المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب السابع:التيمم.وفيه مبحث:صفة التيمم - دفع إيهام تعارض أحاديث الأحكام في كتاب الطهارة

[رقية المحارب]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة:

- ‌منهجي في هذا البحث:

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأول:معنى التعارض وأسبابه

- ‌معنى التعارض في اللغة:

- ‌التعريف الاصطلاحي:

- ‌شرح تعريف النووي:

- ‌شرح التعريف:

- ‌أسباب التعارض:

- ‌1- قد يقول النبي صلى الله عليه وسلم القول العام يريد به العام، والعام يريد به الخاص

- ‌2- أن يؤدي المخبر عنه الخبر متقصى، والخبر مختصراً:

- ‌3- عدم إدراك الراوي لاختلاف الحال:

- ‌4- بعض الرواة يدرك جواباً لسؤال، ولا يدرك السؤال فيرويه فتخالف روايتُه روايةَ من أدرك السؤال ورواهما جميعاً:

- ‌5- عدم التمكن من معرفة صحيح الحديث من سقيمه، فيعارض الصحيح بالسقيم، والسقيم لا يخلو أن يكون وهماً أو غلطاً أو كذباً أو وضعاً:

- ‌6- عدم فهم النص، وحمله على غير ما عني به:

- ‌المبحث الثاني:معنى الترجيح وأسبابه

- ‌أولاً: معنى الترجيح:

- ‌الترجيح في اللغة:

- ‌الترجيح في الاصطلاح:

- ‌ثانياً: أسباب الترجيح ووجوهه:

- ‌أما ما يعود إلى الراوي فأسباب منها:

- ‌هذا ما يعود إلى الراوي، أما ما يعود إلى الرواية فأسباب الترجيح فيها كثيرة، منها:

- ‌وأما ما يعود إلى المروي فأسباب الترجيح منها:

- ‌وأما ما يعود إلى المروي عنه فأسباب كثيرة منها:

- ‌وأما الترجيحات والأسباب العائدة إلى المتن فمنها:

- ‌المبحث الثالث:المؤلفات السابقة في هذا الموضوع

- ‌الباب الأولباب المياه والنجاسات

- ‌المبحث الأول: أينجس الماء بورود النجاسة عليه

- ‌المبحث الثاني:أيغتسل الرجل أو يتوضأ بفضل المرأة

- ‌المبحث الثالث:سؤر الكلب

- ‌المبحث الرابع:سؤر الهر

- ‌المبحث الخامس:ما جاء في المني

- ‌المبحث السادس:جلود الميتة

- ‌المبحث السابع:هل تستقبل القبلة أو تستدبر بالبول والغائط

- ‌المبحث الثامن:كيف تطهر الأرض من البول

- ‌المبحث التاسع:البول قائماً

- ‌الباب الثاني.وفيه مبحث:آنية الكفار

- ‌الباب الثالث.باب الوضوء

- ‌المبحث الأول:هل أكل ما مسَّت النار من نواقض الوضوء

- ‌المبحث الثاني:هل يتوضأ من مس ذكره أم لا

- ‌المبحث الثالث:هل النوم من نواقض الوضوء أم لا

- ‌المبحث الرابع:التسمية قبل الوضوء

- ‌المبحث الخامس:هل تجب المضمضة والاستنشاق في الوضوء

- ‌المبحث السادس:حكم تخليل اللحية الكثة في الوضوء

- ‌المبحث السابع:الاطلاء بالنُّورة

- ‌المبحث الثامن:" التمندل " أو استعمال المنديل بعد الو ضوء أو الغسل

- ‌الباب الرابع:باب الغسل

- ‌المبحث الأول: ماذا يجب على الجنب إذا أراد النوم أو الأكل أو المعاودة

- ‌المبحث الثاني:هل يجب الغسل بالتقاء الختانين دون إنزال

- ‌المبحث الثالث:غسل الجمعة

- ‌المبحث الرابع:هل يجب الغسل من تغسيل الميت

- ‌المبحث الخامس:هل يجب دلك الرأس من غسل الجنابة

- ‌المبحث السادس:التستر عند الغسل في الخلوة

- ‌الباب الخامسباب السواك.وفيه مبحث:حكم السواك للصائم

- ‌الباب السادس:باب الحيض والاستحاضة

- ‌المبحث الأول:ما يجوز الاستمتاع به من الحائض

- ‌المبحث الثاني:المستحاضة ترد إلى العادة أو إلى التمييز

- ‌المبحث الثالث:كيف تتطهر المستحاضة للصلاة

- ‌الباب السابع:التيمم.وفيه مبحث:صفة التيمم

- ‌الخاتمة:

الفصل: ‌الباب السابع:التيمم.وفيه مبحث:صفة التيمم

وعلى هذا فإنه يمكن أن يقال إن المستحاضة يجب عليها الوضوء لكل صلاة، ويستحب لها الغسل لكل صلاتين جمعا بين الأحاديث.

والله أعلم.

‌الباب السابع:

التيمم.

وفيه مبحث:

صفة التيمم

.

لقد أمر الدين الإسلامي بالتيسير والتخفيف ونبذ التشديد والتعسير، فعن عائشة رضي الله عنها قالت:"ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه"(1) ، ومن مظاهر هذا التيسير والتخفيف وجود الرخص فيه.

والرخص هي تخفيف من الله سبحانه وتعالى، حيث كلف عباده بأحكام قد تشق عليهم في أحوال معينة، فراعى هذه المشقة، ولم يرد لعباده العنت، فرخص لهم بأن غيّر التكليف بالأمر بشيء من التحول إلى ما هو أخف منه، وذلك لأسباب معينة عينها الشارع الحكيم سبحانه.

وأمثلة ذلك في الدين الإسلامي كثيرة.

فمثلا: أمر الله سبحانه بصوم رمضان ثم راعى عنت المريض والمسافر، فرخص لهما الفطر، وقبل منهما قضاء ما أفطراه في أي يوم بعد زوال العذر.

وكذا أمر الله عباده بغسل الرجلين في الوضوء، ورخص لهم بالمسح على الخفين في حالة لبس الخف.

وكذا أمرهم بإتمام الصلاة الرباعية ورخص لهم بالقصر في السفر، وهكذا تكاليف الإسلام تتسم بالسهولة واليسر.

ومن تلك الرخص التي امتن الله بها على عباده التيمم، فإنه سبحانه وتعالى أمر عباده بالوضوء والغسل، فلما شق عليهم بسبب عدم وجود الماء أو بسبب المرض رخص لهم بالتيمم وهو التطهر بالتراب.

ولكن اختلف العلماء في صفة التيمم، وذلك لتعارض بعض الأحاديث، فمنها ما يفيد أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين، وهو حديث عمار بن ياسر "إنما يكفيك هكذا، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض، ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه".

(1) أخرجه البخاري 9/88، ومسلم 7/80

ص: 209

ومنها ما يفيد أن التيمم ضربتان، واحدة للوجه وأخرى لليدين إلى المرفقين، وهو حديث ابن عمر " التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين".

ومنها ما يفيد أن التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المنكبين، وهو حديث عمار بن ياسر: أنه كان يحدث أنهم تمسحوا وهم مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم بالصعيد لصلاة الفجر، فضربوا بأكفهم الصعيد، ثم مسحوا وجوههم مسحة واحدة، ثم عادوا فضربوا بأكفهم الصعيد مرة أخرى فمسحوا بأيديهم كلها إلى المناكب والآباط من بطون أيديهم.

ذكر ما استدل به على أن عدد ضربات التيمم واحدة للوجه والكفين:

عن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه قال: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أُصِبْ الْمَاءَ فَقَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَمَا تَذْكُرُ أَنَّا كُنَّا فِي سَفَرٍ أَنَا وَأَنْتَ فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فَصَلَّيْتُ فَذَكَرْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا فَضَرَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَفَّيْهِ الْأَرْضَ وَنَفَخَ فِيهِمَا ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ". (1)

ذكر ما استدل به على أن عدد ضربات التيمم اثنتان للوجه والكفين إلى المرفقين:

(1) أخرجه البخاري (10/443،444، 455، 456) ، ومسلم (4/62) ، وأبو داود (1/88) ، والترمذي (1/268، 269) ، والنسائي (1/168، 169، 170، 171) ، وابن ماجة (1/188) ، والدارمي (1/190) ، وأحمد (4/263، 265) ، وابن خزيمة (1/135) ، وابن حبان (2/301) ، والدارقطني (1/183) ، والبيهقي (1/211) ، وأبو عوانة (1/303) ، والطحاوي (1/112) ، وابن الجوزي في التحقيق (1/178) .

ص: 210

عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ: ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ ، وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ "(1) .

ذكر ما استدل به على أن عدد ضربات التيمم اثنتان واحدة للوجه وأخرى لليدين إلى المناكب:

عن عمار بن ياسر أنه كان يحدث: "أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّهُمْ تَمَسَّحُوا وَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالصَّعِيدِ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ فَضَرَبُوا بِأَكُفِّهِمُ الصَّعِيدَ ثُمَّ مَسَحُوا وُجُوهَهُمْ مَسْحَةً وَاحِدَةً ثُمَّ عَادُوا فَضَرَبُوا بِأَكُفِّهِمُ الصَّعِيدَ مَرَّةً أُخْرَى فَمَسَحُوا بِأَيْدِيهِمْ كُلِّهَا إِلَى الْمَنَاكِبِ وَالآبَاطِ مِنْ بُطُونِ أَيْدِيهِمْ ". (2)

وجه التعارض:

إن من يقرأ حديث عمار بن ياسر "إنما يكفيك هكذا فضرب النبي –صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه" يجده يدل على أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين.

ومن يقرأ حديث ابن عمر " التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين" يجده يدل على خلاف ما يدل عليه الحديث الأول من جهتين:

الأولى: عدد الضربات، حيث جعلها في الحديث الثاني ضربتان.

(1) أخرجه الدارقطني (1/180، 181) ، والحاكم (1/179) ، والطبراني في الكبير (12/367، 368) ، والبيهقي (1/207) وقال الصواب وقفه على ابن عمر، وضعفه ابن حجر (التلخيص الحبير 1/160، 161)، قلت: والحديث ضعيف وله شواهد من حديث ابن عمر وجابر وأسلع بن شريك وأبي الجهيم وعائشة وكلها ضعيفة، ولكن البيهقي جعلها تقوي الحديث فقال: "حديث مسح الذراعين جيد بشواهده (السنن الكبرى 1/211) .

(2)

أخرجه أبو داود (1/86) ، والنسائي (1/167، 168) ، وابن ماجة (1/187) ، وأحمد (4/320، 236، 321) ، والطيالسي ص88، وابن حبان (2/302) والبيهقي (1/208) ، والطحاوي (1/110،111) ، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (1/116)، قلت: الحديث موصول صحيح.

ص: 211

والثانية: حدّ اليد، حيث جعلت في الحديث الأول إلى الكف فقط، وجعلت في الحديث الثاني إلى المرفق.

وكذلك من يقرأ حديث عمار الآخر " فضربوا بأكفهم الصعيد ثم مسحوا وجوههم مسحة واحدة ثم عادوا. فضربوا بأكفهم الصعيد مرة أخرى فمسحوا بأيديهم كلها إلى المناكب والآباط من بطون أيديهم" يجده يدل على خلاف الأول من جهتين، فيتفق مع الثاني من جهة عدد الضربات، ويختلف مع الأول والثاني في حد اليد، فيجعلها إلى المناكب والآباط.

وهذه معان تختلف، فوجب النظر في أسانيدها ومتونها، وقد تكلم العلماء عليها، وبينوا وجهة الصواب وكيف يدرأ التعارض.

أقوال العلماء في درء التعارض:

1-

قال ابن حبان في حديث التيمم إلى المناكب: "كان هذا حيث نزل أمر التيمم قبل تعليم النبي صلى الله عليه وسلم عمارا كيفية التيمم ثم علمه ضربة واحدة للوجه والكفين لما سأل عمار النبي صلى الله عليه وسلم عن التيمم"(1) .

2-

أورد الإمام الطحاوي حديث عمار في التيمم إلى الآباط بطرق أسلفتها ثم قال:

"فذهب قوم إلى هذا فقالوا: هكذا التيمم ضربة للوجه، وضربة للذراعين إلى المناكب والآباط.

وخالفهم في ذلك آخرون فافترقوا فرقتين، فقالت فرقة منهم: التيمم للوجه واليدين إلى المرفقين. وقالت فرقة منهم: التيمم للوجه والكفين.

فكان من الحجة لهذين الفريقين على الفرقة الأولى، أن عمار بن ياسر لم يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يتيمموا كذلك، وإنما أخبرهم عن فعلهم، فيحتمل أن تكون الآية لما أنزلت لم تنزل بتمامها وإنما أنزل منها "فتيمموا صعيدا طيبا" ولم يبين لهم كيف يتيممون، فكان ذلك عندهم على كل ما فعلوا من التيمم، لا وقت في ذلك وقتا، ولا عضوا مقصودا به إليه بعينه، حتى نزلت بعد ذلك:"فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه".

(1) الإحسان (2/302) .

ص: 212

ومما يدل على ذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة له، حتى إذا كنا بالمعرس قريبا من المدينة نعست من الليل، وكانت علي قلادة تدعى السمط تبلغ السرة، فجعلت أنعس فخرجت من عنقي، فلما نزلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة الصبح، قلت: يا رسول الله، خرت قلادتي من عنقي، فقال: "أيها الناس إن أمكم قد ضلت قلادتها فابتغوها"، فابتغاها الناس، ولم يكن معهم ماء، فاشتغلوا بابتغائها إلى أن حضرتهم الصلاة، ووجدوا القلادة ولم يقدروا على ماء، فمنهم من تيمم إلى الكف، ومنهم من تيمم إلى المنكب، وبعضهم على جسده، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزلت آية التيمم".

ففي هذا الحديث أن نزول آية التيمم كان بعدما تيمموا هذا التيمم المختلف الذي بعضه إلى المناكب، فعلمنا بتيممهم أنهم لم يفعلوا ذلك إلا وقد تقدم عندهم أصل التيمم، وعلمنا بقولها "فأنزل الله آية التيمم" أن الذي نزل بعد فعلهم هو صفة التيمم، فهذا وجه حديث عمار عندنا.

ومما يدل أيضا على أن هذه الآية تنفي ما فعلوا من ذلك، أن عمار بن ياسر هو الذي روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم قد روى غيره عنه في التيمم الذي عمله بعد ذلك خلاف ذلك.

وذكر حديث عمار بالضربة للوجه والكفين. والاختلاف فيه بما روي عنه أن التيمم للوجه واليدين إلى الذراعين. ثم قال:

"فلما اختلفوا في التيمم كيف هو، واختلفت هذه الروايات فيه، رجعنا إلى النظر في ذلك لنستخرج به من هذه الأقاويل قولا صحيحا، فاعتبرنا ذلك فوجدنا الوضوء على الأعضاء التي ذكرها الله تعالى في كتابه، وكان التيمم قد أسقط عن بعضها، فأسقط عن الرأس والرجلين، فكان التيمم هو على بعض ما عليه الوضوء. فبطل بذلك قول من قال: إنه إلى المناكب، لأنه لما بطل عن الرأس والرجلين وهما مما يوضأ؛ كان أحرى أن لا يجب على ما لا يوضأ.

ص: 213

ثم اختلف في الذراعين هل ييممان أم لا؟ فرأينا الوجه ييمم بالصعيد كما يغسل بالماء، ورأينا الرأس والرجلين لا ييمم منهما شيء. فكان ما سقط التيمم عن بعضه سقط عن كله، وكان ما وجب فيه التيمم كان كالوضوء سواء، لأنه جعل بدلا منه، فلما ثبت أن بعض ما يغسل من اليدين في حال وجود الماء ييمم في حال عدم الماء، ثبت بذلك أن التيمم في اليدين إلى المرفقين قياسا ونظرا على ما بينا من ذلك.

وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله تعالى -.

وقد روي ذلك عن ابن عمر وجابر رضي الله عنهما" (1) .

2-

وقد ناقش ابن حزم ما استدل به الطحاوي وغيره بعد أن ذكر مذهبه في صفة التيمم وهو ضرب الأرض بالكفين ثم النفخ فيهما ومسح الوجه وظاهر الكفين إلى الكوعين.

ثم ذكر ابن حزم الاختلاف في صفة التيمم وما ذهب إليه في ذلك من جعل التيمم ضربتين، وكذا مسح الآباط، وكذا المسح على اليدين إلى المرافق.

وأورد أدلة كل قوم على حدة ثم استوعب هذه الأدلة بالمناقشة والرد، فقال: "

(1) شرح معاني الآثار (1 / 110ـ114) بتصرف.

ص: 214

أما الذين قالوا: إن التيمم ضربتان، واحدة للوجه والأخرى لليدين والذراعين إلى المرافق: فإنهم احتجوا بحديث من طريق أبى أمامة الباهلي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "في التيمم ضربتان، ضربة للوجه وأخرى للذراعين"، وبحديث من طريق عمار: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إلى المرفقين"، وبحديث من طريق ابن عمر قال:"سلم رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سكة من السكك فلم يرد عليه، ثم ضرب بيديه عليه السلام على الحائط ومسح بهما وجهه، ثم ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه ثم رد على الرجل، وقال عليه السلام: "إنه لم يمنعني أن أرد عليك السلام إلا أنى لم أكن على طهر"، ثم بحديث الأسلع قال: "قلت يا رسول الله، أصابتني جنابة، فسكت عليه السلام حتى جاءه جبريل بالصعيد، فقال:"قم يا أسلع فارحل"، قال: ثم علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التيمم، فضرب بكفيه الأرض ثم نقضهما ثم مسح بهما وجهه حتى أمر على لحيته، ثم أعادها إلى الأرض فمسح كفيه الأرض فدلك إحداهما بالأخرى ثم نفضهما ثم مسح ذراعيه ظاهرهما، وباطنهما". وبحديث عن أبى ذر قال:"وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه على الأرض ثم نفضهما، ثم مسح وجهه ويديه إلى المرفقين".

وبحديث ابن عمر عن الواقدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين".

وقالوا: قد صح عن عمر بن الخطاب وعن جابر بن عبد الله وعن ابن عمر، من فتياهم وفعلهم أن التيمم ضربتان، ضربة للوجه وضربة للذراعين واليدين.

قالوا: والتيمم بدل من الوضوء، فلما كان يجدد الماء للوجه وماء آخر للذراعين وجب كذلك في التيمم، ولما كان الوضوء إلى المرفقين وجب أن يكون التيمم الذي هو بدله كذلك.

ثم رد ابن حزم على كل ذلك، أما الأحاديث فقد أعل كل حديث مما سبق بعلة.

وأما الأثر فقد رد عليه بأنه قد خالفهم علي وابن مسعود وعمار وابن عباس.

ص: 215

وأما قولهم: إن التيمم بدل من الوضوء، فرد عليهم: بأنه لا يلزم أن يكون البدل على صفة المبدل منه، لأنه يسقط في التيمم الرأس والرجلين وهما فرضان في الوضوء، ويسقط جميع الجسد في التيمم للجنابة وهو فرض في الغسل، ويجب أن يحمل الماء إلى الأعضاء في الوضوء ولا يجب شيء من ذلك في التيمم.

أما من قال بأن التيمم ضربتان، ضربة للوجه، وضربة للكفين، فقد ضعف الحديث الناص على ذلك.

أما من قال: إن التيمم إلى المناكب فرد عليه بأنه أثر صحيح، إلا أنه ليس فيه نص ببيان أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، فيكون ذلك حكم التيمم وفرضه، ولا نص بيان بأنه صلى الله عليه وسلم علم بذلك فأقره، فيكون ذلك ندباً مستحباً، ولا حجة في فعل أحد دون رسول الله –صلى الله عليه وسلم.

ثم قال: " فإذ لا حجة في شيء من هذه الآثار، فالواجب الرجوع إلى ما افترض الله الرجوع إليه من القرآن والسنة عن التنازع، ففعلنا فوجدنا الله تعالى يقول: (فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) فلم نجد الله تعالى ذكر غير اليدين، ونحن على يقين من أن الله تعالى لو أراد إلى المرافق والرأس والرجلين لبينه ونص عليه كما فعل في الوضوء، ولو أراد جميع الجسد لبينه كما فعل في الغسل، فإذ لم يزد عز وجل على ذكر الوجه واليدين؛ فلا يجوز لأحد أن يزيد في ذلك ما لم يذكره الله تعالى، من الذراعين والرأس والرجلين وسائر الجسد، ولم يلزم في التيمم إلا الوجه والكفان، وهما أقل ما يقع عليه اسم يدين، ووجدنا السنة الثابتة قد جاءت بذلك. ثم ذكر حديث عمّار –رضي الله عنه المتقدم في أول البحث "يكفيك الوجه والكفان" بألفاظ متعددة.

ص: 216

ثم قال: " وأما استيعاب الوجه والكفين فلا نعلم في ذلك لمن أوجبه حجة إلا قياس ذلك على استيعابهما بالماء". ثم قال: وذلك باطل، لأن حكم الرجلين في الوضوء الغسل، فلما عوض عنه المسح على الخفين سقط الاستيعاب فيلزم أن يسقط الاستيعاب للوجه واليدين في التيمم، كما سقط في المسح على الخفين، لا سيما ومن أصول أصحاب القياس أن المشبه بالشيء لا يقوى قوة الشيء بعينه" (1) .

3-

قال البيهقي: " قال الشافعي رحمه الله تعالى في حديث عمار بن ياسر في جعل التيمم إلى المناكب: " هذا إن كان تيممهم إلى المناكب بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو منسوخ، لأن عمارا أخبره بأن هذا أول تيمم كان حين نزلت آية التيمم، فكل تيمم كان للنبي صلى الله عليه وسلم بعده فخالفه فهو له ناسخ" (2) .

4-

قال ابن عبد البر: "لما اختلفت الآثار في كيفية التيمم وتعارضت كان الواجب في ذلك الرجوع إلى ظاهر الكتاب، وهذا يدل على ضربتين، للوجه ضربة ولليدين أخرى إلى المرفقين، قياسا على الوضوء واتباعا لفعل ابن عمر رحمه الله فإنه ممن لا يدفع علمه بكتاب الله، ولو ثبت شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك وجب الوقوف عنده"(3) .

5-

ودرأ ابن الجوزي التعارض بين حديث التيمم إلى المناكب، وأحاديث التيمم الأخرى؛ بأن فعلهم للتيمم إلى المناكب كان بآرائهم، فلما عرفهم الرسول –صلى الله عليه وسلم حد التيمم انتهوا إلى قوله. أما تعارض أحاديث التيمم إلى المرفقين مع أحاديث التيمم إلى الكفين فقد درأه بأن أجاز الفعلين، جمعا بين الأحاديث. (4)

قال ابن عبد الهادي: "وفيما قاله ابن الجوزي نظر، لأن في حديث ابن عمر وحديث جابر "التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين"، وظاهر هذا أنه لا يجزئ إلا ذلك. (5)

(1) المحلى (2/146-157) .بتصرف

(2)

السنن الكبرى (1/209) .

(3)

التمهيد - (19 / 287) .

(4)

التحقيق (1/179-182) .

(5)

التنقيح بهامش التحقيق (1/183) .

ص: 217