجموع 2/17، 21.

(2)

تتمة الآية)) وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم به وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون)) المائدة 6.

(3)

أحكام القرآن لابن العربي 2/559.

(4)

المجموع 2/17

(5)

أخرجه الترمذي 1/109.

(6)

المجموع 2/17-18.

ص: 106