المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول:ما يجوز الاستمتاع به من الحائض - دفع إيهام تعارض أحاديث الأحكام في كتاب الطهارة

[رقية المحارب]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة:

- ‌منهجي في هذا البحث:

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأول:معنى التعارض وأسبابه

- ‌معنى التعارض في اللغة:

- ‌التعريف الاصطلاحي:

- ‌شرح تعريف النووي:

- ‌شرح التعريف:

- ‌أسباب التعارض:

- ‌1- قد يقول النبي صلى الله عليه وسلم القول العام يريد به العام، والعام يريد به الخاص

- ‌2- أن يؤدي المخبر عنه الخبر متقصى، والخبر مختصراً:

- ‌3- عدم إدراك الراوي لاختلاف الحال:

- ‌4- بعض الرواة يدرك جواباً لسؤال، ولا يدرك السؤال فيرويه فتخالف روايتُه روايةَ من أدرك السؤال ورواهما جميعاً:

- ‌5- عدم التمكن من معرفة صحيح الحديث من سقيمه، فيعارض الصحيح بالسقيم، والسقيم لا يخلو أن يكون وهماً أو غلطاً أو كذباً أو وضعاً:

- ‌6- عدم فهم النص، وحمله على غير ما عني به:

- ‌المبحث الثاني:معنى الترجيح وأسبابه

- ‌أولاً: معنى الترجيح:

- ‌الترجيح في اللغة:

- ‌الترجيح في الاصطلاح:

- ‌ثانياً: أسباب الترجيح ووجوهه:

- ‌أما ما يعود إلى الراوي فأسباب منها:

- ‌هذا ما يعود إلى الراوي، أما ما يعود إلى الرواية فأسباب الترجيح فيها كثيرة، منها:

- ‌وأما ما يعود إلى المروي فأسباب الترجيح منها:

- ‌وأما ما يعود إلى المروي عنه فأسباب كثيرة منها:

- ‌وأما الترجيحات والأسباب العائدة إلى المتن فمنها:

- ‌المبحث الثالث:المؤلفات السابقة في هذا الموضوع

- ‌الباب الأولباب المياه والنجاسات

- ‌المبحث الأول: أينجس الماء بورود النجاسة عليه

- ‌المبحث الثاني:أيغتسل الرجل أو يتوضأ بفضل المرأة

- ‌المبحث الثالث:سؤر الكلب

- ‌المبحث الرابع:سؤر الهر

- ‌المبحث الخامس:ما جاء في المني

- ‌المبحث السادس:جلود الميتة

- ‌المبحث السابع:هل تستقبل القبلة أو تستدبر بالبول والغائط

- ‌المبحث الثامن:كيف تطهر الأرض من البول

- ‌المبحث التاسع:البول قائماً

- ‌الباب الثاني.وفيه مبحث:آنية الكفار

- ‌الباب الثالث.باب الوضوء

- ‌المبحث الأول:هل أكل ما مسَّت النار من نواقض الوضوء

- ‌المبحث الثاني:هل يتوضأ من مس ذكره أم لا

- ‌المبحث الثالث:هل النوم من نواقض الوضوء أم لا

- ‌المبحث الرابع:التسمية قبل الوضوء

- ‌المبحث الخامس:هل تجب المضمضة والاستنشاق في الوضوء

- ‌المبحث السادس:حكم تخليل اللحية الكثة في الوضوء

- ‌المبحث السابع:الاطلاء بالنُّورة

- ‌المبحث الثامن:" التمندل " أو استعمال المنديل بعد الو ضوء أو الغسل

- ‌الباب الرابع:باب الغسل

- ‌المبحث الأول: ماذا يجب على الجنب إذا أراد النوم أو الأكل أو المعاودة

- ‌المبحث الثاني:هل يجب الغسل بالتقاء الختانين دون إنزال

- ‌المبحث الثالث:غسل الجمعة

- ‌المبحث الرابع:هل يجب الغسل من تغسيل الميت

- ‌المبحث الخامس:هل يجب دلك الرأس من غسل الجنابة

- ‌المبحث السادس:التستر عند الغسل في الخلوة

- ‌الباب الخامسباب السواك.وفيه مبحث:حكم السواك للصائم

- ‌الباب السادس:باب الحيض والاستحاضة

- ‌المبحث الأول:ما يجوز الاستمتاع به من الحائض

- ‌المبحث الثاني:المستحاضة ترد إلى العادة أو إلى التمييز

- ‌المبحث الثالث:كيف تتطهر المستحاضة للصلاة

- ‌الباب السابع:التيمم.وفيه مبحث:صفة التيمم

- ‌الخاتمة:

الفصل: ‌المبحث الأول:ما يجوز الاستمتاع به من الحائض

‌المبحث الأول:

ما يجوز الاستمتاع به من الحائض

.

ومن محاسن هذا الدين الخالد؛ حثه الناس أن يكونوا طاهرين في كل أحوالهم، ومناحي حياتهم، فهو دين الطهر والسمو والرفعة والنقاء، فإن أصيب المسلم أو المسلمة بنجاسة، كجنابة أو حيض أو غيرها؛ أمرا بالتطهر. وفي مبحثنا هذا ترد الآية الكريمة التي تحث على النظافة والطهر في حال الحيض وتأمر باعتزال النساء خلاله، حيث يقول الحق تبارك وتعالى: " {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (1) .

غير أن الفقهاء -رحمهم الله تعالى- اختلفوا في معنى الاعتزال، فمنهم من ذهب إلى أن المقصود به النهي عن الجماع، ويبيح الاستمتاع بما دون ذلك، كما ذهب فريق آخر إلى أن المقصود اعتزال ما تحت الإزار، ويبيح الاستمتاع بما فوقه.

واعلم أن لكل فريق أحاديث استدلوا بها، ويرى الناظر فيها أنها تتعارض فيما بينها.

أما أحاديث الفريق الأول، فمنها:

1-

"اصنعوا كل شيء إلا النكاح".

2-

عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوباً".

وأما أحاديث الفريق الآخر، فمنها:

عن عائشة قالت: "كانت إحدانا إذا كانت حائضا فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباشرها أمرها أن تتزر فور حيضتها ثم يباشرها".

ذكر ما استدل به على أن الرجل يجب أن يعتزل من زوجته الحائض موضع النكاح فقط:

الحديث الأول:

(1) سورة البقرة الآية 222.

ص: 183

عن أنس: "أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ فِيهِمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «اصْنَعُوا كُلَّ شيْءٍ إِلَاّ النِّكَاحَ» . فَبَلَغَ ذَلِكَ الْيَهُودَ فَقَالُوا مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلَاّ خَالَفَنَا فِيهِ فَجَاءَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ فَقَالَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْيَهُودَ تَقُولُ كَذَا وَكَذَا. فَلَا نُجَامِعُهُنَّ فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ قَدْ وَجَدَ عَلَيْهِمَا فَخَرَجَا فَاسْتَقْبَلَهُمَا هَدِيَّةٌ مِنْ لَبَنٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَرْسَلَ فِي آثَارِهِمَا فَسَقَاهُمَا فَعَرَفَا أَنْ لَمْ يَجِدْ عَلَيْهِمَا. "(1) .

الحديث الثاني:

عن عكرمة عن بعض أزواج النبي –صلى الله عليه وسلم "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَرَادَ مِنَ الْحَائِضِ شَيْئًا أَلْقَى عَلَى فَرْجِهَا ثَوْبًا"(2) .

(1) أخرجه مسلم (3/211، 212) ، وأبو داود (1/67) و (2/250) ، والترمذي (5/214، 215) ، والنسائي (1/152) ،وابن ماجة (1/211) ، والدارمي (1/245) ، وأحمد (3/132، 246) ، والطيالسي ص373، والبيهقي (1/313) .

(2)

أخرجه أبو داود (1/71) ، والبيهقي (1/314) ، وابن الجوزي في التحقيق ص191 من طريق أبي داود به، قال ابن حجر في الفتح: إسناده قوي (1/404)،وصححه الألباني في صحيح الجامع (18/439) قلت: الحديث صحيح.

ص: 184

ذكر ما استدل به على أن الرجل يجب أن يعتزل من زوجته الحائض ما تحت الإزار:

عن عائشة قالت: "كَانَتْ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبَاشِرَهَا أَمَرَهَا أَنْ تَتَّزِرَ فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا ثُمَّ يُبَاشِرُهَا قَالَتْ وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَمْلِكُ إِرْبَهُ؟.

تَابَعَهُ خَالِدٌ وَجَرِيرٌ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ". (1)

وجه التعارض:

إن من يقرأ حديث "اصنعوا كل شيء إلا النكاح" يجده يدل على أنه لا يحرم على الرجل من زوجته الحائض إلا موضع النكاح –أي الجماع- وهو الفرج، وما عداه فمباح له، ويدخل فيه الفخذان.

وكذلك حديث "كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوباً" فهذا صريح في إباحة الفخذين في الاستمتاع.

أما من يقرأ حديث عائشة "أمرها أن تتزر فور حيضتها ثم يباشرها" يجده يدل على أن الفخذين لا يجوز الاستمتاع بهما لأن الاتزار يكون ما بين السرة والركبة.

وهذه المعان مختلفة، جمع بينها العلماء ودرؤوا تعارضها.

أقوال العلماء في درء التعارض:

(1) أخرجه البخاري (1/403) ، ومسلم (3/203) ، وأبو داود (1/71) ، والترمذي (1/239) ، والنسائي (1/151) ، وابن ماجة (1/208) ، والدارمي (1/244) مختصرا، وأحمد (6/33، 72، 134، 143، 174، 189، 235) بعضها مطولا وبعضها مختصرا، والبيهقي (1/310، 311) .

ص: 185

1-

ذهب ابن حزم إلى أن الرجل يحل له من امرأته الحائض كل شيء خلا الفرج، وذكر حديث أنس المتقدم، ثم قال: " فكان هذا الخبر بصحته وبيان أنه كان أثر نزول الآية هو البيان عن حكم الله تعالى في الآية، وهو الذي لا يجوز تعديه، وأيضا فقد يكون المحيض في اللغة موضع الحيض وهو الفرج، وهذا فصيح معروف، فتكون الآية حينئذ موافقة للخبر المذكور، ويكون معناها: فاعتزلوا النساء في موضع الحيض، وهذا هو الذي صح عمن جاء عنه في ذلك شيء من الصحابة رضي الله عنهم، كما روينا عن أيوب السختياني عن أبى معشر عن إبراهيم النخعي عن مسروق قال: سألت عائشة: ما يحل لي من امرأتي وهى حائض؟ قالت كل شيء إلا الفرج، وعن علي بن أبى طلحة عن ابن عباس (فاعتزلوا النساء في المحيض) قال: اعتزلوا نكاح فروجهن، وهو قول أم سلمة أم المؤمنين ومسروق والحسن وعطاء وإبراهيم النخعي والشعبي، وهو قول سفيان الثوري ومحمد بن الحسن والصحيح من قول الشافعي، وهو قول داود وغيره من أصحاب الحديث.

قال أبو محمد: وقال من لا يبالي بما أطلق به لسانه: إن حديث عمر (1) -الذي لا يصح- ناسخ لحديث أنس - الذي لا يثبت غيره في معناه - قال: لأن حديث أنس كان متصلا بنزول الآية.

(1) حديث عمر هو "سألت رسول الله –صلى الله عليه وسلم ما يحل للرجل من امرأته حائضا؟ قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم: لك ما فوق الإزار لا تطلعن إلى ما تحته حتى تطهر"، وأعله ابن حزم بأن أبا إسحاق لم يسمعه من عمير مولى عمر. 2/180.

ص: 186

قال علي: وهذا هو الكذب بعينه وقفو مالا علم له به، ولو صح حديث عمر فمن له أنه كان بعد نزول الآية؟ ولعله كان قبل نزولها! فإذ ذلك ممكن هكذا فلا يجوز القطع بأحدهما، ولا يجوز ترك يقين ما جاء به القرآن وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم اثر نزول الآية لظن كاذب في حديث لا يصح، مع أن الحديثين الثابتين اللذين رويناهما: أحدهما عن الأعمش عن ثابت بن عبيد عن القاسم بن محمد عن عائشة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: ناوليني الخمرة من المسجد، قالت فقلت: إنني حائض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن حيضتك ليست في يدك"(1)، وروينا الآخر من طريق يحيى بن سعيد القطان عن يزيد بن كيسان وأبي حازم عن أبي هريرة:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في المسجد فقال: يا عائشة ناوليني الثوب فقالت: إني حائض، فقال: إن حيضتك ليست في يدك"، فهما دليل أن لا يجتنب إلا الموضع الذي فيه الحيضة وحده (2) .

2-

ذكر ابن عبد البر هذه الأحاديث وما في معناها ودرأ تعارضها بقوله: " يحتمل أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم بمباشرة الحائض وهي متزرة على الاحتياط، والقطع للذريعة، ولو أنه أباح فخذها كان ذلك ذريعة إلى موضع الدم المحرم بإجماع، فنهى عن ذلك احتياطا، والمحرم بعينه موضع الأذى، ويشهد لهذا ظاهر القرآن، وإجماع معاني الآثار لئلا يتضاد وبالله التوفيق"(3) .

(1) رواه مسلم (3/209) ، وأبو داود (1/68) ، والترمذي (1/241) ، والنسائي (1/146) ، وغيرهم.

(2)

المحلى (2/82-84) .

(3)

التمهيد (3/174) .

ص: 187

3-

قال ابن قدامة: "الاستمتاع من الحائض بما فوق السرة وتحت الركبة جائز بالإجماع والنص، والوطء في الفرج محرم بهما، والاختلاف في الاستمتاع بما بينهما مذهب إمامنا رحمه الله جوازه، وهو قول عكرمة وعطاء والشعبي والثوري وإسحاق، وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: لا يباح، لأن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض. رواه البخاري ومسلم بمعناه. وعن عبد الله بن سعد الأنصاري أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم

ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ قال " ما فوق الإزار " رواه البيهقي.

ولنا قول الله تعالى (فاعتزلوا النساء في المحيض) وهو اسم لمكان الحيض كالمقيل والمبيت، فتخصيصه موضع الدم بالمنع يدل على إباحته فيما عداه، فإن قيل بل المحيض الحيض، بدليل قوله تعالى:(ويسألونك عن المحيض قل هو أذى) ، والأذى هو الحيض، وقوله تعالى (واللائي يئسن من المحيض) وإنما يئسن من الحيض. قلنا يمكن حمله على ما ذكرنا وهو أولى لوجهين:(أحدهما) أنه لو أراد الحيض لكان أمرا باعتزال النساء في مدة الحيض بالكلية ولا قائل به، (الثاني) أن سبب نزول الآية: أن اليهود كانت إذا حاضت المرأة اعتزلوها فلم يواكلوها ولم يشاربوها ولم يجتمعوا معها في البيت، فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فنزلت هذه الآية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" اصنعوا كل شيء غير النكاح " رواه مسلم. وهذا تفسير لمراد الله تعالى، لأنه لا تتحقق مخالفة اليهود بإرادة الحيض لأنه لا يكون موافقا لهم، ومن السنة هذا الحديث.

ص: 188

وعن عكرمة عن بعض أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها خرقة. رواه أبو داود. ولأنه وطء منع للأذى، فاختص بمحله كالدبر. وحديث عائشة ليس فيه دليل على تحريم ما تحت الإزار، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد يترك بعض المباح تقذراً، كتركه أكل الضب. والحديث الآخر يدل بالمفهوم، والمنطوق راجح عليه" (1) .

4-

ذكر البيهقي أحاديث مباشرة الحائض فيما فوق الإزار، ثم ذكر بعدها أحاديث المباشرة فيما خلا الفرج، ثم قال:"والأحاديث التي مضت في الباب الأول أصح وأبين، ويحتمل أن يكون المراد بما عسى أن يصح من هذه الأحاديث ما هو مبين في تلك الأحاديث. والله أعلم"(2) .

(1) الشرح الكبير (1/157، 158) .

(2)

السنن الكبرى (1/314) .

ص: 189

5-

قال النووي من الشافعية: " (أما) حكم المسألة: ففي مباشرة الحائض بين السرة والركبة ثلاثة أوجه: أصحها عند جمهور الأصحاب أنها حرام، وهو المنصوص للشافعي رحمه الله في الأم والبويطي وأحكام القرآن، قال صاحب الحاوي: وهو قول أبي العباس وأبي علي بن أبي هريرة، وقطع به جماعة من أصحاب المختصرات، واحتجوا له بقوله تعالى: (فاعتزلوا النساء في المحيض) وبالحديث المذكور، ولأن ذلك حريم للفرج، ومن يرعى حول الحمى يوشك أن يخالط الحمى. وأجاب القائلون بهذا عن حديث أنس المذكور بأنه محمول على القبلة ولمس الوجه واليد ونحو ذلك، مما هو معتاد لغالب الناس، فإن غالبهم إذا لم يستمتعوا بالجماع استمتعوا بما ذكرناه، لا بما تحت الإزار. والوجه الثاني: أنه ليس بحرام، وقال به جماعة. وهو الأقوى من حيث الدليل، لحديث أنس رضي الله عنه، فإنه صريح في الإباحة. وأما مباشرة النبي صلى الله عليه وسلم فوق الإزار فمحمولة على الاستحباب، جمعا بين قوله صلى الله عليه وسلم وفعله، وتأول هؤلاء الإزار في حديث عمر رضي الله عنه على أن المراد به الفرج بعينه، ونقلوه عن اللغة وأنشدوا فيه شعرا، وليست مباشرة النبي صلى الله عليه وسلم فوق الإزار تفسيرا للإزار في حديث عمر رضي الله عنه، بل هي محمولة على الاستحباب كما سبق. والوجه الثالث: إن وثق المباشر تحت الإزار بضبط نفسه عن الفرج لضعف شهوة، أو شدة ورع؛ جاز، وإلا فلا. وهذا الوجه حسن"(1) .

(1) المجموع شرح المهذب (2/362-364) وينظر شرحه على مسلم (3/205) .

ص: 190

6-

قال ابن حجر: " وذهب كثير من السلف والثوري وأحمد وإسحاق إلى أن الذي يمتنع من الاستمتاع بالحائض الفرج فقط، وبه قال محمد بن الحسن من الحنفية ورجحه الطحاوي، وهو اختيار أصبغ من المالكية، وأحد القولين أو الوجهين للشافعية واختاره ابن المنذر. وقال الثوري النووي: هو الأرجح دليلا لحديث أنس في مسلم: "اصنعوا كل شيء إلا الجماع " وحملوا حديث الباب وشبهه على الاستحباب جمعا بين الأدلة. وقال ابن دقيق العيد: ليس في حديث الباب ما يقتضي منع ما تحت الإزار لأنه فعل مجرد. انتهى. ويدل على الجواز أيضا ما رواه أبو داود بإسناد قوي عن عكرمة عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا، واستدل الطحاوي على الجواز بأن المباشرة تحت الإزار دون الفرج لا توجب حدا ولا غسلا فأشبهت المباشرة فوق الإزار. وفصل بعض الشافعية فقال: إن كان يضبط نفسه عند المباشرة عن الفرج ويثق منها باجتنابه جاز وإلا فلا، واستحسنه النووي. ولا يبعد تخريج وجه مفرق بين ابتداء الحيض وما بعده لظاهر التقييد بقولها " فور حيضتها"، ويؤيده ما رواه ابن ماجه بإسناد حسن عن أم سلمة أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتقي سورة الدم ثلاثا ثم يباشر بعد ذلك، ويجمع بينه وبين الأحاديث الدالة على المبادرة إلى المباشرة على اختلاف هاتين الحالتين"(1) .

(1) فتح الباري (1/404) .

ص: 191

7-

قال الشوكاني: "الحديث الأول يدل على جواز الاستمتاع من غير تخصيص بمحل دون محل من سائر البدن غير الفرج، لكن مع وضع شيء على الفرج يكون حائلا بينه وبين ما يتصل به من الرجل، والحديث الثاني يدل على جواز الاستمتاع بما عدا الفرج، والحديث الثالث يدل على جواز الاستمتاع بما فوق الإزار من الحائض، وعدم جوازه بما عداه، فمن أجاز التخصيص بمثل هذا المفهوم خصص به عموم "كل شيء" المذكور في حديث أنس وعائشة، ومن لم يجوز التخصيص به فهو لا يعارض المنطوق الدال على الجواز"(1) .

قلت:

والذي يترجح عندي أنه يجوز أن يستمتع الرجل من امرأته الحائض بكل شيء إلا موضع الأذى، وهو الفرج، وذلك ثابت بالدليل الصحيح، وموافق لكتاب الله، حيث علل الاعتزال في الآية بالأذى، ومعلوم أن الأذى لا يعدو الفرج إذا شدت المرأة عليه بإزار ونحوه، وما ورد من أحاديث تفيد الاستمتاع بما فوق الإزار فلا تعارض حديث أنس وما في معناه، وذلك لأمور:

1-

أنه يمكن الجمع بين الأحاديث بأنه يجوز الأمران، فإذا بين إباحة شيء فلا يعني أنه لا يباح أكثر منه.

2-

أنه يجوز أن يكون الإزار الوارد في الحديث الآخر ما يغطي الفرج وما حوله، ولا يغطي الفخذين بكاملهما، وذلك يدل عليه حديث ميمونة فيما رواه أبو داود بسنده عنها، قالت:"إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يباشر المرأة من نسائه وهي حائض إذا كان عليها الإزار إلى أنصاف الفخذين أو الركبتين تحتجر به"(2) .

ففي هذا الحديث دلالة واضحة على أنه يجوز الاستمتاع بما فوق الركبة، والله أعلم.

(1) نيل الأوطار (1/350) .

(2)

(1/450) من عون المعبود، والحديث صححه ابن القيم في تهذيب معالم السنن.

ص: 192